31- جرائم شَاعرية
_____
!معاملتكَ للناسِ تعكسُ شخصك..وحقيقتك
دائمًا ما يقولون هذه الجملة، بيد أن الكثيرَ بارعٌ في النفاق..والكثير أيضًا يحترفونَ فن المراءاة، وهنالك من يتخذونَ من التملق نهجًا في سلوكهم..وكل هذا لأجل مآربهم الخاصة
لكن وفي المقابل، هنالك من يعاملون الناس كما يحبون أن يُعاملو
لكن ماذا عن الذين يعاملونَ غيرهم دائمًا بالحسنى فلا يتلقونَ إلا الاساءة بالمقابل ؟
بقدرِ ما أهدته من جميل شخصها أهداها هو من أسوء مافيه، وقد استهلكت الخيباتُ القديمة صبرها، والأحزانَ الحديثة طمأنينةَ صدرها
وكل تلكَ الأحداث التي عاشتها كان لها دورٌ في صناعةِ هذه الشخصية التي قابلت سيهون بها، والتي ستقابل بها كل من يؤذي مشاعرها لا مباليًا بما قد ينتجُ عن آذيته تلكَ داخلها
ولكن بالطبع، هناك من يستحقون أن تبقى لطيفةً معهم كما كانت وكما دائمًا ستكون
" صباح الخيررئيستي "
صبَّحت على ليا قبل دخولها إلى مكتبها، فردت عليها الأخرى بوجهٍ مبتهج زادت بشاشته لدى ملاحظتها للهالةِ الطاغية التى تحفُّ مديرتها
أول ما فعلته مينا بعدَ ولوجها هو التوجه للنافذة، لتلقي نظرةً على تلك السماء والتي يُمكن أن تتلبد في أي لحظةٍ فهم على أواخر الخريف
تُذكرها تلك السماء بحياتها وكيفَ تتلبدُ دائمًا بالمشاكل
وأنه في كل مرةٍ لا تنقشع تلكَ الغيومَ إلا عندما تتصرف هي، وتغير قدرها بيدها بدلًا عن الاعتمادِ على أحدهم
..التغير يبدءُ من الداخل
ان أرادت من حياتها أن تتغير فعليها أن تفعل هي ذلك وأن لا تنتظر من الحياةِ أن لا تجنف بحقها
ارتمت على الكرسي متعبة من كل الفوضى التي عجت في رأسها، والتي قررت ازالتها جميعًا من خلال شراء راحة بالها، ولو كلفتها ثمنًا باهظًا من المشاعر
أغلقت عينيها في لحظةِ سلامٍ داخلي، راضية بكل التحولات التي تخضع لها، والتي ستجعلها تؤدي عملها بجدٍ داخلها
متذكرةً عينا سيهون المفتونة بالمرأة التي عاشرته، متذكرةً كيفَ أنها صدمته باختلافها الجذري، توصلُ لهُ رسالةً قوية اللغة
ليدركَ أنها لن تُسامحه على عبثه فيها، وأن تلكَ المرأة التي أغوته..أغوته فقط لأنها أرادت ذلك ولا علاقةَ لمشاعرها بكل ما قالته أو فعلته، كل كلماتها المعسولةَ ونظراتها المبعوثةَ إليه كانت توديعًا لأخر ما تبقى من المرأةِ التي حبلت بمشاعرَ حمقاء نحوه داخله، والتي اجهضتها على فراشِ الوداع، فيما تقبلهُ بحرارةٍ لأنها لا تنوي صنع أي لقاءٍ معه لاحقًا
تَختم القصة ..بنهايةٍ هي تضعها لا هو
!والغريبُ بأنه صدق، هو الرجل الذي لا يُخدع بسهولة
كيف بدا متهللًا يترقبُ منها الود والاحسان، فيما تبرق عينيه بالفتنة جراء ما خاضه معها ليلة أمس
! هو حتى قد صبَّح عليها كما لم يفعل من قبل
عندما تتذكر تعابير وجهه بعدَ اقبالها بشخصها الجديد عليه، تضحكُ متهكمة، ثم يوخزها شعور الذنب ..فهي لا تحب ادغامَ الألم في قلوب الناس
ولكن السؤال هو، هل يتألم رجل كسيهون؟ هل يؤلمه أن ترمي بهِ امرأة بالمقابل كما فعل بها؟
