Chapter°38°
•••••
هل تعلمون ذلك الشعور، عِندما يتوقفُ الوقتُ لجُزءٍ من الثانية و تختفي حاسة السمعِ بل تتوقفُ جميعُ الحواس عن العمل؟
حتى قلبُكَ ينضغِطُ بشدة و كأن أحدهمُ يقوم بدفعِه للخلفِ حتى يوقِفهُ عن النبض!
تقعُ بموقفٍ لا تعلمُ كيفَ تتصرفُ أو تُعبّر أو حتى تُدافِع عن نفسِكَ به.
شعورٌ بشِع أليس كذلك؟
هذا ما شعرت بِه ميلين بالفعل، حلقُها جفّ لِلحظة و شعرت و كأن رُكبتيها لم تعد قادرة على حملِها، لم تركز بنظرِها على أحدِهم غير والِدها المُنصدم و يده المرفوعة نحوها و التي يُمسكها ييشينغ.
"كـ..كيف دخلتَ إلى هُنا؟"
أنزل والدها يده ليُرتبَ الآخر سُترته التي إرتداها قبل نزولِه، حدقت ميلين بييشينغ و من شدة الصدمة فور ظهورِه عيناها قد لمعت ببعض الدموع.
"لا يهمُ كيفَ دخلتُ إلى هنا لأنك تعلمُ جيداً أن المكان الذي ندخُل منه هو الباب، لكن ما يهم الآن أنني أرى أنك تقوم بتعنيفِ إبنتِكَ رغم أننا تحدثنا سابِقاً"
أكمل كلامه رافِعاً حاجبه الأيسر لتحدق والدة ميلين بالساعة، و عندما وجدتها الخامسة قامت بإضافة ساعتينِ لها دون أن يلاحِظ أحدهم رغم أن الموقِفُ محرِجٌ بالفعل!
"كيف لك أن تدخُل لمنزلي بهذا الوقتِ و تحدثني بهذه الطريقة يا سيد؟"
أردف الآخر بإنفعالٍ متجاهِلاً كلامَ ييشينغ لتلمح ميلين وجهه و ملامِحَ الغضب الذي سيطرتْ عليه.
لكنه كان يحاول أن يظل هادِئاً.
"أنتَ قُلتَها، أنا سيّد، و الأسيادُ يتصرفونَ بنُبل!"
"عزيزي إنها السابعة صباحاً دعها ستتأخر عن تدريبِها لا نريدُ مشاكِلَ مع رئيسِها"
إستمر ييشينغ بعملِ تواصُلٍ بصري مع والِد ميلين الذي كانت تعتلي ملامِحَ وجههِ الدهشة و الغضب و الاستغراب!
"عن أي صباحٍ تتحدثين كيف يدخُل لمنزلي دونَ إذني و يُسمي نفسهُ نبيلاً فوقَ كل هذا!"
"أنا من أدخلته!"
تقدمت ميلين بعد أن أردفت بصوتٍ مُرتفعٍ حتى تجذِبَ إنتباه والِدها الثاىِر لينظر لها بصدمة
"الرئيسُ كان يريد رؤية تعاملِ عائلتي معي لأنني كنت متوترة هذه الفترة بسبب مشاكِلكم، لكنه لم يرى سوى السواد! هل أنتَ مُرتاحُ البالِ الآن؟ أ-كل ما تحبُّه هو إفسادُ مزاجي حتى تكونَ سعيدا؟ هل عليكَ التدخل حتى في حياتي المهنية و أشيائي الخاصة؟ تفضّل إذاً! حاوِل منعي من الخروج من هذا المنزل لأنني لن أذهبَ لأي مكان بعد اليوم!"
وضعت تلك البطاقة بيدِه ليحدق بها ييشينغ، صحيحٌ أنها كذِبت حتى تُنقِدَ موقِفها لكن دموعها تِلك كانت صادقة، هي كانت تبدو حزينة بالفعل منه و من والدها.
لم يكن عليه التدخل بذلك الموقفِ حتى لو قامَ والدها بضربِها، هو تمنى لو أنها تنظر له حتى و لو لمحة بسيطة لكنها مرت من جانبه بسرعة واضعة ذراعها على عينيها حتى لا يراها تبكي.
صعدت نحو غرفتها بسرعة لتغلق الباب بقوة و تجلس هناك على الأرضِ تأخد أنفاسها التي تسارعت مُطالبة في البكاء.
