الفصل الثالث و الأربعين
رواق أبيض بارد أحاط به ، كل من يعبر بجواره كان يتوقف لينحني له أولاً مهما كان مشغولاً و كيف لا و شعار الأسرة الحاكمة يزين قميصه الرسمي بينما سيفه الذي حمل ذات الشعار بارز و إن كان نائماً بحجره و كأنه يتباهى ؟!
لكن كل ذلك ما كان سبباً يدفعه للفخر بل حالياً ملامحه حملت العديد من المعاني بينما يركض بين تلك الأروقة ، الألم و الغضب الممزوجين بالضيق و خيبة الأمل !
وصل للمكان الذي يريده حيث كان جسد ذاك الذي أنقذه من الموت يقبع بهدوء تام بينما حوله الأطباء و والده ' الحاكم ' ، تقدم أولاً ينحني باحترام شعر للمرة الأولى أنه مُكره بتقديمه قبل أن ينطق بنبرة حملت معها الكثير من الرجاء :" سيدي الحاكم هل ما سمعته بشأن قرارك الأخير صحيح ؟! "
بان شيء من الحدة على ملامح الأكبر و الذي أجاب بنبرة تدل كونه لن يناقش الأمر مع من أمامه :" و هو قرار نهائي ! هذه أقل عقوبة بحقه بعد الجُرم الذي قام به ، أردت أن يُقتل بشرف على أرض المعركة لكنك أنقذته لذا هذا أقل ما يمكن لنا فعله أليس كذلك ؟ "
كز على أسنانه بسخط و هو ينطق محاولاً أن لا يزيد غضب من أمامه أكثر:" سيدي هو بالثانية عشرة من العمر ! "
هتف الأكبر بغضب :" ليون ! ألا يكفي أنني لم أحاسبك للآن على تدخلك بأمر لا يخصك و فوق هذا هربت من الحفل الذي يفترض أن يتم إعطائك به مسؤوليات كاملة بصفتك الأمير الثاني للمملكة "
كتف يديه لصدره يُجيب بضيق شديد :" أهذا حقاً ما يهمك ؟ لو لم أفعل لكان الفتى ميتاً ، هو صغير لتحمل مسؤولية قيادة الجيش "
و ابتسامة مُتكلفة رسمها الحاكم بينما يستدير للمغادرة و هو ينطق :" لقد تسبب بمقتل أفراد أسرته ! هو قاتل و لكنه الناجي الوحيد منهم لذا ببساطة عليه أن يكون قائد الجيوش بالمملكة فهذا هو منصب أسرته المتوارث مُنذ أجيال ! "
و ليون منذ بداية حديث والده عيناه لم تفارقا ذلك الجسد الهادئ كما لو أن لا حياة به ، شد على قبضته عندما شاهد الضماد المُلتف حول عينه التي حكم والده عليها تواً بالإصابة بالعمى للأبد مع أنه كان قادراً على زراعة مُقلة عين مُبصرة !
ابتسامة واثقة رسمها على وجهه فجأة و هو ينطق بعزم بكلمات قلبت كيان الحاكم تماماً :" إذاً أنا أستقيل من منصبي كأمير ثانِ للمملكة ، و الأمير الذي يستقيل أتعلم ما هي وظيفته الجديدة ؟ "
شهقة خافتة صدرت من شفتيه بينما نهض جسد الأمير من سباته ذاك مُعلناً نهاية ذاك الحلم أو الذكرى ؟!
و من يسكنه و شاهدها أغمض عيناه مُجدداً عله يسمح لنبضاته بالهدوء ، ما كان ذلك بحق الإله ؟
هو نهض من موقعه مُبتعداً عن المجموعة التي بها ليختلي بنفسه و أفكاره .
•••••
تلك الليلة حملت الكثير من الهدوء بين طياتها ، و النجوم أنارت السماء كقطع كريستال منثورة تتوهج بلمعة بيضاء مُحببة للقلب ، القمر توسد على عرشه بالمنتصف مُرسلاً نوره المتواضع لمن يعيش على الأرض المُظلمة ، و بلمسة ساحرة أخيرة طفت الغيوم بشكل شبه شفاف بمنظر يبعث على السكون و السلام !
لكن أنى للسلام أن يصل لذلك القلب المُشتعل بفتيلة حرب داخلية لا يعلم أحد عنها شيئاً سوى أنها تلتهم بنيرانها بكل مرة جزء منه ؟
أسدل جفنيه قليلاً لتختفي مُقلتيه المُشابهة للقمر بلونهما بينما تحركت خُصلات شعره الداكنة بفعل النسيم الذي داعبها بكل رفق ، ذكريات عديدة مرت بعقله بينما يده اليُمنى تربعت فوق قلبه بنوع من الألم .