ستؤلمه كرامته لا غير، وكبريائه الشامخ
لكن قلبه لن يتأذى بشيء، هذه الفكرة وحدها تجعلها تصد شعور الذنب عن التوغل بداخلها
ثم قررت أن تنفضَ رأسها من الأفكار، لتشغلَ نفسها بالعمل الذي اشتاقت له بشدة..واشتاقت لكيف تكون هي عندما تزاوله بشغف
كيف للحزنِ أن يُفقدنا الشغف هكذا؟
الحزنُ يجلب اليأس، واليأس يدفنُ الشغف تحت الثرى
ليس عليها أن لا تحزن، وأن تنسى فقديها ..لكن عليها أن لا تيأس وهذا ما يجعلنا جميعًا نستمر في الحياة
.وصولها إلى تلك القناعة الداخلية.. هو الذي سيدعمها للاستمرار والمقاومة
__________
!كانَ هو..المزهو بنفسه آوه سيهون
جالسًا وراء طاولته بينما يُشابك أصابعه العشرة، يكتمُ بها ثغره ويتكأ بكوعيه على الطاولة، مُسهبًا النظرَ في بعدِ أفكارهِ المتلاطمة كما الموجُ في البحرِ المسجور
بينما يجلسُ الاثنين، مارك والمحامي الذي طلبه سيهون على عجل، متقابلين.. ينتظرانِ منه لحظة شروعهِ في الحديث..وقد مضى وقتٌ وهما على حالة الانتظار هذه، حتى نال منهما العجب
:وجه المحامي نظراته المُستغربة لمارك، والذي كان بدوره محتارًا من أمر صديقه، ولذا قرر المبادرة بالقول
" سيد آوه..المحامي هنا ينتظر منكَ أن تخبره عن ما ترغب بتوكيله به "
أفاقَ سيهون من غياهبِ فكره ليصلحَ جلسته ويوجه نظراته الصامتة إلى المحامي
" من فضلكَ سيد آوه فلدي مواعيدٌ أخرى أنا ملزومٌ بها "
لم يرد بشيء مباشرةً، كأن الكلم عالقٌ في حنجرته يأبى الخروج
هناك ما يمنعهُ من الادلاء بما لديه اليوم، عكسَ اليوم السابق ..كان مستعدًا لأن يبدأ في اجراءات الطلاق بشكل سريع كي ينتهي من أمر علاقته بتلك المرأة
والتي بشكلٍ ما قد جعلت الأحداث تتغير بأفعالها الأخيرة
الجرائمُ الشاعرية التي قامت بها في سريره، تستجلبُ عاطفةً منه فلا يقدر على ردها..جاءتهُ بأسلوبٍ ناعم يهزمُ عتادَ ذكورته
فلبى نداءَ عاطفتها برحابةِ صدر، ظانًا أنُه لن يناله شيء من تلك العاطفة..وكأنهُ سيبذرها في الأرجاء فقط، وكأن داخله ليس له أي علاقةٍ بما يحدث حوله
كل اعتقاداته تلكَ تصادمت مع الطريقة التي قابلته بها هذا الصباح
لماذا عليه أن يهتم؟ لماذا عليه أن يتضايق هذا الحد وأن لا يتجاهل سلوكها الذي يراهُ بغيضًا فحسب؟
لماذا عليه أن يستنكرَ وأن يستعجبَ طوال الوقت؟
لماذا يشعر برغبةٍ شديدة في فتح حوارٍ جدي معها، يجبرها فيه على الاعتراف بأنها تدعي و تكذب فقط لأجل الحفاظ على كرامتها لا غير؟ يود الحصول على التأكيد منها، لكونها قد وقعت لهُ ليلة أمس، وستقعُ له في كلٍ يقترب منها على هذا النحو، وأنها ستطيرُ فرحةً لو تراجع عن قرار طلاقه منها
لا يجدُ منطقيةً في جفائها هذا..والذي كرهه بشدة
وأرادَ أن يعاقبها عليه
تُرى هل يلغي قرار طلاقه، فيردها لهُ خاضعة..ثم يذيقها من ذاتِ كأس التخلي ولكن على طريقته هو هذه المرة؟
!يدللها حبًا وعاطفة، ثم يشردها منه في شوارعِ الغفلة بورقة طلاق مفاجئة
هذه الفكرةُ الشيطانية تستمر في التقافز داخل عقله، فتحثهُ على الانصياع لها، حتى انصاع
