الفصل الخامس و العشرين
أومئ زاك له بهدوء بينما نبضات قلبه تتصاعد أكثر فأكثر مما سيكتفشه الآن , إقترب كُل منهما من الآخر قبل يشع جسدهما باللون الأزرق الهادئ مُعلناً بذلك عن تبادل كلاهما أجسادهما وذكرياتهما !
وبهذا عاد كلاهما للماضي ليعيشه مجدداً لكن من وجهة نظر توأمه , إلى ذلك الماضي حيث كانت أيامهما تمر بهدوء و سلام نسبي معاً بدار الأيتام بمملكة البشر ! ..
### قبل أربعة عشر عاماً ###
# قارة أوقيانوسيا #
تلك الليلة كانت إحدى الليالي الصيفية الحارة و بالرغم من ذلك هي ما تمكنت من إدخال بعض الدفئ للصغيران ذوي السادسة من العمر ، بحيث وقف كل منهما متشبث بالآخر بقوة شديدة ، أحدهما كان يختبئ خلف توأمه بخوف و الدموع تنهمر منه بغزارة أما الآخر و بالرغم من خوفه و قلقه إلا أنه أظهر ملامح هادئة على وجهه الصغير عله بها يريح شقيقه الأصغر قليلاً !
لم يكن يوماً سهلاً على أي منهما فقد شهدا موت والدتهما بعد صراعها الطويل مع المرض و الآن هُما يقفان معاً أمام إحدى دور الايتام برفقتهم أحد جيرانهم الذي تبرع بقليل من وقته لإيصالهما له !
حدقت صاحبة الميتم بهما بريبة لتنطق بقلق :" لماذا يمتلكان شعر فضي ؟ أهما من الجان ؟ "
شهقت بعدها برعب لتردف :" بل ربما يكونان وحوش ! أهما هجينان ؟ عليك التبليغ عنهما حالاً ! "
إلتصق الأصغر بشقيقه برعب بينما لم تختلف مشاعر الأكبر عنه ، هما لا يعلمان ما معنى كلمة هجين حتى و مع هذا وقع ردود الناس عليها ترعبهما و لاسيما أنهم دائماً ما يشيرون بأصابع الإتهام نحوهما !
أجابها الرجل بملل وهو يقسم بداخله أنه آخر ملجئ سيزوره وبعدها سيتخلى عن الصغيران فهذا هو رابع ميتم يرفضهما :" سيدتي يوجد نسبة نادرة من البشر اللذين يولدون بشعر فضي كالجان ! ومن ثُم هما يعيشان بالحي ذاته الذي أسكنه منذ طفولتهما المُبكرة و لم يظهر أي أثر على كونهما كذلك ! "
حدقت السيدة بهما بعدم إرتياح ليكمل الرجل وهو يشير للأصغر :" ومن ثم هذا الطفل هنا مُصاب بمرض ما بقلبه و كما تعلمين الجان لا يصابون بالأمراض المُزمنة ! "
صمت قليلاً وهو ينطق بتفكير :" و لا أظن أن الهجين يمكن أن يصاب به فهم وحوش و ذوي قوة شديدة !"
وهي ما كانت بحاجة للمزيد لتقتنع ؛ فكلمة مُصاب بمرض بقلبه تعني مزيداً من الدخل و التبرعات للميتم حتى يتم الإعتناء بالصغير جيداً !
وبهذا وجد الصغيران نفسيهما فجأة بغرفة صغيرة مُهترئة فارغة تماماً من أي قطعة أثاث ، نظر آيزاك حوله بحثاً عن نافذة ما فحتى أجوائها خانقة تماما ، وهو ما إن وجد ضالته حتى سار خطوة واحدة فقط قبل أن تمتد يد توأمه لتوقفه وهو ينطق بتوتر :" لا تتركني خلفك !"
