الفصل السادس و الأربعين
خطواته توقفت أمام وادٍ عميق بينما بصره بكل ذبول اتجه للأسفل ، هو أطلق تنهيدة ما أظهرت مدى اليأس و الألم الذي يُحيط بقلبه ، ليس و كأن ذاك كافٍ بل ازداد الأمر بشعوره بفراغ تام بأعماقه !
يده رفعها يضعها على قلبه النابض بسرعة جنونية مُطالباً إياه بالهدوء ، رأسه كان منخفضاً بحيث ما كانت ملامحه ظاهرة !.
و رغم ذلك يده اشتدت ينطق بنبرة حادة رغم هدوئها :" أقسم أنه إن حاول أي أحد الاقتراب سألقي بنفسي من هنا فقط ! "
و شهقة مرعوبة صدرت من زاك الذي توقفت خطواته تماماً كما فعل الثلاثة الذين معه إلا أنه نطق بألم :" أميري ؟ "
عض المعني على شفتيه بينما رفع رأسه يحدق به بنوع من الشراسة هاتفاً بحنق :" ماذا تريد الآن ؟ أي نوع من الصعوبة هو هذا الذي يمكنك من خلاله عدم فهم عبارة لا تقترب ! أغرب بل جميعكم لتفعلوا لا أريد رؤية أي أحد ليذهب كل منكم لمن ينتمي إليه بدلاً من إزعاجي "
اختتم عبارته يشيح بوجهه عنهم مُعطياً إياهم ظهره فدموعه انهمرت دون إرادة منه ، زاك رغب بالتقدم و احتضانه إلا أن توأمه نطق بهدوء رغم الانزعاج البادي على ملامحه :" هو غاضب الآن زاك من الأفضل ربما تركه و شأنه موافق ؟ "
شهق المعني باعتراض تام فلماذا يجدر بهم ترك أميره بحال كهذه ؟ و لأنه غاضب فقط ؟ أهذا سبب حتى ؟ هو حدق بعدها كما ويل بريكايل الذي كان يحدق بظهر توأمه قبل أن ينتبه اليهم لينطق بابتسامة حزينة :" زاك استمع لشقيقك الآن ، لن يجدي الحديث معه و هو غاضب هكذا ! "
هو بعدها وضع يده على شعر سيده يبعثره ليومأ إيجاباً حيث وجدوا أنفسهم يضطرون للانسحاب ربما ؟
و صوت خطواتهم تلك جعلت الأمير يجلس على إحدى الصخور يضع رأسه بين يديه غير قادر على استيعاب دموعه التي انفجرت فجأة ! ، بحق الإله هو لم يبكي هكذا عندما فقد شقيقته ! بل منذ سنوات طويلة للغاية إذاً أهذه هي نهاية صبره ؟
هو طلب ذهابهم ألم يفعل ؟ إذاً لما شعر بأن دموعه ازدادت بتلك اللحظة التي شعر بها بخطواتهم تبتعد !؟ إلى أي حد يود أن يكون مثيراً للشفقة ؟ بل ربما ما آلمه هو رحيل اثنان من أصل أربعة ؟!
لطالما كان مُحاطاً بهم ، هو بجدية ما أدرك يوماً طعم الوحدة مهما كانت لذا لم يعلم من قبل كم هي مؤلمة ! ، لكنه الآن غرق بأعمق نقطة بها .
دون سابق إنذار وجد نفسه يفقدهم واحداً تلو الآخر فاقداً جزء كبير من نفسه معهم ، لما عليه العودة للوطن ؟! و أي وطن هو هذا الذي سيجده دون رفاقه ؟!
بحق الإله ألم تكن أسرته الصغيرة هي وطنه ؟ و الآن من سيستقبله بكل صباح بابتسامة هادئة ؟ يتفقد ملامحه باحثاً عن الألم أو الانزعاج بها ؟ من هي التي ستقتحم مكتبه تثير به الضجة بينما ابتسامتها الواسعة و ضحكاتها تحمل الكثير من كآبة و رتابة العمل ؟
من سيجلس بجوار جيف يشاجره ؟ و من الذي سيمسح له دموعه متجاوزاً ابتسامته ناظراً لقلبه مباشرة ؟
عند عودته أي نوع من البرود هو هذا الذي سيستقبله ؟ مكتبه سيكون خالياً من الحياة كما روحه هو صحيح ؟!
