29-
______
.لا تراهن على صبرِ امرأة، ذاقت من الخيباتِ أمرَّها
______
" ..أعرف انني اخطأتُ أمي"
كان هذا بعدما أنهت مينا رَوي قصتهما الحقيقية لأمها والتي ابتلعت الصدمة صوتها للحظات، فمدت مينا كفها إلى ذراعها كي تخفف من وطئ صدمتها تلك
تدراكتها بعدَ شرودٍ دام لبضع دقائق..انتهى بتنهيدةٍ عميقة
حسنًا بما أنه اتخذَ من الموقف الأخير حجةً كي يلغي هذا الاتفاق، والذي وكما يبدو أنهُ أثقل عليه، ستبتاعين كرامتكِ وتغادرين معي اليوم
" اليوم؟ الى اين سنذهب؟"
لا تبالي بشأن ذلك..أنا أعرف إلى أين"
"وأيضًا لا تتحدثي معه مرةً أخرى هل تفهمين ما أقوله لك؟
أومأت مينا بطاعةٍ لأمها والتي وجدت أن من الأفضل لها عدم الشد في حبلِ علاقةٍ مهلهل، ما كانَ منسوجًا بجودة منذ بدايته، ولذا كان من المتوقعِ أن ينقطع في أي لحظة
..وقبل أن يودي بِها عليها هي أن تودي به
..لا أمل بشيء سينهار
شيء غير قابل للاصلاحِ لأنه بدأ على نحوٍ ركيك
احيانًا ينبغي عليكَ انقاذ نفسك وسحبها من الخطر بدلًا من محاولةِ جعله يصيرُ أمانًا
لكن ولأنه لم يكن بحوزتها وقتٌ كافي لتلملم أغراضها الأن،قررت تأجيلَ ذلك لوقتٍ لاحق، ستختاره بدقة حتى لا تتصادفَ مع سيهون
لا تعلم ما قد يحدثُ لها ان تصادفت معه ثانيةً، ربما استطاعت التماسكَ هذا الصباح ..لكن لا ضمانَ لهفواتِ المشاعر، هي تؤنبُ نفسها التي تشعرُ بالحنين إلى شخصهِ الذي كان عليه قبل الأمس
الى ذلكَ الذي عاملها برفقٍ يُراعي كل أحاسيسها المضطربة، لكنه لم يستطع أن يراعيها أكثر عندما شعر بكل مجهودهِ يضيعُ هباءً..بعدَ اغراقها لنفسها في مياه الحوض
هي لم تخطط لذلك في الحقيقة، رغبت بعزلِ نفسها وتهدئه جسدها الذي يتخبطُ بسبب افتقادها لسكينة النفس، كانت في حالةٍ شديدة الكآبة جعلتها تقرر في ظرف ثانية أن تغمسَ حواسها تحتَ المياه لعلها لا تشعر بشيء ثانيةً..
