30- استِغاثة جَسديَّة




_________



اذا أردتِ الانتقام من رجل

.اجعليه مفتونًا بك، ثم اتركيه

_______


عندما دلفت الغرفة، أسندت ظهرها على الباب لفترة، تسنتجدُ بالمرأة القوية داخلها كي تتلبسها الليلة

هي بحاجةٍ لاستبدالِ ذلك القلب الذي يمكن أن يهفو بقلبٍ أخر مُدرع بالتيتانيوم، حتى تعجزَ رصاصته عن ايذائها

ستنتزعُ ذلك الدرع في وقتٍ لاحق، عندما تزيلهُ من حياتها كما أراد..مع محاولة تركِ أثرِ ندبٍ فيه، ليست متأكدة من كونها ستفلح لكنها ستفعل ما بوسعها لكِي تنجح، رغم أنها لا تتطلع لرؤية النتائج لاحقًا

تجردت من ملابسها وتوجهت إلى الخزانةِ حيثُ وجدت تلك المشتريات التي ابتاعتها أمها لها

انتقت ذلك الذي نالَ اعجابها قبلًا بلونهِ الارجواني، وقماشهِ الساحر..كأنهُ لمحةٌ من ليلةٍ أرجوانية، كشيء آثيري حالم يُشبها كثيرًا

تطلب الأمر منها شجاعةً كي تنظرَ إلى انعاكسها أمامَ المرآة. انتابتها ضحكة ساخرة ولم تجد أنها بتلكَ الاثارة كما توقعت أن تكون

!ربما لم يزل أثرُ انتقاداتِ يوقيوم تلك من عليها بعد

تنفست عميقًا وقررت أن لا تكترث كثيرًا لتقومَ بتعديلِ شعرها وتركهِ مسدولًا على كتفيها، ثم وضعت أحمرًا للشفاه لكنها تراجعت وقامت بمسحه بالمنديل ليتركَ حمرةً خفيفة على شفتيها

أيقنت بأنها ستتراجع عن كل هذه الفكرة الجنونية لو استغرقت المزيد من الوقتِ في التفكير والتردد، ولذا..زفرت عميقًا ثم غادرت الغرفة

اجتاحتها الثقة ازاء نظراتِ عينيه التي تعلقت بها كالماضي المنصرم، فتأكدت بأنهُ بدأ يُسحر بما يراه، لكن الفرقُ كانَ بدهشته..لم تكن نظراته هكذا في ما مضى..كانَ يثبّتُ عينيه عليها وكأنها هدفٌ أو فريسة، لكنه الأن يبدو وكأنهُ مُستحوذٌ عليه من قبلِها

هفت شعرها تبتسم..يروق المرأة هذا الشعور

عندما تحسُّ أن الرجل المعني قد اُغريَ من قبلها، خصوصًا عندما تكونُ هي أيضًا راغبةً به، وهل تكذبُ على نفسها؟

لطالما رأتهُ متكاملًا الأوصاف، بغض النظر عن شخصيته النقيضة لشخصيتها، لكنه كان ولا يزال بل سيظل دائمًا مُثيرًا، يحث النساء على سلبِ ذهنه وجعله يلتفت إليهن

يعتقدنَ أنهن قادرات على فعل ذلك، وأنهن يفلحن عندما ترى الواحدة منهن استجابته لها..لكنه وفي الحقيقة، يستجيبُ لأنه يريدُ أن يستجيب فقط

وقد لا يفعل إن لم يرَى فيها ما يهواه، لكن مينا كانت استثناءً ..فهي قد جذبتهُ إليها مُرغمًا

وجد نفسه يطالعا وهي تتجه إليه عاجزًا عن الحراك، يمرر عينيه المأسورتين بها على تفاصيلها المُذهلة..متذكرًا ليلةَ غرقها المصيرية تلك، وذلك الجسدَ الذي امتنعَ عنه ترفعًا..لكنه لم ينساه بل تناسى

عندما قالت له 'أن رغبةَ الانسان المعلقة تظل تلاحقه' تذكر على الفور نفسه، وكل تلكَ الرغبة المكنونة تجاهها والتي قيدها بإصرار أعنتَ نفسه به