أنزلَ والدها رأسهُ للأسفلِ دون أن يقول شيئاً لتتنهد زوجته و تنظر نحو ييشينغ بحُزن ثم أردفت بنبرة حرِجة.
"آسفة لأنكَ جِئتَ بوقتٍ كهذا بُني"
"سيد هوانغ، أتمنى أن تُحسّن تصرُّفاتِكَ مع إبنتِك، أنتَ تُدمّرها يوماً بعد يوم و أنا لن أصمُتَ عن شيئ كهذا!"
أردف مُتجاهِلاً كلامَ والِدتها ليجلس الآخر عاقداً حاجبيهِ و هو حتى لم ينظُر له ليردف
"إبنتي حتى لا تسمعُ لكلامي و ترفضُ كل شيئ أقوله، و أنا لن أتراجعَ عن قراراتي"
زفرت والدة ميلين الهواء بسخطٍ لتردف بنبرة هادئة و هي تتوجه نحو ييشينغ
"بُني، آسفة لكن أرجوكَ عُد بوقتٍ لاحق!"
طرَف بعينِه ناحيتها ليضم قبضته و يستديرَ ليذهب..
توقف أمام السلالِم مُحدّقاً بالأعلى، هو يريد رؤيتها و إحتضانها بشدة لذا لم يتردد في الصعود و الوقوفِ أمام الباب.
"ميلين أنتِ بخير؟"
أردف بهدوء واضِعاً يده على الباب و الأخرى على المِقبض مُحاوِلاً فتحهُ لكنه كان مُغلقاً.
لكنّها لا تُجيب..و لا تريد فتحَ الباب و لا التحدّث أو التحرُّك.
لمَ عليها أن تحزنَ بعد كل سعادةٍ تمرُّ بِها؟ ألا يمكنها الإبتسامُ للأبدِ دون أن تكونَ خائفة مِما قد يحصل بعدَ إبتسامِها؟
إستمرّ بندائها بهدوء و طرقِ الباب لتردف بصوتٍ خافِت
"أريدُ البقاءَ لوحدي"
"دعيني أظلُّ إلى جانبكِ إذاً"
أجابها على الفورِ لكنها أردفت بإنفعال
"هل أتحدثُ بالألغاز؟ قلتُ أريد البقاء لوحدي!"
"حسناً سأذهبُ الآن، لكنني سأعودُ بالمساءِ لنتحدث!"
أغمضت عينيها لتغطيَ رأسها متجاهلة كلامه، هي قررت أن لا تخرجَ من هذا المنزل و لن تذهبَ للدراسة أو المشفى مُجدداً حتى يجد والدها حلاّ آخر معها!
..
"ميلين لا تريد التحدث لأحدهم يا إبنتي، هي أقسمت على أن لا تخرُجَ من غرفتِها أو تذهب لأي مكانٍ آخر!"
أردفت والدة ميلين على الهاتف مع يومي لتتنهدَ الأخرى و تُجيب بإحباط.
"أشعرُ بالفراغِ دونها، سأحاوِلُ القدومَ في المساءِ لرؤيتها خالتي!"
"حسناً إعتني بنفسِك، آوه مهلا!"
أردفت بنبرة مرتفعة قليلا و أعين متسعة حتى لا تُغلق يومي الخط لتجيب بتساؤُل
"ماذا هناك؟"
"كيف هو حال مُديرك؟ أعني كيف يتصرّفُ معكم اليوم بالمشفى؟"
"مزاجُه حاد على غير العادة اليوم، لكنه يقومُ بعملِه بشكلٍ مُتقنٍ و جدي"
"آه حسنا، أراكِ لاحِقاً!"
"إلى اللقاء!"
أغلقت والدة ميلين الخط لتزفِر الهواء و تحدقَ بالساعة، إنه وقتُ الغداء لكنها لم تخرُج من غرفتها منذ الصباح.
مرّ زوجها من جانِبها متوجهاً نحو البابِ لتوقِفه و هي تمسِكُ ذِراعه
"إلى أينَ أنتَ ذاهِب؟"
"سأخرُج لأخد القليل من الهواءِ النقي"
أردف واضِعاً قبعته الصوفية بسبب البردِ في الخارِج لتعقد حاجبيها و تردِف بغضب
"تخرجُ لأخد الهواءِ النقي بينما إبنتكَ لم تغادر غرفتها و لم تتناول شيئاً منذ الصباح؟ هل تُمازحني أن مشاعِركَ ماتت؟"
"هي من قررت حبسَ نفسِها، لو كانت تسمعُ الكلامَ لكانت الآن بتدريبِها!"