نظر لشقيقه بهدوء وهو يتحدث بنبرة لطيفة :" لا تقلق لن أفعل ! أنا أريد فتح النافذة فحسب ، أخشى أن تزعجك رائحة الغرفة الرطبة ، أمي كانت تفعل ذلك دائماً "
عبست ملامح الأصغر بينما عيناه الزرقاء حدقتا بمن أمامه بألم لينطق :" لماذا أُمي تخلت عنا ؟ هل هي تكرهنا الآن ؟ "
و آيزاك أخفض رأسه بحزن وهو يجيبه :" لا أعلم لكن العم كيلفن قال أنها ذهبت للسماء ، و لن تعود ! "
صدرت شهقة من بين شفتيه وهو يجلس بإحدى الزوايا بينما ينطق بيأس :" هل السماء بعيدة ؟ لماذا لن تعود ؟ ولماذا هي لم تأخذنا معها ؟ "
تحررت الدموع الأكبر أخيراً ليتجه للنافذة و يفتحها على مصرعيها بينما يجيب بصوت حزين باكٍ :" لا أعلم زاك ! أنا كنت معك بالمنزل أتذكر ؟ لذا حقاً لا أعلم هل أغضبناها بسبب شجارنا بالأمس ؟"
حل الصمت وقد نهض الأصغر للإختباء خلف شقيقه الذي مسح دموعه بسرعة وذلك تزامناً مع دخول إحدى العاملات وهي تحمل بيديها فراش أرضي وبعض الوسادات و الأغطية الخفيفة ، هي نظرت لهما بشيء من اللطف و قد أحبت مظهرهما معاً لاسيما ذلك الذي إختبئ خلف توأمه !
فرشت لهما الأرض و رتبت مكان نومهما بينما تتحدث دون النظر لهما :" بالطبع هي لم تتخلى عنكما يا صغيراي بإرادتها ، لكن يوماً سنغادر جميعنا للسماء ! أثق بأنها كانت تحبكم و بشدة و عندما تكبران قليلاً ستفهمان أنها ما تخلت عنكما و لو لثانية "
كلاهما أراد الإستفسار أكثر من تلك المرأة و لكن حالياً يكفيهما معرفة أنها لم ترغب بتركهم كما أنها لم تتخلى عنهما بإرادتها ، بل وشعرا بسعادة عندما أخبرتهم أنه يوماً ما سيذهبون لها دون أن يُدركا بِعُمرهما الصغير ذاك ما عنته تلك الكلمة حقاً و ما مقدار الألم الذي تحمله بين طياتها !
و فور مغادرتها إستلقا كلاهما بجانب بعضهما البعض ، بدقة أكبر إرتمى زاك بين أحضان آيزاك و بدأ بالبكاء بمرارة لا يعرف سببها ، ربما هو بأعماق قلبه عرف ما لم يتمكن عقله الصغير من إستيعابه عن الموت و الفراق الأبدي ، فذاكرته أبت أن تتوقف عن عرض الكثير من الصور لوالدته و منزلهما القديم ، و قلبه لم يتوقف عن الخفقان بسرعة و ألم ممزوج بالخوف و القلق من المُستقبل المجهول و لم يجد سوى أحضان توأمه لإفراغ كل ما يشعر به !
آيزاك إستقبل شقيقه برحابة صدر و بادله العناق و البكاء ، و مع ذلك هو حاول كتم كل مشاعره و آلمه بما أنه يرى نفسه مسؤولاً عن شقيقه المريض ، لذا هو عاهد نفسه على أن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يبكي بها .
كلاهما أخرج مشاعره السلبية بالبُكاء الشديد حتى غلبهما النُعاس وهما يحتضنان بعضهما البعض ، وبهذا إنقضت أول ليلة لهما بدار الأيتام بسلام نسبي !
*****
مضت الأيام تتبعها الشهور و السنين بحيث مر على الصغيران ما يقارب العامين بالميتم ، أيامهما لم تخلوا من الألم و التنمر من قِبل بقية الأطفال وبعض زوار الميتم بسبب لون شعرهما المختلف حتى أن البعضما كان يطلق عليهما سوى لقب المتوحشان أو المسوخ !
العاملات بالميتم و مديرته ممن كانوا يعاملونهم بلطف بالبداية تغيرت معاملتهم مع كل تلك الشجارات التي كان آيزاك يخوضها ، فهو لم يسمح لأي إنسان كان من الإقتراب لتوأمه أو إزعاجه و لو عنى ذلك أن يتلقى العقاب دائماً ، فبعد كل شيء هو تعلم الدفاع عن نفسه و الشجار جيداً !
بكل ليلة خلال العامان المنصرمين كانا ينامان معاً قريبان من بعضهما البعض ، و بمُعظم الليالي كان زاك يصحو من نومه بسبب ألم فظيع يجتاح قلبه فيثشبث بتوأمه أكثر ويبكي عَل ألمه يختفي ، و آيزاك كان يصحوا بكل مرة و يحتضنه بخفة بينما يمسح على شعره و يتحدث معه بمواضيع مُختلفة علها تلهيه عن آلمه أو تخفف عنه القليل بينما بداخله كان يدعوا أن لا يصيبه مكروه و يرحل للسماء كما فعلت والدته !