وأدركَ بأنها تعنيه وتعني نفسها كذلك، وتتيحُ له فرصةً ذهبية ليسَ عليه تفويتها

سيكونُ أبلهًا لو فعل، هي إمرأة لا تُكرر
يدرك ذلك على الرغم من تخليهِ الحازم عنها؛ ولأنها لا تكرر هو في أتم اصراره على ازاحتها منه الأن

وجودها حوله يشكلُ خطرًا عليه، تيقنَ بهذا عندما أدمعَ بسببها

المرأة التي تُبكي الرجل استثنائية بحق، لكن ماذا عن التي تذره مفتونًا بها للأبد؟

ما وضعَ هذا الاحتمال بباله عندما شردَ بابتسامتها الساحرة، وتلكَ اليدين الممتدين إليه في استغاثةٍ جسدية

فلبى تلك الاستغاثة يطوقُ جسدها الذي تلاحمَ مع خاصته بعدما احتضنه، رغم أنها توعدت ذاتها بأن لا تحتضنه في لحظةِ وداع..لكنها فعلت الليلة، بغرضٍ غير مُسالم، فهي لم تظهر له بهذا المظهر إلا لأجل الحربِ النفسية التي تريدُ جعله يخوضها وحده

أبدًا لم تكن بريئة!، وإلى متى ينبغي عليها أن تتصرف ببرائة وتترك الجميع ينهشُ من روحها الطيبة الصافية؟

!لماذا لا تفكرُ هي أيضًا بالمثل، وتكون ندًا لهم

" غدًا لن تجدني هنا، لذا دعنا نودع بعضنا جيدًا"

قالت تحثهُ على خوضِ ملمحمةٍ سريرية ذاتَ مستوى عالي من الخطر

" ..كما تريدين "

ردَّ يستنشقُ عبيرها مغلقًا جفونه في تيهٍ جمالي، سيذرهُ ضائعًا ضالًا في بيداءِ مفاتنها

" كلا..كما تريدُ أنت"

قالت تسحبُ ذراعيها التي تطوقُ جذعه ببطء لتمرريديها على صدره بينما تتركُ مسافةً قليلة فقط بينهما، مسافةً تتيحُ لكليهما فرصةَ التحديق ببعضهما البعض بقربٍ فاحش

" كما أريدُ أنا؟"

سأل يتأمل عجائبَ وجهها القريب، تلك الشاماتُ الموزعةِ عليه تثيرُ فيه رغبة لثمِ جميعها

أومأت لهُ تزم شفتيها الزاهيتين ببرائةٍ مٌصطنعة، فيما تتلألأ عيناها بفضل تلك الاضاءات الخافتة

" !ربما أكونُ على غير هواكِ، ضاريًا"

ضحكت فجأة ضحكةً أفزعته من قوةِ وقعها على صدره، وعلى نحوٍ غريب بدت وكأنها ثملة رغم أنها لم تشرب ولا قطرة

:أنزلت عينيها تعبث بزر قميصه قائلة

" !أنتَ تزيدني حماسًا هكذا"

ثم أرجعت بصرها إليه ترفعُ ذراعيها كي تحثه على حملها

" ألن تحملني ؟"

من دونَ أن يرد بالموافقة بادرَ بحملها بكل سهولةً من ردفيها، ثم أسرها بذراعيه لتقومَ هي بتطويقِ عنقه، وقد كانت خفيفةً بطريقةٍ أذهلته..ثم شردَ بعينيها ذواتا النظرةِ المسرحية، وكأنها تدعوه لاستعراضِ مهارته الفنية على ذلك المسرح

وقد قبل الدعوة، وهل كانَ ليفعل غير هذا؟

استحالةٌ أن لا يرضخَ لأنوثة طاغية مثلَ أنوثتها، وتلكَ المنحنياتُ الفواحةُ بالعبقِ الأنثوي الخالص، وكأنها نبيذٌ أعتقهُ الزمن والذي حافظ عليها بعيدًا عن متناول يدِ الرجال، بيدِ أنها كانت في متناولِ يده

فقط القوانين الوضعية هي التي حالت بينهما، لكن لماذا يجدرُ به الالتزام بالقوانين ان كانت الاتفاقية ستفسخ؟ كانت هذه هي فكرتها التي أوصلتها لهُ عبرَ بريدِ نظراتها السريع

