١٢
Lu Han POV
هل تذكرون القصة عن مُلهمتي الشّجاعة، الدّؤوبة، والصّلدة؟ سيلا.
عندما رويتُها للمرة الأولى، صُدمتُ بما تلقّيتهُ إزائها.
في البداية، ظننتُ أنّ الجميع سيمجّدون ذكرى بطلتي العزيزة ما أن يحظوا بشرف معرفتها.
ولكن ولعظيم خيبتي، هي مرّت عليهم كطيف باهت الأثر، كصورة مألوفة.
لم يصلهم ما أقصده.
يوماً بعد يوم، يذوب كوكبنا في محيط الجاذبيّة.
لطالما تطلّعنا نحو الضّوء، والآن يكادُ يعمينا.
اعتادت أعيننا على الإنارة القوية، مَن تسبب بهذا؟.
اليوم يلزمنا أكثر من مجرّد حياة إنسان طبيعي لنكترث، لنشعر، لنعجب.
اليوم إن لم تحالفه هالة برّاقة، فإنّ الشّخص _مهما كان ناجحاً_ لن يجذب أحداً حتى نفسه..
حينها سهرتْ مونا اللّيلة بأكملها تنسج وتشبك خيوط حبكة جذّابة كانت لتبهر أيّ مُنصِت.
ولكن، لماذا لا يقدّرون قدوتي لشخصها؟
أعليّ أن أطمح لأجعلها تنال هذا التّقدير حتى؟. لا أظنّ ذلك.
لطفل في السّابعة _لم تنجح مؤثّرات الجاذبيّة الخادعة الحديثة في إذابته بعد_، أُعجبتُ بسيلا لشجاعتها وليس لما تملكه من خطط استباقية مبتكرة وأحياناً ماكرة.
لم يخيّبني فشلها. بل أحببتها عندما تخطّته لتنهض من جديد.
لم أسمح للملل بأن يصيبني حين ابتعدتْ عن طريقها، وعن غايتها.
كنت أثق بها لأنها إنسان مثلي، وليست بطلة خارقة.
كانت كائناً محاطاً بالمعوِّقات من كلّ جانب، لو أنّها صديقاً مضيئاً لما حظيت باهتمامي ولو لثانية.
تُرى هل ذاب طفل السّابعة بحلول الآن؟.
حقيقةً، أنا لا أدري.
ولكنّني ممتن لمعرفتها بينما لم أكن بعد قد خسرتُ لذّة الانبهار بما هو إنسانيّ وطبيعيّ.
-
أوقفتُ سيارتي في القرية الصّغيرة حيث تقطن عائلة سجيني.
هل يحقّ لي اتخاذ أسرى حتى؟ هذا غير مهم الآن.
طرقتُ الباب، أنتظر الرد الذي أتى سريعاً على هيئة فتاة وصبي بزيّ الحضانة الموحّد أبيض اللّون.
«يا صغار مَن في الخارج؟».
صوت نسائي سُمِع.
لم يتسنّى للطفلين إجابة أمهما، إذ إنّها قدمتْ من فورها، تحمل بيدها مغرفة طبخ خشبية تثرثر بشيئ ما تحت أنفاسها مبتسمة، ولكنّ ابتسامتها انحسرت ما أن رفعتْ رأسها ورأتني.
بحركات تبدو طبيعية للرّائي إلّم يدقّق فيها، ودّعتْ طفليها مؤكّدة عليهما أن يبقيا بقرب بعضهما طوال فترة مكوثهما في الحضانة إلى أن تأتي ظهراً لاصطحابهما إلى المنزل.
أخيراً هي التفتت إليّ.
وسرعان ما أزالت تعبيراتها المرتاحة المزيّفة، تُظهر لي خوفها، شعورها الحقيقي الوحيد في هذه اللحظة.
اخترتُ أن أتمثّل بالمجرمين؟ إذاً فليكن ذلك التشبّه بأجوَدهم.
