حُمى مينا -40
.يحيطَ بكَ الكثيرين..ورغم هذا، تبقَى وحيدًا
..
" انتِ لست مُستاءة مني صحيح؟"
سألت سانا مُرتدية البراءة على وجهها مما دفعَ مينا للضحك لا اراديًا
ثم هزت رأسها نافية وكان ذلك في اثناء مكوثهما معًا بداخل احد المقاهي
"!اذًا، لم تحدث أي كوارث ولم تنشطر الارض لنصفين"
عقبت ممازحة وكذا لم تُدلي مينا بشي غير ايماءاتها الضاحكة، وكأنها لا تعلم عن حشرية سانا في معرفة مستجدات الأمور عادةً
حاولت سانا التنقيب عن أي شيء من خلال تفرس وجهها، لكن الاخرى ظلت هادئة كما هي..تشرد احيانًا وتتفاعل بتعابير وجها في أحيان أخرى
وأهم ما في ذلك أن الصمت قد لازمها، صوتها بقي مكتومًا في جوفها
لأن الضجيج الحاصل بداخلها قد أشغلها عن العالم، ومحاولاتها المُجهدة في تجميع ذاتها تذرها مُنهكة، عاجزة عن مواجهة الناس..وخوض تلك الأحاديث العادية، والإدلاء بما لديها كما يفعل هُم
لقد فكرنا أنا ومارك بتدبير موعد لكما، لعلكما تقضيان وقتًا خاصًا معًا"
..وتقوما باجراء بعض الأحاديث التي ستجعلكما تتعرفان على بعضكما البعض بشكل افضل..
صحيح أنكِ لا تخبريني الكثير عن ما يجري بينكما عادةً
"لكن احساسي يُخبرني بأنكما لم تحظيا بوقت كهذا معًا من قبل
هذا الصباح..وفي أثناء تدريبها مع بقية الفتيات
اجتاحها شعورُ الغربة، وسط كل أولئكَ اللاتي يتحدثن معًا بين الحين والاخر
كانت هي أشبه بشبح خجول وخافت يظل متواريًا على استحياء خلفَ ظهر الجميع
تراقب هي اندماجهن معًا بصمت..وشيء من الحزن
تُفكر في حقيقة أنها امتنعت عن هذا المكان لسنين، ربما لو لم تأخذ بنفسها بعيدًا لما شعرت بكل هذه الوحدة الان..ربما كانت لتكون عنصرًا فعالًا في دائرة احاديثهن الشيقة
وعندما حان وقت الغداء، دعوها لتشاركهن..وكانت سولقي تؤدي دورها النشطَ في التفاعل مع جميعهن لذا انشغلت هي الأخرى عن مينا والتي ما كان بوسعها الا مدهن بالابتسامات اللطيفة المُجاملة
حتى أسقطت واحدة منهن قنبلة عاطفية وسألتهن عن موضع الحب في حياتهن، وقلوبهن الرقيقة
وفيما ابتسم المعظم بخجل، اجتاح مينا موجٌ من التعاسة..ثم تنصلت منهن بهدوء، ولم يبدو أن هناك واحدة قد لاحظت ذلك..او هذا ما اعتقدته هي على الاقل حتى لحظة لقائها بسولقي عندَ البوابة، اي عندما قصدت الخروج مساءً
" مابك؟هل احوالكِ على ما يُرام؟"
أومأت باسمة لكن لم تقتنع سولقي كثيرًا بردها المُقتضب، ثم دعتها للمشي سويًا على الرصيف، بينما تتهاوى ندفات الثلج برقة فوق رأسيهما
عندما جلبنا سيرة الحب، وجهكِ تربد..لا أريد التدخل في شؤونكِ ولكن"
" هل يا تُرى قد انفصلتي عن زميلكِ في الصف يوقيوم؟
وكأن شريط الزمن قد توقف هناك، لأن تلك الأيام هي اخر أيامٍ جمعتها سويًا مع سولقي في معهد الرقص
لكل شخصٍ قد اشغل حيزًا في حياتنا أثر، وذكرى..واحساس مُعين يجيء مع ذكراه عندما تأتي إلينا
زيارة ذكرى يوقيوم اإيها تتركُ بغضًا شديدًا، يمحي كل المشاعر التي كنتها له في الماضي
وكأن حبه لم يلبث بقلبها يومًا، تستهزيء هي من نفسها التي تشبثت بمشاعر المراهقة
تلك المشاعر التي لا تجيء سويًا بصحبة الوعي، يأتي الوعي متأخرًا..لكن ليس بكثير
هي وعت أن علاقتها به مُهترئة، ورغم هذا ..تمسكت بوهم حُبه الشقي مثله
|.. سمعت لاحقًا أنه قام بخطبتك"
" أجل صحيح، ولكن نعم نحن قد انفصلنا"
في الحقيقة..لم اكن احب ذلك الفتى كثيرًا، بكل الأحوال هذا ليس مهمًا الأن"
"!اتمنى بأنه لم يترك في قلبكِ مقتًا للحب، أنتِ تستحقين من هو افضل منه
