36- حُمى العاطفة


الحب ليس معركة والمشاعر ليست بيادق تُحركها في رقعتك، والرغبات ليست أسبابًا يمكن أن تتخذها لتحقيق غاية أكبر

لكن بينهما يمكن أن يحول الحب الى حرب تستنزفها، اذا كان هو معتادٌ على خوض المعارك طوال الوقت فهي ليست مثله

تتساءل متى ستنال تلك الراحة الكبيرة بعيدًا عن جميعهم كما تتمنى؟

" اذًا ما قرار سفركِ المفاجئ هذا؟ هل تعاقبينني بهذه الطريقة امي؟"

وبعد كل تلك المعاناة والراحة البسيطة التي تجشمت حصولها عليها، ها هي ذي ميراي توضح اعتراضها على قرار مينا والذي نفذته بالفعل رغم كل محاولاتها في جعلها تتراجع عن اتخاذه

" لقد اخبرتكِ مسبقًا ان مكوثي هنا مؤقت، اعمالي هناك قائمة بانتظاري..وشون ايضًا لا استطيع تركه يبقى من دوني فترة اطول"

قالت في اثناء تقطيعها للخضار بغية اعدادها لوجبة الغداء، نادرًا ما تطبخ لكن عندما تفعل فذلك يعني أنها تحاول تفريغ طاقة سلبية متراكمة بداخلها

اما عن مينا فقد كانت واقفة عند بار المطبخ، تحاول نقاشها في مسألة سفرها هذا

" شون ليس طفلًا، اعتقد انه يستطيع الانتظار"

" كلا، الرجال كالأطفال تمامًا..ان تركتهم وحدهم لن تعلمي ما الكارثة التي قد يرتكبونها من وراءك"

دحرجت مينا عينيها لعلمها أنها توجه الكلمات تلك لها لا لنفسها

" ثم انكِ لست بحاجة لبقائي أكثر...من الواضح أنكِ أقوى بكثير مما كنتِ عليه حين مجيئي"

هل هذا شيء يُمكن أن تعاتب عليه ؟

هل انا مخطئة لأنني أسعى لاعتماد كامل على نفسي؟ انا كنت هكذا دائمًا امي"

"لكن الفرق هو أنني لا اود من العلاقات العاطفية ان يكون لها تأثير سلبي علي مرة اخرى

همهمت ميراي فقط ولم تعلم مينا ان كانت قد اقتنعت  أمها ام لا

لكن هذا لم يعد مهمًا بكل الاحوال، أن لا يرضى الناس عن تصرفاتها هي مسألة تخصهم وحدهم ولا تخصها

حياتها لن تسيرَ وفق ما يريدون هم، حتمًا لقد اكتفت من تقييد نفسها برأيهم

قليلًا فقط حتى سمعت رنين الجرس..فلتفت تسأل أمها مستغربة: هل طلبتِ شيئًا؟

فهزت الأخرى رأسها نافية وقالت دون ان تبدي اي اهتمام: ربما يكون احد الجيران، لا تعلمين ان في اثناء غيابكِ هذا الصباح قد جاء اثنين ليرحبوا بنا

ابتسمت معلقة في اثناء توجهها نحو الباب القريب جدًا من المطبخ، فالشقة لم تكن بذلك الوسع

"انهم لُطفاء"

ثم فتحت الباب دون أن تلقي نظرةً على هوية الزائر، ولما فتحته فوجئت بسانا والتي تبدو باسرة ومستاءة جدًا

تفاجأت لدى رؤيتها لها تقف أمامها عند باب شقتها الجديدة، فهي لم تخبرها بشأن انتقالها الى هنا

كلا، هي لم تخبرها بشأن أي شيء يجري في حياتها، كل تلك الفوضى قد حجبتها عنها لاسباب شخصية

تتمنى بأن تعذرها عليه لاحقًا، لكن تعابيرها لا تبين بأنها قد تتفهم دسها لكل تلك الامور بعيدًا عنها

" م..مرحبًا سانا..تفضلي لماذا تقفين عندك؟"

استجمعت مينا نفسها وحكَمت تعابيرها المتفاجئة لتُحيها بقليل من الارتباك

لم ترد الاخرى على التحية، بل دفعت بالصندوق الذي كان بحوزتها والذي لم تلاحظه مينا إلا في هذه اللحظة، نحوها

ثم تحدثت بغُلظة : ذهبت لزيارتكِ في البيت الذي عهدته لكن لم أجدكِ هناك ودلني سيهون على مكانك

نعم، لقد اصبحت غريبة لا تعلم عنكِ شيئًا!، خذي هذا..كنت قد جلبته معي في اثناء توجهي لزيارتك في منزل زوجكِ المزعوم

التقطت مينا منها الصندوق مذهولة وقد علمت بشأن محتواه بمجرد قراءتها للعلامة والكتابة التي تدل على احتوائه حلوى

استدارت الاخرى تشدد على حقيبتها وقالت: وداعًا

ثم حاولت مينا نداءها لكن الاخرى اسرعت في الرحيل، وحينها اغلقت الباب وعادت لوالدتها التي حدقت بها مستغربة بينما عينيها تشعان فضولًا

" هل كانت هذه سانا؟"

وضعت مينا الصندوق ارضًا وحررت زفرةً واهنة

" !انها غاضة مني..لابد أن أصالحها بأسرع وقت"

ثم اخذت تفرك صدغيها مرهقة وتذكرت شيئًا فسألت والدتها على الفور مستنكرة : قالت بأن سيهون قد دلها على مكاني، كيف قد عرف سيهون بمكان اقامتي يا تُرى؟

....