من الصعبِ أن تشرحَ ما يحدث بداخلها لأحدهم، ومن الصعبِ أن يتفهمَ الناس ذلك..لكنها الأن تقاوم
وما بمقدورها فعل شيء آخر غيرَ المقاومة والنهوض؛ فالحياةُ لا تنتظر..ولا تجثو إلينا عندما ننهار، بل تكملُ ركضها متجاوزةً إيانا..وكأننا ذرةُ غبار
عندما رجعت الى الشركة، استقبلها الموظفين بشوق كبير، خصوصًا ليا مساعدتها الشخصية
ثم واثناء تحيتها لجميعهم لاحظت وجودَ موظفين جُدد، وبعضُ المندوبين الذي يداومون بشكلٍ جزئي هنا والذين يعملونَ تحتَ إدارة السيد آوه
فسرت ليا حدوثَ هذه التغيرات لها في شرحٍ مبسط، باعتقادٍ منها أنها سَتُعجب بهذا التطورِ الذي تمضي عليه الشركة، لكن لا
انتباها شعورٌ سيء لدي استيعابها مقدارَ الضرر الذي حدثَ بالشركة في أثناء غيابها، وكيف أنها أوشكت على الانهيار لولا تدخل سيهون ليقومَ بفعل كل هذه التغييرات الجذرية دون الرجوع بالرأي إليها
الشعور السيء الذي اختلجها نحوه كانَ هو وحده المتسبب به، فعلى سبيل المثال..لو أنها جاءت في يومٍ يسبق هذا، يوم ما أعلنَ فيه سيهون عن اجلائها من حياته بكل هذه القساوة، لما شعرت بالسوء على هذا النحو
أغضبها كل شيء فجأة، اغضبها كيف أنهُ كذب مُخففًا تلك الأضرار الجسيمة ومتدخلًا بمقدار من الجهدِ والمال كي يصلحَ الأعطاب التي أُصيبت شركتها بها
لماذا تعامل هكذا؟ لماذا بادر بكل هذا ان كانَ يستميت لأجل لحظة اقتلاعها من حياته كما بين اليوم؟
لم تستطع كبتَ غيظها فانعزلت بهاتفها تجري مكالمةً جدية معه، انتهت بخصامها الداخلي له مدى العمر، اتخذت موقفًا حازمًا تجاه نفسها التي تعلقت برجلٍ صلف، عتلٌ وزنيم
استغربت وقوعها في فخ الرجال مرةً أخرى، استنكرت كيف أن قدمها انزلقت بكل سهولةٍ في هوةٍ جديدة بعد كل الضرر الذي ألحق بها جراءَ وقوعها سلفًا..وكل تلك الندوب المتروكة عليها
لكنها جزمت أنها لن تسمحَ للندوبِ على التشكل في مهجتها مرةً أخرى
صمتها الذي قابلت به السماء من النافذة، قد ألجمَ غضبها الذي كادَ أن يصيرَ صيحةً كبيرة، قد تُحطم الزجاجَ من قوتها
عادت أدراجها إلى طاولة المكتب حيثُ تجلس ليا على احد الكرسيين المقابلين لها، بتعابير وجهةٍ مرتبكة ..بينما على الجهةِ المقابلة لليا، جلست سانا والتي جاءت منذ قليل تحملُ بيدها علبةَ شوكولاة من نوع فاخر كتهئنة لصديقها على عودتها للعمل
فمينا قامت بمراسلتها أثناء ذهابها إلى الشركة
- انا في طريقي للعمل -
لكن وكما يبدو أن غيمَ التعاسةِ المتراكمِ في السماءِ لم ينقشع بعد، وسيستمر حتى يتحين وقتُ فضهِ لأمطاره
والتي يمكن أن تكونَ غزيرةً جدًا، فتصنعُ كارثةً طبيعية على أرضهم
" هل كنتِ تتحدثين معه؟"
وجهت سانا السؤال لمينا والتي رمت بجسدها الفاتر على الكرسي، فلم تجبها مباشرةً وكأن شفتيها قد التصقتا ببعضهما البعض اثرَ غراءِ القهر القوي