والأفضل منه جاء..وعثى فيها هذا الخراب
ولم تدري سولقي أن تغييم سماء وجهها كان بفضل شخص اخر غير يوقيوم
أسرت قصته في نفسها، فالحديث عن الأوجاع مضن..خصوصًا وان كنتَ لا تزال تئن من فرطِ الألم الذي تشعر به وحدك
لا يعلم به احدٌ سواك..ربما سيهون يعلم، لكنه يتجاهل تلك الحقيقة
حقيقة أنها قد ادمنته كجرعة ممنوعات، تحاول ردع نفسها عن تناوله
كلما نوت التعافي جاء بنفسه لُيذيقها جرعةً منه، فتنتشي..ثم يذهبث عقلها بعيدًا
احيانًا تفكر هي في ماهية هذا الحب الذي أغرسه في قلبها، هذا الحب الشهواني المُنفر والجذاب في الوقت نفسه
كيف أنها لا تراهُ مُلائمًا لحياتها ولا لشخصيتها، ولا حتى طباعه يمكن أن تُعاشرها يومًا
!أيعقل بأنه قد أفسدها وحولها لامرأة غاوية، لا تشتهي رجلًا إلا على السرير ثم تبتعد عنه بقدر الإمكان بالنسبة لحياتها العادية
ثم تتذكر سبب تعلقها العاطفي به أولًا، لم تكن تلك الليلة الارجوانية كفستانها الذي ارتدته خصيصًا لأجله، والذي أضاعته تاليًا ولا تعلم حتى أين قد اختفى..هي سبب تعلقها به
بل بسبب معاملته لها في اثناء حملها وبعد اجهاضها للطفل، كيف بقي بجوارها..يواسي حُزنها بطريقة ذكية لا تجعلها تشعر بأنها تشكل أي عبءٍ عليه
ذلك الجانب الانساني منه، والذي ظنته حنونًا..ثم اكتشفت تاليًا بأنه كان يشفق عليها ليس إلا، هو الذي حببها فيه وجعلها تشعر بالحسرة الشديدة لدى فقدها إياه
لم يكن حنونًأ، لأن الحنون مُسامح، كان عليه العفو عنها عندما أخطأت بحق نفسها
كان عليه أن لا ينهرها هكذا، اكتشفت لاحقًا بأنها لم تعني له اي شيء
!تلك العشرة والأيام التي جمعتهما لم تغرس في قلبه أي شلتة، صدره أشبه بوادٍ غير ذرع
ودموعه تلك كانت قهرًا لا حُزنًا، رجل متغطرس..كره بأن يشعر بالقلق والفزع لأجلها، كره بأن يهتز خافقه خوفًا على حال امرأة..يالهُ من نرجسي
ادخلها في دائرة من الحيرة معه، وسط تخبطات الحياة التي تمر بها
هو يجعل من امورها تُصبح اصعب..والان هي تفكر بكلماته الأخيرة، وكيف أنه لا يبدو كمن سينسحب من هذا النزال رغم اتفاقهم على ذلك بالليلة التي تسبقُ ذلك الصباح، هل اعتنقَ اليهودية فجأة أم ماذا؟ يعد وعدًا وهو يعلم أنه سيخلفه، لكن بوعده ذاك هو يستجلبُ منكَ تنازلًا بعدما تعقد هدنة تصالح معه، ثم ما يحل الغد..حتى تجده قد رمى غارةً جديدة عليك!، بعدما قام بتجريدكَ من جميع اسلحتك
وكأنه يقيمُ معكَ اتفاقًا نوويًا يعطيه أحقية إبقاء اسلحته الخاصة مع صلاحية سلبه لأسلحتك جميعها أو إقافك نهائيًا عن استخدام تلك الأسلحة، وكل هذا لكي يضمن هزيمته لكَ في ساحة حربكم لاحقًا
حسنًا تلكَ هي الحقيقة، انا وسيهون لم نحظى بوقت مماثل من قبل، لكن..أنه السيد اوه في النهاية"
لن تستطيعي إجباره على نزعِ رداء ذاته إن لم يشأ فعل ذلك، لن يحدثني عن نفسه..ولن يكشف إلا عما لا يمس بخصوصيته، يعاملني بحذر كالجميع، وكأن كل من في العالم اعداء له..انه في حربٍ دائمة مع الناس
"شخصٌ كهذا..لا فائدة من الحديث معه، اريد ان ننتهي بأسرع وقت
عبقُ الحزن الذي فاح من بينِ زروع كلماتها قد أذهل سانا
! والتي توقعت كل شيء..الا تمسكَ مينا بقرار انفصالها عن سيهون
وقبل أن تفكر سانا بالاسهاب في الحديث عنه زيادة أدارت مينا زجاجة الإعتراف لتتجه فوهتها باتجاه سانا، وحينها سألتها:
"ماذا عنكِ انتِ؟ ما سر تقربكِ المفاجيء من مارك يا تُرى؟"
مددت اطراف شفتيها بابتسامة تُبين لسانا أن أمرها قد فُضح، لم يتبقى عليها إلا الإعتراف!