عندما يحل الشتاء، وتجيئنا رياحٌ جنوبية باردة

ثم تتكاتف الغيوم معًا في تغطيتنا بالثلوج..تصبح المُدن بيضاء، وكأن في هذا الوقت من العام، يفترض بالناس أن يُنقوا، وأن تجتمع قلوبهم في دفء الأحطاب المشتعلة، أو المدافئ الحديثة ..محتضنين هموم بعضهم البعض، فرحين بإلتمامهم سويًا على مائدة العشاء كل أمسية، وأكثر تلك الاماسي ترقبًا هي أمسية عيد الميلاد، ثم رأس السنة، ذلك الوقت الذي يحل مُدخِلًا التفاؤل في قلوبهم لأجل سنة قادمة تكون أجمل من الفائتة

في هذا الوقت من العام، تُمسي المقاهي مزدحمة، يملأوها كل من يبحث عن تدفئة سريعة بمشروبٍ ساخن

!ويكون المقهى نقطة تجمع أكثر تفضيلًا من الأماكن المفتوحة كالحداثق على سبيل المثال، الحدائق التي تتراكم فوقها الثلوج بسخاء

لم يهطل الكثير من الثلج حتى الأن، تلك الندفات الصغيرة التي تتساقط بلطف كبداية هي التي تستفتح هذا الفصل باستهلال

" هل تأخرت عليكِ؟"

سأل مارك والذي بدا متعجلًا ومرتبكًا قبل لحظة جلوسه قبال سانا والتي بدا وجهها أكمدًا

ظن بأه تأخره هو السبب، لكن شرودها في بعد اخر قد جعله يفكر بطريقة مختلفة

" اعتذر عن تأخري ولكن..هل أنتِ بخير؟"

استعادت وعيها ثم تنفست عميقًا، واجابته فيما تُبقي بصرها على الكوب الساخن الذي تحضنه بكفيها

" اجل بخير، وايضًا أنت لم تتأخر كثيرًا"

لقد تفاءل متحمسًا عندما تلقى منها مكالمة تستدعيه خلالها لمقابلتها، ظن بأنها ستتحدث عن امر يخصهما، وربما سافر بخياله بعيدًا لكنه هبطَ متخاذلًا على ارض الواقع لما علم بأنها جلبته لتفض له انزعاجها بشأن اخر ما علمته

تتذكر عندما توجهت لزيارة مينا بعد انشغالها خلال الفترة الفائتة بأعمال كثيرة اخرى، فقد كانت لديها مواعيد جلسات تصوير متعددة لأجل مجلات مختلفة

لقد اصبحت مشهورة مؤخرًا كعارضة اجنبية في هذا البلد، والذي لا يستقبل نجاح الأجانب عادة برحابة صدر

كان بجبعتها الكثير لتخبرها به، لكنها تفاجأت عندما استقبلها سيهون يفتح الباب ويدعوها للدخول بكل هدوء

عندما جلست على مقعد الانتظار علّق هو بينما يتجه نحو المطبخ

" هل اجلب لكِ بعض القهوة؟"

استغربت لطفه هذا، أم انه يجاملها كزائرة فقط؟

ابتسمت له ابتسامة صفراء وقالت له: شكرًا لك، فقط انده على مينا واخبرها بقدومي

لم يجب عليها مباشرة مما دفعها لسؤاله مستنكرة: عفوًا، هل هي نائمة؟

اتكأ بمرفقه على الطاولة وهز رأسه نافيًا بينما يرتشف من فنجانه بهدوء استفزها

" اذًا..هل قاطعت شيئًا ما؟"

كان هذا هو التفسير الوحيد ببالها لصمته المُثير للريب، اما عنه هو فقد كاد يشرق ضاحكًا لكنه تماسك ووضع الفنجان جانبًا ليقول: كلا..صديقتكِ رحلت من هنا منذ فترة

نهضت سانا مباشرةُ وسألت بفزع: ما الذي تعنيه بأنها رحلت؟

" كما سمعت، لملمت أغراضها وغادرت"

" و..ولماذا قد فعلت هذا؟"

رفع كتفيه وكأنه لا يدري: اسأليها، هي صديقتكِ انت أليس كذلك؟

لن يكون اوه سيهون ان توقف يومًا عن الاستهزاء بهذه الطريقة

 من فضلكَ سيد آوه وضح لي ما تقوله، أنا لا أفهم شيئًا..لماذا ستغادر مينا بدون سبب منزلك؟ لن تفعل هذا الا لو أذيتها وجرحت مشاعرها

!فكر بأنها تعرف صديقتها جيدًا لتفسر الموقف بكل هذه السهولة، وهي الحقيقة..لقد جُرحت من قبله، لكنها ترفض التعافي

 اعتقد انكِ ستفضلين سماع الاجابة منها لذا سأرسل لكِ عنوانها الجديد"