شهقة ما تمكن من كبحها صدرت منه قبل أن ينطق بنبرة هامسة بنوع من الأمل أو الرجاء :" ريكايل ؟ "
نبرته تلك لم يكن ليسمعها الجالس بجواره حتى لكن إن كان مصاص دماء و بمسافة قريبة سيفعل صحيح ؟ أي إن كان توأمه واقفاً خلفه فهو سوف ...
و أفكاره تم قطعها عندما شعر بجسده يُشد للأمام ليصبح بين يدي شقيقه الذي أحاطه بقوة ينطق بنبرة عكست الألم الذي يشعر به :" هنا أخي ، لم أذهب لأي مكان و لن أفعل ، أعدك سأكون خلفك دائماً مهما حدث "
و إلى هذا الحد الأكبر تشبث به بقوة يضع رأسه على كتفه سامحاً لنفسه بتحرير جزء من ألمه بين يديه بينما الأصغر فقط جلس يمسح على شعره بهدوء .
****
خطواته توقفت فور وصوله لما خلف الحاجز يحدق بالخلف بنوع من الألم الذي احتل ملامحه !
يدرك أي نوع من المشاعر هو تسبب بها تواً لشخص يهمه أمره و بشدة ، يعلم ربما أنه لن ينال تلك الثقة مُجدداً من سيده ، أو أنه لن يجد له مكاناً بقربه و كم يؤلمه ذلك لكن و مُجدداً هو أخفض رأسه جاعلاً من خُصلاته الداكنة تخفي مُقلتيه و ملامحه .
كولين و كلاي برفقة كات وقفوا يحدقون به بصمت ، أي منهم لم يحاول قطع أفكاره ، بل و إن رغب أحدهم بهذا فماذا يمكنهم قوله ؟! كُل من كولين و كلاي لا يعلمان حتى ماذا حدث له ليقبل بالذهاب معهم بعد رفضه السابق !
إلا أن من كسر الصمت بالأرجاء كان جيف الذي نطق بنبرة هادئة لا تعكس أي مما يؤلمه :" كيف سُمح لي بالعبور ؟ أعني كيف لم يحاول أحد منهم إيقافي حقاً ؟ "
تراجع كولين خطوتين للخلف رافضاً الإجابة بينما حدق به كلاي أولاً قبل أن يُجيبه بخفة :" قبل قدوم أمير البشر للجلوس معك بالخارج هو توسل إليهم أن لا يعترض أحد طريقك إن قررت الرحيل ! "
عيناه اتسعت بينما شهقة صدرت منه دون إدراك تعبر عن مدى صدمته بينما هتف بلا وعي تقريباً :" توسل ؟ كيف ؟ أعني هو ... "
قاطعه كلاي مُجيباً بنوع من الحذر :" هو وعدهم بأن يخبرهم بكل شيء ، لكن مبدئياً أن يسمحوا لك بالعبور دون مشاكل ان رغبت ، كما وعد أنه و عندما يحين الوقت و إن تقابلتما سيتأكد هو بنفسه من إنزال العقوبة عليك "
بصره و بشكل لا إرادي التف لسيده المنهار بينما يشعر بأن جسده يرتجف بضعف ، هو أوفى بوعده له ! عندما أخبره أنه لن يحرمه من الذهاب هو لم يمنعه بل حتى سهل له الطريق بنفسه و إن كان الثمن هو تجاهل مشاعره الشخصية !.
ابتسامة خافتة شقت طريقها إليه بينما يجثي على إحدى رُكبتيه رغم علمه أن رفيقه و سيده لن يراه بينما يضع يده اليُمنى على قلبه ينطق بأعماقه بلا صوت :" أقسم لك بالولاء الدائم سيدي ، اليوم و إلى آخر يوم بحياتي ! أرجوك أعذر أنانيتي هذه ، أعدك سأعود و حينها إفعل ما يحلو لك بي ، روحي ستكون بين يديك "
هو أنهى عبارته تلك ليقف على قدميه بينما يرفع السوار يعبث به ، و كات اقتربت منه تمسك بطرف قميصه ناطقة بهدوء :" اذا هل نذهب ؟ "
ابتسامة هادئة رسمت على شفتيه يضع يده على شعر الصغيرة بينما يُجيبها :" أجل لنفعل ! بأي حال لا عمل لدي هنا بعد الآن "
*****
الصمت الذي غرق به مكان تجمعهم المعتاد كان مقيتاً بشكل كبير ، هالة من الكآبة بدأت تنتشر بينهم !
