الفصل التاسع و الأربعون

- الخيانة -

هي كلمة واحدة قادرة على هدم عوالم و ليس نفوس فقط ، آمال و أحلام بُنيت خلال عدة أعوام قد يتم هدمها بثوان !

براءة لطفل قد تُسلب منه لينقلب فجأة حاله و تنتهي بها أجمل سنوات حياته فقط بسببها ، تربي الحقد و تزرع الغل و حصادها الكثير و الكثير من الظلام الدامس و الدماء !

مُستقبل مغمور بالقاع و ألم بالقلب لا يموت حتى يرتوي من أنهار قُرمزية ...

أفكاره تلك كانت تسيطر على كافة حواسه بل حتى هالته التي استيقظت دون شعور منه لاسيما مع شعوره باقتراب موعد التنفيذ و أخيراً ، حان وقته ليروي ظمأ روحه المتعطشة !

خُصلاته الشقراء كانت تتحرك بشكل تلقائي مع هبوب الرياح من حوله ، ربما هبوبها اللطيف هو ما جعل مشاعره تهتاج بشكل مغاير عنها !

لأنها أعادته لسنوات مضت من عُمره ، لوقت هو ما فكر حتى بأن يوم ما سيأتي سيجعله كما هو عليه الآن ..

مُقلتيه ذات لون الدم حدقتا بالسماء التي احتضنت الظلام لوناً لها ، لنُجومها التي تحاول جاهدة إضائتها بينما يتربع القمر بالمنتصف ليعطي قليل من الضوء و كلاي ابتسم بشيء من السخرية على ذلك !

أهو يعني الأمل ؟ أم الثقة بالمستقبل ؟ لطالما أخبره شخص مهم للغاية بأن الغد أجمل ، الضوء لا يختفي من هذه الحياة ...

و حسناً أين هو ذلك الشخص ؟ تحت التراب و على الأغلب لم يبقى منه سوى عظام مُتآكلة ...

شد على قلادة يضعها حول عنقه بقوة و هو يغلق عيناه بألم تام يندر ظهوره على وجهه ، عدة دقائق حتى أعاد بصره للسماء بينما مُخيلته استبدلت المكان و الزمان للماضي البعيد ..

هُناك حيث وقف على شُرفة كبيرة و فاخرة يحدق بالنجوم بأعين مليئة بالبراءة و السعادة ، جواره وقف شقيقه الأكبر ذو الخصلات الداكنة و أعينه الحمراء الواسعة مع ابتسامة لطيفة لطالما عُرف بها هو أشار لإحدى النجوم بالأعلى ينطق بنبرة مليئة بالحُب :" تعلم ماذا كلاي ؟ الطبيعة هي أول و أهم مصدر للسحر الحقيقي ! لا يمكن لأقوى ساحر و إن كان عمي الحاكم أن يصنع أمر مذهل مثلها "

هو تابع بحماسته بينما ينظر للأصغر بسعادة كونه يتحدث عن معشوقته ' الطبيعة ' :" عندما يرغب فنان ما بإظهار مواهبه فهو سيختار لوحة من الطبيعة لرسمها ! زُرقة السماء و خُضرة الأعشاب و الأشجار أو ذلك البياض الذي ينتشر بالأرض بشكل مذهل مع سماء متكدرة المزاج بغيومها الرمادية ! او حتى لون الخريف ، إن أراد كاتب التعبير عن مشاعر ما يكتبه قطعا سيستخدم فصولها و طبيعتها للوصف ! "

الصغير بوقتها لم يكن يفهم حقاً كلمات الأكبر و لاسيما أنه بالكاد كان قد أتم الخامسة ! لكن بمرور الوقت هو فهم السبب ، أسرار الطبيعة و تقلباتها شيء يثير حقاً الرهبة ، أن ترى تكدر السماء و دموعها عندما تكون حزيناً و كأنها تواسيك لكن إن امتلكت مزاج سعيد فذات المظهر ستراه موسم للعب و القفز و البهجة !!

قادرة على مُسايرة مشاعرنا هي ، تبدوا و كأنها تقول أنها مازالت صامدة رغم عبث المخلوقات الحية بها ! ...

