الفصل التاسع و العشرين

الهدوء ما كان يوماً جزء من إجتماعهم معاً ، و بالرغم من أن المُدة التي جمعتهم قصيرة إلا أنها كانت كفيلة بجعل كُل منهم يعرف طباع الآخر و لو قليلاً !

و مع إجتماع الفرق الخمسة مرة أُخرى اتجه كُل شخص لرفيقه و أصدقائه للاطمئنان عليهم أولاً ، ويل ركض بإتجاه شقيقه فور أن وقعت عينه عليه ليستقبله جيسي بهدوء وهو يمسح على شعره بخفة , و بذات الوقت هو جال بعيناه على الجميع لتفقد ربما حجم الأضرار التي أصابتهم , بالرغم من توقعه بأن هذا الأسبوع ما كان سوى قياس مُستوى لهم !

بالنهاية هو تنهد ليعيد ببصره على ريكايل الذي نطق بشيء من المرح :" أهُنالك من يُزعج سيدي ؟ "

أجابه بهدوء :" وهل ترى أنت أن الأمور بخير حقاً ؟ بغض النظر عن كوننا جميعاً بخير ! "

إعتلت ملامحه الجد فكلمات جيسي جعلته يشعر بأن سيده رآى أكثر مما رآوه هُم و بالتالي هو فقط حلل الوضع , ليس وكأنه لا يتوقع حدوث كارثة ما مُنذ اللحظة التي هاجمهم بها أحد الهُجناء بمملكتهم هو أدرك أن إحتمالات النجاة ليست مضمونة ولكن الآن هو لا يعلم ما هدفهم مما يفعلونه بهم !؟

أهي تسلية ما ؟! أهم فقط يستمتعون برؤية قتالاتهم و ما شابه ؟! أم لديهم هدف آخر ؟! صحيح أنهم لم يقابلوا أحدهم هُنا ولكن فكرة وجود ساحر مصاص دماء قادر على فعل كل هذا يُعد ضرباً من الخيال لذا أصبح لازماً عليهم توقع وجود أكثر من ثلاثة أفراد على الأقل منهم مُجتمعين !

خرج من أفكاره عندما وصل لمسامعه صوت ضحكة هادئة صدرت من توأمه , هو التف بسرعة ليراه وقد نسي أنه وقبل فترة قصيرة كان يشعر بأن ريك ليس بخير , إمتلكته تلك الرغبة بقتل أحدهم لولا أنه ربما لم يستطع تحديد موقعه بتلك الفترة فهل يعني هذا أنه أُصيب ؟ لكن أكثر ما يخشاه حقاً هو كيف له أن يدرك ذلك ؟ كيف يعلم أن شقيقه أُصيب ؟!

تمعن جيس النظر له قبل أن يتنهد بتعب وهو يسير ليدخل لكهف ما أوجده آرون ليرتاح الجميع به محمي بسحره و آرثر , لكنه نطق بملل :" هو بخير ! وتوقف حقاً عن التردد هكذا بكل شيء "

نظر ويل لشقيقه وريكايل بشيء من العبوس فهو ليس الوقت المُناسب لشجار جديد ! ؟ لكنه آمال رأسه بحيرة عندما إبتسم ريكايل بخفة وهو يجيبه :" لستُ كذلك فقط أفكر بالكثير ثم أنت كنت برفقته "

رفع أحد حاجبيه بسخرية وهو يكمل سيره بينما ينطق :" وهل أنا مسؤول عن ذلك الطفل لحمايته ؟"

بنهاية عبارته هو جعل من صوته مسموعاً لأغلب الواقفين بالخارج , ليلتف ريك له بسرعة و شيء من الحنق بينما يهتف بصوت شبه هامس  :" وهل طلبت منك الحماية !؟ هذا مُزعج  "

إتسعت إبتسامة جيسي ساخرة بينما تبعه ويل من فوره ليمسك بيده وهو يخبر شقيقه عما حدث معهم بالكامل , هو أخبره عن تلك المخلوقات المسالمة و الحاجز و إختراقه كما أخبره عن حماية ريكايل له هو حتى ذكر مُزاح آلبرت بشأن كون ريكايل واقع بالحُب ! والأكبر لم يُمانع الإستماع لكل تلك الثرثرة , ليس وكأنه حقاً ركز تماماً بكل شيء لكنه أخذ من ذلك المعلومات التي يريدها مما حدث معهم و أعطى شقيقه بعض المُلاحظات حول تهوره بهذا المكان !