نعم، هناك مقياس للجودة بين فئات المجرمين، على الأقل، الأمر هكذا بالنسبة لي.
أفضل أنواع الجُناة، هو الجاني المخيف.
أما أسوئهم على الإطلاق، فهو ذاك الذي يتكلّف برسم صورة جميلة تغطّي على سفالته.
فيرتديها أينما حلّ، أمام الأعداء والأصدقاء على السّواء، يجعل من المستحيل على الآخرين توقع حقيقته.
لذلك، ابتداءً من اليوم وإلى أن تتطوّر أساليب مسح الثلج الخادع بحثاً عن الشّر الكامن خلفه، عندما تقابلون شريراً فتتعرفون إليه من وجهه المقيت وتصرّفاته المشينة، فتكرهوه.. تذكّروا أنّه شيطان ذو نوعية قيّمة ويحتاج إلى بعض التقدير!.
تبعتها بصمت نحو غرفة المعيشة
جلستُ أين فعلت في زيارتي الأولى لهذا المنزل منذ بضعة أيام مضت.
وقفتْ أمامي، لا تخفي رهبتها المَشوبة بضغينة محمومة.
«هل أخبرتِ أخيك أو أي أحد آخر؟».
«لا. أنا أقسم لك، لم أخبر أحداً أيّاً كان».
قاطعتُها بإشارة متململة من يدي لأخرج ملف مرصوصة أوراقه بين دفّتَين ثخينتَين بلون أحمر قاتم.
وضعته على سطح الطاولة، وهي التقطته من فورها بيدين مرتجفتَين، تنظر له تكاد تسقط أرضاً من هول ما تشعر، أجزم أنّها تعلم ما يحويه بالفعل.
انزحتُ بجسدي قليلاً نحو ذراع الأريكة بينما أشير إلى الموضع الفارغ بجانبي أحثّها على الاقتراب.
بعد لحظات قليلة، انصاعت لي وما تزال تتمسك بما تحمله كأنّها تخشى ضياعه، ولسخرية القدر هي تتمنى لو أنّه فقط يختفي من الوجود فيعيد السكينة لحياتها البائسة..
«قبل كلّ شيئ، هل قرأتِ رسالتي بالفعل؟».
أومأتْ فقط.
وبحثتُ في عينيها الخائفتَين عمّا قد يُظهِر لي ارتيابها مما علمته أو عن شكّها من صدق ادعاءاتي!
ولكن لا شيئ، تبدو كما العارفة، كما المتيقنة.
واحدة تمقت ما تدركه.
«هل تودّ حقاً مساعدتنا؟ ألا ترى أنّكَ تحجزني في حيّز ضيّق للغاية؟».
في الحقيقة، أُقدّر شجاعتها إذ دفعتْها لتحدّثني هكذا!
«هذا فقط ما تقوليه؟
تكبّدتُ مشقّة تعلّم لغة جديدة من الصّفر فقط لكي أكتب هذه الرّسالة، وأنتِ الآن تردّين معروفي بهذه الطّريقة؟
أنت قاسية جداً».
«أنا ممتنة حقاً، ولكنّني تائهة بالقدر ذاته وربما أكثر».
السّخرية في نبرتي واضحة لا تحتاج إلى تنقيب، ولكنّها تلقّتها برحابة صدر.
وهذا يؤكّد لي أكثر فأكثر أنّها على إطلاع ولو سطحيّ بالكوارث التي افتعلها زوجها؛ الشّرير ذو النّوعية السّيئة.
«لو أنّك فقط تفكّرين برويّة، لن تريه بمثل ما وصفتِه من ضيق».
«حسن».
صفّقتُ بتلقائية أستدعي اهتمامها.
«دعينا نتفق أولاً بأنّ ما تحتويه الأوراق بين يديكِ لن تعينك على خداعي. هل تفهمين ما أقول؟».