بالمختصر ما كانت حياتهما مثالية إلا أنها أيضاً لم تخلوا من أوقات لعبهما و ضحكهما معاً ببراءة ، فأياً كان ما تعرضوا له هما مجرد طفلين بذلا كل ما بوسعهما للإستمرار و الضحك و أكثر ما يهمهما كان تواجدهما معاً تحت أي ظرف ، فزاك لم يكن ليترك طرف كم شقيقه مهما حدث بل إعتمد عليه بكل شيء ، وحتى عندما يتألم ويعلم أن حتى شقيقه غير قادر على تخفيف ألمه هو كان يلجأ لإحتضانه بل كان يقسم بأن الألم كان يصبح أقل حدة مع لمساته !
و الآن تبقى لهما شهر واحد لبلوغ الثامنة من العُمر ، كلاهما كان يجهل تماماً أنه و بذاك الْيَوْمَ سيتمنى كلاهما الموت و لن يجداه !
إنتهى من ترتيب الغرفة بهدوء و من ثم نظر لشقيقه الذي يجلس وهو يقرأ كتاب ما ليعبس بخفة وهو ينطق :" أتتهرب من العمل بالقراءة آيزاك ؟ و من ثُم منذ متى وأنت مهتم بقراءة الكتب ؟"
آغلق الكتاب بسرعة قبل إقتراب توأمه منه وخبأه تحت وسادته ليتحدث بإبتسامة مرحة :" أنا آعتني بك دائماً لذا لا ضير من ترتيبك الغرفة بمفردك ! ثُم وكما ترى أنا حُرِّمَت من تناول الطعام بسبب شجاري مع ذلك الأخرق لذا أحاول الحفاظ على طاقتي "
ظهر عبوس طفيف بينما إحمرت عيناه إثر تجمع الدموع بهما وهو ينطق بندم :" آسف هذا حدث بسببي مُجدداً ! "
تململ بمكانه قبل أن ينهض ليبعثر خُصلات زاك بخفة وهو يجيبه بضحكة خافتة :" توقف عن هذه البكاء أيها الطفل الباكي ! هو ليس ذنبك و أنا لستُ نادماً على تحطيم وجهه لإنه مُزعج ، الواقع أنا أشعر بالرضى على ما فعلته "
أخفض بصره قليلاً قبل أن ينطق بصوت خافت حمل كل مخاوفه بوضوح شديد :" لكن آيزاك , ذلك الفتى قال لي أنك ستمل مني قريباً إن أنا لم أصبح أكثر قوة ! هو قال أنه من يريد أن يُمضي كل حياته بالعناية بمريض مثلي "
إحتدت عينا آيزاك ليقف بإستياء بينما رفع زاك عيناه الدامعة ليواجه عينا توأمه الحاده :" وأن هُناك أسرة ما تريد تبنيك و أخذك بعيداً عني ! "
شهق آيزاك بصدمة فهذا الخبر بالذات لم يرد أن يصل لشقيقه حقاً , ردة فعله جعلت قلب زاك يتراقص من الرعب فهذا يثبت تلك الإشاعات !
تحدث آيزاك بسرعة وهو يحتضن شقيقه خوفاً من إنهياره :" إستمع لي زاك , لم أرد إخبارك لإن هذا لن يحدث مُطلقاً ! تعلم أنني لن أعيش من دونك حقا ! أرجوك لا تثق بكلام أي شخص سواي أنا "
هو أبعد شقيقه قليلاً ليسمح لأعينهما بالتواصل فما هو الشيء الأكثر صدقاً من العينان ؟!
أردف بعد مُدة قصيرة :" و أنا أخبرك ليذهب أولائك للجحيم فأنا لن أتركك أبداً ! إن رغبوا بأحدنا عليهما تبني كلانا "
إبتسم زاك له بخفة وعاد لإحتضانه قليلاً قبل أن يبتعد عنه ومن ثم توجه لدولابه الصغير ليخرج منه بعض الخبز و الكعك ويقدمه لشقيقه وهو ينطق بمرح :" أعلم أن أخي الكبير يحب الشجار مع أي شخص ينظر لي حتى بطريقة لا تعجبه لذا لطالما خزنت القليل من الطعام لأجلك لهذه الأوقات الطارئة ! "
أخذها منه بإمتنان أولاً ولكنه ما كاد يتناول أول قضمة من الخبز حتى عبس وهو يتحدث :" لكن هذا يعني أنك لا تتناول طعامك بأكمله ؟! أنت مريض لا يمكنك ذلك عليك إنهاء وجبتك زاك ! "
جلس بجواره ليتحدث بحماس طفولي :" أنا بخير ! و من ثُم ما دمت هنا لن يحدث لي أي مكروه صحيح ؟ فحتى الألم يصبح أقل بوجودك لذا سأكون بخير لأجلك دائماً "
تلك اللحظات التي جمعتهما معاً كانت دافئة وبشدة , هالة من السعادة لطالما أحاطت بكلاهما بكل مرة يحظيان بها بوقت لهما فقط , معاً بعالمهما الخاص و البعيد كل البُعد عن قسوة الحياة , مُتمنيان من أعماقهما أن تدوم حياتهما بهذه الطريقة .