أما بالخارج حيث وقف كُل من ريك مع مُساعديه و شقيقته الصغرى هُم كانوا يتحدثون بمواضيع مُختلفة حتى كلمات جيسي لهم قبل دخوله , مما دفع الأمير للصمت و النظر له بشيء من الحنق , جيف فقط رفع يديه بيأس فمن أمامه حقاً يتحول لطفل أمام حاكم مصاصي الدماء , هو يريد مُنافسته و مع ذلك لا يمكنه التحكم بنفسه حتى !

بالنهاية هو وجه حدقتاه الداكنة نحو خاصة زاك السماوية لينطق بخفة :" إذاً زاك ألن تُعرفنا بتوأمك بما أن الأمور بينكما بخير ؟ "

نظر زاك نحوه بسرعة ليبتسم بشيء من السعادة وهو يهتف :" بالطبع سأفعل , أميري ريك هل تأتي ؟ "

حدق ريك به قليلاً بينما أفكاره مُنصبة حول توأمه الذي يقف بعيداً عنهم بقليل , بالنهاية هو حرك يديه بالهواء بينما يجيب :" أنا سأتبعكم بعد قليل يمكنك أخذ جيفري و كلير معك "

و بالفعل عدة دقائق وتقريباً بات المكان بالخارج فارغاً سوى منهما , آمال ريك رأسه بخفة بإتجاه توأمه بينما ينطق بشيء من العبوس :" لماذا أنت مُتردد ؟! "

تشابهت ملامح ريكايل له فور نطقه بتلك الجملة ليغطي العبوس وجهه بالكامل بينما يجيبه بإستياء :" لستُ كذلك ! لماذا تظنون ذلك ؟"

رفع أحد حاجباه بينما يهمس لنفسه :" مُجدداً ذلك المزعج ! "

رمش ريكايل عدة مرات بشيء من الحيرة قبل أن ينطق بدهشة :" أتقصد بالمزعج سيدي الحاكم ؟ "

شهق بسرعة بينما يشيح برأسه عنه بسرعة وهو ينطق :" لا , إنسى الأمر فحسب ! "

تجهمت ملامح الأكبر بينهما عندما أطلق الثاني ضحكة من أعماقه بينما يتحدث مُحاولاً إيقاف ضحكته :" فظيع ! أنت حقاً لا تكون ريك الذي أعرفه بالقرب من سيدي ! "

قبض على يديه بينما أشاح ببصره بعيداً وهو يجيب بشيء من الحده الغير مُتعمدة :" وهل علي أن أتقبله هو وذلك المدلل ؟! "

أنهى عبارته وشيء من الندم يتسلل لأعماقه فهو أراد إخفاء أي مشاعر مُبعثرة كهذه أمام توأمه , لاسيما بعد رؤيته بكم هو مُتعلق بهم و لا يعلم إن كان إيجابياً أم لا , لكن هو رآى أيضاً بأنهما لم يهملاه أو يُسيء أي منهما له , وهذا بحد ذاته ما يجعله يقف على حبل رفيع للغاية مُتأرجحاً ما بين الحقد القديم بقلبه و بين عهد جديد من الإحترام و الثقة , هو حتى لا يعلم كيف سينتهي الأمر !

شعر بشقيقه يقف بجواره إلا أنه لم يرفع بصره إليه إلا عندما إنساب صوته الهادئ بأذنيه :" لطالما ظننت أنك ربما ستنسى كُل شيء بمرور الوقت ! وما حدث بذلك اليوم أمام عيناك لن يكون سوى ذكرى سيئة ولكنها إنتهت فحسب , و مع ذلك جزء بداخلي رفض كل تلك الأفكار و كان واثقاً بأنك لن تفعل ! أخي لا يمكنني أن ألومك على كرهك لهما لكن .."

صمت بضع ثوان يرتب كلماته التي سينطقها قبل أن يردف بشيء من الحذر :" أعلم أنني كنت خائف بشدة بذلك الوقت , و بالرغم من كذلك لو عاد الوقت لذلك اليوم الذي قابلت به ويل لأول مرة مُخالفاً أوامر الحاكم لوقفت أمام النافذة بحيرة شديدة ! "

إلتف ريك مواجهاً لتوأمه بحاجب معقود ليكمل ريكايل كلماته بإبتسامة هادئة :" ما أقصده هو أنني لم أكن لأنفذ تلك الأوامر بسهولة ! لا أشعر بأنني كنت لأغلق النافذة و أجلس بهدوء فقط , أعني كنت سأقف مُفكراً أعلي حقاً عدم القيام بتلك التجربة مُجدداً ؟ هل أبقى بالقصر و أكمل حياتي كبشري فقط ؟ أكبر و أحقق الوعد الذي قطعناه معاً ! لطالما رغبت بمعرفة ماذا كان سيحدث لو لم يحدث ما حدث , لكن بذات الوقت أأنا حقاً لن أرغب بالتعرف على سيدي الحاكم و ويل ؟! أيمكنني التخلي عن حياتي الحالية ؟ "

