فراشة زاهية - 34
...
..صباحًا
كانت هي في المطبخ برفقة الخادمات، تعد معهن الافطار، رغم رفضهن لذلك الا انها أصرت على البقاء
فعلت ذلك لأجل نفسها أولًا..لقد رغبت بالتشافي بهذه الطريقة، وبخوض الاحاديث معهن ومساعدتهن في المطبخ
ثم وفجأة شعرت الهلع عندما سمعت صوته يصدح في أرجاء المطبخ
" صباح الخير"
ردت الخادمات عليه، عكسها هي التي تغاضت عن النظر إليه واشغلت نفسها بتقطيع الخضار
وفيما كانت تحاول تحاشيه شعرت بخطاه تقترب منها، وبرائحته تتسلسل إلى رئتيها
بهالته تلك، كان قادرًا على أسر قلوب النساء بسهولة، وللأسف..هي تعترف أنها واحدة منهن
لكن اعترافها لا يعني بأنها ستنهزم، لقد اكتفت من الألم بالفعل جراء علاقتها السمية السابقة
قبل خدها بغتة فشهقت الخادمات بدلًا عنها، هي التي جفلت ولم تستطع تحريك طرف منها
تنصلت الخادمات من المطبخ بخفة ليتركن الزوجين يتغازلان ببعضهما البعض براحة
وأما عنهما، فقد تعمد سيهون فعل ذلك حتى يجذب انتباهها له قسرًا، ويجبر عينيها الجميلتين على مقابلته
أحاط كتفيها لتضطر الى رفع وجهها والتحديق به، وقد محت تعابيرها الجادة تلك ابتسامته الخفيفة التي ارتداها وجهه قبل دخوله إلى هنا
لماذا لا تبتسمين؟ أفردي هذا الوجه.." ثم اقترب وهمس عند أذنها: تعلمين أنه ينبغي عليك السيطرة على تعابيركِ صحيح؟"
"أجل ولكنني لن ابتسم كالبلهاء لك"
ردت باقتصاب ثم تملصت من ذراعيه تتجه إلى بقعةٍ أخرى في المطبخ، وتدعي أنها مشغولة في انتقاء الاطباق
قهقه حابسًا استفزازه منها ثم حمل تفاحة وقضمها ليقول بعدها: بالمناسبة، يليق بكِ دور كنة عائلة آوه
استدارت ترمقه بحده وقالت قبل التفاتها نجوه من جديد: نعم، سأتقن الدور ليوم واحد فقط.. ألا وهو اليوم يا سيد آوه
ترك التفاحة جانبًا وتحرك باتجاهها ليحاصرها كما دأب، وأدارها لتلتفت وتبصر وجهه القريب منها."ملابس شقيقتي تلائمك !" علق بينما يعبث بالشريطة المتواجدة في ياقة قميصها، وقد حرصت هي على أن لا تتوتر أمامه قدر الامكان، ثم راقبت بتمعن كيف يحدق هو بمفاتنها
نظراته الفاحشة تلك تربكها مهما فعلت وقاومت، ألا يمكنه التوقف عن ممارسة لعبة الاغواء هذه؟ هل يعرف بأنه بارع جدًا يا ترى؟
شردت فيه كما شرد بها، وتوقفت يده عن العبث بالشريطة.وجهها يستدعيه لخوضِ ملحمة شاعرية على بداية الصباح، فليس هنالك أفضل من قبلة هائجة تعيدُ احياء ذكرى حميمية كذكرى الامس
"..سيهون "
همست كي توقفه ولكن الأوان قد فات، وقد لثم ثغرها يمنعها عن ذر الحروف في وجهه
القُبل تكفي، والكلمات يمكن ان تحول إلى ايماءات بالجسد
اذا كانت مغتاظة منه، فلتقم بقضم شفته..واذا كانت تنوي محاربته فلتسل سيف لسانها وتعترك مع لسانه
يمكنها ان تكون سادية وتتسلى باذاقته ولو القليل من الألم، يتمنى لو أن تفعل..بدل من ثبوتها الراسخ هذا
ما أوقفه عن مداعبة شفتيها بخاصتيه الا صوت الحمحمة التي صدح، وقد تراجع بسرعة لعلمه بهوية صاحبة الصوت، وعندما التفت تأكد من كونها أمه، والتي تبرع برسم تعابير البرود على وجهها مثله، وكأن الموقف الذي رأتهما فيه لا يهمها كثيرًا
أما عن مينا..فقد تمنت لو أن تنشق الأرض وتبتلعها في تلك اللحظة من فرط الاحراج الذي شعرت به
" هناك مكان أفضل من المطبخ..ان كنتما تعلمان بذلك"
فرك رأسه يدعي الخجل وبرر: لم نتعمد فعل ذلك هنا
حدجته مينا بنظراتها متفاجئة، هل يقول بأنه دخل في هذه الاجواء فجأة؟
!بربكم، انه سيهون..لا يفعل شيئًا دون التفكير به مسبقًا
لقد تعمد احراجها هنا أمام الملأ، كان يعرف بالفعل أن هناك من سيلج المطبخ في أي لحظة
" ..دعا الخادمات يقمن بعملهن"
" حاضر امي"
ثم التفت لمينا ينصب حاجبه بثقة : تعالي عزيزتي
وقد مد كفه لها مدركًا أنها لن تتمكن من رفض كفه الممدوة، فاضطرت الى الامساك بيده والسير سويًا معًا للخارج
لا تنكر أن دواخلها المضطربة قد أحبت ملمس يده الباعث للامان، لكن يده وحدها الآمنة..أما عنه هو فمحفوف بالأخطار
