الفصل الرابع و الأربعين

بعض اللحظات قد نشعر بتوقف الزمن تماماً كما لو أنه تجمد بلا حراك ، و الوقت بالنسبة لليون بتلك الثانية بدى كأنه تجمد !

خلايا عقله ما عادت تعمل بشكل سليم و ربما لم تكن لتفعل لولا تلك اليد التي وضعت على كتفه ينطق صاحبها بجد نادر الظهور :" لم تتحطم بعد علينا النزول و إحضاره الآن "

و شهقة صدرت من فمه و كأنه لاحظ هذا تواً لينهض من فوره دون لحظة تفكير واحدة ينطلق للأسفل ، ويل وقف أمام ريكايل يكتف يديه بينما ينطق بإستياء بنبرة آمرة :" ريكايل أنت ممنوع من النزول ستنتظر هنا "

اتسعت عينا الأكبر بصدمة و قبل أن يعترض حتى كان سيده قد انطلق للأسفل و هو خطواته كانت ترفض التقدم أكثر من الحافة ، عض على شفتيه بقوة فهو يعلم تماماً أن جسده قد لا يحتمل حرارة كهذه لكن أهذا سبب كافٍ لعزله حقاً ؟

و بالأسفل وضع ليون يديه حول وجهه يسير بخطوات بالكاد ثابتة مع تلك الحرارة القاتلة و لولا ربما شعوره بتلك الهالة الضعيفة المتواجدة بالمكان لما سار بحذر حتى ، لكن الأمل الذي بدأ ينبض بقلبه جعله يتوخى الحذر فليست حياته فقط هي ما قد يفقده هنا !

ثوان و شعر بهالة أمير مصاصي الدماء بجواره ليتوقف مُحدقاً به بهدوء حيث كان يتقدم رغم تشوش الرؤيا هنا ، الأرض أسفلهم مُتصدعة حيث أقدامهم بالكاد قادرة على مقاومة ألم الحرارة و الحروق ، البخار المتصاعد الحارق منع ليون من السير بسرعة لكن بالنسبة لويل القادر على الرؤيا بشكل افضل مع تلك العينان الحمراء الواسعة لم تكن لتعيقه مشكلة كهذه و على الأقل ليس و هو راغب بالتخلص من هذه الحرارة قريباً !

أسرع بخطواته يسبق ليون عندما تمكن من لمح ذاك الجسد الساكن على الأرضية التي تكاد تصل لدرجة الذوبان بفعل الحرارة هو لوهلة إرتعب من الاقتراب حتى فور رؤيته لتلك الجروح و الحروق المنتشرة بكل مكان من جسده !

لكنه أغمض عيناه يسرع بالتقدم ليحتضنه بقوة و يرفعه دون أن يراه و بدأ يركض باتجاه معاكس و قبل أن يدرك كان جسد آلبرت قد سحب منه حيث أمسكه الأكبر بحذر شديد لينطلقوا للأعلى بعيداً عن هذه الأرض بطريقة ما !.

*****

الأرض الصخرية كانت مُمتدة على مد أبصارهم حيث بدى كأن لا نهاية لكل هذا , جيسي كان يسير بالمقدمة بملامح منزعجة هو ما عاد يعلم إلى متى سيحتمل كل هذه التصرفات الطفولية من أعدائهم , للآن هم لم يعثروا أو يقتربوا من مقرهم حتى فما فائدة كل ما يقومون بفعله ؟

و ربما معرفته تقريباً بوجود من يعلم معلومات مهمة و يخفيها يزيد من حنقه و هذا ما دفعه لتجنب الإختلاط مع أياً كان من فريقه هذه المرة ,ليس و كأنه أساساً كان يختلط بهم من قبل إلا إن إحتاج لذلك !

و من خلفه سار جيفري بخطوات هادئة يحدق بما حوله بإهتمام فكل هذا الهدوء لا يعجبه , ليس و كأنهم لم يتعرضوا لأي هجوم خلال الأيام الفائتة بل حدث و كثيراً لكن أي منها ما كانت مميزة ؟!

