الفصل السابع عشر

«لم تفعل كل هذا من أجلي؟»

اندفعت الكلمات من فم ميريت التي تقبع في منتصف المغطس الساخن، يفصل بينها وبين عيني هاري مسافة صغيرة، وجسدها يكاد يكون ملتصقًا بجسده، لكن هناك مسافة أكبر في عينيها، لقد كانت تبحث عن إجابات أرهقها التفكير فيها منذ يومين.


«لا نسأل أسئلة جدية هنا، فقط استرخي معي»

مع جملته تلك وضع سبابته على شفتي ميريت وسحبها إلى أحضانه، كان رد فعل هاري واضحًا.


لكنه لم يكن كذلك لميريت التي تعالت نبضات قلبها، وبدأت أنفاسها تتثاقل حتى بات من الصعب عليها أن تسحب الأنفاس.

لم يستوعب عقلها شيئًا، وفكرة أخرى تهرول داخل عقلها، هل يقصد التهرب أم الإجابة؟


تسللت يداه خلف وجهها حتى تلُم خصلاتها وتضعها خلف أذنها، ثم اتقرب وطبع قبلة صغيرة تحت عينها.


«أظنها تزعجك، لقد كنتِ تحاولين إبعادها وأنتِ شاردة»

نظر لها بابتسامة بسيطة وغير متكلفة حتى يبرر ما الذي فعله حالًا.


«شكرًا هاري»


ضمته دون أن تنظر إلى عينه وكأنه عذر كافٍ حتى يتلاقى جسداهما معًا، وكأن الكون يعطيها عطايا خبيثة بطريقة بسيطة قائلًا لها: استمتعي يا فتاة.


لم تلاحظ أن وشومه كانت بهذا الجمال قبلًا، لديه وشم على ذراعه لشكل هيكل عظمي منمق كالموناليزا، ووشم لحرف (M) صغير في منتصف ذراعه.


سألها هاري وهو يربت على ظهرها قليلًا: «هل تشعرين بتحسن؟».


هاجمته ميريت بسؤالها ونظرت إلى عينيه مباشرة: «من صاحب حرف M الموشوم على كتفك؟».


صعق هاري من طريقتها الجادة ولكنه قرر مجاراتها لذا أجابها بابتسامة بسيطة: «ستعلمين يومًا ما».


ابتعدت ميريت عن أحضانه قليلًا.


«وشم الفراشة جميل» 

أخبرته بذلك أثناء خروجها من المغطس الساخن، ثم سحبت إحدى المناشف المرصوصة ولفتها حول جسدها.


«تريدين العودة للمنزل؟»

باغتها هاري الذي وقف فجأة حتى يجفف نفسه بجانبها.


أجابته ميريت:

«أنا أتضور جوعًا صراحةً»، ثم أردفت: «وأشعر بالبرد كثيرًا».


فسر لها هاري مبتسمًا: «لأن الجو بارد اليوم، وأنت ترتدين فستانًا حريريًا مفتوحًا».


«يمكنك استعارة قميصي، فأنا لا أشعر بالبرد» 

أخبرها هاري بهدوء وهو يمد لها يده مع قميصه الأبيض الطويل.


التقطته دون أن تقدم إجابةً محددة ثم ذهبت حتى تبدل ثيابها.


أخبرته بعدما خرجت: «أنهيت تبديل ثيابي»، فرد عليها بابتسامة ولم يمنع نفسه من التقاط صورة للذكرى.


قالت ميريت: «سنتجول اليوم في الشوارع وسأشتري لك وجبة رائعة»، وسمحت لنفسها بالخروج وهي تسحب هاري خلفها بعدما أمسكت بيده.


«لنأكل وجبة لاتينية لن ننساها أبدًا» 

وضحت نواياها ثم راحت تقوده نحو شوارع برشلونة الصاخبة.

«ليس لدي أي فكرة عن ما تفعلينه، وبدأ ينتابني الخوف» 

صارح هاري ميريت التي كانت تقوده بين شوارع برشلونة، عبروا الأزقة والممرات إلى أن وصلوا إلى مبنى عتيق في إحدى الأزقة، يقع في طابقه الأرضي مطعم مميز، وقد كان له لافتةٌ مضاءة بمصابيح النيون وتحمل اسمًا أسبانيًّا يعني الرغبة (Deseo).

 آخر حرفين مطفئين فتحولت الكلمة إلى أخرى تعني القصر (Dess).


