17
_
طرقَ باب غرفتها بخفوت، يخالفُ نبضَ صدره العالي
ربما لأنهُ كانَ يمشي بسرعة..وربما لأن شيئًا بداخله قد أخذَ يضجُّ بالفوضى
" ادخل "
..لم تجب إلا بعدما أعادَ كرة طرقه للباب، ففتحه ببطء ولم يكن موصدًا
وجدها لابثة فوق سريرها، جالسة ومتكتمة على الغضب الذي بانَ على وجهها
تعقدُ ذراعيها، وتنظرُ إلى الفراغ بحقد
هل فعل الفراغُ شيئًا بحقها؟
من الواضح أنها لا ترغب بالنظر إليه
عيناها لا تجدانه أبدًا وكأنه وهم، ثم أنها لم تبدل ملابسها بعد
مينا..الأمر ليس كما تعتقدين"
"!ثم أنني لا أفهمُ انفعالكِ الشديد هذا، ليسَ وكأننا متزوجانِ عن حب أو ما شابه؟
تلقى منها نظرة حادة كالسكين جعلته يجفلُ في محله
" حقًا؟ اذا هل يعني ذلك أنني استطيع التسكع مع أي رجل كما أشاء دون أن اعطي أي اعتبارٍ لوجودك؟
مجرد تخيله لهذه الفكرة تجعلُ أنفاسه تثورُ بجموح
بالتأكيد لا ..لأنني أهينكَ هكذا"
أنتَ تهينني باعتبار أنني زوجتكَ الأن!، على الأقل افعل ذلكَ سرًا لا جهرًا أمام الناس
جعلتها تسحبك وأنت تبدو سعيدًا جدًا، ثم أخذت تفعل هذه الأشياء المقرفة معك دون أن تعترض حتى
لم أعتقد أنكَ حقير لهذه الدرجة سيد آوه، لو علمتُ أنكَ بهذه البذاءة لما تزوجتك..حتى لو كان زواجنا محضُ اتفاق
"لا يحق لكَ أبدًا أن تهينني بهذا الشكل
على الرغم من استيائه الشديد مما قالته إلا أنه فضل السكوت وجعلها تنتهي من فض غضبها عليه
" هل أنتهيتِ؟"
لم تكن جالسة حينها..كانت تدور في محلها بينما تحركُ شعرها بضجر واستياء
التفّت إليه ورمقته بغل
" هل تسخر مني؟"
" لا فقط أود أن أدافع عن نفسي، أعني ان سمحتِ لي بالطبع"
قال يحشرُ كفيه بجيوبه بطريقة جعلته يبدو متباهيًا متحذلقًا..وهذا قد جعلها تسحبُ عينيها بعيدًا عنه
أولًا تلك الشابة قد فعلت ما فعلته متعمدة لاغاظتك ويبدو أنها فلحت بذلك، ثانيًا أنا كنتُ أحدثها بهدوء حتى لا أتسبب بضوضاء تلفت انتباه الناس علينا..كنتُ سأنهي المسألة وأضعُ لها حدًا لن تقدر على تجاوزه أبدًا، لكن أنتِ جئتِ ورأيتِ المشهدَ ناقصًا
..صفقت له منبهرة
" رائع ..ياله من تبرير رائع "
كان من الواضح أنها لم تصدقه
حسنًا لن أحاول التبرير مرةً أخرى"
أنا فقط أقول الحقيقة..دعي الأمر ينتهي هنا
"لا تغضبي نفسكِ لأجل شيء تافه كهذا يا مينا
:ابتسمت له ابتسامةً ساخرة وأشارت له على الباب ليخرج قائلة
" حسنًا غادر الأن لأنني أود تغيير ملابسي والنوم "
أسلوبها لم يرقه وما استطاعَ منع ملامحه من ابداء تعابيرِ الوجوم
صدقي ان شئتِ"
أو لا تصدقي
"..أحلام سعيدة
ثم استدار وغادر يغلقُ الباب بقوة
لقد استفزها بفعلته تلك حد تفرق شفتيها متفاجئة، ثم أخذت تشتمه وتسبه دون أن تراقب ألفاظها أبدًا
.بعدما استوعبت كمية السباب التي أطلقتها جعلت تمسدُ بطنها وتعتذر لصغيرها على سماعه لكل هذه الألفاظ السيئة من أمه
..لماذا يتجافى النوم عن أعيننا ليلًا؟
..هل لأن عقولنا تأبَى أن تأخذ ولو استراحة قصيرة؟
