22

~


كان موعدُ خروجها هو اليوم، بعد بقائها لثلاثةِ أيام تحت رعاية المشفى

وفي يومٍ كهذا، ما حب التهربَ أبدًا من مهمةِ اخراجها من هناك، رغم أنهُ بات يكره جو المشفى الأكمد والذي لطالما كرهه منذ الأزل

كان يشعرُ بالمسؤولية تجاهها، لا لأن صورته كزوجها تفرضُ عليه الظهور بجانبها أمام الناس

بل لأنهما يتشاركانِ همًا، وفقدًا
وربما لا يكونُ الفقدُ قد حفر في روحه مثلها
لكن رؤيتها خاويةٌ بهذه الطريقة..تجعلهُ يشعر أن من واجبهِ حمايةُ هذا الكيان الخاوي الضعيف

هذا الكيانُ الذي يوشكُ على التلاشي، فالوجعُ يحرقنا ويتركنا رمادًا نتناثر..وهو كانَ يجمعُ رمادها بينَ كفيه ويطفئ النار التي تتغذى عليها، قبل أن تحرق ما تبقى منها

هكذا فعلَ بقيةَ الأيامِ القادمة

وأكثر ما حضهُ على مجاورتها في محنتها، وأن يكونَ الجدار الذي تتكئ عليه والعصاةُ التي تتوكأ عليها، هو كلماتُ الطبيبة النسائية التي أشرفت عليها..والتي كانت معها منذ أيام مراجعتها  

" سيد آوه..علي أن أخبركَ بشيء ما "

سبقتهُ قبل دخوله لأخذِ مينا وارجاعها إلى منزله، والذي يعتبر منزلهما معًا الأن

" تفضلي سيدتي "

زفرت بعمق..وهذا قد أقلقه

جفونها الناعسة والراقدة على نمارقِ الوهن قد حثته على الشعور بالقلب

زوجتك بحالة سيئة جدًا
لا يمكنني مجاملتكَ في ذلك 

..هو أدرى بذلك

 كنت أشرف عليها أنا والممرضات"
هي لا تتغذى أبدًا وتبدو بحالةٍ نفسية حرجة

ولأجل هذا سأخبرك، اعتني بها جيدًا
يحدثُ هذا للنساء عندما يجهضن..قد تتعافى بعضهن سريعًا فيتجاوزنَ الأمر، وقد لا تفعل الأخريات

خصوصًا لو كانت متعلقة بالطفل، كما كانت زوجتك
قد تدخل في حالاتِ انهيار مكررة، وقد تُصاب بسوء التغذية

 وقد تأخذها الحالة النفسية نحو القاع للأسوأ

كلماتها قد جعلتهُ يجفلُ فزعًِا، وقد أنكر بداخله أن مينا يمكن أن تصلَ لهذه المراحل

فما تمر به الأن قد يكونُ طبيعيًا ..لكنها ستتجاوزُ محنتها هذه

ألفها هكذا، فهل ستكون غير ذلك؟

:ربت الطبيبة على كتفه قائلةً كلماتها الأخيرة

 اذا لم تتحسن خلال الأيام القادمة، دعها تخضع لمراجعة نفسية ..صدقني الأمر خطير ولا يمكن التهاونُ فيه، ان كنت تهتم بأمرها

" بتأكيدِ أهتم ..شكرًا طبيبة كيم "

هكذا ردَّ مؤكدًا، مما جعلها تومئ له ثم تنزاح تاركةً له الطريق

وعندما دلف الغرفة حيثُ كانت سانا بجوارها تساعدها على النهوض، تلاقت عينيها المكسورتين مع خاصتيه وكانت على حالها صامتة

:توجهَ إلى سانا قائلًا

" بامكاني تولي كل شيء وحدي "

" هي صديقتي ولن أتركها حتى أطمئن على حالها"

" ألن تطمئني عليها وهي برفقتي؟"

ابعدتهُ بكفها ترد حازمة، وفي داخلها مخالبُ شكُّ تخدشُ فِكرها

" لنتناقش بهذا بعدما أوصلها لسريرها بنفسي "

ضيقَ جفنيه فردت له الحركة بكل صبيانية

حينها تمتم يتذمر تاركًا إياها تتولى رعاية مينا الموجوعة وجعلها تستندُ عليها أثناء سيرها

" تذكري أنها زوجتي "

عندما سمعتهُ يتفوه بذلك التفت إليه ورمقته
لكنه حافظ على صمته بينما يتجاوزها متقدمًا إياهما

