11
_
..الفصل الحادي عشر
ظلت لأيام متحيرة من حقيقة أنه اقترحَ عليها حلًا كهذا
حلًا سيشابكُ قدريهما بطريقةٍ عجيبة، ولو كانَ مجردَ ادعاء منوط بأيامَ معدودة
عندما سألها الزواج، انعقدَ لسانها
ثم أخذت تضحك رغمَ دموعها المنسابة، لم تأخذ كلماته بجدية لكن ملامحه كانت تتسم بالجدية
" فكري في الأمر..هذا كل ما بوسعي أن أقوله لك "
كانت هذه كلماته الأخيرة قبلَ توديعه لها، ومنذ ذلك اليوم ظلت تحومُ حولَ نفسها باحثةً عن تبرير لفعلته
هو رجلٌ لا يدغمُ نفسه في شيء إلا لو كان به مصلحة له
ليس من النوعِ العاطفي، الانساني
..المراعي
كل تلكَ الصفاتِ لا تصفه ولا هو يصفها
اذًا ما مصلحتهُ من الارتباطِ رسميًا بها؟
علمت أنها لن تحصل على اجابة إلا لو سألته مباشرةً، هذا وبعدَ انقطاعٍ دام لفترةٍ بينهما..أي أنها لم تحدثه أبدًا منذ وقتها
- هل لنا أن نلتقي ؟ -
من دون تحية..من دون أي رسمياتٍ دبقة
أرسلت لهُ سؤالًا تحرر منها بلا أي قيود
- اليوم؟ -
وعلى هذا النهجِ رد عليها
- لو كان بالامكان -
- حسنًا، سأكون متفرغًا بعد ساعة من الان
أرسلي لي الموقع -
راقها كيف أنهُ لم يكثر في الحديث..انه رجل عملي وموضوعي جدًا
مُختصر، وكثيرُ الاقتضاب
قد تكون صراحته مزعجة، خصوصًا لشخصٍ حساس مثلها..لكن في حالة كهذه لم تجد غيرهُ لتفضي إليه، لأنهُ بعيد..بعيد جدًا بمسافة آمنة لن تؤذيها
لكنهُ الأن وباقتراحه هذا، قد يجعل من المسافات أقصر..وفي هذا مجازفة حقيقية!
" ..ها نحنُ ذا نلتقي"
نطق متهكمًا عندما لاقاها في المنتزه، متدثرة بمعطفٍ بندقي نظرًا لبرودةِ أول أيام الخريف
استدارت إليه ثم رسمت بسمةً خافتة، وبعدما صارَ يجاورها أخذا يسيرانِ سويًا بهدوء
استغرق الأمر منها فترةً كي تتكلم..وهو قد تريثَ لأجلها
" هل أنتَ جاد؟"
توقفت عن المشي فجأةً وواجهتهُ بكامل بناها لا نظراتها فقط
" ربما أنتِ لا تعرفينني جيدًا لكنني لا أحبذُ المزاح عادةً، أنا جدي في معظم الحالات"
:همهمت ثم أردفت
" أجل ولأنني لا أعرفكَ جيدًا، وكذلك أنت لا تعرفني جيدًا ..لا أظن أنهُ قد يلائمنا شيء كالزواج"
:مرر عينيه على الأشجار ورائها ثم قال
لا تأخذي الأمر بمنحنى عاطفي"
"لأنهُ ليس كذلك أبدًا
:صفقت كمن حقق شيئًا عظيمًا قائلة
" كنتُ أعرف..كنتُ أعرف أنكَ لن تقترح الزواج إلا لو كانت لكَ مصلحة به، هيا اعترف..أخبرني ما غرضكَ من هكذا زواج"
جمعت ذراعيها تدقق في وجهه
أجبرهُ سلوكها هذا على نفخِ ضحكة، سرعانَ ما تلاشت في الفراغ
في الحقيقة..كما تعلمين، أفضل البقاء عازبًا ومتحررًا لكن لأنني لم أولد من العدم..أي أن ورائي عائلة تزعجني بين الحين والأخر، كان علي اتخاذ قرار كهذا فقط لأسكتهم قليلًا، سيكون زواج مؤقت..عندما ننفصل لاحقًا لن يحاولوا الضغطَ علي
"سيقتنعون بفكرة أنني لا أنفع لارتباطٍ من هذا النوع
فغرَ فاهها دهشةً
لم تتوقع من رجلٍ مثله، أي رجل بمثل استقلاليته الفكرية، أن يخضع لضغوطات عائلية من هذا النوع
زمت شفتيها..واحتفظت برأيها لنفسها
لكنها وفي المقابل أحبت أن تستخدمَ لهجته التهكمية في لفظِ حروفها
" كنتُ أعلم أنكَ لا تقدم على فعل شيء بلا أي سبب "
:رجعا للسير سويًا وفي أثناء ذلك قرر أن يسألها
" إذًا؟"
زفرت عميقًا ثم أطلت على موطئ قدميها
" ليس وكأن بيدي حلٌ غير هذا "
وعلى جانب طريقهم ألفت كرسيًا، ولأنها شعرت ببعض الارهاق حبذت الجلوس وكذا فعل هو المثل