ما خضعَ للرغبة المُلحة في التلاقي مع شفتيها فورًا؛ لعلمهِ أن لقاء الشفتين هو الاسكاتُ المحتم للكلمات، أي الكلماتُ ذات المعاني المصيرية، أما غيرها فلا بأس بِها..تلك الكلماتُ الأخرى والآهات التي يمكن أن تُطلق عنانها لا تحدد مصيرًا ولا تردع وتمنع

لهذا جعلها تتدلى من ذراعيه ثم تهوي على السرير كعنقودِ عنبٍ بنفسجي، تجتاحه لهفةٌ لالتهامِ حباته الملأى بالعصير الطازج الحلو

اعتلاها يمرر كفه على شعرها، تاركًا ذراعه خلفَ ظهرها وكأنه لا يزال يحملها..بينما أبقت هي ذراعيها موصولةٌ به على كتفيه

يسهبانِ النظر في عيني بعضهما البعض كمشهدٍ أسر، بجدية..كيف لم يخشى على نفسه من ادمانِ هذا المشهدِ يا تُرى؟

كان يشعر أن بداخلها كلمات تريد البوح بها، ولذا تريث..وحثها على الحديث بانتظاره لها

" احذر من أن تقع في حبي "

:تكلمت أخيرًا باسمة، فلوى شدقهُ قائلًا

" لا أربطُ مشاعري برغباتي مينا، ألم تعرفيني جيدًا بعد أم ماذا؟"

 في الحقيقة..لا"

ولم يعد يهمني معرفتك، قريبًا ستصبح غريبًا علي
"..يا زوجي العزيز

" هل علي أن أكون ممتنًا لأنكِ تمنحينني هذه الفرصةَ الأن قبلَ انفصالنا ؟"

ضمت جفونها كإيماءة وشرعت توغلُ أصابعها في شعره بطريقةٍ أوقدت النار في مشاعل غرائزه

" ..بل أنا الممتنة لك"

:ثم رفعت ظهرها كي تهمسَ عندَ أذنه

" لأنكَ صعبُ المنال "

ثم قبلت أذنه تستثيره بشدة، وبطريقة لم يتوقعها من نفسهِ لهثَ فجأةً ثم لثمَ عنقها القريب منه يتنشقُ رائحتها الادمانية، والتي تجعلهُ راغبًا بالمزيد فالمزيد

استجابت هي لأفعاله تلك تطلقُ تآوهات متعمدة، جزءٌ منها حقيقي..والجزء الأخر متعمدٌ كي تزيدَه اثارة

!لكن اللحظة التي تعانقت شفتيهما فيها، صعبَ عليه كثيرًا عتقها..بدت مستحيلة العتق، لكن سهلةَ الاعتناق..حد التصوف

يتبادلان القبل بشغفٍ منهك، استمرَّ لفترة ..تخللتها استقطاعاتٌ تنفسية يشحنُ خلالها نفسه لأجلِ المزيد لا أقل، مع كل تلكَ الملامسات الجسدية الأخرى التي أوقدت فيه ذكورةً مستعرة، تشتهيها بشدة

!ولذا وبعدَ فصلٍ عسير لشفتيهما تبادلا النظرات للمرةٍ الثانية، والأخيرةِ قبلَ الوقاع

يُريها تلك النظرة الشبقية، واللهاثَ الذي يريديها بنهم، فتريهِ هي تعابيرَ الخضوع التام إليه

ثم ومن بعدها ما عادَ الفستانُ الرقيق ذلكَ يعنيه بشيء، لن يبقيه لأجل اعاقةِ متعته بهذا الجسد الذي يتوق إليه

أذهلتها مهاراته في تدليل أجساد النساء؛ عندما استلمَ كل طرفٍ بلثماتهِ التي تتركُ أثرًا خمريًا، لا تعرفُ ان كانت ستزول تلك الأثار مع الصباح أم أنها ستبقى لأيام كي تذكرها به

لكنها شعرت بالقهر، وفكرةُ أنه بارعٌ بهذه الطريقة لا تروقها رغم أنها تشبعها متعةً

فكرة أن له سوابق كثيرة مع غيرها، وأنه سيكونُ هناك اللواحق من بعدها، تشعلها غيرة ..لكنها ستكبت تلك الغيرة والتي لن تعودَ لها بأي فائدة

!فهو ليس بالرجل الذي تعيقه مشاعر النساء عن فعلِ ما يبغتيه

وبقدرِ الألم اللذيذ الذي أذاقها إياه كانت تتعمدُ صنع خرائطَ على جسده المثالي بواسطةِ أظافرها، خصوصًا صدره..تعمدت خدشه بضراوةٍ هناك حتى تصادف عينيه تلك الأثار على مدار الأيام فلا ينسى

