الفصل السابع و العشرين

تناثرت خُصلات شعره الداكنة حول وجهه فور نهوضه بطريقة غير طبيعية !

هو وضع يده على قلبه مُصغياً لنبضاته المتسارعة و لتنفسه المضطرب ، رسم إبتسامة ساخرة من نفسه فمنذ متى يسمح لذاته بإظهار كُل هذا الضعف ؟! و من ماذا مجرد كابوس ؟

حدق بمحيطه و رفاقه الذين يغطون بالنوم ظاهرياً مُفكراً بأنه لم ينم حقاً و لو لثانية واحدة إذاً ما كان ذلك ؟

همس من نيرو بصوت خافت لنفسه أيقظه من شروده و أفكاره :" هذه الهالة مُرعبة ! يستحيل أن تكون حقيقة "

ربما لو كان بحالته الطبيعية لسخر منه لكن أهو أفضل حالاً منه حقاً ؟ بعثر شعره بخفة مُستعيداً بذاكرته ما رآه وهو يقسم بأن الأمور تؤول للأسوء فقط !

نيو إعتدل بجلسته ليحدق بالتنانين النائمة بكل سلام مفكراً أهم لم يشعروا بتلك الهالة المُظلمة ؟

أعاد بصره للحاكم وهو يشعر بشيء من الحيرة فلماذا هو مضطرب بل و بوضوح ؟ يستحيل أن يكون ذلك بسبب الهالة التي إجتاحت المكان لدقائق ! إذاً هل رأى شيء ما لم يروه هم ؟

صمت للحظات حتى عن التفكير قبل أن ينطق بداخله :" ليس خائفاً بل غاضب ! كل ذلك الاضطراب بسبب الغضب ؟  "

هو أنهى عبارته ليأخذ نظرة سريعة لجيس الذي عاد للإستلقاء بينما عيناه القرمزية تحدقان بالأعلى بشرود تام ، هو اشاح ببصره نحو ريك الفاقد للوعي ليتنهد بتعب فهم قرروا التوجه لأقرب ساحر لتعويضه عن القليل من الدماء التي فقدها و يعالجوا جرحه ولكن إنتهى اليوم وهم بالكاد أنهوا الصحراء ليعودوا للمنطقة الثلجية وفوق كل هذا شعروا بأنهم و بالحظة التي غادروا الصحراء بها و كأنهم عبروا من حاجز ما فحتى الصحراء إختفت ، و مع ذلك لم يشعروا بأي هالة لأي شخص من رفاقهم بالقرب !

******
عاصفة شديدة القوة عبثت بمركبهم بكل الإتجاهات لكن ما كان هذا هو أسوء ما يحدث لهم فأربعتهم كانوا يقاتلون بعض المخلوقات التي هاجمتهم فجأة و بلا إنذار مُسبق محاولة سحب قاربهم للأسفل مُغرقة إياه ليكونوا وجبة طعام لهم !

تجنب إيكاري ضربة من إحدى أيدي ذاك الأخطبوط الضخم إن صحت تسميته بذلك ليقفز للخلف وهو يتنفس بصعوبة ، كم ساعة أمضوا بقتالها و بكل مرة تظهر أعداد جديدة لتواجههم ، عاد تركيزه لخصمه لينطلق راكضاً على إحدى يديه حتى وصل له ليقتله ثم يتراجع للقارب مُستعداً لخصمه التالي !

و من جهة أخرى وقف جيف أمام الأميرة و هو بالكاد قادر على الوقوف حتى ، هُو و هي تناولوا بالفعل ثلاث حبوب دفعة واحدة لأجل القتال و قد إنتهى مفعولها منذ فترة ، كلير بالفعل إنهارت قبل وقت قصير من الزمن بينما هنالك جروح طفيفة قد أصابتها و مع ذلك هي بدت وكأنها تأخذ إستراحة قصيرة ولم تعلن إنسحابها حقاً .

جيف لم يكن لينسحب بتلك السهولة حقاً ، و من حسن حظه ربما أن تلك المخلوقات لم تكن سريعة للغاية مما سمح له بمجاراتها بسيفه فقط متجاهلاً جسده الذي يوشك على الانهيار التام .