سيدتي..صديقني هو لم يفعل شيئًا يستحق أن تغضبي منه، كل الاصلاحاتِ التي قام بها كانت في صالحنا"
" وهو لم يطالب بأن نُرجع له أي تعويضات أو مبالغ مالية
:فأردفت سانا سريعًا معبرةً عن وجهة نظرها
هذا ما يوهمكم به"
"!لا اعتقد أن رجلًا مثل السيد آوه سيهون قد يقوم بتقديم مساعدة كبيرة كهذه دونَ أن يكون له غرضٌ بالأمر، انه ليسَ عملًا خيريًا
ضربت كفها بالطاولة..وكأنها تجزمُ بما تقوله عنه
:لكن ليا قد نفت سريعًا كلماتها قائلة
كلا..انا كنت معه ولم يغفل عني أي شيء"
"لقد فعل ذلك من أجل سيدتي فقط
ضحكت سانا متهكمة ووجهت حديثها لمينا الصامتة
" ولماذا قد يفعل كل هذا لأجلك؟ أتجدين هذا مقنعًا؟ "
لم ترد مينا بل التزمت بصمتها فيما كانت عيناها معلقتانِ على أفقٍ بعيدٍ عنهما
" انا من جهزت الأوراق ..وحدود صلاحياته محدودة، لن يستطيع فعل أكثر مما فعله "
:أعادت سانا دفة الحديث لليا قائلة
" جميعُ رجال الأعمال الجشعين يمتلكون أسلوبًا مذهلًا في الاقناع، سترون أنني محقةٌ لاحقًا"
شهقت ليا مُعارضة
لا تقولي ذلك..السيد آوه زوجُ الرئيسة وهو على رجلٌ موثوق به"
"لقد كانَ بعونها طوال الوقت ..لن يحاول استغلالَ غيابها بالطريقة التي تتحدثين بها
جميع الرجال هكذا يا ليا، لا يتصرفون باحسانٍ إلا لأجل أهدافهم الخاصة ثم يقومون باظهار وجههم الحقيقي عندما لا يعودوا محتاجين للتمثيل أكثر
"! لا تحكمي على جميعهم من واقع تجاربكِ الخاصة فقط "
دحرجت مقلها و قد أوشكت على تمديد هذا الجدال بينها وبينَ ليا مساعدة آوه مينا أكثر، لولا مقاطعة مينا لهما عندما أمرتهما بالتوقف، ونهتهما كليًا عن الحديث بالأمر أمامه
" توقفا!، لا تكملا الحديث في ذات الموضوع، اكادُ أفقد صوابي ورأسي يوشكُ على الانفجار "
قالت أثناء تثبيتها لرأسها من صدغيها، فتغضنت ملامحُ وجهها انزعاجًا وألمًا
: هبت ليا واقفة وسألت بقلق
" هل أحضر لكِ علبة مسكن سيدتي؟"
لم تجبها على الفور، فكرت قليلًا مع ذاتها ثم هزت رأسها ترفضُ فكرة اللجوء إلى المسكنات..بينما تقبعُ علبةٌ مليئةٌ بالشوكولاة اللذيذة أمامهم
تركت رأسها تزفرُ بثقل، وقالت أثناء ابصارها للعلبة الموضوعةِ على الطاولة
"دعكم من الرجال الأن ولنستمتع بهذه الشوكولاة التي تنتظر منا التهامها"
ثم مدت كفها لتبتهجَ سانا وتقوم بفتحِ العلبة كي تتشاركَ ثلاثتهن أكلَ ما فيها
.بجدية، من ذا الذي يقدرُ على ازاحة الشوكولاتة من مركزها الأول داخل قلوبِ النساء؟
_
..وكأن الرجال خلقو ليعذبو النساء فكريًا ووجدانيًا
داخلَ غرفة الفندق، حيثُ نزلت مينا وأمها مقررتين المكوثَ لبضعِ أيام فقط ريثما تجدان شقةً مناسبة لتسكنا بها
وقفت الأم أمامَ المرأة تدلكُ وجهها بمنتج للعنايةِ بالبشرة، بينما تسترقُ بضع نظرات لابنتها المتكومةَ على الأريكة