"إسمعني جيدا، لا أريد أن أخسِرَ إبنتي بسببِ حلمٍ نسيتهُ و مضى مُنذُ زمن! هيَ حاولت الإنتحارَ سابِقاً بسببكَ و إن حصلَ لها شيئ ما هذه المرة سأتبعُها أيضاً و ستكونُ أنتَ السبب في كُلّ شيئ، من الأفضلِ لكَ التوقفُ عن العِناد لأنني بدأتُ أتعبُ و أنا أرى إبنتي و هي تتلاشى أمامَ عيناي!"
نظر لها بغيرِ تصديق بينما هي تُحدق به بحدة لتفتحَ الباب و تقومَ بدفعِه للخارج قائِلة.
"لا تعُد للمنزِل إلا و قد أخدتَ قراراً يُرضي إبنتي و إلا لن تراني مُجدداً!"
أغلقت الباب بقوة أمام وجهِه لتضعَ يدها على شفتيها و قلبِها يخفِقُ بشدة، إتجهت للنافدة و خلفَ الستائِرِ هي راقبتْ خطواتِه الثقيلة و المُبتعِدة.
صعدت نحوَ الأعلى لتجلِسَ أمام بابِ غرفة إبنتِها و تردِف بهدوء و قد بدأت تسترجِعُ كل ما مرت بِه.
"كُنت بعُمرٍ العاشِرة عندما أصبحَ حُلمُ كوني طبيبة المستقبلِ مُسيطراً على عقلِي و قلبِي.."
"درستُ بجد و شغفٍ طوال مراحِلي الدراسية و تفوقتُ على الجميعِ حتى أكونَ في المركزِ الأولِ و أقبَل في كُلية الطبّ بمعدّل يُعبر عن نسبة ذكائِي المُرتفِع.."
"كنتُ سعيدة جداً و أنا أملأُ أوراقَ التسجيلِ في الجامعة، فرحتي وصلت للسماء و حلقت مع الطيور و من يرى إبتسامتي بذلك اليومِ يقولُ أنني حصلت على مالِ العالم بأجمعِه.."
"لم أكن أهتم لجسدِي الذي أصبحَ هزيلاً بسبب السهرِ و الدراسة، لكن كل ما كنتُ أراهُ أمامي هو شكلي و أنا أرتدي معطفاً طبياًّ و أجري بالمشفى في حالاتِ الطوارِئ تلبيةً لطلباتِ المرضى!"
"كنتُ مُتحمسة لألمِسَ جميعَ الأجهزة و الأدواتِ الطبية، أن أدرُس كل ما أنا متشوقة لمعرِفتِه عن الطّب، أن أسمعَ كلمة شُكرٍ من الناسِ الذين حولي تقديراً على جهودِي، أن يناديني الآخرون بالطبيبة الأولى.."
"لكن كلّ شيئٍ تحطّم خلالَ ثوانٍ، حُلمي بأن أتربعَ عرشَ مِهنة الطّب الشريفة تلك تلاشى بمجردِ رفضِ عائلتي و إخواني للأمر!"
"بكيتُ حتى جفّت الدموعُ من عيناي، بكيتُ حتى كِدتُ أصابُ بالعمى و الجنون، قمتُ بإضرابٍ عن الطعام لكن كل ذلك لم ينفع معهم، والِدُك كان يراقب كل ذلك و يستمر بخلقِ شجاراتٍ مع أسرتي و الدفاعَ عن قرارتي حتى قاموا بتزويجي له رغم أنني لم أكن أفكّر بالزواجِ حتى"
"كُنت أشعُر و كأنني أكثر شخصٍ وحيدٍ على وجهِ الأرض، لكنه كان واقِفاً إلى جانبي و تحمل مِزاجي الحاد و الصراخَ بوجهِه و رفضِه عند كل محاولة منه في الإقترابِ مني بعد ليلة زواجِنا.."
"أصِبتُ بإكتئابٍ لفترة معينة، لكن بعدها حدث أمرٌ مُفاجِئ.. إكتشفتُ أنني حامِل بكريس بشهري الأول، هو جاء إلى حياتي و جعلني أبتسمُ بعد مدة طويلة من كآبتي، إنتقلنا أنا و والِدك إلى بلدٍ آخر و جاءَ تاو ليُضيف لنا بعض الضجيج بالمنزِل.."