شيء ما حدث له بتلك المعركة الأخيرة مع الهجناء ، أمر لا يعلم كيف يفترض البوح به أو لمن حتى ! أعاد فتح عيناه و قد ابتعدت ملامحه عن تلك التي يضعها أمام سيده و ظهرت أخرى ساكنة ، مُنكسرة محلها .
عيناه لم تفارقا السماء و لو لوهلة و إن كان شارداً بأفكار أخرى باتت تظهر تدريجياً بعقله ، أمور يُحرم عليه أن يستحضرها و لو بينه و بين ذاته لأنه ببساطة فقد حقه بها منذ وضع ختم العبودية عليه .!
و ربما أهمها هو أسرته ؟ تلك الأسرة التي طالما هددته الأميرة بها و عُذب بسببها دون أن يعلم صدق تواجدها من عدمه ، لن يدهش لو علم أنها مجرد وهم أو خرافة و أنه مجرد مشرد من ميتم ما فالكثير من النبلاء يستخدمون ذات التهديد للعبيد و إن كانوا يجهلون بحد ذاتهم من أسرهم فأي سيد هو الذي سيهتم حقاً ؟!
لكن الغريق مُستعد للتشبث و لو بقشة علها تنقذه و هكذا حال أغلبهم ، ربما هو أفضل العبيد حالاً و حظاً بامتلاك الأمير كيفين كسيد .
ابتسم بنوع من الدفء و هو يخبر نفسه بأنه بالفعل الأفضل فمن قد يرى بسيده شعاع الأمل و النور سواه ؟! الشخص الوحيد الذي يبث به الرغبة بالحياة ، يُعطيه دافعاً للوقوف دائماً بل و حُلماً برؤية بلاده تحت حكمه و هو خلفه لدعمه !
بعثر شيء من خُصلاته و قد اشتد إمساكه لموضع قلبه قليلاً بينما ملامحه بان بها لمحة من الألم ، ثوان فقط و اختفت كأنها لم توجد بينما دفة أفكاره عادت لتلك الأسرة التي لطالما تخيلها بأحلامه و بأوقات ألمه مُتسائلاً عن مدى الاختلاف بين ما يتخيله و بين واقعه الذي يرى بأنه لن يرحمه ؟!
تنفس بعمق و هو ينطق بنبرة حملت عدة معاني :" أنا حتى غير واثق بأن اسمي الحقيقي هو آندريه ، كيف أتوقع معرفة نفسي حتى ؟ "
و عيناه اتسعت بشدة بنوع من الخوف ما إن شعر بتواجد تلك الهالة خلفه ، مُنذ متى و هو خلفه ؟ حسناً ليس و كأن الأمر بتلك الأهمية بقدر حيرته حول سماع الأصغر لكلماته الأخيرة !
و كيفين تقدم بضع خطوات حتى بات واقفاً بجوار الأكبر بينما عُشبيتاه حدقتا بالسماء بنوع من الشرود لوهلة قبل أن ينطق بوتيرة هادئة كما سكون الليل :" أنا أعرفك لذا إن شعرت أنك ضائع فيمكن لي دائماً إعادة تذكيرك بمن يكون آندريه "
شهق سريعاً و هو يقف على قدميه مُحدقاً بسيده بتمعن فالخوف الذي تملكه بظهوره ليس خشية أن يؤذيه بسبب كلماته التي يفترض أن تودي به للإعدام فهو طالما فعل الكثير مما كان سيجعله ميت منذ سنوات طويلة بقدر خشيته على مشاعره !.
فسؤال كهذا يعيد فتح العديد من الأبواب لذكريات يحاول كلاهما إغلاقها ، و بالرغم من هذا أردف الأمير الشاب دون الالتفات إليه مُجدداً :" و آندريه هو اسمك الذي اختارته أسرتك لك منذ ولادتك "
الفضول انبثق بتلك العينان اللتين اتجهت لسيده بنوع من اللهفة بينما ينطق سائلاً بتردد :" كيف تعرف ذلك ؟ "
و أخيراً التقت عينا السيد بالخادم حيث حدق الأول به بنوع من الاستنكار فسؤاله ببساطة بتلك الطريقة تجعله يشك بأن من أمامه لا يصدقه ؟
و الأكبر حاول تدارك الأمر فور رؤيته لذلك الاستنكار ليتحدث سريعاً بينما يحرك يديه بكل الاتجاهات :" تعلم لم أقصد فقط أنت كنت طفل بذلك الوقت ! أعني عندما تم إحضاري للقلعة لذا ... "
قاطعه الآخر بنوع من الضجر و هو يجلس :" تماماً كنت طفلاً و لم أبقى ! ليس و كأن استحضار معلومات كهذه سيصعب حقاً "
و هنا آمال آندريه رأسه قليلاً ينطق بحيرة :" لكن سيدي ما حاجتك لمعلومات كهذه ؟ "
رسم كيفين ملامح واثقة كما هي عادته عندما يقرر فعل أمر ما ليُجيبه :" لأنني قررت أنه باليوم الذي سأصل به للعرش سيكون أول ما أفعله هو الذهاب برفقتك لهم "
و هنا بالنسبة إليه توقف الزمن لوهلة و قد عصفت به العديد من المشاعر المُختلفة ، لم يكن ليتخيل و لو لثانية واحدة أن شيء كهذا وضعه سيده ضمن خططه بل على رأسها ! أن يفكر به و باختراق كل القوانين الموضوعة لأجله أمر لا يمكنه بحق رده إليه مهما بذل من جهد لفعلها !