حدق آرون برفاقه بنظرة خاطفة بينما يقاتل خصمه لينطق بإبتسامة خافتة :" يبدوا أن الجميع قد وصل لحده الأقصى هنا ! "

أجابه جيفري بإبتسامة مرهقة :" أجل لذا أي أفكار مُفيدة قد تساعدنا حقاً "

أومئ آرون ليتمتم بتعويذة ما جعلت حاجز شفاف يحمي السفينة بالكامل و يمنع المخلوقات من التقدم أكثر ، نهضت كلير من خلف جيفري لتهتف بإستنكار :" لماذا لم تفعل ذلك من البداية بحق الإله ؟ أأنت مجنون أم ماذا ؟ "

عبس آرون بخفة وهو ينطق :" لا يجوز لك شتم من هو أكبر سناً ! حقاً هذا ليس بتصرف يليق بأميرة "

قبضت على يدها بقوة لينطق إيكاري بمرح :" لا يهم ذلك الآن بما أننا جميعاً بخير "

إنهار جسد جيف أخيراً ليجلس أرضاً بينما يعيد ترتيب شعره الداكن للخلف دون أن يعلق على الأمر بل إبتسم بهدوء فحسب !

آرون نظر لإيكاري ليتحدث بمرح كما هي نبرته :" من اللطيف حقاً وجود شخص مُتفائل بيننا ! "

هو وجه بصره بعدها لجيفري الجالس أرضاً ليردف :" و شخص آخر غير متسرع بأحكامه "

بالنهاية آرون إلتف لكلير التي جلست بالقرب من مستشار شقيقها ليكمل بعبوس طفولي :" و لكن لدينا هُنا أميرة عديمة الصبر و ذات لسان طويل ! نحن معاً منذ ثلاث أيام تقريباً ومع ذلك لم تستفيدي من أي نصيحة قدمتها لك "

تجاهلته ليس لرغبتها بذلك حقاً بل لإنها بدأت تفقد الوعي حولها تدريجياً فهي لم تعتد يوماً على تناول ثلاث حبوب دفعة واحدة بل بالكاد كان ريك يسمح لها بتناول واحدة خلال يومين ، و ما فعلته اليوم بالقتال و الصمود بالرغم من عدم إعتيادها على ذلك كان تصميم مذهل منها على عدم الإستسلام بالطريق الذي إختارته هي !

شعرت بيد آرون تبعثر خُصلها وهو ينطق بنبرة لطيفة :" مع ذلك أنتي أميرة مُذهلة حقاً ! البشر حقاً ملتزمون على ما يبدوا "

أبعدت يده بإنزعاج قبل أن تُطبق جفنيها بخفة فحسب غائبة عن الوعي .

حدق جيفري بها و شيء من الندم يتسلل لأعماقه ، هو كان عليه حمايتها أكثر و عدم السماح لها بتقليده و لاسيما مع معرفته بقدراتها ، بالرغم من هذا لا ينكر مدى دهشته بما حققته من تقدم خلال فترة قصيرة ، وكأنها تخبره و تطالب الجميع بأن لا يتصرفوا معها كعبئ إضافي بل كواحدة منهم فقط !

نطق آرون بصخب كعادته مُخرجاً جيف من أفكاره و مشاعره :" لا تقلق سأمحوا أثر تلك الحبوب من جسديكما ، تعلم صحيح انا لن أتمكن من الإبقاء على هذا الدرع سوى لمدة محددة وكلما طالت إنخفضت قدرتي بالقتال ! "

شهق إيكاري بقلق وهو ينطق :" تعني عندما يختفي الدرع أنت لن تعود قادراً على القتال ؟ أي يتبقى نحن الثلاثة فقط !؟ "

أومئ له كلاهما لينطق هو بعبوس :" مذهل ! هذا يعني أن فرصة تحولنا لوجبة طعام لذيذة واردة "

ضحك آرون بخفة بينما يجيبه بمرح :" أأنت واثق أننا وجبة طعام لذيذة ؟ عن نفسي لا أعلم حقاً و لا أضمن عدم التسبب لهم بعسر بالهضم "

إيكاري شاركه الضحك وهو يتحدث :" هذا أقل ما سيستحقونه على تناولنا ! "

أسند جيف جسده للخلف بينما ينطق بهمس بينما يغمض عيناه :" يا له من أمر مهم للنقاش بشأنه ! تحدثوا عن النجاة فحسب فأنا لا أنوي الموت هنا "

حدق آرون به قبل أن يقترب منه ويضع يده على رأسه ليهمس بتعويذة ما جعلت ملامح الأول ترتخي تماماً و من ثم إتجه للأميرة ليفعل ذات الأمر معها !

