الفصل السادس و الثلاثين
~ قارة زيلانديا ~
خطواته الهادئة قادته لغرفة شبه معتمة بالكامل و قد توسطتها طاولة اجتماعات ضخمة ، هو ابتسم بنوع من السخرية عندما وصله صوت أنثوي ساخر كما هو :" مُبارك لك دخولك بمعركة كأول قرار تصدره كحاكم بديل أخي العزيز ! "
تقدم يصطنع نوع من الملل على تقاطيع وجهه و هو يحدق بمن تقف أمامه بتمعن ، كعادتها كانت تقلب خُصلاتها الداكنة بين أصابعها الرفيعة ، الكثير من السخرية التي تُخفي خلفها مئات المشاعر القلقة و الحانية انبعثت من عيناها القُرمزيتين ، و ما إن تأكد من أنها ليست على وشك الإنفجار حقاً نطق بملل :" يا له من إستقبال مذهل لشقيقك الأكبر أدريانا ! بأي حال ماذا تفعلان بغرفة الإجتماعات ؟"
أنهى عبارته يحدق بشقيقه الأصغر سناً منهم جميعاً و الذي امتلك شعر بخُصلات شقراء مثله بينما عيناه القُرمزيتان تحدقان به ببرود و سخرية شديدة ! و سام أقسم أن هذا الفتى نسخة عنه !
بالنهاية نطق الأصغر بسخرية :" لا مُطلقاً لم نتوقع قدومك بعد ما أقحمتنا به ! أتدرك أن الشعب يرفض ؟ بعضهم خائف و آخرون يرون ان استعباد البشر ليس بالفكرة السيئة ! نحن أول المُسفيدين كما تعلم ! "
مسح على شعره بخفة و هو ينطق بسخرية :" من فضلك وجه إعتراضك هذا للحاكم عند تواجده ! أنا اتخذت فقط القرار الذي كان هو ليتخذه ، آلفير "
رفع رأسه بنوع من الحدة التي بانت بعيناه بينما ينطق بضيق :" أهذا تهديد من نوع ما ؟ هو ابن شقيقي و يدرك تماماً ما معنى أسرة لذا لا تخف رأسي سيبقى بمكانه و إلا لأعدمك أولاً على إزعاج مستشاره "
أحد حاجبيه إرتفع بسخرية شديدة :" تعلم أنني بمكانة مختلفة تماماً ! ثم أجل لن يقطع رأسك و ما قلت ذلك لكنك من استنتج الأمر ! "
ضحكت أدريانا بخفة و هي تكمل عن الأكبر :" أظنه تخيل نفسه يقف أمام الموت حتى و غضب من تلقاء نفسه ! شقيقنا الصغير هذا يبحر بتخيلاته و الأسوء يغضب وحده "
سام فقط ضحك بخفة يخبر نفسه أنه يشبهه مظهراً فقط لإنه قطعاً مختلف بالتصرفات !
آلفير احتقنت الدماء بوجهه و قد انتشرت هالته بالأرجاء و حقاً كفرد من الأسرة الحاكمة هي ما كانت مزحة ! و بالرغم من ذلك هالة لشخص رابع إبتلعتها بالكامل بينما ينطق صاحبها بصوت مليء بالخمول و الضيق :" أيمكن أن تغلقوا أفواهكم أم تفضلون الذهاب للجحيم ! "
و ابتسامة مُطمئنة رُسمت على وجه سام و هو ينطق :" أينزو استيقظ وحده ! و أنا من كان يستعد لمحاولة إيقاظك و التضحية برأسي ! "
رفع المعني أحد حاجبيه بينما ملامحه شديدة الإستياء لم تفارقه و لو للحظة ، هو سار لحيث أقرب مقعد أمامه يلقي بثقل جسد عليه قبل أن ينطق :" خمس دقائق فقط و إن تحدثت لأكثر منها سأنسى أنك أخي الأصغر و أرسلك لشقيقنا و زوجته ! "
صفر سام بنوع من التهكم و هو يجيب :" كم أنت لطيف ! كما تعلم انك الأكبر هنا بل أنت من كان يفترض به أن يكون وريثاً للعرش لا شقيقنا الراحل "
بعثر خُصلاته الداكنة كليلة بلا نور و قد رسمت ملامحه السخرية بأدق معانيها و هو يجيب :" أنا حاكم حقاً ؟ أأتخيل ماذا كان ليحدث ؟ "
احتضنت شقيقتهم الوحيدة نفسها و قد تصنعت القلق :" بحق لما بقيت دولتنا موجودة حتى ! "
حرك الأكبر يديه بلا إهتمام فعلي و هو يتحدث ببرود :" ثم تأتون لقول أنني أكثر من يشبهه ذاك الطفل ! انظروا لعدد القوانين التي وضعها و الأنظمة و كل هذه الامور ! "
تنفس سام بعمق و هو يحدق به بفقدان أمل ، هو فقط و مُنذ وفاة شقيقهم دفن نفسه بغرفته ، و مع ذلك عند حدوث معركة استرجاع العرش هو قاتل بشراسة مُرعبة و بشدة ! بل إن هالته توازي هالة جيسي الطاغية !.