فكت يدها مباشرة بطريقة عنيفة قد أرغمته على رمقها بحدة
" ما الذي تفعلينه؟ الا يمكنكِ تمثيل دوركِ هذا اليوم على الاقل؟"
أشارت برأسها على شقيقه الاكبر وزوجته الماكثان في الحديقة، والتي يمكن أن تطل عليها من داخل البيت بسبب الجدار الزجاجي الفاصل
دوري لا يلزمني بتقبيلك وامساك يدك أمام عائلتك، انظر إلى أخوك وزوجته"
"لا أراهما يفعلان أشياء كهذه في العلن
اغتاظ من ردها المفحم، ومن تجاهلها التالي له عندما أدبرت صاعدة إلى الغرفة
!فهل يلحقها؟ ربما يلقنها درسًا في الأدب، درسًا من القبل ينتهي بالقائها على سريره مقيدة به
لن يهتم كثيرًا بأمر الافطار، وحدها من ستشبع جوعه حينها
وقد تساءل في سريرة نفسه، كيف لا يضجر منها؟ حتى بعد تناوله من قدحها الانثوي الفاخر؟
كيف لا يسأم من النظر لعينيها؟ مهما طال أمد تلك النظرات..تبقى بارقة ساحرة، ووجها ذو الجمال الخالد
وجسدها النضاخ بالاثارة، كل شيء فيها يخضعه هو لها لا العكس
وأما عن صوتها الذي تحاول دائمًا حرمانه منه، فهو كالشهد..يذوب في أذنه ان حدثته بلين، أين قد رحل لطفها ذاك عنه؟ لماذا تفسد عليه استمتاعه بجمالها هكذا؟
ربما لو عادت لطيفة معه حينها فقط سيشبع منها، ربما عندما يصبح كل شيء مثالي على هواه فسوف يعوفها
قطع دابر أفكاره بينما يضمر نية سيئة تجاهها في حين صعوده لها، لكن صوت جايهيون قد استوقفه واضطره الى الالتفات نحوه مستمعًا
.!وليته لم يفعل، لأن جايهيون شخص ثرثار..وأبواب مواضيعه تظل مواربة لأطول فترة ممكنة
"سيدي..لقد صعدت لنداء زوجتكَ ولكنني لم أجدها في الغرفة"
بعدما التم جميعهم حول المائدة، كعادة آل آوه الذين تحكمهم عادات وتقاليد يتضمنها تناول الطعام معًا مجتميعن حول سفرة واحدة
تلفت سيهون حوله باحثًا عن زوجته التي صعدت ولم تنزل بعد، منذ هروبها منه لم يرى هيأتها في الأرجاء حتى
أيعقل بأنها مستاءة منه هذا الحد؟ لماذا عليها أن تكون درامية بطريقة تثير استفزازه؟ هل تتعمد استفزازه حتى ينفجر ذات يوم؟
لا يروقه أنها تسلك سلوكًا يمكن أن يثير شكوكًا في أنفس عائلته، عائلته التي يعلم كم يحبون التدخل في شؤون بعضهم البعض، خصوصًا السيدة آوه والدته
بينما يلبث والده بصمتٍ عاصف كعادته، يحسب الجميع له ألف حساب فينما لا يبالي هو بأحدِ سوى نفسه فقط
يرى كيف تتهامس أمه عندما يكون موجودًا حتى لا يبدو له صوتها مرتفعًا، وكيف تتصرف كمن تقدس زوجها وكأنه إله
فكر لوأنه لم يتزوج مينا وترك أمه تزوجه بطريقتها كما كانت تخطط، كان سيمتلك جارية لا زوجة الأن
هو يحب أن تخضع النساء إليه، لكن لن يروقه أن تعبدنه!. لقد شكر ربه لانه اتخذ احتياطاته الخاصة ومنعهم من التدخل في حياته، وأحد تلك الاحتياطات كانت زواجه من مينا
هذا الزواج الذي لا يعلم كيف سينتهي، وإلى ماذا ستفضي الأحداث الحالية بينهما
تظل مينا مصرة على الانفصال عنه لأنه طردها من حياته بقسوة ذات يوم، ويظل هو مصممًا على فكرة أن القرار لا يمكن أن يتخذ بطريقة متهورة فقد يلحق طلاقهما أضرار أخرى
ثم أنها هي من أخطأت وعليها تحمل نتاج خطأها، هي من أخطأت عندما حاولت الانتحار..حتى ولو لم تكن متعمدة، وجعلت منه ينفعل وينهرها بتلك الطريقة
وهي التي تسببت في تشبثه الحالي بذيلها الذي تلويه كقطة ماكرة، يعلم بأنها ليست بذلك الخبث
لكنها أشعلت فيه أحطاب رجلٍ يهوى، عليها ان تنتظر حتى ينطفيء وإلا فلن يتركها بحالها
!عندما يتعلق الامر برغباته فهو مكافح ومثابر لأجل اشباعها
ولكن السؤال هو..هل مينا مجرد رغبة؟ أو نزوة كما قالت سابقًا؟
لماذا يتلافى ويصدف عن التفكير بعمق كلمتها تلك كلما تذكر قولها لها؟
والان قد استوعب أنها تقوم بإحراجه أمام عائلته، وترد عليه ردًا لن يسكت عنه، عقابها وبيل
وهو عندما يسخط لا يسيطر على نفسه دائمًا
تلفت أفراد عائلته فيما بينهم مستغربين، وقد استهدفته أمه بنظراتها الحازمة..وحينها لم يلبث قاعدًا ونهض : لابد أنها في الحديقة..سأذهب لأناديها
وبعدما مشى مبتعدًا بخطاه عن صالة الطعام لحقته الخادمة وهمست قائلة: كلا سيدي انها ليست موجودة في الحديقة
