٨


Wu Ren POV


استقلّيتُ المصعد المعدني أوجّهه نحو الطّابق الرّابع.


 واستخدمتُ هاتفي المحمول لأُعلم مضيفي بقرب وصولي.



ما أن توقف المصعد حتى ظهر الرجل في وجهي. كان مرتبكاً بكل وضوح. 


وبالتأكيد لن أحاول تخفيض ما يشعر به من قلق، فأبقيتُ على ملامح وجهي جامدة مكتفياً بتحية رسمية لأتبعه بصمت مطبق باتجاه شقته ذات الباب الخشبي المفتوح جزئياً.


دخلتُ وإياه لأراه يغلق الباب بتوتر. 


للحقّ هو لا يبدو لي مجرماً. 


ارتباك الأبرياء هذا أنا أعرفه جيداً..


ولكنّي لن أُظهر ذلك له. لا مجال للأحاسيس هنا.



جلستُ أباعد بين ساقاي أضع المسجِّل في وضعية التشغيل، أنتظره بصبر حتى يهدّئ من روعه قليلاً.


«أتمنى أنّك تعلم سبب لقائنا اليوم». قلتُ بهدوء لأرى اهتزاز بؤبؤيه والخوف الخام في عينيه وبصراحة هذا لم يؤثر بي كثيراً..


«هل لهذا أي علاقة بحادثة تيانجين؟ أرجوك أنا اكتفيتُ من الأمر بالفعل». قال برجاء يكاد يبكي.


«مجرد أسئلة روتينية. إن أقنعتني إجاباتك فلن يحادثك أحد بهذا الأمر بعد الآن. أعدك بذلك» تحدّثتُ برسمية أتأكدُ من اختطاف عدة نظرات على المُسجّل أحثّه بذلك على متابعته بعينيه.


«سمعتُ ذلك كثيراً في السابق». قال بخيبة


أجال عينيه في الأرجاء بتوتر ليقول: «اعتذر زميلك مني في المرة الماضية وتعهّد لي بذلك هل تعلم؟».


«زميلي؟». تسائلتُ أرفع حاجباً. 


«نعم. المحقق الأصلي في القضية، هو بذاته. عندما تقابلنا لآخر مرة طلب مغفرتي قائلاً إنّ العدل يقتضي منه الاعتراف بأخطائه أو شيئ كهذا». 


صوته أصبح خافتاً الآن وبإمكاني فقط الشعور بمدى التعب الذي يسكنه في هذه اللحظة.


«هذا الكلام لا يعنيني. إن ابتغيتَ مشورتي فأنا أنصحك بالتعاون الكامل حتى ننتهي من هذا سريعاً».


 قلتُ أعدم تعابيري تماماً وشاهدت ملامحه تكفهر أكثر وأكثر إن كان ذلك ممكناً حتى.


«حدّثني عن يوم الحادثة وعن أي شيئ يتعلق به».


«أتعني أنّه عليّ إعادة سرد الأحداث جميعها مجدداً؟ أتعلم أنني فعلت ذلك لما يزيد عن عشرة مرات الآن؟».


ارتفع مستوى صوته قليلاً ولكن عندما ناظرني عاد فأخفضه من فوره. 


«هل أنتَ طفل ما؟». بلهجة قاسية تحدّثت. 


«خططنا طويلاً لتلك الرحلة، قرابة الشهر ونصف الشهر». 


تأفأف ليبدأ مطرقاً رأسه، يتسبب بارتسام ابتسامة ضئيلة في وجهي. لحسن الحظ لم يتسنّى له ملاحظتها.


«كان من المقرر أن نذهب في الثامن من مايو ولكن وبسبب امتحانات سورا المفاجئة أرجئنا الموعد قليلاً ليصبح في الخامس عشر من مايو. خرجنا في السابعة من صباح ذلك اليوم. وكما جرت العادة في رحلاتنا الماضية، انطلقتُ رفقة سورا وصديقنا آكي من أمام منزلي، قابلنا البقية في المطار، هم بدورهم قدموا سوياً، فابيو وشقيقته جوليا مع توني. 

أقلعت الطائرة في تمام العاشرة صباحاً، تفرّقنا بداخل الطائرة وأمضيت الساعات التالية حتى الهبوط نائماً».


«لا أعلم بالضبط متى وصلنا تيانجين، كنت ما أزال خدراً إثر النوم، وفي السيارة المستأجرة تابعت نومي على كتف سورا، متأكد أن الجميع كانوا متواجدين في المركبة حينها، تولّى آكي أمر القيادة».


«تشاركتُ الغرفة في الفندق مع آكي. أما عن توني وسورا فقد أخذ كلّ منهما واحدة منفصلة. ذلك لأن فابيو وجوليا فضّلا البقاء سوياً!».