لكن سنن الحياة لها رأي آخر فلا يوجد حال يكتمل كما هو مُطلقاً , ذلك الرجل الذي أراد تبني آيزاك لم يتوقف عن القدوم كل يوم برفقة زوجته مُحاولاً إقناعه بالتخلي عن شقيقه عديم الفائدة ومسبب المشاكل له , هُما أغرياه بالمال و الألعاب و الثياب الجديدة وكل ما قد يهم طفل بمثل عمره !
و مع ذلك كل تلك العروض تم رفضها ببرود من آيزاك , و كلماتهم حول ضعف شقيقه و كونه عالة كانت تلقى ردود فعل شرسة من قِبله , فهو لن يسمح لبعض الغرباء بالحكم على شقيقه ولا علاقة لهم به !
زاك تبدلت حياته تماماً , فبكل زيارة لذلك الرجل و زوجته كان يشعر بقلبه يوشك على الإنفجار بل ويذكر نفسه دائماً بوعد شقيقه بأنه لن يتخلى عنه ليستطيع الصبر , لطالما تجسس عليهم وسمع كلماتهم القاسية عنه ولكن دفاع آيزاك عنه كان كالبلسم على قلبه الصغير !
عيد ميلادهما الثامن لم يتبقى عليه سوى أسبوعين عندما بدأ الشك يساور الأصغر منهما , فتوأمه ما عاد يقضي معه الكثير من الوقت ! وفوق كل هذا هو يتركه وحيداً بالميتم طوال الصباح وعندما يعود ينام فقط , ولكن ما آلمه حقاً هو إحدى الليالي التي شعر بها بالألم يغزو قلبه صغير ليفعل ما يقوم به بالعادة ويحتضن شقيقه بقوة , آيزاك كان نائماً بعمق بسبب تعبه ولم يشعر بنفسه حقاً عندما همهم بإنزعاج شديد و قلب نفسه لجهة أخرى , بتلك الليلة شعر زاك بقلبه يؤلمه أكثر لذا نهض من فوره لإحدى دورات المياه , هو سعل بقوة وبكى بمفرده مطولاً بينما يحاول كتم ألمه ولو قليلاً فقط .
آيزاك لم يتذكر أي شيء من مما فعله بالليلة الماضية لذا إستيقظ كما هي عادته تبادل مع شقيقه بضع كلمات ثم غادر , ليس وكأنه لم ينتبه لحزن شقيقه إلا أنه ظنه بسبب مغادرته و تركه بمفرده , إبتسم بحماس عندما وصل لمحطة غسيل السيارات التي يعمل بها فهو سيفاجئه بهدية جميلة للغاية بعيد ميلادهما وسيجعله ينسى ذلك تماماً !
و بالميتم أخبرت المديرة زاك بأن شقيقه يذهب يومياً إلى منزل ذلك الرجل الثري ويلعب هناك بإنتظار أن تكتمل أوراق تبنيه تماماً فقد حُسم الأمر ! هي حتى أخبرته بأن شقيقه مل تماماً منه و من مرضه و إزعاجه موضحة له أن آيزاك طفل و كل الأطفال يحبون الحرية وهو كالقيد الذي يمنعه من الإنطلاق .
كلمات بسيطة جعلت حالة زاك النفسية تزداد سوءاً , وربما لو أنه ليس هجين حقاً لما إحتمل ذلك مُطلقاً و إنهار من فوره , إلا أنه منذ ذلك اليوم حاول أن يتغير قليلاً حتى يفسح القليل من الحرية لتوأمه عله لا يتخلى عنه بالنهاية , هو أبعد فراشه عن شقيقه وكان ينام دائماً قبل قدومه و يرفض الإستيقاظ قبل مغادرته !