ماذا حدث للتو ؟! لا أحد منهم فهم ما جرى حقاً ، لماذا كان على أحدهم أن يغادر ؟ كيف علم أمير البشر بنية رفيقه قبل أن يتحدث معه حتى ؟
هنا ذكرياتهم أخذتهم لتلك الليلة التي وقفوا بها عاجزين عن إيقاف الهجوم على جناح مملكة البشر ، هم تجاهلوا يومها سبب إدخال المستشار للنوم لمدة بسيطة بدلاً من قتله إن أرادوا تقليل العدد و ربما جزء منهم رآى أنها حركة عشوائية لكن الآن بات الشك يكبر بهم .
و أي منهم لم يتحدث بل انتظروا عودة من وعدهم بتفسير لكل ذلك إن هم سمحوا له بالذهاب ؟ بعضهم للآن لا يعلم كيف أمكنه إعطاء وعد بعدم التدخل حتى مقابلة أخرى معه , فهم ليس ممن قد يقبل بتواجد الخونة بين صفوفهم إلا أن الأوضاع الراهنة و مُجدداً كانت سبباً بتراجع الأغلبية رغم عدم إقتناعهم بالأمر , ريك كان ليحميه منهم و إن كان هذا يعني وقوفه ضدهم و بالتالي ريكايل كان ليقف أمام توأمه لحمايته و هذا كان كفيلاً بإجبار جيسي على التراجع !
زاك أيضاً كان ليقف ضدهم و بالتالي توأمه أي أن هناك إنقسام كبير سيحل بفريقهم و هذا ما جعل كيفين و ليون يتراجعان أيضاً عن الإعتراض ! , و بعضهم أراد فقط الإستماع للتفسير أولاً قبل كل شيء بينما آخرون و كما العادة أظهرو عدم الإهتمام على ملامحهم و إن كانت الحقيقة أمر آخر .
و كل تلك الأفكار إنقطعت باللحظة التي أطل بها كل من ريك و ريكايل حيث وقف جيسي أمامهما تماماً ينطق بنبرة ما أخفت الإنزعاج الذي يشعر به :" و إذاً ؟ أتوقع أنك على استعداد لإطلاعنا على كل شيء صحيح ؟"
أومأ ريك له إيجاباً قبل أن يسير مُتخطياً إياه ليقف بالمنتصف يحدق بهم جميعاً بينما أخذ نفساً عميقاً يرسم ابتسامة مطمئنة لزاك الذي تقدم ليقف بجواره قبل أن ينطق بينما يغمض عيناه ينطق بنبرة هادئة :" أسرة كيستون هي واحدة من العائلات العريقة بمملكتنا ! , لطالما كانت من بين حاشية الملك طوال السنوات الماضية و والدا جيفيري لم يكونا إستثناءاً "
الأمير الشاب ما فتح عيناه خلال إكماله لكلماته الهادئة بل بدى و كأن ذكرياته كانت تتوالى على مُخيلته ليعيشها مرة أخرى , عائداً بأحرفه و ذهنه لتلك الأيام التي بدت له الآن مُسالمة و بشدة ! .
ذاك اليوم كانت أشعة الشمس مُشرقة بحيث الأجواء كانت حارة بشدة ، لكن بالنسبة للصغيران ذوي الخامسة من العُمر هي كانت مُناسبة للعبث و اللعب بالأرجاء لذا العبوس كان يزين وجه الأصغر منهما بينما توأمه الأكبر كان يُمسك بيده يضعه خلفه فهو يدرك أن عبوس توأمه لن ينتهي إلا بِحصولهما على توبيخ كأقل تقدير !