عبس قليلاً بينما يُكمل :" هذا خيار مُزعج فلو الأمر بيدي لأخترت كِلاهما , لم أكن لأترك جانبك مُطلقاً و بالوقت ذاته لم أكن لأتخلى عن سيدي ؟ "

كور ريك قبضته ليضرب الواقف أمامه بها بخفة وهو ينطق بإنزعاج :" وماذا سأستفيد أنا من ذلك ؟ يبدوا لي فقط أنك تحاول أن تُخبرني بأنك لو عاد بك الزمن لتخليت عني بإرادتك ! "

شهق بسرعة بينما يحرك يديه بالهواء نافياً وهو يجيب :" بالطبع لا ! كيف توصلت لهذا الإستنتاج البغيظ ؟! أنت فقط الشيء الوحيد الذي أردت الحفاظ عليه للنهاية ! "

رفع أحد حاجباه بإستنكار ليعبس الثاني وهو يردف :" لم أقصد ما فهمته ! فقط أخبرك أنني كنت لأعثر على طريقة ما تجعلني أحقق كِلا الأمرين ! "

ابتسم ريك له بخفة ليبعثر له خُصلاه بينما يسير للداخل وهو ينطق بهدوء :" لا بأس , لننسى الأمر الآن فقط "

إزداد عبوس ريكايل وهو يشتم نفسه بأعماقه , كل ما أراد أن يوصله لتوأمه هو أن سيده ويل و الحاكم يستحقان الثقة , ولا سبب للحقد عليهما بغض النظر عما حدث بالماضي إلا أن ما فعله كان إفساد تام للأمر !

أكان عليه الحديث حقاً ؟! هو أخفض رأسه قليلاً مُحاولاً إستعادة شيء من ثباته فهو يشعر بأنه إقترف غلطة كبيرة ولا يدري كيف يجدر به تصحيحها ؟! لا يريد لتوأمه أن لا يعتمد عليه بحجة أنه كان ليتخلى عنه مُجدداً , شد على قبضته أكثر قبل أن يسير للداخل خلف ريك مُفكراً أعليه تجاهل الأمر حالياً و التصرف كما لو لم يحدث أي أمر أم عليه إجباره على الوقوف و الإستماع له ولو بالقوة ؟!

ريك حدق به من طرف عينه ليبتسم بخفة , هو يعلم أن ريكايل الآن يفكر بطريقة ما لتوضيح وجهة نظره , لكن فقط مهما قاله فهو سمعه بالسابق عندما قال لويل بأنهم أسرته ! لاحظ عدم إطلاقه كلمة " أب " على والدهم بل يكتفي بقول الحاكم !

لا يلومه و لن يفعل ذلك مُطلقاً , ويعرف تماماً أن من حقه فعل كل ذلك بل هو كان يحاول أن يجهز نفسيته لإستقبال كره شديد منه لهم , لكنه لم يفعل و رآى قلقه عليه بعيناه , وكما يقال فالنفس طماعة و لاتقبل بشيء واحد فقط هو إكتشف أن توأمه لا يكرهه و هذا أفضل مما توقع حتى و مع ذلك بدأ يشعر بأنه بحاجة للمزيد , لا يريد أن يكون أي شخص و لا يهتم إن تم إعتبار ذلك أنانية أم لا !

هو فقط يدرك أمر واحد وهو أنه لا يستطيع تقبل الكثير مما يحدث حوله , ولا علاقة لريكايل بالإحباط الذي يشعر به , بل هو يشعر بالسوء من نفسه هو , إن كره أي شيء فهي ذاته الضعيفة و التي عجزت عن حماية من يحبه ! حتى بصفته كحاكم مُستقبلي هو يفكر إن فشلت بحماية أسرتي أأستحق حقاً أن يتم تعيني كحاكم لمملكة كاملة ؟ أينجح حينها بحماية شعبه ؟! أم أن الفشل سيلاحقه دائماً ؟

و بالداخل أول من إستقبلهما كان آلبرت الذي نطق بسرعة ومرح :" توأم مُتشاجر آخر ! أترغبان بأي مُساعدة لحل خلافكما ؟! "

حدق ريك به بشيء من البرود وتجاهله مُكملاً سيره لبقية رفاقه و الذين كانوا يجلسون برفقة قبيلة الجان بينما نطق ريكايل بشيء من التهديد :" إياك ومحاولة التدخل ! "

هو أنهى عبارته ليسير بإتجاه سيده وحاكمه بينما إبتسم آلبرت بشيء من المكر فما قاله ريكايل يعني أن هُناك شيء ما قد حدث بالفعل !