بل هو كان عندما يشعر بالألم يتلوى بفراشه مانعاً نفسه من إصدار أي صوت قد يوقظ شقيقه خوفاً من إزعاجه وهذا سبب له ألم مُضاعف ! ووثق بتلك الفترة أن الكاذب هو من يقول أن الألم يبقى بذات حدته سواء كنت بمفردك أو مع أشخاص آخرين , فهو حقاً يشعر بألمه مُضاعف دون يد شقيقه التي تُبعثر له خصلات شعره , دون صوته الهادئ الحنون الذي يتحدث معه بلطف بينما عيناه تبذلان ما بوسعهما كي لا تذرفان الدموع لأجله , ليبقى قوياً ويسانده بالرغم من ألمه على حالته , دون إشتمامه لرائحة الياسمين التي تجعل أعصابه تهدئ تماماً و تثير الطمأنينة بداخله , أيمكنه العيش من دونه حقا ؟
شهقة مُتألمة صدرت من فمه , هذا يؤلمه و بقوة بل حتى الهواء الذي يتنفسه يسبب له الألم الشديد !
تلك الشهقة أعادت حواس الأكبر للواقع بعد أن أخرجته من عالم الأحلام , نهض من فوره ليترك فراشه ويقترب من صغيره الذي صُبغت وجنتيه و أنفه باللون الأحمر بسبب البكاء و الألم ! مسح على شعره الفضي بهدوء بينما ينطق بهدوء وحنان :" زاك يا أخي أأنت بخير ؟"
هو إستلقى بجواره بالرغم من إعتراض شقيقه على ذلك , ضمه إليه وعبث بخصل شعره كما يفعل بالعادة مما جعل زاك يستسلم تماماً ويتوقف عن المُقاومة , إن كان توأمه سيرحل إذاً لماذا لا يستمتع بحنانه حتى آخر لحظة ؟ ربما بالنهاية هو سيعيش فقط على هذه الذكريات ؟!
لذا تشبث به كما هي عادته بينما إبتسم آيزاك له بحنان لتمضي تلك الليلة بهدوء .
و أخيراً و بذلك اليوم البائس , سار آيزاك بسعادة شديدة وهو يحدق بالصندوق المغلف بعناية فائقة , فهو نجح للمرة الأولى بحياته بالعمل و تمكن من شراء هدية لتوأمه أي أنه قريباً سيصبح قادراً على الإتناء بتوأمه وشراء كل ما يرغب به ليبقى بخير و لا يتبع والدتهما فهم أخبروهم بأن الأشخاص الذين يمرضون دون أن يجدوا شخص ما ليساعدهم و يبقى معهم سيذهبون للسماء لذا هو سيبقى بجوار توأمه حتى لا يفلت يده ويغادر يوماً ما !
إختفت إبتسامته الفخورة عندما ظهر ذاك الرجل أمامه مُجدداً ليتحدث بإنزعاج :" أخبرتك أنني لن أترك توأمي صحيح ؟ "
ظهرت إبتسامة خبيثة على وجهه ليتحدث بلطف زائف لم يتمكن الصغير من فهمه :" أجل أعلم , ولهذا السبب أردت إخبارك أنني سأتبناه لأجلك ! ستبقيان معاً بغرفة كبيرة مليئة بالألعاب و تستمتعان دائماً ما رأيك ؟ يمكن إعتبارها هدية عيد ميلادك "
إبتسم الصغير بسعادة وهو ينطق :" حقاً ؟"
أومئ له الرجل وهو ينطق بهدوء :" إذاً ما رأيك لو أتيت لمنزل اليوم حتى تختار بعض الأثاث لك و لشقيقك وترى إن كان المكان يناسب صحته ؟"
هو مرة أخرى أومئ إيجاباً ليمسك بيد الرجل ليذهب برفقته , فإن كان ثرياً هذا يعني أنه سيعالج شقيقه أيضاً ولن يتذمر من تكاليف الأدوية كما تفعل مديرة الميتم , والجو لن يكون خانقاً ويزعجه لذا هو حقاً كان سعيداً وللغاية !
وبلحظة واحدة حمله الرجل ليسير بسرعة غير طبيعية بالنسبة له دون أن يعلم كيف يمكن للرجل فعلها أو إلى أين هو سيأخذه .
و بالميتم حلت صدمة شديدة على زاك وهو يحرك رأسه غير مُصدق لما يسمعه من المديرة ! بالنهاية هو أغلق أُذنيه بيداه عل كلماتها تتوقف عن الوصول له , هو أخبره أن لا يصدق سواه , عليه أن لا يثق بكلمات شخص آخر سواه , فقط آيزاك , كرر تلك العبارة بداخله مئات المرات قبل أن يهرب من الغرفة ليعود لغرفته بإنتظار عودة شقيقه الذي يفترض أن تكون قريبة , هو لن يتركه على الأقل ليس بعيد مولدهما صحيح ؟!