"وايضًا عندما تقابليها اخبريها بأن ليس عليها أن تتصرف هكذا، سيظل هذا هو بيتها مهما حدث

!لم ترد عليه فقط ادبرت والغضب يستشري فيها، لكن وقبل وصولها للباب رجعت لتحمل الصندق معها مُردفة : هذا لها وليس لك

..ثم اكملت طريقها راحلة، وقد ضحك هو حينها في تلك الحين ساخرًا من رعونتها، هي حتمًا لا تشبه مينا في شيء


 اسمعي انسة ميناتزوكي"

عندما يهوي على عاتقي المرء حمل ثقيل، لن يحب دائمًا أن يُحمّل الناس معه هذا العبء

اذا كانت تخبركِ بكل شيء في ما سبق، فعليكِ تفهم تكتمها هذه المرة..واذا كنت تعتقدين انها تضغط نفسها اكثر بعدم بوحها لمشاكلها لك، حتى تخفف الضغط عليها..فذلك ليس صحيحًا دائمًا

احيانًا نشغر بضغط مضاعف عندما نشكو همنا لاحد، وايضًا السيدة جانغ والدتها موجودة لتقديم اي مساعدة هي بحاجة لها

"كانت ستخبركِ ولكن في الوقت المناسب، انا متأكد من هذا

وكذا لا يشبه مارك سيهون في أي شيء

الطريقة التي يُسهل بها الامور، تجعله محبوبًا أكثر..ذو عشرة يسيرة عكس ذلك العسر

وكانت قد أحسنت الخيار لما رغبت بفض استيائها عنده، لكن السبب الاساسي لم يكن اسلوبه الخفيف هذا بل لأنه يكون صديق زوج صديقتها، أي انه هو ايضًا في موقف مشابه لها

وربما ارادت اكتشاف الحقائق منه، لكنه حبس الكثير بداخله وقال: سيهون لا يحب ان يتحدث عن حياته الشخصية ولا استطيع انا ايضًا كشف اسرار قد ائتمني عليها

" حقًا؟ هل هذا هو كل ما لديكَ لتقوله لي؟"

:هز رأسه موضحًا 

 تفهمي انني ايضًا طرف مثلكِ لا أساس في  معادلة علاقتهم،  ولذا لا يحق لي التدخل كثيرًا..ولكنني بالتأكيد سأقدم المساعدة ان تطلب مني الحال

اذا كان كذلك، فقم بإفهام صديقكَ كيف يتعامل مع النساء"

"!مينا لن تتحمل سلوكًا سيئًا منه تجاهها خصوصًا بعد كل ما عانته مع ذلك الحقير

!هذا هو ما يحاول فعله، وما يحاول سيهون صده ونهره عن المحاولة فيه

انها تكون حياتهما الخاصة بكل الاحوال، لماذا علينا اشغال انفسنا بهم طوال الوقت؟ اعلم بأنهما يكونا اصدقائنا المقربين ولكن لن يكونوا اقرب منا لنا، ماذا عن حياتنا نحن؟ ماذا عن حياتكِ أنتِ سانا؟

كان قد انتزع الصيغة الرسيمة منها كي يوحي لها أنها منذ الان لن تكون بذلك البعد السابق، اعجبتها حركته العفوية تلك والتي ادغمت الألوان على وجهها بابتسامة

ثم ركزت على فحوى كلماته وفكرت ان كان يجدر بها اجابته ام لا

...حياتي، حياتي نسيتها منذ دهر"

"ولازلتُ أتناساها

ابتسامة الشجون ولمحة الذكريات التي انعكست على وجهها، فيما تقلب في الملعقة داخل الكوب الذي افرغت نصفه

..كل تلك الملامح جعلته يفهم، لابد أن لها قصة خاصة ركنتها في رف بعيد حتى لا تطاله يديها فتتذكر، فتتألم



..


عندما نكون صغارًا، مراهقين..يملأ قلوبنا الشغف، يمكن لأي شيء ان يثير اهتمامنا

يمكن أن نرى انفسنا في مكان ما، ونحلم..فنفعل المستحيل للوصول اليه، متحدين عقبات البالغين من حولنا

معتقدين في معظم الاحيان، أنهم يقفون حاجزين لأحلامنا، وأن ميزة خوفهم علينا تلك تبدو غير مقنعة، وقد نظن انهم يحتجون بذلك السبب فقط كي يوقفونا

لكن ماذا لو نظرنا للامر من جهةٍ أخرى، وتركنا لعقولنا فرصة للتمعن في التفكير، والبحث وراء مسببات رفضهم كي نتأكد؟..لربما يكونوا صادقين وقد يكونوا كما ظننا مخطئين

عندما منع أبوي سانا ابنتهم التي تركت المدرسة في السنة الاخيرة من الثانوية؛ ركضًا وراء أحلامها من المتابعة في حلم عارضة الازياء، لم تترك هي لهم فرصة ليقيدوها بل حملت اغراضها وغادرت البيت

ثم سعت في طريق حلمها الوعر، وتعثرت بأسوء مافيه.اعتقدت أن عالم الشهرة والأزياء لن يكلفها الا تخليها عن أكل كل ما لذ وطاب، لكن كل شيء اخر سيكون جميلًا