أحيانًا تتكاثفُ الأفكارة، فتمطر وتبلل أسرتنا فتجعلنا غير قادرين على النوم فوقها
..نتقلب ونتقلب بحثًا عن المكان الأكثر جفافًا
..المكان الأكثر أمانًا، لكن ينتهي بنا الأمر نغرقُ فيها
.!قد ننامُ بعدها وقد لا نفعل حتى طلوعِ الشمس
في ساعاتِ الليل الأخيرة، غادرَ سيهون غرفته متضايقًا ..لا يتضايق عادةً عندما يخص الأمر مشاعرَ الأخرين
لكنها مينا، تلك الرقيقة..تلكَ الوهج الخافت الذي تخشى عليه من الانطفاء في أي لحظة
انها حبلى ..مشاعرها مُبعثرة معظم الوقت
مهما بالغت لا يستطيع لومها، قد يتصرف بلؤم لكنه سيشعرُ باللوم لاحقًا
على الرغم من ذلك ما كانَ يقصدُ وجهتها أبدًا، خطاه أخذته للمطبخ كي يجرع الماء ..لعل الماء يرطبُ جوفه الجافَ قليلًا
لكن وبالمصادفة وجدها لابثة فوق الأريكة وتضعُ السماعاتَ على أذنها
تُرى، هل تأثرت حد عدم قدرتها على النوم؟
مشَى صوبها ثم جلسَ بجوارها، وأما عنها هي فلم تلاحظ وجوده حتى لحظة شعورها بالمقعدِ يرتخي على جنبها
التفت إليه مستغربة لكنها أبعدت بصرها عنه متجاهلة
" الى ماذا تستمعين؟ أغنية؟"
" أحلى أغنية "
!ردت بابتسامةٍ تتوسع بالتدريج، دون أن تمده ببصرها بالطبع
تساءل ما سبب انفراجِ شفتيها هكذا والتقطَ احدى السماعتين ليضعها في أذنه
..حينها اندهش
كانت تستمع لصوتِ نبضِ الطفل المسجل
قد يبدو صوتًا عاديًا، مكررًا نسمعه في أي مكان
لكن بالنسبةِ لها كانَ أجمل صوت قد سمعته بحياتها
الصوتُ الذي كلما تناهى لمسامعها لامسَ أعماق قلبها، فينبضا سويًا كقلبٍ واحد
"هل لازتِ غاضبة؟"
:سأل وهمهمت قليلًا ثم أجابت
" كلا ..وكما قلت سابقًا لاشيء يستحق لأغضبَ عليه"
وضعَ ساقه فوق الأخرى ثم وبحركةٍ مفاجئة لف ذراعه حول كتفها
هل اعترف لكِ بشيء؟"
"تمنيتُ للحظة أن تكون غيرتكِ تلك حقيقية، أعلم من الحماقة قول ذلك ولكن هذا ما شعرتُ به سابقًا
..فضلت دس دهشتها مما قال
منذ متى كان صريحًا بشأن أحاسيسه؟
ولكن السؤال الحقيقي هو، هل بالفعل قد تمنى ذلك؟ ماذا لو كانت تلك هي الحقيقة
أيمكن أنها شعرت بالغيرة؟ أيمكن أن تفسيرَ شعورها بتلك النارِ التي تلتهمُ حشائشَ صدرها هو بسبب اقتراب تلك الأنثى منه؟ أليست هي أولى به؟ هي زوجته ولو كانَ على ورق فقط..هي التي تحملُ اسمَ عائلته، ان رغبَ بالاقتراب من أنثى عليه أن يتذكر جيدًا وجودها في حياته
ميلت رأسها بغتةً واسقطتهُ عليه
!لم يقل شيئًا؛ فالدهشةُ تسرقُ أصواتنا عادةً
" سيهون..هل يمكنني أن أطلبَ منكَ شيئًا؟"
ميَّل رأسه ليرى وجهها وتعابيرَ البراءةِ التي احتلت قسمتها
" ماهو؟"
زمت شفتيها مرتبكة، حسنًا هو ليس بذلك القرب ليلبي لها طلباتها، أوليس؟
حركاتُ شفتيها تلكَ تتحرشُ به، بثباته العتيد
!ولعينيها البراقتين قدرة عظيمة على جعلهِ ينصاع
لفظت بخفوت فلم يقدر على سماعها، ولذا حثها على تكرار ما قالته
" فراولة..وكرز "
حدقَ بها مستغربًا فهزت كفتيها بقلةِ حيلة، انها حبلى ووحمى..هل بامكانه الاعتراض حتى؟