### قارة نوفوبانجيا ###
جلس على مائدة الطعام بعبوس طفيف بينما يراقب عقارب الساعة لينطق بتردد :" أُريد العودة الآن فلابد أن زاك قلق "
نظر له كبير أسرة مارش بشيء من الملل قبل أن ينهض وهو يتحدث :" مهلاً أريدك أن تلتقي شخص ما بمثل عمر تقريباً وهو طفل مميز حقاً ! "
أومئ بلا إهتمام فكل ما يفكر به هو الذهاب و إخراج شقيقه من الميتم و إحضاره لهنا أو أن يعود هو ويعيش برفقته , فحتى الطعام الفاخر الذي كان أمامه ما أشعره بأي شهية , وكيف يشعر بذلك وهو يتمنى لو أن شقيقه معه لتذوقه ؟!
تقدم فتى ما منهم بشعره الفضي و عيناه الخضراء التي كانت تجعل الشهص يوقن بأن هذا الطفل هُنا يمتلك عقلاً أكبر من عمره ربما , تحدث والد آيزاك بهدوء :" أقدم لك نيو هو إبن أسرة عسكرية عريقة ! و يتوقع الجميع له مُستقبلاً باهراً "
أومئ آيزاك له بلا أي إهتمام حقيقي وقد إستشعر نيو ذلك ليعقد حاجباه بضيق فهو مضطر فقط للتواجد لأجل العلاقات الغبية بين الطبقة النبيلة ومع هذا لم يمنع نفسه من التحدث ببرود :" إن لم أعجبك فعليك قول ذلك فحسب أو تظاهر على الأقل بالإهتمام "
حدق آيزاك به بإنزعاج فهذا ليس وقت الشجار معه , فهنالك شعور فظيع بالفراغ يحيط بقلبه و لا يعرف لماذا لذا خمن بأن زاك ما عاد بخير أو أنه حزين للغاية , هو فكر بأنه ربما هنالك من يزعجه الآن لذا تجاهل من أمامه تماماً ونظر للرجل و الذي كان للآن يجهل بأنه والده الحقيقي :" أريد العودة الآن ! "
تنهد بإنزعاج وضيق كبيران فهو للآن لم يتلقى الرسالة التي يريدها وهذا يزعجه وللغاية , نظر للصغير أمامه ليتحدث :" عليك أن تحترم الضيوف على الأقل "
نفخ وجنتيه ببرود مُفاجئ حتى بالنسبة له وهو يجيب بصراخ :" لا أهتم أعدني حالاً ! "
تنفسه كان مًضظرب وعيناه تذرفان الدموع دون إرادته وكل هذا جعله يدرك بأن توأمه ليس بخير , يمكنه الشعور بذلك فحتى صراخه على من أمامه ليس من عادته , فهو لم يكن وقح مع من هو أكبر منه سناً يوماً إن لم يتعلق الأمر بشقيقه !
و أخيراً دخل أحدهم بسرعة من الباب الأمامي بينما يتحدث بهلع :" سيد مارش الطفل الآخر الذي أردت تبنيه مات ! "
كرر آيزاك تلك الحروف الثلاتة بصدمة فوقعها عليه كان فظيعاً للغاية :" مات ! الطفل الآخر ؟! "
شهق برعب وهو ينطق :" تعني أخي ؟ أذهب هو الآخر إلى السماء ؟ "
تقدم والده منه ليواسيه لكن آيزاك أبعده ليصرخ بغضب حاقد :" كاذب ! أنت كاذب هو قال أنه لن يرحل لأمي إن أنا كنت بجانبه ! هو لم يرى الهدية التي إشتريتها له ! ولم يضحك بسعادة بعد لا يمكنه الرحيل فأنا أصبح بإمكاني العمل و توفير ما يريده دون أن يحزن ! هو لن يتركني أيها الكاذب "
صرخ بآخر كلماته بينما تفجرت طاقته بالكامل , وبالرغم من أن والده كان قد ختم طاقته كجان حتى لا يكتشف أحدهم كون هجيناً إلا أنه حررها و تحررت معها قواه كهجين , فحديثهم عن موت توأمه ليس بالشيء الذي يستطيع هو إحتماله مُطلقاً , وبذلك اليوم هُدم القصر على رؤوس أصحابه حقاً ! هو أنقذته طاقته بينما البقية فر من المنزل عند شعورهم بطاقة متزايدة به , نيو الوحيد الذي شهد على كون آيزاك هو الفاعل !