" !أرجوك..لا تتوقف "

هي خجولةٌ بطبعها وخروجُ كلماتٍ كهذه منها ليس أمرًا اعتياديًا، لكنها فعلتها متعمدة

مع ندائها المتكرر لأسمه رفقةَ جيشٍ من التآوهات المتواترة، كل ذلكَ لأجل هدمِ حصونه المنيعة

ربما فلحت وربما لا..لكنه ارتمى لاهثًا وكأنه يلفظ روحه جنبها

" !كانَ علي كتابةُ وصيتي قبلًا "

تكلمَ بنفسٍ متقطع، مُعبرًا عن حالةِ الهلاكِ التي يعيشها الأن وكأنهُ على حافةِ الموت يتأرجح

ولأجل هذا يهابُ مُعتلي القلب من العلاقات الجسدية، لأنها مُهلكةٌ حد الموت..تخيلو أن يموت أحدهم وهو يمارسُ الحب؟ لن يمانع ان كانَ عاشقًا لكن انسانٌ يقدسُ عزوبيةَ قلبه لن تروقه هذه الفكرة

كمن قامَ ببذل مجهودٍ كبير، حد تسارع نبضه وتعرِّقِ جسده..كان بحالةٍ مشابهة جدًا

وعندما لاحظَ خلو الأجواء من صوتها التفتَ إليها، يراها تُسهب النظرَ في السقفِ وكأنها ضائعة

" أينَ اختفى صوتك؟"

سأل واثقًا بأنه السبب

ميلت رأسها باتجاهه لتتصلَ أعينهما لفترةٍ من الزمن، لا يدري ما الذي حدث بالضبط خلالها لكنها أصابته برعشةٍ رغمَ همودِ جسده من فرطِ التعب

" ..فيك"

أجابت باسمة..ثم التفَّت تكمشُ طرفَ الملاءة على صدرها، بينما ينسدلُ شعرها بانسيابيةٍ على الوسادة

" سلبتني صوتي فماذا أفعل؟"

لماذا تبدو آسرةً هذا الحد الليلة؟

:تساءل بصمتٍ وقال

" لكنكِ استعدته "

" أنت من سمحتَ لي باستعادته "

" هل تقولين بشكلٍ ما أنني أتحكم فيك؟"

" من الرائع أن تفهمني يا زوجي "

سكتَ مفتونًا بكل تلك الايماءات التي تقوم بها، كطريقة استلقائها المشابهة لطريقة استلقاءِ الحسناواتِ في اللوحاتِ القديمة

تطلقُ تنهيدةً عميقة وكأنها سيمفونية، ود لو أن يسجلها ليستمع إليها في وقتٍ لاحق

ثم اقتربت منه فجأةً تحسرُ المسافة البسيطة المتروكة بينهما، لتحطَّ بساقها عليه وكفها المبسوطةَ على صدره، ليصيرَ محكومًا عليه من قبلِ حركاتها التي تقومُ بها عنوةً كي تسيطرَ عليه

جعلت تمرر أصابعها على ترقوتيه مشبهةً إياهما بجسرين منقطعين تسري هي فيهما بسبابتها

" أحسدُ المرأة التي ستحظى بكَ من بعدي"

وهو بدوره لاثَ خصرها بذراعه ضامًا إياها عندَ جانبه

مُستمتعًا بتلكَ الأفعال التي تقومُ بها هي، وكأنها أول واحدة تحاول مُداعبته بهذه الطريقة..الشعورُ الذي تُولجه فيه مختلفٌ عن كل الأخريات، فكَّر بذلك أثناءَ تأمله لوجهها القريب منه

" لن تحظى أي واحدة بي..ما حصل قبلكِ ولا سيحصل بعدك "

ارتفعت قليلًا لتواجهه بعينيها هامسةً قربَ وجهه

" !يحقُّ لكَ التباهي، انكَ رجلٌ استثنائي"

رفعَ يده الأخرى إلى وجهها ليمررها على خدها المتضرج بالحمرة، ثم يدغمها في شعرها وصولًا إلى قفا رأسها

" !يبدو بأنكِ وقعت لي بالفعل"