لذا أبعد ملامح السخرية و إستبدلها بالجد و ما إن فعل حتى تبدلت ملامح أشقائه يصغون له و لما يريده بعناية فهم أدرى أنه ما أتى فقط للحديث الفارغ ! ...
*****
الضيق , الملل و التوتر هو ما طغى على تلك المجموعة و التي يشعرون أنهم مازالوا للآن يسيرون بمتاهة لا نهاية لها ! و ربما لولا أنه بكل مرة يتوغلون بها للأعماق أكثر فأكثر تزداد فظاعة مظاهر تلك الجثث المُمزقة من حولهم , لذا و أخيراً نطق ليون بنوع من الضيق :" دعونا نتوقف هنا الليلة ! هذا أكثر من كافٍ لتخطيه ! "
نظر آلبرت له بهدوء بينما نطق إيكاري بنوع من التوتر :" لكن ألن نكون حينها عُرضة للهجوم بشكل أكبر ؟! "
حدق آيزاك به و ربما لو كان شخص آخر من نطق هذه الكلمات لأجابه بسخرية لكن و لأنه إيكاري فهو تحدث بنبرة هادئة :" أتظن أن بقائنا بمكان واحد أو التوغل أكثر بهذا المكان له أهمية كُبرى ؟! عندما ينوي ذلك الشيء الهجوم سيفعلها بلا ريب "
أحاطهما آلبرت سريعاً و هو يقودهما لزاوية ما خلت من الجثث ويجلسهما أرضاً بينما يتحدث :" إذاً بما أننا إتفقنا ألن تخبروني بقصتكما و صداقتكما ؟! قد يمكنني المُساعدة ! "
أبعده آيزاك عنه بنوع من الحدة بينما عينا إيكاري إلتمعت بوميض هادئ يعكس حزن روحه , ليون تقدم يجلس بجوارهم بينما يتحدث :" أنت تساعد ! قد تقلب الأمر فوق رؤوسهم ! "
تمتم آلبرت بصوت شبه مسموع :" الشيطان الممل أكان عليه التواجد معي بذات الفريق بحق الإله ؟! "
هو أنهى عبارته تلك قبل أن ينطق بصوت مسموع :" ثم لا أظنني سأعبث مع طفل كاد يغرق بكوابيس اليقظة بفعل ماضيه و إنما معرفة الحادثة تلك ستجعلنا ببساطة نتصرف إن حدث و وقعا بفخ ما يجبر أحدهما على قتل الآخر مثلاً ؟ "
و عبارة كهذه جعلت عينا إيكاري تتسع بشدة و قلق كبير بينما تنفس آيزاك بعمق يراقبه وهو يتحدث بضيق :" إيكاري ! أخبرتك هذه المرة لن أُسلمك حياتي و قطعاً لن أسمح لك بأن تفقد خاصتك لذا إن كنت تثق بي توقف عن القلق المُفرط هذا ! "
و المعني حدق به بنوع من الضعف بينما يتحدث بهدوء :" أيمكننا إخبارهم ؟ على الأقل سيمكنهم منعي إن تهورت أرجوك ! ثم أخشى أن يحدث أمر ما فتعجز عن مساعدتي و تحمل نفسك النتيجة بالكامل ! "
أخذ آيزاك نفساً عميقاً يشيح بوجهه عنه بغير رضى , لا يحب حقاً مُناقشة أي لحظة تخص ماضيه ذاك , هو أساساً يمقت كل لحظة عاشها بقارة نوفوبانجيا , تلك القارة التي إكتشف مؤخراً بأن اللعين الذي يعيش على أرضها كان السبب بفراقه عن توأمه , كم عام مضى من حياته و كأنه جثة هامدة ؟!
بل الأهم كم عام مضى و توأمه يعاني وحده من ألم الوحدة و الخيانة ؟! هو عليه العودة لقلب القارة فوق رأسه , و يقسم لولا خوفه على شقيقه لفضحه أمام الجميع و سلم نفسه مقابل قتله و أسرته ! لكن بحق هذا ليس السبب الأكبر لرغبته بالبقاء على قيد الحياة بل البقاء مع زاك و تعويض تلك السنوات التي عانى كلاهما من الفراق و ما ينتج عنه .