والتي تضمُّ ساقيها إليها وتسهبُ النظرَ في بُعدٍ لا تنالهُ أذهانُ من حولها
" ..ابنتي لا تفعلي بنفسكِ ذلك، كفي عن التفكير به ستهلكينَ ذهنكِ بهذه الطريقة"
وعندما لم تتلقى استجابةً من الشاردة بمحلها قررت الاستدارةَ والتحدث بجديةٍ أكبر هذه المرة
هل تعرفين أن كثرةَ التفكير تُسرع من الشيخوخة؟ "
"أتودين أن تشيخي بسرعة فتظهر لكِ التجاعيد لنبدو وكأننا بأعمار متقاربة ؟
استجمعت مينا أنفاسها تسترجعُ ذاتها من غياهبِ أفكارها موليةً انتباهها لأمها
" لماذا تقولين ذلك أمي؟ ثم أنني لا أرى أي تجاعيدَ على وجهك، نحنُ بالفعل نبدو وكأننا بنفس العمر"
قهقهت الام مُعجبةً بهذا الاطراء الذي تلقته
" كفي عن التملق واطلبي لنا اكبر حجم من البيتزا مع علبتي بيرة، هيا بسرعة "
حثتها على النهوض وحملِ جسدها الذي صارَ ثقيلًا، وكأنها كسبت ضعف وزنها
اتجهت إلى هاتفها الموضوع على أحد السريرين لتأخذه وتقلب فيه بحثًا عن أي رسالة من ذلك الرجل الذي أنهكها حتى التعب..حتى صارت تشعرُ بالخمول الشديد في كل أطرافها
مهما حاولت عدمَ التفكير به يباغتها هو في غزوةِ فكرية مُستبدة تسطو على تلافيف عقلها
استغربت كيفَ أنه لم يلقي بالًا لغيابها، كيف لم يكلف نفسه عناءَ سؤالها عن تأخرها بالعودة وهي قد تركت كل متاعها هناك، تتكاسل عن انجازِ مهمةِ لملمته
وربما تتخوفُ من فكرةِ حزمِ امتعتها بغيةَ الرحيل، ربما في داخلها يضوي نبراس أمل، أو محضُ شمعة..قد تنطفئ بنفخةٍ منها لا منه هو
غريبُ أمرنا نحنا النساء، كيف نتخذ القرار ونحنُ ندركُ أننا سنبقى متأرجحين بينَ المضي فيه أو الرجوع عنه
رغم أن صدرها يتلظى غيظًا منه، لكنها كذلك تود أن تفهم ..كيفَ له أن يتبدل بينَ ليلةٍ وضحاها بهذا الشكل؟..وكيف له أن يكونَ مداهنًا بهذه البراعة؟
!انه على مستوى خاص بالفعل من المراءاة
وبينما تلعبُ بحبلي قلنسوة المعطف القطني الذي ترتديه، خطرت ببالها فكرة لا تعلم ما نتائجُ الانقيادِ وراءها وتنفيذها
لا تعلم حتى ما الكلماتُ التي ستبصقها على وجهه عندما تقابله
!ولا ان كانت ستصفعه أم تكتفي بشفنه بعينيها فقط، لكنها وبكل تأكيد..لن تحتضنه
لن تستدعي جانبًا كان مزيفًا منه لأنها فقط تحن إليه، من الحماقة أن تفعل..لكنها ارتأت المواجهة
!حوارهم الهاتفي الأخير كان سُميًا للغاية
يتساءل المرءُ أحيانًا عن مساوئ هذه الاجهزة التي اخترعوها، وعن هذا الخلوي الذي ينتزعُ من الناسِ أحقية التعبير، ويحسرُ كل حواسهم الخمسة تاركًا لهم حاسةً واحدة، ربما تكون الأهم..لكن من دونِ الأعين لا تُفهمُ معانِي الكلمات أحيانًا
ولذا أرادت بشدة رؤيةَ عينيه..ربما للمرةِ الأخيرة