:تهكمَ من نظراتها الهائمة به، فردت عليه باسمة

" لقد أفسدتني متعة..بحيثُ لا أستطيع تخيل أنني سأسعدُ بنفس الطريقة مع رجلٍ غيرك"

" ولن تُسعدي "

ما حب كلماتها الأخيرة فرد حازمًا، لكنها لم تبالي كثيرًا وقربت وجهها منه أكثر حتى تلاقت أنوفهما

" لا بأس، سأعلمه كيف يكون أفضل منك"

ثم نقرت على شفتيه وقد استفزته كثيرًا حد أنهُ انقلبَ عليها بصورةٍ مفاجئة يرمقها بحدة

" !لن يكون هناك من هو أفضل مني "

ابتلعت ريقها شبه خائفة، فوقع نظراته كانَ مهيبًا..وكأنهُ يدمدمُ داخلها

" !اذًا أثبت لي"

أعادت رسمَ بسمتها المُغرية، ليشعر بضعفٍ عجيب..اقتاده لأن يدنو إليها ويأخذ شفتيها في جولةٍ من القبل

!أو ربما جولة أخرى من الغرام

!مُطارحة الغرام معهُ لن تنتهي إلا بسكتةٍ قلبية لأحدهما كما يبدو

" هل لي أن أسألكَ شيئًا؟"

عندما استنفد كل طاقته فيها هي التي ما أبدت رغبةً في ايقافه أبدًا، ولو كانَ على حسابِ عافيتها هي..حدثته بأطراف خاملة تتراخى فوقَ جسده الهاوي في منحدرِ النشوة

" ..تفضلي"

" كن صديقًا لي "

" ..لا أمانع "

" عندما أحتاجكَ قف بعوني "

" ستجدينني دائمًا بعونك "

:ثم وأخيرًا قالت قبلَ غلقِ عيونها

.. وأيضًا"

"لا تنساني

لكنهُ لم يرد بعدها عليها

.فلم يكن مطلبها ذاكَ مشروعًا بالنسبةِ إليه

..والسؤال هو..كيفَ يمكن للنسيانِ أن يكونَ اختيارًا؟ أو قرارًا؟، نعم ذلكَ ممكن لكنهُ لا يكونُ نسيانًا حينها بل تناسي

______________

 صَحا على حافة الليل وأول الفجر، حينما تسلل بعض الوهج الخافت من خلفِ الستائر

انفتحت عينيه ليشعرَ بعدها أن ذراعه محملةٌ بإحداهن، وعندما التفتَ رأى الحسناء النائمة بسلامٍ على جنبه

تأملها بِشرود..بخلاف كل النساء الأخريات اللاتي حظينَ بليلةٍ معه، ما كانَ ينظرُ إليهن بعدَ قضاء وطره منهن..وفي العادةِ يتركُ محله في الفراش شاغرًا ..فتستيقظ الواحدة منهن على حقيقةِ رحيله وكأنهُ خيال، أو حلم عاشته ثم فافت منه

يفضل دائمًا توضيحَ موقفهِ من العلاقاتِ العابرة، ما خدعَ أي واحدة

!جميعهن يعلمن بالفعل أنهُ رجلٌ كالسراب، مهما اقتربت منه لا تناله..في حين أنهُ ينالكِ كلك

نادرًا ما تنجو واحدة منهُ وتمضي حياتها بسلام، في العادةِ يقعن فيه..لكنهُ لا يخرجهنَّ من هوةِ العشق حتى يستسلمن بأنفسهن، فتجتبي المرأة حياتها على الموتِ فيه موتةً بئيسة

بروده الموحش يرعشُ أبدانهن التي تتضرعُ لأجل الدفء، ولأجل هذا..ترحلُ المرأة بما تبقى من كرامتها بعدما تجد أن كل محاولاتها فيه قد باءت بالفشل

لكنهُ اليوم، فضل أن يُمتعَ ناظريه بهذه الاستثنائية

..دائمًا هناك استثناءٌ في كل شيء

وقد كانت هي الواحدة التي أرهقت عينيه بجمالها الذي لا ينضب، لا في راحةٍ أو نصب

بكل حالاتها تظل مذهلة، وحتى الأن..وفي هذه اللحظة التي يعلمُ أنها ستكونُ الأخيرة بينهما، تبقى هي على حالها بارعة الجمال

