١٣
«هل يوجد أحد هنا؟».
في الغرفة المظلمة سُمع صوت الرّجل المقيّدة أطرافه جميعها بأصفاد معدنية صدئة تقريباً، خرج غائماً من خلف قطعة القماش البيضاء التي تغطّي فمه، أخرى مماثلة تحجب معظم أشعة الضوء من الوصول إلى عينيه.
في ركن على مقربة منه تتوضّع فتاة أعلى كرسي معدني متوسّط الحجم، يديها مضمومتَين إلى ظهر المَقعد يلتفّ حولهما حبل ثخين الخيوط، من مظهر عقدته المحلولة جزئياً يمكن التنبؤ بأنّ وظيفته في هذا الموقف لا تشبه تلك المتوقَّعة منه عادةً.
عوضاً عن الإجابة بالكلمات، انهالت قدما الفتاة بالضربات على الأرضية الاسمنتية بشدة وبإيقاع مجنون.
«هل أنت رهينة جديدة؟ هل تعرف أين نحن الآن؟».
مع الأمل يتعاظم بداخله تحدّث شيانغ جيان.
«امممم».
«حاولي أن تنطقي بشيئ، قد أفهمك».
هو شجّع الفتاة التي لا يراها.
«أظنّ أننا في مستودع».
بالفعل، تمكن الرّجل المقيد من إدراك ماهية الكلمات التي خرجت مشوّشة من الفاه المُكمّم.
«عيناكِ غير معصوبتان؟».
تساءل شيانغ جيان.
«لا!».
هو ابتسم عندما التقطت أذنه الحروف الأخيرة.
«هل تستطيعين رؤية شيئ قد يساعدنا على التحرر؟».
قال ذلك وانتظر بصبر لحظات طويلة إلى أن وصلته الإجابة أخيراً: «هناك الكثير من آلات التدريب».
«انظري مجدداً. هل هناك ما هو أكثر أهمية؟».
هو لن يسمح لليأس بأن يتسلل إليه. ليس بعد اليوم..
«أظن أنني أرى مفتاحاً ما».
«ممتاز! أهو قريب منكِ؟ هل بإمكانك الوصول إليه؟».
هزّت رأسها كما لو أنّه سيرى ذلك مع وضعه الحالي.
ثمّ بدأتْ بمحاولة دفع الكرسي نحو الطاولة حيث يتواجد الغرض المطلوب.
أنصتَ الرجل المُقيّد إلى الضجة المُحمِّسة التي تفتعلها جارته في الحجز.
في هذه اللحظة هو لم يُتعب رأسه في التفكير، الحرية تلوح له من بعيد وهو مرحّب.
مجموعة من الآهات صدرت عن الفتاة فجأة.
«ماذا بكِ؟».
«أعتقد أنني استطعت تحرير يديّ».
قالت ذلك لتضحك تالياً ببهجة واضحة.
سحبتْ القطعة المنسوجة نحو الأسفل لتتركها حول عنقها الطويل بتعابير جامدة، ولكنها تحولّت إلى مشمئزة ما أن التفتت للرجل على يسارها لتقول: «يااه كم مضى على وجودكَ هنا؟».
علم المَعميّ أنّها أزالت الكمامة. وهذا ضاعف آماله.
«ماذا عن المفاتيح؟».
«آه تلك. أظنّها لقفل الباب».
أجابت بينما تحكّ خصلاتها المجعّدة بالقطعة المعدنية.
«أعيدي مَسح المكان. هل ترين شيئاً آخر؟».
لو أُتيحت له رؤية ما توجّهه عيناها من شرارت حاقدة نحوه، لأجبر نفسه على التفكير مجدداً.
بتلقائية مدّت الفتاة يدها نحو الوسادة القريبة، التقطت حزمة مفاتيح وأخذت تصدمها ببعضها مرات متتالية بنيّة كسب انتباه الآخر.
وهذا حصل فوراً، إذ أمال رأسه باتجاه الصّوت مبتسماً.
«هل هذه هي؟».
طرح سؤاله بتردد الآن.
«سأجرّبها على أصفادي. انتظر قليلاً بعد».
أومأ الرجل يركّز سمعه جيداً.
«لقد نجحت. لقت نجحت».
صاحت الفتاة.
«انتظرني أنا قادمة».
تحرّكَ الرّجل في موضعه بحماسة يشدّ على أطرافه المتقرّحة.
عندما وصلتْ إليه، أزاحت الفتاة ما يمنع الرجل من الرؤية والنطق، خلال ذلك خدشتْه بإظفرها غير المقلّم لتعتذر من فورها وتنقل عملها نحو يديه تفتح القفل.
ما أن اقتربت يداها من قدمه انتفض شيانغ جيان، يختطف المفتاح منها ليكمل المهمة بنفسه.
«هل تذكرين شيئاً؟ هل خرجَ ذاك السّافل؟».
حدّث المصدومة من الموقف السّابق والتي هزّت رأسها تنفي.