التفت يبصرها متعجبًا : اذًا أين هي؟
فرفعت كتفيها متحيرة مثله بالضبط، بينما القلق قد رام بوجهها
أومأ لأجلها كي ترحل وحينها هرع بنفسه صاعدًا للدور العلوي..يبحث عنها في كل مكان ولا يجد لها أثرًا
ثم وكذلك لم يعثر عليها في أي مكان أخر داخل اطار بيتهم، أيعقل بأنها غادرته اذًا؟
تساءل حيران، ولحقه أخوه جايهيون كي يسأله عنها
" ..جرب الاتصال عليها، ربما خرجت لأجل أمر ضروري"
ثم تنبه ليد شقيقه التي تمسك بالهاتف، يعرض على الشاشة رقمها الذي كلما عاود الاتصال به وجد الخط مغلقًا
حل صمتً حالك على سيهون في تلك اللحظة، بينما يسهب بصره في الفراغ حاقدًا
" اهدأ اخي وحاول السيطرة على نفسك، حل الامور بينكما بهدوء لاحقًا ولا تجعل من وحوش عائلتنا يتدخلون في أمركما"
"!!سيتدخلون!..بعد المسرحية التي فعلتها سيتدخلون بكل تأكيد"
لفظها مستعرًا، بينما يفرك وجهه الذي حرقته حِمى الغضب
" ما الذي يجري بني؟"
ترك الجميع سفرة طعامه ما خلا أبوه، وتقدمو نحوه ليسألوه عن حال زوجته
" كانت مرهقة بالأمس ..ربما ذهبت الى المشفى كي تجري بعض الفحوصات وسوف تعود، لا تقلقو"
بدد تعابيره السابقة واستبدلها بأخرى هادئة ، بينما يكذب أكذوبة لن تصدقها أمه التي تهكمت ضاحكة
! وكأن سلوكيات زوجته تلك تثبت وجهة نظرها عنها
يالها من زوجة مثالية، انظر كيف غادرت دون أن تعطيك خبرًا!، كيف تتصرف دون مسؤولية هكذا؟ وكيف تجرؤ على أن لا تعاملك دون أي احترام؟ لقد اخبرتك من البداية انك قد تسرعت! وها قد أثبتت الأيام صحة كلامي
سكت يمتص شعوره بالاستياء من كل حرف نطقته، ومن كل تلك الأوصاف السيئة التي تنعت زوجته بها
حتى لو كانت محقة بشأن تصرفها لهذا اليوم، ولكنها ليست إمرأة سيئة كما تقوم أمه بتصويرها له
هو أدرى وأعلم بها..مينا امرأة صالحة، أعجز من أن تؤذي نملة
وكل ما يجري بينهما حاليًا ليس له علاقة بأخلاقها
" انهو وجبتكم، سأذهب أنا لأرى ما بها"
" أيعقل بأنك ستلحق بها وتبحث عنها في كل مكان بعد خروجك من عندنا؟"
سألته أخته التي بدت متضامنة مع أمه بشدة، وأوقفته عن المشي صوب باب المدخل
التفت يحدق بها مستغربًا وقال: ما الغريب في ذلك؟ ألا يبنغي علي الاطمئنان على حالها؟
" !لا أعتقد بأنها تستحق اهتمامك المبالغ بها يا أخي "
من الافضل له تجاهل ما يهدرون به، فالرد عليهم سيضخم المسألة أكبر مما هي عليه
وعندما خرج متجهًا إلى مكان وقوف سيارته سمع الاكبر يهتف عاليًا
" هي..لدي محام ممتاز سفيدك اذا اردت الطلاق"
استدار مندهشًا من سخريته تلك، وقد رمقه دون ابداء أي ردة فعل أخرى
بينما ظل الاخر يلوح له بالوداع فيما يبتسم هازئًا
.تجاهل تودعيهم جميعًا وولج سيارته ثم قاد بها عائدًا إلى المدينة
_______
يمكن لها أن تقاوم، ولكن عندما يمطر عليها الأسى تعجز..وتفضي بها نفسها إلى عزلة، لا ترافق خلالها إلا أشياءً لا تتحدث، أو أناسًا ما عادوا قادرين على الحديث
من سيفكر حتى بمكوثها هنا في المقبرة؟ تجلس بهوان انسان انهالت عليه المصائب، وما بقى بيده حول أو قوة
لا تعلم ما قد يصدر منها ان قابلت أي شخص في هذه الحين، قد تتمرد عليها نفسها المجروحة فتجرحُ غيرها دون قصد
لا تود تحميل أي شخص أخر مشاكلها، والاثقال عليه بهمومها التي لم تعد قادرة على جرجرتها معها أينما ذهبت
كل ما كانت تفكر به هو انهاء كل شيء..كما ابتدأ فسينتهي، لكنها بحاجة إلى رعاية نفسية تبعث لها هدوءً مؤقتًا يمكن أن يزيل هيجانها الدخلي، ويسكن من اضطراباتها الكثيرة
بعدما زفرت بعمق أنفاسها باتجاه السماء..قررت فتح هاتفها، وكما توقعت
نزلت عليها الاتصالات والرسائل كما لو أنها قد اختفت لأسبوع لا لبضع ساعات فقط
توقعت أن يقوم سيهون بجلبة كبيرة بسبب اختفائها هذا، لا حبًا و اهتمامًا بها...بل لأنها قد وضعته في موقفِ سيء مع عائلته والتي يدعي أنه لا يهتم برأيهم عنه، بينما لا تجده هي يختلف عنهم كثيرًا
" ياربي هل أخطأت عندما ابتعت كرامتي اليوم؟"