و خلفه مباشرة كانت الفتيات الثلاثة يتبعونهم حيث تخلت ريبيكا عن مهمتها هذه المرة بملاحقة الوسيمين عندما لاحظت تواجد كل من إيما و تينا برفقتها , لسبب ما رأت أن العبث معهم أكثر متعة خاصة و أن الأميرة كانت تبدوا أكثر هدوئاً من قبل , هي حاولت حقاً تجاهلها و إن كانت ريبيكا قادرة على قراءة كونها تفكر بأنها سترسلهم جميعاً للمشنقة فور عودتها للمنزل !

ربما مثل تلك الأفكار هي تحديداً كانت مصدر متعتها ؟! ترغب برؤية إلى أين ستأخذها مثل هذه المهمة بحق هي و هم , الكثيرون قد بدأت شخصياتهم بالتغيير قليلاً و دون إرادة فليس من السهل بحق متابعة الحياة و كأن لا شيء حدث أو سيحدث .

لكن و لثوان توقف الفريق بأكمله عن السير عندما توهجت إحدى القلادات قبل أن تتشقق مُعلنة عن إقتراب أحدهم من الموت و ربما ظهور صورة ذاك العابث هو ما جمدهم بحق !؟

ريبيكا شهقت سريعاً و هي تتأمل تلك الكريستالة بتمعن و كأنها تدعوا أن لا تتحطم حقاً و تأخذ برفقتها روح آلبرت العابثة بعيداً , تينا توقفت عن المسير عندما سيدتها وقفت هي الأخرى تستند على إحدى الصخور خلفها , و ربما ما كان بإمكان الأميرة أن تنكر رغبتها بموت العدد المطلوب حقاً لتنتهي هذه المهزلة و تعود للقصر و أخيراً .

جيف نظر للكريستالات جميعاً بنوع من الألم قبل أن تمتد أصابعه لذاك السوار الذي يلتف حول معصمه , لا يريد تكرار حوادث كهذه بحق , ليس و كأن ما حدث للأميرة أمر يمكنه تقبله للآن , لازال الذنب يعتصر قلبه بكل مرة يذكر بها ما حدث , فهو مهما حاول تجاوز ذلك لن ينجح , هي كانت تعني الكثير لأميره و له و لتلك الأسرة التي عاش بين أحضانها لسنوات طويلة , لطالما إعتبرته و أميره كأخ أكبر يُعتمد عليه إلا أن قرار أناني واحد سلبها حياتها هي رغم أن القرار كان يخصه هو لا هي .!

جيسي كان أول من عاد للسير بينما ينطق هامساً لنفسه بأن كل هذا عليه أن ينتهي قريباً , و ربما رغم كل الإزعاج الذي يسببه آلبرت له فهو كان بطريقة ما راغب بعودة تلك القلادة لطبيعتها .

******

### قارة زيلانديا ###

أسند جسده للخلف يتثائب بنوع من الملل الذي يفترض أن لا يتواجد عندما تكون هناك حرب ما توشك على الإندلاع لكن بحق لم يقم أي منهم بأي حركة بعد , ليس منذ أن إكتشفوا ذاك الذي يحاول نشر السم القاتل فيما بين البشر , ذاك السم الذي قيل أنه أصاب أحد الأمراء ؟!

يبدوا له أن إحضار الأمير الثاني لهذه المملكة له الكثير من الأبعاد التي كان يجهلها , و هنا أفكاره إنقلبت مُجدداً بينما يعيد خُصلات شعره ذات اللون الأشقر للخلف , شهر كامل يوشك على الإكتمال منذ مغادرتهم القصر دون أي ظهور أو أخبار عنهم و هذا حقاً يزيد من قلقه !