".. لستُ متأكدًا من ايجاده"
توقعت منه أن يتذمر بشأن الوقت المتأخر لكنه لم يفعل، وكانو يبدو عليه أنه مستعد للذهاب وجلبِ ما طلبته..رغم الارهاقِ البادي على محيّاه
" ستجده في المراكز الكبيرة، انا متأكدة "
أي أنهم يحفظون الفواكه الموسمية لتكون في متناول يدِ المشتريين طوال العام
" حسنًا"
هب راحلًا فلحقتهُ كلماتها الشاكرةِ له، وهو بدوره لم يضف حرفًا
.ضمت الوسادة إليها سعيدة للغاية، ثم استلقت بانتظارِ حضور الفراولة والكرز إليها
~
" ألن تأكل معي؟"
بعدما قضت على نصف الكمية، بينما تتلذذ وتتلمظ التفتت إلى الذي كانَ يشاهدها بصمت
" الان تذكرتني؟"
أضحكهُ سؤالها حد جعلها تغطسُ وجهها في وسائد الأريكة
" ..حسنًا لنجرب ولنرى "
:قضم حبة فراولة فتغضن وجهه وقال
" !انها حامضة"
" اجل لذيذة جدًا جدًا "
:قالت ثم رجعت لأكل المزيد، أما عنه هو فقد كانَ نعِسًا للغاية ولذا تثاءب ثم قال
استمتعي بأكلك..أنا سأذهب للنوم"
"ليلة سعيدة
أي ليلة سعيدة والشمسُ على وشكِ أن تبزع؟
لحسن الحظ أن يومَ الغد اجازة، فهو لم يستيقظ حتى الزوال
وعندما استيقظ وجدها تعد شيئًا ما في المطبخ
" الى متى كنت تنوي البقاء نائمًا سيد آوه؟"
بدا ضجرًا جدًا حد عدم قدرته على لفظِ حرفٍ واحد، كل ما فعله هو مزاحمتها في المطبخ بينما يحضرُ لنفسه فنجان قهوة
" كان بإمكانكَ طلبُ ذلك مني"
تمتمت لكنه لم يرد وقام بالمشي قاصدًا الكرسي، مع أخذِ برطمانِ الكوكيز بيده الأخرى
:دحرجت عينيها وتركت المغرفة جانبًا قائلة
" ياه لمَ تتجاهلني؟"
" لا اتجاهلك فقط لا أرغب بالتحدث مع أي أحد"
حسنًا هذا جانبٌ أخر ما عرفته منه قبلًا
" ظننتُ أنني الوحيدة المتأثرة بهرمونات الحمل"
قالت تحبسُ ضحكتها دون النظر إليه، وعندما وجهت بصرها إليه لترى ردة فعله انفلتت منها ضحكةً عالية ازاء تعابيره الجامدة تلك
كان يحدق نحوها بحدة بينما يحطمُ قطعة الكوكيز بيده
يبدو أن مزاجكَ سيء جدًا، ولكن انظر"
"هذا الحساءُ اللذيذ سيعدل مزاجكَ بكل تأكيد
:لم ينبس بحرف فقامت بسكبه في صحنين ثم وضعهما على الطاولة، دفعت بصحنه إليه وقالت
" هيا جربه وقل رأيك"
قهوة..وكوكيز ..ثم حساء
!رائع
قرر أن يجربه مجاملةً لها لا رغبةً في تناوله، وعندما جربه وجدهُ جيدًا على عكسِ ما اعتقد
" كيف؟"
ترقبت ردة فعله لكنهُ كان باردًا كالعادة، كل ما قامَ به هو رفعَ ابهامه فقط
تنهدت بقلةِ حيلة، هذا هو طبعه وما بمقدورها فعل شيء لتغييره، وما تمنت يومًا أن يتغير ..ليس وكأن علاقتهما ستستمر بكل الأحوال
أمسكت بهاتفها بيد بينما تغترف من حسائها باليد الأخرى
" لا أعلم ما خطبُ سانا؟ لم تعد ترد على رسائلي ولا على اتصالاتي حتى "
" حقًا؟"
سأل مستغربًا
فردت عليه بإيماءة تؤكدُ ذلك
" اعتقد أنه ينبغي عليكِ زيارتها والتحدث معها "
" ..لقد فكرت بذلك بالفعل"
وعندما انتهيا لملمت الأطباق بسرعة ثم اتجهت لغرفتها كي تغير ملابسها وتستعد للخروج.