مما يدفعه لتفضيل البقاءِ بجوارها، ونيل حصته الأخيرة من قُربها كاملةً حتى رحيلها

لم يكتفي بعد من كل تلكَ الرشفاتِ منها، ما زالت تنضخُ بالأنوثة..مازالت تبدو لهُ كثمرة يانعة شهية لم يطعم منها إلا قضمةً صغيرة

انزل رأسها من ذراعه التي تتوسدها بخفةٍ ليتركَ رأسها يسترخي على الوسادة، ثم دثرها جيدًا حتى لا تجتاحها نفحة برد

على جسدها أن يبقى دافئًا

هذا الجسدُ الذي ضمهُ برقه، في حين أنه قامَ بضمهِ بضراوةٍ ليلة أمس..يحتاجُ الى الدفء

ويعلم أنه ليس بمقدورهِ مدها به بعدَ الأن..لقد انتهى كل شيء على نحوٍ شاعري بالنسبةِ لها، أما بالنسبةِ إليه فهو يجدها نهايةً عادلة، ينالُ كل واحدٍ منهما حقه الشرعي من الأخر، واحتياجه المكبوت، ورغباتهِ اللحوحة المُعلقة..هي قد أقدمت على حركة جريئة، وهو ممتن لأجل هذه الحركةِ التي من خلالها تعرفَ إلى هذا الجسد وودعه بحرارة

كان سيشعر بالنقص لو لم تهديه هذه الفرصة، سيشعر دومًا أنهُ لم يحصل عليها وأنهُ لم يكشف عن مكنوناتِ أنوثتها الغامضة، ليحرمَ بعدها منها للأبد..وينالها أي رجلٍ أخر غيره لاحقًا

قبلَ شفتيها بود لا بشهوة، ثم مسدَ شعرها الحريري

وبعدها غفى مرةً أخرى، على أمل أن يستيقظ فيودعها ويودع جسدها للمرةٍ الأخيرة

لكن عندما استيقظَ على رنين منبهه، عكسَ العادة فهو يستيقظ على ساعته البليوجية النَشطة، لم يجدها بجواره..فقط عبيرها يفوحُ وحده من موضعها الشاغر

يمرر كفه على محلها كي يتحسس أثرًا وهميًا، ويتحسر على أمله الذي ارتحل

وهل سترضى بوداعٍ أخر قُبيلَ رحيلها؟

نهضَ وشرعَ في تجيهزاته الروتينية، يترقبُ لقاءً صباحيًا وديًا معها..تغمره هي بابتساماتها المشرقة، وتُسلي أذانيه بصوتها الرخيم..ولو للمرةِ الأخيرة

توقع من أنثى متسامحة مثلها الكثير بعدَ ليلة أمس، على الأقل هي ستحتضنه وتتمنى له كل الحظ الجيد

وربما تتمنى لهُ الارتباط بواحدة أخرى يستمر معها هذه المرة، وفي أثناء تخيله لكل هذا السيناريو كانَ يبتسمُ لا اراديًا..بينما يهندمُ مظهره أمام المرآة ككل صباح

رشَّ من عطرهِ المفضل متعمدًا لايقاظِ حواسها تجاهه، يعلمُ بأنها تحب رائحة عطره..وأنها لن تفوت فرصةَ استنشاقه منهُ مباشرةً، لا من عبيره الذي يفوحُ في الأجواء

خرجَ من غرفته ليجدَ أن باب الغرفة التي كانت تحتويها في ما سبق، مواربًا..وبصورةَ ضيقة فقط

فاقتربَ ليُوسع من فتحةِ الباب ويطل على ما بداخل الغرفة، فوجدها هي ماكثة على السرير توضب أغراضها في حقيبةٍ كبيرة

لم يبدو له المشهدُ مريحًا، وكأن بُه لمحةٍ من الكآبة الغبراء في ختامِ الأفلام القديمة

وكانت هي ترتدي حلة العمل الرمادية، بتنورة قصيرة حد الركبة، تظهر ساقيها الرفيعتين والتي قامت بتغطيتهما بجوارب على خلاف العادة

يتذكرُ تمامًا كيفَ قامَ بتدليلها بالقبل، وربما لأجل هذا سترت آثارها بالجورب

" صباحُ الخير "

قال، وكله تفاءلٌ بأن تقبل عليه وتصبًح عليه بالمقابل، وربما ضعفَ ما قابلها به

لكنه تفاجئ من عدمِ استجابتها له

" ..مينا"