"!!حسنًا ..لقد امسكتِ بي"
اعترفت الأخرى ضاحكة وهكذا ترقبت مينا من انائها أن يفيض بما ينضخ
بينما تتكأ بكفها مُستعدة للاستمتاعِ برؤية صديقتها واقعة لأحدهم بعد امتناعها عن المواعدة كل هذه السنين
قهقهت سانا بحرج وتوتر فحثتها مينا بهز رأسها على أن تسترسل، وحينها فقط تمكنت سانا من الحديث عنه..عجزت عن تفسيير ماهية شعورها نحوه، لأنه يمدها بالعديد من المشاعر دفعة واحدة..لكنها لم تكف عن وصفه باللطيف
بعد سأمها من جنس الرجال وكراهيتها للعلاقات والإرتباطات، ها قد جاء الذي يُغير من أفكارها ويربكُ من ثبوتها أمام عاصفة العاطفة
ربما الأن فقط أصبحت تتفهم انجراف مشاعر مينا لسيهون أكثر من ذي قبل، وربما لأجل هذا هي ايضًا تود دعمها لأجل عيش قصة حُبٍ فريدة من نوعها، قصة يمكن أن تبقى راسخة وتزيل عثرات الماضي الذي انقضى بسخف، وذرف منها سنينًا بلا أي فائدة
لا أعرف ولكن اشعر أن مارك مختلف، هو يجعلني اضحك بلا أي سبب..و..انه اخرق قليلًا وانا احب هذا فيه"
عندما ذهبنا إلى مدينة الألعاب، ظل خائفًا طوال الوقت..أنتِ لم تري كيف يبدو وجهه ونحنُ في العجلة الدوارة
" وأيضًا هو لم يفلح بجلبِ أي دمية لي، وبقي يتذمر حتى لحظة خروجنا
هي لا تكف عن الضحك بينما تروي مجريات أحداث موعدهما الاول، بينما ظلت مينا تشاهدها باستمتاع، فهي لم ترى صديقتها سعيدة بهذا الشكل منذ فترة بسبب رجل
هذا ما يفترض أن تفعله العلاقات بنا، أن تجعلنا سعداء..ارتباطنا بالجنس الأخر يعني مليء بعضنا البعض دون اكتفاء بما يحتاجه كلينا
! من خلال عطاء مُستمر من المشاعر والأحاسيس التي تجعل من حياتنا تبدو أكثر راحة لا شقاء
لاحظت سانا سهو مينا قليلًا في أفكارها، وقد خشيت أن يكون ذلك بسبب اسهابها في الحديث عن اللحظات الحلوة التي جمعت بينها وبين مارك، في حين أن علاقة الأخرى بزوجها تفتقر إلى هذه اللحظات الحلوة مما يجعلها تتحسر على حالها وعلى حظها الذي لا يجمعها إلا بذكور يذرونها حزينة آسية طوال الوقت
" ..انا اسفة..ما كان ينبغي علي تجاهل مشاعرك"
أفاقت مينا من سهوها على يد سانا التي تحيط بيدها، وصوتها الذي غدا شجيًا بصورة مفاجئة
فسرعان ما فسرت لها أن سبب شرودها هو أمرٌ اخر، وأنه لا يمكن أن تُسبب لها حكايات سانا عن علاقتها الجميلة يأي نوع من الحزن، فعلى عكس ما تظن..هي تسمتع بقصص الحب السعيدة، وتنصتُ إليها هائمة وكأنها تعيشُ في تفاصيلها مع عشاق تلك القصة
تُريحها فكرة أن يكون هناك حب حقيقي في هذا العالم المليء بالزيف، لأن هذا لا يكسر ايمانها بمعتقد الحب الخالص، ذلك الإيمان الذي يروي قلبها الشغوف والذي آمن بفهوم الحب منذ الصغر
فالحب هو ما يجعلنا أحياءً، الحب هو أن تعيشَ حلمًا وواقعًا في آن واحد
له عدة أشكال منوعة وعديدة..وهي تصدق بجميعهم، كأن تحترم جميعَ أعراف وتقاليد جميع شعوب العالم
انا بخير سانا، انا سعيدة لأجلكِ وسأظل هكذا دائمًا"
"..أرجوكِ لا تفكري كثيرًا قبل رغبتكِ بالبوح لي، أنتِ تعلمين
انتِ تعلمين بأنها ليست من ذوي القلوب السوداء
.وأنها لا يمكن أن تبغض وتحسد وتشعر بالبؤس لأن الاخرين سعداء بينما هي لا
انتهت بجعتنا الرقيقة من تأدية رقصتها السريعة أمام صديقتها والتي بدت متحمسة جدًا لتراها وهي ترقص بينما ترتدي تلك الملابس السوداء الملاصقة للجسد
والتي تجعل من حركاتها تبدو ظاهرة وسلسة للعيان
حاولت سانا قديمًا دفع مينا للعودة للرقص ومزاولة الذهاب المعهد، بعد إذ علمت بأنها تحب رقص الباليه وتحترفه
سانا لم تكن تعرف مينا في الوقت الذي كانت تمارس الرقص به، لكن لاحقًا وبعد تقربهما من بعضهما البعض باحت لها بهذا السر الجميل، وأدت امامها رقصة سريعة في أثناء تواجدهما معًا في صالة شقة خالتها
وقبل ذلك..أي بعد خروجهما من المقهى، ظلت سانا تلح على مينا كي تذهب برفقتها إلى المعهد، وقد شعرت هي ببعض الخجل لكن لم يكن بمقدورها فعل شيء سوى تنفيذ اومر سانا اللحوحة
فأخذتها برفقتها الى هناك، حيث التقت بالفتيات الرقصات ومن ضمنهن سولقي
رحبن بها بحفاوة وقد انسجمت معهن سريعًا، نظرًا لشخصيتها الإجتماعية وطباعها العفوية عكس مينا