كانت ترى فيها خصلة عارضات الازياء الشهيرات، اهتمامها بالموضة وامتداح من هم في سنها لتناسق جسدها قد دعم من فكرتها تلك وجعل من حلم يقظتها يصبح واقعًا ستفعل المستحيل لتحقيقه

رفض والداها رفضًا قاطعًا ولم يحاولا التوصل معها الى حل ابدًا، ليتهم لو اقنعوها بأن تكمل دراستها ثم تحقق حلمها بعدما تبلغ العشرين..لكنهم وقفوا كالشوكة في البلعوم، وكانت هي عنيدة وأكثر عُتهًا مما هي عليه الان كما يعتقد البعض، تهورها الشديد دفعها لتنطلق في طريق يحفه الاشواك، وقط طُعنت اكثر من مرة..وتعرضت لأسوء المواقف مع كل أولئكَ الذين يستغلون الفتيات الصغيرات الحالمات مثلها

كانت تعلم أنه ليس باستطاعتها العودة لاهلها من جديد..لقد جربت الاتصال عليهم مرة، لكن والدها قد اخبرها بانه لم يعد لديه ابنة تُسمى بسانا

وحينها حملت متاعها وهربت من البلد بأكمله لتنجو بحياتها التي صارت مهددة بالخطر، فقد وقعت عقدًا يلزمها ان تعمل في اعمال مشبوهة لعدة سنين، والا فستدفع ثمن فسخ العقد والذي لن تتمكن من تسديده ولو عملت لبقية حياتها

كانو اشبه بعصابة، يمكن أن يعذبوها بلا رحمة كما فعلو مع اخريات امام ناظريها، لقد استغلو يُنع احلامها وسذاجة فكرها الذي لم يصل لرشده بعد

التجأت لكوريا ولحسن حظها كانت تعلم ببعض الكلمات التي يمكن ان تساعدها

هناك أيضًا كادت أن تُستغل بشكل مشابه لكن الخوف والحذر قد علمها أن لا تعمل الا في وظائف مضمونة كالخدمة في مقهى او مطعم او التنظيف في المراكز العامة

تشاركت الشقة مع عدة فتيات حتى تتمكن من تسديد الايجار ثم عرفت من احدى شريكات سكنها بشأن علامة كاميلياز بيوتي التجارية النسائية والتي ترأسها امرأة تُسمى بجانغ سوهي، كان هناك اعلان رسمي يطلبون فيه عارضات ليوقعو العقود معهم، ترددت كثيرًا قبل مضيها معهم لكنها اطمأنت لدى مقابلتها لابنة اخت المديرة والتي تكون مينا

كانت صدفة مفاجئة ان تلتقي بيابانية مثلها، وقد توطدت علاقتهما مع مرور الايام، هكذا حتى مضت السنين، وكبر فقدها لبلدها وعائلتها أكثر

كلما تظن أن النسيان قد اكل نصيبًا من الشوق، تجد الشوق نهمًا أكثر منه وأجشع منه في امتلاكها

" اذًا..انتِ تعيشين وحدكِ الان؟"

" ..أجل، تمكنت من الاستقرار اخيرًا لكن"

استقرار معيشي فقط، اما نفسي..فذلك يبدو كحلمِ بعيد المنال

هكذا نحن نبلغ، عندما ندرك أن شغفنا واحلامنا الاخرى هي جزء، بينما الاساس هو حياتنا التي نعيشها ونزاولها كل يوم

الاستقرار يصبحُ هدفًا أسمى واصعب تحقيقًا حتى من كل تلك الاحلام الاخرى

في هذا تشترك كلتيهما، مينا وسانا، كان الاستقراركالمنال البعيد المنوط بقلوبهما

" ..انا متأكد بأنك ستتمكنين من الرجوع بعد كل تلك السنين"

قال في اثناء وقوفهما في الخارج، يتأملان تساقط الثلج الخفيف وكأنه بًرادة الغيوم

" حتى لو تخلصت من خوفي وعدت فلن أبقى، كوريا أيضًا صارت موطنًا جديدًا لي..وكل من أحبهم يمكثون هنا"

همهم متفهمًا ثم سأل متستطردًا: لماذا لم تسافرا معًا؟ أعني انتِ وهي؟

"تذهب كل واحدة منكما لزيارة عائلتها ثم تعودا الى هنا؟

ضحكت هازئة وقالت فيما تسحب بصرها نحو الطريق، تراقب كل تلك السيارات التي تعبر بشرود

 كلتينا نحمل خوفًا من ذلك اللقاء المحتدم، ربما يكون وضعي اسوأ بكثير من وضعها لكنها تخشى أن تتلقى الرفض وعدم القبول بها، تخشى عندما تقابل والدها أن يميل بصف عائلته التي تمقتها ويتصرف وكأنها لا تعنيه كثيرًا

" هل له سوابق تدعم خوفها هذا؟"

" أجل، ولولا ذلك لم تكن لتعيش وحدها هنا مع خالتها "

لهذين الصديقتين قصص تُدمع أجف المآقي، وتبلل جفونًا مقفرة فتنبتُ منها مشاعر التعاطف لا اراديًا

يستغرب مارك من سلوك سيهون مع مينا مؤخرًا، بعدما كان متعاطفًا معها لاجل فقدها لابنها هو يتصرف بجفاء غير مبرر الان

