02
كن النساء في حياته كأعقاب السجائر
يحرقهن بلوعةِ الرغبة، فيتنشقهن حتى النشوة، ثم يُلقي بهن تحتَ قدميه ليدهسَ ما تبقى منهن
..فيتحولن إلى رماد
___
..في هذه الليلة
بدت مختلفة
مختلفة جدًا في مظهرها
ذلك المظهر الروتيني الذي تُحافظ عليه لأجل عملها قد تجردت منه الليلة
لا لأجل أحدٍ غير نفسها
وقبل مجيئها الى الحانة التي غابت عنها لأسبوع، تفاديًا للقاء السيد آوه، حضرت حفلة ميلاد احدى صديقاتها
وهذا كان سببًا داعمًا لتغير من مظهرها كله
كانت ترتدي فستانًا فيه لمحة من الربيع، لكنهُ مصمم ليتلاءم مع الصيف ..الزهور الموزعة فيه تجعلهُ لطيفًا، لكن لونهُ الزاهي يجعلها تبدو شديدة الأنوثة
ربما الثقة التي استمدتها من تعليقات الفتيات قد جعلتها تبدو أبهى..وربما لأن هذا اليوم كان خاليًا من أي طاقة سلبية
!كالطاقة التي تحيطُ بها عندما تتشاجر مع يوقيوم خطيبها على سبيل المثال
تناست السيد آوه..لكنها لم تنساه
هي قررت أن لا تشد طرف حديث معه مرة ثانية
تأثيره سيء عليها، كشيطان وسواس
يبثُ في عقلها السموم ويجعلها تتداعى فوق فراشِ الواقع
استعاضت عن العلاجِ بالتعايش مع المرض
ترى أنها غير قادرة على علاجه، وتتجاهل أعراضه
!لا تود أن تتحدث معه فيذكرها به
مؤخرًا..وسرًا
أصبحت تُدخن!، لا حبًا في الدخان لكن من فرطِ الضغط الذي تشعرُ به
يقول يوقيوم أنها تترفع عنه لكنه لا يعلم مقدار الضغط الذي عانت منه خلال الفترة الفائتة
وما المصاعب التي واجهتها عندما أقبلت على العمل دون أي تحضيرات مُسبقة، عندما استلمت الادارة وعندما أصبحت مسؤولة عن كل شيء فجأة
تدربت سابقًا وكانت مجرد موظفة مساعدة لخالتها
لكن أن تحل محلها فهو أمر مختلف تمامًا
..تمنت لو أن يخفف يوقيوم عنها العبء
لكنه كان يثقل كاهلها أكثر ويقول لها أن خلاصها من الضغوط يتمحور حوله هو
اذا سلمتهُ القيادة فلن تتعرقل أبدًا
هو الرجل!، هو الأفهم
هو الأكثر تحملًا
!هو صاحب القوامة بدون حتى الرجوع إلى التفضيل بينهما
أحيانًا تجدهُ محقًا فتقودها أفكارها تلك إلى قرار توكيله أعمالها
ثم وفجأةً تتراجع، عندما تشعر أنها بهذه الطريقة ستخذل المرأة التي ناضلت لتصبح عليها
المرأة الصلدة والتي تعتمدُ على نفسها
قد تحتاجُ الى الاستناد على أحدهم، لكنها بالطبع
لن تستظل به وتجعلهُ هو يواجه قيظ النهار المشمس بدلًا عنها
وضعت خطوتين أوليتين نحو ذلك الطابق السفلي الذي تحبُّ اللجوء إليه
الطابق الخاص خفيض الاضاءة والذي يخالفُ الطابق العلوي الذي يعجُّ بالناس
وقبل نزولها درجات السلم أخرجت من قلب حقيبتها علبة أعقاب السجائر، وعندما انتشلت واحدة
التم حولها الرجال كي يحرقوا كفنَها لها