كانَ في نظراتها شيء من الحقدِ عليه

لماذا يتقمصُ دورًا قد أبرأ ذمتهُ منه قبلًا؟

" هل هناك أي مشكلة؟"

وبصوتٍ باهت سألت مينا التي تسيرُ بخطى واهنة جنبها، فهي لم تكن غافلة عما يدور حولها، رأت كيفَ تتشاحنُ نظراتهما منذ لحظة ولوجه الغرفة

" اه كلا أبدًا لا تهتمي "

تفاجأت سانا من سؤالها والتفت إليها ثم أجابت تنفي بيدها الحرة رفقةَ رأسها وبعدها سارَ ثلاثتهم بهدوء صوبَ السيارة، لم تكن تلكَ المرة الأولى التي تركب بها سانا سيارته وتجلس فوقَ ذلك المقعدِ الخلفي، وكأن الأمر قد تكرر لكن بموقفٍ أخر مختلف عن سابقه

تذكرت كيف انتزعت تلك الليلة خاتمَ ذلك الحقير وألقتهُ في حاويةِ القمامة

.!وقد تفعلُ المثل لسيهونَ هذا لو فضحت لها الأيامُ جانبًا خبيثًا منه

~

قد يلاحظُ الجميع تعبها وهمها، لكنهم لن يلاحظوا رغبتها بتوقفهم عن معاملتها وكأنها عالةٌ عليهم

" أيمكن أن تتركيني وحدي ؟"

طلبت مينا ذلك بلطفٍ من صديقتها، والتي تفهمت طلبها ومسدت رأسها بحنو راحلة

وعندما أغلقت باب غرفةِ مينا تسمرت للحظات تحاول استيعاب حقيقة أنهما يعيشانِ على هذا النحو، منفصلينِ وبذات المنزل

انتباتها ضحكة ساخرة، وكانَ سيهون بالفعل موجودًا في الصالة يجري محادثةً مع أحدهم على الهاتف

توجهت عنده ثم وقفت وتريثت تعبث بأظافرها، فيما كانَ هو يسارعُ لانهاء المكالمة حتى يرى ما خطب هذه التي لم تتوقف عن مدهِ بشُرر عينيها منذ الصباح

 ماذا هناك؟ لماذا تركتها وجئتِ إلي كي تستمري بالتحديق نحوي هكذا؟"

"! ولعلمكِ أكثر ما أمقتهُ هو السلوكيات الصبيانية التي تصدر من البالغين

فغرَ فاهها للحظات، ثم ضحكت متهكمة

ليس لأنها صديقة مينا يعني أنها هادئة وعاقلةَ مثلها

" لا أصدق..هل كنتَ تتحاذق عليها هكذا دائمًا؟ كيف تحملتكَ بالله عليكَ أجبني "

دوَّرَ عينيه يتجاهلُ كيانها كله وصارَ يتفحصُ هاتفه المحصور بكفه، ثم وماذا.. انتشلته منه فجأة بحركةٍ غير متوقعة، وقد كاد يفقدُ صوابه بسبب فعلتها هذه

" أرجعي الهاتف! لا تجربي العبث معي يا فتاة "

 اذا لا تتجاهلني بينما أتحدث معك"
"لستُ شخصًا هينًا كما تظن..سلوكيات المتعجرفين هذه لا تنفع معي

" أرجعي هاتفي إلي، لا تجعليني أفقد صوابي"

" !افقده..ما الذي ستفعله اذًا؟، ما الذي سيحدث في العالم لو فقدته؟ هيا أخبرني"

مسحَ وجهه يحاول تهدئه نفسها وحينها تلقى دفعةً على صدره من هاتفه الذي أرجعته إليه

" !!خذ..امسك بهاتفك المقدس هذا"

امسك به بسرعة فقد كاد يقع ويتهشم لأنها سحبت يدها بعدما دفعته عليه

جعلَ يحدق بها بعينين جاحظتين، وقد بدا الغضبُ يتسيدُ تعابيرَ وجهه الهامدة

 اسمع..غروركَ هذا أبقيه لنفسك، لكن اياكَ واظهاره لمينا وهي بحالةٍ كهذه..لا أستطيعُ الثقة بك أبدًا، احساسي نحوكَ سيء وأشعر  أنني لا أستطيعُ تركها هنا وحدها معك وأنتَ بهذا البرود والجحود