بجدية، لديها ما يكفيها من المصائب، عليه أن لا يكون اضافةُ جديدة على أكوامها، اما أن يزيلها عنها أو أن يتنحى جانبًا

" !انتِ قوية جدًا، اقوى مما اعتقدت حتى"

اما عن سانا، فهي اغتربت غربة مُوجعة، ليس فيها مردة

حياتها هُددت بالخطر، وقلبها آوى الحزن حتى تعود عليه، ولا زالت حتى الان تعيشُ الحياة كما هي

بكل ظلالها المعتمة، تعبر من خلالها مشكاة ضوء تحملها معها اينما ذهبت

" شكرًا لك على اطرائك هذا"

" ..لستُ أطريك، أنها الحقيقة"

" !استغرب بوحي بكل هذا لك، انت بكل تأكيد لن تُسرب شيئًا لصديقكَ ذاك صحيح"

واجهته بنظرات حادة اربكته، فضحك متوترًا وهز كفيه نافيًا : لن أفعل، لستُ احمقًا لتلك الدرجة

من اللطيف أن يقلل من شأن ذاته من خلال جعلها تتسم بالحمق، انه متواضع عكسَ الاخر

لاحظت ذلك منذ البداية لكن شخصيته تبدو أوضحَ بكثير الان

" اذًا سأوصلكِ معي"

وهل كنت لتتركني اطلب سيارة اجرة؟!" زمجرت فيه فارتعش متفاجئًا ومشى متجهًا بكل هدوء نحو سيارته"

تمتلك خصلة التحكم بغيرها، ستكون هي المسيطرة دائمًا ان كانت في علاقة مع احدهم

!!بالطبع ستكون اكبر نقيضٍ لسيهون

" هل انتِ مرتبطة؟"

سأل بشكل مفاجئ في اثناء فتحه لابواب السيارة من مفتاحه عن بعد، وقد رمقته هي تمرر عينيها عليه طلوعًا ونزولًا وقالت بنبرة ازدراء واضحة : أنت مرتاح جدًا في طرح الاسئلة علي

" كلا لم اقصد..انا لستُ فضوليًا لتلك الدرجة"

" بلا انت كذلك، وانا لستُ مرتبطة ..هل أنت سعيدٌ الان؟"

ردت تفتح الباب لتركب ثم تغلقه بقوة

ظل يفكر مشدوهًا لفترة، هل أخطأ بشيء عندما سألها؟

ركب مرتبكًا يسترق نظرات من وجهها ذو التعابير المُبهمة

" هل ازعجتكِ بسؤالي؟ لم أقصد مضايقتك"

!سحبت بصرها اليه وقالت: أعلم انك لا تقصد مضايقتي، لكنني لا احب الانعطافات، كُن مباشرًا معي

هل فهمت بأنه ينوي طلب مواعدتها؟ سكت مندهشًا وشرع في القيادة

والسؤال هو..ما المغزى الخفي وراء طرحه لهذا السؤال عليها؟ ربما ينبغي عليه بأن يكون مباشرًا بالفعل

توتر كثيرًا وكان وجيب قلبه عالي حتى كاد يتشتت ويرتطم بعامود للانارة

" !بجدية..من قال لكَ انني اود الموت اليوم"

.!طفق يعتذر لعدة مرات دون مقدرته على الالتفات نحوها، انها تبعثره بفوضوية

..

 الحب كالرشح، وكنازلة برد

لا يستأذنك قبل ولوجه شعبكَ اهوائية، وافشاء خرابه فيها

فتمرض وتستلقي بهوان، وقد تختنق عاجزًا عن التنفس..ولابد من الصداع ان لازمكَ ايضًا

يصبح السرير موضعًا دائمًا لك، حيث تستلقي مُتعبًا، فاتر الجسد

!مرهقًا من اعراض الحب التي يمكن ان تحول لأعراض مزمنة، كالحساسية على سبيل المثال

هكذا استلقت هي على فخذ سانا، وشردت في أفكارها للمرة الألف بعد المليون

:فيما ظلت الاخرى تدلك راسها بلطف وتقول مخففة عنها أعراض تلك الحمى

" انه لا بأس ان تفكري به، لكن لا تجعلي من افكاركِ تلك تقودكِ اليه"

كيف لا وقد ثبت حضوره فيها عندما ألبسها الخاتم عنوة، فيما بقت هي تتأمله ببلاهة ككل مرةِ يعبث بها مستغلًا قربة كنقطة ضعفٍ لها

يعلم أنها تجري بعيدًا خوفًا على نفسها من الاذعان اليه، ليس لأنها تبتاع كرامتها فحسب، بل لأنها تدري لأي مدى يمكن أن يكون تأثيره قويًا..كانت تتصرف بذكاء ولا زالت، ولكنه يهدد هذه النزاهة التي يتمتع بها عقلها الان بتوعده لها بالاحتلال، هي تكون تلك الارض التي لا يتازلُ الحاكم عن الاستيلاء عليها رغم أنها خارج حدود مملكته

يود ضمها الى خارطته دون أن يلتفت الى رغبتها، يعقد معها هدنة سلام مؤقتة لا تدري متى قد يخل باتفاقياتها ويخذلها

" لقد تعبت منه..اريده أن يختفي من حياتي"