تفاجأت وارتبكت قليلًا..ومن بينِ جميعهم انتقت صاحب القداحة الذهبية
اشتعلت السيجارة بلوعة تُخالف الصمت الحالك الذي غيم فوقهما
!واقتادتها نفسها إليه عندما سارَ قبلها وكأنهُ يجرها بسلاسل خفية، مُغللة
وانتهى بها الأمر تجلس برفقته
" غريب..لم تسأل"
رفعت السيجارة لتريه مقصدها
" ولمَ قد أسأل؟ انه شيء يخصك وحدك"
قال ثم لثمَ خاصته والتي بدت ثخينة وفاخرة أكثر من خاصتها المسجاة بالأبيض
" شعرت وكأنني في فلم مالينا"
:تمتمت ساخرة من الموقف الذي وُضعت فيه قبل قليل..فرد عليها مُبررًا
" بدوت كإمرأة غاوية..ولذا اندفعَ جميعنا إليكِ هكذا"
نصبت حاجبها بدهشة
" حتى أنت؟"
" من الذي أشعل عقب الدخان في يدك؟"
" أنا مرتبطة..لا تفكر حتى بالاقتراب"
قهقه..ثم هز رأسهُ متهكمًا ولم يضف حرفًا
لثمت السيجارة بشفتيها المنقوعتين في يمٍ من القرمز ثم اتكأت بكوعها مستغرقة في أغنيتها المفضلة
- wise men say, only fool rush in..-
" أخبرني عن النساء في حياتك "
:زفرَ بعمق ثم قال
" ألا تعتقدين أن هذا يعتبر أمرًا حساسًا بعض الشيء؟"
:زمت شفتيها مستاءة واستطردت
".. آسفة..لم أقصد التدخل في حياتـ"
:بتر جملتها عندما لوح نافيًا وأضاف
" لكِ لا لي"
رمشت بذهول..ثم رفعت كتفيها كدلالةٍ على عدم اكتراثها
" لماذا قد يهمني ؟ ولماذا قد يكون الأمر حساسًا لي؟"
" لأنكِ تبدين عطوفة ..أي أنكِ من ذلك النوع الذي قد يتعاطف كثيرًا مع قصص غيره"
محق..كيف استنتج ذلك؟
ورغم هذا لن يهمني ما ستقوله"
" !هي حياتك وأنت حر
:حينها أشار على العود البني الثخين المحصور بين اصبعيه بعينيه قائلًا
" النساء في حياتي كهذه السجارة "
تنشقها بقوة ثم مج الدخانَ الذي تمايلَ كخصرِ راقصة عجرية صوبَ الأعلى..وبعدها دس الرأس المشتعل في المطفأة
تُرى هل فهمت المغزى؟
" أنت حقير"
احتد بصرها عليه حد تلاقي أهدابها سويًا
وقد بدت في أتم سخطها عليه، وفي القابل
لوى شدقه راسمًا بسمةً رذيله تُبين لها اعتزازه بما هو عليه
سرى الغضب في كل أطرافها حد شعورها بالقشعريرة، كادت تهب راحلة
لكنها بينت له منذ البداية أنها لن تهتم، لذا ألجمت غضبها ذاك ورام جسدها في محله
" سمعت أنكِ تحضّرين لمشروع جديد "
اجتذب انتباهها الذي جعلته يلتهي عنه مُرغمًا، ومررت بصرها إليه بهدوء
أيعقل أنهُ يتقسط أخبارها؟
تساءلت بصمت ورد هو على سؤالها الذي لم يلفظهُ لسانها
" أنا مواظب على متابعة أخبار السوق"
..هكذًا اذًا
تنفست الصعداء
" ..أجل ولكن"
ثم طفرت الفكرة في رأسها
هذا الرجل ..أينما وطأ ازهر
وكأنهُ مُبارك!، رغم أنه يبدو مُلعونًا
أيعقل أنهُ ملاك ساقط؟ أم أنه من ذريةِ ابليس يا تُرى؟