لو كان الأمر بيده لما بقي بهذا القصر و لو لثانية بل ربما كان ليتبعهم بنفسه يتأكد أن أبناء شقيقه بخير , هو فعلها مرة عندما إفترق كلاهما عنهم بعد مقتل شقيقه و زوجته و مُستعد لفعلها مُجدداً لكن ماذا عن تلك الحرب ؟ و البلاد و كل ما تركه جيسي على عاتقه هو أولاً ؟

و ذاك الهدوء الذي كان يعم المكان إنتهى فور دخول شقيقته و التي كانت تتنهد بضيق :" و الآن سام هل أنت أخرجتنا من منزلنا فقط للجلوس هنا ؟ أين هم الأعداء ؟ أين المعركة ؟ من هم الذين علينا قتلهم ؟ "

رفع بصره يحدق بها تحديداً بعيناها الحمراوتين اللتين تحدقان به بنوع من الجد ليجيب بخفة و نوع من السخرية :" إلهي أدريانا يا لها من رقة عزيزتي ! أعتذر لإنني أعطيتك تنبيه خاطئ بأن الحرب قريبة لكن كما تعلمين قد يقوم أحدهم بالهجوم بأي لحظة حقاً لذا سأقدر أكثر بقائك بموقعك "

تجاهلت سخريته الأولى و تقدمت لتجلس بجواره بينما تتأكد من طلاء أظافرها ذو اللون الأسود تُجيبه بلا مُبالاة :" حقاً يبدوا أنك لم تعلم بعد أن كل من آلفير و أينزو قد تركا مواقعهما لذا لما يُفترض حقاً بي البقاء هناك ؟ ثم أنت بحد ذاتك عليك التواجد لدى مملكة البشر "

ضرب جبهته بخفة أولاً قبل أن يبتسم , حسناً ليس و كأنه لم يكن يتوقع نتيجة كهذه , أشقائه ليسوا من النوع المُلتزم حقاً لكن لا أحد من أبناء أسرة كروغر قد لا يُجيد الترحيب و بشكل مذهل بالضيوف لذا لا يهم و إن فاجئهم هجوم ما , فالترحيب سيكون حاراً كما العادة و كأن هذا العرش الفارغ الآن لازال حاكمه يجلس عليه !

*****

### القارة المظلمة ###

إيكاري كان يسير بجوار آيزاك الشارد منذ بداية هذا الأسبوع , هو بحق قلق على توأمه و من يمكنه لومه على هذا ؟! تلك القلادة خرجت مما يجعله عرضة لأي هجوم جديد ! كما أنه غير واثق بمن مع شقيقه بالفريق أهم ممن قد يتجاهله لأنه هجين ؟!!

ريك تراجع للخلف قليلاً ليسير بجوارهما بينما ينطق بابتسامة خافتة :" أعلم بأن القلق أمر لا يمكنك ببساطة التخلي عنه لكن زاك مذهل ! سيكون بخير , ثم أنا كنت من أكثر الأشخاص عنصرية بحق بقية الممالك و مع هذا ضممته لفريقي الصغير بالقصر رغم معرفتي بكونه هجين ! يمكنه حقاً إجبار الآخرين على أن يحترموه ! "

و ابتسامة خافتة غير مقصودة تقريباً رُسمت على ملامح التوأم الأكبر , هو و بقلقه لم يقصد حقاً التنقيص من كل ما قاله من أمامه , بل هو يدرك و جيداً أن شقيقه لطيف بشدة و تقبله أسهل بكثير من تقبل شخص مثله لا يمكنه التعبير بسهولة !

كما أنه شاهد بعيناه كيف يمكنه التخطيط و إن كان ما فعله بالقصر برفقة والدهم لم يكن مثال جيد يُحتذى به , لكنه بالرغم من هذا كان على بعد خطوة واحدة من تدمير أسرة عريقة كأسرة مارش !.

بالنسبة لهذا الفريق فأي منهم ما واجه مشكلة حقاً بالتعامل معه , ريك بالفعل يعرف شقيقه من قبل و عمل على حمايته بينما إيكاري رفيقه منذ سنوات طويلة مضت , ميلينا لم تكن ممن يحتك بأحد إلا للضرورة و الأمر ذاته لمانح الأمنيات العجيبة نيرو .

و هذا ربما سهل غرقه ما بين أمواج الألم بكل مرة يذكر بها أنه بالإجتماع القادم للفرق لن يتواجد من إعتبره أخ أكبر و مرشد له , و ما بين رعبه من أن يفقد أيضاً توأمه المريض أو أن يصاب أو يتألم بينما هو بعيد عنه مُجدداً .