" سأذهب لرؤية سانا والاطمئنان عليها"
بالطبع لن تقلدَ أفعاله في أول ايام زواجهما، كان من الطبيعي أن تكلمه قبل خروجها
وكان هو جالسًا على الأريكة يعبثُ بهاتفه فحسب
:التفتَ نحوها وفكر بسرعةٍ ثم قام
" حسنًا سأوصلك"
:ذُهلت وردت على الفور
" كلا، لا حاجةَ لذلك أنا سأقود بنفسي"
ما كلف نفسه عناء الرد فقد أكمل طريقه نحو غرفته
عبست مستاءة ..لماذا يحبُ فعل هذا دائمًا؟
لماذا يسكت ويقطعُ وصالَ الحروف بطريقةٍ تشعرها بأنهُ مترفع متكبر؟
لكن في نفس الوقت، لا تبين أفعاله أنه بهذا السوء
تناقضهُ يحيرها، طبعه صعب
.يبدو بأنه يعلم ذلك بالفعل ولذا يفضل البقاء أعزبًا، بجدية..من تلك المرأة التي ستتحملُ سلوكه هذا؟
~
استقبلتها بوجهٍ متكدر، ولم تكلف نفسها عناء رد التحيةِ حتى
مما أدى إلى تلاشي ابتسامةِ مينا ببطءٍ أثناء تحديقها إليها
عكرت حاجبيها وجمعت ذراعيها بينما تتقدمُ بالسير نحو غرفتها، فتبعتها مينا مستغربة، بينما تمطرُ سحب القلق مطرًا غزيرًا فوقَ رأسها
عندما اغلقت الباب توجهت سانا لسريرها وتحدثت دون النظر إليها
" لماذا جئتِ إلى هنا؟ ماذا تودين مني؟"
ادعت انها مشغولة بترتيب أغراضها في حين أن الأخرى سكتت حيرانة من حال صديقتها
" سانا هل أنتِ غاضبة مني؟"
التفت سانا مباشرةً ترمقها بغيظٍ جلي
" !!هل يبدو علي الغضب؟ لا أعتقد أبدًا"
:جمعت الأخرى حاجبيها باستياء وقالت بنبرةٍ متهدجة
" اذًا أخبريني ما الذي فعلته لتغضبي مني بهذا الشكل؟"
بدأت عيناها ترق وقد لاحظت سانا ذلك، لكنها حاولت أن لا تضعف لعيني صديقتها البراقتين
لم تفعلي أي شيء..هذه المشكلة"
"!بأنكِ لم تفعلي أي شيء
" أنا لا أفهمك..هل يمكنكِ التوضيح لي؟"
:أكملت ترتيب حاجياتها فيما تقول
" لا أصدق أنني أقربُ صديقةٍ لك ومع ذلك أكون أخر من تعلم بحملك! "
!ألهذا كانت غاضبة؟
لم يخطر ببال مينا أبدًا هذا الأمر، وقد شعرت بالضيق يجثم على صدرها نتيجةً لذلك
ألهذا تزوجتما على عجلة؟ كنت أحاول فهم السبب ولكن لم أجد أي تفسير لزواجكما السريع هذا"
"!! ثم الأن فقط أعرف أنكِ كنتِ حامل!رائع
توترت كثيرًا حد أنها كادت تتعرق، لكنها قاومت في الوقتِ نفسه حتى لا تُكشفَ أمامها
..ليس الأمر هكذا..أعني"
لا أعلم كيف أخبركِ ولكن تلكَ كانت نتيجة غلطة حدثت في لحظةِ طيش بينما كنا ثملين، آسفة لأنني لم أخبركِ مسبقًا لكن تفهمي أنني كنتُ أشعر بالخجل من نفسي ومن تهوري هذا
..ها هي تكذبُ مجددًا
ما استطاعت قول الحقيقة، لا يمكنها أن تفضحَ الحقيقة ولا لأقربِ صديقاتها..توعدت سيهون بذلك والذي قطع بدوره عهدَ ابقاء السر طي الكتمان
!هذا السر خطير ولا ينبغي عليه أن يخرجَ منهما أبدًا، لا أحد يتوقع ما المخاطر التي قد تنتج لو انتشرت هذه الحقيقةِ في الأجواء
هذه هي أنتِ..لا يعقل كيف أن الزمن لا يغيرك"
لماذا تحبين كتمَ كل همومكِ داخل صدرك؟ ولماذا تشعرين بالخجل مني؟ ياه هل اذكركِ بالكوارثِ التي كنتُ أفتعلها ثم احكي كل تفاصيلها لك؟