ظهر عجوز وفتح لنا الباب، سحبت ميريت هاري من يده ودخلا ثم انحنت بطريقة سيريالية مضحكة، ولتشكره باللغة الأسبانية ملحقة حديثها باسمه، سينيور ديكستر.


ابتسم الرجل وأخبرها: «أتعلمين أن هناك أسطورة صغيرة تقول: إن جعلتِ ثلاثة أشخاص يبتسمون يوميًّا ستتحقق لك أمنية في نهاية الأسبوع؟».


ابتسمت ميريت وردت: «هل يعني هذا أن علي القدوم إلى هنا كل يوم حتى أضيف البهجة ليومك؟».


«اشتقت وجودك في المطعم ميريت» أخبرها الرجل وابتسما.


كان هاري محتارًا ودار في عقله ألف سؤال، ما الذي يعنيه الرجل بقوله أنه اشتاق وجودها في المطعم؟ متى أتت من الأساس؟

بدأ هاري يرتاب قليلًا، من هي ميريت؟ وما الذي يحدث الآن؟


أخذته ميريت إلى طاولة في الطابق الثاني بجانب آلة الموسيقا القديمة، خرج من تلك الآلة صوت أنثوي يقول: «ما يحدث سيحدث»، وكانت ميريت تدندن وتميل برأسها على أنغام تلك الأغنية.


طلبت ميريت وجبة لها وقالت أنها مفضلتها، في حين كان هاري غارقًا في استغرابه وأسئلته الكثيرة حول هوية ميريت.


هو حقًّا لا يعرف عنها شيئًا سوى أنها فتاة أورورا الثملة!


الأسئلة لن تجعلها تخبره بشيء إن لم ترد هي ذلك، قد جرب خدعة الأسئلة تلك في فرنسا لكنها لم تفلح حينئذٍ.


تُرى من هي ميريت؟ ما السر الذي تخفيه ويجعلها تتحدث بهدوء لأختها وتوصد الباب؟ والآن هي تعرف صاحب مطعم برشلوني بالفعل؟


قاطع حبل أفكار هاري النادل الذي كان يضع طلبها، وسأل إن كانت تفضل إضافة النبيذ إلى الوجبة.


أجابته ميريت: «النبيذ الأبيض من فضلك»، أومأ الفتى وذهب في سبيله.


حسنًا، الفتاة الخرقاء التي كانت تثمل من زجاجة فودكا في ذلك اليوم تعلم الفرق بين النبيذ الأبيض والأحمر، وتعلم أيهما مناسب للوجبة، إن لم يثِر هذا ريبة هاري فهو لا يعلم ما الذي سوف يثير ريبته أكثر.


انقضت ثوانٍ قليلة حتى أتى النادل بنبيذ أبيض فاخر النوع، صفقت ميريت بعفوية وألحقت تصفيقها بكلماتها: «رائع بابلو! تذكرت ما هو مفضل لي كالعادة».


ثم دست يديها في حقيبتها وأخرجت ورقة نقدية ذات فئة كبيرة وأعطتها هذا المدعو بابلو، كما وأخبرته أن يرسل تحياتها إلى سارة.


شعر هاري أنه واقف في عملية تسليم شيء مخالف للقانون بكلمات سرية، وشك وهلةً أن ميريت هي فتاة عصابة أو زعيمة، وأن هذا المطعم هو غطاء لعمليات إجرامية كبيرة.


«مرحبًا بك في عالمي هاري ستايلز» 

استفاق هاري من شروده على هذه الجملة التي خرجت من فمها، وبهذا تضاعف شعوره بالريبة وأن كل ما يفكر به صحيح.


«وما هو عالمك؟» 

تمالك عن أعصابه وحمد الرب أنها لن ترى قدمه المرتعشة لأنها تجلس مقابله.


تحدثت ميريت: «أريد أن أخبرك أكثر عني، وأن أفسر لك كل هذا» فورًا بدأ هاري يوجه تركيزه نحوها.


«أنا لم أعش طوال حياتي في أورورا، لقد حدث ذلك بعد خيبة أملي» 

تنهدت وركّزت في طبقها لحظةً حتى تقطع قطعة اللحم القابعة أمامها.


«أظن أنك تعلم، لقد أحببت أحدهم قبل أن أقبل الزواج من براد» 

بدأت بسكب النبيذ في الكأس الموضوع بجانبها وارتشفت القليل منه.


«لقد قابلته في سياتل، أحد معارض الرسم على حسب ذاكرتي، كان يقف بجانبي وأنا أتأمل لوحة خالصة الجمال فأخبرني أن اسمها يعني ملاك الحب في الميثولوجيا اليونانية، وأخبرني أن لها أسطورة، إن نظر اثنان لها في الوقت نفسه فسيُهدى الحب لهما...