لا يفترض أن تهتم بهذه التفاصيل التي تخصه
!ففي عالم الاقتصاد ..أحيانا ينبغي عليكَ أن تتصافح مع الشيطان لتنجو
" أدعوكَ لعشاء عمل "
أدلت بدلوها ورفعت هاتفها في حالة تأهب لحفظ رقمه
أخفى دهشته ببراعة، وأخرج هو أيضًا هاتفه في من جيبِ سترته
.ثم تبادلا الأرقام
_
..عشاء عمل
كان عليها أن تلتزم بملابس رسمية تواكب قوانين عشاء العمل
وهكذا انتظرتهُ في المطعم قبل الموعد ببضع دقائق
!وعندما طرق العقرب الأثخن الساعة الثامنة بالضبط
رأته يتجلى
الرجل الدقيق مخيف، ذلك أن الرجل الدقيق نبيهٌ جدًا لكل ما يجري حوله
تضاءل مقدار الثقة داخلها، وترددت سرًا بين عرض المشروع عليه أو اخفائه تمامًا عنه
لكن ولأنه جاء بهذا الغرض فلم تقدر على رده خائبًا
ليست من النوع الذي يعبثُ في الناس بهذه الطريقة
راقبتهُ مذهولة..ككل واحدة قد التفَّ رأسها لا إراديًا مع مروره
وعندما جلس..جميع أعينهن قد سجدت له
!وكأنهن عبادُ الشمس
" إذًا؟"
وبعد فترة من السكون قال..فتحمحمت مُرتبكة
ثم أسفرت عن محتويات الملف الذي حضرته لأجل المشروع
مر عليه مرور سريع و دقيق في نفس الوقت
" أرى مشروعكِ مكتمل بالفعل..ما سيكون دوري في كل هذا؟"
" التمويل "
:أغلق الملف بهدوء ودفعه جانبًا ثم قال
" شركتك ناجحة، وأعتقد أنكِ قد جمعت الكثير من الأرباح التي تعيلكِ للبدء في مشروع جديد"
لم شمل أصابعه العشرة..وبدا في أتم جديته في تلك اللحظة
زفرت بعمق وخدشت السماطَ القرمزي كلون شفتيها ناكسة الرأس
" أجل ..ولكن كل أرباح العام الفائت قد ذرفتها في تسديد الديون التي علينا "
تآزف حاجبيه وجعل يعشو إليها
" !ديون"
أجل هذا ولأن خالتي قد أخذت عدة قروض قبل بدأها في أول مشروع، التزمت في الدفع إليهم مع نجاحها المستمر، لكن كما" تعلم..توفت فجاة ولذا اضطررتُ لسد تلك الثغور بسرعة، قبل أن يحدث أي انهيار مفاجئ يؤدي إلى الافلاس"
" فلترقد بسلام "
نبس ثم عم السكون بينهما
لم تشأ الالحاح عليه بل تركتهُ مستغرقًا في تفكيره الصامت
:وبعدما كان ينظرُ لبقعةْ أخرى لا تحتويها..حول بصره ببطء إليها وقال
لدي بعض الأسئلة"
"بناءً على اجاباتكِ أنا سأدرسُ الموضوع
تنفست بعمق وحماس
" اخبريني كيف كانت بداية خالتكِ في انشاء علامة تجارية لملابس داخلية نسائية"
لم يُطرح عليها هذا السؤال قبلًا!..ولا حتى من قبل الصحفيين الحاضرين في المؤتمر الذي أُقيم بمناسبة استلامها لمنصب الادارة
كانت تعلم الاجابة ولذا لم تأخذ قتًا طويلًا قبل مده بها
" كانت خالتي تعمل في مشغل قبل كل هذا
'لم تطمح لأن تنشأ علامة خاصة بها أبدًا لكن خطرت في بالها هذه الفكرة بسبب شيء واحد..وكما يقولون ' الحاجة أم الاختراع