لذا وقف الأكبر أمام والده بينما كلاهما كانا ينظران له بنظرات مُختلفة عندما انخفض المعني يبتسم لهما يضحك على تعابير ابنه الثاني الذي ازداد عبوسه فور وضعه ليده على رأسه يبعثر شعره له ، بينما ريك ترك يد توأمه إذ أن مزاج والده جيد بشكل نادر أي لا خطر عليهما ربما ؟
حينها رفع يداه الصغيرتان تمسكان بيد والده الكبيرة يُخفضها ينطق بنوع من الفضول :" لما طلبتنا أبي ؟ أنا و أخي لم نسبب المشاكل للمعلم اليوم ! و أنهينا بنجاح دروس آداب المائدة و لست بِغاضب !؟ إذاً لما ؟ "
ابتسامة الأكبر كانت تتسع بينما يُبعثر شعره و هو يُجيب بنوع من الهدوء :" أجل لم تفعلا أي أمر سيء لكن أردت أن تتعرفا على شخص ما "
و هذه الكلمات جعلت الأصغر سناً يخفي عبوسه سريعاً ليحل مكانها الفضول كما توأمه الأكبر يتقدم للوقوف أمام والده مُباشرة ينطق بنوع من الحماس الطفولي :" أين هو ؟ هل هو بمثل عمرنا أم معلم جديد ممل ؟ "
ريك تقدم إلى جوار شقيقه يميل برأسه :" أنعرفه أبي ؟ "
هو أجاب بنبرة هادئة :" كلاكما يعرف مُستشاري جيداً صحيح ؟ هو لديه ابن بعمر السابعة ، والدته ستأتي للعمل بالقصر أيضاً كطبيبة للأسرة الحاكمة لذا أريد منكما العناية به "
ريكايل كاد يفتح فمه للإجابة عندما قاطعهم صوت طرق على الباب تلاه دخول مُستشار والدهم و من خلفه دخلت إمرأة بشعر أسود حالك طويل يمسك بيدها طفل كان يحدق بالأرجاء بنوع من الفضول قبل أن يثبت بصره على الحاكم لينحني كما فعل والداه تواً !.
ريكايل كان أول من تقدم يقف أمام الصغير المُنحني حيث وضع كلتا يداه على وجنتيه يجعله يرفع رأسه قليلاً ليحدق به بينما ينطق بمرح :" إذاً ابن السيد المُستشار الأول ما هو اسمك ؟ "
تنهد والد الأصغر بيأس بينما أجاب المعني بنبرة رسمية هادئة :" كيستون جيفري ، سيدي الأمير "
آمال ريكايل برأسه قليلاً ينفخ وجنتيه و هو ينطق بينما يبتعد قليلاً للخلف عنه :" لا تكن مملاً هكذا جيف ! أيمكنك تجاهل الرسميات ؟ لننهي طريقة التعارف هذه و نذهب للعب "
كرر الأكبر من خلفه بنوع من الدهشة :" جيف ؟ "
و هو أراد أن يُجيب على ذلك مُجدداً لولا يد والده التي امتدت لأُذنه تشد عليها ينطق بهدوء :" ريكايل كم مرة أخبرتك أن تتصرف بشكل أفضل من هذا ؟ "
و المعني شهق بألم بينما اقترب ريك يبعد يد والده بلطف بابتسامة هادئة قبل أن يُمسك بيد شقيقه و يقترب من جيفري ينطق بنبرة هادئة :" اسمي هو ريك ريدفيلد الأمير الأول لهذه المملكة و هذا أخي التوأم ريكايل و كلانا بالخامسة من العمر ، تشرفت بمعرفتك "
شيء من العبوس بقي مُلتصقاً بالتوأم الأصغر بينما يحدق بوالده و كأنه سلبه آخر قطعة حلوى يملكها و لا بديل لها !.
حيث فور وقوع عينا المعني عليه ضحك بخفة لينطق :" حسناً فهمت ! يمكن لكم الخروج الآن و العودة للعب أو أياً كانت ما ترغبون بفعله لكن دون أي أمر متهور مفهوم !؟ "
و الابتسامة عادت و أخيراً لتشق ملامح الأصغر يتحرك سريعاً يُمسك بيد توأمه و يد جيفري مغادرين المكتب ! .
ذلك كان أول لقاء جمع الثلاثة معاً ، بذلك الوقت لم يكن من المحدد بعد أن يصبح جيف هو المُستشار الأول و المرافق الشخصي للأمير بل تلك كانت مُهمة شقيقه الأصغر إلا أنه بكل حال لم يهتم أي منهما بمثل هذه الأمور مطلقاً فهم قضوا وقتهم معاً و هذا كان الأهم .
الأيام مضت بهم سريعاً ، و ذاك اليوم مر عليه عام كامل ، والدة جيفري عملت بالقصر و بذات الوقت هي تلقت دعوة للعمل بمشفى بمملكة أخرى !
و هذا بدأ بأخذ الوقت منها ، الحرب بمملكة البشر كانت تصبح أكثر شراسة من جانب آخر ، حتى أن الملاجئ المصممة للنجاة بدأت تفقد قدرتها على الصمود أو استيعاب أعداد المتواجدين بها ، الحاكم بتلك الفترة اتخذ قرار ما كان والده ليفعله و هو فتح أبواب القصر و منازل النبلاء للعامة !.