لكن هذا مؤلم ! ... أعاد إغلاق عيناه نافضاً تلك الذكرى من مُخيلته ! ... دموعه انتفضت بينما جسده انخفض تدريجياً و أكثر المشاهد قسوة تكررت أمام عيناه هناك عندما كان جسد الأكبر مُعلقاً بالمنتصف بينما عدة سيوف و رماح بدأت باختراق جسده و كأنه ورقة لا شخص حي !!!

عندما صدى صرخاته اخترق حياته فقلبها لجحيم دائم لا خلاص منه ، هو كم مرة عاهد نفسه على عدم البكاء ؟! لكنه بكل مرة تخذله قواه ، تهتز عيناه ، تضطرب أنفاسه و تتساقط دموعه ، ينتفض جسده و كأنه الجريح هنا لكن أوليس هو كذلك ؟؟!

و لولا كونه يخشى أن يصل تردد صوت بكائه لرفاقه لبكى و شهق بل و صرخ بأعلى صوت يمتلكه علَ الألم يختفي ، ربما تخف تلك القبضة التي تمسك بقلبه و كأنها تود انتزاعه ، عله يرتاح .. ليته قادر فقط ..

و الخيانة العُظمى ما كانت سوى من والده الذي سلم الأكبر للموت و سلمه للجحيم ! لوالده الذي قتل أمه لكنه الآن لا يهتم بها !

هو يكره كلاهما ، كل منهما خائن لضميرهما ، الحب السخيف الذي ادعى كلاهما أنه يمتلكه للآخر اختفى بلحظة انكشاف أمرهم ليكون و شقيقه أول ضحية له ...

----------------
******

مُقلتيه الزرقاوتين حدقتا بالسماء بتعابير هادئة بينما جلس رفيقه قربه يحدق به قبل أن ينطق بشيء من الجد :" بماذا تفكر آرثر ؟! شعرت بأنك كُنتَ مُشتتاً طوال اليوم حتى بالمعركة "

حرك الأكبر رأسه ليقابل عينا آرون الخضراوتين ليتنهد فهل عليه إعادة فتح ذات الموضوع رغم أن رفيقه بالكاد عاد ليبتسم ؟!

فقط ربما هو يحتاج لهذا ليعلم الحقيقة ، حقيقة هو لن يود أن تكون واقعاً حقاً !

لذا أعاد بصره للسماء دون ابتسامته المعتادة بل العكس الكثير من الحزن بان على ملامحه :" آرون ذلك الهجين الساحر ، هو نوعاً ما بعمر مُقارب لمن تم إعدامه ، أي هو كان متواجد كما يفترض عند تلك الحادثة ! و مع قوته تلك أليس المنطقي أن يكون إما شقيقه الأصغر أو قريبه ؟ "

كز آرون على شفتيه بحدة نادرة قبل أن يشد على قبضة يده يومأ إيجاباً :" أظن الخيار الأول أقرب للصحة ! لا أعتقد الحاكم قد تجاوز ذلك الخط ثم هو متزوج بالفعل ، فقط لما تم إخفاء الطفل الثاني ؟ و كيف ؟ أو ... "

صمت و هو يحتفظ ببقية أفكاره لنفسه ربما ؟ يثير حنقه التفكير بذلك الأمر بل يُشعره برغبة عارمة بتحطيم القصر فوق ساكنيه !

أجل هو قانون قتل الهجين لكن ليس وحده بل مع كِلا والداه و قطعاً ليس بوحشية ...

ليس فقط هو و أمه بينما ينجو الوالد شقيق الحاكم ! ، و الآن يكتشفون وجود أخ أصغر له على الأغلب ، بل ما يثير أفكار كلاهما هو أن ذلك الفتى على الأغلب شهد على كل ما حدث ...

إذاً ينوي الإنتقام ؟! و بالطبع كلاهما فرصة ممتازة ليفعل ، ما الحد بين الفعل الصحيح و الخاطئ ؟

ذلك الهجين قتل فرقتهم كاملة أثناء مقاومته ، أسرتهما من الميتم ! ، و بالنهاية كانا من أسراه و سلماه لمصيره المشؤوم ...

