الفصل الرابع

«هذا متحف أورورا المعلق» أوقفت نورا السيارة بينما تشير إلى متحف معلق حرفيًا؛ لقد كان مرتفعًا من سطح الأرض الزجاجية بمقدار نصف متر، ولا عجب أن هذا المتحف أيضًا قد تدخل الزجاج في بنائه مع بعض المواد البنائية الأخرى، لقد كان ذا شكل دائري كحوض أسماك ضخم، ولكن بشكل أفضل و بمعمارية أكثر احترافية.

ومع انفصالي التام عمّا حولي، أخرجت الكاميرا وشرعت أصور هذا المتحف من كافة الزوايا.

«حسنًا سيدي، الإبهار لم يبدأ بعد» قالت نورا وهي تسحبني من قميصي عند بوابة المتحف لكي ندخل، دفعتُ التذاكر وأخرجت أيضًا تذكرة إضافية للكاميرا؛ فحين تواتيني الحاجة للتصوير، لا أريد أن أمضي ما تبقى من عمري مسجونًا لمجرد أني لم أستطع كبح نفسي من تصوير لقطة مؤثرة.

دخلنا إلى المتحف، وكان المدخل مليئًا باللوحات الزجاجية التي لم أر مثلها أبدًا في حياتي.

«مستر هاري ستايلز، هل تسمح لي أن أكون مرشدتك المخلصة؟» قالت نورا بنبرة فكاهية.

أومأتُ لها بينما ترتسم على ثغري ابتسامة عفوية، تلك الفتاة حقًا لطيفة ومرحة.

«لقد كان فنانو أورورا على مر العصور مختلفين، ابتدعوا فنًا لائقًا وفريدًا من نوعه، مثل الرسم الزجاجي الذّي تراه بوضوح هنا، وأيضًا النحت المائي وأسلوب الألوان المتجمدة في النحت. سترى كل هذا على يمينك وعلى يسارك. انظر، هذا التمثال هو تمثال الصديقة (ميردانا بوتيس) التّي كانت تتولى حكم البلاد منذ فترة ليست ببعيدة، كانت شغوفة بالفن والفنانين، وتوفيت إثر خطأ فني بينما تحضر طريقة جديدة كانت ستغير مجرى حياة فناني أورورا، يقال أن أعداء الصديقة من الفنانين الغيورين هم أحد الأسباب؛ حيث بدلوا المواد الخاصة بها إلى مواد قابلة للاشتعال، لقد نعمت بحب الجميع لذلك خلّد فنانو أورورا ذكراها بذلك التمثال المصنوع بأسلوب الألوان المتجمدة.»

«إنها جميلة» لقد كنت طوال تلك المدة، أحدق في التمثال الماثل أمامي، لقد بدت حقيقية: تقف وتبتسم في منتصف المتحف، كأنها قد رأت توًّا صديقًا قديمًا أو أخبرها من تحب أنه يبادلها الحب فابتسمت خجلًا، لا يمكن أن تكون مجرد تمثال؛ تفاصيلها دقيقة كأنها بشرية تقف أمامنا. أخرجت الكاميرا وبدلت العدسة ثم صورت التمثال بوضعيات مختلفة، وصورت التمثال أكثر من ثلاث مرات بوضعية معينة لسبب يجول بخاطري، ثم نظرت إلى نورا التي ضحكت وقد فهمت أني قد أنهيت وأنه بوسعها أن تكمل جولتها الإرشادية.

«نحن نتجه شمالًا حيث غرفة أورورا القديمة، تعرض صورًا لأورورا القديمة ويكون هناك عرضٌ وثائقي عن طريقة بناء أورورا قديمًا، ولكنه ممل، يمكنني إخبارك بكل شيء: في قديم الزمان، عندما شيدت أورورا كان كل شيء من الزجاج، ولم يكن الأمر مقتصرًا على المباني الحكومية والمزارات التاريخية والأثرية، بل كانت البيوت من الزجاج والحوانيت و... حرفيًا كانت كل المباني من الزجاج، حيث كان يؤمن أهل أورورا أن بيتًا تحوطه الشمس والهواء النقي لن يصيب أفراده أي ضرر، وقد كان معدل المرض قليل إلى درجة ندرته. هرب سكان أورورا من التلوث الذي بدأ يظهر في شوارع إنجلترا ولجأوا إلى هنا حيث لا تلوث ولا إزعاج، لم يتم رسم أورورا على الخريطة حتى هذه اللحظة، أورورا سر أو قصة أسطورية لا يؤمن بها الجميع، حتى أنت أظن أنك أتيت بعد أن وصف براد لك كل شيء، ولا أخالك كنت تدري بوجود أورورا من الأساس.»