هو حدق بهما بهدوء قبل أن يتحدث :" أتمنى أن تستيقظا قبل نهاية طاقتي وإلا ستكون كارثة "

### قارة كلاهاريا ###

إبتسامة ساخرة رُسمت على وجهه بينما ينهض من موقعه بإمتعاض ، هو إلتف نصف إستدارة مُحدقاً بالجالس على عرشه بسخرية بينما ينطق :" إن كُنت تظن أنه و بغياب ملك مصاصي الدماء وحمايته عنا سنكون وليمة سهلة لكم إذاً دعني أحذرك من التهاون معنا ! ثق بي ستصدم بقدرة البشر على الصمود "

هو غادر بعدها المكان لتتبدل ملامحه للغضب و الإنزعاج ، أجل هم قادرين على الصمود لكن إلى متى ؟ بالنهاية إن تمكن ملك المتحولون من إقناع بقية الممالك بكون البشر لديهم مختبرات سرية لإجراء تجارب و إنشاء مهجنين سيعني دمار شامل لمملكته !

شد على قبضة يده بقوة فهو سيجد طريقة لا محالة ، لن يسمح لهم حقاً بإيذائهم ، هو لن يسمح بإيذاء أي مواطن بريء لديه إلا إن كانت روحه قد غادرت جسده بالفعل فبالنهاية هو و بيوم ما ضحى بشيء ثمين للغاية على قلبه لأجلهم و لأجل ما ضحى به عليه أن لا ينهار بسهولة و إلا لفقد حقه بالفعل بكل شيء و حتى بالنظر لوجهه إن كتب القدر لهما اللقاء يوماً ما !

غادر عائداً لمملكته دون أن يشعر بأنه مراقب و من عدة جهات أيضاً .

###  قارة زيلانديا ###

إستمع للتقارير بهدوء و ملل بينما عقله منشغل حقاً بما هو على وشك الحدوث ، صحيح أنه يرغب بأن يُقدم على خطوة العبث قليلاً لكن أهذا لمصلحتهم ؟

و لو لن أن جيسي هنا ما كان ليحدث ؟ أهو سينضم للبشر أم يراقب من بعيد ؟ أو ربما كان سيذهب لتهديد ملك المتحولون من البداية ؟

عبس بشدة وهو يفكر بكم كانت مهمة جيسي صعبة حقاً بالحكم ! هو أمير فقط و لم يحاول بالماضي مساعدة شقيقه بأعماله بل عاش حياته بعيداً عن كل هذا ، ومع ذلك وبعد موت شقيقه و إستعادة جيسي للعرش ما كان منه سوى محاولة الوقوف لجواره و التعلم لأجله القليل !

أفكاره تلك قادته للقلق على إبنا شقيقه ، أهما بخير الآن ؟ لا يريد لهما خوض تجربة مؤلمة جديدة يكفيهما الماضي حقاً ، و يكفي جيس ما حمله على عاتقه حتى الآن هو ليس بحاجة للمزيد !

أغمض عيناه وهو يزفر الهواء بيأس فبالنهاية ليس وكأن أفكاره ستقوده لأي مكان ، لا حل لديه سوى الثقة بهم و الدعاء مع تأمل عودتهما بخير له .

حدق بمن أمامه مجدداً ليعود للأعمال الخاصة به حتى ينتهي منها و ينتقل للمرحلة الثانية مما سيفعله فهو عليه معرفة رأي شعبه أولاً و الإستطلاع منهم بالخفاء تماماً كما كان جيس يفعل عند حدوث قرار مصيري كهذا .