استمحيكَ عذرًا سيد كيم لأنني قد طلبكَ للمجيء بينما أنا مترددٌ في طلب الخدمةِ المعنية منك، لكنني للتو كنتُ قد اتخذت قراري بالفعل..ولأجل هذا أخبرك أنهُ بوسعكَ المغادرة، ولا تقلق بشأنِ أجرك فسوف يصلكَ على حسابك
لم يهتم المحامي كثيرًا بشأن الوقت الذي ضاعَ سُدى ما دام المال سيُسكبُ في جيوبه لاحقًا
أومأ متفهمًا ثم وقفَ كليهما يتصافحان سويًا، بعدها صافحَ المحامي مارك والذي لم يستطع اخفاء تعابير الدهشةِ الكاسحة لوجهه
وبعدما غادر المحامي قرر استلام رئيسه في العمل متحدثًا بكل جدية
ألا تنوي اخباري بما يجول في عقلك؟ حتى الأن لا أعلم ما سبب طلبكَ لهذا المحامي "
"!..ولازلت لا تود اخباري بأي شيء حتى هذه اللحظة
لاحظَ كيف أن سيهون يعودُ لعمله بكل بساطة، يرسمُ بسمةً خافتة على شفتيه مما غاظه زيادة
حسنًا، كما تريدُ سيد آوه"
"ان كانت صداقتنا لا تهمكَ فلا يوجد داعي لأن أسألك مرةً أخرى
قالَ يضعُ لنفسه حدًا بالتدخل في شؤون حياةِ سيهون، ويضع كذلك حاجزًا سيعيقُ من عفوية مرور الأحاديث بينهما..وكل تلك الأسرار التي لطالما أفضى مارك بها إلى سيهون
فاستدارَ بغية الخروج وكلهُ احباطٌ وغضب، لكن نداءَ صديقه له قد أوقفه تمامًا عن الخروج
تمهل يا رجل، سأخبرك بكل شيء"
"لكن احجز لنا طاولةً في مطعمٍ على ذوقكَ أولًا
ارتسمت ابتسامةٌ على شفتي مارك قبل استدارته ليقابل سيهون
" !ولكن على حسابك"
" لطالما كنا نتناول وجبتنا على حسابي"
.أضاف متهكمًا ..فضحكَ مارك ضحكته المرحة مستبشرًا بالأحاديث التي تنتظرهما
_
ظل صامتًا يتفرسُ وجه صديقه وهو مدهوش، يحاول التأكدَ من كونه جاد بكل حرفٍ قد أدلى به
وهو على علمٍ بكون صديقه لا يملكُ خصلةَ المزاح مثله
كان سيهون يتناول من صحنه بكل أريحية، بعدما أسفر عن كل تلك الأفكار التي تعبئ رأسه لمارك
:وعندما لاحظَ نظراته المتحيرة صوبهُ بالشوكةِ قائلًا
" وأنت لن تخبرها بأي شيء..ولا سانا صديقتها المعتوهة تلك، هل تفهم؟ "
قلبَ مارك عينيه يبعدُ نفسه عن الطاولة اثر انقطاعِ شهيته من الطعام
لا أصدق أنكَ تنوي فعل هذا بالسيدة آوه، بربك"
"انها امرأة رائعة..سيهون ستندم لو خسرتها !، ان لم تكن تحبها فاتركها وشأنها ولا تعبث بقلبها
:كتمَ الأخر ضحكته المتهكمة وراء قبضته ليقول بعدها
هي التي عبثت معي أولًا..كان اتفاقنا واضحًا من البداية"
" !ان ارادت تجاوز الحدود فأنا سوف أريها المعنى الصحيح لتجاوز الحدود
" لن أعاونكَ في أي شيء من هذا"
" !لا أطلبُ عونك انا فقط أخبركَ حتى تتوقف عن التحرشِ بي طوال الوقت"
ابتلعَ مارك ريقه وأخذَ ينظر إلى جهةٍ أخرى بصمت
" ماذا؟ ألن تأكل؟"
" كلا لم أعد امتلكُ شهيةً للأكل"
" كم أنتَ شاعري وحساس سيد مارك "
لأول مرةٍ يشعر مارك بأنهُ لا يعرف صديقه الذي يمكث أمامه، صحيح بأن سيهون ليسَ شخصًا لطيفًا بصورةٍ عامة، ورداتُ فعله دائمًا ما تكونُ قاسية، لكنه هذه المرة لا يقسو عليها فقط..انما هو يؤذيها متعمدًا