*****

خطواتهم توقفت و أخيراً داخل حاجز ضخم أقامه كل من آرون و آرثر قبل أن يحدق كلاهما بكيفين الذي جلس بزاوية ما يحدق لجرح قدمه و الذي بدأ يلتئم تدريجياً ، آندريه جلس على بعد منه دون أن يمتلك الجرأة لرفع بصره حتى .

هذا كان واجبه هو أن يعتني بسيده و يحميه فكيف انتهى الأمر هكذا ؟ شد على قبضة يده بقوة بينما يخفض رأسه أكثر ، هذا يؤلمه بحق و بشدة !

لعن بنفسه تلك اللحظة التي قابل بها كولين أو حادثه حتى ، حرفياً لم يفهم لما قد يهتم شخص مثله بعبد ؟

و كيفين نهض فور أن شفيت قدمه يجر الأكبر من يده بعيداً عن البقية و الذي شهق بصدمة و توتر رغم أنه لم يُبدي أي مقاومة بل خطواته تبعت سيده رغم ضربات قلبه التي كانت تزداد فهالته تشير إلى أنه غاضب بحق !

و ما إن ابتعد كلاهما مسافة كافية حتى نطق الأصغر بنبرة مُشبعة بالغضب و إن لم يعلوا صوته عن المعتاد :" ماذا تظن أنك تفعل آندريه ؟ ما هي الغاية من كل ذلك الشرود ؟ أأنت تظن نفسك بغرفتك الخاصة ؟ "

صمت قليلاً بينما أخفض الأكبر رأسه بهدوء ليمسك كيفين به من ياقة ثيابه و هو يردف بحنق " لا تتخذ وضع كتلة الجليد الآن و أجب ! إلى أين ترغب بالوصول ؟ ما هو الأمر المهم الذي تفكر به ؟ كم مرة علي تكرار عبارة أفرغ عقلك من الأمور التي لا معنى لها بأوقات كهذه "

لم يرفع آندريه بصره حقاً و ما كانت لديه القوة للإجابة ، لكنه بعد ثوان من الصمت همس بنبرة رجاء :" سيدي أرجوك أنا من يفترض به حمايتك ! أنت لا يفترض بك أن تلقي بجسدك أمامي ، لقد فعلتها مرتين و هذا كافٍ حقاً ! "

كز كيفين على أسنانه بقوة يلقي به بعيداً عنه بينما يهتف بحدة :" هذا كل ما يمكنك الحديث بشأنه ؟ حسناً لا يهم "

نهض الأكبر من الأرض سريعاً و هو ينطق بنبرة مُزج بها العديد من المعاني :" سيدي أنت عندما كنت طفلاً بأول مرة تم إحضاري بها للقصر قمت بحمايتي بدمائك ! "

التف كيفين إليه سريعاً و شيء من الفضول بات واضحاً على ملامحه بينما يكرر بحيرة :" بدمائي ؟ "

ابتسامة رُسمت على شفتي الأكبر رغم احمرار عيناه و هو يجيب :" أنت تم استدعائك وقتها رغم أنك ما تزال بالثالثة من العمر للساحة الخارجية للقصر عندما أتيت أنا و عدة عبيد آخرين للعمل لديكم ، كنت أصغرهم سناً لذا وقع الإختيار علي لخدمتك من حسن حظي ، لكنني بوقتها كنت خائف و لم أكن أعلم أي شيء عما يحدث "

شد على قبضة يده يخفض رأسه و هو يكمل :" لم أكن أعلم من أكون و لا ماذا أفعل و ما فهمت حتى ما معنى كلمة عبد أو سيد وقتها ، أحد الحرس أمرني بالاقتراب منك و أنا لم أنفذ لذا هو تقدم مني بنفسه ليضربني و بذاك الوقت أنت تدخلت و وضعت جسدك أمامي ! "

دموعه انهمرت بينما يكمل :" كنت بالكاد قادر على السير وحدك أو الحديث مع هذا فقط وقفت هناك تخبرهم أنني ملكك لذا لا شأن له ، بينما عيناك العُشبيتان كانتا تلمعان بألم و الدموع تجمعت بهما دون أن تسقط "