### القارة المجهولة ###

قطرات العرق بدأت بالتساقط من جبهته بسبب فرط الإجهاد الذي يتعرض له ، محاولته للدفاع عن السفينة و إبقاء درعه مُفعلاً بالرغم من كل الهجومات التي تحدث عليهم أمر مُتعب للغاية !

إيكاري غادر مجال الدرع بالفعل ليحاول إيقاف الهجوم من الخارج بالرغم من محاولات آرون لإيقافه و محاضرته حول أنه عليه الإستماع لمن هو أكبر منه و أكثر منه خبرة و التي تم إلقائها بعرض الحائط وتجاهلها تماماً !

هو لم يأتي هُنا ليهزم ، لقد إنضم للجيش بجدارته حقاً ، لم يتدخل أي من رفيقاه لفعلها من أجله ، عليه أن يثبت هذا لنفسه أولاً ، لن يبقى دائماً بالخلف قلقاً من التخلي عنه بل سيقف بالمُقدمة برفقتهما ، و ربما لولا نظام التعليم لمملكة الجان طويل الأمد و الذي لا ينتهي عند عمر الثامنة عشر بل يمتد أكثر لكان كلا رفيقاه إبتعدا عنه أكثر فأكثر و إتسعت الفوجة بينهم .

أغمض عيناه وهو يركز على خصومه مُتجاهلاً جراحه النازفة بالفعل ، فمهما بلغت قوته هو لم يكن ليتمكن من الصمود وحده !

تنفس بعمق مُتراجعاً للخلف قليلاً لإلتقاط أنفاسه باللحظة التي مر من قربه بها بسرعة كبيرة ليكمل ما بدأه هو ، إتسعت عيناه بصدمة وهو يراقب المستشار لأمير البشر بينما يقاتل بقوة و شراسة ، متى إستيقظ أساساً ؟ هو ظن بأنه سيبقى فاقداً للوعي لفترة أطول من الزمن !

شهق بخفة عندما شعر بإحدى تلك الأذرع تحيط بجسده بمحاولة لتحطيم عظامه ، هو شعر بعجز شديد عن التحرر و المقاومة ، لكن سرعان ما شعر بجسده يهوي بينما صوت جيفري الحاد يتسلل إليه :" ركز على خصمك بالمعركة و لا تشتت فكرك ! "

عض على شفته بقوة وهو يرى الدماء التي تنهمر من جسد صاحبها بلا إنتظار ، أراد الإعتذار إلا أن نظرة جيف الحادة بعيناه السوداء الضيقة جعلته يتراجع عدة خطوات للخلف ، و ربما الأمر المدهش حقاً هي إنسحاب تلك المخلوقات من المكان فور إصابتهم له !

عاد كلاهما للسفينة بصمت تام بحيث غرق كلاهما بالتفكير بطرق مختلفة .

جيفري عاد للجلوس بمكانه وهو يفكر أكان إنسحابهم صدفة بحتة فقط ؟ أم أن هناك سبب آخر وراء الأمر ؟ أهو شيء مُتصل بحادثة هجوم ذاك الهجين على جناحهم ؟

بعثر خصلاته بإستياء فإن كان الأمر صحيحاً وكل إفتراضاته واقعية حينها ماذا سيكون عليه أن يفعل ؟ لماذا يشعر الآن بأنه يكره حتى نبضات قلبه التي تخفق مُعلنة عن وجوده هنا على قيد الحياة ؟

أخفض بصره قليلاً بينما آرون يعالج له جرحه ، هو لم ينتبه للألم فلديه حالياً ألم أعظم يقبع بطيات قلبه و مخاوف يحاول بشتى الطرق أن يبعدها عن مساره حتى لا يتخذ يوماً قراراً سيندم عليه طوال حياته لاحقاً .

من جهة أُخرى وقف إيكاري أمام جيفري محاولاً إستجماع شجاعته للإعتذار له ، هو لا يعرفه جيداً و أول مقابلة لهما كانت بقصر الحاكم قبل المهمة ، ومع ذلك خلال تلك الفترة هو رآه على الأغلب شخص هادئ و طيب القلب و يسهل التعامل معه !