نده فلم تجب عليه وكأنها لا تسمع، رغم تأكده بأنه تسمعه جيدًا لكنها تتعمد عدم الرد عليه

مما جعله يستنكر ويتقدم ليقف قبالها، حابسًا كفيه في طياتِ جيوبه، فيما يعقدُ حابيه باستنكارٍ واضح

" هل تتجاهلينني؟ "

راقب وجهها الخاوي من التعابير، وتلك الشفتين المحددتين بأحمر الشفاه، ربما كي تُخفي ندوبَ تعنيفه لهما ليلة أمس

:تنهدت بثقل ..ثم قالت دونَ اعارته نظرة واحدة من عينيها

" فقط ليس لدي رغبةٌ بالحديث معك، هل تمانع؟"

!ثم أنهت جملتها بابتسمةٍ مُجبرة، ترمقه بنظرةٍ لم يفهم ما مقصدها منها، ولكنها فاجأته

سلوكها قد فاجأه بشكل كامل حد ثبوته في محله، يتفرس وجهها بحيرة ويتساءل عن السبب الذي جعلها تقبلُ عليه بهذا الشكل

هل آذاها ليلة أمسٍ يا تُرى؟ لا يذكر أنها بينت له تعرضها لأي ضرر منه، ولا انزعاجها حتى

اذًا ما خطبها؟

أغلقت الحقيبة فجأة وهبت تستقيم، ثم قالت تغلقُ أزرار سترتها دون النظر إليه

" لا يكفيني الوقتُ لحزم جميع أغراضي الأن، لذا سآتي لاحقًا وأكمل الباقي..اتمنى أن لا يزعجكَ ذلك "

" ..على الاطلاق"

جملته لم تكن كاملة بل هي التي بترتها عندما أكملت طريقها تتجاوزهُ وكأنه جدار أو منعطف

ظل مشدوهًا لفترة، مع تخبطٍ عجيب يحدث بداخله

لم يلبث بمحله بل سار باتجاه الصالة، حيث وجدها هناك تبتسم وتصبًح على المدبرة بوجهٍ بهيج لا يشبه الذي قابلتهُ به

وهذا ما زادَ من حيرته واستنكاره

جلست على الكرسي لتأخذ فنجانها وترتشف منه، فجلسَ هو على المقعدِ المجاور لها يمدها بنظراتٍ استنكارية، لم توليه أي اهتمامٍ بشأنها

فكر بأن لا يسألها عن سبب تصرفها هذا، وارتأى طرحَ موضوعٍ أخر

" أخبرتني مسبقًا أن شقتكِ مستأجرة، اذًا أين ستمكثين بعد رحيلك؟"

لوت طرف شفتيها ببسمةٍ ساخرة وقالت في أثناء وضعها للفنجانِ على الصحن

" لم تسألني بالأمس..فلمَ تسألني اليوم؟"

ازدردَ ريقه..يالهُ من سؤال

:تنهدَ قائلًا

" بإمكانكِ البقاء ريثما ترتبين أمورك، لن يزعجني ذلك "

أبدت تلك الابتسامة المزيفة له من جديد فيما تبصره هذه المرة

" أوه شكرًا لك ..أقدر تفهمكَ لوضعي لكن لا، أنا لن أبقى "

جفل جراء نظرات عينيها الغريبتين كليًا عنه، تُرى..أينَ قد اختفى بريقهما الوهاج الحالم ذاك؟

" ..لدي صديق يملكُ مجمع سكني به شقق فارغة، سأخبره أن يوفر لكِ واحدة مريحة يمكـ"

أوقفته فجأةً تشهرُ كفها أمامه

" لم أطلب مساعدتك سيد آوه، أستطيع تولي أموري بنفسي "

!الأن فقط بدأ يشعرُ باستياء فعلي أقربُ الى الغضب، حد اضطراب معدل تنفسه الطبيعي

" عفوًا ولكن أنتِ التي قلت لي بالأمس أن أساعدك، وأن أكون صديقًا لكِ دائمًا..هل نسيتي ذلك أم ماذا؟"

استغربت المدبرة المشغولةُ في المطبخ من التعابير البادية على وجهي الاثنين، وقد أحست بتفشي طاقةٍ سلبية في الأجواء

" كلا لم انسى لكن تناسيت "