شهق بألم عندما ضربة قوية أسقطته أرضاً داهمته فجأة من رفيق طفولته و الذي نطق بتحذير :" آلبرت بصدق لا تحاول الإفساد بينهما و إلا ! "

عبس بينما ينهض وهو يهتف بإنزعاج :" كم أنت صديق فظيع !  لا تقدر حتى المجهود الذي أبذله ! ما هي أفضل طريقة للصلح سوى وضع يدك على الجرح تماماً ؟ ربما مع القليل من الملح ؟ "

أنهى جملته وهو يتصنع التفكير ليتنهد ليون بيأس شديد بينما ضحكت ريبيكا بخفة وهي تشجعه على ذلك بحجة أن الوسماء لا يتأثرون بمثل هذه الوسوسات التافهة !

بينما نيرو إتخذ لنفسه زاوية بعيدة عنهم جميعاً و أغمض عيناه لينام بهدوء أو هذا ما كان يتمناه فمن سيغفو مع كل ذلك الضجيج ؟!

آرثر وقف بجوار رفيق دربه و الذي كان يُثني على ميلينا وعودتها بخير , بل وصمودها فهو حقاً ما توقع ذلك من صغيرته , لاسيما أنها غير مُعتادة عن الإبتعاد عنه و إن حدث ذلك فهي ستكون مع آرثر لا مع أشخاص غرباء لذا كان قلقاً و بشدة من أن يقل حذرها و تركيزها لكنها أثبتت له أنه مُعلم ناجح كما وصف نفسه وهي تلميذة مُذهلة !

نطق آرثر بهدوء :" ألا ترى أنك تمتدح نفسك كثيراً آرون ؟ أليست هذه صفة بغيظة ؟"

عبس المعني وهو يحدق برفيقه بينما يجيب :" مُحق ! أتظن علي إعطاء نفسي مُحاضرة عن ذلك ؟"

بعثر له خُصلاته الشقراء وهو يضحك بخفة لتشاركهم ميلينا الضحك بهدوء , بدت وكأنها فقدت كل التوتر الذي إعتلاها خلال الأسبوع المُنصرم ! بل هي نسته تماماَ فور رؤيتها لمعلمها و أسرتها الوحيدة آرون , فقد شعرت بأن الأمان و أخيراً عاد ليحتل جزء من قلبها !

شهق بشيء من الألم وهو ينطق بإعتذار :" أخبرتك أنني آسف آيزاك ! لذا دعني الآن أرجوك "

شد على ياقة قميصه أكثر وهو يرفعه للأعلى أكثر بينما ينطق بإستياء :" وبماذا سيفيدني إعتذارك أيها المغفل إن تسببت بقتل نفسك بالمرة القادمة بسبب ذات الموضوع اللعين ؟! كم مرة علي أن أطلب منك نسيان ذلك !؟ "

هو صمت بينما يشيح بوجهه عنه ليلقيه آيزاك أرضاً بينما يهمس بغيظ :" حسناً لا تفعل ! و لا تتحدث معي مُجدداً , أساساً هذا ما كان علي فعله منذ زمن ! "

شهق إيكاري بُسرعة ليقف بينما ينطق بسرعة :" لا مهلاً , هذا ليس عدلاً آيزاك ! أخبرتك أنني سأحاول لماذا تظن أن الأمر سهل لهذه الدرجة ؟ "

أراد أن يجيبه لولا تدخل جيفري الذي نطق بهدوء :" لا أعلم حقاً عما تتحدثان لكن إن سمحت لي آيزاك أظن أن شعور الندم ليس بالشيء الذي يُمكن للآخرين مقاومته بسهولة ! "

نظر له آيزاك بسرعة مُتأملاً تقاطيع وجه من أمامه الداكنة , قبل أن يصمت ويومئ إيجاباً وإن لم يقتنع حقاً لكن من أمامه الآن هو من أنقذ توأمه من الإعدام المؤكد و جعل له مكانة ما بقصر الحاكم و حماه من الميتم و من به ! هو يشعر بأنه مدين بحياته لهذا الشاب أمامه لذا لم يناقشه أكثر , و أساساً ليس و كأنه لا يفهم كيف أن الندم بكثير من الأحيان هو من يسبب بهلاك صاحبه !