ثم سكتت تنتظر حصولها على الاجابة من خلال اي اشارة يمكن أن تقوم بها الطبيعة المحيطة بها، وعندما هبت الرياح وسمعت حفيف الأشجار استرخت بهدوء وآمنت بمآزرة الكون لها
ثم التفت وأقبلت على ضريح خالتها لتقول: كنتِ دائمًا تقولين لي أن كرامة الانسان هي أثمن ما لديه
لقد أوصيتني أن أعتني بنفسي جيدًا، وأن أقويها لتكون قادرة على مواجهة العالم
لكنني خيبتُ ظنكِ بي كثيرًا، وسمحت للناس بالعبث بي واهانتي كيفما يشاؤون
اليوم لقمت إهانة كبيرة! لم استطع التجاوز عنها..لم استطع ادعاء انني بخير وتجاهل ما حلصت عليه منهم
بينما تلومني نفسي على كل شيء..أشعر بأنني أستحق ذلك، لأنني اهنتها منذ البداية
لوما اقترفت أخطائي، ولوما كذبت أمام القس يوم زواجي..لما كنت أنا الأن هنا اشتكيك الناس يا خالتي
أتعلمين بأنني أشعر بضغط هائل ما عدت قادرة على تحمله؟ حتى العمل..أشعر بأنني لن أقدر على تولي شؤونه أكثر، ذلك لم يكن طموحي بل طموحكِ أنت، فهل تسمحين لي بالتخلي عنه في سبيل راحتي؟ علي أن أجد شغفًا حقيقيًا يشبهني وحياة أخرى أعيش بها سعادة لا زيف بها ولا قلق ولا نصب ولا حتى عذاب
ثم قررت في لحظة أن تعيد تشغيل هاتفها ثم تتواصل مع شخصٍ ما قد أشغلتها الحياة عنه، لكنها لم تنساه
" مرحبًا كازوها كيف حالك؟"
غادرت المقبرة أولًا ثم اتصلت بها من خلال الفيديو، فأجابت الاخرى على الفور وصورت الحديقة التي تتمشى بها
" !أنا بخير ماذا عنك؟ انظري الى هذه الحديقة التي غطاها الثلج ورائي"
نعم فالشتاء قد أقبل، وصار البرد قارسًا هذه الأيام..مما لا يساعد في حصولها على الدفء الكافي
والغريب بأن لزوجها مقدرة على بث ذلك الدفء، عندما تأسرهما الحياة في مكان واحد..وعندما يشتعل هو كالمدفئة، يصعب عليها الابتعاد وعدم الاصطلاء به، ثم تندم لاحقًا عندما ترى ندوب شراره المتطاير عليها
" لا بأس..كل ذلك سيزول عندما يحل الربيع وستتجلى زهور الساكورا بزهو وتباهي"
ضحكت الأخرى مستلطفة كلماتها ثم قالت : لقد وعدتني بأنكِ ستزوريننا في السنة الفائتة، ما الذي حدث؟ هل أثر موضوع زواجكِ على مجيئك؟
تنهدت تتلفت حولها بينما تمشي في طريق مستقيم
كل شيء..الحياة ملأى بالمشاغل"
"ولكنني أفكر بالمجيء عما قريب
ربما يكون سفرها هذا منفذًا للراحة
" و..ماذا عن أبي؟ هل تحسنت حالته؟"
طرحت السؤال الذي حاولت تجنبه منذ البداية، لكنها لم تستطع كبته في النهاية
" يقولون بأنه كذلك، لا أعلم..لازال راقدًا في غيبوبته، وكل ما تفكر به أمي هو ما سيتركه لنا بعد وفاته"
شعرت بصدرها يضيق وكافحت لكيلا تطغو الدموع على عينيها وتفسد رؤيتها
" لو علمت بأنني قلت لك هذا فستقتلني"
أستأنفت كازوها بنبرة داعبة يمكن أن تساعد في رسم الابتسامة على وجه مينا
" حسنًا هناك من يتصل علي..دعينا نتحدث لاحقًأ"
تحدث مينا بعد وقوفها وراء الشجرة لتلوح لكازوها، والتي بدورها بادلتها تودعها بابتسامة
" دعينا نتواصل معًا أكثر خلال الأيام القادمة"
وافقتها مينا قبل اغلاقها المكالمة والرد على اتصالات أمها التي ملأت خانة الاتصال عندها
" أجل أمي ..لا بد أن سيهون من يضغطكِ على الاتصال بي لمعرفة مكاني صحيح؟"
وما دمت تعلمين ذلك لما لا تجيبين علي؟ اسمعي..زوجكِ هذا مجنون وأنا لا أعرف كيف ينبغي علي التصرف معه، ثم أنني لا أفهم سبب اختفائكِ هذا!، أنتِ لا تتصرفين على هذا النحو أبدًا يابنتي
" !حسنًا، انت تعلمين بأنني لا أتصرف هكذا عادةَ اذًا لابد أن يكون لدي سببي"
ردت وكادت تغلق الخط لدى شعورها بأن سيهون قد يكون قريبًا من أمها، لا تعرف لماذا ولكنها احست بوجوده معها في نفس المكان
"فقط اخبريني اين انت الان؟ دعيني اطمئن على الاقل"
انا بخير..وسأكون عندكِ بعد قليل"
"أخبريه بان يتوقف عن ازعاجكِ فانتِ لا شأن لكِ بما فعلت أنا
تحدثت بحزم وأغلقت الخط بسرعة
كان احساسها في محله، حيث أن سيهون كان موجودًا بالفعل في غرفة الفندق الذي تمثكان بها، يذرع الصالة مستعرًا بينما تشاهده أمها بقلق فهو يبدو كقنبلة مؤقتة قد تنفجر بأي لحظة