«جوليا هي مَن نظّمت جدولنا. ولكن لم يلتزم به أحد. قضينا اليوم الثاني بأكمله نتنقّل ما بين حديقة الحيوانات البرية والأخرى المائية. التقطنا الكثير من الصور وسجّلنا مقاطعاً عديدة، لم يهيّأ لي أبداً أنّهم سيستحيلون فتائل سريعة الاشتعال..


هنا هو بكى. وللمرة الأولى منذ حين، نظر إليّ، ومظهره يوحي أنّ دموعه ليست وليدة هذه اللحظة. 


أومئت ببرود فقط أصالب ذراعايّ أنتظره ليكمل ما بدأه.


«تلقت سورا رسالة نصية، قالت إنها من صديق تعرفه من خلال الانترنت وتود مقابلته بشدة. لذلك تركناها تغادر على أمل أن نجتمع بها مجدداً بعد نحو ساعتين. عندما عادت كانت مبللة. في طريق العودة..


«توقف نسيتَ شيئاً». 


قاطعته ليعقد حاجبيه مفكراًِ ولكني لم أُطل الأمر: «أنتَ قلت بوضوح ولمرات عديدة بأنّ سورا كانت سعيدة وربما منتشية في وقت عودتها، هل هذا تفصيل يستحق أن تهمله؟!».


«ااه بشأن ذلك. في الحقيقة، أنا راجعت طبيباً نفسياً وتوصلنا سوياً لاعتقاد مفاده بأنّ دماغي قد يكون أوهمني بذلك بعد وقوع الحادثة. ما علمناه لاحقاً ينفي ما أتذكّره بشكل قاطع! أنت تعلم.. أقصد الكدمات الحديثة على جسدها وما إلى ذلك».


«إذاً أنت الآن تظنّ أنها لم تكن سعيدة، بالرغم من أنك أكّدتَ ذلك مراراً!».


«أنا حقاً لا أعلم». تحدّث. يبدو محبطاً.


«هل تستطيع إخباري بما تتذكره حقاً؟ أنا آسف بشأن ما أجبرك على إعادة تجربته. ولكنني بحاجة لهذا حقاً. قد تكون بخطر الآن أنا أحاول حمايتك». 


أبقيتُ على نبرتي على حالها. أردت تهدئته ولكن بذات الوقت لم أرد كشف المزيد له.


«نعم. أنا متأكد تقريباً أنها عادت سعيدة. أنا أعرف سورا منذ زمن طويل، منذ الابتدائية! بالتأكيد سأشعر بحبورها!. ولكن ما جعلني مشوّشاً بشدة حينها أنها لم تقبل إخبارنا بما جرى معها في الساعات الماضية ومهما تسائلنا كانت تغيّر دفة الحديث. كانت بارعة بهذا حقاً». 


تنهّد مطوّلاً. 


مع كل لحظة تمر كانت الطاقة السلبية تزداد قوة أكثر.


 كان الأمر وكأنها تقتات على تعب الشاب وحزنه.


أنا أيضاً وددتُ لو ننهي هذا سريعاً.



«في المساء، قررنا استخدام الساونا. بقيت سورا في غرفتها ورفضت مشاركتنا ذلك. جميعنا استهجنّا الأمر.. هذا غريب حقاً ولا يشبهها!. في بعض الأوقات كانت ترفض تخفيف ملابسها أو السباحة معنا، ولكنّها أبداً لم تغادر في تلك الأحيان! كانت تجلس فتراقبنا أو تأخذ غفوة. لطالما مقتت البقاء وحيدة وخاصة لو كانت في مكان غير مألوف لها ولم أعلم ماذا دهاها حينها».


«تحمّلتُ الشعور المريع بالشك يتنامى ويتعاظم بداخلي نحو ساعة أو أكثر بقليل. عندما صعدتُ إليها علمتُ أني متأخر بشدة. متأخر بشدة. لو استطعت أن أكون معها أبكرا قليلاً لربما تمكّنتْ من البقاء أكثر بعد، لربما لم تكن لتغادرنا مبكراً هكذا


هنا أجهش بالبكاء.


دفنتُ انطباعاتي الشخصية كما علّمتني تجاربي.


 واستندتُ بظهري إلى الكرسي أنتظره ليكمل.


«باب حجرتها لم يُوصَد بشكل تام. طرقته بضع طرقات، لأدخل بعدها. رأيت حذائها أمام المدخل وكان مختلفاً عمّا انتعلته طيلة اليوم. وهذا أخبرني أنها قصدت مكاناً آخراً بمفردها. على مدار السنوات، ولّدتْ عادةً غريبةً، هي لن تخرج لمرتين متتاليتين بذات الحذاء، أبداً».


«وكان كذلك. هي خلّفتنا ورائها ومن ثَمّ ذهبت لتشتري تلك السموم».


كان غاضباً. وكأنّ طيفها أمامه وعليه إظهار ذلك له. عليه أن يُعلمه بما يشعر به حقاً.