لذا هو وجد نفسه بلا إرادة يجلس على إحدى ركبتيه بينما يخفض رأسه للأسفل كنوع من الشكر و الامتنان فأحرفه تبخرت تماماً ، و السيد رفع يده يبعثر بها شعر خادمه و هو لا يفهم سبب كل هذا بما أن لا شيء تحقق !.
ليس من عادته الحديث عما ينوي منحه للآخرين قبل التنفيذ لكنه شعر بأمر مختلف ، ذاك السؤال الذي سمعه للمرة الأولى طوال تلك السنوات التي قضياها معاً جعلته يتذكر أنه مهما كانت الابتسامة التي ترتسم على شفتي الأكبر فهذا لن يعكس على حقيقة ذاك الفضول الذي سيجذبه دائماً للتعرف على نفسه .
كما أنه شعر بأن آندريه خارج عن إطار عادته و تصرفاته و فكر ربما أنه بإعطائه أمل قد ينهي المشكلة ان كانت فقط تحوم حول هذا ، بالنهاية هو نهض ليتجاهل انقباض قلبه المُفاجئ و كأنه يحذره من عاصفة قادمة لينطق :" لا تشكرني على ما لم أفعله بعد ، ثم هيا تحرك للنوم أمامنا يوم طويل "
أراد الآخر أن يُجيبه لولا أن السيد أردف :" و لا تجرأ على إفساد ما خططت له بحماقة ! علينا الوصول للهدف أتفهم ؟ "
أنهى عبارته ليعود للكهف الذي صنعه السحرة بينما آندريه حدق بظهر سيده بعينان متسعة قبل أن يسمح لابتسامة لطيفة بالإرتسام على ملامحه ينطق بهمس :" أعدك سيدي سأحاول ! "
انهى عبارته ليعيد بصره للسماء قبل أن يتوجه هو الآخر للداخل و قد تجاهل كل ما يزعجه من أفكار بعد جرعة السعادة التي منحها إياه مُنقذه .
•••••
إلتمعت عيناه الصفرواتين بعتمة ذاك الليل بينما يجلس بمعزل عن الآخرين ، لا يعلم متى ستنتهي سخافة رؤيته لذكرى من ذكريات ليون كلما أغمض عيناه لينام !
ربما لو كان قد سكن جسد شخص آخر لما شعر بكل هذا الضيق بل العكس لوجدها طريقة للعبث و ربما التهديد بما يراه من ذكريات ، لكن بوضعه الآن أنى له فعلها ؟ و كل ما شاهده يحوم حوله بطريقة مخيفة ، يُسبب بقلبه عاصفة من المشاعر التي ظن أنه تخلى عنها منذ سنوات طويلة ، حيرته تزداد بكل مشهد يراه مُتسائلاً عن دفاع الأمير لمد يده إليه حقاً .
لما لا يظهر بين تلك المشاهد ما يريد معرفته ؟ ما مصلحته أو هدفه ؟ لا يريد أن يثق بأنه فعلها بدافع القلق أو الصداقة أو أي مشاعر أُخرى فقد هو الإيمان بها منذ سنوات طويلة مضت ، لن ينكر بما أنه يحدث نفسه أنه باللحظة التي يكتفي ليون بها منه أو يصل لغايته بانعدام مشاعره فهو و دون شعور منه بات جزء من يومه و برحيله تنتهي آخر قطرة من تلك الحماقة المُسماة بالمشاعر .