حيث أن تلك المنطقة كانت مُحاطة بحاجز يمنع دخول أي من الأجناس الأخرى إليها دون إذن !، هو ما استمع بوقتها لأي من اعتراضات حاشيته و وزرائه بل أخبرهم بوضوح أن أهمية وجودهم منبثقة من وجود الشعب الذي يعتمد عليهم ! فإن اختفى كل شعبهم فلن يمر وقت طويل حتى يختفي شعبهم من الوجود ليصبح تواجدهم هو محض ذكرى لشعب فشل بسبب الجشع !
الحاكم بدأ بعدها بمغادرة الحاجز ليتواجد بين الجيش المتبقي و برفقته الأمير الأول رغم صغر سنه إلا أنه حرص على جعله يرى أي معاناة هي التي يعاني منها الشعب خارج أسوار ذاك الحاجز لئلا يظن أن الحياة بكل مكان كما هي حياته بالقصر .
و لو كان الأمر بيده لأخذ ابنه الآخر أيضاً لكن بالنهاية إن حدث مكروه لهم فأي مُستقبل سيبقى لمملكة بلا حاكم ؟ لذا أليس ابقاء احدهم بعيداً عن ساحة الحرب أفضل ؟
لذا تسلسل الأيام بذلك الوقت أصبح خانقاً بشكل أكبر ، و ما زاد على ذلك كان اختفاء زوجة المستشار و والدة جيف بشكل تام بلا أي دليل !
و هذا أجبر بعثة ما للخروج بحثاً عنها ، و ما أحضروه لم تكن أي أخبار سارة ، ذلك المشفى الذي عملت به كان على حدود مملكة المتحولون و هناك من أكد أنه يتم التعامل بهذا المشفى و بشكل سري مع هجناء لاجراء التجارب عليهم .
و هذه الاشاعة تم التأكد منها ليطلق بيان يعلن به عن كونها خائنة ، حياة جيفري و والده قُلبت لجحيم من بعد ذلك !
مكانة تلك الأسرة تراجعت تماماً حتى أن بعض أفرادها طالبوا المُستشار بإعلان يبرأه منها و من ابنها بذات الوقت ، ذلك الضغط كان يكبر يومياً فحتى خدم القصر و العامة جميعهم توقفوا عن الحديث معهم .
الأمر بالنسبة لجيفري كان مؤلماً بشدة هو لم يدرك ما عليه فعله ، و والدته كانت قدوة له دائما و شخص يمكنه إخبارها بكل ما يريده و الآن هي لم تختفي فقط بل و بات يحرم عليه ذكرها ، والده قد يضطر للتخلي عنه لأجل استعادة مكانته !
لذا هو انتهى الأمر به يقضي وقته بجناحه الخاص قرب النافذة بانتظار مصيره المجهول بظروف كهذه ، لاسيما أن الجميع أساساً يشعر بالاستياء من الحرب و هي فرصة مُناسبة لإخراج استيائهم بقصة كهذه .
عيناه كانتا مُغمضتين بينما الهواء البارد كان يحرك خُصلات شعره الداكنة بكل الاتجاهات و بِعشوائية تامة .
هو حتى ما انتبه لتواجد كِلا الأميرين أمامه إلا عندما تقدم ريك أولاً يضع كف يده الدافئ على وجنته المُتجمدة ينطق باستياء :" أنت ستُصاب الآن بالبرد و قد تبقى طريح الفراش حينها لأيام هيا ابتعد لنغلق النافذة "
و هو شهق فور أن شعر بيده ليبتعد دون أي تفكير سامحاً لأميره بفعل ما يريده ربما ؟ ريكايل تقدم هو الآخر منه يضع عليه غطاء و يقوده للأريكة بابتسامته المُعتادة .