ثم طبقت قدميها وجلست أرضًا مستعدة لمشاهدة صديقتها ذات الجمال السريالي ترقص في وسطِ صالة التدريب
انزحن الفتيات للوراء كي يقمن بمشاهدتها هن ايضًا، وقد حصلت على الدعم والتششجيع من جميعهن، سولقي بالأخص ..ظلت تهتف لاجلها حتى تؤدي بأفضل ما لديها
وفي تلك الأثناء ..لم تقدر سانا على تمالك نفسها وحبس دموعها عن الاندلاق فوق خديها، وقد رفعت هاتفها لتحفظ مقطع فيديو بينما تبتسم بفخر
" !سوف اتباهى بكِ عند اصدقائي"
كان هذا تعليقها بعد انتهاء مينا من تأدية الرقصة، والتي بدت مرهقة قليلًا بعد قيامها بها
" كلا لا تفعلي، لا تنشري الفيديو من فضلك"
رفضت ذلك بلطف ولم يسع سانا فعل شيء غير تنفيذ مطلب صديقتها وعدم رفع الفيديو على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي
..لكن هذا لن يمنعها من ارسالها لمارك
وقد فكرت بإحتمالية جعل مارك سيهون يشاهد الفيديو ايضًا، اعتقدت بأن ذلك سيجعلهُ يفتن بها اكثر ويقدر قيمة هذه المرأة الثمينة
!والتي يمكن أن يخسرها بسبب استعلائه، لعله يتواضع قليلًا ويخفض جناح الذل لأجلها
تفكيرها بسيط، تعتقد أن أناس متغطرسين مثل سيهون قد تهز عجرفتهم رؤية مشاهد جميلة ومؤثرة كهذه..هي حتى قد فكرت بحجز تذكرة اضافية غير التذكرتين التي اهدتها لها مينا مجانًا لكي تحضر العرض، فيقوم مارك بجلبه من خلال خدعة مدبرة كالمرة السابقة
أشخاص مثل سيهون لا تنكسرُ قبة تعاليهم الزجاجية إلا عندما تُطرق فوق رؤسهم وتتهشم
!فقط عندما يتألمون، فيجرحون ثم ينزفون..حينها فقط يشعرون
عندما تتحمس سانا، فهي تتصرف بغير نضج احيانًا وتفكر باندفاع صبياني قد يجعل من الوضع يتحول إلى كارثة بدلًا من أن ينتهي بنهاية لطيفة كما تخيلت هي
اذا نجحت الخطة مرة، او انتهت بدون التسبب في مشكلة اكبر
!ونجى كليهما ..لا يعني ذلك بأن المرة الثانية ستشبه الأولى
غادرت سانا بعد ذلك بسبب انشغالها بأمور اخرى، وبقيت مينا برفقة الفتيات حتى تحين وقت انتهاء تدريباتهن
وللمرة الثانية خرجت كليتهما معًا، اي سولقي ومينا
!وفيما تتمشيان على الرصيف سألتها سولقي بينما يحمل وجهها تعابير القلق: هل أنتِ بخير؟ تبدين شاحبة
ابتسمت تهز رأسها نافية، تنكر حقيقة الإرهاق الذي تشعر به هذه الأيام..حتى لا تستسلم وتترك شغفها يضيعُ من بين يديها ثانيةً
" ..ربما لا تأكلين جيدًا..او ربما تدريباتنا قاسية قليلًا عليك، فأنت قد توقفت لفترة"
أومأت توافقها الرأي وقالت مُعقبة : أجل..اعتقد ذلك أنا ايضًا ولكن لا بأس، الأمر يستحق أن أبذل قُصارى جهد لأجله، وبالنسبة لصحتي فسوف أحاول تناول وجباتي بحرص هذه الايام
:ربتت على ظهرها سولقي بخفة ثم وبعدما وصلتا الى ناصية الشارع اردفت هي
" صحيح قلت بأن سيارتكِ معطلة، ما رأيك بأن تذهبي معنا؟"
"معكم؟"
تساءلت فضحكت الأخرى ضحكة مرتبكة ثم تنفست عميقًا ونظرت الى جهةٍ اخرى
اجل..ابن خالتي قد جاء من لندن لزيارة العائلة..وقال لي بأنه سيأتي لأخذي والذهاب للتنزه معًا"
"لا اعتقد بأنه سوف يمانع تواجدكِ معنا
بالطبع، لم تكن لتشعر بالراحة وتوافق على الإنضمام في نزهة مع شخص غريب
هي الإنطوائية الخجولة بطبعها
رفضت بلطف وحاولت الانسحاب مستديرة..خصوصًا مع ملاحظتها لتركيز بصر سولقي على سيارة معينة تتجه نحوهما
..وقبل أن تتمكن من الهرب التقطت يدها وباحت " انت تعرفينه
"إنه جونغ ان
..جفلت مينا في محلها مندهشة، واستدارت لترى تعابير وجه سولقي الخاوية
وكأن الاخرى كانت تراقبُ تعابيرمينا لترى كيفية تشكل مشاعر الحنين على ملامح وجهها
لم تستطع تمالك نفسها من ابداء الدهشة، برقت عينيها تلقائيًا..لكن رؤيتها له يخرج من سيارته الرمادية بطوله الفارع ومظهره الذي تغير كليًا عن السابق، جعلتها تتجمد
هو حتمًا قد تغير كثيرًا..وكومضة من الماضي تلاقى بصره معها مباشرةً، تعرف عليها من نظرة واحدة
ومثلما فعلت هي، تسمر هو مذهولًا..وكأن الزمن قد توقف بهما، الشيء الوحيد الذي يتحرك حولهما هو السيارات والمارين على الطرقات
و..سولقي التي ادركت ان مخاوفها تلك قد تحققت، ظلت مشدوهة هي ايضًا لفترة قصيرة فقط، ثم تدخلت لتقشع حاجز الزمن الواقف بينهما لتتأبط ذراع مينا وتدفعها معها، فتتجه كلتيهما نحوه
" حسنًا نحن لن نظل واقفين هكذا صحيح؟"