أغمض عيناه بينما ينطق بنبرة هادئة خلت من العبث :" ألن تخبرني بما تريده و تعيد لي حريتي ليون ؟ "
جلس المعني بجواره بعد أن كان يقف على بعد ، كلاهما يعلم بتواجد الآخر لكن أي منهما لم يفسد خلوة رفيقه إلا بعد ذاك السؤال لذا هو حدق به بنوع من السكينة مُجيباً :" و هل أنا أسرت لك حريتك ؟ "
فتح الأصغر عيناه ينظر إليه بينما يتحدث :" أجل ، أتذكر آلبرت الذي قابلته أنت ؟ أتظنه ذات الشخص الذي يسكن بجسدك حالياً ؟ "
ابتسامة ودودة رُسمت على شفتي الآخر و هو يُجيبه :" إن كنت تسمي هذا أسر للحرية فأنا سعيد ببقائك تحت حُكمي للأبد ! آلبرت الذي قابلته كان على وشك التجرد من مشاعره ليصبح قاتل لأجل متعته الشخصية ! و هو مختلف قطعاً عما وصلت إليه "
قطع التواصل البصري بينهما و قد همس بصوت مسموع لمن بجانبه :" للأبد وقت طويل لا يسعك التحكم به ليون ! قد يظهر ما يجعلك تنكث وعد كهذا و بكل سهولة "
إستلقى ليون و قد إكتفى بالصمت ، لا يمكنه جدال شخص ذاق مرارة الخيانة من أسرته ذاتها ، و للحق هو لم يعد يعلم كيف من المفترض أن يجعله يثق بأنه لا ينوي تصديق أي حرف سيء عنه و إلا لفعلها عندما كل من حوله أمروه بالتخلي عن الأصغر !
بالنهاية هو أعاد رسم تلك الابتسامة اللطيفة ليتحدث لولا أن آلبرت سبقه ينطق بنوع من الضيق :" لا ترسم على ملامح وجهي ابتسامة ودودة كهذه مُجدداً هذا يفسد سُمعتي ! "
ضحكة سريعة هربت من الآخر و هو يعتدل بجلوسه :" لكن آلبرت أنت تمتلك ملامح لطيفة ! ألا تذكر أن كل من قابلك كان يثق كم يسهل خداع الآخرين بفعل المظاهر ؟ "
نوع من الفخر بان عليه و هو يجيبه :" و هذه نقطة لصالحي تُثبت كم أنني شيطان فخور "
عادت ضحكة الآخر للظهور بينما ابتسم آلبرت بخفة و هو يراقبه ، لا يعلم ماذا تحمل الأيام لكنه مُدرك تماماً أنه فقط سيعيش حياته كما هي العادة حيث لا يفكر سوى باللحظة التي هو بها الآن دون الإهتمام للمستقبل .
*****
أسند جسده للخلف و قد شعر بيأس من زيارة النوم له الليلة ، مشاعر مختلفة لا تزال تعصف بقلبه ، عبث بخصلات شعره الشقراء بينما عيناه كانتا تحدقان برفيقه الوحيد و تنتقلان لزاك الذي غفى هو الآخر بصعوبة شديدة بعد أن عاد الألم له .
الكثير يجول بقلبه و أعماقه و هو لا يُدرك أقراره بالانضمام لمهمة كهذه كان خاطئ من البداية ؟ ليس و كأنه ما كان على تام بما سيواجهه هنا ، لكن - أعاد بصره لآرثر - رفيقه هذا لو ذهب بمفرده دونه و حدث له مكروه لما سامح نفسه حتى آخر يوم بحياته !
لكن و الآن بعد موت كل من كلير و نيو أمام أشقائهم و أصدقائهم و الجميع بات يتسائل أحقاً تواجده سيساعد ؟ إن كان على أحد الموت فهو يدعوا منذ أن خطت قدماه على هذه القارة لا بل قبل ذلك بكثير منذ أن ضم اسمه للمهمة إن كان الموت سيختار أحدهم أن يكون هو الضحية ، لا قوة له للوقوف أمام خسارة شخص يهمه أمره ، ليس مجدداً !.
أغمض عيناه يذكر تلك الأيام التي فقد بها والداه ، لم يكن سوى طفل مدلل ما عرف عن قسوة الحياة من شيء ، مُشاكس و عنيد لا رأي لديه سوى خاصته ، الحياة انتهت بنظره بذاك الوقت ، لا فائدة من الاستمرار بمفرده صحيح ؟
لكن و دون أن يُدرك كان قد اندمج بأسرة أخرى أحيت أمل قلبه المُنطفئ ، شعر بسعادة رغب بأن يشاركها مع كل من يقابله ! كما أعاد أخوته الأمل لقلبه الذي أظلم يئساً هو أراد فعل الأمر ذاته لذا جعل من نفسه أسرة لميلينا التي فقدت أسرتها !
يحاول إمداد الآخرين بعبارات يخبرهم بها أنه حتى لو شعرت بالظلام يُحيط بك من كل جانب لابد من نور أن يأتي يُبعد ذاك الظلام عنك ، رغم أنه فقد أسرته تقريباً للمرة الثانية لكن لازال لديه شقيق عليه الوقوف بجواره .
