ما بعد النهاية

يجلس وورين أمام مِنضدة خشبيّة تعلوها زجاجات من المياه المعلبّة والعديد من مكبرات الصّوت مختلفة الأشكال.

يرتديّ بذّته الرسميّة مع ثلاثة أوسمة قد تحصّل عليها خلال مسيرته المهنية القصيرة، وبطاقة اسميّة تحمل اسمه ‹جانغ وورين›.

إلى يمينه تجلس عضوة فريقه، إشارتها تُظهر هويتها ‹لي ميينغ›.

الشرطي المدعو ‹لي وانغ كاي› استقرّ بجوار قائده من النّاحية الأخرى.

جميعهم لديهم إشارات دالّة على الحَداد تسِم ستراتهم.

مقابل الفريق اصطفّتْ أفقياً الكثير من المقاعد، يشغلها رجال ونساء مزوّدين بمعَدات تُبين طبيعة ما يعملون كصحافيين ومراسلين تابعين إلى جهات إعلاميّة مختلفة؛ بعضها خاصّة وأخرى حكومية، منها المحليّة ومنها الدوليّة.

«نحن نعتذر بصدق عن تقصيرنا.
بالصّفة الممنوحة لي أُعلن خجِلاً فشلنا في سبر أغوار القضايا الثلاث التي روّعت الشارع مؤخراً، أتحمل المسؤولية بالكامل عن كلّ ما حصل وعن إخفاقنا».

تنهّد وورين، ليتابع حديثه بنبرة تخلو من أيّ تعابير: «هذه السّلسلة أُغلقت بغير رجعة ضدّ مجهول».

نشبَتْ ثرثرة لحظيّة صادرة عن جموع المُستمعين.

نظر وانغ كاي إلى يد قائده المَضمومة بقَبضة مُحكَمة، هو وإذ يعجز عن قراءة ما يدور بداخل رأس الرّجل بجانبه، يشعر بالامتنان العميق له لما آلت إليه الأمور.

عندما أعلن المحقق عن استعداده لتلقّي الأسئلة تعالى الضجيج مجدداً.

أشار وورين إلى شخص ما، الذي وقف يرتجل سؤاله: «ذكرتَ أنّ القضايا متسلسلة، فهل هذا يعني أنّ المجرم واحد؟».

«نحن نجهل هوية المجرم. ولكن تبعاً لما توصلنا له حتى الآن، بإمكاننا التنبؤ بأنّ الجرائم الثّلاث نُفِّذت بذات الأسلوب والتخطيط».
أجاب وورين، صوته لا يزال يحتفظ بهالته الجامدة والواثقة، بذات الوقت يستطيع أيّ كان استشعار ما يتخلّله من إحراج، ولكن تبقى حقيقته من عدمها غير خاضعة للتحديد.

«ما هو سبب تواجد المحقق المتقاعد لو هان في موقع الجريمة الفاشلة الأخيرة؟ وما الحقيقة خلف مقتله؟».
صحفية تبدو في أواخر العشرينات قالت ذلك، لتعود لمقعدها بينما تموضع خصلتها المنسدلة خلف أذنها.

تحمحم وورين ليجيب: «كما صرّحنا مسبقاً. تعرّض المحقق المتقاعد للاغتيال في أثناء تقديمه العون للسّلك الجنائي».

كان يقدّم العون؟ تعرّض للاغتيال؟

ودّت ميينغ لو تصرخ بذلك، فتثير الشّكوك وتقتلع الغطاء عمّا تمّت توريته.

بتفكيرها غادرت قاعة المؤتمرات، متجاوزة في خطّ الزمان عدة أيام قد مضت.

ما تزال العبارة التي خرجت من فاه رئيسها المباشر تؤرّقها: «الدلائل جميعها أصبحت بحوزة لي وانغ كاي. أتلفاها. هذا أمر ولا أقبل أي مجادلة فارغة».

صدمها ذلك القول، وحتى بعد مرور كل هذا الوقت لم يخبو وقع الصدمة من رأسها.
لماذا تصرّف قائدها المتفاني على ذلك النّحو؟
بل إنّها لم تتخطى بعد إدراكها سوء مَن عدّته لفترة طويلة رجل قانون من الطّراز الرّفيع.

-


نور خافت هو ما تحسّست له عينا وورين الدّامعتين.