أعاد ببصره لإيكاري الذي أخفض رأسه بهدوء و هو يستشعر رفض آيزاك لذلك , ليون صفر بنوع من الدهشة و هو ينطق :" هل أنتما جادان ؟ هل قد يقتل أحدكما الآخر ؟ "
أخذ آيزاك تفساً عميقاً قبل أن يتحدث ببرود شديد :" يمكنك إخبارهما ! "
رفع الأصغر رأسه سريعاً يحدق به بعدم تصديق قبل أن يومأ إيجاباً بسعادة فعلى الأقل الآن إن حدث أي مكروه لن يكون الأمر على عاتق رفيق طفولته وحده , لذا أخذ نفساً عميقاً يغلق عيناه بخفة و قد إنسابت الكلمات من فمه بكل ألم و حزن .
## الماضي ##
بقصر أسرة مارش حيث كانت الحركة كالعادة بأوج أنشطتها و كواحدة من الحالات التي إعتاد الخدم عليها كان كبير تلك الأسرة يجر إبنه ذو العاشرة من العُمر خلفه و الصغير بالرغم من تلك الكادمات التي كانت تغطي جسده إلا أن قطرة مالحة واحدة لم تنهمر من عيناه , هو ما كان ليبكي و لم يسمح لملامحه أن تعكس سوى البرود , روحه أساساً هو فقدها مُذ عامين حيث توقف الزمن لديه و ما عاد هنالك شيء يهمه بهذه الحياة , لذا حتى تلك الضربات التي عادت تنهال على جسده ما إن تم إلقائه خارجاً بثياب خفيفة لم تؤثر به و إنما أخفض رأسه يضمه لبقية جسده , بالنهاية نطق والده بحقد :" اللعنة عليك ! الحق ليس عليك بل على الأحمق الذي يحاول جعلك تكبر بمكانة جيدة و مُستقبل باهر ! لكن ماذا أتوقع من طفل عاق مثلك ؟ إذهب لتمت بعيداً و لا تعد للقصر أتفهم !؟ "
هو تماسك يجبر جسده على النهوض و الإبتعاد عن هذا المنزل سريعاً , لا يهتم و إن تشرد أو حتى بموته وحيداً فتوأمه مات بطريقة مشابه صحيح ؟ هو كان وحده ! بل كان يبكي و يتألم إذاً أهو أفضل ؟!
مسح بعض من الدماء التي خرجت من فمه بينما يحدق بالأماكن من حوله , أيمكنه معرفة الطريق لقارة أوقيانوسيا ؟ إن كان سيموت حقاً فهو يريد الموت بالقرب من توأمه و بجواره , لا يريد أن يرقد للأبد بعيداً عنه ! بذاك الوقت هو كان لازال طفلاً و لم يُدرك حقاً أن جسده أكثر قوة من أن يموت بسبب القليل من الضرب أو التعذيب و لا حتى البرد !
بالنهاية و بعد عدة ساعات من التجوال بلا فائدة هو أسند جسده المُرهق لواحد من أعمدة الإنارة المُنتشرة بالطريق دموعه تجمعت بُمقلتيه و قد أبعد برود ملامحه عنه و أخيراً يفرج عن شهقة مُتألمة من بين شفتيه , لماذا لا يمكنه الموت بسهولة ؟! عليه الذهاب لوالدته و شقيقه فقط قبل أن تسلبه الأيام الدفء المُنبعث من ذكراهم ! أم هُم ربما من لا يرغبان بإنضمامه لهم ؟! هل زاك غاضب منه ؟ ألهذا يعاقبه القدر ؟! لإنه كان شقيق سيء ؟!
إنتفض جسده واقفاً ما إن شعر بيد ما تربت على شعره , هو حدق بالرجل أمامه ببرود بالرغم من قدرته على رؤية بعض القلق يتسرب من مُقلتيه ذات اللون الرمادي المُميز حيث نطق الأكبر بصوت هادئ قلق :" أأنت بخير أيها الصغير ؟ ماذا تفعل بمكان كهذا ؟ هل والداك على قيد الحياة ؟! "
نبرة الرجل كانت حنونة و دافئة بشكل هو إفتقده حقاً بحياته لذا دموعه إنهمرت بلا إرادة منه أمامه , والدته مصدر الحنان رحلت عنه للأبد و توأمه مصدر دفئه تبعها و كل ما بقي له هو والد يبذل كل ما بوسعه لإحالة حياته لشتاء بارد خالٍ من المشاعر و هو حقاً يوشك على النجاح !
لازال يتسائل لليوم إن كان والده الحقيقي لما رفض أخذ زاك بالبداية ؟ هو شخص فظيع فلو أنه يحبهما لكان زاك برفقته هنا اليوم , و هذا جعل دموعه تزداد أكثر ليحتضنه الرجل بخفة يربت على شعره بينما يعتقد بأن من أمامه قد فقد أسرته و يعاني من التشرد حالياً .