### قارة أوقيانوسيا ###
بعد هروب زاك لغرفته بإنتظار عودة شقيقه تبعته المديرة برسالة ما و ألقتها له , هو إلتقطها بتردد لتنطق هي ببرود :" لن أعاقبك على وقاحتك مُراعاة لنفسيتك المحطمة فقط ! بكل حال هذه رسالة تركها لك توأمك "
فتحها بتوتر شديد , الخط كان يبدوا لطفل بالفعل بمثل عمرهم , هو قرأ الكلمات التي وجهت له بالرسالة ومع كل كلمة كانت روحه تًسحب منه تدريجياً :" أخي زاك , أنا آسف لإنني سأنقض وعدي معك ! أعتذر حقاً لكن لم أستطع مقاومة التحرر و الذهاب لبدأ حياة جديدة و مليئة بالسعادة بعيداً عن الألم الذي أعيشه هنا , أنا لا أعلم متى أنت ستخونني و تذهب لأمي بالأعلى لذا أفضل الخروج أولاً من حياتك , و أيضاً هي فرصة جيدة لكلانا , فأنا لن أُضطر للعناية بك بكل ليلة وإختلاق بعض الأحاديث اللطيفة مُقاطعا نومي الهادئ , وأنت ستصبح أكثر قوة من دوني ! لذا فقط إنسى أمري فأنا سأنساك تماماً أيضاً , و أمر آخر عيد ميلاد سعيد , إعتني بنفسك لأجل نفسك فقط "
سقطت الرسالة من يده تزامناً مع إنهياره هو أرضاً بينما بدأ يسعل بقوة شديدة وخيط من الدماء يخرج من فمه , هو يشعر بأن قلبه سيتوقف عن العمل تماماً , أحقاً هو غادر ؟
قاوم ألمه لينهض ويتشبث بالمديرة التي كانت تحدق به ببرود لينطق برجاء :" إتصلي به أرجوكِ ! أنا سأتحدث معه وهو سيعود مرة أخرى ! سأخبره بأنني لن أزعجه مُجدداً , وهو ليس عليه الشجار بدلاً مني , وأنا سأكتم ألمي لنفسي , أقسم لن أوقظه مُطلقاً وسأعطيه كل الألعاب التي تأتي لي من الجميعات و المتبرعين , وثيابي التي تعجبه وحصتي بالطعام فقط دعيه يعود "
إرتجف صوته بينما بدأ وعيه يتسرب منه وهو يردف بضعف شديد :" أرجوكِ أعيديه لن أزعجه مرة أخرى , لن أفعل مُطلقاً , ليعد عليه أن لا يتخلى عني أبداً "
إنتهى الأمر بإغماضه لعيناه فاقداً للوعي بعد أن أصابته نوبة قلبية حادة , هي أعطته إبرة ما أعطاها لها كبير أسرة مارش بلا أي شعور بالشفقة فهي باتت تعلم أن هذا الفتى هجين حقاً هو وتوأمه أي هما حقاً مجرد مسوخ لذا ليست مُهتمة بحياته مُطلقاً و إنما ستبقيه هنا لأجل الأموال الطائلة التي ستصلها لكتمان السر عن الآخرين و إبقائه على قيد الحياة ليستخدمه عندما يشعر بأنه بحاجة له !
دقائق ووصلت إحدى الممرضات بالميتم لتحمله وتضعه على الفراش بينما تغطي له وجهه , وهذا حدث باللحظة التي إخترق آيزاك بها المكان , فهو ما إن قام بتحطيم ذلك القصر أجبر والده على إعادته لرؤية توأمه , توقف الزمن بالنسبة له باللحظة التي شعر بها بأن لا طاقة تخرج من جسد شقيقه مُطلقاً !
هو ركض بإتجاهه ليبعد قطعة القُماش عن وجهه , عادت دموعه للإنهمار وبشدة أكبر بسبب تلك الدموع التي غطت وجنتا توأمه , وملامحه المتألمة , وهذا يعني أنه كان يعاني قبل رحيله بمفرده ! بسبب حماقته هو رحل وحيداً , ذهب لوالدته بالسماء , فقد حلمه بالعناية به وجعله سعيداً قبل أن يبدأ حتى , بالنهاية هو إحتضن ذلك الجسد البارد ليبكي مُفرغاً جزء لن يكون حتى ربع الألم الذي يشعر به الآن , و بالنهاية أُحيل قلبه الدافئ و ملامحه الحانية لأخرى مُشابهة للجليد فما عاد أي شيء بهذه الحياة يهمه !
سار مُغادراً الغرفة بعد أن ألقى نظرة أخيرة لوجه شقيقه , فهو لن يبقى بالمكان الذي فقده به و بذات الوقت سينتقم ممن حرمه من التواجد مع توأمه بآخر لحظات حياته و ما هي أفضل طريقة لذلك سوى العيش معه و إزعاجه ؟!
