الفصل الثالث والعشرون

«بالطبع أوافق»  قالت ميريت وطبعت قبلة على خده ثم استدارت وذهبت إلى غرفتها.

وجدت باقة زهور وفي داخلها ملاحظة كانت تحتوي على هذه الكلمات: «أولًا، تهانينا على أول عقد حقيقي لك. هذا الفستان هو هديتي المتواضعة إلى جانب العقد الماسي والحذاء، فلتتذكرينِي بهم لاحقًا. إن قبلت موعد اليوم، فأفضل أن أراك ترتدينهم، الساعة السابعة في ردهة الفندق سأصطحبك إلى وجهتنا. وإن لم تقبلِي ويا لتعاستي، أفضِّل أن يكون لديك ذكرى حلوة لعقدك الأول واعتبريني صديقًا على الأقل.

- خالص الحب .NH»

كان لطيفًا، حتى في كلماته المكتوبة. ابتسمت ميريت للملحوظة، وفتحت الصندوق فوجدت فيه فستانًا ذا ظلال فضيّة هادئة، ومعه حذاء فضي وعقد ماسي.

-الصورة للفستان والحذاء وليست لميريت-

استلقت ميريت قليلًا فسحبها النوم، ثم نظرت إلى الساعة فوجدتها الخامسة. ذهبت لتغتسلَ تأهبًا لموعدها، ولكن كان أحدهم يطرق باب غرفتها بطريقة مزعجة، فارتدت ثوبًا وخرجت لترى ما المشكلة.

وجدت هاري وبيده ملابسه، فسألت مشيرة إلى مظهره وملابسه: «ما المشكلة هاري؟» 

«نايل يحتل المرحاض، وأريد أن أغتسل؛ فقررت أن أغتسل عندك» أردف هاري ودلف المرحاض ثم وضع ملابسه وعاد إلى ميريت.

«ما الذي تخططين لفعله اليوم؟» قال ثم جلس على طرف فراشها فالتقط الفستان بطرف عينه.

«فستان رائع! كيف كان الاجتماع؟» سألها بهدوء.

«وقعت عقد العشرة آلاف دولار» أخبرته وجلست بجنبه.

«مبارك! هل ابتعت هذه الأشياء به؟» سأل هاري بينما يربت على كتفها بحفاوة.

«لا، في الواقع، سأذهب في موعد» قالت ميريت مركزة عينيها أمامها.

«ماذا؟» قال هاري قافزًا من الفراش لشدة الصدمة.

«ألم تكن تريد الاستحمام؟ اذهب» قالت ميريت بهدوء وبرود قاتل.

«سأذهب. سنناقش هذا بعد خروجي» أخبرها ثم سحب منشفته وذهب إلى الحمام.

هي لن تكذب وتختبئ، هذا الهاري يحيرها!

خرج هاري بعد دقائق من غرفة الاستحمام مرتديًا ملابس جديدة ثم جلس على الأريكة وأشار إلى ميريت لتشاركه.

جلست ميريت بجانبه، ونظر إليها بكامل تركيزه.

-من المحظوظ الذي سيأخذك في موعد؟

-نايل.

-هل يمكنني مرافقتكما؟

 فجأة، تغير مئة وثمانين درجة، وكان يحاول استعطاف ميريت بوجه لطيف.

-لا.

-من فضلك.

«قلت لا» قالت ميريت وهي تقف أمام المرآة وأخلت كل أدوات التزيين في حجرها.

«هل ستضعين كل هذه الزينة لأجل نايل؟ اللعنة! حين كنا في باريس اكتفيتِ بأحمر الشفاه» قال هاري وقلب عينيه.

«أحد الأطفال يغار» قالت ميريت بينما تضع محدد العيون وتنظر بتركيز تام إلى المرآة.

«لا أغار، عودي إلى ما تفعلينه» أردف بضجر ونظر إلى هاتفه.

بعد دقائق، قرر هاتف ميريت كسر الصمت فدقّ باسم نايل.

«مرحبًا عزيزي، أمامي بالضبط نصف ساعة وأنهي تجهيزاتي. شكرًا، وأعتذر من التأخر» هذه كلمات ميريت خلال المكالمة.

«عزيزي قبل أول موعد؟ رائع!» تمتم هاري.

وقفت ميريت بعد أن أنهت زينتها ثم خلعت ثوبها لترتدي الفستان. «هاري، هل يمكنك إغلاق السحاب؟» سألته فنظر إليها نيابة عن الهاتف وأومأ سريعًا بهدوء تام.

«وأيضًا، هل يمكنك مساعدتي في ارتداء هذا العقد؟» سألته بينما تمد له علبة العِقد الماسي.

«بالطبع» أجابها فرفعتْ شعرها تساعده على وضع العِقد، نظر إليها قليلًا في المرآة وهز رأسه طاردًا فكرة ما خطرت في رأسه.