دفعتها للضحكِ رغم الانقباض الشديد الذي تشعر به داخل صدرها، لاحظت سانا ذلك فأخذت تقترب ثم طوقتها بذراعيها
!أنا سعيدة جدًا لأجلك"
"لا اصدق أنني سأصبحُ خالة عما قريب
:ثم تنحت قليلًا تلمسُ بطنها بباطن كفها قائلة
"! لطالما انتظرت لحظة رؤيتكِ أمًا"
:فابتسمت الأخرى مردفة
" تمني اذًا أن أولده بسلام "
بالطبع! أتمنى لكِ ولادة سليمة آمنة..اوووه صحيح، يعجبني كيف أن السيد آوه قد تحمل المسؤولية بجدارة"
"ولكن هل يعاملكِ جيدًا؟
بينت عينيها انكسارًا أثار قلقَ مينا
ليس لأنه يعاملها بسوء أو باحسان
بل لأن كل ما تظنه سانا هو محضُ خيال، نسجه كليهما لعصبِ عيني الجميع عن الحقيقة
أجل..نوعًا ما، نحنُ مختلفين كثيرًا"
"لذا لا أعتقدُ بأننا سنستمر سويًا لاحقًا
في هذه النقطة، ما استطاعت كبتَ مشاعرها
..تفوهت بما في قلبها فورًا
هذا ولأن تعابيرها تفضحُ كل شيء
" سيكون أحمقًا ان لم يحافظ على زوجة رائعة مثلك، حتمًا لو تجرأ على اذيتكِ فسوفَ ألقنه درسًا لن ينساه"
.ابتسمت ملئ شدقيها وعانقتها عناقًا دافئًا تصطلي منه لعدةِ أيامٍ أخرى
~
وبينما تنزلُ درجاتُ السلم المفضي إلى الشارع، لوحت بالوداعِ لسانا الواقفة عندَ وصيدِ بيتهم ..وفي المقابل، يقفُ سيهون عندَ سيارته منتظرًا حلولها
لوحت سانا إليه كذلك، وهو قد رفعَ يدهُ قليلًا فحسب وجاملها فقط..كعادته
هو بالكادِ يرسمُ ابتسامة وكأنه يستقطعُ جزءً من روحه عندما يفعل ذلك، بروده يغيظُ أشخاصًا معبئينَ بالأحاسيس الحامية
هو رائع، مدهشٌ كيف أن المعاطف السوداء تجعلهُ يبدو شديد الأناقة..يجذبُ الأنظار إليه من أبعدِ المسافاتِ عنه
لكنه وفي المقابل، يجعلُ القريب ينفرُ مستاءً؛ ولذا امتازت علاقاته بكونها ضحلة..فلا أحدَ يحبُ الغطسُ في مياهه الآسنة
اقتربت منه ودون أن ينطق بحرف قامَ بفتح الباب لها
أخذت محلها على يمينه واحتل هو محله بصمت، ثم أخذَ يقودُ سيارته
أحيانًا يشعرها أنهُ حاقد، لكنه في الحقيقة ليس كذلك
!هذا هو طبعه، عشرته صعبة، عسيرة
لكنهُ هو الذي يتعمدُ أن يجعلها هكذا
فما الداعي من اللطف الكاذب؟ الى ماذا ستفضي الحواراتُ الكلامية عديمة النفع بينهما؟
" هل لكَ أن تتوقف للحظة ؟"
:سألت فسأل
" لماذا؟"
" هناك شيء أود شراءه من الصيدلية
نعم هناك صيدلية قريبة على أخر الشارع لكن الغريب هو أنها تطلب منه ايقافها في هذه النقطة
قبل تجميع لسانه حروفَ سؤاله التالي هي قامت بفتح الباب وترجلت ثم مشت مبتعدة عنه وعن سيارته
راقبها مستغربًا، أو مستنكرًا بالأصح
لم يبدو عليها الزعل عندما غادرت منزل صديقتها، أي أنهما قد تصالحتا بالفعل، اذًا لماذا تتصرف على هذا النحو؟
ربما هي ارادت المشي قليلًا، لكن الليل قد عسعس والشارعُ خاوٍ تقريبًا، ثم انها كانت ستقول له ذلك على الأغلب
لكنه بكل الاحوال لن يتدخل في شؤونها الخاصة، كل سلوكياتها تفضحُ مشاعرًا متخبطة بداخلها..كانت واضحة وشفافة جدًا بالنسبةِ إليه، فقط ما ينقصهُ هو معرفةُ السبب