أغمض عيناه يطلق تنهيدة عميقة فهو حتماً ليس بخير و لن يكون مادام كل ما حوله يُعيد له تلك الذكريات المريرة ، لديه تلك الرغبة بإكمال ما بدأه عندما أسرته الثانية قتلت ظُلماً ، عندما قُتل ذاك الشاب بلا ذنب دون عقاب المسؤول عنه ، فمن المخطئ حقاً هم أم حاكمهم ؟
و من جهة أخرى ما كان آرثر نائماً و أي نوم هو هذا الذي قد يزوره بينما يمكنه رؤية تلك التقلبات على وجه رفيقه ، يُدرك أن آرون يوشك على الإنفجار ، تلك الملامح الباردة ستعود له قريباً هو يمكنه الشعور بهذا ، ابتسامته ستختفي و هالته ستصبح مُظلمة تعكس روحه و ألمه !
يشعر بذنب حقيقي للسماح له بالتواجد بمكان كهذا ، هو يقسم لو أنه كان على علم بتواجد مهجنين كأعداء أو رفاق لما أحضره ، ليس و كأنه لا يمتلك ذات المشاعر التي يشعر بها رفيق طفولته و أخاه ، بل قلبه ينبض بقوة يضخ الألم و الندم بدلاً من الدماء ، مع هذا فالحياة كانت قد علمته الحفاظ على هدوئه دون إظهار عاصفة قلبه و ألمه .
هو من كاد يُقتل بذاك الهرم الضخم بفعل تلك الحادثة و تأثيرها عليه ، يدرك أن قرار آرون بالتخلي عن وظيفته به وجه من الصحة كما أنه ممتن لرفيقه على عدم إتهامه بالخيانة كما فعل البعض لحفاظه على منصبه و عمله !
لكن بحق الإله ما هي أفضل طريقة لمنع تكرار ما حدث سوى بمراقبة الأمر بنفسك ؟! و مع هذا أهو فشل ؟ السحر الذي تم إلقائه على جناح البشر ألا يؤكد ذلك ؟ أحد أعدائهم ساحر و ليس أي نوع من السحرة ، فكيف حدث ذلك و متى ؟ هو حتى لم يركز ليبحث عنه بينهم عند هجومهم الأخير ، ربما لأنه حقاً خائف من معرفة الإجابة ؟
فتح عيناه تزامناً مع تلك التنهيدة التي خرجت من جوف رفيقه يحدق به حيث كان يستند للخلف يغمض عيناه بينما ملامحه ساكنة و بشدة ، كأنه هدوء ما قبل العاصفة !
اعتدل جالساً ينظر له بخفة ، مشاعر الجميع مضطربة بحق الإله ، لكن أليس هذا أمراً متوقع ؟ لولا تلك التضحية الأخيرة من نيو لما انتهت تلك المعركة على خير ، فهل حقاً هم قادرون على الفوز ؟ نسب النجاح بدأت تتلاشى بأعينهم مما يولد بقلب كل منهم أفكار مختلفة ربما ما كان ليفكر بها لولا شعورهم أن واحد منهم بل ربما أنفسهم قد يخطفهم الموت بلحظة واحدة ليُنهي أحلام عاش صاحبها يخطط لها دائماً .
*****
لا يدرك الكثيرون قوة الكلمات التي تخرج من أفواههم ، لا علم لهم عن كيفية تحولها لسهام تخترق قلوب ضعيفة ، تبدل الكثير من القرارت و تهدم الثقة بقلوب آخرين !
و هو ما كان إستثناءاً ، لم يكن يعلم أنه يوماً أطلق سهام كلماته على شخص يعده اليوم أقرب الناس إليه رغم فارق العمر بينهما ، استيقظ من ذاك النوم مفزوعاً مُقلة عينه تهتز و كأنها توشك على البكاء ؟
تلك المهمة التي فقد بها آلبرت عينه ، عندما حكم والده و البقية عليه بالموت هو رفضها ، لم يكن ينوي التوجه لها حتى حقاً لكن من أفسد ذاك القرار كان هو !.
كلماته التي نطقها موجهاً إياها لوالده و شقيقه و التي وصلت لقلب رفيقه قبل مسامعه جعلته يبتعد ذاهباً مُتقبلاً موته بسهولة ؟
نهض من مكانه مُتجهاً لمكان منعزل قريب من النهر الجاري يحدق بتلك الملامح المُتألمة المرتسمة على هذا الوجه الذي بات يمتلكه مؤقتاً لتتمرد الدموع على رغبته و تنهمر ، و سيطرته عليها فقدها بل أذن للمزيد بالتتابع بينما اعاد جسده للخلف !
كيف انقلب الأمر بهذه الطريقة بحق الإله ؟ أيمكنه حقاً لومه على عدم ثقته به ؟ ألم تكن غلطته منذ البداية ؟
ألم يُسبب هو الآخر جرح ما بقلب رفيقه ؟ بذاك اليوم المشؤوم هو وجد نفسه بشجار ما مع والده و السبب هو تواجده برفقة آلبرت ، طفل الاسرة النبيلة و التي طالما كانت اليد اليُمنى للحاكم و درع المملكة !