وهذا الشيء لم يألفهُ من صديقه
استنكرَ كثيرًا خوضَ سيهون هذا النوع من الحروبِ التي يُفترض به أن يترفع عنها، فمن يعبث بهذه الطريقة يكونُ تافهًا في معظم الأحيان
وهذا لا يليق به
.اما عليه أن يتوقف، واما فسيخسرُ منزلتهُ السامية في عيني صديقه، هذا وإن لم يخسر صداقته معه للأبد
___________
أحيانًا عندما نخطط لشيء..يتآمر الكون من حولنا ليدعمنا في خطتنا تلك، ولكن هذا لا يعني بأنهُ سيدعمَ نجاحها كذلك
ربما يدعمُ سيرها، ويمهدَ له الطرقَ تمهيدًا كي يمشي بسهولةٍ قاصدًا الهدف، لكن ليس من الضروري أنهُ سيقفُ على نهايةِ الطريق يشرعُ ذراعيه استقبالًا لك
ولذا على سيهون أن لا يغتر كثيرًا بنفسه
وأن لا يفرحَ كثيرًا بالفرصةِ التي أهداها له القدر كي يستغلها، فلربما لم يهديها له لأجل استغلالها بهذه الطريقة
!ربما رغبَ القدر بحثهِ على اصلاحِ الأمور، لا مشابكتها زيادة
تلقى مكالمةً من والدته تخبره فيها بأنهُ عليه المجيء هو وزوجته لأجل حضور المناسبة العائلية الخاصة، والتي سيجتمعُ فيها كل من أقربائه الموجودين هنا والذين ينتسبونَ للقبِ جده
في هذه المناسبة، تحتفي العائلة بجدهم والذي كانَ ضمن البواسل المحاربينَ لأجل الدفاع عن أرضهم، فخورينَ بانجازاته الكثيرة، يعلقون صورته القديمة عديمة الألوانِ على جدارهم، مع بندقيته العتيقة
وبما أن المناسبة تلك توافقُ اجازةُ الأسبوع، سيوجب ذلك عليه البياتُ في منزل عائلته، ولكن ماذا ان كانت هي برفقته؟
..ستكون تلك فرصة مناسبة لايقاعها في شراكه
رجع إلى البيت قبلَ حلول المغيب متوقعًا وجودها، حيثُ أنها أخبرته مسبقًا بكونها سترجع لتوضيب باقي أغراضي
وأجل، ان القدر يآزرهُ بطريقةٍ يتعجب لها هو نفسه
عندما وجدها في الغرفةِ تكملُ توضيبُ أغراضها، تاركةً الباب مواربًا كما في الصباح
أما بالنسبةِ لها هي، فقد كانَ يومها مزحومًا بالأعمال..لكنها أجبرت نفسها على القدوم لتجمعَ أخر بقاياها من هنا بأسرع ما يمكن
لا تود حتى رؤيته ولو بالصدفة مرةً أخرى
وهي قد تحدثت مع والدتها بشأن غيابها ليلة أمس، موضحةً أنها كانت تنهي المسألة بينهما في نقاشٍ محتدم، آل إلى قرارها الحتمي بالانفصال عنه
هذا ما أحبت اخبار والدتها به والتي لم تصدقها كثيرًا، لكنها تفهمت عدم رغبتها برويِ تفاصيل ما جرى بينهما
هي بالغة وعاقلة كفاية لتعلم ما الأجدر بمصلحتها، لكن ان رغبت بأخذ مشورة أمها فهي لن تقصرَ بكل تأكيدٍ في مدها بالنصائح مستعينةً بخبراتها الحياتية
أما عن سانا فلم تُطلعها على أخر الأخبار، لا تود جعلها تنشغل بمشاكلها أكثر بعد الأن
ستخبرها لاحقًا فقط عندما يحصل الطلاق بينهما، أي عندما تنتهي علاقتهما بشكلٍ كامل
في تلك الحين فقط ستفصحُ لها عن كل شيء..سيكون من المريحِ اخبارها بالمعضلةِ بعدَ حلها أليس كذلك؟
" ..مينا"
تجاهلت كليًا صوتَ خطواته التي تتجهُ إلى الغرفة، وقد سمعت بالفعل صوتَ الباب عندَ لحظة دخوله للمنزل
ربما توترت قليلًا..لكنها لم تبالي أبدًا