فضل تتبعها بعينيه فقط..حتى لحظة رؤيته لقطرات المطرِ التي تساقطت فوقَ زجاج سيارته، وكذا سماعه لصوت نقراته الطفيفة
يبدو كطل، لكن من يدري فقد يتحول إلى وابلٍ بعد قليل
سحبَ المظلة وقرر أن يترجل، ثم سارَ بخطى حثيثة ليصل إليها
كما يبدو عليها بأنها لم تنتبه لا له ولا للسماء التي تمطر فوق رأسه
" هي مينا"
وكأنه انتشلها من بحيرةٍ كادت تغرقُ فيها، فشهقت شهقة العودة للحياة..واستدارت لتراهُ يحدق بها مستغربًا ويضعُ كفه على كتفها، بينما يمسكُ بمظلةٍ سوداء بكفه الأخرى
" هل أنتِ بخير؟"
شردت قليلًا تستوعب حالها..ثم وعندما استعادت وعيها أومأت له وأرجعت بصرها إلى الطريق
والسؤال هو، هل بمقدوره تركها وهي بحالةٍ كهذه؟
" ألم يجري الأمر على ما يرام بينكما؟"
هزت رأسه نافية ثم شعرت بثقلِ حنجرتها اثر الغصةِ التي علقت هناك
كانت غاضبة لأنني لم أخبرها بحملي مسبقًا، فبررتُ لها بكذبة أخرى..ثم صدقتني بكل سهولة، هذا يجعلني أشعرُ بالحزن الشديد..لم يسبق لي الكذب عليها أبدًا
..اختزنت عيناها الدموع أثناء قولها لذلك
لا يعلم ان كانت عاطفية هكذا دائمًا أم أن الحملَ ما يجعلُ مشاعرها فائضة طوال الوقت
دوَّرَ عينيه بضجر فقد سئمَ سماعَ الاسطوانة ذاتها كل مرةٍ منها
" !كَفى سُخفًا يا مينا، أحيانًا ينبغي علينا الكذب ان كان في ذلك مصلحةٌ للجميع"
تجمدَ الدمع في عينيها بينما تحدق به ذاهلة، هل نعتها بالسخيفة للتو؟
" تقصد مصلحة لكَ أنت، أجل ولأن في هذه الكذبة مصلحة كبيرة لكَ أنت تود ان نستمر بها!. أنتَ حتمًا أناني وبلا أي مشاعر "
تفرقت شفتيه مذهولًا..هي دائمًا تخطئ كثيرًا في حقه عندما تهيجُ هكذا فجأة، ولكن من السبب؟
هو الذي يدفعها لقول أشياء سيئة عنه، يدفعها للغضب منه حد عدم قدرةِ عينيها على التلاقي مع عينيه
أشاحت ببصرها ثم مشت مسرعة متجاهلةً قطرات المطر المتساقطة بغزارةٍ فوق رأسها
أدارَ وجهه لجهةٍ أخرى يزفرُ منزعجًا، انتابته رغبة ملحة في الالتفات وتركها لكن وكالعادة، يشعرُ بالمسؤولية التي تجعلهُ ينقادُ وراءها فورًا
" ماذا عن طفلك؟ ألا تجدين أن هذه هي الكذبة في صالحه؟"
:استدارت إليه وصرحت بحدة
" !بالتأكيد لا..لو علم ذات يوم أنني أخفيتُ عنه والده الحقيقي فسوفَ يكرهني ويدخل في عقدةٍ نفسية كبيرة بسببي"
" صدقيني لو علمَ كيف قد تم جلبه لهذه الحياة فسيكرهُ نفسه أكثر"
لقد أوخزتها كلماته بشدة حد انكسارِ عينيها واتجاه بصرها نحو موطئ قدميها
لم يرغب أبدًا بتذكيرها بذلك الموقف، لكنها هي من دفعته إلى ذلك..زفرَ بعمق مستاءً من كلماته التي مجها في وجهها
هي أرق من أن تتحملَ تدافعَ أحرفهِ الحادة هذه، أحرفه التي يخرجها من بابِ المنطق، لكنه لا يلبسها ثوبَ المشاعر..يتركها عارية فتؤذي المتلقي بمنظرها البشع، ثم لا يقدرُ على رؤيةِ حقيقتها أبدًا
نحنُ نغض أعيننا عن كل ما هو سيء المنظر، نادرًا ما نتركُ أبصارنا تتمعنُ في شيء قبيح..لترى محتواه الحقيقي
" حسنًا أسف لم أقصد قول ذلك.."