الناجي الوحيد منها بعد أن تلونت جدران منازلهم العريقة بالأحمر القاني ، و ما كان السبب حقاً عدو خارجي بل فتيل من الفتنة أُلقي فيما بينهم لتُبيد الأسرة نفسها ، و مُلقي تلك الفتنة ما كان سوى طفل لم يتجاوز الثانية عشرة بملامح بريئة .
بذاك اليوم هو هتف أمام والده و شقيقه الأكبر بقوة أنه ما كان ليتبع طفل صغير ، بأنه ليس أحمق ليقع بفخه و تلك الخدع التي يلقي بها و إنما هو فقط يسايره عله ينجح بإيقافه عن التسبب بكل ذاك الإزعاج !.
تلك الكلمات التي غادرت جوفه و اخترقت مسامع رفيقه جعلته يغادر بإنكسار ؟! بقلب يشعر بخيبة و ألم ، و لإيقاف الألم هو قبل بالمهمة التي يدرك تماما أن مهمته بها هي الموت فقط .
تخيل ذاك الأمر قبض قلب ليون الذي أغلق عيناه يسمح لدموعه بالانهمار أكثر ، بحق الإله هو ما قصد ذلك وقتها ، كيف انتهى به المطاف يسبب جرح آخر بقلب من يحاول علاجه ؟
و صوت شهقة صدرت من الآخر الذي تبعه قبل أن يسرع بالجلوس أمامه يحدق له بعينان حائرة غير واثقة ، أهو يبكي حقاً ؟ و لماذا ؟ و الأهم ما الحل الجيد لجعله يتوقف ؟
عض على شفتيه بخفة قبل أن يهتف بإستياء :" ليون ماذا تظن أنك تفعل بجسدي و ملامح وجهي ؟ "
و المعني كان أول ما فعله هو إحتضانه بينما يتمتم بأنه آسف ؟
خلع الآخر معطفه يغطي بها وجه من أمامه قبل أن يسند جسده للخلف بجواره سامحاً لرأسه بالإتكاء على كتفه بينما ينطق بنبرة هادئة بها نوع من الدفء :" أأنت طفل ليون ؟ أنت هو الأمير الثاني للمملكة ، قائد الجيوش و الوحيد الذي تمكن من السيطرة على أعظم شيطان عابث بها ! شخص كهذا لا يسمح له بالبكاء هكذا و إن كان خارج جسده "
صمت بينما يشكر الإله أنه ليس بجسده فهو لا يعلم إن كان شخص مثله يمتلك نبرة كهذه حقاً ، إلا أنه سرعان ما أردف بذات النبرة :" لا أعلم ما رأيته حقاً و أتمنى أنك لا تبكي كطفل بسبب إحدى ذكرياتي لأنني بحد ذاتي لم أبكي قط عليها ! "
أبعد الآخر ذاك المعطف عن وجهه و قد مسح دموعه تلك يمسك بيدي رفيقه بينما ينطق بنوع من الجد :" آلبرت أنا أعلم أن الأسف لا يكفي لمحو الألم لذا أعدك أنني سأبذل كل ما بوسعي لأجعلك تؤمن بأن ليس كل من يعيش بهذا العالم خونة ! أُقسم لك أنني سأبقى جزء من عالمك و أيامك ما لم يفرقنا الموت أولاً "
و عينا الأصغر اتسعت بينما ازدادت نبضاته عُنفاً الصمت كان كل ما يمكنه إعطائه للأول كإجابة بينما أفكاره عصفت بالكامل تثير بداخله الحيرة أكثر فأكثر و بين هذه العاصفة هو كان يتسائل أين ذهب آلبرت العابث بوسط كل هذا ؟!
كيف له لحاله أن ينقلب هكذا كما الفصول الأربعة ؟ أين سيصل به الأمر ؟ كل ما يعلمه أن ليون بكل مرة يتجاوز منطقة الخطر التي يرفض هو تواجد أي شخص بها و هذا بحد ذاته يشعره بالخوف و ليس أي نوع منه !
*****
صوت انفاسهم المُتعبة كان يعلو أكثر فأكثر ، ما كادت أشعة الشمس تظهر حتى وجدوا أنفسهم مُحاطين بالعديد من المخلوقات و هذه المرة كانت هجينة ؟!
فمثلاً تلك المخلوقات التي تلتهم اللحوم يمكنها التحول بطريقة ما لحيوانات مفترسة ؟ لم يفهم أي منهم ماذا يحدث بحق سوى ربما أنهم انتقلوا لمستوى مختلف من القتال ؟
كيفين رغم كل ذلك مازال يقف بصلابة غير آبه بطاقته التي تكاد تتلاشى بينما ساقه تبدوا ممزقة بشكل سيء !