ذلك السبب الذي دفع آرون للرحيل عن القصر بعد أن تم إعطائهم أمراً بالصمت ...

و آرثر أراد حقاً محاولة تغيير الفساد الواقع بالقصر رغم أن الألم لخسارتهما أسرتهما كانت عظيمة لكن الندم لما وقع بعدها كان أكبر بكثير ، شيء إضطر كلاهما على تجرعه يومياً بلا أي شكوى ..

شد آرون هو الاخر على يده و هو يدفن الاخرى بخصلاته الشقراء ، مُنذ وصوله للقارة و بعد مواجهة للأفعى التي قتلت كلير هو ألم تأته ذكريات عن ذلك اليوم تحديداً ؟!

ثُم بالهرم الذي علق به آرثر و  كُل منهم أمام أسوء قرار و أكبر ندم بحياتهم هو ذات الذكريات عادت تتحكم به ...

فهل كل هذا كان إشارة من كلاي ؟! أم أنه هو بداخله يدرك أنه أسوء ما شعر به قط ؟

تنهد بتعب فبالنهاية عليهم توقع كل شيء ، بل الأهم هو بات الآن أكثر قلقاً على رفيق طفولته ، هل سيفقده ؟ أم العكس ؟ أو رُبما كلاهما سيختفي ؟! ...

حسناً رغم مرارة الفكرة لكن حقاً إن كان أحدهما سيموت بالرحمة ستكون بموت كلاهما معاً ...

هو يدرك أنه غير قادر على احتمال فقدان شخص اخر ، و آرون قطعاً لن يفعل !!

و كل ذلك التشاؤم و الأفكار السوداء نفضها كلاهما مع هُتاف الأميرة الغاضبة :" الآن ماذا ؟! ما هي رغبتك ؟ أتنوين التأكد هذه المرة من قتلي أم ماذا ؟ هي نصيحة لك إياكِ و الاقتراب مني و إلا أُقسم لك سأقوم بإرسالكِ للجحيم ! "

تنهدت تينا بشيء من الهدوء فهي توقعت ردة فعل مشابه من سيدتها بالفعل ، لن تقبل أن تمد لها يد العون و إن حاولت كونها لا تثق بها الان ...

و كل ما فعلته هو احضار بعض الماء لها ؟ لكن أنى لها أن تقبله منها بعد كل ما حدث ؟ هناك بالقصر لن تكون خائفة حتى بوجود الحرس و نظام اعدام جميع العبيد لأي محاولة لقتل الاسياد ، لكن هنا لا أحد ...

و فقط للمرة الأولى حقاً تشعر بأنها حمقاء لئلا تُلاحظ أن سيدتها و صديقتها القديمة تبدوا كالأطفال تماماً ، مرعوبة من كل شيء و تود الاختباء عن العالم بزاوية مظلمة لئلا يراها أحد أو يؤذيها أحد ...

رُبما لم يكن من السهل لها استحمال كل الانتقادات التي بدأت تنهال عليها بعد تلك الحادثة ، لاسيما و أنها من قبل كانت محبوبة كوالدتها التي ماتت ، الجميع رأى بها انعكاس الحاكمة الرحيمة لكن ذلك الانعكاس اختفى !!

فقط ما مدى الألم الذي يولده كونك تشعر بالخوف حتى من أفراد أسرتك ؟

آرون تنهد و هو يبعثر خصلاته الشقراء ليتقدم عدة خطوات يقف أمام كلاهما :" أيتها الأميرة ، أعلم أن المُسامحة أمر صعب بكثير من الأحيان لكن للعيش بسلام بأحيان أخرى نحن بحاجة للغُفران ! "

تجهمت ملامحها بشكل كُلي لكن و قبل أن تنطق هي تابع آرثر حديث صديقه بابتسامته المُطمأنة :" لا يوجد أي مخلوق لا يُخطئ ، أعلم ذلك لكن الغُفران أحياناً لا يكون لأجل الطرف الآخر بل فقط لتتمكني من التجاوز و العيش ! "

و المعنية استدارت للمغادرة و هي تنطق بعصبية :" أجل ثم التعرض للغدر مجدداً ! اي حماقة هي هذه ؟ "

و مع مغادرتها لخيمتها الخاصة تنهد الثلاثة و هم يحدقون بأثرها فهل من السهل حقاً فعل ذلك ؟! ..