..يكفي كيف قد تلقت التجاهل من والدتها ذلك اليوم

- قاطعها يرد بحزم

" لكنني لا أتجاهلها "

" !لا يهمني الهراء الذي تتفوه به، المهم هو أن أراها تتحسن فكل ما حدث لها حدث بسببك أنت"

نصب حاجبة مستنكرًا وهدر

" بسببي أنا؟ عفوًا ان كنتُ لا أروقك فهذا لا يعطيكِ تصريحَ اتهامي والتحدث معي دون رُقي هكذا"

أجل يا أيها الراقي، كل هذا بسببك"
"لماذا تزوجتها من الأساس؟ هي لم تكن لتعودَ ليوقيوم حتى لو عرف بشأن الطفل 

 أخبرتكِ قبلًا أنها كانت مذعورة"
"لن أكرر ما قلته سابقًا لك، والان من فضلكِ تنحي جانبًا واتركينا وحدنا

" هل تطردني من منزلك يا مليكَ زمانك؟"

زفرَ وطلبَ عونَ اليسوع كي يساعدهُ ويقتلع هذه الثرثارة من هنا

 سأخرج لا تقلق ..ولكنني سأعود كل يوم
"وأحشر أنفي في حياتكما لأرى كيف تعاملها أنت

قالت تجهزُ حقيبتها بيد وتشهرُ سبابتها أمام  وجهه بيدها الأخرى

" أعاملها كيفما أشاء هذا لا يخصك "

لم يرد عليها بهذا الرد إلا لأنها قد تمادت وتجاوزت حدودها كثيرًا بالنسبةِ إليه

شهقت متفاجئة ثم حطت بحقيبتها جانبًا على الكرسي وقد تمنى في تلك اللحظة لو أنه سكت وتجاهل غباوتها، من وجهةِ نظره

" ماذا قلت؟ تعاملها كيفما تشاء؟"

" انها زوجتي أنا "

" زوجتكَ وهمًا فقط يا فحل زمانك"

" هل تقللين من رجولتي؟"

" أين الرجولة في أن تتزوج إمرأةً مثلَ مينا وتعيش معها بطريقةٍ كهذه؟ "

:ضغطَ على جانبيِ جسرِ أنفهِ يهدئ من هوجِ أعصابه ثم تكلمَ بنبرةٍ أخفض

" بتِّ تتجاوزين حدودكِ وتتدخلين في شؤونها أكثر مما ينبغي عليك، مينا بالغة وعاقلة كفاية لتدرك مصلحتها "

" لا أريدها أن تُكرر الغلطة وتتورط مع رجلٍ سيء مرةً أخرى"

" لن تتورطَ في أي شيء، كفي عن التوهم بأشياء كهذه، أنا لم أجبرها على الزواج بي بل وافقت علي بكامل ارادتها "

تتزوجها مؤقتًا وتسجل طفلًا ليس لكَ باسمك، أين ضميركَ هل قتلته في الماضي أم ماذا؟"

" أوه أجل جميع رجال الأعمال يفعلون ذلك في الحقيقة

أسكتته الدهشة وظل يتفرجُ عليها كما لو أنها مشهدٌ مسرحي، لكن كل هذه المسرحية قد انتهت عندما لمحَ كيانَ احداهن واقفًا عندَ الجدار

لاحظت سانا نظراته التي ارتكزت للوراء فاستدارت سريعًا ورأت كيف تنظرُ إليهما مينا بأعين دامعة، ووجهٍ تغضنَ استياءً لا حزنًا فقط

" مينا..لماذا غادرتِ سريرك؟"

:سألت سانا قلقة وقبل أن تتقدمَ نحوها رفعت الأخرى كفها توقفها قائلة بصوتٍ يرتجفُ هزالة

" توقفا عن الحديث عني، توقفا عن اشغال نفسيكما بي..من فضلكما أنا أستطيعُ الاهتمام بنفسي جيدًا وحدي "

ثم عادت ادراجها للوراء وأوصدت باب غرفتها بإحكام

عضت سانا أناملها شاعرةً بالقلق والندم، ثم تلقت نظرةً مترعةً باللوم من سيهون

" لم ينتهي حديثنا "

:قالت فيما تتجهُ نحو الباب راحلة، فتبعها إلى هناك وقبل اغلاقهِ الباب صدح بكلماته كي تصلها

" لن يكون هناك حديثٌ أخر بيننا "

التفّت مباشرةً، واستعدت للشجار معه مرةً أخرى، لكن وقبلَ نطقها لحرفٍ أخر رأت الباب يندفعُ ويوصدُ أمامَ وجهها