آندريه كان يقف بالقرب من سيده بالكاد يلتقط أنفاسه ، الدماء كانت تسيل من أماكن متفرقة من جسده بينما يقسم أنه لولا تدخل آرثر أو آرون لكان أصبح وجبة طعام لهم ، لكن أكل هذا يهمه حقاً ؟
كل ما يشعر به هو الندم بفعل تلك الإصابة بجسد سيده ، لو لم يكن شارد الذهن و بعيداً عن عادته لما اضطر أميره لإبعاده و حمايته بينما هذا واجبه هو !
أخفض رأسه ليصله صوت كيفين الناطق بأمر و حدة :" توقف عن التفكير بوسط المعركة أين تظن نفسك ؟ "
عض على شفته بقوة بينما من جهة أخرى وقف آرون يسند ظهره بظهر آرثر ، كلاهما كانا يرسمان وجه جاد ، أعينهما اتفقت خفية على إطلاق نظرة عازمة مليئة بالثقة ، و حقاً كم مضى من وقت منذ آخر مرة تواجدت نظرة كهذه على ملامحه ؟
زاك و منذ قدومه للقارة كان قادراً على معرفة أن تلك المخلوقات لن تقترب منه ! لسبب ما يبدوا و كأنهم يعرفون كونه هجين ؟
بأي حال هو استغل الأمر ليتسلق لمنطقة عالية تقريباً ، هو الآن عاجز عن القتال تماماً لكن ربما يمكنه المساعدة بطرق أخرى ؟!
راقب تحركات تلك المخلوقات لوقت بدى طويلاً بتركيز شديد قبل أن يبتسم بنوع من الخفة لينطق بنبرة شبه مرتفعة :" أنت أمير المتحولون انخفض و اتجه لليمين بينما آرون اقفز للأعلى "
ثانية هي كل ما احتاجه كلاهما لتنفيذ ذلك بلا شعور أو تفكير منهما حقاً مما دفع كيفين لرسم ملامح ساخرة على نفسه لكنه سرعان ما ابتلعها فور ملاحظته لبدأ المخلوق الذي كان يقاتله و قد بدأ بقتال الآخر !
و زاك رسم ابتسامة منتصرة على شفتيه ليهتف مُجدداً :" آندريه صد مخالبه و تراجع للخلف ثلاث خطوات و الرابعة أقفز بأعلى ما يمكنك لتبتعد عنهم و آرثر كل ما عليك فعله هو الإنحناء فور اقتراب احد المخلوقات لك "
تلك التعليمات لم تأتي من فراغ ، هو لاحظ أمر ما رغم أنه لم يدم لأكثر من ثانية ، أحدهم اصطدم بآخر و لسبب ما هو شعر بأنه سينقض عليه بغضب !
بدوا له مخلوقات عصبية لذا إن أحدث اصطدام ما كل هذا فماذا قد يحدث ان أصاب أحدهم الآخر ؟
بالنهاية هو قفز للأسفل ليركض برفقة البقية عندما انشغلت المخلوقات الأربعة بالقتال فيما بينها بينما و خلف تلك الشاشات التي تراقب كاد كولين يسقط أرضاً من الضحك و هو يهتف :" لقد علموا حقاً نقطة ضعف هؤلاء الهمج ! "
و أليكس رفع بصره يحدق به بحيرة ليتنهد سيلفر بخفة و هو ينطق :" أين المضحك بالأمر ؟ ليس و كأننا لم نتوقع حدوث هذا لكن بأي حال ليس بتلك السرعة للحقيقة ! "
كلاي عبس و هو يستدير مغادراً :" ذلك الهجين ذكي حقاً ، بأي حال تلك المخلوقات عديمة الفائدة لم تكن قادرة على إيذاء الساحران ! لذا لا يهمني الأمر حقاً هما لي "
أنهى عبارته ليغادر بينما حدق البقية به ، تقريباً هو الوحيد بينهم ممن يمتلك حقد لا يمكن أن ينطفئ إلا بالدماء !
*****
الحر كان يزداد تدريجياً حتى بات لا يطاق تقريباً ، لم تكن الشمس هي مصدر ذلك قطعاً و إلا لكان جسد كل من ريكايل و ويل ليجف و يتشقق !