"أصبحتُ أمًّا لطفلين و كنت أتطلعُ إلى طفلة جميلة حتى تُطفيَ النعومة لقلبي، والِدك قطعَ وعداً على نفسِه، و أنه لن يسامِح نفسه إن لم يحقق لي حلمي إن كان الجنين طفلة، و ها قد ظهرتِ أنتِ أيضاً"
"رغم أنه يحب كريس و تاو كثيراً إلا أنكِ كنت الأقربَ لقلبِه، و هذا لأنكِ كنت ستحملينَ إسم عائلتِنا الصغيرة و تُحقيقنَ حلمي و حُلم والِدك في جعلي أكون سعيدة لأنني لم أصِل إلى الحُلم الذي كنتُ أطمحُ له!"
"كان يتفاخرُ أمام الجميع بِك و أنتِ طفلة، يقول أن هذه إبنتي التي ستُصبِح طبيبة ماهرة و مشهورة في البلاد و سيُذكَرُ إسمُها على ألسِنة الجميع.."
توقفت عن الكلام لأن البكاءَ منعها من إكمالِ كلامِها لتضع يديها على شفتيها حتى تُقاوِم و لا تسمعها ميلين، لكن كُل كلمة كانت تقولها تخللت آذانَ إبنتِها التي تجلِسُ في الجهة الأخرى من الباب.
وقفت لتمد يدها نحو المِقبضِ و تحدق بِه بشرودٍ و رموشُها مبللة بالدموعِ التي إنهمرت جراء بكائِها على حالِها الميؤوسِ منه.
هي ترددت في فتحِ الباب لكنها إندفعت نحو الخارِج بعد أن ضمت قبضتَها بقوة لتجد والدتها تمسحُ دموعها بسرعة.
"توقفي عن البكاءِ أمي، حُلمكِ سيتحققُ و سأجعلُكِ فخورة بي!"
وقفت والدتها بسرعة لتمسكَ كتفيها و تهزها لتردف بينما تنفي برأسِها.
"لا تفعلي ذلك، لا تأخدي قراراً كهذا، أستطيعُ جعلكِ تذهبينَ بعيداً حتى تُحققي أحلامكِ التي حُرمتِ منها"
نظرت ميلين نحوها بإبتسامة حزينة لتهز رأسها و تردِفَ بهدوء
"لقد فاتَ الأوان، قررتُ و إنتهى الأمر! تِلكَ المرتبة التي تحلمونَ برؤيتي بِها ستُصبحُ حقيقة لكن.. أرجوكِ لا تقومي بلومي إن سقطتُ لأرتاح قليلا، بالنهاية أنا بشرٌ تعلمين أليس كذلك؟"
حوّلت والدتها نظرها للخلفِ لأن والِدها كان قد سمِعَ ما قالته إبنته من كلام، أنزلت يديها عن كتفيها لتستدير الأخرى و تتوجه للأسفلِ بعضَ أن وضعت قبعة الهودي الذي ترتديه على رأسِها.
إرتدت حذائها الرياضي لتفتحَ الباب و تخرُج من المنزل، ركِبت دراجتها الهوائية ثم تحركت مبتعدة عن حيّها نحو مكانٍ تستجمِعُ به شتات نفسِها.
هيَ تركت هاتِفها في المنزل، و لأنها فترة الغداء ييشينغ إتصلَ بِها كثيراً لكنها لم تكُن تُجيب على إتصالاتِه!
الجو كان بارداً بشدة، و هي لم تكن ترتدي ملابِسَ دافئة، لكنها لم تكن تشعُر بذلك البرد بسبب النارِ المشتعلة بقلبِها.
الرياحُ القادمة من الأمواجِ العاثية التي تضربُ الصخر الذي تقفُ عليه كانت تعيدُ خصل شعرِها للخلف، و تدفعُ جسدِها أيضاً.
لكنها كانت شاردة تُحدق بالبعيدِ العميق، البحر الذي تتقلبُ أمواجُه بغضب و حتى السماءُ الرمادية!
وضعت يديها على وجنتيها الباردة لتأخُد لها مكاناً حتى تجلِس هناك وتضع ذِقنها على ذراعيها مُستندة على رُكبتيها حتى تُكمِل تأمُلها الخاليَ من الأفكار.
فقط شرودٌ و توقُّف عقلٍ عن العمل و التفكير!