تدخل زاك و أخيراً ليساعد إيكاري على النهوض بينما يتحدث بإبتسامة :" حسناً لنتجاوز هذا الأمر الآن بما أنه حدث بالماضي و إنتهى ! "

ابتسم إيكاري له وهو ينهض بينما ينطق بشيء من المرح :" أجل ! و أخبر شقيقك المتنمر هذا أن عُنقي قد تحطمت ! "

رفع آيزاك أحد حاجباه بسخرية بينما نطق نيو بهدوء :" إن أغضبته مُجدداً فقد يقوم بتعليقك بالأعلى هذه المرة "

شهق إيكاري برعب عندما همس آيزاك :" فكرة مذهلة ولا أعلم كيف لم أفكر بها من قبل ! "

إيكاري إختبئ خلف زاك وجيفري وهو يهمس :" مُخيف "

ضحك كلاهما بخفة قبل أن يلتف الجميع لريك الذي إنضم لهم من فترة قصيرة بينما يبدوا شادر الذهن لتنطق كلير بجد :" أأنت تشاجرت معه ؟ "

نظر لها بشيء من الإنزعاج فهذا ما لن يناقشه معها بكل حال من الأحوال , تقدم آيزاك منه ليقف أمامه بهدوء مما جعل عينا ريك تنتقل له مُباشرة بينما تحدث الأول بهدوء مُحاولاً إبقاء النبرة الرسمية والتي تحمل القليل من الإحترام عكس عادته :" أنت هو الأمير الأول لمملكة البشر , شكراً لك لإهتمامك بأخي و الحفاظ على سره , أنا مدين لك "

ابتسامة هادئة رُمست على وجه ريك وهو ينطق بلطف :" لا داعي حقاً لكل هذه الرسمية ! ثُم زاك صديق عزيز بالنسبة لي و حقاً أنا من يشعر بالإمتنان لإن الحياة سمحت لي بالتقرب منه ولإنني إقتنعت بالنهاية بالحفاظ على سره ! و أمر آخر أنت لست مديناً لي بأي أمر , فكما قلت أولاً زاك صديقي و مُستشاري و ثانياً أنت أيضاً أنقذت توأمي من الموت بمملكتك "

قلب زاك عيناه وهو يذكر ردة فعل أميره عندما علم أن آيزاك أنقذ ريكايل من تلك المخلوقات لأول مرة ! هو قال عبارة ما بمعنى :" أنت تبدوا وكأنك كنت تبالغ دائماً بحقدك عليه و هو ليس بذلك السوء ! "

ضحك جيف ما إن رآى ملامح زاك فهو فكر بالأمر ذاته تواً ليلتفت كُل من ريك و آيزاك عليهما بعدم فهم ! فما هي مُشكلتهما الآن ؟!

ظهر القلق جلياً بعيناه الحمراوتين الواسعة وهو ينطق :" ولكن هل أنت بخير حقاً ؟ ألم تتعرض لأي إصابة ؟ ألم تتألم ؟ "

صوته ما كان هادئاً بل مُنفعلاً مما جعل إنتباه البقية موجه نحوهم تماماً , رفع جيس بصره ناظراً لشقيقه الأصغر بشيء من الإنزعاج فهو لم يرغب بأن يعلم شقيقه عن الصحراء لإنه سيبالغ كما يفعل الآن !

لكن مع الأسف لا يمكنه إخفاء رائحة دمائه عنه , فالشمس تسببت بالفعل ببعض الجروح السطحية له و التي لا يهمه أمرها حقاً و التي لم يكن ليسمح لأي شخص بمعرفة ذلك !

أردف ويل بإنفعال :" أخي أنا .. "

إبتلع أحرفه فور أن نطق شقيقه بنبرة مُنزعجة :" ويل ! "

هو أخفض بصره فوراً مُستذكراً بنفسه أن شقيقه الأكبر هو حاكم و أنهم ليسوا بمفردهم ليتصرف بالطريقة التي يرغب بها كطفل صغير فقط ! و مع ذلك هو لم يرد سوى بأن يطمأن عليه , يعلم أن شقيقه حتى لو أُصيب أو تألم لن يتحدث , و سيحتفظ لكل شيء لنفسه , هو قبض على يديه بشيء من الألم قبل أن ينحني قليلاً بينما ينطق بشيء من الهدوء :" أرجوا المعذرة سيدي الحاكم "

أغمض جيسي عيناه فليس هذا ما سعى إليه أيضاً , و قطعاً هو لن يقبل لشقيقه بالإنحناء أمامه و الإعتذار هكذا , أراد النهوض وتصحيح الأمر ربما معه و إن ضرب بشيء من كبريائه بالحائط لولا يد ريكايل التي أحاطت بويل و إحتضنته بخفة بينما ينطق بمرح :" سيدي الصغير يكبر و ينضج بكل ثانية ! هو حتى أصبح قادراً على تمييز أنه بحاجة للإعتذار دون أي تنبيه من الآخرين ! "