تمتمت بصوت يكتم صيحة قهر وحزن، انه يستهلكها كما لم تتوقع يومًا..لو درت بأنها ستقع في شراكه الخطرة لما أدغمت رجلها في ورطة الزواج به من الأساس

" ..أحقًا ستحتملين اختفاءه؟ لا اظن ذلك ممكنًا"

لقد التجات لسانا خصيصًا كي تحرضها ضده لا العكس، تستغرب من قدرته الهائلة في قلب الجميع ضدها، كيف ألبهم عليها هكذا؟

رغم رويها لقصتها البئيسة معه خلال الايام المنصرمة لسانا، ما تلقت منها ذلك التحريض الجنوني المنتظر

تبدو وكأنها اهدأ بكثير مما كانت عليه، فنهضت من فخذها ولمست جبينها مُستفهمة : هل انتِ مريضة او ما شابه؟ اين ذهبت تلك الفتاة التي اعرفها؟

ضحكت الاخرى وقالت تنزل كفها عنها ببطء : بل انتِ المحمومة هنا، لن أقول ترهات لن تفيدك

أنتِ تفعلين ما بوسعكِ للتخلص منه لكن المعضلة في تمكنه من الاستحواذ عليك، فعندما قررت الانفصال عن يوقيوم لم تتراجعي ابدًا لانه اذاكِ بشدة، والان انتِ تعتقدين ان بامكانكِ فعل الشيء ذاته مع سيهون، بيد أنكِ تدركين مدى اختلافه عن الاخر

"فيماذا يختلف عنه؟ كلاهما يستغلانني بنفس الطريقة!، يستغلان غباء قلبي المُسامح دائمًا"

انت تتحدثين عن يوقيوم وليس سيهون، يوقيوم كان يستغل تعلقكِ بعلاقتكِ معه، ثم انه لم يكن يحاول تهدئة الامور بينكما ابدًا، كنتِ وحدكِ من تتنازلين لأجله، بعكس سيهون..انه متعجرف كبير لكنه مستعد لتقديم ما قد يرضيك، جربي سؤاله ما تريدينه منه

" سؤاله عن ماذا؟! كلا لا اريد التحدث معه، فلو فعلت.. حينها هو فقط من سيمسك بزمام الحديث بيننا"

لم تستطع سانا مسك ضحكتها وقالت: اوه انكِ واقعة له جدًا، ربما تكون هذه هي المشكلة

لا تحاولي منافسته لانكِ لن تقدري فهو متمرس في الالعاب النفسية، كوني على طبيعتكِ فقط واسأليه غرضك

اسأليه عن ذلك الحب والامان الذي تفتقده علاقتكما، وبناء على رده يمكنكِ الحكم لاحقًا"

سكتت تُسهب التفكير بحديثها، هي وكأنها تخبرها بطريقة ما أنه ليس عليها حرمان ذاتها من هذا الحب، فلتجرب التفاوض معه، لان قتال الحب هو معركة خاسرة..الانسحاب قد يكون خيارًا مستبعدًا في هذه الحين

" انتِ تبدين اعقل بكثير من ذي قبل اليوم، ما خطبك؟"

سألتها تترقب اجابة منها، فيما هزت الاخرى كتفيها كأن لاشيء..وكانه لا يوجد تغيير قد طرأ عليها ليجعلها تكون اقل تشددًا من العادة!، موقفها دائمًا حازم وهي اكبر محرض لتدمير العلاقات خصوصًا عندما تكون سامة ومؤذية

هي ايضًا اكبر محرض ضد نفسها، كل تجاربها في العلاقات كانت فاشلة حتى آثرت البقاء عزباء

لكن تقربها من مارك مؤخرًا قد أرخى من حبل تزمتها المشدود، لديه شخصية جيدة وهو يستحق أن تعطيه فرصة قبل أن تصده

هي ايضًا قد شعرت بالانجذاب نجوه قبلًا، لكنها وكالعادة..ستنكس تلك الاحاسيس وتركنها جانبًا، خزان صبرها مثقوب، استحالة أن تقدر على تحمل الضغوط الناتجة عن مشاكل العلاقات

ان مينا اكثر صبرًا منها بكثير، لكن ربما هي قد تمهل نفسها هذه الفرصة

اعترافه لها قبل لحظة ولوجها لبيتها جعل الامر شاعريًا، تحت تساقط ثلج كانون الأول..وقف هو يشحن بطارية شجاعته كما يفعل أبطال الافلام، يزفر بخارًا يتشكل امام وجهه

وتبتسم هي مُستلطفة مظهره وسلوكيه العفوي، وكأنه مراهق مرهف المشاعر

 إن النساء القويات هن الأكثر جاذبية، ولكن انه لا بأس ان تضعفي احيانًا وان تستندي على احدهم"

"! يمكن ان يكون ذلك الشخص انا..اذا سمحت لي بالطبع

يبدو بأنه تعلم فلسفة الكلام من سيهون، مع إضافة طابع شاعري خاص به

اومات له وعادت ادراجها إليه لتقف امامه مباشرة : سأجربك، لن اخسر شيئًا ان فعلت

ضحك في خجل فيما هوي ببصره ارضًا، أما عنها هي.. فظلت هي تحدق فيه بكل اريحية

!ولأنه كان مترددًا بشكل جلي، بادرت هي باحتضانه فبادلها يشعر بدفء غامر، مختلف

وابتسامتها الجميلة التي اهدتها له كوداع هي اجمل ذكرى يمكن ان يحتفظ بها حتى لقاء اخر، ويمكن ان ينقض الشوق مضجعه بسبب تلك الابتسامة ايضًا

.لقد دوخته كما لم تفعل انثى من قبل، لقد خاف بأن يغرق فيها لاحقًا فهي لا تبدو ضحلةً ابدًا

....