أو على الأقل هذا ما ظنه هو ، فبمجرد نظرة واحدة حادة منه جعلته يشعر بالخوف من النظر بعيناه حتى ، تلك الرهبة التي شعر بها لثانية فقط كبيرة و مُفاجأة وكأنه يخبره لا تحكم علي من عدة أيام فقط .

إبتلع رمقه مُفكراً بأنه يتهرب كالعادة ، لطالما تمت معاملته كطفل لطيف من قبل صديقاه بالماضي ، آيزاك تحديداً فعل ذلك و كثيراً و كأنه يحاول تعويضه عن ما فقده بسبب أسرته ، أغمض عيناه وحرك رأسه سلباً فهو لا يريد الغرق بمشاعر الماضي الذي بدأت تجتاحه ، هو ليس بطفل لطيف و لم يكن ، لا يستحق أن يُطلق عليه لقب صديق كما يظن الآخرين ومع هذا آيزاك ...

خرج من أمواج أفكاره المُظلمة على تلك اليد التي بعثرت خُصلات شعره الثلجية بينما ينطق بهدوئه المعتاد :" آسف إن كنت أخفتك ! لكنني أصبح أكثر حدة أثناء المعركة "

حدق إيكاري به بصدمة ، فلماذا هو من يعتذر ؟ أليس المخطأ هنا ؟ هو الأحمق الذي فقد تركيزه مُتأملاً بما حوله كطفل صغير و سبب له الألم و المتاعب !

بالكاد هو أمسك بيد جيفري لينطق بصوت مهزوز :" لا تعتذر و أنا من أخطأت ! و شكراً لك على إنقاذك لي "

نظر جيف له بحيرة قبل أن ينطق بجد :" أأنت بخير حقاً ؟ تبدوا مختلفاً عن العادة "

أمال آرون برأسه إيجاباً وهو يهتف :" إذاً لستُ الوحيد الذي لاحظ ذلك ! و من ثم إيكاري الذي أعرفه مهذب و لا يتجاهلني و يرحل ! "

إبتسم جيف بخفة وهو يجيب :" أهذا كل ما يهمك بالأمر ؟ أنه تجاهلك ! "

هو أشاح ببصره عنه ليعيده للصغير الهادئ قبل أن يتحدث بإبتسامة مُطمئنة :" لا داعي لتُجيب حقاً إن لم ترغب بذلك ! لكن أرجوا أن لا تعرض حياتك للخطر فلا شيء يستحق حقاً "

ضم قبضة يده بقوة و أسدل خُصلات شعره على عينيه ، لماذا هذه الذكريات هي ما تهاجمه دون غيرها ؟ و أين آيزاك عنه لإيقافها و إخباره أنها من الماضي فقط ؟

صرخة مُفاجئة من الأميرة التي يفترض أنها لا تزال غائبة عن الوعي جعلتهم يلتفون لها حالاً ، أولاً ركض جيفري لها لينحني محاولاً إيقاظها وهي ما إن إستيقظت حتى إبتعدت عنه حالاً !

وضعت كلتا يداها على أذنيها وهي تهمس :" أنا لم أخطأ ! كنت طفلة فقط إذاً ما ذنبي ؟ "

عقد جيف حاجبيه بضيق وهو ينطق بحذر :" سمو الأميرة ما الأمر ؟ "

رفعت رأسها لتنظر إليه و كأنها لتوها فقط أدركت أنها معهم ، هي أشاحت بوجهها تمسح دموعها بينما تنطق بهدوء :" لا شيء ، آسفة "

أغمض جيفري عيناه بضياع لثوان إلا أنه سرعان ما فتحهما بسبب صورة ذلك الشخص التي ظهرت أمامه !

هو تمتم بهمس :" ماذا يحدث ؟ "

عقد حاجبيه بقلق وهو يحدق حوله بدهشة و شيء من الخوف بدأ يتسلل لأعماقه ، ألم يكن على متن قارب للتو ؟ برفقته ثلاثة من زملائه ؟ إذاً كيف أصبح بمكان ما يشبه الغابة الإستوائية ؟

رمش عدة مرات لتظهر أمامه صورة أربعة أفراد ينظرون له بعتاب و ضيق شديد و جميعهم يتهمونه بالخيانة !