هي فقط لم تكن خائفة، لم تعُد تشعر بذلك الخوفِ الذي كان يُصيبُها، ربما لأنها تعلمُ جيداً كيف سينتهي الأمر؟
أو ربما لأن مشاعِرها تجاه مشاكلها اليومية بدأت تصبحُ أكثر صلابة مِما كانت عليه!
لم تكن تستطيعُ قولَ كلمة أمام والدها لكنها صرخت بوجههِ صباحاً و لا تعلمُ حتى كيف حصل ذلك!
هربت قهقة ساخرة من بينِ شفتيها و هي تتذكرُ ما حصل صباحاً ليتحول ضحِكها ذلك إلى بكاءٍ و كأن أحدهم فتحَ قلبها الذي يكادُ ينفجر.
و كأنها عزمت على دموعِها و دخلت بتحد من سيتوقفُ أولاً عن البكاء أو إخراج الدموع!
إن توقفت عن البكاء فالدموع ستفوز، و إن جفّت دموعُها فهي من ستفوز!
..
"هذا الهاتِفُ غير مشغّل حالياً المرجو إعادة الإتصالِ لاحِقاً!"
عقد حاجبيهِ بغضبٍ لأنه يتلقى تلك الجملة للمرة الثالثة و العشرين بهذ المساء، نظر نحو الساعة ليجدها الخامسة، لم يتبقى إلا ساعة على خروجِه و اليومُ كان طويلا بسبب حضورِ الصحافة للمستشفى من أجلِ حصولِه على المركزِ الأول.
طُرِقَ باب مكتبِه ليضع هاتفه جانباً و يعقدَ ذراعيهِ ليُجيب بهدوء
"تفضّل!"
فُتِح الباب لتدخل الممرضة السمينة تِلك مُسببة المشاكِل كما يقولُ عنها و على وجهِها إبتسامة عريضة بينما تحمل لائحة بيدِها.
"ماذا هناك؟"
"طبيب زانغ، أحضرتُ لائحة الحضورِ لليوم، هناك أحد المتدربين الذي تغيّب عن القدوم دون الإتصال، إنها هوانغ ميلين!"
عقد ذراعيه لصدره بينما يحدق بها ببرود ليستند على كُرسيهِ الجلدي و يردف
"منذُ متى أصبحتِ مسؤولة عن تسجيلِ حضورِ المتدربين يا آنسة، أم أن هذا العمل يناسبُك؟"
إختفت إبتسامتها المتحمسة تِلك لتطرفَ بعينها و تردف بتوتر
"لم يلاحظ أحد غيابها لذا تكلّفتُ بالأمر أيها الرئيس!"
"و هل قُمت بتوظيفِك كممرضة لتتركي عملكِ و تذهبي للبحث عن من حضر و من تغيّب؟"
تمسكت بأوراقِها عندما وصلها مزاجه الحاد و علمت أنها حضرت في الوقتِ الغير مناسب و هذا سيُكلّفها الكثير!
"تحدثي أو أخرجي و عودي لعملِك لا أمتلكُ اليومَ بأكملِه حتى أسمع التفاهاتِ هنا!"
ضربَ بيدِه على المكتبِ بقوة حتى إنتفضت مكانها لتنحني عدة مرات و تردف
"أعتذِرُ عن المجيئ بهذا الوقتِ سأعودُ للعمل أيها الرئيس!"
إستدارت لتخرج بسرعة و تغلِق الباب خلفها ليرفع يده و يُخلل أصابِعَ يدِه بشعرِه.
حمل هاتفه ليُعيدَ الإتصالَ بِها لكنه لم يتلقى رداً لأن هاتفها لا يزالُ مغلقاً
"تباً ميلين مالذي تفعلينهُ الآن"
وضعَ هاتفه جانباً ليُحاوِل إنهاءَ عملِه حتى يكون متفرّغاً بالمساء من أجلِ رُؤيتِها.
..
خرجَ من سيارتِه ليأخد خطواتِه نحو بابِ منزِلها لكنه تصادفَ مع يومي التي خرجت من سيارتِها أيضاً.
"مساء الخير طبيب زانغ!"
أردفت و هي تنحني بهدوء ليومِئ لها و يُردف
"هل تعلمينَ شيئاً عن ميلين؟ هاتفِها مُغلق منذُ الصباح!"