هو إنخفض يمسك بيدي الصغير المُتجمدتين يضمهما عله يبعث القليل من الدفء بهما بينما يتحدث :" تعال معي الليلة ما رأيك ؟! لدي طفل أظن أنه أصغر منك ببضع أعوام , يمكنك التعرف عليه وسوف نتحدث بالغد أكثر موافق ؟ "
هو لم يقبل لكنه بذات الوقت ما أعلن عن إعتراضه ذاك بالذهاب معه , ماذا لديه ليفقده بأي حال ؟! أو هكذا هو فكر قبل أن ينطلق برفقته !
إيكاري كان بذلك الوقت بالسابعة من العُمر , طفل شديد المرح حيث ما كانت إبتسامته تخبوا مُطلقاً , و والدته كانت لطيفة بشدة هو لم يقضي يوماً واحداً بذلك المكان بل عدة أشهر !
تلك الأشهر التي كاد والده يفقد بها عقله , هو أراد تهذيبه فقط , طرده ليعود متوسلاً له خاضعاً لكن الأمر لم يحدث و ما إكتشفه لاحقاً جعل كل ذرة عقل سليمة تحلق , و كيف لا و هو رآى بأم عيناه صغيره الذي عانى بشدة للحصول عليه بالرغم من المخاطرة الشديدة يعمل بحقل ما كمزارع وضيع و قد عقد صداقة تافهة مع طفل من العامة ؟!
لذا خطواته أسرعت بالإقتراب من ذاك المكان لإنهاء تلك المسرحية السيئة , أيزاك و فور شعوره بهالة والده رفع رأسه و قد نفض عنه التراب بينما إستعادت ملامحه برودها بثوان , و إن كانت دقات قلبه تتزايد برعب شديد فهو ظن أنه سيتخلص منه للأبد , سيعيش حياته بهذه القرية ببساطة , لا يريد العودة لذلك الجحيم مهما حدث .
إيكاري حدق بالضيف القادم برعب شديد و إنطلق يختبأ خلف آيزاك , ثوان فقط حتى نطق بصيغة آمرة :" آيزاك هيا سنعود للمنزل لذا كفى عبثاً !"
كز على أسنانه بقوة بينما يهتف :" لن أفعل ! أنت قلت إذهب و مت بعيداً , إذاً ليس و كأنك تهتم "
ملامحه ضاقت أكثر فهو بالتأكيد لن يهتم بمحاولة إقناع طفل عنيد الآن لذا أمسك بيده يجره خلفه بقوة و آيزاك كان يحاول الإفلات من تلك القبضة الضخمة بيأس مُطلق فماذا يمكنه أن يفعل حقاً ؟!
ثوان فقط و شعر بيد توضع فوق يد والده التي تُمسك بكفه الصغير بقسوة شديدة بينما ينطق صاحبها بحزم :" و من تكون أنت لتأخذ الصغير معك ؟ "
حدق به رئيس أسرة مارش بكل إحتقار و هو يجيب :" لا أتحدث مع الحثالة منكم و قطعاً لا أقبل أن يعيش إبني بينكم ! "
هنا هتف آيزاك بحدة :" لست كذلك ! أنا لا أعترف بك كأب حتى دعني و شأني , لا أريد أن أكون ابنك "
التف رأسه بالكامل عندما طُبعت أصابع يد والده على خده بقوة أجبرت دمائه على الخروج من فمه على هيئة خط رفيع , إيكاري شهق برعب شديد و قد بدأت عيناه تذرفان الدموع تلقائياً , بينما والده سحب آيزاك من الضيف غير المرغوب به ينطق بجد :" آيزاك خذ إيكاري و إذهبا للداخل الآن ! "
حدق آيزاك به خارجاً من صدمته بفعل تلك الصفعة بهدوء قبل أن يومأ إيجاباً ليركض للداخل برفقة الأصغر سناً دون الإلتفات حتى لتهديدات والده له .
لكن الأمر إنقلب عليه هو , لم يتمكن والده من إستعادته بذلك اليوم و خلال يومين فقط كانت تلك المزرعة بما تحتويه طعاماً لألسنة اللهب الجائعة , بل إن جثة الوالدين توسطت المنزل حيث أُلقيت بإهمال شديد !
سوء الحظ أو حُسنه هو ما جعل الصغيران خارج المنزل بوقت الحادث أو ربما كان أمراً مُدبراً بالفعل ؟ لا أحد يعلم حقاً سوى أنه حتى كل ما يمتلكه إيكاري من بعد والديه قد بات رماداً ليتم نقله لدار أيتام و إعادة آيزاك لمنزل والده .
الأصغر سناً لم يحتمل كل تلك التقلبات بحياته , والداه قُتلا و على الأغلب ذاك الرجل المُخيف و الذي أراد الحصول على آيزاك هو السبب ! لم يتمكن من التفكير سوى لماذا هما رحلا عني لأجله ؟ كيف يتخلى والداي عني فقط من أجل طفل غريب لم يعرفاه سوى من أشهر قليلة ؟!