تريث حتى حين انتهائها من الاتصال ثم اهتاج وحاصرها بأسئلته: أين هي؟ وأيضًا لماذا لم تسأليها عن سبب رحيلها بهذه الطريقة؟ لماذا لم تحاسبيها على سوء الموقف الذي وضعتني فيه مع عائلتي؟
.! هل تعرف ما قد ينتج عن كل هذا؟ كيف يمكنها التصرف بلا مسؤولية هكذا؟ لو علمت أنها متهورة هذا الحد لما تزوجتها أصلًا
سكتت ميراي مندهشة من الكلام الذي هدر به سيهون أمام وجهها، والذي يبدو عليه بانه قد ندم بعد تفوهه به
جلس يهديء من نفسه ثم قال: لم أقصد اهانة ابنتكِ ..أعتذر لما قلته
!ولكنها تثير جنوني بتجنبها أياي بهذه الطريقة
" !وهل تجرؤ على التساؤل حتى؟ انظر الى نفسك كيف تبدو كثور اسباني"
فرك وجهه متجاهلًا نعتها له -بالثور الاسباني!- بطريقة هازئة
ثم جلست هي ايضًا على المقعد المقابل له بينما تمسك بالهاتف واضعةً اياه في حجرها
انا التي ينبغي علي مساءلتك، والتحقيق معك"
لأنني أعرف تصرفات ابنتي جيدًا..حتى لو لم أعش معها طوال السنين الفارطة، لكنني أعرف مينا وكيف تتحمل كافة المسؤوليات الموجهة إليها، وكما قالت..هي لديها سببها
"حتى الان أنت تظل تتحاشى الاجابة علي، هل حصل بينكما أي شيء؟ هل قمت بازعاجها؟ أو هل قام أحد أفراد عائلتكَ بمضايقتها؟
كيف يمكنه الاعتراف بما فعله أمامها؟ تلك الامور خاصة بينهما فقط، هما زوجين وبينهما خصوصيات لا يحق لاحدِ أن يعلم بها..تمنى لو أن تفعل مينا ذات الشيء وأن تتكتم عن التفاصيل الحاصلة في علاقتهما المضطربة واللامستقرة
أنا لن أتحدث معكِ سيدتي، نقاشي سيكون معها هي"
"وسأتنظرها حتى تأتي
وضع ساقه فوق الاخرى واتكأ يتأمل الجدار، فيما زفرت هي ساخرة وفضلت أن تقلده وتتجنب الخوض معه مرة أخرى
" واو ..انسحاب ممتاز سيد آوه"
كان هذا أخر ما لفظت به، في حين أنه بقي صامتًا ومشغولًا البال
فكر بعدة امور..وكان يخفي ارتباكه ببراعة، إلا أنه يشعر بالقلق من تصرفها هذا، عجزه عن توقع المستقبل يثير غيظه، هو قد اعتاد على حساب وتوقع مجريات الأمور حوله دائمًا..لكن مع مينا، كل قوانينه قد اختلفت..وما بقت إلا النظريات القابلة للتغير
تفرج أرجاء الغرفة وشعر باستياء لأنه كان السبب في مكوثهما هنا، هل ينبغي عليه دعوتهما للعودة إلى بيته؟ هو ينكر بينه وبين نفسه الوحشة التي أصبحت تملأ جو بيته عكس أجواء الحياة التي استعمرته قبل فترة فقط
لن ترضى هي بكل الأحوال، كرامتها التي داسها ستظل تطعنه بشوكها طوال الوقت، فما الحل معها اذًا؟
لن تصدقه ان قال بانه ينوي عقد هدنة سلام مؤقتة، هذا ولأنها لا تحب الأمان المؤقت والذي يمكن ن يزول في أي لحظة ويتلاشى
لقد أذيناها أنا وأبوها كثيرًا فيما سبق، حبنا المتهور وارتباطنا الاستعجالي"
وغرفنا في أوهام العشق الابدي، لم تكن تلك الاوهام تشابه الواقع ابدًا..حصلنا عليها مبكرًا دون تخطيط..ثم حمّلناها ذلك الخطأ والذي لم يكن خطأ أبدًا، نحن فقط لم نكن مسؤولين كفاية لرعايتها
تركتها مع أختي عندما شعرت أن مسؤولية طفلة هي أمر فوق طاقتي، وظننت بأن عقم شقيقتي سيجعلها تعوضها عن غيابي
في الحقيقة، لا يمكن لأحد أن يعوض مكان الأم في حياة ابنائها، لقد أدركت ذلك بوقت متأخر
مينا كانت بحاجتي وقد ظننت أنها كبرت بالفعل ولم تعد محتاجة لهذا النوع من الرعاية والاهتمام
ربما لا استطيع تعويضها ولكن الانسان لم يخلق ليكون وحده، فكرة انها تواجه كل شي ءوحدها لا تروقني، ستنهار ذات يوم
"أعترف بانك كنت بجوارها وبذلت ما بوسعك لدفعها لتقوم من جديد، لكنك افسدت كل شيء في النهاية
ابتدأت كلامها بلوم نفسها فركز في حديثها والذي يوضح جانبًا من حياة مينا
حياة الناس لا تعنيه عادة، لكن حياتها تعنيه ومعرفة جذور أحاسيسها وكيف قد خُل وكونتها أيضًا تعنيه، رغم أنه يدعي عدم الاهتمام فهو يهتم..ويبرر لنفسه هذا الاهتمام بأنه يدعم قرائته لشخصيتها، ثم يصف كل تلك الحقائق إلى جانبه الخاص مستغلًا معرفته بها في كيفية تحكمه وتمكنه منها