### الوقت الحاضر ###
## القارة المجهولة ##
إرتد جسد الإثنين عندما عاد كُل منهما من رحلة الماضي التي خاضها , ومع أن الأمر لم يستغرق منهما سوى عدة دقائق قصيرة إلا أن الدموع غزت وجه كلاهما !
وضع آيزاك يده على فمه مانعاً نفسه من إصدار أي شهقة , كيف لوالده أن يكون عديم رحمة لهذه الدرجة ؟ هو سبب لتوأمه كل ذلك الألم فقط للحصول عليه ؟ هو الآن يفهم تماماً سبب شك توأمه به و لا يلومه ! كم كان مُغفلاً عندما ظن أن هديته التافهة تلك ستسعده ! بل هي كانت السبب بدمار كل شيء و إفتراقهما لعدد كبير من السنوات !
و بالمقابل جلس زاك وهو يحدق بتوأمه وشعور بالذنب يحيط به , توأمه ما خانه قط بل كرس نفسه لأجله هو حتى آخر لحظة , تناسى صغر سنه و رغباته وما فكر سوى به وبسعادته وهو كافئه بعدم تصديقه !
نطق كلاهما بصوت غلفه الندم :" آسف حقاً "
و إنتهى الأمر بزاك ينهض ليلقي بجسده بين أحضان توأمه الأكبر تماماً كما إعتاد أن يفعل بصغره وبذات المشاعر الدافئة التي كانت تُحيط بهما , فالآن فقط يمكن القول أن قلبه حقاً إنقشعت الغيوم منه وعاد كما كان تماماً !
آيزاك مسح على شعره بخفة وهو لم يتغير حقاً فقراره بالعناية بتوأمه الصغير لم يتغير يوماً , فحتى عندما ظنه يكرهه دون سبب لم يتغير هدفه لكن الآن هو سعيد , يمكنه النجاح هذه المرة فكلاهما لن يقع بذات الخطئ مُجدداً وسيكون أكثر من سعيد بعودته لقارته حتى يتأكد من قتل والده بيده !
*****
وبفريق آخر تماماً توقف وهو يرفع أحد حاجباه بإستياء صامت بينما عيناه الحمراء تحدقان بالصحراء أمامه بكل إنزعاج , لم ينزعج من كونهم أمام صحراء شديدة الحرارة بقدر إنزعاجه من نظرات البقية المتجهة نحوه !
هو نظر لهم و تحديداً لريك لينطق بشيء من السخرية :" ماذا أأنتم قلقون علي مثلاً ؟ لنكمل السير فحسب "
شد ريك على قبضة يده وهو حقاً لا يعرف كيف تمكن من إحتمال من أمامه ليومين كاملين , بل يظن أنه يستحق جائزة لهذا , هو سار قبل جيس حتى لينطق بسخط :" ومن سيقلق على شخص مزعج مثلك أساساً "
أجابه بذات السخرية :" ومن سيرغب أن يقلق عليه طفل لازال بحاجة لعناية "
إحتقن وجه ريك بالدماء بينما سار نيو بصمت وهو يحدق بهما بشيء من الحيرة , فجيسي لا هالة سلبية تخرج منه بإتجاه ريك حقاً و الأخر يسترق النظر للملك المغرور كما يسميه بين فنية و أخرى للتأكد من أنه بخير !
أما نيرو فقد تثائب بملل وهو يشتم آرون مرة أخرى بسره بسبب تلك القرعة الغبية التي جعلته عالقاً مع هذه المجموعة التي تزعجه وبشدة , أكان عليه حقاً أن يكون مع شبيه ريكايل ؟! لماذا لم يستبدل مكانه مع ليون أو آلبرت ! على الأقل حينها سيكون هو مع بعض الأصدقاء الذين يثق بهم , تنهد بتعب فالتمني لن يفيده الآن !
~ نهاية الفصل ~
قراءة ممتعة
فصلين خلال يومين !
الواقع ثلاث فصول خلال يومين إن إحتسبت فصل روايتي الأخرى أغلال طبقية ..
وهذا لإنني لا أعلم إن كنت سأظهر خلال الأسبوع القادم أم لا !
أمر أخير .. ربما تبقى ما يقارب أربع فصول على سقوط أول ضحية من الضحايا هنا ,, للأشخاص الذين يفضلون تجهيز نفسياتهم لحدث كهذا أنا بالفصل الذي ستُقتل به شخصية ما سأضع صورتها بالأعلى مع عبارة وداعاً .. سواء كانت ستموت ببداية الفصل أو وسطه أو حتى بآخره !
أي توقعات ؟؟
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top