كان لخالتي بشرة حساسة ولذا لم يكن من السهل عليها ايجاد القطع التي تناسبُها في السوق، أعني القطع المصنوعة من نسيج قطني وممتاز لا يؤذي البشرة. كما تعلم مؤخرًا لقد انتشر الغش التجاري في كل مكان، ولذا فكرت بنسج قطع خاصة من أقمشة مستوردة لتبيعها في السوق ثم تضخم هذا المشروع أكثر حتى صار ماهو عليه كما ترى الأن"
لم ترى في وجهه أي تعابير مختلفة
كما لو أن كل ما قالتهُ لا يعنيه بشيء
اذا ما غرضه من السؤال يا تُرى؟
أسهب النظر إليها بطريقةٍ أرعشتها، ولكنها أخفت أثار رعشتها ببراعة عنه
" إذًا ماذا عنك؟ ماذا كان دوركِ في كل هذا؟"
رغم أنهُ يعرف الاجابة لكنهُ حبذ سماعها تنطلق من فاهها
" كنت مجرد متدربة ثم أصبحت موظفة مساعدة لها في ادارة الشركة ولذا كنتُ أول مرشحة لاستلام المنصب من بعد وفاتها "
" أرى ذلك "
علق باقتضاب ثم ارتشف من كأسه
وأثناء ذلك ظلت هي تقضم شفتها من فرطِ التوتر
هو حتى الأن لم يدلي بجوابه
مشروع طرح القطع الجديدة من تصميمها في الاسواق لن ينجح أبدًا من دون الممول
هي وبعد كل المجهود الذي بذلته في انتاج قطع جديدة، اكتشفت أن المال الذي اختزنته لن يكفي لتوزيع البضاعة الجديدة في المتاجر
!وبغتة طرح سؤالًا لم تتوقعه أبدًا منه
" هل تلبسينها؟"
تحيرت من سبب طرحه لهكذا سؤال
:وكل ما باحَ به لسانها العاجز كان
" عفوًا؟"
:أشار بسبابته عليها مُكررًا
" هل تقومين بارتداء ما تنتجه شركة ' ' أم لا؟"
"! ..واو يا له من سؤال "
جمجمت بضع شتائم ثم ارتشفت من كوب الماء كي ترطب حلقها
بلا أفعل..أنا أيضًا امتلك بشرة حساسة"
وهذا ما جعلني شغوفة في العمل معها..لكن
"أنا حتمًا لا أفهم سبب طرحك لهذا السؤال؟
لم تستطع كبح حيرتها أكثر
:فرد بعدما جلس باعتدال
" فقط أردتُ التأكد من جودة انتاجكم
لا أود المشاركة في مشروع قد يفشل يومًا ما بسبب سوء الجودة أو شيء من هذا القبيل، لذا سألتكِ إن كنتِ تستخدمين منتجات شركتك
"لكن مازلتُ غير واثق تمامًا لذا أود الاطلاع على تفاصيل عملكم بعيني
..فغر فاهها بذهول
هل يقوم هذا الرجل بالتشكيك بها؟
بدأت تسخّم عليه
وكادت في لحظة أن تفض كل شيء راحلة
لكنها بطبعها غير متسرعة لذا استأذنه لتذهب إلى دورة المياه
وعندما واجهت نفسها أمام المرآة ظلت تفكر
ان قررت الانسحاب فوحدها من سيندم
هو لن يخسر أي شيء
رجل مثله يعتبر غنيمة كبيرة، لكنه في المقابل يجعلك تبدو ذليلًا مقارنةً به
تُرى هل تنصت لصوتِ كبريائها
.أم تسلك كل الطرق التي قد تجعلهُ يؤمن بنجاح مشروعها؟
~
.❤ولنلتقي
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top