لكن لم يروقه انها وصلت الى نقطة لومه هو..دحرج عينيه منزعجًا وقرر للمرة الاولى البوح بشعوره أنه قد اقترف خطأَ حينها
" !اعترف انني أخطأت، لكن خطئي هو نتاج خطئها هي"
سيد آوه..لن نتاقش في امر قد انقضى، ابنتي قد تحسنت بالفعل"
ولا اريدها ان تبتئس مرة اخرى..لا تجرها الى التعاسة، الشيء الذي جمعكما منذ البداية في هذه الاتفاقية قد زال..واعتقد بأن الاطالة في علاقةٍ لا طائل منها مؤذٍ لكليكما، أو لها هي على الاقل
لقد تعلقت بك وأنت تعرف ذلك..فإما أن تقدرها وتهتم بها وتمدها بالرعاية الكافية، بالاصح تعوضها وتشعرها بالامان الذي فقدته بسببنا وإما أن تتركها بحالها
من الصعب أن يتقبل رجل كسيهون أن يملي عليه أحدهم الأوامر، أو أن يلقي عليه النصائح ويبين له خطأه حتى لو كان أكبر منه سنًا وأكثر خبرةً في الحياة
يظن بأن تجاربه الخاصة قد منحته صورة جيدة من كافة الزوايا، ومن خلال النظر الى تلك الصورة سيحكم على الناس وسيتصرف معهم بناءً عليها فقط
فكرة أنها تتدخل بينهما تستثير غضبه، وصبره الذي يلجم به ذلك الغضب محدود لكنه يحسب النتائج جيدًا، ولأنه بارع في الحساب يعلم بأن الوضع سيكون أسوأ لو اندفع وثار فجأة
! هو سينتظر مينا وسيكون كلامه معها فقط، والحديث مع غيرها مضيعة للوقت
سُمع صوت الباب يُفتح، ولما رأها تدلف تنفس الصعداء، بيد أن تعابير وجهها الجامدة لا تبشر بالخير
والطريقة التي لمحتهما بها وكأنها لا تهتم لشيء لم تروقه أيضًا
تصبح مستفزة جدًا بالنسبة له عندما تتمثل دور الباردة مثله!، وحده من يحق له التعامل بجفاء..اما هي، فليس مقبول منها تقليده وتقمص دور لا يشبهها
وقف كليهما بالتزامن مع لحظة دخولها، ثم تحمحمت الأم تداول عينيها بين كليهما
وقد شعرت أنه ينبغي عليها تركهما وحدهما ليتحدثا براحة
" ..لدي شيء أقوم به بالداخل"
ثم مشت بخفة لتدلف الغرفة، لكن فضولها قد منعها من عدم التنصت للحوار الذي سيجري بينهما في هذه الحين من وراء الباب
كان هائجًا قبل قليل، لكن هجع لما رأها تتجه ناحيته لعلها تفسر له سبب فعلها لذلك، وبكل الأحوال..ما كان ليعذرها
عذرها مرفوض قبل سماعه منها حتى
" اذًا..أنتِ هنا"
"!أجل أنا هنا ..واعتقد أنكِ تعلمين لماذا انا هنأ"
دس يديه في جيوبه ونصب حاجبه بغطرسة فيما يتفرس وجهها الذي لا يوحي له بشيء
!وكان قد وضع نظريته الخاصة بشأن ما فعلته
ولقد ترقب منها اعترافًا بالخطأ، رغم أن تعابيرها لا توحي له بكونها تشعر بالندم
حسنًا..أنا لا اهتم لوجودك هنا"
"لكن من الافضل لكَ أن ترحل، فانا لا اجد شيئًا أقوله لك ..اذا كنت تنتظر مني قول شيء
اندهش من كلماتها التي رمتها عليه بلا أدنى اكتراث
بعد كل البلبلة التي افتعلتها هي ترفض أن يحاسبها على ما فعلته؟
ادبرت راحلة تخلي له ساحة النزال، والذي لن تشارك فيه أبدًا بعد الان
ومتى شاركت في نزال حتى؟ كل ما كانت تفعله هوحملها للدرع لا السلاح، وان أشهرت سلاحها مرةً في وجهه، فهي نادمة على ذلك، نادمة لأنها ابتدأت شن الحرب معه، بيد أن لحظة خروج السلاح من غمده وطعنه به كانت لا تنسى
" قفي محلك، كيف تجرؤين على فعل ذلك بي؟"
استوقفها بكلماته الحادة، والتي رمحها بها
توقفت ولكنها لم تستدر، كانت تعلم بأنه سيقدم على حركةٍ عنيفة كإدارتها عنوة من ذراعها
كرهت كيف أنه يتباهي بقوته تلك عليها بهذه الطريقة
إن كانت لديكِ مشكلة معي، فأنا موجود لتقومي بالتعبير عن سخطكِ أمامي، ولا يحق لكِ أن تظهري سخطكِ ذاك للعلن، وخصوصًا أمام عائلتي
مينا أنا قد التزمت بدوري حينما كنا متفقين على الادعاء كزوجين أمام الناس، لم اخيب ظنكِ ابدًا ولم انقض عهدي معك
لقد فعلتُ الكثير حتمًا لاجلك، وفي المقابل ..كل ما اجده منكِ هو تصرفات غير مسؤولة
"هل ينبغي علي تمرير أفعالكِ كل مرة؟ صدقًا..لو علمتُ انكِ بهذه السذاجة مسبقًا لما أقدمتُ على الزواج منك
أرعد بصوته أمام وجهها، يتعمد هزهزتها وجعل الدمع يترقرق في عينيها
يستدعي منها شعورًا بالذنب، يخضعها للاعتذار اليه