لم يكن ليتقبل هذا النوع من الأفكار و الحياة القاسية التي تجرعها من بعدهما جعلت حقده ذاك يكبر بالرغم من زيارة آيزاك المتكررة له سراً أو علناً , هو حتى جعله يقابل نيو ليصبحوا أصدقاء ثلاثتهم لكن أفكاره لم تكن يوماً مبنية على رغبة بصداقته بل قتله , لم يفهم كيف يمكن له أن يظهر أمامه هكذا دون أي ندم أو شعور بالذنب بل ربما هو لم يحاول رؤية الألم بعينا الأكبر و الذي أُضيف جرح غائر لقلبه مرة أخرى !
لم يدرك أنه كان يعاقب بكل مرة و بقسوة إن إكتشف والده مكانه حتى قرر جعله شخص يهدده به ليطيع أوامره , ربما حقده هو ما جعله لا يرى ما مدى عمق الألم الذي يتكاثر بعيناه و قلبه ما إن يكون معه فالندم كلمة لا تفي لوصف ما كان يشعر به .
لذا هو و عندما أكمل الثانية عشرة من عمره و آيزاك الخامسة عشر إستدرجه للأرض التي قُتل والديه عليها , هو أراد أن يُضيف لها دماء من كان سبباً بموتهما , و آيزاك علم بنيته منذ البداية , هو أدرك ذاك الألم و الحقد بنظراته لكنه فقط سايرها , لم يكن ليمانع الموت ليس و الذنب يؤرقه بشدة , و كأن تخليه عن شقيقه بأمس الأوقات التي إحتاجه بها لا تكفي قلبه , لذا ببساطة هو سلم نفسه إليه , ابتسم عندما شاهد السلاح الذي بيد الأصغر و الذي كان بطريقة لقلبه و كل ما نطق به :" أرجوا أن تستعيد ابتسامتك التي فقدتها إيكاري بسببي عندما تراني جثة أو عندما تنساب دمائي بين يديك "
يد الأصغر إهتزت بتلك اللحظة بتوتر قبل أن يشجع نفسه ليفعلها لولا تدخل نيو كمعجزة أنقذت كلاهما ! هو صفعهما كلاهما , أجلسهما معاً و أجبر رفيقه العنيد و البارد على الإعتراف بمشاعره و ندمه ذلك بل بكل أسراره بينما يوبخه بأن السماح لإيكاري لقتله يعني أنه يسمح لورقة بيضاء ناصعة بالتلوث !
و بتلك الليلة تشبث إيكاري بهما يبكي بكل حرقة يفرغ كل ما يشعر به أو شعر به منذ سنوات ليصحوا باليوم التالي بابتسامة لطيفة و كأن كل العبئ الذي حمله على عاتقه يوماً قد إنزاح !
### نهاية الذكرى ###
الصمت حل بالأرجاء بينما كان آيزاك قد نهض من المكان بأكمله , هو الآن مُنزعج و بشدة من نفسه و من إيكاري الذي أعاد فتح مثل هذه الجروح بأعماقه , ليس و كأنه شفي منها أساساً هما ما كان ذنبهما سوى أنهما دافعا عنه , أرادا أن يحمياه لكن الأمر إنقلب عليهما و سُلبت روحهما تاركين إبنهما الوحيد خلفهما يعاني من كل شيء .
أجل هو أعطاه الإذن بالحديث مع هذا يشعر بضيق شديد , أولاً جزء من التعذيب الذي يناله كُشف إضافة إلى تذكره لتلك السنوات التي فقد بها إيكاري حتى قدرته على الابتسام بل كان الحقد يتغلل بروحه بشكل عميق أخافه بحق , ليس على نفسه بل على عدم قدرة الأصغر من استعادة ذاته من تلك الدوامة .
أول من كسر ذاك الصمت الخانق كان ليون و الذي تحدث بهدوء :" إيكاري أظن أنك شجاع بالفعل ! أنت تجاوزت حقدك رغم أنه كان يكبر بأعماق قلبك لعدة سنوات , لذا حقاً لا أرى أي داعي للقلق لا أظن أن الذي كسر حقده بسهولة كهذه قد يصعب عليه تكرار الأمر لو زرع به مجدداً و جبراً !"
أنهى عبارته يتأمل وجه إيكاري الذي ابتسم له بخفة يومأ إيجابا بنوع من المرح و الطمأنينة , بينما توجهت أنظار آلبرت بشكل كامل لآيزاك , لماذا والده يؤذيه ؟! ليس و كأنه يؤمن قطعاً أن الروابط الأسرية لا يمكن قطعها و إنما فقط لا يعلم بحق لماذا لا يشعر بالراحة لهذا الموضوع بالذات !