قالت تأخذُ قطعة خبز-توست- وتقوم بمسحِ المربى على وجهها

" مينا ما الذي يجري معك؟، لماذا تتحدثين معي على هذا النحو؟"

كيف لتلكَ الشابة اللطيفة الأليفة أن تتحول لهذه الشحيحة بتعابيرها، القاسية في لهجتها، الحادة في ايماءات جسدها؟

علا صوته حد قدرة المدبرة على سماعه، مما دفعها إلى التقدم كي تَرى ما الخطبُ الخاصل بينهما، فيما تفركُ يديها بقلقٍ جلي

" ما الغريب في يا تُرى؟ أجبني
هل لأنني كنتُ أحدثكَ بلطفٍ بينَ ذراعيك؟ فعلت لأن الوضع يستدعي ذلك مني..لأنكَ لست الوحيد الذي يستطيع فصل مشاعره عن رغباته، وأيضًا لأنكَ أنتَ الذي طردتَني من حياتك، لماذا علي أن أكون لطيفةً معك؟ عذرًا..لن أجاملكَ على حسابِ نفسي أكثر "

هي أيضًا قابلته بنبرةٍ مرتفعة، ترميه بأسواط كلماتها التي تدك صميمه دكًا

ارتجفت جفونه وجعلَ يشد على قبضته من فرطِ الغضب، عاجزًا عن الرد لكونها محقةٌ بطريقةٍ تلغي حقه بالرد

لكنها صدمته بشدة عندما وضحت له أنها قامت بفصلِ مشاعرها مثله بالضبط، أيعني ذلك بأن المرأة المأسورة المسحورة بهِ كانت محضُ دور تقمصته لأجل عيشِ تلك اللحظةِ فقط لا أكثر ولا أقل؟

" هل كل شيء على ما يرام بينكما؟"

ابتسمت مينا للمدبرة وقالت في أثناء مضغها لقطعةِ الفطيرة المحشوة التي أعدتها هذا الصباح

" أجل كل شيء على ما يرام لا تقلقي، وايضًا ليس عليكِ حسابُ حصتي من وجبة الافطار بعد الأن..لأنني لن أكون موجودة هنا "

اتسعت عينا المدبرة بذهول ثم داولت بصرها بين مينا التي تستمع بأكلها و سيهون الذي يظل يرمقها بصمتٍ مثير للذعر

" لـ..لماذا؟"

:ضحكت مينا متهكمة وقالت تنفضُ فتاتَ الطعام من كفيها

" لأننا سنتطلق "

" !ماذا؟"

شهقت المدبرة تضعُ كفها على فمها، بينما وقفت مينا في تلك اللحظة كي تأخذ حقيبتها وتوجه نظراتها للذي يكادُ يخنقها ببصره، لكنه عاجزٌ كليًا عن لمسِ شعرةٍ منها

راقها كيف أنها استفزته هذا الحد..ترد له كل الاستفزاز الذي أشبعها به قبلًا

ليرى كيفَ يكون طعمُ التجاهل لاذعًا، عندما يتذوقه منها هي التي لطالما كانت لطيفةً معه

" أتمنى بأن تصلني ورقة الطلاق بأسرع وقت سيد آوه، فأنا لم أعد أطيق حملَ اسمي للقب عائلتكَ أكثر "

ثم عبرت من جنبه راحلة..وتركتهُ يستجمعُ كل شلو من أشلائه المبعثرة جراءِ تمزيقها اللا انساني له بسيفِ شخصها الجديد، والذي كرهه بشدة

" ..سيد آوه"

أرادت المدبرة قول أي شيء لكن الكلمات ظلت تتعرقلُ في حنجرتها

التفتَ ليكمل فنجان قهوته مسترجعًا صوته

."لا تخبرني عائلتي بأي شيء من فضلك، سأخبرهم أنا لاحقًا عندما يتم طلاقنا "

.ثم حل صمتٌ حالكٌ عليه..كالظلام غلفهُ ودسه وراء ظلاله المتكدسة


_______________


والله سيدة اوه طلعت مو هينة!! لعبت فيه لعب 

المشكلة انه هو كمان مش هين هل تتوقعو رح يعدي الموضوع كذا بكل سهولة وبساطة؟

.!❤ سلام..ولنلتقي في المزيد من حرب المينهيون الشاعرية والتي بدأت للتو 






Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top