"إتصلتُ بِوالِدتها و أخبرتني أنها خرجت من المنزِل و لم تعُد بعد"
عقد حاجبيه بقلقٍ ليرفع نظرهُ نحو نافدة غرفتِها المُظلِمة ليُردف
"هل لديكِ أي فكرة عن مكانِها؟"
"لقد كُنت سأسألُ خالتي الآن، لكن ميلين تذهبُ للبحرِ عندما تكون بحاجة للإختلاءِ بنفسِها..لذا أظن أنها ذهبت لهناك"
"البحر؟"
أعاد خلفها و قد شرد قليلا لتومِئ له بهدوء، وضع يده بجيبِه ليخرج بطاقته و يمدها لها ليردف
"سأذهبُ للبحثِ هناك، إن علِمتِ شيئاً إتصلي بي!"
أخدت الورقة من يده بأعين متسعة لتهز رأسها و يستديرَ هو ليتوجهَ نحو سيارتِه ثم قادَ بسرعة من أمامِها.
فتحت والدة ميلين بالباب لأنها سمعت صوتاً و ظنت أنها ميلين لكنها زفرت الهواء و ضمت ملابسها عليها بسبب البرد.
"هذه أنتِ يومي، أدخلي ستُصابينَ بالبرد!"
"ميلين لم تعد بعد؟"
أردفت و هيَ تتقدمُ و تغلق الباب خلفها لتهز الأخرى رأسها و تجلِس
"هي تركت هاتفها هنا صباحاً! ميلين قررت أن تعودَ للتدريب و الدراسة لكنها تحتاجُ وقتاً حتى تُرتب أفكارها و أنا لن أقومَ بمنعها من حُريتِها!"
سكبت الشاي ليومي لتمده لها و تأخده الأخرى حتى تُدفِئَ يديها لتُجيب
"أتمنى أن يجدها و تذهبَ معه للمنزِل.."
"من هوَ؟"
أردفت والدة ميلين بفضول لترمش الأخرى عدة مراتٍ و تردف بتوتر
"من هو؟ قلتُ أتمنى أن تعودَ للمنزِل، أنا قلقة عليها إلهي أرجوكَ قُم بحماية صغيرتي!"
ضمت يومي يديها معاً و هي تُغمضُ عينيها لتبتسم الأخرى بخفوتٍ و تردِف
"شُكراً لأنكِ إلى جانبِ ميلين، يومي! أنا حقاً مُمتنة لصديقة مِثلك بحياتِها!"
إبتسمت يومي لترتشِف من كوبِها و لم تقُل شيئاً غير التحديق بالتلفاز المُشتعِل بقناةِ الأفلام.
..
تنهدت للمرة المئة لترفع رأسها و تراقبَ النجومَ التي بدأت تظهر، هي راقبت الغروبَ بكل تفاصيلِه و حلّ الليل و إشتدّ البرد.
وقفت بعد أن تشنجت قدميها بسبب الجلوسِ الطويل و كادت تسقُط للإمام لولا يدهُ التي سحبتها داخِلَ مِعطفِه الطويل و الدافِئ.
لوهلةٍ ظنتهُ غريباً لكنها إستطاعت التعرف عليه، هو إحتضنها بكِلتا ذِراعيه بقوة لكنها لم تِبادِله.
"كيفَ لكِ أن تُغلقي هاتفك طوالَ اليوم؟ كنتُ قلقاً بشدة و ظننتُ أن مكروها قد حصل لك!"
أغمضت عينيها على وقعِ دقاتِ قلبِه المتسارعة و هي تمنت أن يدومَ ذلك الشعور إلى الأبد لكن..
"أنتِ متجمدة ميلين، لمَ لم ترتدي شيئاً ستُصابين بالبرد!"
إبتعد عنها قليلا ليقومَ بنزعِ مِعطفِه الثقيلِ ثمّ جعلها ترتديه ليُمسك يديها معاً و يبدأَ بتدفِئتهما.
لكنها كانت صامتةً طوال الوقت.
"هل أنتِ بخير صغيرتي؟"
أردف مُمسِكاً وجنتيها بينما ينظُر لعينيها مُباشرة لترفع نظرها و تحدق بِه
"ييشينغ؟"
أردفت بهدوءٍ ليهز رأسه بإهتمامٍ بينما يُكوّبُ وجهها بكفيْه.
و ها قد بدأ سقوطُ الثلجِ الأولِ بالإنهمارِ عليهما برقة الحبة تِلو الأخرى لتُردف بنبرة مُرتجفة بسبب البرد.
"لـننفصِل!"
يُتبِع...💜
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top