الفصل العشرون

في القطار السريع، كان نايل يجلس قبالة ميريت، وهاري يقرأ كتابه المفضل لجون جرين وفي أذنيه السماعات تبث أغنيته المفضلة لفرقة «ذا سكريبت» كأنه في ملكوت آخر. كانت عينا نايل بين هنيهة وأخرى تلتقيان بعيني ميريت فيبتسمان ثم يضحكان كالمخابِيل. 

كان هاري شاردًا يفكر في مشروع تصويره، في حلمه وعمله الذي أهمله بسبب ظهور ميريت في حياته؛ فلَم يحتوِ مشروعه حتى الآن سوى على صور ميريت وبضع لقطات في أورورا والبلدان الأخرى التي جابها معها كفرَنسا وأسبانيا.

أما عن ميريت، فقد كانت تنظر للركاب وخارج النافذة قليلًا في شرود. تذكرت الفيلم الذي كان يتحدث عن فتاة كونت في رأسها قصة حياة عائلة سعيدة أثناء استقلالها القطار ثم صعقت بالحقيقة عند نهاية الفيلم. كانت خائفة أن تصبح مثل تلك الفتاة التي صعقت بالواقع الأليم. 

«تحضرين بابتسامتك دائمًا وكأنك بلا هموم، تكابرين دومًا، ولا تظهرين ضعفك ولا تشتكين. لا تعترفين أنك متعبة أو ضعيفة كمن يدفع عنه تهمة!»

كان هذا صوت نايل العميق الذي أخرج ميريت من شرودها. نظرت إليه وسألت: «أتحدثني يا صديق؟» ابتسم ابتسامة صغيرة وأومأ.

صمتت ميريت حين أشار نايل إلى رأس هاري الساقط على كتفها منذ عشر دقائق. «إن هاري في سبات عميق، أجزم أنه لن يستفيق في وقت قريب. أخبريني، ما المشكلة التي تجعلك كثيرة الشرود وتكتبين أغنيات تدمي القلب؟»

نظر إليها بجدية، وركز نظراته في منتصف وجهها ليعطِيها جلّ تكريزه. «الأمر وما فيه أنني أفكر دائمًا» أجابت ميريت مبتسمة ورفعت كتفيها ببساطة. «تفكرين في هاري» أكمل نايل عنها.

«أفكر في حياتي» حاولت ميريت التحدث بلا مبالاة وأسقطت نظرة على رأس هاري النائم براحة فوق كتفها كطفل صغير وجد والدته بعدما أضاعها.

«أتعلمين؟ العاشق تفضحه نظراته. إن نصبوني قاضيًا، فسأحكم على عينيك بالذنب غير المغفور» أجابها نايل رافعًا أحد حاجبيه ثم طوى الصفحة التي وصل إليها.

«هل هذا تأثير روايتك؟ أنا وهاري فقط أصدقاء!» أجابت ميريت بسخرية مصطنعة.

«لم أقل إنكما عشيقان، أو لم تعلنا الأمر. ولكني أقول أن الهيام سلاحٌ ذو حدين، أشفق أن يصيبك الحد الملوث بالسم» وضح نايل وجهة نظره بهدوء مرة أخرى.

«لم لا تحب هاري؟» باغتته ميريت بسؤال لم يحسب له حسابًا.

«لا أكرهه، ولكن عندي تحفظات على بعض تصرفاته. دون ذلك نحن على وفاق» برر موقفه برزانة لم تعهدها ميريت.

«لم أقع في حبه» بعد دقيقة من الصمت، ألقت ميريت اعترافًا صادقًا ثم استطردت بجدية «وجدت فيه الصديق والأخ، لست في حال يسمح لي بالعشق؛ فأنا في رحلة إيجاد نفسي، هذا كل ما في الأمر» أنهت كلامها باقتضاب.

«رائع!» كان هذا كل ما تفوه به نايل بعد حديث ميريت الطويل.

«نايل، هل أصابك العشق يومًا؟» سألته ميريت مثبتة عينيها على عينيه.

«أحببت مرتين» أخبرها.

«لا، لم أقصد الحب بل السقوط. كأنك هويت من الطابق العشرين فوجدت وساداتٍ تحتضن قلبك الخائف فتطمئن وتهدأ. كأن الوسادات منعت عنك خطر الارتطام» كانت ميريت تشرح بحركات عشوائية بيديها.