و بالرغم من أنه إمتلك فكرة عما يحدث حوله و إن كانت الطريقة التي وقعوا بها مجهولة إلا أنه تراجع للخلف مُبتعداً على الأربعة محاولاً بيأس أن لا يستمع لتلك الهمسات القاتلة و التي تطلق نحوه .

و بجهة مُختلفة تماماً سار بخطوات مُنكسرة ، هو وعلى خلاف جيفري لم يمتلك أدنى فكرة عما يحدث حوله و لازال يجهل لماذا هو يفكر بتلك الذكريات تحديداً ، أولئك الذين يظنون أنه و آيزاك كانا دائماً معاً كصديقان مذهلان مخطئون تماماً !

هو لم يكن كذلك ، لم يحبه حقاً ليس و أسرته قتلت فقط بسببه ، لطالما حاول التغلب على مشاعره السلبية وهو بأعماقه يدرك أن رفيقه لا ذنب له بل تألم ضعفه ربما لإنه حمل نفسه المسؤولية ، مع هذا لم يستطع كبح كرهه و اللوم بعيناه بكل مرة يلتقيه بها .

لطالما سبب المشاكل له و أغضبه لكن الأكبر كان يبذل كل ما بوسعه لتصحيح أخطائه و الهدوء وعدم الغضب معه هو بالذات ، لكن ما كان أياً من هذا كافياً ليشفي غليل الطفل الذي فقد أسرته ظُلماً لأجل طفل آخر لا يعرفونه جيداً حتى !

و بالفعل الأمر كاد ينتهي بطريقة مأساوية للغاية عندما هو قام بكمين ما لقتله ، و آيزاك خضع له تماماً مُسلماً بنفسه له وبفعلته تلك هو زاد اليقين بقلب إيكاري بأن ما يفعله هو الصحيح ، وكم يشكر نيو من أعماقه على تدخله و إبعاده عنه ، يشكره على تلك اللكمة التي أعادت وعيه الغائب له .

آيزاك لم يحاول فتح الموضوع مجدداً و تعامل معه كما يحدث دائماً و مع هذا ضميره الذي عاد للعمل لم يتمكن من تقبل الأمر ، هو حاول كثيراً نسيان كل شيء كما طلب صديقاه منه لكن لم يستطع قط بل فقط حبس ندمه بأعماق قلبه و أغلق عليها بقفل ظن يوماً أنه غير قابل للكسر وها هي الأيام تأتي لتثبت له فداحة ما إقترفته يداه بعدم إلقائه لتلك المشاعر بعيداً للغاية عن قلبه و ذكرياته !

هكذا كانت أفكاره بينما جسده بالواقع مربوط لشجرة ما وهنا نباتات تلتف حوله ببطئ شديد .

و بجواره تماماً كانت كلير و التي لم تكن أفضل حالاً منه ، ذكرياتها كانت تتفقد لعقلها ، ذكريات من ماضٍ بعيد لا تعلم حتى لماذا لا تزال عالقة بمخيلتها ، لذلك الماضي الذي كانت أسرتها بها يداً واحدة بلا الكثير من المشاكل غير الطبيعية ، لم يكن هناك هدوء دائم بل فوضى ومرح .

لا تعلم لماذا تذكرت جدالاً خاضته مع شقيقها الأكبر ريكايل و إنتهى الأمر بأن حظي الأخير بضربة على رأسه من والدتهما بسبب إزعاجه لها على أمور غير ضرورية كما كانت تقول .

لكن لم تكن الصورة صحيحة تماماً هناك شيء ما خاطئ بذكرياتها ، عينان تراقبهم ما كانت موجودة بذلك الوقت !