" لعين "

شتمته وسارت بخطى ثقيلة نحو البوابة، لكن وقبل فتحِ حارسها لها تأملت المكان حولها، وتلكَ الحديقة اللطيفة المحيطةُ بالمنزل

أول ما خطر ببالها هو أن مكانًا كهذا قد نال على اعجابِ مينا بكل تأكيد، ولابد أنها تشعرُ بقدرٍ من الراحةِ في محيطٍ تملأوه سَكينةُ الأخضر، وبهاجةُ الزهور ..ولكن ما فائدةُ العيش والتكيف في بيتٍ ليس لك، بحياةٍ غير مستقرة وعلاقةٍ مُزيفة ؟

لماذا عليها أن تعيشَ في وضعٍ كهذا؟ ولو كانَ مؤقتًا؟ ..من وجهةِ نظرِ سانا فإنها لا تتقبل هذه الفكرة أبدًا، لكن ليس بيدها تغيير شيء ما دامت صاحبة القرار موافقة على ذلك، حتى لو كانت غافلة عن توقعِ نتائجٍ مستقبلية لما تعيشه الأن

قد تعصبُ عينيها عن الحاضر، وقد تكمم مشاعرها
وقد تتعايشُ مع أكذوبةٍ لا تبدو لها شديدة الضخامة، لكن نتائج كل هذا مستقبلًا..هي من أكبرِ المجاهيل

وكيف لها أن تعرف؟

طريقة سيرِ الأحداث قد تغيرت بالفعل منذ ثلاثةِ أيام، عندما ارتحلَ صغيرها فجأة..والأن هي تتداعى في فراشها و تشعرُ أن الحياة تشدُّ خناقها عليها، وكأنها تُذيقها سكراتَ الموتِ البطيئة، لتصير موجوعةً وآسية طوال الوقت

كانت في سريرها متكأةً على الوسادة، تغطي البطانية الثخينة رجليها ..بينما تقبضُ على المنديل بكفها وتسمحَ بها مياهَ وجهها الدافقة

عندما سمعت طرقَ الباب تجاهلتهُ ولم ترد على الطارق، والحقيقةُ أن الطارق كانَ في أسمَى درجات قلقه..خصوصًا بعد تلقيه لتلكَ التحذيرات طبيبتها

وبما أنهُ منزله فهو أعلم بموضع مفاتيح أبوابه الاحتياطية، لذا جلبَ خاصةَ باب غرفتها وأدخله في القفل ليفتحه

أدارت رأسها متفاجئةً لدى رؤيته يقتحم خصوصية غرفتها بغتةً هكذا، وقد واجهتهُ بنظراتٍ حادة

" أسف..كنتُ أريد الاطمئنان عليك "

 لستُ طفلة"
"دعني وحدي من فضلك

تجاهلَ طردها له ودلفَ عنوةً، لم تكن بحالة تسمحُ لها بالجدال معه لذا أدارت وجهها تحيدُ ببصرها كليًا عنه

 تعرضنا الحياةُ جميعًا لحالات ضعف
وعندما نتلقى العون لا يعني ذلك أننا عاجزون
لكنني أتفهمك ..أنتِ محقة، ما كان ينبغي علينا الحديثُ عنكِ بإسهابٍ هكذا

:التفّت إليه وقد كان واقفًا، وحينها كلمتهُ بغلاظة

" كيف قد عرفت سانا بكل هذه التفاصيل؟ هل لديكَ اجابة ؟"

وكيف لا يكون؟ أليسَ هو المتسبب بعلمها بتلكَ الخفايا؟

حبذَ أن يجلس بجوارها قبل أن يفاتحها بأحداث ذلك اليوم، وقد رَوى لها كيف تفلَّتت الكلماتُ من لسانه عندما أعمى الغضبُ بصيرته بسبب يوقيوم

 لم أكن أريدُ ذكر أحداث ذلك اليوم لك
وكذلك لم يكن ينبغي علي فضحُ كل شيء ولو كان بسبب دمامة يوقيوم، ما اعتدتُ على فقدِ رباطَ جأشي أبدًا، لكنه أثارَ حنقي وأخرجني عن طوري ذلك الحقير..لا أود ذكرَ اسمه حتى ولا أود منكِ تذكرذلك الشرذمة