لكن بدا وكأنها تكلم نفسها حيث استمر حبل النظرات متصلًا بين الاثنين، وقد بدأت عيني مينا ترقان لا اراديًا، فيما ابتسم الاخر ابتسامته الحانية التي لم تتغير، رغم نضوج ملامحه ونحت السنين لها بحدة
!فيض وسامته وتوهج سمرته المميزة
" ..لا اصدق بأنني أراكِ مجددًا بعد كل هذه السنين"
ربما هي ايضًا بالكاد تصدق رؤيته بعد رحيله وتركه للبلاد في يومٍ ماطر تعيس
.ظل يبكي فيه عند ذراعيها
جونغ ان، ابن خالة سولقي..ذلك الصبي الراقص البارع
تتذكر انبهارها الشديد برقصه في اول مرة قد رأته فيها، عندما كانت في العاشرة من عمرها
عرفتها سولقي عليه..وهو كان يتدرب في معهد مختلف، وقد انتقل لاحقًا من رقص الباليه الى الرقص الحديث
..كانت سولقي هي حلقة الوصل التي تجمع بين اثنين تمتاز شخصيتهما بالخجل، والهدوء كذلك
ثم ومع مرور الأيام، توطدت العلاقة بين الثلاثة وأصبحو أصدقاء مقربين
وقد كان كليهما، أي سولقي وجونغ ان، في سن واحد..بينما هي تصغرهما بسنتين، ولأجل ذلك..كانا يعتنيان بها ويهتمان لأمرها، وفي كثير من الأحيان..كان يوصلها جونغ ان بنفسه للمنزل حريصًا عليها
وسطَ غياهب طفولتها التعيسة كانو هم ذلك الشعاع الذي أنار حياتها خلال تلك السنين
ورغم مرور الأيام، وتباعد ثلاثتهم بسبب اختلاف مراكز تعليمهم وانخراطهم مع أصدقاء أخرين، استمرو بالإلتقاء والخروج للتنزه سويًا ..لكن عندما يُترك الاثنين معًا، أي مينا وجونغ ان
تظل تحاوطهما أطياف الخجل، من الصعب على كليهما فتح المواضيع لإنشاء محادثة حية كما تفعل سولقي مع كليهما
لكن ورغم ذلك..كانت تشعر مينا براحة كبيرة لدى تواجدها معه، وكذلك هو..لكنها ابدًا لم تعتقد بأن مشاعره نحوها كانت اكبر من مجرد صداقة عميقة تجمع بينهما
في يوم ماطر..تعيس الحظ ملثها، انزوت البجعة السوداء وحيدة عند سلم بوابة مدرستها، تبكي بينما تخفي دموعها والتي تمازجت سويًا مع المطر، خلف ركبتيها ويديها المحيطتين بساقيها
وقد مرت خالتها في ذلك اليوم بظرف طاريء اجبرها على التأخر
!مما ابقى مينا تنتظرها وحيدة بينما ترتعش بردًا وخوفًا..والأهم من كل ذلك، لم يكن بحوزتها مظلة
!ولزيادة جرعة أخرى من البؤس، كان المعلمون يتجاهلونها في أثناء مرورهم من جانبها
!ولئكَ المصابون بداء العنصرية، ما أن يعثرو على فرصة للتعبير عن نفسهم المصابة سيفعلون
! ولن يلتفتو لضمائرهم حينها
ثم وكملاك هابط من السماء، مُبلل بقطرات المطر الطاهرة..جاء جونغ ان بزيه المدرسي..وقد كان في سنته الأولى من الثانوية حينها، بينما هي لازالت طالبة في الاعدادية
ربت عليها لتصحو من نوبة حزنها، فرفعت رأسها ببطء لتراهُ يبتسم اليها بحنان رغم شعوره الشديد بالسوء على حالها
" ..لا تبكي انا هنا"
من الصعب على مآقيه ان لا تسكب دموعها عندما يرَى دموعَ مينا، هي تسبب له رهفة في صدره تجبره على التعاطف سويًا واياها لينتهي به الأمر باكيًا مثلها بصمت، نعم..هو قد مسح دموعه سرًا بعدما احتضنها ودثرها بسترته التي احتفظ بها في حقيبته حتى لا تبتل، فيقوم بتغطيتها بها عندما يصل اليها..وعلى عكس الهدوء الذي بدا عليه حينما جاء لأخذها معه والمشي سويًا محتميَين بمظلته، هو كان يركضُ في الشوارع متجاهلًا بركَ المياه التي كلما دهسَها انعكست عليه مياهها لتبلله زيادة، فقط ليصل بأسرع ما يمكن اليها
بعدما وصله اتصال من سولقي..حيث ان جو ري تمتلك ارقام اصدقاء مينا القليلين المحيطين بها، فاتصلت على سولقي تطلبُ منها الذهاب لتقل مينا معها لكن وبما ان مدرسة سولقي تقع بحي بعيد ..بينما تقعُ مدرسة جونغ ان حي اقرب لمدرسة مينا، سألت سولقي جونغ ان الذهاب لأخذها من هناك
جونغ ان ..هو ذلك المراهق المرهف بالمشاعر، ذو الجبلة الحسنة، والسجية الطيبة، ما كانت لتتردد قبل أن تطلب منه اخذ صديقتها معه لبيته وائتمانه عليها
وهكذا بقيت مينا برفقة عائلته التي آوتها بلطف حتى لحظة مجيء سولقي ثم جو ري لاحقًا لإرجاعها الى البيت
يومذاك ..اعتنى جونغ ان بمينا كأثمن شيء قد حصده في حياته، وشعر بمسؤولية كبيرة تجاهها
دون ان يدري..كان الحبُ يستشري في عروقه، مشاعر عمر المراهقة التي يمكن أن تكون سخيفة وسطحية احيانًا، قد تصبح شديدة العمق والصدق في احيان اخرى