:راقبَ تعابيرها فلم يكبت سؤاله
" هل أنتِ بخير؟"
:أومأت ثم قالت
"..أنا في الشهر الثاني الأن، لذا"
:شعرت بالاحراج ولم تستطع قول أنها ترغب بتعجيل الزواج لكنه فهم، ولأجل ذلك أردف سريعًا
"أعلم..لكن ينبغي علي تقديمكِ لعائلتي، لا تشعري بالقلق فهم مسالمين ولطفاء ..على الأقل أكثر مني"
جنحَ إليها وهمسَ بختام جملته مما دفعها إلى الضحك
كانت تشعر أنها ستقدم على شيء كبير..وضخمجدًا
مغامرة لا تعرف ما نتائج الخوض فيها
لكن سيهون رجل يعمل بمنطق الصفقات فقط، الاختلافات لا تعنيه كثيرًا..الفوائدُ فقط هي ما يتطلعُ إليه عادةً
ستمر الايام مرورَ الرياح، وستجدُ نفسها منفصلة عنه بلا أدنى شك؛ هذا ولأنه لن يخلي باتفاقيته معها..كما تظن وتتمنى
ستحتاجُ هذا الدعم لفترة، ولو كان دعمًا مزيفًادعمًا لا نحصلُ عليه من شخصٍ يكن لنا الحبشخص يدعمنا فقط لان في دعمه لنا غلةٌ سيحصدها
ستحرصُ على جعل المساحةِ الفاصلة بينهما رحبة
..لاينبغي عليها التفكير بالأمر كثيرًا، ليس وكأن بيدها حلٌ أخر
~
في ذلك اليوم الموعود..أي اليوم الذي حُدد فيه موعد التقائها بعائلة زوجها المستقبلي
مرت الساعاتُ مرورَ السحب، تبدو بطيئةلكن ما ان نسهو عنها نجدها قد سبحت من الشرقِ إلى الغرب..هكذا كانَ الوقتُ يدفعها إلى الجنون
كانت متوترة للغاية، وهذا قد جعلها تتأخر في انتقاء فستان انيق مناسب..وانتهى بها الأمر بلعبِ القرعة حتى تنتقي أحدهم
ارتدت فستانًا بلون العقيق، داكنبقصة بسيطة وطول يصل إلى أسفل ركبتيها بقليل فقط بينما يضمُّ انحناءات جسدها في طياته
بأكمام تصلُ إلى كوعيها، وفتحة صدر محتشمة ومزينة بـ ' بزهرةٍ ألماسية صغيرة ' تضفي مظهرًا فاخرًا رغم البساطة
أما عن شعرها فموجت أطرافه لكنها تحيرت في مسألة جمعه إلى الوراء أو تركه مفتوحًا. لم تضع مساحيق التجميل بعد..وظلت تذرع غرفتها ذهابًا وايابًا من فرطِ التوتر
شعرت بقلبها يسقط عندما سمعت جرسَ الباب، مسدت صدرها الذي يأسر قلبها الهائج ثم أطلت على الساعة
اتفقا على السابعة ..ولكنه تأخر عمدًا حتى الثامنة
وها هي ذي تبدو وكأنها تحتاجُ إلى ساعةٌ أخرى كي تجهز بشكلٍ كامل
توجهت لفتحِ الباب فوجدتهُ متدثرًا بمعطفٍ قاتم، يخفي البذلة الزرقاء التي يرتديها، بدونِ ربطةِ عنق تجعلهُ يبدو رسميًا جدًا
ابتسمت بسمةً مهزوزة ثم دعته للدخول
لم يقل حرفًا..وأخذته خطاهُ إلى الشقةِ التي وطأ أرضيتها قبلًا، يتذكر تفاصيل تلك الليلة جيدًا
..كما يتذكر مقدار الطموحُ الذي غمرهُ لحظتها
ابتسمَ هازئًا من نفسه القديمة، وعندما جلسَ حيثُ أشارت..رفعَ عينيه إليها وتأملها بامعان
في تلك اللحظة، أدركَ بأنه لا يحق له الاستهزاء بشخصه من الماضي
كان من المنطقي أن يُعجب بها
هي مذهلة، فعليًا لم يقابل أنثى بهذه الهالةِ التي تمتلكها
" هل تود أن تشربَ شيئًا؟"
سألت بصوتها المتدحرج على مطباتِ القلق
" سنشربُ لاحقًا في منزل عائلتي "
" ..حسنًا، أعطني خمس دقائق فقط لن أتأخر"
رفعَ حاجبيه مُستغربًا لكنه لم ينطق بحرف، تركها تلجُ غرفتها ثم زفرَ بضجر
." هكذا هم النساء "
~
كانا في السيارة..صامتين ويفصلُ بينهما هدوءٌ عجيب، ما قشعَ غشاوتهُ إلا سؤال سيهون الذي ارتمى في ساحةِ فراغهما
" ..صحيح لم أسألكِ عن عائلتكِ قبلًا"
كانت مستغرقة في أفكارها لذا وعندما طرحَ سؤاله شعرت كما لو أن أحدهم قد أوقظها من نومةٍ عميقة