«لقد أهداني إياه نايل بمناسبة توقيع عَقدي الأول» أخبرته ميريت فقلب عينيه.

-حقًّا؟ مبارك.

سألها هاري مغيرًا الموضوع:

-هل رأيت الإيصال المصرفي؟

-أي إيصال؟

-تركته بجانب فراشك هدية لك لأني لا أعلم ما تحبين فقررت أن أترك الخيار لك.

-هاري، هذا جيد منك، ولكن يجب أن أعطيك نصيحة مستقبلية؛ من الأفضل أن تأتي بهدية تذكر أصدقاءك بك، لأن بعض الأشخاص سيعتَبرونها إهانة.

-لا أقصد الإهانة.

-أعلم، ولكن غيري لن يعلم.

قالتها ميريت وطبعت قبلة على خده.

سألته وهي تضع القرط الماسي: «هل مظهري جيد؟»

«نعم، انتظري» أجابها هاري وتوجه إلى خزانتها ليخرج إحدى آلات تصويره التي تركها عندها في الغرفة.

«هكذا سيخلد في ذاكرتك موعدك الأول، وإن لم يكن معي» أردف هاري بصوت عال ثم أخفض صوته في آخر جزء.

«إلى اللقاء هاري» قالت ميريت التي لم تسمع سوى جملته الأخيرة.

-هل يمكنني...؟

-لا.

***

في مطعم هادئ، أزاح نايل الكرسي لميريت لتجلس ثم عاد إلى كرسيه. بدأت أنغام أغنية «I love you baby» تُعزف دون كلمات، كانت هذه توقعات ميريت رغم أنه لم يكن الموعد الراقي الأول لها، ولكنه خلف لديها بعض الأحاسيس. تصرفات نايل لطيفة منذ أن رآها في الفندق، أخبرها بانبهار حقيقي وعينين لامعتين أنها ألمع من ألمع نجمة في السماء وأنها تبدو رائعة هذا المساء. وبرر أنه لا يقصد  أنها لا تبدو جميلة في كل وقت، ولكنه يشعر أنه محظوظ لأنها تزينت له خصيصًا. 

أحبت ميريت الأدب والرقي الذي يتميز به هذا الأيرلندي، وشعرت أنها مختلفة حين كانت ترى انعكاس صورتها في عينيه. بعيدًا عن الطلبات وما الذي يريدون أن يطلبوه في هذا المساء، لم ترد ميريت إزاحة عينيها عن من أعاد لها قليلا من ثقتها بطريقة لا يلحظها. أرادت أن تحتفظ بكلماته في علبة زجاجية أو أن تسجلها في أشرطة وتستمع إليها حين تريد، فهي لا ترى في الوجود شيئًا أشد حلاوة من كلمات نايل المعسولة.

تلك الكلمات التي لم تكن مبتذلة بالنسبة لها، بل كلمات راقية تتراقص على أنغامها بهدوء. لم ترد أن تنظر إلى كينونة الموعد وإن كان مثل لقائهم الأولى على إحدى الأرصفة أو مطعم مأكولات سريعة مفضل لهما، بل أرادت أن تملأ أذنيها بسحر كلمات نايل. 

كانت ميريت في تلك اللحظة متأكدة مما تبادر إلى ذهنها منذ التقيا. المرء لا يعقد هدنة مع من عذبه نفسيًّا بتلك السهولة، المرء لا يعيش معه بسلاسة.

نايل فعل هذا من أجل ميريت، فقط ميريت، وكان هذا كثيرًا على قلبها.

منذ يوم عرسها، انقلبت حياتها رأسًا على عقب، وصارت موضع الاهتمام، بداية بهاري مرورًا بالفتى سائق الدراجات النارية المغامر، ثم نايل وهاري مجددًا.

ولكنّ طفلًا صغيرًا يستطيع ملاحظة انطفاء شغف هاري تجاه ميريت. كانت ترى الفرحة في عيني فروي ونايل، ولم تجد ما توقعته من هاري، رغم كونه داعمًا لها منذ هروبهم، ولكن هناك ما يعكر صفو مزاجه؛ يسهر كثيرًا... يتحدث على الهاتف خلسة، ويعبث بهاتفه وحاسوبه المحمول أكثر.

لم تحول الحديث عن هاري فجأة؟ التركيز على نايل مطلوب يا شقراء...

«ميريت، ما رأيك في تغيير المطعم؟» قال نايل وارتشف قليلًا من مشروب العنب الذي طلبه، لا نبيذ اليوم.

«أتظن أننا جاهزان لمغامرة؟» قالت ميريت مضيقة عينيها.