 تجددت اللقاءات تحت اسم الصدفة، وتبعتها اللقاءات الخارجة عن الصدفة، ثم نما الحب بيننا، وأخبرني أنه يريدني أن أكون فتاته، كان احتفالنا بيوم الميلاد هنا في برشلونة، في الواقع لم يكن ساحرًا ولكنني امتلكت دائمًا شيئًا في قلبي لتلك المدينة، في هذه الليلة، هنا في هذا الموتيل الصغير وفوق المطعم قد شهد جسدي أني ملكه، وأنه من افتعل الذكرى التي لا تتكرر مرتين».


صمتت ميريت وسرحت في وجه هاري لحظة، استجمعت قواها مجددًا وأخذت رشفة أخرى وهي تحاول حبس دموعها، ثم أكملت: «أعني، من يفقد عذريته مرتين؟ لا يحدث صحيح؟».

ألقت تلك الجملة وكانت أصعب ما يمكن لفتاة ذكره.


«ومن عادات عائلتنا أنه لا يمكن للفتاة التقبيل حتى إلا بعد الخطبة على الأقل، بدأت المشاكل تظهر خلال فترة ليست قليلة، أخبرني أنه يريد الانفصال».


كانت ميريت متماسكة بطريقة غريبة، ترتشف النبيذ بهدوء ناسيةً أمر الطعام، تسحب أنفاسها بوتيرةٍ متناغمة حتى تخرج الكلمات العالقة مع زفيرها. 


«فقررت أن أعود لبرشلونة، قررت أن أتعافى بالصدمة وحجزت الغرفة نفسها، بدأت بتكوين صداقة مع مالك المطعم والطاقم حيث كنت أتردد عليه كثيرًا، احتضنوني واعتبروني فردًا من عائلتهم الصغيرة في المطعم، فكان كلٌ يشارك معي قصته، وقضيت أفضل أيام حياتي هنا، وحدي ومع الأسبان الودودين، وكان هنا نادل يدعى كريس، لديه خبرة كبيرة في أنواع النبيذ والمشروبات، فأعطاني شيئًا مثل الدروس في النبيذ، وكنت أحب ما يخبرني به حقًّا، فمثلًا، هذا النبيذ جاء من بلدة أسبانية صغيرة تدعى كوينسا، تشتهر بزراعة العنب الجيد جدًّا والمناسب لتحويله إلى نبيذ أبيض، تتذكر به الماضي وتشعر بحاضرك من رشفة واحدة».


صمتت ميريت ونظرت إلى عيني هاري ثم أخبرته بابتسامة بسيطة:«تناول طعامك قبل أن يبرد» 

وبدأت تتناول طعامها.


عشر دقائق من الحيرة، هل هي مجنونة؟


أنهت ميريت وجبتها وسكبت القليل من النبيذ مرة أخرى.


«بالطبع علم والدي وقد جن جنونه، فقد ذهبت إلى سياتل للدراسة وليس للحب، كما أن واحدًا من قوانين الوالد هو ألا نتزوج سوى أحد أبناء أورورا، أخبرني أن زفافي سيتم مع أحد أبناء الطبقة المخملية في أورورا خلال أسبوعين، ثم وقعت خيانة براد».


أكملت ما تتحدث به وهي تعبث بالسكين على الطبق الفارغ.


«بالفعل علمت أن مارك اعتبرني مجرد مرحلة انتقالية في حياته، غريب أن تكون جسرًا لاختيارك الأول، أعني حتى براد الذي كان فرحًا أني وافقت على الزيجة، بات مع إحداهن بالفعل قبيل زواجنا».


تنهدت ثم حدقت بعيني هاري الذي حاول ألا يظهر أي مشاعر.


«هل الحب أثمن من أن أمتلكه؟ هل قلبي لا قيمة له في عالم العشاق؟»

أنهت جملتها وفرت دمعة من عينها.


كانت يد هاري قد امتدت تضم يد ميريت بخفة، وكأنه يقول لها: هوني عليك.


كان هاري سيخبرها بشيء لكن ميريت قفزت مغادرةً الطاولة، وأخبرته أنها تريد الخروج من المطعم.


تبعها هاري الذي لم يكَد يلمس طعامه، وخرجا بعد أن ودعت ميريت السيد ديكستر وبابلو.


ما بها ذعرت من لمسة هاري فجأة؟

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top