و ليون و إن لم يظهر ذلك لم يعجبه الأمر أيضاً , أين كان زاك بتلك الفترة ؟! لا هو يعلم أنه كان لدى البشر لكن لماذا ؟ ماذا يحدث من حولهم ؟ الكثير من التساؤلات غمرت عقله حقاً .
******
الليل حل بالأرجاء مما دفع أربعتهم لأخذ راحة قسط من الراحة بعد تقسيم الحراسة بالليل !
يدركون جميعاً أن لا أحد منهم سيسقط نائماً بحق لكن على الأقل يستعيدون جزء من طاقتهم التي تسلب منهم فقط للتنفس بهذا المكان .
ربما كان أكثرهم ضرراً هو الأمير البشري و الذي تناول ثلاث حبوب دفعة واحدة إضافة للضغط الواقع من القارة نفسها و إن تم تجاهل نفسيته السيئة !
لذا هو إستلقى على الأرضية تحت إحدى الأشجار يراقب السماء الحالكة بملامح مرهقة بالكامل ، هو كان يشعر بالضيق الشديد و الألم كل مشاعره السلبية كانت تكبر أكثر فأكثر لاسيما بعد محاولة ريكايل للحديث معه .
هو غاضب حتى من نفسه بفعل ذاك البرود الذي أظهره ، لكن كيف له الخضوع لطلبه ذاك بفتح قلبه و هو يشعر بأنه بعيد بشدة عنه ؟ تفصلهما الكثير من الحواجز ، حدق بطرف عينه للحاكم الذي كان يجلس مُغمضاً عيناه على بُعد عدة خطوات منه ، أهو حانق عليه مُجدداً ؟
بل هل اختفى أساساً كرهه لهم ؟! لاسيما لذلك الصغير المدلل ؟ ازداد إنزعاجه و عيناه تلتقطان شقيقه يجلس مع ويل و يتحدثان بمرح .
هو يشعر بأنه بات يثق بجيس و إن كره الإعتراف ، وعد ويل بأنه سيأتي يوم يسامحه به بالكامل إذاً لماذا هو حقاً منزعج ؟
لإنه رفض أن يضع رأسه على كتف ريكايل بسببهم ؟ يشعر بأنهم الأقرب و لا يفهم كيف تمكن من أن يُحبهم ! ألم يكن خائفاً قبل أن يتم تحويله ؟ ألم يبكي و يتألم ؟
تنفس بِعُمق شديد يعبث بِخُصلات شعره بينما يهمس :" لماذا علي التفكير بهذا الآن !؟ علي ترك الماضي ! "
و بالرغم من أنه نطقها هامساً إلا أن جيسي أجابه بكل سخرية :" جيد لازلت تمتلك ذرة عقل أيها الطفل ! "
قطب المعني حاجبيه سريعاً يلتف بوجهه و جسده لمن نطق بتلك الكلمات ليراه مُغلق العينان كما كان ، هو تحدث بضيق :" لم يوجه أحدهم الحديث لك ! "
رده سريعاً دون أن ينظر إليه :" إذاً بات بإمكانك الحديث بوقاحة ! أفضل من التصرف كجُثة هامدة "
أشاح بوجهه عنه و هو ينطق بضيق :" أنت مُستفز ! "
صوته هذه المرة لم يكن ساخر بل ساكن و هو ينطق :" مشكلتك أنك تستخدم عاطفتك أكثر من عقلك ! مع ذلك فأنت أفضل من ريكايل بدرجات من هذه الناحية ! يمكنك التحكم أحياناً بإنفعلاتك أو هكذا كنت أراك حتى بت أرى تصرفاتك معه ! أنت غير منطقي برفقته فقط ، إحذر من ذلك لإنني لن أكون بهذا اللطف إن حدث له مكروه بسببك "
أنهى عبارته بنوع من الحدة ليكز المعني على أسنانه بقوة و ينهض من موقعه سريعاً ، هو أخذ نظرة لشقيقه الذي كان يضحك بخفة مع ويل قبل أن يخفض رأسه و يسير بغيظ أشد مُبتعداً عن الجميع !
ريكايل أدار بصره سريعاً يحدق بشقيقه و هو يبتعد بنوع من القلق ، ليس و كأنه لم يشعر بهالته السلبية من قبل لكن لا يمكنه إجباره على البوح و لو بحرف واحد ، كما لا يُمكنه أن يدفع بنفسه لحياته فجأة ، تنفس بعمق ليقف و قد قرر اللحاق به ، لا يمكنه الضغط عليه لكنه غير مُطمأن لبقائه وحده ليس و وجهه شاحب بحق !