و هذا بحد ذاته شكل الكثير من الحيرة بقلوبهم ، ليون كان يسير أولاً و من خلفه آلبرت الهادئ بشكل مريب منذ ما حدث صباحاً و من بعدهم سار ويل بجوار ريكايل بينما ينطق بنبرة مُتعبة :" أنا حقاً أشعر بالعطش ! ريكايل جسدك متعب رغم أنه نصف بشري "
و الأكبر حدق به بنوع من القلق و الذنب ؟ ليست قوة الشمس السبب لكن على الأغلب تلك الحرارة تؤذي ذلك الجانب البشري به ، رغم هذا هو أخفض رأسه بنوع من العجز فهو حقاً لن يقترح أمر ما كأن يشرب من دمائه بما أن كل منهما الآن بجسد الآخر !.
فهذه الدماء التي تسري بعروق هذا الجسد ثمينة بحق و لا يمكن ببساطة إهدارها فقط ليروي ظمأ جسده !؟
و ويل قطب حاجبيه بضيق بينما لازال يحدق بمرافقه الذي تجاهله لينطق مجددا لكن بنبرة منزعجة :" أأنت تتجاهلني الآن ؟ "
شهقة سريعة صدرت منه قبل أن يجيبه :" لا مطلقاً ، فقط الأمر أنني مصاص دماء متحول ، أي جزء من جسدي لازال كالبشر و هذه الحرارة قطعاً لن تناسب البشر "
آمال ويل رأسه قليلاً قبل أن يومأ بنوع من التفهم و يصمت غارقاً ببحر من أفكاره الخاصة ، أي أن جسد ريكايل لن يحتمل أي معركة هما و ربما الأهم هو قد يسقط دون قتال حتى !
عليه العثور على مصدر جيد للمياه أو أي سائل قد يمده بالطاقة و ...
أوقف أفكاره يعيد بصره للأكبر بابتسامة مريبة :" أنت حقاً ترغب بجعلي أموت ندماً لاحقاً صحيح ؟ "
نظر الآخر له بإرتباك ليهتف ويل بينما يقف بمكانه :" أعطني يدك حالاً "
و ريكايل وجد نفسه يتوقف مُعطياً إياه يده ليخترقها بأنيابه ، ليون و آلبرت وقف كلاهما يحدق بهما بعد توقفهما عن المسير أيضاً .
كلاهما لاحظ تلك النظرة التي ظهرت على ملامح الأمير و خادمه ، شجار ما كاد ينشب بينهما لو أن الأكبر نطق بحرف واحد و سببه ؟ كل منهما يريد حماية الآخر !
و بطريقة تساءل كلا الرفيقان إن كانت ملامح كهذه قد تظهر عليهما لذات السبب يوماً ما !
ذلك الهدوء المقيت الذي ساد المكان بدأ يختفي مع ظهور صوت تشقق بالمكان ، نظر كل من آلبرت و ليون للأرض أسفلهما و التي تشققت بينما حُمم نارية بدأت بالظهور ليقفز كلاهما للأعلى بمحاولة للهرب .
ويل و ريكايل تراجع كلاهما للخلف سريعاً بينما عيناهما ثُبتت على جسد ليون الذي أخطأ من يقوده الآن بتقدير المسافة ليبدأ بالسقوط مُتجهاً لتلك الحفرة التي ظهرت !
ثوان كانت بطيئة للجميع تخللها تلك النظرات المتبادلة ما بين الرفيقان بأعين متسعة لكل منهما .
و بذات تلك الثانية ابتسامة شيطانية رسمت على ملامح وجه الأمير الذي يسكنه آلبرت ليمد يده يمسك بجسده الأصلي يستند عليه للابتعاد عن الحفرة مُسقطاً إياه هو وسط صدمة الجميع !
ليون اتسعت عينه و هو يهوي للأسفل بينما يحدق بجسده بالأعلى و الذي كان هو الآخر ينظر له بابتسامة دافئة ؟
فقط ثانية و اختفى كل شيء لتتشوش الرؤية لديه دون أدنى شعور بالألم إلا أن عيناه فتحت بقوة تزامناً مع تلك الصرخة التي انطلقت من الأسفل ؟
هو و متأخراً بدأ يدرك كل ما حدث ، جسده لقد استعاده مع سقوط جسد آلبرت و رفيقه ضحى بنفسه لأجله ؟ لأجل ذات الشخص الذي جرحه بالماضي ؟
شعر بأنفاسه تصبح أثقل و كأن هناك ما يكتم على صدره أتلك الصرخة أعلنت النهاية ؟ لم يكن ليصدق أمر كهذا لذا عض على شفتيه بقوة قبل أن يصرخ بأعلى صوت يمتلكه باسم ' آلبرت ' بينما دموعه عادت تنهمر مرة اخرى !
و من خلفه جلس كل من ريكايل و ويل بعد ان استعاد كل منهما جسده يحدقان بصدمة بكل ما يحدث ، بينما إحدى تلك القلائد بدأت بالتشقق تظهر صورة آلبرت بعقل كل منهم .
~ نهاية الفصل ~
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top