تلك الدموع التي كانت تهدد تواً بالإنسياب من مُقلتيه تبخرت وهو يحدق بريكايل بشيء من الحيرة ليردف كلماته بذات النبرة الفخورة :" تعلم سيدي الحاكم أن أميري ويل أيضاً بات يضبط أعصابه بنجاح حتى عندما يحاول شيطان ما الإيقاع بيننا ! هو فقط سيجيب بأن لا أحد له أي علاقة بيننا ! "

ابتسامة هادئة رُسمت على شفتي جيسي وهو يومئ إيجاباً بهدوء موافقاً على ذلك ليعتدل ويل بوقفته بسعادة شديدة !

و من خلفهم عبس آلبرت الذي نطق بداخله :" فظيع ! أهو كان يقصدني بذلك ؟ ثُم أهو جاد ؟ لقد كاد ذلك الحاكم المخيف أن ينهض و يعتذر من شقيقه لولا تدخله ! هذا مُمل ! "

بالنهاية نطق جيسي بنبرة هادئة جادة :" ريكايل تعال معي قليلاً للخارج "

تلك النبرة دفعت ريكايل للنهوض و السير خلفه بلا أي تردد أو تفكير !

و بجهة أُخرى راقبهم كيفين وهما يغادران للخارج بهدوء قبل أن يعيد رأسه للخلف فبالنهاية هو لا فضول لديه لمعرفة أي شيء لا يعنيه وما يفكر به يراه أكثر أهمية من أي أمر آخر !

### قارة أوقيانوسيا ###

لم يُحط به سوى الظلام الدامس و هدوء شديد حتى إنبثق من العدم ضوء شديد القوة أزعج بصره بينما صوت هادئ ينطق :" أعلم أنك ما كنت لتختار هذا الخيار إن لم يكن لديك أمر مهم للغاية لتدافع عنه ! إذاً إليك شرطي الثاني أنا لن أُسامحك مهما حدث إن فشلت بحماية ذلك الشيء ! لذا حافظ عليه كما لو كنت تحاول الحفاظ على حياتي أنا ! "

نهض من فراشه بينما يتنفس بقوة شديدة , عيناه الزرقاوتين حدقتا حوله بكل شبر بالغرفة قبل أن ينظر لزوجته النائمة بسلام ! هو يراها محظوظة بكثير من الأحيان فلا مسؤوليات فظيعة تحملها هي على عاتقها ! 

غادر فراشه بينما الشمس لم تشرق حتى , وهو ما عاد له رغبة بالنوم بل شيء ما من ضميره يؤنبه لقدرته على النوم أساساً ومملكته بخطر , عض على شفته السُفلية قابضاً على كفه بقوة مُستذكراً ذلك الصوت و صاحبه , ما يحدث الآن أهو إختبار له ؟

هو إستعد ليبدأ يومه الجديد بعزم أكبر من الأيام السابقة وكأن ذلك الحُلم أيقظ به الكثير مما كاد ينساه من عزم , و أعاد له بعض من تلك الأسباب التي تدفعه للأمام وتمنعه من السقوط !

هو إتجه من فوره لذلك إلى مبنى الإختبارات للأسلحة الجديدة وما إن وصل حتى دُهش برؤية مستشاره متواجد هُناك بالفعل بينما يشرف على العمل بنفسه , إبتسم بخفة وإقترب منه ليلقي التحية عليه وعلى كل العاملين مؤكداً لنفسه أن كل شيء سيكون بخير مادام هُناك شخص وفي كمن يقف بجواره الآن !

هو نطق بهدوء :" إذاً كيف هي الأخبار ؟ "

أجابه مُستشاره بقليل من الضيق :" نحن بحاجة لخمسة أيام على الأكثر لننتهي من صنعه ! "

ظهر القليل من الضيق على ملامح وجهه فمن يعلم متى سيتم الهجوم عليهم ؟! ومن من القبائل ستنضم للهجوم ومن منهم لن يتدخل فحسب ؟!

يمكنهم الصمود لو أن المهاجمون هم مملكة واحدة , وقد ينجون أيضاً إن كانوا مملكتين لكن إجتماع ثلاث ممالك سيعني إبادة تامة لهم ! غرق بأفكاره محاولاً إستجماع بعض من الخطط التي يمكنهم تنفيذها حتى تنتهي هذه الأيام الخمس بسلام عندما وصله رسول من مملكة مصاصي الدماء يدعوه لزيارة مملكتهم على عجل !

هو تنهد فلا حل آخر لديه سوى أن يأمل مُساعدتهم , على الأقل لبضع أيام ثم سيتمكنون من الوقوف بمفردهم و أمام كل الممالك و القبائل مهما كانت قوتهم !