ريك اقترب منهما جالسا بجوار الأكبر سناً يضع يده على شعره يُبعثره له بينما الأصغر بينهم جلس القرفصاء أمامه ينطق بخفة :" جيف هل تعلم أنه ليس كل ما يقوله الآخرين صحيح !؟ أحياناً هم يرون الموقف من زاوية واحدة ، لا أحد منا كان معها لذا من يعلم ما حدث حقاً ؟ ربما هي شاهدت أمور لم يتمكن أحد آخر من رؤيتها ! "
رفع المعني رأسه يحدق بريكايل أمامه بينما التمعت مُقلتيه ليردف الثاني :" أحياناً يُتهم الآخرين فقط لأنهم يتصرفون بشكل إنساني و كأنها جريمة ! أنظر ربما من زاوية وقوفنا الآن هي ليست سوى خائنة لكن من زاوية أخرى هي بطلة لأحدهم موافق ؟ "
و الدموع انهمرت و اخيراً من عيني جيف الذي لم يدرك كيف يمكن لطفل بالسادسة أن يتمكن من إعادة الدفء لقلبه بكلمات بسيطة كهذه ؟ و كأنه أراد فقط من يخبره أنها ما تركته فقط لأجل لا شيء ! و بالأخص لسبب فظيع كإجراء تجارب غير شريعة .
ريك مسح له تلك الدموع قبل أن يحتضنه بخفة و هو ينطق بهدوء :" سيكون كل شيء على ما يرام موافق ؟ انظر أنا و ريكايل سنعلن اليوم أنك ستكون المساعد الأول لنا ، هذا سيجعل حتى افراد أسرتك مجبورين على اغلاق أفواههم ! "
و هنا اتسعت عيناه يحدق به و قد توقفت دموعه فجأة ، بحق الإله هو عاجز عن الرد حتى إلا أنه وجد أن الامير الثاني وقف بجواره يبعثر شعره له !
إلا أن التوأم لم يعطه أي مجال للتفكير بالرد حتى فكلاهما أمسكا بيده لسحبه للخارج ليُعلنا عن قرارهما و فور ان باتوا خارج الغرفة هم وجدوا الحاكم يقف أمامهم بابتسامة قبل أن يبعثر شعر صغيراه و يسير لمكتبه .
ريكايل نطق اولاً بنوع من التذمر و هو يُعيد ترتيب خُصلاته :" ما هي مشكلته ؟ لما كان يبتسم هكذا ؟ "
و جيف ابتسم قليلاً يجيبه :" هو فخور بكما على الأغلب ! "
حدق الصغير به قبل أن يبتسم بهدوء و يعودوا للسير !
و كما توقع الأميران بمجرد إعلان أن هذا الطفل سيكون أول مُساعد لهما تم قبوله جبراً و إغلاق أفواه من يطالب بالعكس و بهذا تلك القضية أغلقت أبوابها مؤقتاً .
و مع نهاية صدور تلك الكلمات من فمه فتح الأمير الشاب عيناه ليُحدق بالمجموعة الهادئة و التي غرق كل منهم بأفكاره ، فقطعاً لازال لتلك القصة تتمة لكنه أراد أولاً رؤية أي ردود أفعال ستظهر منهم !.
و الوحيد الذي علق من فوره بسخريته المعهودة كان جيسي حيث نطق :" الخونة من هذه الزاوية قد يكونون أبطالاً من زاوية أخرى ؟ يا لها من كلمات لطيفة من طفل بالسادسة ! ريكايل أكنت حكيماً بصغرك ؟ ظننتك كنت تنشر العبث فقط "
و المعني ضحك بخفة يكتف يداه بينما يجيبه سريعاً :" هل رأيت ؟ أنت لم يتم خداعك بالنهاية سيدي ! فقد حصلت على مستشار يندر تواجده "
ابتسم محدثه بسخرية قبل أن يستند للجدار خلفه يثبت بصره على الأمير أمامه :" و أنت تصرفك ذلك يدل على الحكمة التي أرى أنك تفتقر إليها بأيامنا هذه ! "
نظرة شرسة ظهرت على ملامح ريك سريعاً يقلب عيناه بملل بعدها و هو يجيبه :" لم يكن من الممكن الحفاظ عليها و قد قابلتك "
شهقة صدرت من آلبرت و ميلينا لتتسع ابتسامة جيس و هو يجيب :" ربما محق أيها الطفل لابد أنك عانيت من صدمة عندما رأيت أنك ستصل للعرش بينما هناك فرق كبير بيننا ألا تظن ؟ "
حدق ريكايل بكلاهما قبل أن يحدق بالحاكم أمامه بشيء من العبوس و هو ينطق :" سيدي ! "
و قبل أن يُجيب جيس أو ريك تدخل ويل ينطق بتذمر :" يوجد بقية للحديث صحيح ؟ "