لا زالت تتذكر..عندما شرعت هي في البكاء بصورة مفاجئة رغم وجودها وسطَ حضن عائلته الدافيء لها في قلبِ ذلك اليوم البارد الماطر
ما الذي فعله جونغ ان حينها؟
خرج من البيت..ووقف في الساحة القريبة من المنزل، ثم رقصَ اسفل المطر المنهمر عليه
متجاهلًا حقيقة انه قد يمرض، فقط لاجل ابعاد التعاسة عنها كان قد فعل ذلك..بيد انه يشعر بالخجل عادةً عندما يوضع في موقف يدفعه للرقص أمامها، بالنسبة لسولقي فهو معتاد عليها ولا يشعر بالحرج منها
لكن مينا..كانت تُسبب له تلك القشعريرة، والرجفة التي لم يفهم حقيقة اجتياحها له في كل مرة إلا بعدَ فوات الاوان
حينذاك، شاهدته هي من النافذة ضاحكة..تتسع ابتسامتها بالتدريج ..وكأن الكون يتوسع في عينيه، والسعادة اندلقت سويًا والمطر فوقه، تلك الحمى التي اشعلت جسده لاحقًا لم تكن حمى البرد، كانت حُمى مينا
زارته عندما مرض، وبكت من جديد نتيجةً لشعورها بالذنب، لكنه وبطريقة ما جعلها تضحك مرة اخرى عندما استمر بالسخرية من نفسه وتشبيهه لذاته بأشياء سخيفة
لاحظت سولقي انحسار المسافة بينهما على مضي الأيام، وتشكل أجواء خاصة بهما كلما يجتمعان معًا..شكت في ما يجري بينهما لكن لم يكن هناك اي شيء مثبت حتى اعترف لها جونغ ان سرًا بنفسه، وقد أكد لها بأن تحفظ ذلك السر بعيدًا عن ما تطاله حواس مينا
َ!لم يرغب بمعرفتها بمشاعره، على مضي السنين
كتم ذلك الحب اليافع والذي نمى باستمرار في صدره؛ تخوفًا من كونها لا تبادله نفس المشاعر
أحب الإبقاء على علاقتهما محفوظة تحت سقف الصداقة الدافيء، بدلًا من تعذيب أنفسهما لاحقًا بنيران المشاعر والحب الذي يمكن أن يهلك المرأ عندما يوضعُ في محله غير الصحيح
!لكنه لم يتوقع أبدًا بأن يفاجئه القدر والزمن الذي غدرَ به بدلًا من أن يعاونه على نيل اعجابها، باستمالة مينا لشاب اخر
وقع الخبرُ عليه كنازلة، كفجيعة لم يستطع تدراكها ظل تعيسًا، ودخل في دوامة من الاكتئاب
وحدها سولقي التي كانت تعلم بحاله..لم تعتقد أنه سيجيء اليوم الذي ترى فيه الشخص العزيز عليها والذي يكون بمثابة اخ لها يتعذب بسبب الحب، وحب من؟ احدى صديقاتها المقربات
تمنت لو أنها لم تعرفه عليها، واندلعت شرارة كره من العدم داخل سولقي تجاه مينا مما ادى لاتخاذها قرار الابتعاد عنها
وهكذا انقطع تواصلها معها، بينما كانت مينا مشغولة في ذلك الوقت بظروف الأنتقال من المنطقة
لم تعرف مينا ان سبب انقطاع تواصل سولقي معها كان بسبب مُعضلة حقيقية، ظنت أن انشغال كلتيهما بحياتهما قد ادى الى ذلك...وهي حتى هذه اللحظة لا تعلم بشأن مشاعر جونغ ان
لكن لحظة توديعه لها في ساحة المطار، ظلت محفوظة في ذاكرتها حتى هذه الحين
آنذاك، هو قد اتصل عليها ..يودعُ حبيبة قلبه اليتيم مرة واحدة وللأبد
فعل ما بوسعه ليجعل من حبه لها يتضاءل مع مرور الوقت لكن لم يحدث، واكتشف في النهاية بأنه لن يستطيع مغادرة كوريا دون توديعها ورؤيتها للمرة الاخيرة
!هرعت أليه هي متفاجئة من حقيقة أنه سيرحل، هو صديقها الذي يشبهها للغاية
الفتى الذي اشعرها بالأمان بعدما كانت تتوجس من جنس الذكور..كان اشبه بأخٍ لم ترزقها الحياة به
في الحقيقة، كلا الاثنين يمدانها بشعور الأخوة الذي تفتقده هي
لكن الظروف وحدها من تجعلنا نفترق عن من نحب رغمًا عنا
عندما وصلت إليه، ألفته غارقًا في دموعه..بينما تقف سولقي خاوية الوفاض جنبه، لم تكن تعلم مينا عن سقمِ قلبه..ظنت بأنه يبكي كوليد الوطن الذي لا يود الابتعاد عنه، وكأن كوريا هي أمه الحنون والتي لا يهون عليه مفارقتها
لكنها لم تعلم أبدًا بأنه كان يبكي حزينًا لمفارقتها هي، مرتع قلبه الآمن
عندما احتضنها، أمطرت مزنُه بغزارة ..وقد اعتقد حينها بأنه سينزف حبه لها كله على هيئة دموع، فتفرغ عروقه منها، وقلبه من حبها
!لكن وعلى عكسِ ما ظن، سقت تلك الدموع زروعَ حبها فيه فنمت مع مضي الوقت وبعد المسافات بل ازدادت طولًا
حتى بأن سولقي قد راسلته مرة وسألته ان كان قد عثر على حب أجنبي، يحل محل الحب القاطن في موطنه الأصلي
هل وقعت في الحب مع احداهن؟
فأجابها : تعلمين انني وقعت في الحب مرة ..ولم أنجو منه بعد