ربما لا ... إلا أنه من المؤكد إنعدام قدرة استمرارية الحياة بطريقتها ذاتها !

-----------------
********

### البُعد الآخر ###

من الصعب حقاً مُراقبة الوقت أو الشعور به عندما تجد نفسك بمكان مُختلف ، عالم جديد و قوانين لا يعلم أي منهم شيء حتى !

الفضول بقي المُسيطر على جلستهم حيث الأسئلة أنهمرت كالأمطار الواحد تلو الآخر بتتابع بينما الأعين تابعت هطول الإجابات لري عطش فضولهم و هذا تماماً ما سيطر على جلستهم تلك حتى تخطت عقارب الساعة الثالثة فجراً !! ...

ذلك الوقت بأكمله أمضوه حول المائدة التي جمعتهم حيث ما ان انتهى الطرفان من شرح ما يحدث بِعالمه بدؤوا بالحديث عن مواقف مختلفة جعلت الضحكات ترتفع تارة و أخرى كانت الملامح تنكمش بتوتر ؟

الريبة التي كانت قد ملئت قلب آلفريد و إخوته و كلارنس و من معه كانت قد بدأت تضمحل رويداً رويداً ، فهؤلاء القادمين ما ظهروا لهم من النوع الذي قد يسبب المشاكل حقاً !

و لوهلة هم فقدوا السؤال الأهم ربما و هو إن لم يكونوا سبب الهجوم فمن و كيف ؟

و بالجهة الأُخرى ريكايل الذي كان يُحب معرفة الكثير عما يحدث حوله شعر بالاستمتاع حقاً لكل هذه المعلومات ، نيرو شعر بالحماس عندما علم أن كارل و كلارنس قادرين على تحويل أحدهم لعجوز حقاً !

هو حتى هتف أنه هؤلاء من يستحقون لقب سحرة و ليس الحمقى من عالمهم ..

آلبرت على الفور أخبره بسخرية أنه سيخبر ذلك المعلم ليُعطيه درس عن النميمة ؟!

ملامح الامتعاض التي ظهرت على وجه نيرو وقتها أجبرتهم جميعاً على الضحك بينما بعثرت ريبيكا خُصلات رفيقها القُرمزية و الذي هددها بقطع يدها باستياء فوراً ...

و بخضم كل ذلك رأس ويل سقط على كتف رفيقه و خادمه بعد أن عجز و أخيراً على فتح مقلتيه ! ، هو حرفياً قاوم النوم لوقت طويل لذا ما عاد قادراً على المُتابعة ...

يد ريكايل وضعت فوراً تحت وجنة الأصغر يعدل من جسده قبل أن يقف ليحمله ينطق بشيء من الهدوء و ابتسامة لطيفة :" حقاً لا فكرة لدي حول كيف مضى الوقت بهذه الطريقة السريعة رفقتكم ! أعتذر فعلى الأغلب أنتم لديكم عمل ما غداً و نحن قُمنا بتعطيلكم عنه "

وقف آلفريد مُقابلاً له بابتسامة مُشابهة :" لا مُطلقاً فنحن استمتعنا أيضاً بمعرفتكم "

آلبرت نهض بعدها بينما يتثائب :" إذاً لنُكمل غداً العبث ! "

هو سار بِلا أي استئذان ربما بعدها للغُرفة التي استيقظ بها بينما يُفكر أنه عليهم غداً الانتقال من الحديث للتجول هنا و هناك للتعرف بشكل مباشر للمكان حيث سيمكنه العبث بشكل أفضل ...

ريبيكا انحنت للاعتذار عن تصرفات رفيقهم قبل أن يعود كل منهم للغرف التي استيقظوا بها كون سيد المكان أخبرهم أنها للضيوف بالفعل ...