تنفس ريك بعمق بينما حرك جيس كتفيه بلا اهتمام حيث نطق الأول مُجدداً :" بأي حال بعد أربع سنوات من ذلك أي عندما كنت أنا بالعاشرة و جيف بالثانية عشرة أتى خبر انفجار ذلك المشفى و حدوث معركة بداخله أدت لمقتل كل المرضى و العاملين به ، و بالتالي تم وضع اسم والدة جيف ضمن الضحايا و بهذا أُغلقت تلك القضية للأبد كما ظننا "
رفع يده يحرك بها خُصلاته و هو يكمل :" السنوات مضت بطريقة ما حتى بدأت تلك الهالة المُظلمة تظهر بالأرجاء ، و برفقتها و بشكل ما عثر جيفري على مذكرة والدته بغرفته ، هو لم يخبر أي أحد عن ذلك حتى ظهر المهجن بجناحنا بمملكة مصاصي الدماء ! "
الاهتمام و أخيراً سيطر على جميع الحاضرين ليتابع ريك كلماته:" بذلك اليوم ذلك الهجين اقتحم الجناح فجأة ، لم يكن اي منا قد نام وقتها حقاً لذا ثلاثتنا وقفنا سريعاً رغم ذلك هو قام بتقييد حركة كلير و اتجه لجيف مباشرة حيث اخبره انه لا يفترض به القدوم لأنه قد يتأذى جديا ثم أفقده وعيه بطريقة ما و حينها هاجمته أنا و هزمني "
قال كلماته الأخيرة بغيظ بعد أن كانت نبرته تحوي بالشعور بالألم لاسيما عند ذكره لاسم شقيقته !
إلا أنه تابع فوراً :" بأي حال لاحقاً علمت من جيف أن قدومه لهذه المهمة كان ليرى والدته ، هو أراد الاطمئنان فقط من أن لا تكون أسيرة أو يتم التحكم بها أو ما شابه ذلك هنا ! و فقط لم أستطع منعه من ذلك فلو كانت كذلك و منعته من القدوم لندمت للأبد "
هو تنفس بعمق بعدها ليتقدم كيفين و الذي تحدث بهدوء :" قلت أن ذلك المشفى على حدود مملكتنا صحيح ؟ أذكره و حادثة الإنفجار لكن لم أعلم قط أن هنالك معركة دارت به قبل تفجيره أو أنه احتوى على دراسات غير مشروعة ! "
آرثر نطق بعده مُباشرة :" هل وردتكم معلومات عن من يدير ذلك المشفى ؟ هدفه منه ؟ "
الموضوع هنا لم يعد دائراً حول خيانة أحدهم بل بدى لهم لوهلة أكبر من ذلك ، إن كان هنالك هذا النوع من التجارب ألا يعني أن أحدهم كان يحاول أن يصنع جيش من المهجنين كأقصى تقدير و أقله أنه كان يبحث عن القوة ربما ؟!
لذا أجابهم ريك بهدوء :" اجل هو كان على حدود مملكتك ، و العاملين به كانوا زُمرة من جميع الأجناس ، لكن لا أملك فكرة عمن كان مديره و مملكتنا كانت لاتزال تتعافى من آثار الحرب المدمرة عليها لذا لم تجد وقت للبحث "
و نبرة مُنزعجة ظهرت من آيزاك الذي وقف مُكرهاً ربما يحدق بهم :" هو مُشترك ! أسرة مارش و حاكم مملكة المتحولين كان لهم النصيب الأكبر به و بنسبة بسيطة شقيق حاكم السحرة "
الأعين اتجهت للمتحدث سريعاً حيث قطب كيفين حاجباه بتفكير فوالده قد يقوم بمثل هذه التصرفات عديمة النفع لكن لما ؟ و كيف هو لم يسمع بشيء كهذا من قبل ؟!
آرون نظرة غريبة اعتلت ملامح وجهه بينما ابتسم بشكل مُخيف و هو ينطق بسخرية بنبرة بدت غريبة عليهم جميعاً :" شقيق حاكمنا ! ذلك الوغد لازال يظن أنه قادر على فعل ما يريده صحيح ؟ "
و زاك وقف الى جوار توأمه بقلق لاسيما عندما أكمل آيزاك كلامه :" لقد ذهبت إلى هناك بنفسي عندما كنت بالثامنة و حتى أتممت التاسعة من العمر "
و هذا أعاد تركيزهم إليه مما دفعه ليشيح بوجهه عنهم بينما يكمل :" الهدف كان إيجاد عينة مثالية لشخص يمكنه أن يصبح هجيناً كاملاً يمتلك قوى كل القبائل ! لذا كانوا يجرون التجارب أولاً لرؤية تحمل الفرد الهجين و إن كان قادراً على استيعاب جينات القبائل الاخرى و هل يمكنه تحمل قوى القبائل الستة أم لا "
شهقة صدرت من عدة أطراف فهم جدياً لا يمكنهم هزيمة هجين من قبيلتين و حتى إن كانت احداها هي قبيلة البشر كآيزاك و زاك الا بصعوبة فكيف بتجربة كهذه ؟!