ليس الاعتذار اليه فحسب، بل طلب السموحة منه
وعندها فقط سيتعالى، وسيتطلب منها مقابلًا حتى يسامحها
!لن يكلفها ذلك المقابل الكثير، فقط عليها أن تدنو من شموخها قليلًا..وتعود صاغرة إليه
لقد فلح باستسقاء دموعها، والتي أخذت تجري على خديها
لكنه لم يفلح بجرجرتها في ساحته منهزمةَ كما أراد
" !دع يدي"
كادت والدتها أن تدخل بسبب تماديه مع ابنتها، لكنها توقفت لدى سماعها لرد ابنتها عليه
وكيف استعادت ذراعها منه بقوة تضاعف القوة التي جرها بها
:هي مسحت دموعها بخشونةٍ ثم واجهته بعيونها المحمرة هادرة
"أجل أنا ساذجة وغير مسؤولة هل أدركت ذلك الان فقط؟
لماذا لم تفكر بذلك عندما عرضت الزواج علي؟، المرأة التي تقبل بالحلول الملتوية كحل زواجنا ونسب طفلٍ إلى ابٍ غير ابيه البيلوجي هي إمرأة ساذجة وغير مسؤولة بكل تأكيد، لانها تتهرب من مواجهة واقعها عبر استبداله بواقعٍ أخر
كنت ضعيفة جدًا، وأنا متأكدة بأنكَ قد علمت بضعفي من قبل، لكنكَ فضلت استخدامي لأجل غرضكَ متجاهلًا كم سيؤثر كل ذلك في حياتي
!كنت تفكر بنفسك فقط لذا توقف عن التمنن علي
حسنًا..نحن لا نستطيع العودة للوراء والرجوع بالزمن، لا استطيع العودة لصفع نفسي التي وافقت على هذه المهزلة الكبيرة
"!لكننا نستطيع اصلاح كل شيء الان، فقط لننفصل وليرحل كل منا في سبيله
لقد تفاجأ بكم الغضب الذي تكنه له عندما فار التنور داخلها لتنفجر عليه هو
سكت يطالعها بصمت فقط..متحيرًا من حقيقة أنها ترغب بالانفصال عنه بذلك القدر، رغم اعترافها له بالحب ليلة أمس
كيف يمكنها ان تناقض نفسها هذا الحد؟ وأن تشتري كرامتها بهذا السعر الباهظ جدًا؟
اتعرف ما ستخسره من نفسها ان بذرت كل هذا المبلغ لأجل الانفصال عنه؟
..الانفصال عن من تحبه ليس بالأمر السهل، ستندم ولن يفيدها الندم عندما تجد نفسها قد خسرت الاثنان معًا، هي وهو
دحرجَ عينيه متجاهلًا الشعور السيء الذي باغته بفضلها، بقدرما ما أشتهى رؤيتها متزعزعة وباكية
يمقتً هو في هذه اللحظة فكرة أنه السبب في ذلك، لا يدري ان كان شعوره سيختلف لو أنها لم ترد عليه بمثل هذا الرد المفاجيء
..لو أنها أذعنت لرغباته، ربما ما ضاق عليه صدره هذا الحد
من فضلك دعني اعيش بسلام، اعلم بانني لن اقدر على رد كل فضائلكَ علي"
"لكنني سأرد ما أقدر عليه
كيف تنوي رد فضائله اليه يا تُرى؟
أرجع بصره اليها يتحرى مقصدها من كلماتها التي باحت بها بينما تضم يديها في امتنان كاذب
" !ما فعلته اليوم قد افسد كل شيء..أنتِ قد اشعلت أحطاب حربٍ عائلية"
!أو حربٍ عالمية
" لا تحدثني عن عائلتك، انني اتحدث معك انت"
" !كلا أنتِ سبب دخولهم في مشاكلنا يا مينا!، انتِ لا يمكنكِ توريطي معهم ثم تركي اواجههم وحدي بسببك"
تفادته تتبوأ لها مقعدًا حتى تستريح فيه من همه القائم على ظهرها
" هذا لا يخصني"
ردها قد أغاظه بشدة، سارع بالتقدم نحوها وسحبها لتقف وتواجهه مرةُ أخرى
" !بلا يخصك، ستذهبين وتبررين لهم غيابك ثم ومن بعدها نحل أمورنا الخاصة بعيدًا عنهم"
كان يضم ذراعيها كقيد، ثم استوعب انه يقسو عليها هكذا مما جعله يرخي يديه عليها
تبادلا نظرات صامتة في تلك اللحظة، وكأنه قد كبا النار المستعرة في عينيه
وسهامه الحادة لم تعد قادرة على تصويب هدفيها داخل عينيها، تلك المياه تموهه وتعجزه عن الاصطياد فيها رغم انها ضحلة رفات، لا آسنة
" لستُ بحاجة للتبرير..هم يعرفون بالفعل"
تحدثت بعد استرجاعٍ عصي لصوتها منه
" ما الذي تعنيه بكلماتك؟"
تقارب حاجبيه بحيرة واستنكار، وحيرته تلك ستجبره على كشف مستورات كلماتها لاحقًا بكل تأكيد
ولأنه سيتحرى عنها، فضلت جعله يقوم بذلك التحري دون مساعدته..هو لا يستحق أن تساعده ليكشف ما عنته بكلماتها الواضحة نسبيًا
" وبما انك هنا..سأخبرك مسبقًا حتى لا تسائلني لاحقًا"
استطردت مغيرةً دفة الحديث، فيما تتجاوزه مبتعدة للمرة الثانية، وقد قررت حينها الالتجاء الى النافذة كي تتنفس بعمق وراحة
" ..ماذا؟ مالذي تودين اخباري به"
!وقد حل هدوء ما بعد العاصفة بينهما، لا ما قبلها