ما يزال بثيابه الرّسمية ذاتها من الصّباح وقد تهدّلت جزئياً.

خصلاته التي كانت حتى وقت قريب مصفّفة بعناية، طالها التخريب بدورها فأمست رطبة لامعة ومتلبّدة.

عبر ممر مَهيب يؤدي إلى المقبرة الوطنية، سار المحقق يقصد شاهدة بعينها.

ما أن لمحها حتى أبطأ خطواته يتوقف أخيراً.

يتنهد مراراً، عيناه مغمضتان، يتنفس بوتيرة سريعة.

يده تحمل القبعة يقبض عليها بضعف.

بصره موجَّه إلى الصّورة المُؤطَّرة بإطار زجاجي أمامه، ولكن ما يراه مختلف.

تفكيره محصور في مشهد سابق عاشه مؤخراً، مشهد تسبب في قلب موازينه.

-

المساء التالي لإعلان نبأ وفاة شيانغ جيان

بيده اليمنى غمر وورين ظهر الصبي الذي أصبح يتيماً، بالأخرى ضغط مقبس الضوء على الجدار بجانبه يأتي بالنور إلى المكان.

الأنفاس المنتظمة تلفح عنقه الرّطب بفعل الوجه المبلل بالدموع المغمور به.

سار بالطفل بين ذراعيه يضعه على السّرير بجوار شقيقته، يغطيهما بملاءة خفيفة ياقوتية اللّون.

سرعان ما اقترب التوأم من بعضهما تلتف الفتاة لتدفن نفسها بصدر أخيها، شهقات متقطّعة ما تزال تخرج من شفتيها المتفرّقتين.

عضّ الرجل لسانه يحاول كبح سيل دموعه من الهطول.

بهدوء عاد أدراجه يترك الباب مفتوحاً وكذلك المصباح.

في الصالة أرخى جسده على الوسادة الأرضية بالقرب من أخته المتكئة بظهرها إلى الجدار المغطى بطبقة اسفنجية على شكل دائرة، عيناها مغلقتان، جسدها هامد ولا شيئ يدلّ على استيقاظها سوى من كفيها المتشابكين أعلى حجرها، تفتعل بهما طرقعات بصوت خفيض على فترات متقطعة.

«عندما تحدّثنا صباحاً سمعتُ صوت تلك المرأة من البرنامج التلفزيوني، ما الذي أرادته منك؟».

أدار وورين رأسه يجدها على حالها.

مرأة من برنامج تلفزيوني؟› فكّر المحقق.

«آه. كانت تلك ريتا مقدمة برنامج قلب بيجين».

«أعلم. سألتك ماذا تريد منك؟».
بدا وكأن المرأة استنفدتْ كل طاقتها، وحتى الحديث أصبح عملاً شاقاً بالنسبة لها..

«لا شيئ مهم».
باقتضاب أجاب الرجل.

انتظر إلحالحاً، مشادة من نوع ما، ولكن المتعَبة صمتت فقط.

في النّهاية، قرر البوح بما في جعبته: «قالت شيئاً عن تقرير حول المحقق الراحل، حياته، مسيرته وما إلى ذلك.. أرسلتها إلى زميل لي».
أجاب يدّعي عدم الاهتمام.

«أظنّ أنّك تحتاج لمعرفة هذا. أنا مَن أوقع بشيانغ جيان. حصلتُ على الوثائق اللازمة بفضل المحقق لو».

اعتدل الرجل في مجلسه يحدّق بأخته بمزيج من الحيرة والصدمة في عينيه.

«بصراحة لم أكن سأخبرك بهذا. ولكنني أدرك كم كنتَ تقدّره، لذا ربما عليّ مشاركتك بما لدي.
عندما أطلعني على الأمر، حاول ألا يسمح للطفلين بمعرفة ما يجري، وأنا حقاً ممتنة له في هذه النقطة».

قالت ذلك، ونظرت لأخيها تطلب: «هل سيكون بإمكانك أن تبقى هنا معي-معنا اليوم أيضاً؟».

أومأ المحقق يرسم ابتسامة تمنح وجهه دفئاً ساعد القلقة بجانبه في أن تستسلم للنوم علّها ترتاح لبعض الوقت.

-

ضل تحديث واحد _مدري ايمت_
بس رح غششكم (هو فصل من رواية جريمة عازف) 🚶

-

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top