لكن ذلك كان قبل بضع سنين، اما الأن..وقبل عودته بفترة
سألته عن تلك الشابة التي تظهر معه في بعض الصور، فأراحها عندما اجاب بأنها صديقته
كان متحفظًا بعض الشيء عن علاقاته هناك وما كانت هي فضولية لتلك الدرجة حتى تتدخل في خصوصياته
ثم صادفها القدر بمينا، عندما التقتها بعد كل هذه السنين من القطيعة التي تسببت هي بها، أحست بالندم..مينا فتاة طيبة وصافية القلب
ما كان يفترض بها ان تعاقبها على شيء ليس لها ذنب به، وحتى تكفر من ذلك الذنب توسطت لها لتنضم إلى فريقهم الراقص
وايضًا لم يكن بامكانها اخفاء عودة جونغ ان عنها، لم تصنع هي هذا اللقاء عمدًا بل تزامن صدفة مع تعطل سيارة مينا مما اضطرها إلى المشي معها قبل أخذها لسيارة أجرة وعودتها لشقتها
عندما رجعَ جونغ ان إلى كوريا، لم يسألها أبدًا عن مينا..وعدم سؤاله عنها لا يعني بأنه قد تجاوزها بل هو يتجنب الحديث عما قد يؤلمه
.!فلربما تكون قد تزوجت ورُزقت بأطفال أيضًا
يجلس ثلاثتهما الأن امام طاولة مستطية في احدى المطاعم وكان جونغ ان مقابلًا لكلتيهما
!عينيه لا تكفان عن مقلِ مينا بعناية، وتفرس وجهها..والتمعن بملامحها التي نضجت وأينعت
هو مذهول ومنبهر..من هذا الجمال الذي صارت عليه، بيد أنها لطالما كانت جميلة في ناظريه
وسولقي هنا تقوم بدورها المعتاد في فتح المواضيع، وشد أطراف الحديث..بينما الاثنين يتصرفان بخجل كما كانا في الماضي
ومن جهة أخرى ظلت مينا تتأمله هي ايضًا تقارن صورته القديمة المحفوظة في ذاكرتها بصورته الحالية..مذهولةٌ هي من صقلِ السنين له ليتشكل على هيئة هذا الرجل المثالي، حتمًا لم تستطع كبتَ تعابير الإعجاب الجلية على وجهها
ثم التقى بصريهما في نظرات متصلة في اثناء انشغال سولقي بهاتفها، فقد تعبت من نسج أحاديث متواصلة كي تربط خيوطها بين ثلاثتهما
اذا ارادا البقاء صامتين، وممارسة طقوس هدوءهما المشتركة..فسوف تتركهما يفعلانها براحة
ثم عم سكونٌ تتخلله نظرات مسافرة واخرى عائدة
لم يقشع غشاء الصمت إلا سؤال مينا المفاجيء له : ألا زلت ترقص؟
وميلت رأسها بطريقة لطيفة دغدغت معدته، ضحكَ بصورة مفاجئة وتحدث بنوع من الحرج..بينما يهربُ ببصره إلى كأس العصير المأسور بيده : أحيانًا..لكن ليس مثل الماضي
هذا جيد، انا ايضًا كنتُ ارقص بين الحين والاخر"
"حتى عدت الأن لممارسته رسميًا في المعهد برفقة سولقي
تبادل كل من سولقي وجونغ ان نظرات صامتة مبهمة بالنسبة لمينا، ولكن سولقي قد فهمت معاني حروف نظراته
هو يسألها مستنكرًا عدم اخبارها له بذلك، وهي قد أوضحت له السبب عندما أخفضت جفونها بجدية
حينها دوّر هو عينيه مُضجرًا، وفعلت سولقي المثل ..بينما شردت الثالثة في عالمها الخاص مجددًا
كيف حال خالتك؟ "
"لازلتُ اتذكر رائحة الكعك الشهي الذي كانت تعده وهو خارج من الفرن
توسعت عيني سولقي في تلك اللحظة، وسارعت بالنظر لتعابير مينا التي كساها الحزن بسرابيله الواسعة
" ..خالتي قد توفت "
صُدم جونغ ان حينها وفغر فاهه، ثم وبدون سابق انذار امسكَ بكفها وقال مواسيًا: أنا آسف لأجل ذلك..لم أكن أعلم..
ثم استوعب فعلته التي لم تهتم لها مينا كثيرًأ، رغم أنها قد توترت قليلًا لدى شعورها بملمس يده على يدها
سحب كفه ببطء وفركَ عنقه مرتبكًا، ابتسمت هي له حتى لا يشعر بالضيق من نفسه
كانا اصدقاء في الماضي، ملامسات مثل هذه لا تعتبر تعديًا للحدود بالنسبة لها
" اذًا انت سوف تحضر لمشاهدة العرض! لا مجال للتهرب"
أدارت سولقي دفة الحوار ليأخذ اتجاهًا اخر، وقد اجاب هو بسرعة هذه المرة، عكس عادته البطيئة في الرد: بكل تأكيد، لن أفوت عرضًا كهذا
وقد تحول بصره نحو مينا مرةً أخرى
هو لن يفوت رقصة حب المراهقة على المسرح
لن يفوت رؤية مينا الحسناء البالغة ترفرفُ بأطرافها الرفيعة، وتدور وتقفز ثم تهبطُ كهندباء في حقل واسع
لقد صورت له مخيلته مشهدًا أثيريًا، سيفعل المستحيل ليشاهده..وقد فكر بلحظة بأنه يمكن أن يكون المشهد الأخير الذي يراه قبل موته، فرؤية شغف انسان يتتوج ويتلألأ هو أجمل مشهد قد يسهب فنان النظر اليه
الفنانون شاعريون للغاية..وأهدافهم في الحياة أبسط بكثير من كنز المال، والتمتع بشهوات الدنيا