بلا قد قصد!، كلماته لا تخرجُ بلا عمدٍ وهي تدري بذلك
عندما اندلق الدمع على حنايا وجهها استاء زيادة فتناسى المظلة التي سقطت على الرصيف المبلل، ليحط كفيه على وجهها فيأسرُ بصرها عنده
اسمعي ..هذا الطفل سيكون ابني أنا، لن أشعركِ في يومٍ من الأيام أنه ليس ابني..سواء كان مني أو لا أنا قد شعرت بالمسؤولية"
"تجاهه منذ لحظة سماعي لنبضه. سيحملُ اسمي وسيكون وريثي حتى لو انفصلنا لاحقًا
لم تقل شيئًا..فقط ظلت تحدقُ به بعينيها الدامعتين، عيناها التي ان أطالَ النظرَ فيها غرق، وان أسهبَ في وجهها تاهَ ثم شعرَ بالعطش، كرحالٍ في البيداء
شفتيها سراب، ان اقتربَ منهُ سيتلاشى
لماذا؟ لأنها ليست له ولا هو لها..هذه العلاقةُ هي محضُ شيء قابل للمحو ذات يوم
لكن هذا الطفل هو الواقع، وحملهُ لاسمه سيذكرهُ دومًا أنه في يومٍ ما قد تزوجَ بوالدته
أي مينا
أنا أسف..سامحيني على ما قلته"
"لم أعني أن أجرح مشاعرك
لم ترد عليه بل أنزلت بصرها للأسفل وحينها تأكدَ من أن اعتذارهُ لم يضمدَ الجرحَ الذي افتعله فيها
ما وجدَ حلًا غيرَ أن يضمها إلى صدره ويربتَ على ظهرها لعل وجعها يخف
أما عنها هي فقد عثرت على ما كانت تحتاجهُ منذ البداية، ليته لو احضتنها قبلًا..ليته لو تركَ رداء الكلماتِ يسقطُ جانبًا ليطوقها بحضنٍ دافئ
هذا كل ما احتاجت اليه، ولذا بادلته أملًا في التشافي، شيئًا فشيء..اخذ حزنها يتلاشى لكن عبراتِ السماء لم تتجافى عنها بعد
ابعدها قليلًا وأخذَ المظلةَ الواقعة على الرصيف ليغطي رأسيهما، وحينها قال:
" لا اعتقد أننا بحاجةٍ إليها "
ضحكت رغمًا عنها..أحيانًا سخريته تجعلها تضحك، هو رجل هازئ بالحياة..ليس من سماته المرح، لكنّ تعليقاته تلك تجعلهُ يبدو هكذا أحيانًا
وقد صدق!.. ما حاجتهما للمظلة وقد تبللا بشكلٍ كامل تقريبًا؟
..راقه كيف أنها ختمت نحيبها بابتسامة
أمثالها يجعلون الحياة أسهل
أولئكَ الذين يزيلونَ الرفاتَ عن قلوبهم باستمرار، فلا يحلمونَ الحقد أو الحسد
..ما كان بحوزته إلا أن يعترف، بأنه لا يستحقها
" هيا لنعود إلى المنزل "
.وكذا يعلمُ أن بيته ذاك سيخلو منها ذات يوم
____________
هاي ذييرر
كيفكم؟ خلصنا اول عشر ايام من رمضان الحمد لله
على فكرة الوقت برمضان ضيق والتنزيل مش سهل فالله يعينكم علي
.❤يلا ولنلتقي
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top