" تبدو والدتكِ كمن ينتظر شخصًا"

بعد توديع طويل تبادلته ميراي مع مينا ابنتها وسانا التي جاءت هي أيضًا من اجل لحظة لتوديعها في المطار

اوشكت الطائرة على الاقلاع، وصدح الصوت المعلن عن توجه المسافرين في نفس الرحلة الى الطائرة

لكن ميراي لم تلتفت راحلة بعد بل ظلت تنظر واء مينا وسانا بعينين مترقبتين

ولذا همست سانا عند مينا والتي وافقتها الرأي

كلما التفتت لتحاول التقاط الشخص المنتظر لا ترى الا ازدحام المسافرين فقط فترجع بصرها للأمام

ولولا تعابير الفرحة الكاسحة لوجه امها لما درت عن قدوم شخصها المنتظر، وقبل ان تلتفت لتراه كان قد حضر ووقف بجوارها

" بني..كنت اعلم بأنك ستأتي لتوديعي "

جحظت عيني سانا بدهشة فيما جفلت مينا بفزع، كيف لم يخطر ببالها ان والدتها كانت تنتظر حضور سيهون؟ والذي بدا لطيفًا على غير العادة، يبادل امها الاحضان بينما بتسم كأطيب شخصٍ في العالم

تبادلت هي وسانا النظرات باستنكار جلي ثم قررت الهدوء فحسب حتى لا تهيج فجأة وتفسد لحظة الوداع هذه

" !لا اوصيكَ على ابنتي، انها في أمانتك"

أمي!!" حينها فقط لم تحتمل وصاحت متذمرة..ضغطت عليها سانا لتهدأ ولكنها لم تستطع السيطرة على تعابيرها المنزعجة"

تجاهل سيهون ذلك والتفت نحوها مبتسمًا ثم ربت على رأسها وكأنها طفلته ليقول: لا تخشي عليها من شيء وهي في رعايتي

ابعدت كفه عن رأسها مباشرة ورمقته لكنه لم ينزعج ابدًا من سلوكها، فاستفزازها يجعلها تبدو اظرف في ناظريه

" حسنًا لا أستطيع التاخر أكثر، سأذهب الان ..وداعًا"

بالطبع لاحاجة لها للتأخر اكثر فسبب تأخرها منذ البداية كان جلالته سيهون والذي حضر يمشي بخيلاء متباهيًا بنفسه

وبعد دخولها مع بقية المسافرين من الباب استدار ثلاثتهما عائدين فتوقفت مينا عن المشي والتفت اليه ليتفت اليها هو ايضًا

" اووه..اعتقد انه ينبغي علي الذهاب الان"

تحدثت سانا تتملص من الموقف المتحتدم لكن مينا اوقفتها قائلة: كلا انتظريني هناك، سانهي حديثي معه واعود اليك

لم تحرك عينيها اللتان تقدحان شررًا من اتجاه عينيه الباردتين في اثناء حديثها مع سانا

:والتي اختفت في غضون اجزاء من الثانية لتجمع مينا ذراعيها وتتقدم نحوه زيادة فتقول له بنبرة منخفضة لكن ثائرة

" ما الذي تحاول فعله بالضبط؟ هل تضغط علي من كل الجهات ام ماذا؟"

" اضغطُ عليك؟ ألستُ تبالغين في اتهامي؟دائمًا ابدو مجرمًا في ناظريك"

انها الحقيقة، انت مجرم حقيقي ولكنك لا تحمل سلاحًا تشهره امام العالم ليعترف بك كمجرم"

"انا فقط من تعرفك جيدًا

سحب عينيه يزفر متململًا ثم هدر : ما الذي تعرفينه عني؟ ما نوع الجريمة التي يمكن ان ارتكبها بك؟ هيا وضحي يا حضرة الضابط

تنفست بعمق وقالت بينما تميل رأسها : أنت تود خداعي واستدراجي لعندك، ثم مالذي ستفعله ثانية؟

"خداعك؟ هل كذبت عليكِ مرة؟"

ياله من سؤال مراوغ مثله

" كلا لم تكذب علي، انا التي كذبتُ على نفسي عندما اعتقدت انكَ يمكن أن تكون افضل من غيرك"

ضيق عينيه وقد تبدلت نظراته سريعًا بطريقة أرهبتها : من تقصدين بغيري؟ لن تجرؤي على مقارنتي باحد صحيح؟

سكتت هي تتلفت بضياع حولها لكنه بالطبع لن يتركها تلوذ بالفرار بهذه السهولة بعدما حاصرها هنا اليوم، ولذا ارجع انتباهها اليه عنوة عندما حاصر ذراعيها، يفتعل حركته الشهيرة تلك الناجحة في اصابتها بالجمود