أقصى ما يحلمون به هو رؤية شغفهم يحول لحقيقة، خيال يتجسد في واقع
رقصة باهجة أو شديدة الأسى مؤدية بأفضل ما يمكن على خشبة المسرح
هو كاتب صحفي، ينشر بيانًا اخباريًا في الجرائد..ثم يكتبُ قصائدًا شاعرية في حواشي مذكراته
..ينامُ على صوت الجرامافون، ويصحو على زقزقة عصافير حديقته الصغيرة
!يرافق الشجر والحيوانات، أكثر من البشر
!يمكن ان يحاور زهورًا لساعات ويصمت ضجرًا في حوار مهم بين البشر لا يدوم لأكثر من نصف ساعة
لا ينجرف في أحاديث إلا مع قلة اصطفاهم هو بعناية ليكونو ضمن حدود دائرته الصغيرة
والأن..بعد كل هذا الخجل الذي منعه من الانسجام معها، تمكن أخيرًا من صهرِ قضبانِ صدره الذي يحميه منها ليتحدث معها براحة وتفعل هي المثل، فيتعرف كل واحد منهما على الشخص الجديد الذي أصبحا عليه، والذي لم يختلف كثيرًا عن شخصهما الأصلي، لكن لم يتطرق اي منهما في التحدث عن علاقاتهما العاطفية
لم تحبذ مينا سؤاله حتى لا يسألها هو بالتالي فتضطر إلى سكب مياه جرة حزنها عليهم، ولا هو قد سأل حتى لا يفطر قلبه بنفسه..اذا علم لاحقًا فذلك افضل من يسمعها تقول ذلك بنفسها، وتتحدث عن شريك حياتها الحالي كما فعلت في السابق
خرج ثلاثتهما من المطعم بعد حلول الثامنة مساء، ثم صعدو السيارة وبقيت مينا في الخلف بينما جلست سولقي بجواره كما السابق
سألته بخفوت حتى لا تسمع مينا بينما تربت على كتفه: أنت بخير؟
التفت اليها وابتسم كإجابة ولم تستطع هي تفسير اجابته المُبهمة تلك
ثم شغل اغنية هادئة صدف بأن مينا تحبها، فشرعت تردد وراءها بصوتٍ رخيم منخفض استطاع كليهما التقاطه وسماعه
راقبت سولقي تعابير وجهه..وقد كان في اتم سعادته، عينيه تبرقان ويبتسم هو ببلاهة وكأنه يسمع ترانيم الجنة فيما يقود بهدوء مراقبًا الطريق امامه، وتلك الندفات التي تتراقص هابطة من علوها بتناسق مع لحن الأغنية
وبعدما وصلت سيارته لحيث يقبع المبنى الذي يضم شقتها ضمن بقية الشقق
ترجلت هي ولوحت لكليهما بلطف قائلة: دعونا نخرج معًا مجددًا
بكل تأكيد!!" اكدت سولقي فيما التزم جونغ الصمت لفترة"
وظل يراقبها وهي تمشي مُبتعدة عنهما، مُتجهةً إلى مدخل المبنى
وبغتة..دفعته المشاعر لأن يترجل هو أيضًا، ويهرع إليها ليحاوطها بذراعيه
جفلت هي متفاجئة وغطت سولقي فاهها مصدومة
فكرت بأنه قد يعترف..لكنه لم يفعل ايضًا هذه المرة
وقد برر حضنه لها باشتياقه، بينما يربتُ على رأسها بلطف ..مُخفيًا بلورات مآقيه داخل اسر جفونه
" حتمًا اشتقت لك، دعينا نتحدث معًا اكثر في الأيام القادمة ..حسنًا؟"
ارتخت أطرافها بعدما سبب لها جمودًا مفاجئًا، ثم بادلته وهمهم موافقة
لا تنكر بينها وبين نفسها عن مدى شعورها بالراحة داخل ذراعيه، هو الذي فاقها طولًا وجسامة
بنيته مثالية لاحتضان فتاة، ودفئه مريح لإزالة روعها وجلب الامان لها
هو كالدثار، كل شي فيه اشبه بدثار دافيء في ليلة شتوية شديدة البرودة
وأحاديثه وصوته ..هو حتمًا يشبهها
أدركت ذلك لما ابتعدت عنه وحدقت في عينيه الشغوفتين، والتي لم تطفيء نوائب الدهر فوانيسها
وكذا لم تطمس الغربة نور نبراسها
" أنت ستبقى هنا؟"
قالت فيما ظلت ذراعيه محيطتين بها، وهي حتمًا لم تشعر بالضيق بسبب قربهما هذا
".. لم اقرر بعد، لكن ربما"
!لقد تمنت بقاءه بكل صدق، لعله يكون الدواء لكل داء، والمرجع لكل ضلال وضياع
لكنها لم ترغب بالضغط عليه ولا اقتراح خيار البقاء حتى لا يتخذ قرارًا بناء على رغبتها هي
" اهتمي بنفسك وتدفئي جيدًا"
"..أنت أيضًا"
.ثم ترك يديه تنزلق من عليها وقال في الختام : اتمنى لكِ احلامًا سعيدة..مينا
----
رحبو بحضور ملك الاحساس جونغ ان
مفضلي الأول والاخيرللأبد
كنت من أول متحيرة من الشخصية اللي احطها
T.Tصحبتي اقترحتلي جونغ ان لكن ما حبيت اضيفه رغم ملاءمته للدور بس لأني عارفة نفسي رح اتحيز عاطفيا تجاهه
شنو تتوقعو رح يكون تأثيره بمجرى الاحداث؟
هذا اللي يحبها من زمن جدي يعتبر منافس قوي لسيهون، لكن مشاعر مينا هي التي تحدد الفائز في النهاية
اغنية هولو للهي هاي تشبه مينا بذي القصة بقوة
البارت الجاي مش مكتمل لذلك ما بعرف متى ممكن ينزل
.❤يلا سلام..ولنلتقي
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top