" لقد تأخرت لانني قمت بزيارة السيدة باي، والتي عرضت علي شراء شركتي مسبقًا"
سكت مصدومًا ..وما حبذ استخلاص المقصود من جملتها بنفسه، كان موقف امها التي استمرت بالتنصت عليها مشابهًا له أيضًا
" وافقت السيدة باي لذا..قريبا سأبيع شركتي ومن ثم سأدد كل ديوني لك"
والتفت مسترسلة : يمكنك الاستمرار في كونكَ مساهم معها لاحقًا..او إلغاء الصفقة، هذا امر عائدٌ أليك
" !مينا ما الذي تقولينه؟ ما الذي تعنيه بانك ستقومين ببيع شركة اختي؟"
كانت الصدمة اكبر من أن يقدر على مسائلتها بشأن قرارها هذا حالًا، عليه أن يبتلعها ويستوعبها أولًا، وفي المقابل.. تدخلت ميراي بدلًا عنه، متناسيةً انها ستفضح تنصتها عليهما بهذه الطريقة
هذا ما قررته امي، لم يعد بمقدوي تحمل كل هذا الضغط علي"
"..ولانني لم اختر استلام هذا المنصب قبلًا، لن استمر به
في الحقيقة، هي لم تختر أي شيء في حياتها، كل الامور كانت مفروضة عليها
كانت مُكرهة على التحمل طوال الوقت..هذا ما ادركه سيهون لدى تفرسه لملامح وجهها الذابلة
لم يكن هو السبب..كان هو أحد الاسباب
!!ولكن..انتِ لا يمكنكِ رمي مجهود خالتكِ هكذا!، مينا اختي قد فعلت الكثير لاجلكِ قبل ان تموت"
"لقد وثقت بك وسلمتكِ عملها، لماذا تفعلين هذا مينا؟"
وفجأة، وُجهت أصابع الاتهام جميعًا عليها، تتهمها بكونها ناكرةً للجمائل
رغم كل ما تبذله، سيظل مجهودها دائمًا قليل..في مقابل ما يُقدم لها
ولكنها لا تريد أن يقدم لها أحدٌ أي شيء، إن كان سيطالبها بقيمته لاحقًا
فالهدايا لا تُهدي لأجل أن تُرد بمثلها، الهدايا تعطى لتؤلف بين القلوب
وكذا تلك الجمائل، تؤلف بين قلوبنا..فنُعطي دون مقابل، وكل طرف يعطي حسبما يقدر وحسب طريقته
فقط لو فهم سيهون هذه المعادلة، لأدرك أنها كانت سترد له امتنانها بالحب، هو وحده الجاحد هنا لا هي
هي فقط استوعبت ذلك متأخرة..لاشيء يأتي بالإجبار
حتى الأحلام لا يمكن ان تكون اجبارًا، ولا الحب..ولا العاطفة ..ولا حتى ذلك الأمان
" ..اعرف انها قدمت لي الكثير، لكنني لم اعد استطيع فعل ذلك أكثر"
"..!ولكن مينا"
الجميع يضغط عليها لتتصرف حسبما يريدون، لكنهم لا يضغطون على أنفسهم ليتصرفوا كما ينبغي عليهم
هل تلومها الان وهي التي حمّلت مسؤوليتها لاختها؟ هل عليها هي أن تكون ممتنة لأن خالتها قامت بتربيتها بدلًا عن أمها؟
رغبت بالبوح بكل ذلك الاستياء والقهر الذي عشعش في صدرها طوال السنين الفارطة، لكن ولأنها تراعي مشاعر غيرها دائمًا..ما حبذت كسرها بالحقائق الموجعة
" سيدة باي كفوءة أكثر مني..هذا كل ما استطيع قوله لكما، لا تنتظرا مني أي توضيح اخر"
قابلت كليهما بوجهها الخاوي، ونبرتها الهشة
لو فقط جرب أحدهما ضغطها أكثر لكانت ستنكسر، لكنهما احتفظا بالصمت يتركانها ترحل بهدوء فقط
وبعدما صدح صوت اغلاقها للباب استدارت ميراي تكلم الواقف بصمت بنبرة لحوحة لجوجة
لا أعلم ما الذي يجري معها!..انها ليست بخير"
"سيهون حاول التفاهم مع زوجتك واترك مشاكلكما الخاصة جانبًا، ما تفعله الان خطأ كبيرويجب أن توقفها عن المضي فيه هكذا
لكنه قابلها بالصمت بعدما أطال التحديق في مسارها الذي مشت فيه منذ قليل
يفكر في كل تلك التغييرات التي تمر بها مينا، والتي يمكن ان يكون هو المُتسبب في بدئها بها
والسؤال هو..هل تمضي هي في طريقٍ خاطيء كما يبدو لأمها؟
بالنسبة إلى شخصٍ يحسبُ نفسه متمرسًا في الحياة، كان قد رأها من منظور مختلف
رغم اعتراضه الساكت مثل موقفه، الا أنه مدركٌ تمام الادراك لكونها تتحرر من شرنقتها لا أقل بل ربما اكثر
.مما يعني أنها ستحول إلى فراشة زاهية عمّا قريب، أليس من الصعب عليه أن لا يزداد اعجابًا بها؟
............................
الكارما لن تتركك يا سيهون وسوف ترى
اتوقع واضح انو في سبب خلاها تخرج من البيت بذي الطريقة اكيد مو مضايقة سيهون لها هي السبب فقط
.❤اتمنى اقدر انزل الجاي قريب..ولنلتقي
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top