نده عليها فقررت عدم تجاهله كالصباح والالتفات إليه لترى ما الكلامَ المتبقي الذي جاء ليختمَ به علاقتهما
" أجل؟ ماذا ؟"
تقدمَ نحوها متغاضيًا عن أسلوبها الذي يستفزه ويحثه على اظهارِ جانبٍ لن يروقها منه، لكنه لا يود تسعيرَ النار بينهما بل يود من نارها هي أن تخمد وتنطفئ بشكل كامل، فتبردُ ثم ترتمي إليه بغيةَ الاصطلاء به
" امي اتصلت بي اليوم واخبرتني عن ضرورية حضوري لمناسبةٍ تخص عائلتنا هذا السبت "
:تنفست بعمق تغلقُ عينيها ثم تفتحهما ثانيةً
" واذًا؟"
صمتَ قليلًا شاردًا في نبرتها وزفرتها الرخيمة
:ثم وَعى من شروده ليُكمل
سيكون عليكِ القدوم معي كزوجةٍ لي، هناك العديد من الأقارب الذين سيحضرون ولا أستطيع مفاجأتهم بطلاقتها في مناسبةٍ مهمة كهذه، لذا..أتمنى بأن تتفهمي الأمر وأن توافقي على المجيء معي
بالتأكيد لم تروقها الفكرة بمجملها لكنها لم تسارع بالرد، وفضلت اشاحة بصرها عنه لأن منظره لم يعد محببًا كثيرًا لها
انزعجَ كثيرًا من سلوكها هذا مما دفعه للجلوسِ بجانبها كي تراهُ رغمًا عنها
وأجل، تقابلت أعينهما في قربٍ حينها، سَها هو في عينيها المترعتين بالبريق الباهر، في حينَ أخذت هي تتعمق بالنظر في داكنتيه المبهمتين تمامًا بالنسبةِ إليها
تشعر أن بداخله العديد من الافكار التي تجهلُها، وربما تهابها!..لكن أكثر ما أقلقها في تلك اللحظة، هو أن يقدرَ على القاءِ سحره عليها وجعلِ جمودها يتشقق، فيخرج من ورائهِ لينٌ ورقة لا يستحقها
ماذا؟ أيعقل بأنكِ سترفضين؟"
"لقد تعاملتُ مع كل أصدقائكِ وعائلتكِ أمثل دوري باتقان، ألا يفترضُ بكِ رد الجميل لي؟
يتحدث بهدوءٍ يستعطفُها من خلاله، مع ارخاءِ حاجبيه وتخفيف وطئ نظراته لتكونَ كوهجٍ خافتٍ لا يمكن أن تخشاهُ أبدًا
ازدردت ريقها وجعلت تعبثُ بأصابعها
!لاحظَ ايماءاتها تلك بعناية ليرَى مدى تأثيره عليها، ويحسب نجاحَ خطته بنسبٍ عالية
" سأرد لك كل جمائلك لا تقلق "
تساءل بحيرةٍ عما تقصده بردها هذا
" عفوًا؟"
" ستفهمني لاحقًا "
عكر حاجبيه وجنحَ إليها أكثر
" كلا..أخبريني بما تعنيه الأن "
توترت كثيرًا وانزاحت تتركُ مسافةً ملحوظةً بينهما
رغب بشتمها على ما فعلته من فرطِ الغضب الذي شعرَ به جراء فعلتها
أعني أنني سأرد لك كل قرشٍ قد دفعته لأجل اصلاحِ أعطاب شركتي، والتي أعترف بأنكَ قمت بمجهودٍ مذهل في جعلها تنجو من الموت، كما أنقذتني قبلًا
ارتجفت جفونه عاجزًا عن تفسير مقصدها من كل هذا
فيما يسعى هو لاعادةِ تعليقها به كما السابق بل وأسوأ كي يجعلها تسقطُ سقوطًا مؤلمًا لاحقًا، هي تسعى لرد كل الديونِ التي عليها لهُ كي تستريحَ وتخرجه بشكلٍ كامل من حياتها، حتى مشاعر الامتنان تلك لا تود ابقاءَ أي ذرةٍ منها داخلها
" كيف ستدفعينها ؟"
سأبيع شقتي..وأيضًا لدي ممتلكاتٌ أخرى سأبيعها ومن خلالها سأحصل على المال الكافي، أفضل كذلك لو أن نُنهي صفقتنا في العمل..وسأتولى أنا ادارة مشروعي بأكمله وحدي هذه المرة