أرادت فهمَ تلك العينين المُبهمتين، وربما الغوصَ في محيطيها الداكنين..في لجتيهما المُخيفتين، لعلها تنتزعُ ذلك الخوف للأبد..ربما لو غرقت فيهما فلن تخشاهما أبدًا بعدها
وربما ستطفو تاركةً تلك الأعماق لصاحبها دونَ عودة
لقد خاطرت حتمًا بمشاعرها عندما تحججت ببعضِ الأعمال لتتنصل من أمها، تشدُّ الرحال إليه
بنفس ملابسها المنزلية البسيطة هي غادرت الفندق، فلو قررت تبديل الملابس ربما ستتبدل أفكارها تلك في نفس اللحظة
نعم هي كانت مضطربةً هذا الحد، حد عدم قدرتها على الثباتِ في اتجاهٍ واحد، ولأجل هذا لم تقم بقيادةِ سيارتها قاصدةً إياه، بل أخذت سيارةَ أجرى
وحاولت عقدَ لسانها كي لا يخبر السائق بالعودة، حتى في تلك اللحظة التي كادَ خلالها أن ينعطف السائق باتجاهِ الطريق المفضي بشكلٍ مباشر إلى منزله
" توقف "
أمرته فنفذ متعجبًا
وجعلت هي تشهق وتزفر وكأنها على وشكِ الاختناق، تشعرُ بعدد هائل من الملابسات تضج داخل رأسها والذي لم يعد قادرًا على احتمالها هي وأفكارها الشعواء مثل مشاعرها
" هل انتِ بخير سيدتي ؟"
لاحظ السائق كيفَ تكمشُ ملامحها بينما تضغطُ بكفها على رأسها
أومأت له..ولم تتخذ قرارها بالعودة أو المضي بعد، ثم سمعت صوتَ صافرةِ الرسائل لترفع هاتفها في لهفة..انطفأت شراراتها عندما علمت بأنها رسالةٌ من شخص أخر غير الذي ترقبته
- انت ذاهبة عنده صحيح؟
اسمعي انتِ أدرى بقلبك
اتبعيه لو كانَ هذا ما تودين فعله بشدة
ومهما كانت النتائج تذكري دائما أنني سأكون موجودة لأجلك
سواء عدتي إليه أو لا
امك تنتظرك -
حثت تلك الكلمات أعينها على فض دمعها
بجدية، هناك أناسٌ يحفوننا ويحبوننا ويهتمون لأمرنا..نستطيع العيشَ بهناء معهم، نستطيع أن نحبهم حبًا لا حدود له دون خوف أو قلق
نعلم أنه لن يأتي يومٌ ويأذوا قلوبنا، ولو أخطأو بحقنا سيعتذرون..ولو أخطأنا بحقهم سنعتذر..وبكل سهولةٍ سنتصالح
لأننا ننتمي إليهم، وهم ينتمون إلينا
..اذًا ما هو وضعُ سيهون في حياتها بالضبط؟
انتابتها ضحكة ساخرة، تهكمت بها من نفسها
'وللحق هي كانت ذاهبةٌ إليه لتسأله سؤالًا أحمقًا كـ ' لماذا تفعل هذا بي ؟
كيف سيكونُ رده على سؤال مثل هذا يا تُرى؟، هو بالطبعِ سيرد بكل جفاء متجاهلًا كم الأذى الذي ستذرهُ كلماته الجافةِ عليها
!ولأجل هذا غيرت الهدف، لا المسار
" اكمل الطريق "
.هذا ما أخبرت السائق به، تستعد لنوعٍ أخر من التحديات والتي لم تخض مثلها قبلًا
أما عنه هو
..سيد زمانه، أو مليكُ كبريائه
كان يعترشُ الأريكة بكل أريحية، يتنشقُ من عود التبغ المحصور بين اصبعيه
ثم ينفثُ الدخان عاليًا بشيء من التفنن
وكأنهُ يعيشُ حالةً من الهناء الذهني، حد النشوة!، مُستمتعًا برفاهيةِ الوحدة التي تضوعت رائحتها في أركان منزله مرةً أخرى، بالضبط كما السابق
فهو عندما رجع لم يجد أحدًا، ولأجل هذا قرر الاستجمامَ في جلسةٍ خاصة، تضمُّ الدخان والشراب