تحدثت نورا كثيرًا، وأعجبتني المعلومات التي أخبرتني بها؛ فتلك الأورورا هي أحجية لطيفة تذهب العقل بحق.

«هاري، أظن أنك جائع، المتحف لم يعد به ما يثير الاهتمام، هل نذهب إلى أفضل مطعم في الوجود؟» تحدثت نورا بنبرة حماسية وهي تشبك ذراعها بذراعي وتقفز قفزة بسيطة. 

«لنذهب إلى أفضل مطعم في الوجود!» أجبت متحمسًا أنا الآخر، وأطلقت قهقهة خفيفة بينما ضحكت هي طويلًا علي.

ذهبنا صوب سيارة نورا التي شغلت أغاني لم أسمع بها من قبل، وبدأت تغني معها طوال الطريق بينما اكتفيت بهز رأسي على أنغامها والنظر من النافذة.

«إلى شمالك حي الشر، إنه حي الفنانين الأشرار الذين تسببوا في مقتل الصديقة» قالت نورا غاضبة وقد بدت كالأطفال.

«هل يدعى حي الشر فعلًا؟» رددت عليها وأنا لا أستطيع كبح ضحكتي العالية.

هزت نورا كتفها وقالت: « لا، ولكني أطلقت عليه هذا الاسم؛ لأن القتلة يعيشون وسط سكان الحي في تناغم.»

لم أجب، ضحكت على ردودها الطفولية للغاية.

«حسنًا، أظن أننا هنا» قالتها نورا وهي تصفُّ سيارتها وتخرج منها، ففعلت المثل.

كان مطعمًا من الزجاج الأحمر وملفوفًا بمعدن أصفر اللون، ككرات عيد الميلاد. كان عاليًا ويمكن للمرء أن يصل إليه بواسطة مصعد كهربائي شفاف.

تأملته وهلة، ثم أمسكت يد نورا وتوجهنا إلى المصعد، كان على شكل مثلث، ويتيح لك رؤية كل المدينة بخاصية ثلاثية الأبعاد. كانت تلك الدقيقة التي أمضيتها ممتعة.

المطعم من الداخل يتخلله السواد؛ فقد كان كل شيء مصبوغًا بالأسود: الكراسي، والمناضد، حتى الحائط كان ذا لون أسود متداخل مع البني بطريقة الألوان المسكوبة. لم يكن مخيفًا بل كان بشكل غير متوقع مريحًا للأعصاب.

جلسنا في طاولة مقابلة للحائط، لم يكن هذا متعبًا، بل كان مريحًا وممتعًا.

سألتني نورا ما الذي أريده، أجبت: «شطيرة»، فقلبت عينيها وكتبت هي ملاحظة على دفتر صغير موجود فوق الطاولة، وأعطتها للنادل الذي كان يقف بسكون جانب الطاولة، وهمست في أذني: «لقد طلبت شيئًا شهيًا.»

لم ننتظر كثيرًا حتى أتى النادل بصحنين غريبي الشكل، لم يكونا جامدين بل كانا غايةً في الليونة مثل السيليكون. وُضع أمام كل منا صحنٌ، وبدأ كل منا بتناول ما في صحنه.

كان الطعام الغريب شهيًا، نكهته قريبة من الفانيلا وممزوجة بالتفاح والأناناس والمانجو وقطرة من الشوكولاطة. نظرت إلي نورا وابتسمت على رد فعلي، أمسكت الكاميرا وأخذت لي صورة.

«كان يجب أن ترى كيف لمعت عيناك بينما تذوقت البيتونيلا» قالت مبتسمة فِالتقطت لها صورة ولكنها لم تر، لأنها كانت منهمكة في الضحك.

علمت كيف يمكنني أن أهدي معجبتي هدية عيد مولد مميزة.

عدنا إلى حيهم السكني، ودعت نورا بعناق أصدقاء، كانت تتحدث كثيرًا عن مدى روعة اليوم، وكيف كان أفضل يوم في حياتها وتواعدنا بلقاء قريب.

ذهبت إلى منزل عائلة براد. حيّيت الجميع واحدًا واحدًا، ثم اِتجهت إلى غرفته. نقرت نقرتين وقد فُتح الباب بالفعل، كان براد يجلس إلى جانب فتاة صهباء ويتحدثان.

«هل تريد تلك الزيجة أم لا؟» قلتُ بهدوء متجهًت نحوه، مُتجاهلًا الصهباء تمامًا.

«فقط عائلتي تريدها.»

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top