«أجل، عندي مفاجأة» تحدث نايل بينما يترك الأموال على الطاولة، وقف ومد يده إلى ميريت التي أمسكتها بسلاسة. خرجا من المطعم وذهبا إلى المكان نفسه الذي قابلوا فيه ليتل ميكس، ولكن عند المسرح الخلفي. كان الحفل قائمًا. أظهر نايل بطاقة الأشخاص المهمين فطبع حارس الأمن على أيديهم بختم الحفل ثم دلَّهما إلى مكانيهما في المقدمة. تحدث نايل قليلًا إلى حارس الأمن قبل أن ينضم إلى الصفوف الأمامية.

«من لدينا هنا أيها الجمهور؟ كاتبة أهم أغنية في تجميعتِنا الموسيقية القادمة، ميريت!» صرخت جيسي في المذياع فهلل الجمهور لتصعد ميريت إلى المسرح.

«هيا نايل، أحضرها» قالت بيري فأمسك نايل بيد ميريت المصدومة وأخذها إلى الطريق الخلفي ليعتَلوا المسرح عن طريق الدائرة المتحركة. وجدت ميريت نفسها في منتصف المسرح وأمامها جمع غفير من الناس.

«هيا يا فتيات» قالت لايت آن وبدأت الفرقة تغني. أمسك نايل بيد ميريت وأخذا يرقصان قليلًا ثم تبادل نايل مع الفتيات. كانت الفتيات يرقصن معًا أيضًا والجمهور يصرخ.

«أتريدون سماع أغنيتنا الجديدة؟» قالت بيري فعلا صياح الجمهور.

«لا يمكننا، ولكن عصفورًا أخبرنا أن ميريت تحب أغنيتنا أنا الصغيرة، وتستطيع الغناء أيضًا، فعصفورنا سمع ميريت تغني وهي تستحم» قالت لايت آن.

«أتريدون سماعها؟» علا صياح الجمهور وبدأت الفتيات بالغناء، ألقت جايد إلى ميريت مذياعًا وكانت ميريت متوترة بشدة.

بدأت الفتيات بالغناء وكانت ميريت صامتة ثم احتضنتها ‌جايد على المسرح، غنّت معهم وشيئًا فشيئًز قل توترها ثم ارتفع صوتها في نغمة عالية. صمتت الفتيات ونظرت بيري إليها وقالت بصوتها القوي: «رائع يا فتاة!» 

أكمل الجميع الغناء فبدأت ميريت تتوتر أكثر فاحتضنها نايل فوق المسرح وهو واعٍ أن سمعته وحقيقة أنه مغنٍ قد تتأذى بسبب فعلته هذه. غنت الفتيات أغنية (القوة)، كانوا يشيرون إلى نايل عند جملة (أنت الرجل ولكنني أمتلك القوة). كان نايل يضحك ويغني معهن.

انتهى الحفل واصطف المعجبون خلف الكواليس لرؤية ليتل ميكس.

أثنت الفتيات على ميريت، وكانت المعجبات تحيين الفتيات بشغف وتحيين نايل أيضًا حيث أبدت الكثير من المعجبات إعجابهن بنايل وسألته إحدى المعجبات إن كان على علاقة مع ميريت فنظر نايل إلى ميريت نظرة طويلة وابتسم ابتسامة خفيفة ولم يجب.

***

عادت ميريت ونايل إلى الفندق. كان هاري ينتظر في غرفة ميريت لتخبره ما الذي حدث، ولكن في طريقها إلى الغرفة اتصل بها نيك يخبرها أن تنظر إلى قناته على يوتيوب، فأمسكت بيد نايل وهرولت إلى غرفتها، وجدت هاري المنتظر، فأخبرته أن يبحث عن قناة نيك على اليوتيوب. جلس الجميع حول حاسوب هاري المحمول وبحثوا ليجدوا أغنية تدعى آنجل انتهى تحميلها منذ عشرة دقائق، ركز هاري ونايل بإمعان بينما كانت ميريت تحارب النوم.

بدأت الأغنية بالكثير من المقاطع المرئية لممثلين وأشخاص مقربين من هاري ونايل وآنجل، يتحدثون عن كيف كانت آنجل وكيف يشتاقونها كثيرًا. ثم بدأ نيك بالغناء وحوله فرقته تعزف بينما تُعرض صور آنجل منذ صغرها خلفهم على شاشة كبيرة. كانت الأغنية تخليدًا لذكرى آنجل، انتهت الأغنية فانطفأت أضواء الغرفة، ووقف الكثيرون بشموع أمام صورة آنجل، ووالدتها تنظر إلى الصورة وفي عينيها دموع فرح. كانت الأغنية مؤثرة، والأكثر تأثيرًا كان الذي كتب في النهاية: إهداء من ميريت إلى روح آنجل الطاهرة.

أحاطت نايل وهاري الكثير من المشاعر وامتنان شديد لميريت التي قامت بكل هذا. أما ميريت فقد سقطت غافية منذ أول دقيقة في الأغنية من الإرهاق.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top