والحقيقةُ بأنه لم يجرع منه بعد، فقط جهزَ الكأس والقنينة الكرستاليين واضعًا كليهما على سطحِ الطاولة قباله
جايهيون قد أرسل لهُ رسالةً سابقًا، موضحًا فيها سبب غيابه قائلًا بأنه تصالحَ مع أبويه
..لم يصدقهُ سيهون إلا أنه لم يبادر بالرد على شقيقه
ان ارادَ الرحيل فليرحل، وكأنهُ قرر فجأة أن يتحولَ لصخرٍ لا احساس فيه
ولكن حتى الصخور يُعريها الزمن، هل نَسي؟
أما عن مينا وأمها، فلم يكلف نفسه عناءَ التفكير حتى بأين يمكن أن تكونا قد اختفتا اليوم؟، وبداخله شكٌ كبير بكونهما تتآمران عليه
لابد وأن مينا قد أخبرت أمها بأمر الانفصال الذي طرحه كمسألةٍ غير قابلة للنقاش
ثم فجأةً..سمع صوتَ الباب يفتح
أطل على الرواق منتظرًا حضورَ ذلك الذي سيتطفل على خلوته، وقد توقع أن يكون أخوه جايهيون لكنهُ صُدم برؤيتها هي عائدة في هذا الوقت المتأخر وحدها
تتجلى من بينِ ظلال أركانِ بيته، والذي لا ينيره إلا تلك الأضواء الخافتة أعلاه
كاد أن يسألها عن سبب عودتها بهذا الوقت لكنه منعَ لسانه عن فعلِ غباوةٍ كهذه، قد تفسرها هي كيفما تشاء هذه المرأةُ صاحبة المشاعر الجياشة
" !ها أنت ذا "
تحدثت تخطو بكل هدوء ورازنة، لتصلَ إليه وتتخذُ من طرف الأريكة موضعًا لجسدها
راقبها بصمتٍ فقط، وقد اكتفى بلثمِ عقب سجارته المُحبب
" هل لي بواحدة ؟"
..سألته سيجارة، فلم يتردد بمد العلبةِ لها
يتذكر تلك الأمسية التي رأها تدخن فيها، بدت مثيرةً كاللعنة..ولازالت حتى الأن، رغم مظهرها البسيطِ هذا..كانت دومًا وأبدًا مُفخخة بالاثارة، أينما وطأ ستتفجرُ فيه أنوثتها الغدارة
لمت ساقها مع الأخرى بجلسةٍ متغطرسة، تشهقُ من السيجارةِ بسلالةٍ تجعلُ العيان يظنها مُدمنة، أو ذات خبرة
والحقيقة بأنها لم تجربها إلا لبضع مرات، وأخر مرة كانت قبل فترةٍ طويلة..قبل حملها، والذي امتنعت خلاله كليًا عن الشرب
"! لا اذكر متى كانت أخر مرةٍ قد شربتُ فيها"
تداخل صوتها الرخيم مع سكونِ الأجواء، بحيثُ بدت وكأنها جزءٌ من هذا الجو الذي يغمرُ الأرجاء لا دخيلةً عليه
!استنكرَ هو ذلك الهدوء الذي يجمعهما رغمَ خصام الصباح، الهدوء الذي يكن له المودة والاحترام
" تفضلي اذًا "
أشار على الكأس والقنينة، وعندما لم تحرك كفها صوبهما قرر السكبَ لها بنفسه
ثم وفي أثناء وصول كفه التي تحملُ الكأس إليها تلاقت أعينهما..كذا أناملهما
راقبت عينيه اللتانِ تخشاهما اليومَ بشجاعةٍ أكبر، وتعمقت مطيلةً النظر إليه أكثر من ذي قبل
" شكرًا لك "
وأخذت الكأس..لكنها لم تتذوق ولا رشفةً واحدة منه
بل أرجعته إلى محله، ثم دهكت رأس السيجارةِ المشتعل كي تنطفئ
وبعدها أرجعت نظراتها إليه تتكأ بذراعها على وسائد الأريكة، تميلُ بجلسةٍ مريحة تنفضُ كل ذرةٍ من ذرات الارتباكِ المتراكمة فوقها، كما يُنفض الغبار