تبادل نظرات سريعة مع مُستشاره و الذي أشار إليه بالموافقة ليغادر المملكة على أمل العودة بخبر سار  يُزيح القليل من هموم شعبه !

### القارة المجهولة ###

وجه ريكايل شحب تماماً بعد كل ما ألقاه عليه جيسي من معلومات توصل لها , هو فقط وقف أمام سيده و نظراته تحدق بالفراغ بصمت شديد , لا يعلم كيف تحمل سيده الحفاظ على تلك المعلومات بل و الحفاظ على هدوئه بعد ما رآه , نطق جيسي بعد أن تنهد وهو يقف من على الصخرة التي كان يجلس عليها :" لم أُخبرك بذلك لتموت رُعباً ريكايل ! إنهض و إستعد للقادم فقط , أمامنا طريق طويل وصعب ولا أضمن عودة أحدنا منه ! "

هو إقترب من مُساعده و مُستشاره ليضع يده على كتفه قبل أن يُغمض عيناه قليلاً وهو ينطق ببعض العبارات و التي أنهاها بأن جرح يده بخفة ماسحاً على كف ريكايل الأيمن بينما وجه الأخير إزداد شحوباً مع كل حركة يقوم بها سيده !

ما إن إبتعد جيسي حتى ظهرت بعض الخطوط من كفه وحتى ساعد يده اليُمنى وكأنها محفروة بها بنقش مملكة مصاصي الدماء , حدق ريكايل بها قليلاً قبل أن يهمس بصوت مُرتجف :" لكن لماذا ؟ "

إستدار للخلف بينما ينظر للسماء بهدوء وهو يجيب :" لا تجعلني أندم على هذه الثقة أبداً ريكايل ! و من ثُم الأمر مؤقت , أو هذا ما سأتمناه "

أخفض المعني رأسه بخفة , ملامح جيس حالياً هادئة بشدة , لا تعلوه تلك النظرة الباردة أو الساخرة , و لا الجادة أو الغاضبة , بل فقط ساكنة وكأن كُل شيء تم تحديد مصيره ! تلك الملامح التي يُدرك ريكايل تماماً أن سيده لا يخرجها إلا عندما يكون قد بذل الكثير من الوقت و الأفكار و ربما الجهد مُحاولاً التفكير بحل آخر و عجز , ملامح تشير إلى أنه راضٍ عن ذلك المجهود الذي بذله مُعترفاً بأن هذا أقصى ما يمكنه تقديمه , ومن أفضل منه ليدرك كم أن الإعتراف بشيء كهذا صعب للغاية على  سيده الذي إعتاد النجاح التام فقط ؟

ملامح جيسي الهادئة إختفت فور شعوره بهالة البقية و إقترابهم منهما , ريكايل أخذ نفساً عميقاً ليستعيد شتات أمره و قد إختفى ذلك النقش و الذي سيجعله و بأمر من جيسي ولي أمر شقيقه ويل و الوصي على عرشه وكل ممتلكاته بحال لم يعد هو من هذه المُهمة !

حدق الجميع بهما بشيء من الشك , قبل أن ينطق جيسي ببروده المعتاد :" إذاً هل إنتهت الإستراحة ؟ "

أجابه آرون و الذي نطق بإبتسامة مرحة :" تقريباً ! نحن سنُعيد توزيع الفرق مرة أُخرى ولكن هذه المرة سنبقى معاً حتى الغد ثُم ننطلق ! "

أومئ جيسي له لينطلق كُل منهم للوقوف بجوار أصدقائه كالعادة بينما وقف آرون أمامهم وبرفقته تلك الدُمى الشبيهة لهم , إلا أنه و باللحظة التي كاد يُلقي بسحره إهتزت الأرض بالكامل من تحتهم , أغلب المتواجدين تمكن من تدارك ما يحدث و القفز للخلف فور رؤيتهم للأرض وهي تنشق !

كلير حاولت القفز و التراجع أو الإمساك بيد شقيقها الأكبر على الأقل إلا أن هزة أُخرى شتت إنتباهها تماماً لتسقط للأعماق بالأسفل أمام أنظار ريك المُتسعة و رفاقها المُتسعة !

ومن جهة أُخرى صرخ ويل بشيء من الخوف عندما علقت قدمه بين الشقوق ولم يتمكن من إخراجها , ريكايل إتجه له من فوره مُحاولاً إخراجه و بتلك اللحظة التي تمكن من ذلك إنشقت الأرض تحت قدميه ليحمل الأكبر سيده ويلقيه بإتجاه حاكمه بينما تهاوى جسده هو للأسفل !