«ولكن لماذا جلبَني إلى هنا؟».
بصوت خافت تساءل.
-
دقائق قليلة سبقت وقوف الاثنين متجاورين أمام البوابة اللامعة داكنة السّواد.
«هل ستقصدين الشّرطة؟».
أومأت المَعنيّة تعقد شعرها برباط مطاطي بيديها الخاليتَين من أي خدوش.
«بالتأكيد سأفعل!».
«جيد، ولكن تذكّري ألا تقحميني فيما ستفعلين.
أخبريهم أنك وحدكِ من كُنتِ المُختطَفة هنا.
هل هذا مفهوم؟»
«مفهوم».
ردّتْ.
تخطّاها الرجل، ما يزال بثيابه الرّثّة ذاتها، بعض الجروح متفاوتة العمق والقِدَم تظهر في مواضع مختلفة من جسده.
في طريقه اعترضه عدّة أشخاص بتحديقات متفحّصة، إلا أنّهم لم يتمكنوا من قرائته فانقلبوا إلى أمورهم متجاهلين إياه.
لطالما كان شيانغ جيان رجلاً جاذباً للملاحظة عصياً على كسب أي اهتمام متواصل، هذه المفارقة وسمتْ شخصيته متجذّرة فيه.
-
ما أن غاب الرّجل عن مرمى ناظريها، أخرجت الفتاة هاتفها المحمول من جيب معطف الجينز الطويل الذي ترتديه.
ضغطت زرّ التشغيل بينما تمشي مبتعدة عن المنزل.
أضاءت الشاشة وانهالت الرسائل والإشعارات، جميعها من جهة اتصال واحدة ‹لو هان›.
‹هل نجح الأمر؟›
‹أين أنتِ الآن؟›
‹هل أنتِ بخير!!›
‹أجيبيني›
‹أخبرتكِ أنّ هذا خطير. ريمي! عودي فقط!›
نقرتْ على أيقونة التّسجيل الصّوتيّ، وما فعلته تالياً كان الضّحك!
أرسلتْ مقطع بطول ثلاثين ثانية لا يحتوي على شيئ سوى ضحكات صاخبة متتالية.
ثم طبعت: ‹أنا بخير تماماً.
يا رجل! هل قلت إنّه مخيف؟. هو يثير الرغبة بالقتل نعم! ولكن مخيف؟ أبداً».
من مسافة قريبة لمحتْ مونا، كانت الأخرى شاردة الذّهن تصبّ اهتمامها بأكمله على الأرض المستوية أسفل قدميها.
اختبئت خلف إحدى الأشجار حتى دخلت مونا منزلها مغلقة الباب خلفها، حينها فقط تابعت ريمي مسيرها.
وصلت نهاية إلى سيارة صغيرة مفتوحة السّقف مطلية بأزرق فاقع، كانت مركونة أمام أحد المحال التجارية المعنوَن ‹Core›.
بينما تتمركز مقابل عجلة القيادة بدأت اتصالاً مع لوهان.
أعادتْ الهاتف إلى جيبها، تستمع للطنين ذي الإيقاع الرتيب وتنتظر الرد الذي أتى سريعاً على هيئة حَفنة من الجمل عشوائية المعنى والمحتوى، تشترك جميعها بأنّها قادرة على منح الفتاة صورة تقريبية عن الوضع حيث وصل لوهان بحلول الآن، عباراته تصرخ بما يعتريه ويشغله من خوف، توتر، وشعور بالذنب!.
«أنا أنا آسف لأنّي أقحمتكِ في هذا»
«هل أنتِ بخير حقاً؟»
«لماذا لا تقولين شيئاً!»
«آسف لم أتعمّد الصّراخ، أنا فقط قلق».
«هل يمكننا أن نلتقي الآن؟».
هذا فقط ما تفوّهت به الفتاة بنبرة هادئة.
تنهّدت عندما لم تحصل على إجابة.
«لا! ماذا تريدين بعد؟ لن أنتظر أكثر من هذا. ولا، لن تحوّلي تفكيري مجدداً!».
بلهجة صارمة قال لوهان.
«ألا أستطيع رؤيتكَ للمرة الأخيرة فقط؟».
أصرَّتْ.
«بإمكانك زيارتي في السجن. ألا تعلمين ذلك؟».
هو أراد تلطيف الأجواء. ولكنّ الصّمت المُريب إذ انبثق فجأة أنبأه بفشل مسعاه.
«لدينا ساعتين قبل أن يكون العم أشرف في منزله. تعالي ولكن بسرعة، أنا مع وانغ كاي الآن».
قال ذلك وأقفل المكالمة.
انسلّتْ ريمي بالمركبة من الطريق العام المزدحم وانعطفت باتجاه جسر فارغ حيث توقفت وانهارت ببكاء مرير، ذرفت دموعها مع حزنها، خوفها، حقدها على الجميع وعلى القدر أيضاً..
-
أي أسئلة؟
أي توقعات؟
-
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top