ابتسمت إليه على نحوٍ عجيبٍ لم يفهمه، فرفعَ حاجبه..ثم قرر أن يبادلها الابتسامة بواحدة مائلة
" هل هناك ما تودين قوله لي ؟"
ينتظر اللحظة تلقي بها الكلم كي يُصيبها به كما اعتاد
لكن هي لن تعطيه تلكَ الفرصةَ كي يحقق المزيدَ من الانتصارات، كلا..جاءت اليومَ لتنتصر هي عليه
" هل لي أن أسألكَ سؤالًا؟"
" بالطبع "
" لو عادَ بكَ الزمن إلى الوراء، فهل ستقومُ بفعل الشيء ذاته أم لا؟ "
" لقد اخبرتكِ مسبقًا أنني لا أتخذ قرارًا لأرجع فيه "
:همهمت ثم قالت بينما تضمُّ أصابعها العشرةَ معًا على ركبتها
" أما عني أنا، فكنتُ سأغير كل الأحداث
ابتداءً من أول لقاءٍ لنا "
" حقًا؟ ماذا كنتِ ستفعلين اذًا؟"
" لن أتحفظ..لن أتخوف، ولن أهتم إلا بشأن نفسي فقط "
" من الرائع أن تولي نفسكِ كل هذا الاهتمام، آنسة موي"
! هاهو قد بدأ برمي غاراته الكلامية عليها
".. كنتُ على الأقل قد حظيتُ بتلك الليلة معك، ربما بعدها لم أكن لألتفت إليكَ ثانيةً"
صدمته حروفها حد السكوت، وابتلاعهِ لما بجوفه من حروف
:ابتسمت باتساعٍ أكبر مُعقبة
" الرغبات المعلقة تظلُّ تلاحقنا مدى العمر، اما أن نحبسها ..أو نلبيها فنتخلص منها "
!اصلحَ جلسته متفاجئًا، وقد اضطره الموقف ليطفئ سيجارته..فهو لن يقدر على تنشقها بعدَ الأن، سيختنف بكل تأكيدٍ لو فعل
يكفيه أن هذه المرأة تُبادر بالافصاح عن تصريحاتٍ خطيرةٍ ومُهلكة
" ..أتقولين بشكلٍ أخر..أنكِ"
" !بالضبط "
رمشَ وكأنهُ يرى العجب، ابتسامتها قد أوحت له أن ذلك العجبَ هو الحقيقة
اندهشَ من نفسه التي وفي لحظةٍ تفلتت من قيودِ عتادها مستعدةً للزحفِ كي تكتشفَ ما تخبئه هذه المراة في عينيها المستعرتين
" انتظرني هنا "
ثم دنت نحوه وكأنها هرةٌ توشكُ على خربشته بمخالبِ أنوثتها هامسةً بجملتها تلك
والتي خدرته موضعيًا..جاعلةً إياه ينتظر كما أمرته بالضبط
لتمشي الهوينى قاصدةً الغرفة، فتغلقُ بابها
تتركهُ متطلعًا إلى لحظة خروجها
وكأنها صندوق مفاجآت..ترقبَ ما ستفجرهُ له ليندهش
وبكل بلاهةٍ علق بصره على الرواق منتظرًا إياها
!ثم وبعدَ انتظارٍ لم يدم إلا لبضعِ دقائق خرجت له مرةً أخرى بمظهرٍ أدهشه، بل أرعشه
وهزهز كل عتادِ رجولته الشامخة، وكبرياءه الذي لا يدنو أرضًا كمسلة، ومقله التي لا تعكسُ إلا السواد..ومضت فجأة، بل برقت في دهشة
وقفَ على قدميه مسلوبًا بما رآه
! وكانت هي راضية بشكلٍ كبير عن ردة فعله لدى ارتدائها لهذا الفستانِ الحريري القصير والمُغري
.!وقد توعدت نفسها أن تنتقم، وأن تجعلهُ يدفعُ الثمن غاليًا..من جيوبهِ الملأى بالغرور والاستعلاء
__________
..وي مستحية من البارت الجاي احس مدري كيف
والله مينا رح تلعب فيه لعب يستاهل
.❤ولنلتقي
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top