ظلت صامتة ومتفاجئة من حقيقة تلك الأحداث التي جرت دون علمها، فقد كانت دونَ وعيها حينها ..مستلقيةً فوقَ سريرِ البياضِ الذي يكفنُ روحها

 كانت المعضلةُ تكمن في معرفته بحملكِ بابنه، لكن الطفل مات وما عادت معرفتهُ بأمر الطفل مهمة، ليس بمقدوره فعل أي شيء لكِ بعد الأن خصوصًا وأنتِ على ذمتي 

بَقى نظرها مُسهبًا في العدم، فيما كانت يديها ترتجفان كما شفتيها بالضبط

أمسكَ بواحدة وثبتها جانحًا إليها

 ما من حاجةٍ للذعر لقد انتهى أمره تمامًا"
"لم تريه كيف قد انسحب يجرجرُ خيبته معه وراءه 

" هل سانا غاضبة مني؟"

أدارت وجهها نحوه وقد كانَ ذلك الوجه قريبًا كفاية حد تمكنه من رؤية للمعانِ مقلتيها الغارقتين في بحورِ الأسى

" ليس بقدرِ استيائها مني، هي تكرهني أنا تحديدًا"

" لماذا؟ لم تفعل شيئًا بحقي لتكرهك "

، من وجهةِ نظرها تراني قد فعلت"

 كما ترى أنني رجلٌ غير موثوق به 

لا يهمني رأيها حقيقةً، بل يهمني رأيكِ أنتِ
"هل أبدو لكِ كذلك، ولو بقدرٍ ضئيل؟

أدهشته عندما هزت رأسها نافية

نفت تمامًا عدمَ استحقاقه لثقها

فحتى الأن هو لم يخذلها في شيء

ربما لأن كل شيء بينهما مبني على اتفاق، وهو في الاتفاقاتِ أكثرُ الناس أمانةً، ما أخلفَ وعدًا ولا عهدًا ولا حنثَ بحلفٍ أو خرقَ بندًا

" سانا لا تعرفكَ مثلي، اعذرها "

قالت ترخي رأسها على كتفه، وقد أحب ذلك حقيقةً
كيفَ تقولها بكل ثقة..وتصرحُ بمعرفةٍ تولدت من عشرةِ الأيام

 حسنًا..سأترككِ الأن لترتاحي"
"لا تترددي في طلب أي شيء تحتاجينه

قالَ يحثُ نفسه على الرحيل، وكأن هذه العاطفةُ قد أثقلت على عاتقيه..فتفاجأ عندما رأى كفيها تضمانِ ساعدهُ كإيماءةٍ تدل على رغبتها بمكوثهِ قربها

" هل يعني أنكَ ستبقى بالمنزل؟"

أومأ مؤكدًا..هو كذلك

" أحقًا تركتَ عملكَ لأجلي؟"

سألت وكانت تشعر بهفَا شيءٍ داخل صدرها

" هل من الغريب أن أفعل؟ "

عندما يردُّ على سؤالٍ بسؤال

هي طريقة تنجحُ دائمًا بجعلها تسهو عن ما طرحته، وتستطردُ بشيء أخر

" اذًا ابقى بجواري "

بعدما طردت كل الأنام من حولها طلبتهُ هو وحده أن يبقى

كان ذلك مفاجئًا جدًا حد مكوثة متسمرًا في محله

" حسنًا اذهب، لابد أنك مشغول "

سرعانَ ما غيرت حديثها مرتكبة، وكذا مجال بصرها بعيدًا..لا لأنها محبطة من صمته، بل لأنها تشعر بالخجل مما طلبتهُ منه

لكنهُ هو الذي تطوعَ ودكَّ صدره متوليًا أمرها، ألم يتوعد نفسه بذلك حتى؟

" كلا لا مشكلة بذلك..لكن أشترطُ عليكِ أن تأكلي أولًا"

تذكرَ أنها مضربة عن الطعام، ورأى أن من واجبه استغلال طلبها هذا ليشترطَ عليها تناول الطعام

أكثر ما خَشيه في تلك اللحظة أن تستاء فجأة وتتجمع في سمائها سوادحُ الكآبة فلا ترد ولا تتكلم

لكن وعلى عكسِ ما توقع، أومأت له
رغم فقدِ شهيتها للأكل إلا أنها ستفعل من أجله

لقد قدرت كيف أنه تركَ كل حياتهِ - الخاصة - وراء ظهره
.ليشاركها الحياةَ التي تجمعُ بينهما في هذه الحين


_______


.❤سلام..ولنلتقي
























Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top