بدت مندهشة ..لذا أدار وجهه ليرى تعابيرها ويقرأ فحواها
" لم أكن لأسألكِ عنهم إلا لأن عائلتي ستفعللذا ينبغي عليكِ أن تجهزي ردًا مناسبًا"
من حقهِ أن يعلم..هذا ما فكرت به
انفصل والداي في الماضي وذهبَ كل واحدٍ منهما في سبيله لكي يعوضَ نفسه عن المأساة العاطفية الذي عاشها. في البداية..تنازعا علي بضراوة وعندما حصلت أمي على الحضانة تذكرت أن لها حياةٌ عليها أن تعيشها، لذا تزوجت وتركتني مع خالتي التي توفي زوجها، كانت عقيم لذا لم تفكر بالزواج مرةً أخرى
تطلبَ منه الأمر فترةً من السكوتِ حتى يستوعب قصةَ حياتها
أحيانًا ينبغي عليكَ أن تتريث قليلًا قبل أن تحكم على شخصٍ من سلوكياته
تذكرَ عندما استنكرَ تمسكها بخطيبها، لكنهُ أدركَ في هذه اللحظة أن تمسكها به كانَ لأجل العاطفةِ التي لم تنعم بها وسطَ أبويها
" ماذا؟ لماذا سكت؟"
أوقفَ السيارة جانبًا وتنهد
" لا تقل لي أن عائلتكَ سترسم فكرة سيئة عني بسبب انفصال والداي؟"
أومأ دونَ النظرِ إليها، وحينها شعرت بصدرها ينقبض
:هو أعلم بعائلته ولذا كانَ صريحًا في القول
عائلتي عائلة تقليدية تهتم بالمحافظة على اجتماع الأسرة ويظنون أن ذلك سيضمن الاستقرار والحياة السعيدة لأفرادها بيدِ أن هذا غير صحيح دائمًا
ما أريدُ قوله هو أنه لا يمكنكِ رَوي هذه القصة لهم لأنهم وبكل تأكيد لن يوافقوا وسيعتقدون أنكِ لم تحصلي على التربية الجيدة وأنكِ لستِ كفوءة لتكوني ربة منزل وأم لابنائي ..تفهمين ما أقصد؟
لم تستطع التحكم بتعابير وجهها التي أصابها البهوت
شعرت باستياء شديد حد اشاحة نظرها عنه
" لا أقصدُ الاهانة أنا لا أفكر بهذه الطريقة مطلقًالذا ابتعدتُ عنهم، لأن أفكاري لا تتوافق مع أفكارهم في معظم الأحيان..لكن هذا لا يعني بأنهم سيئين، هم فقط متزمتين قليلًا"
" اذا أتريدني أن أكذب عليهم؟"
أرجعت بصرها إليه وقد لاحظَ احمرار جفونها
:ابتلعَ ريقه..ثم قال
" قولي لهم بأنهما قد سافرا معًا لأجل المكوث مع قريب لكم مريض، سيتفهون ذلك ولن يترقبوا رؤيتهما وحضورهما لحفل الزفاف "
لا تعرف لماذا لكنها شعرت برعشةٍ عندما قال' حفل الزفاف'، وكأنها نسيت أن يومًا كهذا سيجيء اذا أكملا في هذه الخطة!
سكنت ظاهريًا فقط..لكنها كانت ترتجف من الداخل
كان التوتر جليًا على سحنتها، حتى لو بذلت ما بوسعها لتبدو عكسَ ذلك
وبغتةً..شعرت بأنامله على يدها
" لو كنتِ لا ترغبين بذلك فبيدكِ الخيار"
سافرت عينيها الضائعتين ووجدت ضالتها عندَ قبلةِ وجهه
"الامر لا يتعلق برغبتي ..تعلم هذا"
" اذًا لا تفكري بشيء، ستمضي الامور بسرعةٍ عندما لا تحملينَ همها "
كانا يتبادلانِ النظرات عن قرب، وكذلكَ كانَ هو يتحدث بهدوء يُحابي نبرتها الهادئة بطبعها
" ..ليتني أكون مثلك"
سحبَ كفه من فوقِ كفيها وعادَ للقيادة
" ليس عليكِ أن تكوني مثلي، فقط ثقي بما أقوله "
ازدردت ريقها وترددت جفونها أثناء اطلاقها لزفرةٍ واهنة
لا تستطيع انكارَ أنها صارت أهدأ بكثير من ذي قبل
لمسة واحدة كانت كفيلة بتهدئةِ هوجِ مشاعرها
فكرت في كيفَ قد يكونُ ذلك ممكنًا بينما لا تشعرُ هي براحةٍ كبيرةٍ بقربه؟
قررت أن لا تفكر وأن تفعل مثل ما أملى عليها
.كل شيء سيمضي..هذا هو ما سيحدث فحسب
------------------
يسس تمكنت من نشر بارت جديد
وان شاء الله اقدر كمان بكرة
❤ يلا سلام..ولنتلقي
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top