وقف ويل سريعاً بنية مُرافقته إلا أن الأكبر نطق بهدوء و نوع من الجد :" أعتذر ويل لكن أرغب بأن أتبعه وحدي أهذا سيزعجك ؟ "
آمال الأصغر برأسه أولاً يُظهر شيء من العبوس قبل أن ينطق :" لا ! يمكنك الذهاب ريكايل بأي حال هو يكرهني للآن "
مسح ريكايل على شعره بخفة قبل أن يجيب بنوع من الحزن :" أعتذر لهذا ، لكن أثق بأنه لن يستمر بهذا إن تعرف عليك بشكل أكبر "
أومأ ويل له بخفة و اتجه للجلوس بجوار شقيقه بينما سار ريكايل بخطوات مترددة ، من قال أن ريك يرغب بالتعرف عليهم ؟ هو ما عاد واثقاً بصحة كلمات شقيقه التي أخبره بها قبل الانطلاق !
أهو حقاً يراه شقيق له دون الإهتمام لشيء ؟ حسناً هو يدرك أنه يبذل الكثير لهذا و ربما يضغط على نفسه لتقبله ؟!
توقف ما إن شاهده يجلس عند الحافة يمد قدميه للأسفل بينما ينظر للسماء بشرود ، أغمض عيناه يأخذ نفساً عميقاً لتجميع شجاعته ثم سار بخطوات هادئة حتى جلس بجواره بصمت !
ريك حدق به سريعاً بحاجبين معقودين فلماذا هو تبعه ؟ يريد تصفية عقله قليلاً من كل تلك الأفكار التي تؤرقه ، و إن كان يعترف أن كل ما يطرأ بعقله هي صورتها المُضرجة بدمائها .
قطع أفكاره رأس شقيقه الذي وضعه على كتفه مُغمضاً عيناه ، لم يبدوا أنه سيتحدث هذه المرة و هذا حقاً أشعر الأكبر بالكثير من الراحة !
لذا هو مد يده يعبث بخصلات توأمه بخفة قبل أن ينطق بنوع من الشرود :" كيف تعلقت بهم ؟ لماذا أنت أحببتهم ؟ "
تلك الأسئلة صدمته أولاً و إن لم يبدي أي حركة بل أجاب بنوع من التوتر :" لم يؤذيني أي منهم ، كان يفترض أن أكون مجرد خادم بل عبد لكن أي منهما لم يعتبرني كذلك "
هتف بإنزعاج :" أأنت جاد ؟ أنت أمير ! كيف يمكنك مُسامحة من أبعدك عن أسرتك ؟ "
تلك النبرة المرتفعة أجبرت الأصغر على الإبتعاد قليلاً يبعد رأسه عن توأمه و هو يجيب بحدة ما قصدها حقاً :" و هل أنا مخطوف ؟ أسرتي التي تتحدث عنها وهبتني لهم بسرور ! تقبل هؤلاء أسهل من تقبلهم صحيح ؟ "
كلاهما كان قد وقف يحدقان ببعضهما ، أعينهم إمتلئت بالدموع رغم حدة كلماتهم و ملامحهم ، فقط الأعين هي ما عكست قلب كل منهما المُتألم !
ريكايل تراجع عدة خطوات يمسح على شعره خاصة عند رؤيته لملامح ريك المصدومة ، هو لم يقصد حقاً الحديث بتلك الطريقة ، ليس حاقداً على أحد و لا حتى على والده بل العكس يرى أنه كان ليتصرف مثله إن عجز عن التضحية بنفسه .!
و الآخر عض على شفتيه بقوة شديدة قبل أن يمد يده بإتجاه بقية الفريق :" إذاً دعني و شأني و اذهب لأسرتك الجديدة ، لا داعي للقلق على جزء من تلك الأسرة التي يصعب تقبلها "
أومأ سلباً يرفض فكرة تركه هكذا ، من يضمن له أنه ستكون هناك فرصة أخرى للحديث معاً ؟! لما بكل مرة يحدث سوء فهم كهذا ؟ هو فقط أتى إلى هنا ليخبره بأمور أخرى ، بالحقيقة التي يشعر بها بقلبه إذاً ماذا يحدث ؟ لماذا يتشاجران بكل مرة يتحدثان بها ؟
بالنهاية هو تراجع للخلف ينطق بابتسامة مُنكسرة :" كان من الأفضل أن لا تحاول الحديث معي مُنذ البداية سمو الأمير فأنا تجاوزت الكثير من الحدود بسبب هذا "
هو أنهى عبارته يغادر بالاتجاه المُعاكس و الآخر أخفض رأسه قبل يضرب إحدى الأشجار بكل قوته !
ريكايل اتجه يبتعد عن سيده و الحاكم مُخفياً تلك القطرات المالحة ، لما يبكي بهذه السهولة و هو ليس طفل و لا حتى مراهق !
لماذا على ذلك الموضوع بالذات أن يكون حساساً بشدة له ؟ أليست حياته جيدة ؟ إذاً لما يبحث عن المزيد ؟ لديه تلك الرغبة بالصراخ ، أما كان من الأفضل له عدم مقابلتهم ؟! ماذا أفاده ذلك ؟ لم يكد يعقد صلح مع كلير حتى قُتلت أمامه ، و بالرغم من سعادته الشديدة بكلمات توأمه عندما إحتضنه بقوة مُجبراً إياه على الإستماع تحطمت لتنغرس شظاياها بقلبه !