أومأت بصمت عاجزة عن التفوّه بأي كلمة.
«بينما نحن نتحدّث الآن، فإنّ زوجك قد تمكن من الهرب.
لا أرغب بمنحكِ صدمة أخرى ولكنّه لن يأتي إلى هنا في أي وقت قريب، بل سيبحث عن ملجأ قذر ما.
ومؤكد تعلمين أنّه لا مفرّ له مني؟».
هزّت رأسها إيجاباً.
ولثقله بالأفكار مللتُ حقاً هذه المرة من بطئ المشهد.
«أنا لستُ هنا لتقديم النّصح. لا يهمني أنّك ستحاولين حمايته بكلّ ما أوتيتِ من محبة، بالرغم من سوءه الذي قد يطالك يوماً ما..
إذاً لنختزل المُدخَلات، لديكِ سبيل واحدة لحمايته، قومي بتسليم ما تلمسه يداك الآن للجهات المختصة».
«بهده الطّريقة فقط ستتمكنين من تجنيبه حقدي وكذلك غضبي».
«أظنّ أنّ صورته بحبل الآثام ملتفّ حول عنقه، سيكون وقعها عليكِ أخفّ وطأة من أُخرى بطعنات تخترق جسده المذنب تلطّخه أبداً بما اقترفه من جنح.
ألا توافقينني الرأي؟».
تصنّعتُ التودّد في سؤالي، وهي استقبلته برحابة مجدداً.
«ألا يمكنكَ حملُ هذه المَهمة عنّي فقط؟».
نفيتُ بعبوس.
وتباً، لماذا لا تثور فتمزّقني إرباً؟
ألا يحقّ لي _مثله_ مُحباً قادراً على أن ينجيني من عاقبة أفعالي؟.
«هل أحتاج لإخباركِ أنّكِ لا تستطيعين إطلاع وورين عليها قبل تنفيذ جانبكِ من الاتفاق؟».
بلهجة جدية الآن تكلمت.
«يا ليتني أستطيعُ ذلك.
كن مطمئناً، وورين لن يُتعب نفسه في إنقاذ زوجي من براثنك، بل إنّه قد يهيئ لكَ جوّاً مناسباً».
لم أفهم ما تقصده. ولكنني على أيّة حال استقمتُ ببطئ لأتوجّه تالياً إلى المكتبة المبهرة _والتي في موقف آخر أكثر بساطة كنتُ لأسمح لدودة الكتب الطّفيلية بداخلي أن تتفقدها بالتأكيد_ حيث تقبع الورقة الصّفراء، رسالتي إلى هذه السّيدة المظلومة، بلغة إسبانية جيدة ومنمّقة عانيتُ بشدة خلال رحلتي القصيرة لإتقانها.
التقطتُ الورقة من جانب كتاب يحمل عنوان ‹جريمة عازف› وهي إحدى أجزاء سلسلتي الخاصّة الموجّهة للمحققين الطّموحين باسم أظنّه معبّراً ‹إلى صغار لوهان›، وأودُّ بشدّة أن يقدروا على التمتّع بها والاستفادة منها بمعزل عمّا سيصلهم عنّي قريباً.
ألقيتُ نظرة على السيدة التي تركتها خلفي منهارة فاقدة التركيز منذ لحظات قليلة مضت.
ما تزال على وضعها السّابق، ولكنّ بصرها موجّه إليّ.
ولا أعلم حقاً، هل خفتَ الحقد المحموم في عينيها بحلول الآن أم أنني أتوهّم ذلك فقط؟.
«عندما تنتهي هذه الأحداث، ستكون روحي ممتنة _من الموضع حيث استقرت؛ أياً كان_ إن قرأتي الصّفحة الأخيرة في كتاب النّصائح الخاص بي، أنتِ المَعنية الأولى بما يوجد فيها».
-
إجمالي عدد الكلمات = 15800
آي أسئلة؟
أي توقعات؟
-
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top