رفع رأسه يحدق بوجه سيده الذي ينظر له بنوع من الصدمة و التركيز ليكمل بلطف :" أنا منذ ذلك الوقت علمت أنه علي أن أمنحك كامل ولائي مهما حدث بالمستقبل و أياً كان ما ستصبح عليه عند كبرك سأكون فقط خلفك دائماً إن كنت حياً لن يمنعني شيء من هذا لذا أنا من عليه حمايتك سيدي "

هو أنهى عبارته يخفض رأسه قليلاً لثوان فقط حتى شعر بضربة ما على رأسه بينما ينطق الأصغر بنبرة خافتة احتوت على الكثير حقاً :" أنت أحمق "

ليلتف و يغادر عائداً للبقية و الكثير من المشاعر المختلفة تدور بأعماقه ، هو لا يذكر تلك الحادثة مُطلقاً مع هذا أحقاً أمر بسيط كهذا استحق ولاء آندريه طوال تلك السنوات ؟

و حقاً هو ما فكر بكونه منح آندريه العديد من الأسباب للبقاء و ما كان ذاك الموقف إلا بداية كل شيء !.

*****

أنفاسه كانت شبه مسموعة بينما تلك الحروق بدأت تختفي تدريجياً ليس بشكل سريع فالعقوبة الثانية التي فرضها الحاكم عليه هي تقليل قدرة جسده على الشفاء السريع لذا بالعادة تحتاج إصابته لوقت أطول من بقيتهم لتشفى !

و هذا بحق جدد الألم و الحقد الدفين بقلب ليون على والده ، هو لم يقبل بعقوبة كهذه على طفل
لكن ليس الحاكم فقط بل كل مُستشاريه و بقية الأسر النبيلة قد اتخذت ذاك القرار و الآن برؤية رفيقه بالكاد قادر على سحب أنفاسه تأكد أن تلك المشاعر ما كانت كافية فقط !

هم كانوا يجلسون بمنطقة بعيدة نوعاً ما عن تلك الحُمم دون أن يدرك أي منهم للآن من أين قد تظهر حمم بقارة أهم ما يفترض أنه يميزها هو شتائها الدائم و ثلوجها ؟

لكن فقط بحق أهم شاهدوا أي أمر طبيعي منذ قدومهم إلى هذا المكان ؟! أفكاره تشتت عندما وصله صوت نقاش كُل من ريكايل و ويل إذ بدى على ملامح الأكبر الإستياء التام بينما ينطق بنوع من الإنفعال :" لما فعلت ذلك ؟ لست بذاك الضعف حتى تعطيني أمر كهذا ؟ و إلا أخبرني ما فائدة بقائي معك بأي حال ؟ "

الأصغر كان يتجنب النظر له بكل الطرق , لا يعلم كيف يفترض به حتى تبرير موقفه ذاك بطريقة جيدة لكن ريكايل كتف يديه ينتظر إجابة من أمامه و القلق بادٍ على وجهه , تلك الدقائق التي مرت عليه بينما هو عاجز عن التقدم و الإنضمام لسيده كانت الأسوء بحق , الكثير من المشاعر أحاطت بقلبه آنذاك بينما بدأت ذكرياته الأسوء بالظهور تذكره بعدد تلك اللحظات التي شعر بها بالعجز و كل ما فقده بكل مرة سواء من شخصيته ذاتها أو ثقته بل و حتى الأشخاص من حوله !

لذا ما كان راغباً بالتنازل حقاً عن إظهار مشاعره فهو كان خائفاً بحق , و ليون نهض على مهل يحدق بكلاهما قليلاً قبل أن يقحم نفسه بتلك المُحادثة بنبرة هادئة :" لإنه كان خائف مثلك تماماً ! لقد رآى كيف ألقى آلبرت بنفسه دون أدنى تردد لإنقاذي لذا لو أنكم تعرضتم لموقف مشابه بالأسفل أنت كنت لتفعل ذات الأمر ! و ربما ما عزز خوفه أكثر كان تذكره بأنك بالأسبوع الأول هنا فعلت ذلك بالفعل ! "

مرر كلاهما نظرة جانبية له قبل أن يُعيد ريكايل بصره و تركيزه لسيده لتتسع عيناه فور رؤيته لتلك الدموع التي تنهمر من وجنتيه , هو حقاً خائف من ذلك ! ريكايل بالنسبة له متهور أكثر منه حتى , يمكنه دون تفكير أن يقفز أمامه ليحميه رغم علمه بأنه أكثر مقدرة على النجاة منه , لن يهتم لأي أمر آخر و لا حتى لجسده .