«راعني المشهد فصرخت وعلى إثر ذلك دلف إلينا ثلاثة أو أربعة من العاملين في الفندق. أخذ الأمر عدة دقائق حتى وصل الطبيب ومعه المُسعِفين. انتزعوا جسدها من بين يديّ. لم يسمحوا لي بمرافقتها. اقترح توني الذهاب معي حتى مركز الشرطة ولكني لم أسمح له بذلك، كان على أحدنا البقاء بجانبها في لحظاتها العصيبة هذه. هي لم تنجح في التواصل مع المجموعة الجديدة. فقط أنا وآكي مَن كنا قريبَين إليها حقاً».


«ماطل الأربعة في إجراءات النقل لإقامة الجنازة وبطريقة ما استطاعوا اقناع عائلتها بذلك. وحتى بعد أن انتهوا من تقديم الإفادات أصرّوا على البقاء بجانبي ولم يقبلوا بأي خيارات أخرى. بعد أسبوع، صرّح جانب الطب الشرعي بما توصّل إليه. مما لا ريب فيه أنّ سورا ماتت بينما كنتُ مع الجميع في قاعة الساونا، جميع الأدلة تؤكد ذلك. هناك آثار تعنيف حديثة على جسدها ولكن ذلك لا علاقة له بوفاتها أبداً». 


«هاتفها المحمول قد تم تدميره. في الحقيقة، هي خرّبته عن عمد وعلى مرأى من جهاز تصوير مثبّت في الممر أمام غرفتها مباشرة. قبل ذلك كانت قد شوّهت أي بيانات إلكترونية قد توضّح ما جرى في ذلك اليوم، لطالما برعت في ذلك أيضاً.. ولكنّها غفلت عن تفصيل وحيد، محادثاتها مع الصديق الذي قابلته سابقاً. ومعي، في الواقع كان ذلك ما صعّب موقفي».


«على أية حال، توصّل زميلك لوهان إلى اعتقاد أنّها لم تغفل عنه، بل تركته. تبين أن ذلك الصديق هو رجل لديه تاريخ إجرامي يحوي على العديد من حوادث الاعتداءات، السلب والابتزاز المادي والجنسي. يعتقد لوهان أنه في ذلك اليوم، ربما كانت سورا لتكون ضحيته القادمة، ولكن وعوضاً عن ذلك، هو مَن وقع ضحيتها، خاضا شجاراً بدنياً انتهى بها تدفعه من السلم ليموت في الحال».


«تبقّت لدينا الرسالة الصادرة عن هاتف الرجل يأمر سورا فيها بتجرّع السم. بكل وضوح هو لم يكن حي في ذلك الوقت! يرى لوهان أنّها تلاعبت بتوقيت الإرسال. وربما زيّفت النصّ».


«لا أعلم لم توجب عليها أن تَقتل، تُقتل، تنتحر، أياً يكن.. ولكني أودّ رؤيتها لمرة لديّ الكثير من العتاب الذي ربما سيغمرها ولا تستطيع إجابته حتى أو تبرئة نفسها منه».



‹إذاً فلوهان حلّ هذه المسألة. ولكن لماذا لم يغلقها؟. أظنّ أنني لن أعلم ذلك أبداً›.




هنا حيث اهتزّ هاتفي يعلن عن رسالة نصية من مييَنغ تخبرني فيها أن الضحية المُحتملة ليست كذلك حقاً.



أرسلتها للبحث بشأن قضية قتل متهمة فيها طالبة ثانوية بحق معلم يعمل في مدرستها.


يبدو أنّ لو هان حلّ التشابك هناك أيضاً. ورغم ذلك هو أبقاها مفتوحة!.



فتاة الثانوية أصبحت مُعالجة نفسية متطوّعة في عدّة مراكز حكومية، خاصة ودولية.


بالرغم من أن ميينغ تشعر أنّها القاتلة فعلاً. ولكن هل يمكن للوهان أن يعتذر من واحدة؟. هو أخبرها بصريح العبارة ‹من العدل بمكان أن تعترف بأخطائك›. 



هل فهمنا الأمر بشكل خاطئ؟ هل تجاهلنا شيئاً جوهرياً؟ يبدو أنّ الأمر كذلك فعلاً.



بالنسبة لي كمحقق، فأنا لا أرغب بأن أخلِّف مجلداً ناقصاً. ولكن هل الأمر يعمل بهذه الطريقة مع لوهان؟


 ربما لا. 


هو لا يخشى من هذه الإشارة بجانب إنجازاته: ‹قضية غير محلولة›. 




منذ أيام تبجّح أحدهم أن لوهان ليس سوى فقاعة إعلامية. ولكن هل اعتادت الفقاعات أن تحمل دوافع معقدة هكذا؟. لا أظنّ ذلك.



-


العدد الكلي للكلمات = 9830

أي أسئلة؟


أي توقعات؟


-

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top