بكل حوار هو يتأكد من أن لا مكان له بينهم و معهم و إن لم تختلف مشاعرهم فشخصياتهم هي ما اختلف ، أخذ نفساً عميقاً يعيد رأسه للخلف بينما يمسح تلك الدموع ، كالعادة هو فقط تجاهل كل شيء و شعر بالسوء على نفسه !
ليس و كأن ريك بخير الآن و هو فقط يركز على أمور جانبية لا شأن لها بما يحدث الآن ، تلك العادة التي كرهها سيده جيسي به و حاول انتزاعها منه بلا فائدة .
هو عليه ان لا يتركه وحده و لو راقبه من بعيد فقط ، لذا بدأ بالسير بخطوات هادئة حيث مكانه مُقرراً أنه لن يُظهر نفسه له ، إلا أن كل خططه تلك تبخرت تماماً فور شعوره بهالة لكائن ما بالقرب من شقيقه الذي من الواضح له أنه يقاتل !
خطواته باتت أكثر سرعة و قلبه يدق بعنف ، جسده سينهار ان تناول حبة رابعة لليوم ، لن يمكنه القتال و لو لدقيقة واحدة .
توقفت خطواته ما إن وصل ليرى شقيقه يقف أمام مخلوق لم يرى مثله من قبل ، حسناً ليس على أرض الواقع بأي حال ! حيث امتلك رأس أشبه بالديك ، أجنحة كما هي أجنحة الخفافيش و بالنهاية جسد كما التنين !
ريك كان يجثو على إحدى ركبتيه يتنفس بصعوبة شديدة ، وجهه مُحمر بقوة كأنه قد يفقد وعيه بأي لحظة ، هو ركض بإتجاهه يُبعده من أمام ذاك الوحش فحسب ذاكرته عيناه اللتين تشبهان خاصة الضفدع يمكنها التسبب بإبادة لما أمامه !
هو لا يتناول سوى الصخور لكن فكيه بهما نوع من السموم القوية و التي لا علاج لها سوى دمعة من العنقاء .
ريك أبعده قليلاً عنه ليحول ريكايل بصره إليه ناطقاً بنوع من القلق :" هل أصابك ؟ هو لم يمسك بأنيابه صحيح ؟ "
رفع الأكبر رأسه يومأ سلباً بينما يحاول الوقوف لتتسع عينا الأصغر يمسك به من يده :" أين تظن أنك ذاهب ؟ ثم أنظر هو حتى لم يُهاجمنا للآن ! أراهن أنه أراد الصخرة التي تجلس عليها لتناولها "
نظراته كانت مليئة بالحقد و هو يدفع يد توأمه بعيداً عنه :" كل مخلوقات هذه القارة يجب إبادتها ! لن أغفر لأي منهم أو لمن كان السبب "
وقف أمامه يهتف بحدة :" للوصول للسبب عليك عدم التهور ! بماذا قد يُفيدك كل هذا !؟ أتوسل إليك أخي "
و الأكبر ما كان واعياً بحق ، هو و كردة فعل تناول ثلاث حبات أخرى ، كل ما يسيطر على عقله الآن هو القتال فقط ، لم يكن ليهتم بأي شيء آخر فالمفعول هو فقط ما يحرك جسده الذي بالكاد يقف !
ريكايل اتسعت عيناه برعب و هو يشاهد ما يحدث ، ريك كان قد هجم بقوة على من أمامه و آلمه ، هذا كان كفيلاً بجعل ذاك المخلوق يغضب لذا هو فتح إحدى ذراعيه قاصداً حمل عدوه بها يغرس به من السم الفتاك الذي يحمله ، و بالرغم من أنه لم يصل له او يصبه للآن فعدوه كان ينزف من أنفه و فمه بل إن إحدى الكريستالات ومضت بقوة تنبأ عن أن أحدهم بخطر !
و هذا زاد من الرعب بقلب ريكايل الذي أسرع إليه يحتضنه بقوة يمده بالطاقة عله يفقده الوعي و قبل أن يدرك اتسعت عيناه بقوة شديدة يشهق بألم فور شعوره بتلك الأنياب تخترق جسده !
ثوان و شعر بجسده و شقيقه بعيداً عن المعركة بينما هالة سيده و الحاكم إنتشرت بالأجواء لذا أغمض عينيه فاقداً للوعي تاركاً ما تبقى على عاتقهما .
~ نهاية الفصل ~
بغض النظر عن المصائب بالأعلى 😶 كل عام و أنتم بألف خير ! ... أعاده الله عليكم باليمن و البركات ... ❤
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top