ليست مُخيفة مطلقاً بقدر جمالها ! هي رمشت عدة مرات و الغضب يرتفع لديها ، لما الآن و لماذا تلك الذكريات تحديداً ؟ لكنها تعلم جيداً أنها لن تستسلم للذنب الآن نهضت من موقعها لتصرخ بغضب :" يكفي أخرجيني من هذا الوهم حالاً يا عديمة الفائدة "

تنفسها لم يكن مُنتظماً و لم تتمكن من كبح دموعها أيضاً و مع ذلك هي كانت أول من يفتح عيناه ليحرر نفسه منهم ، نهضت من مكانها بعنف وهي تحدق بالأرجاء بحذر ، تسائلت إن كان تحرير أصدقائها قد يؤذيهم لكن هنالك طريقة أخرى لتحريرهم هي فقط تتطلب بعض الوقت !

أخرجت سيفها من غمده و تناولت إحدى الحبوب لتنطلق وتحطم الأشجار و التماثيل الموجودة حولهم بسرعة ودقة .

آرون كان يقف بمنتصف تلك الساحة التي أُحيلت لخراب تام و لونها أصبح كالنيران البراكين السائلة ، أخفض بصره بينما إلتمعت عيناه ببريق غامض لا يعكس ما يفكر به حقاً و إبتسامة ساخرة رُسمت على شفتيه ، أهذا هو ما يندم عليه إذاً ؟ ليس وكأنه بحاجة للوقوع بوهم ما ليدرك ذلك ! فهو لم ينسى الأمر و لو لثانية واحدة ، و أخيراً هو قرر التحرك عدة خطوات بينما يتمتم بتعويذة أيقظته مما كان يعيشه تواً دون أن يدرك هو نفسه لماذا قبل بأن يرى ذلك مجدداً وهو بإمكانه الهروب فقط .

جيف تنفس بعمق ليتوقف عن الركض مُبعداً خُصلات شعره الداكنة ، لا فائدة من الهرب و هو يدرك ذلك إذاً لماذا كل هذه المُماطلة ؟

إلتف للأربعة بينما يبتسم بهدوء وخفة ليتقدم للثلاثة منهم ، إتضحت معالم أصدقائه حينها أميره و كلير و زاك !

هو وقف أمام ريك لينطق بثقة :" لم أقم بخيانتك ! ليس بعد على الأقل ، و قلت أنني سأتبع خطاك حتى موتي ! أي لم أعد أفكر بهذا لذا لا سبب يدفعني للشعور بالندم تجاهك ! "

وجه أنظاره للأميرة ليردف :" الأمر ذاته معك سمو الأميرة "

هو نطقها ليتجاوز الإثنين ويختفيا مع ذرات الهواء بينما هو إتسعت إبتسامته وهو يتحدث :" و أنت زاك ، لا أقصد أي أمر سيء لكن أنت أكثر من مددت يدي نحوه لمساعدته ، و مازلت سأفعل ! سأمد لك يدي دائماً لمساعدتك لذا لا تظن ولو ليوم أنني سأخونك "

إختفت ابتسامته بينما أغمض عيناه يزفر الهواء بعنف وهو يلتفت للشخص الرابع ، مُقلتيه اللتين إفترشتا اللون الأسود بساطاً لهما لم تُزح صورة والده الذي ينظر له بإنكسار و خيبة أمل .

هو نطق بهدوء :" أنت الوحيد الذي يستحق الإعتذار ، حظك عاثر بأن حظيت بابن سيء مثلي ، لكنني تراجعت يا أبي عن مخططاتي ! مُنذ الهجوم على جناحنا قررت تسليم حياتي للأمير لذا إن كُتب لي العودة فأنا سأكون المستشار و الإبن الذي تفخر به أعدك "

أنهى عبارته لتختفي صورة والده و كل شيء من حوله ويفتح عيناه على الواقع أخيراً !

وكما حدث مع رفيقاه فباللحظة التي فتح بها عيناه إختفت النباتات عنه وكأنها لم توجد ، هو نهض ليرى آرون يحدق بالسماء بتعجب بينما كلير تحطم الأشجار و التماثيل ، و إيكاري فقط يكاد جسده يدفن بتلك النباتات بالكامل !