ذلك الجسد الذي كان يسكنه هو لفترة و شعر بمدى الضعف الذي يشعر به و الألم من الحرارة و كأنه يوشك على الذوبان , لذا بحق كيف يمكنه أن يسمح له بالقفز معهم ؟!

ريكايل أخذ نفساً عميقاً و قد توترت ملامحه بالفعل فهو لم يكن يقصد التسبب بهذا لذا إقترب من سيده يمد يده ليبعثر شعره أولاً قبل أن يضمه إليه بينما أدرك بطريقة ما أن لومه لن يكون عادلاً فكلاهما يشعر بالقلق على الآخر و بذات الوقت لم يتمكن حقاً من منع شعور لطيف بالتدفق برؤية ذلك القلق الذي يطل من عينا الآخر الأصغر !.

ليون حدق بهما قليلاً و ابتسامة خافتة ترتسم على شفتيه قبل أن يُعيد بصره لرفيقه الذي لم يبدوا أنه تحسن بعد ليسير عائداً للجلوس بجواره , هو أمسك بيده بينما بالأخرى مسح على خصلات شعره غير قادر على إدراك أتلك الدموع التي تتجمع بمقلتيه ناتجة عن شعوره بالألم و الحنق لما حل برفيقه أم هي دموع الإمتنان و السعادة لكونه لازال على قيد الحياة؟

كم من الوقت سيحتاج لتغيب صورة آلبرت الساقط عن ذهنه ؟ كم سيتطلب الأمر منه لينسى مظهره و هو على تلك الأرضية الحارقة ؟كيف سيمكنه نسيان تلك الخفقة التي شعر بها ما إن ظن أن آلبرت رحل للأبد ؟ حتى هو ذاته ما كان يظن أن كل ذلك الألم يمكن الشعور به و كأن شيئ ما بأعماقه يتحطم !

لذا أخفض رأسه أكثر يضعه على صدر الأصغر بينما يشعر بأنه سيعود للبكاء كطفل بحق الإله دون الإهتمام لكل المُسميات التي يحملها لكن ذاك الصوت الذي بدى عليه التعب الشديد رغم سخرية كلماته جعلته ينهض سريعاً :" إلهي لا تقل لي أنني عدت للحياة فقط لرؤية مظهرك المثير للشفقة هذا ؟ بحقك ليون أي نوع من الشياطين هو أنت ؟ "

عيناه إتسعتا بينما سعل مُلقي تلك الكلمات عدة مرات بخفة يجذب إنتباه الفريق بأكمله ليقترب ويل و ريكايل سريعاً منه و ابتسامة ما إرتسمت على وجوه الثلاثة , و هو راقبهم قليلاً بعينه التي تطالبه بالعودة للنوم بحق إلا أن تفويت مظهر كهذا ليس أمراً وارداً لكنه ما إن كاد يتحدث حتى وضع ليون يده على فمه بخفة و هو ينطق بضيق مُصطنع :" لا تفتح فمك بحرف آخر , لا أصدق أنني قلقت عليك "

و المصاب رفع أحد حاجبيه بينما يبعده عنه ينطق بنبرة منخفضة بسبب التعب :" من كان يبكي و يتمنى سماع صوتي الآن ينكر هذا ! لا أصدق أنني ضحيت بنفسي لأجلك ؟ كانت مملكة الشياطين لتفقد سمعتها برحيل أكثر شيطان عابث بها ! "

ضحكة هادئة صدرت من ريكايل بينما نطق ويل بعبوس :" ألم يكن بإمكانك أن تجد حل أفضل من الذي إتخذته ؟! بأي حال ممن سيتعلم ريكايل العبث إن مت أنت ؟ "