الصمت حلق سريعاً بالأرجاء فهل يوجد من هو يمتلك اكثر من قبيلتين ؟
جيسي ابتسم بسخرية يعيد خصلات شعره الداكنة للخلف يستعيد بذاكرته صورة تلك الطفلة و الشاب الذي دافع عن رفيقه و أصيب عوضاً عنه !.
هو توقع بالفعل أن تؤول الأمور إلى الأسوء ما إن رآى الطفلة لأول مرة .
كيفين قطب حاجبيه بتفكير قبل أن ينطق بنوع من الهدوء :" قبل فترة شعرت بأن هنالك شيء ما خاطئ هنا ، و كأن شيء ما يوشك على الانفجار ! بل كأن المكان بأكمله يسير به نبض شخص ما غير مستقر و كأنه سينفجر "
آمال جيس برأسه بخفة ، هو توقع أن يلاحظ أحدهم شيء كهذا بالفعل ، و هذا يزيد من الشكوك التي يمتلكها أساساً مُتسائلاً إن كانت صحيحة أو لا فكلا الخيارين فظيع !
ليون علق بهدوء :" تحديداً بالأسبوع الذي كنا قادرين به على العودة دون اتمامه بينما لم نشعر أنه تم عزلنا صحيح ؟ "
أوماً كيفين له ليهمس آرثر بهدوء وصل لمسامعهم جميعاً :" بمعنى آخر بالأسبوع الثاني ! "
و مع ذلك الهمس عم الصمت دون أن يقاطعه أي منهم فالأمور بشكل باتت تصبح أكثر وضوحاً بالنسبة لهم جميعاً و دون إدراك منهم وجدوا أنهم أمسكو بطرف الخيط و اخيراً بعد كل الذي عانوه بمحادثة كهذه .
****
مُقلتيه اللتين حملتا اللون الأسود الداكن بهما كانتا شاردتين كما أفكاره بينما إتخذتا من ذلك السقف الفاخر مركزاً لهما !
هو منذ قدومه وصل لهذه الغرفة دون أن يغادرها ، لم يمنعه أي أحد من هذا لكن ألا يفترض به أخذ بعض الوقت لترتيب أفكاره .
هو انحرف عن طريقه الذي اتخذه لنفسه ليصبح فجأة بتقاطع الطرق مجدداً لذا عليه إعادة ترتيب خطواته ، و رغم ذلك منذ قدومه و أفكاره منصبة على الأميران ، كلاهما هو ممتن لهما بشدة !
ذكرياته كانت تتسابق للظهور منذ أول لقاء لهما حتى مشهد رؤيته للأمير الثاني يحيط أميره و سيده بعناق عله يعيد له ثباته و الذي فقده بسببه .
تنفس بعمق محاولاً إبعاد مثل هذه الأفكار من عقله ليفكر بطريقة ابعاده لأمه عنه قبل بعض من الوقت .
هو رفض أن تقترب منه ، أخبرها بوضوح أن قدومه هنا لم يكن بهدف رؤيتها حتى بل هو فقط وجد أن مصلحته و أهدافه سارت به إلى هنا !
و هي ابتسمت له بخفة بينما طبعت على جبينه قبلة دافئة تخبره بأنها تدرك هذا جيداً ، بشكل ما هو شعر بالحنين لها سريعاً ، هي حقاً أكثر شخص يفهمه دون الكثير من الحديث ، بل ربما هي تدرك حتى سبب قدومه هنا و رغم ذلك ابتسمت له بدفء .
****
ذلك الأسبوع انقضى ليبدأ الأسبوع الخامس و بهذا تجاوز وجودهم الشهر بهذا المكان !
و بتلك الظروف هم لم يعتبروا جيفري ضمن الستة ممن عليهم تعدادهم قبل العودة للوطن .
لذا و مُجدداً ها هي تلك الدمى تحط بجوار بعضها البعض للبدأ بأسبوع لا يدرك أي منهم ما يحمله لهم من عواصف مؤلمة و مرعبة .!
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top