نطق جيف بحيرة :" هل فقدتم عقولكم أم ماذا ؟ "

وجه آرون نظراته نحوه وهو ينطق بمرح :" إستيقظت ! أميرتك فقط من فقدت عقلها ماذا تفعل بحق الإله ؟ و أيضا حاولت تحرير الصغير من النباتات بلا فائدة "

أجابه بسرعة :" وتركت محاولاتك لتتأمل السماء ؟ "

بعثر خصلات شعره الشقراء وهو ينطق بسرعة :" ملك مصاصي الدماء و فريقه على وشك الوصول لهنا ! و طاقة أميرك ليست بخير قطعاً "

إتسعت عينا جيف بقلق و قد نسي تماما من معه بالفريق أيضاً لكنها لم تكن سوى عدة ثوان حتى ظهر تنينان اسودان عملاقان يحملان الفريق المُنتظر !

هم لم يستوعبوا سوى أن ريك أصبح بين يدي آرون فقد مر جيسي من جوارهما بسرعة شديدة وكذلك فعل نيو الذي أسرع لرفيقه الغائب عن الوعي !

نيرو صرخ بهمس متعجب بعد أن ودع التنانين :" حوريات بحر لطيف "

نظر جيف و آرون له بشيء من الحيرة ليردف نيرو :" رأيناها من الأعلى هي تحيط بالمكان ومع ذلك بعضها يختفي بطريقة غامضة "

هُنا تدخلت كلير التي كانت تلهث من التعب وهي تنطق :" ليست فجأة ! ريكايل أخبرني بذلك مرة بأسطورة ما حوريات البحر يعتبرن أرواح لجمادات ما كالأشجار و التماثيل لذا يمكن قتلها ب... "

صمتت تماماً عندما شعرت بالرياح فقط حولها إثر حركة جيسي و نيرو السريعة لإبادتهم ، الأول لم يكن بحاجة لمعلومة أكثر مما قالها مستشاره يوما ما و الآخر لم يكن ليسمح لمنافسه بالتفوق عليه مطلقاً .

نيو إحتضن جسد رفيقه وهو يطلب منه الهدوء ، أعاد عليه ذات الكلمات بشأن أن الماضي لا مكان له بالحاضر إن أردت المضي قدما بحياتك ، هو حتى هدده بإخبار آيزاك عن أنه لازال يشعر بالذنب إتجاه تلك الحادثة لكن بالنهاية هو لم يصحوا إلا بفضل جيس و نيرو و ربما كلير التي أوحت لهم بذلك .

تنهدت بتعب و إستياء عندما تهادى لمسامعها صوت شهقة متألمة من شقيقها لتركض بإتجاهه حيث جيف و آرون ، هي نطقت برعب :" أهو بخير ؟ "

أومأ جيف لها بإبتسامة وهو يجيب :" أجل يبدوا أنه مخالب المخلوق الذي جرحه يحتوي على سم ما لكن آرون أنقذه تواً "

إبتسم آرون وهو ينهض :" ليس بالأمر العظيم فعله ! الأهم من ذلك لنغادر هذه الجزيرة المشؤومة بحق الإله وهذه المرة لنرحل حقا "

ظهر عبوس طفيف على وجه جيفري وهو ينطق :" لا أصدق أننا خدعنا كل هذا الوقت "

هُم ومنذ البداية لم يغادروا الجزيرة التي وجدوا أنفسهم بها بعد إنفصالهم عن البقية ، بل الأربعة وقعوا بفخ ووهم مشترك حتى بدأ إثنان منهم يدركان الخدعة ليتم فصلهم ، أي قتالهم بالبحر و إبحارهم كله ما كان حقيقة من البداية !

و لا حتى قتالهم مع تلك المخلوقات بالبحر ، لكن منذ متى حوريات البحر يمتلكن القدرة على التنويم المغناطيسي و اللعب نفسي هكذا ؟

هذا قطعاً خارج أسطورتهن المعتادة و بهذا يصبحن ثاني مخلوق يقابلونه لا يسير على وفق الأساطير التي إنبثق منها !

يتبع ..

~ نهاية الفصل ~

يدعى هذا المخلوق بالكراكن 😶 و هناك أساطير حول تواجده بالبحار و المحيطات نائم بعمق حتى تمر سفينة ما يغرقها و يلتهم من عليها 🙂

قراءة ممتعة 😍

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top