و المعني شهق سريعاً و هو ينطق :" و لما علي تعلم العبث ؟ أترغب برؤية جثتي معلقة عند باب القصر ؟ "

كتف ويل يديه سريعاً :" جيس لن يفعل ! "

أكمل كلاهما نقاشهما بينما عادت يد ليون تعبث بخصلات آلبرت المرهق و الذي لم يبعدها على خلاف ما توقعه بل فقط أغمض عينه مجدداً و هذا متوقع جسده مازال بحاجة للكثير من الراحة لكن إستيقاظه أمر إيجابي فهو يعني أن جسده بدأ يستعيد عافيته و أخيراً .

*****

توقف الخمسة بالمُنتصف بينما أحاطت بهم مخلوقات يرونها للمرة الأولى حيث امتلكت رأس أشبه بالكلاب ، يمكنه الوقوف على أقدامه بينما يمتلك مخالب بيديه و قدميه !.

إيما كانت تمسك بالسيف بينما يداها ترتجفان قليلاً من منهم هنا قد يدافع عنها حقاً ؟ لا أحد حرفياً لذا عليها الإعتماد على نفسها الآن .

ريبيكا كانت تقف بجوارها تحدق بتلك المخلوقات تارة و لها تارة أخرى ، هي نطقت بنوع من السخرية :" ماذا سمو الأميرة أأنتي خائفة من بضع كلاب مهجنة لا ترتقي لمقامك السامي ؟ "

تجهمت ملامح وجهها بينما انطلقت سريعاً لتقاتل و ريبيكا كادت تضحك حقاً لولا أن أن صوت جيف الذي تحدث بشيء من الاستياء :" ان كانت لا تجيد القتال فتحفيزها هكذا أمر سيوقع الفريق بأكمله للخطر ! تعلمين أن هناك من سينظر للكريستالة خاصتها ان تشققت بذات نظراتك لكريستالة آلبرت قبل أن تعود لطبيعتها "

تلك العبارة الأخيرة بالذات جعلتها تشهق من الصدمة قبل ان تنطق بضحكة :" و هل المستشار الوسيم كان يراقبني ؟ يا له من حظ مذهل ! "

انحنت بعدها بمرح :" و من أنا لأقول لا لوسيم مثلك ! "

جيس كان قد انطلق تزامناً مع إيما و من خلفهم كل من جيف و ريبيكا و بالنهاية اختارت تينا ابعد نقطة عنهم جميعاً فهي و منذ تلك المُصارحة بينها و بين سيدتها باتت تتجنبها أكثر لأنها تدرك بأنه سينتهي الأمر بمقتلهما أو مقتلها وحدها و سيدتها تبقى .

جيف ابتلع إحدى الأقراص بيده لتتوهج عيناه باللون الفضي لينطلق بسرعة الجان بينما يشد بقبضته على سيفه ليقاتل بقوة .

*****

و كما العادة وقف الستة خلف تلك الشاشات يراقبون ما يحدث بعضهم بتركيز و آخرون فقط يتحدثون دون الاهتمام الفعلي بما يحدث !

أليكس كان يجلس بجوار شقيقته الصغرى يحدق بها بهدوء و هي تلهو بينما كولين هو من يلعب برفقتها ، سيلفر ركز بصره على ما يعرض أمامه فشعور سيء ينتابه منذ بدأ المعركة لسبب ما .

كلاي هو الآخر راقب بحذر ما يحدث هناك ، هدوء نسبي كان يعم بتلك الغرفة حتى اتسعت عينا من كان يراقب الشاشة منهم ليهتف كلاي بتعويذة تبعد تلك المخلوقات عن ذلك الفريق بنوع من الهلع !

الجميع وقف يراقب أي كارثة وقعت لتجعل وجه كل من كلاي و سيلفر يشحبان ، شهق أليكس عندما شاهد ما حدث بينما تجمد كولين بمكانه ليغلق الأكبر الشاشات سريعاً فور دخول مربيتهم للمكان و أنظارهم اتجهت لها بشكل جعل قلبها ينبض بقلق و رعب !...

~ نهاية الفصل ~

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top