«مؤخرًا» أجاب نايل فاتحًا كتابه ليعاود القراءة.

أخذت ميريت فعله دليلًا على اكتفائه من تلك المحادثة، فأمسكت هاتفها لتلتقط صورة لهاري النائم وترفعها على إنستجرام مرفقة بجملة: «انظروا يا رفاق من وجدت نائمًا على كتفي؟ جروي اللطيف!» وقامت بالإشارة نحو هاري. لاحظت أن متابعيها في تزايد مستمر من بعد فيديو نايل.

«أيمكن للمرء أن يتظاهر باللامبالاة وقلبه يحترق؟» بدأت الحديث مرة أخرى مع نايل الذي نظر إليها باهتمام وثنى صفحة كتابه مرة أخرى.

«يمكن للمرء أن يقنع من حوله بأن البراكين في داخله هي في واقع الأمر ألعاب نارية احتفالًا بسعادتِه العارمة، يمكنه الابتسام والقول إنها حفلة شواء، ويمكنه رسم أكبر ابتسامة بينما يحترق داخليًا ويموت. يستطيع الإنسان التمثيل وكأنه على خير ما يرام أكثر من أي شيء آخر؛ فهي لعبة نلعبها طوال حياتنا، فأتقنا أدوارنا المسرحية بصورة باهرة. أحيانًا يُصدم المرء من قدرته على الإقناع» أجابها نايل مبتسما ابتسامة خفيفة لا يمكن التمييز ما إن كانت ابتسامة مكسورة أم ابتسامة قوة تحارب لتظهر.

«إن فوق الحمل حملًا» أجابته ميريت وربتت على فخذه.

«أظن أن لديك كلمات أغنية جديدة» تحدث نايل حين سحبت ميريت قلمًا كانت تثبت به شعرها ليتحرر ثم فتحت مذكراتها وبدأت تكتب.

«الفضل كل الفضل لك سيد هوران» أجابت بابتسامة جانبية ثم صبت تركيزها الكامل على ورقتها. مضت ساعة أنهت فيها ميريت الكتابة. نظرت إلى نايل وبدأت تتلو عليه ما كتبت.

«هناك وميض في عينيك لا أستطيع تجاهله 

وأنا هناك، داخل قارب غارق في الوقت يهرب

دونك لن أستطيع النجاة والعيش 

ولكن أعلم أننا سنكون بخير

هناك شيطان بضحكتك يلاحقني

وفي كل مرة ألتفت حولي يزداد سرعة

هناك لحظة حين تلاحظ أخيرًا

أنه لا يوجد طريقة لتغيير سير الأحداث

تلك المرة أنا مستعد للهرب، الخروج من تلك المدينة وأن أتبع الشمس

لأنني أريد أن أكون ملكك 

لأنك تريد أن تكون ملكي 

لا أريد أن أتيه في ظلمة الليل

هذه المرة أنا مستعد للهرب 

أينما تكون هو المكان الذي أنتمي إليه..

لأنني أريد أن أكون حرة 

أريد أن أكون في شبابي

لن أنظر للوراء الآن، أنا مستعد للهرب

هناك مستقبل لن أستطيع رؤيته سوى بوجودك جانبي...

دائما ما سيكون هناك نوع من النقد، ولكنني الآن أعلم أننا سنكون بخير.»

«ما رأيك؟» سألته بفضول تنتظر تعقيبه.

«أظن أن ثاني أغنية في ألبومي قد أصبحت جاهزة» أجابها بابتسامة. «أنت رائعة ميريت!» استطرد وأخبرها أن تنظر إلى هاتفها.

وجدت صورة لها في حالته على تطبيق الإنستجرام وأسفلها جملة «مبدعتنا أُلهمت في القطار.»

«لا يمكنني أن أكون أكثر فخرًا بكما» قالت ميريت لنايل وهاري الذي بدأ يفتح عينًا واحدة. 

«صباح الخير»  قال هاري وابتسم لهما. نظرت ميريت إلى نايل وضحكا عاليًا.

«ما المضحك؟» سألهما بجدية. 

«لا شيء، هذه أول محطة لنا. لا أتذكر اسم تلك المدينة ولكني أتذكر أسماكها اللذيذة، هيا لنحضر وجبة رائعة قبل أن تنتهي استراحة القطار» تحدث نايل وشبكَ أصابعهما وخرجا من القطار يلحقهم هاري الذي يعاني من دوار النوم في القطارات.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top