..اشاح ببصره عنها يضم أصابع قبضته بقهر
كيف أنها تتحدث بهدوءٍ مستفز لكنها توقدُ فيه نيرانًا قد لا تنطفئ إلا بعدَ حرقها بها
" !كفى مينا "
:صاحَ فجأة لترتعش منكمشة، ردة فعلها تلك قد استفزته أكثر فأكثر قائلًا
" لم أقدم كل هذا لأجل أن تعيديه إلي، لن أقبل بأي شيء منكِ هل تفهمينني ؟"
" لم أطلب رأيك، أنا سأفعل لأن هذا ما سيرضيني"
شعر بأنه سيجن حد أنه قام بخلخلةِ أصابعه في خصلاته الدهماء، وقد أثار قلقها بسلوكه هذا..مما جعلها تقف وترجع للوراء تحتمي بالجدار وراءها
رمقها مستنكرًا ..ثم وقف وجعل يقترب أكثر، كادت حينها تحفرُ نفسها بداخل الجدار لكنها تماسكت وثبتت نظراتها الحادة عليه
اقترب هو أكثر ودنى حد اعتراك انفاسهما، يمرر بصره في وجهها الحسن..والذي يُزداد حسنًا كلما تأمله عن قرب
" هل تخافينني؟"
" أبدًا"
" اذا لماذا تتراجعين للوراء هكذا؟"
" اسأل نفسك..انظر إلى كيف ترمقي أنتَ بعيونك"
" !أرمقكِ لأنكِ تثيرين جنوني "
هل اعترف للتو أنها فلحت بجعله يتخبطُ بداخله؟
سيهون من فضلك لا أود التشاجر معك، أنا سأذهب برفقتك وادعي أمام عائلتكَ انني لا زلتُ زوجةً لك، لكن لذلك اليوم فقط..من بعدهِ لن أقدر على الادعاء أمام أي شخص، تفهم رغبتي لهذه المرة فقط
وايضًا ليس علينا الجدال أكثر، لاشيء لنتجادل به ..لاشيء يجمعنا فعليًا كي تحدث هذه الحوارات العقيمة بيننا
ظل ساكتًا ينصتُ إلى صوتها المعبأ بالزعل، يتأرجحُ في ثباته وكأنها توشكُ على البكاء لكنها تتماسكُ بقوة
ابعدته بدفعةٍ من كفها لتعودَ إلى حقيبتها التي أغلقتها فلم يعد هناك المزيد لتوضبه، لقد انتهت تقريبًا، لم يتبقى إلا مشاعرها المبعثرة هنا وهناكَ في الأركان
" ..انتظري"
التفَّت لتراه يتنفس بصورةٍ غير منتظمة
!ما كانَ استياءه هذا الحد ضمن تخطيطها، وهي لا تنوي تمديدَ أي تحدٍ بينهما
لم تقل أي كلمة لتنفخَ ناره، أو لتجعلهُ يشعر بشعورٍ مماثل لشعورها
فقط قالت الحقيقة، رضاها هو كل ما تسعى إليه
وان كان رضاها يُضادد رضاه هو فهذه تعتبر مشكلةٌ تخصه وحده، وعليه التعامل معها بنفسه
" ماذا؟"
اقترب أكثر ثم أمسكَ بمعصمها بحركةٍ مفاجئة، جعلتها تتسمر في محلها
ابقي..ليس عليكِ الذهاب اليوم"
"بإمكانكِ البقاء حتى نتطلق رسميًا
:تنهدت تسحبُ يدها منه مردفة
" شكرًا لك..لكنني لا أريدُ البقاء أكثر"
" لماذا؟"
وهل يسأل حتى؟
تفهم رغبتي سيد آوه، شكرًا لك على كل شيء
وداعًا الأن
قالت ثم جرت حقيبتها بغية الرحيل
وهذه المرة لم يقدر على ايقافها
بقدرِ ما أحس بالاستياء منها، أحس برغبةٍ شديدة في تحقيق مراده..والاكمال ساعيًا في رؤيتها ترتد إليه خائبة صاغرة، ثم سيريها لاحقًا معنى الادبار الحقيقي
كم سيكون الأمر مؤلمًا لها؟
.!كلما فكر بالأمر شُفي غليله أكثر، لكنه لن يُشفى تمامًا الا حينما يضربُ الكرة في مرمى التحقيق
_________________
سيهون ليتك تهجد شوي وتترك البنت بحالها
.❤يلا سلام..ولنلقتي
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top