تحرك كُل من الجان و السحرة أولاً لإنقاذ كلاهما إلا أن الأرض عادت للإلتئام مُجدداً وكأن شيئاً لم يحدث أمام أنظار الجميع المصدومة !

إنهار جسد ريك أرضاً وهو يحدق بمكان وقوف كِلاهما قبل ثانية فقط ! أهو فقد توأمه و شقيقته الصغرى هكذا ؟! جيف لم يعلم أعليه محاولة مواساة أميره أم إبتلاع ما يشعر به حالياً ؟

آرون و آرثر تبادلا النظرات بتوتر قبل أن ينطق الثاني بهدوئه المُعتاد :" هُما على قيد الحياة بطريقة ما ! أعني البلورات لم تتحطم "

و بحركة لا إرادية  حول الجميع أنظارهم للبلورات التي تحيط بأعناقهم بشيء من الأمل , جيسي أغمض عيناه و مُخيلته تعيده لذكرى ما عندما إلتفت تلك اليدان الصغيرة حول جسده من الخلف و إختبائه بين ردائه الأحمر الطويل وجسده أيقظ به نوع جديد من الندم !

بتلك اللحظة هو عرف أن هيبته كحاكم لا علاقة لها بعناده و رأيه ، هو أدرك أنه من الممكن أن يخطأ وأن التراجع عن قراره الخاطئ لا يقلل من مكانته ، على الأقل حينها هو لن يتسبب بإيذاء أناس آخرين .

أحاط يدا الصغير بيداه ليجبره على الخروج من خلفه ويصبح أمامه ليتضاعف بداخله شعوره بالذنب ، فالصغير إنشغل بمسح دموعه بكفيه الصغيرتان و وجهه شاحب بسبب الخوف ، إنخفض قليلاً ليحتضنه بحنان و يمسح دموعه بكل رقة وهو يتحدث بصوت هادئ و حنون :" لا داعي للخوف و البكاء ريكايل ، لن يؤذيك مخلوق مادمت لجانبي "

تشبث به أكثر وهو يحاول أن يستشف الأمان منه ، بينما رآى الأكبر نفسه مسؤولاً عنه من كل الجهات ، صحته وتعليمه وسعادته و كل شيء ، لن يسمح لأحدهم بالمساس به .

علم أخيراً و بفضل ريكايل كيف تتولد الأحقاد بالنفوس ، قرار خاطئ من شخص ما يدمر حياتك و لا يعتذر أو يندم !

وبالرغم من أنه لن يتمكن من العودة بالزمن لإستخدام حلول أفضل و إبقاء الصغير مع أسرته سيحاول جعل مستقبل مميز بإنتظاره .

ببساطة كان عليه أن يطلب من والده بأن يكون هذا الصغير السفير بين المملكتين وحينها كان سيحظى بمعاملة وإهتمام أفضل ، ليس وكأنه لم يفكر بهذا من قبل و لكن كبرياؤه الذي ظنه لوهلة صحيحاً منعه من التراجع خطوة للخلف .

و الآن هروب الصغير مما يخيفه ليحتمي به وكأنه يخبره أنت نزعتني من بين أحضان أسرتي إذاً عليك أن تكون واحدة لي !

ومع هذا هو لم يتوقع الوفاء الذي حمله ريكايل بين طيات روحه ، سامحهم و أحبهم و تفانى في حمايتهم وإسعادهم ، فكل ما أحتاجه هو شهرين للخروج من الصدمة ثم بدأ بنشر المرح و السعادة بالقصر الصامت الكئيب ، لم يظن يوماً أنه سيقرب شخصاً لنفسه ليصبح بموقعه قريباً من ويل !

صحيح أن علاقتهما بعد أن كبر ريكايل تغيرت بالظاهر لكن باطنياً كانا كالأخوان تماماً ، يفهم أحدهما الآخر و يهتم به .

و رؤيته الآن يسقط أمامه بعد أن ألقى بويل له وإبتسامة لطيفة شفافة ترتسم على شفتيه يعيد به ذلك الشعور المدفون بالندم ! أهو سيفقد أخاه حقاً دون قتال حتى ؟

وجهه لم تظهر عليه أي علامة مما كان يفكر به لكن نبضات قلبه المجنونة فضحت دواخله تماماً فهو إن لم يعد ريكايل لهم بنفسه خلال ساعات سيقلب القارة بالكامل ليعثر عليه لإنه لن يتمكن حينها من إزالة وجه الطفل الباكي و المتشبث به طالباً الآمان منه من مخيلته مُطلقاً .

~ نهاية الفصل ~

قراءة ممتعة ...

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top