" حتى الان لا افهم ما المشكلة التي تجري بيننا بالضبط"

" المشكلة هي انه لا يمكن أن معًا"

" !ما الذي سيجري للعالم ان كنا معًا؟ تبدين ذعرة وكأننا سنسبب انفجارًا نوويًا لو عشنا في نفس المكان"

 بالضبط، هذا التشبيه ملائم"

"عوضًا عن ما قد تفعله عائلتك بنا

انزل كفيه عنها يطلق تنهيدة ساخرة: عائلتي لن تتمكن من لمس شعرة منك

خطرت في بالها فكرة، اصراره هذا يقدح نارًا اسفل سؤال استنكاري لن تحبسه هي في نفسها: هل يا تُرى تود ارجاعي لاثارة غيظهم؟

استغرب توصلها لهذه الفكرة التي ظلت تلوح في باله طوال الوقت، هل بدأت تقرأه هي ايضًا كما ألف على قراتها سابقًا؟

طريقة حديثك تغيرت، انت كنت تتقرب مني لتعبث معي لكنك الان تطلب رجوعي كزوجة رسمية لك، انت تُضادد عائلتك لا اكثر وانا من سأتورط في مشاكلم لاحقًا

لم يعجبه خوضها في هذه الافكار التي ستعيقه من تحقيق مراده اكثر، إنها تصعب الأمور عليه بطريقة لم يحسب لها حسابًا

فكر بأن يشتتها وينفخ بالهواء تلك الافكار ليرمها بعيدًا كأوراق الخريف المتناثرة، بيد انهم في الشتاء

اقترب ومسد رأسها بحنو فيما يصب نظراته عليها : قلبكِ يريدني..هل من انكار؟

بالطبع لا، وجيبه يفضحها بينها وبين نفسها

" لكن عقلي يأبى تصديقك"

" !تعلمين ان العقل لا يتوافق مع القلب دائمًا، عليكِ الاختيار"

" !!التخيير ليس بين عقلي وقلبي، بل بينكَ وبين نفسي"

..تمنى في تلك الحظة لو أنه كان تجربتها الاولى، فلو كان

لما كانت العاطفة ستأرجحها بين قلبها وعقلها بهذه الطريقة، ولما كان جسرُ قرارتها مهترأً اثر المشي عليه طويلًا

كانت ستختاره بكل سهولة وكان الحب ليبدو أكبر مبتغى في حياتها هي الانثى العاطفية من الدرجة الاولى، لا يعلم انها تستهلك من روحها الكثير حتى تقاوم في وجه رياح الحب العاتية فهي لن تتركها تسوقها معها لترمي بها في الخلاء لاحقًا

قرر التراجع ليفكر بخطة اخرى يمكن أن تخل بالنظام الحياتي الذي تمشي وفقه هي الان، نظام المرأة المستقلة فكريًا وماديًا وحتى عاطفيًا

لكن قبل أن يمشي كان عليه أن يرمي بآخر ذخائره لليوم

! ربما كانت حصونها منيعة كفاية ضد كلماته لكنها لن تكون.. ضد قبلاته العبثية والتي تحل كنازلة من السماء فجأة

" اووه ماي قاد"

كان ذلك تعليق سانا المندهشة من مشهد تقبيل سيهون لمينا وسط العامة كما يحدث في الافلام، الطريقة التي يحيط وجهها بكفيه تضفي رونق العاطفة والدفء الذي سحر المارين من جانبيهما

وربما سحر مينا بحد ذاتها التي تجمدت في حين غفلة منها، لا يمكنها ان تذوب خاضعةًً لحرارته، عليها ان تون قاسية البرودة كالقطب الجنوبي

"..سنلتقي"

لقد توعدها بالهلاك عندما قال تلك الكلمة قبل رحيله

بدا اكثر اصرارًا من ذي قبل، تعابيره اوحت لها بالخوف لا منه بل من نفسها التي يمكن أن تتزعزع فجأة وتأوي اليه

هرعت مسرعة لسانا والتي اخفت هاتفها سريعًا بعدما التقطت تلك الصورة الحصرية لهما حتى ترسلها لاحقًا لمارك

" !ياويلي ..هذا الرجل كالموت، قتاله مستحيل"

تحدثت بدراميه لترمي بجسدها على الكرسي فاترة الروح، لقد قاتلت ببسالة ولكنها تنزع ألبسة حربها معترفة بفظاعة خوض المعارك معه

راقبت الاخرى صديقتها المتعبة من أعراض حبه السقيم، هل ينبغي عليها التدخل بطريقة اخرى هذه المرة؟ 

.!خطرت ببالها فكرة وما كانت لتتراجع عن تنفيذها بعد اذ راقتها هذا الحد



....................

هاااي ذيير نحن نلتقي مجددًا مع قبلات سيهون المباغتة

الحمد لله قدرت انزل اليوم ادعو اقدر انزل بكرا

شفتو لمن مينا سألت كيف عرف مكان شقتي..طبعًا الجواب هو امها

 مؤخرا الكل قاعد يحاول يرجعهم لبعض..متحمسة لخطة سانا واللي رح يشترك فيها مارك

.❤يلا سلام...ولنلتقي

.هيهيهيهي ما انجلط لحالي



Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top