و مع اتجاه الخمسة لغُرفهم اجتمع آلفريد و البقية بغرفة المكتب الواسعة و التي لطالما عُرفت بمكان اجتماعهم ، تلك الغرفة التي احتضنت اجتماعاتهم و ضحكاتهم و دموعهم حتى !

و كعادتهم جلس آلفريد على مقعده خلف المكتب بينما جلس جاك على المقعد المقابل له و بجواره جلس كل من هنري ، كريستي و كارل ...

و بالجهة الأخرى جلس كلارنس ، ديفيد و التوأم لو و لوسيان ، الصمت أولاً كان عنوانهم حيث بدى و كأن كُل منهم غارق بأفكاره الخاصة !

لوسيان كان أول من نطق :" إذاً ؟ لو قال بالنبؤة أنهم ليسوا الأعداء لكنهم السبب ؟ هم قالوا أنهم بصدد معركة ما بعالمهم صحيح ؟ هل يعقل أن أحد أعدائهم تسلل معهم إلينا ؟ "

حدق آلفريد لشقيقه الصغير بتمعن فما يقوله منطقي ، لما قد تحدث فتنة بظهورهم ان ما كان أعدائهم السبب كونهم ليسوا كذلك ؟!

هنري أغلق عيناه الزرقاوتين و هو يتحدث بهدوء :" عالمهم المكون من ستة أجناس مختلفة أيضاً أليس من الخطر إبقاء ثقب ما يصل ما بيننا ؟!"

الطيف الذي كان يقف أمامهم مُستمعاً ربما هتف فجأة :" بل وجوده و معرفة أحدهم به مصيبة ! سمعت عن عوالم تم تدميرها بسبب أمور كهذه ، علينا مساعدة الزوار على إيجاده و الرحيل ثم لابد من إغلاقه مرة و إلى الأبد "

أومأ آلفريد لهم و قد عاد الصمت ليحلق بينهم ، فماذا يمكنهم قوله أكثر ؟! يبدوا أن لا شيء أمامهم سوى الانتظار و رؤية ما سيحدث تالياً ببساطة ، و فقط متى كانت الحياة تجري بشكل مختلف ؟

هي ببعض الأحيان تُحاصرك لتشعر و كأنك خاضع لا يمكنه سوى السير كما يأمره المُنعطف و إن كانت نهايته هي جُرف عظيم قد يسبب بنهايته دون أدنى مقاومة ...

بالنهاية نهض كلارنس بمرحه من مقعده و هو يهتف :" لقد تغلبنا على واحدة من أسوء الفتن التي وقعت بيننا ! لن نسقط بذات الجُرف مجدداً فنحن أسرة الآن لذا أياً كان ما سيحدث لن نُهزم ، لنقاوم معاً و دعونا نرى من سيُمكنه العبث معنا "

كلماته هو اختتمها بعدة ضربات على صدره و قد رفع رأسه بكبرياء مبالغ ! .. و هذا دفع الضحكات لتنطلق من البعض و اخرون ابتسموا فقط ...

حقاً هم ببساطة تجاوزوا الكثير معاً ، لحظات مرت عليهم كادوا يفقدون بها كل شيء ، و بطريقة ما و مع تكاتفهم هذا هم تمكنوا من عبور الأسوء لذا لا !

لن يستسلم أي منهم بسهولة أياً كان القادم و كيفما ما وقع ...

-----------------
********

تجاوز الحياة و عقابتها لم يكن يوماً أمر يسهل حصوله حقاً !

بل بكل مرة نظن بها أننا نكاد نصل لمرحلة الاعتياد حيث لا نؤمن بوجود صدمات يمكنها أن تؤثر علينا إلا أننا سنصدم مجدداً بمدى تفاهة تلك القناعة فور أن نُقابل ما هو أسوء مما ظنناه الأسوء ...

و رُبما ذلك حرفياً ما كان يخطر بعقل كيفين بينما يجلس وحيداً نوعاً ما على هضبة رملية مُحدقاً بامتداد السماء الواسعة ..

فريقه استمر بعبور و تجاوز الحواجز الموضوعة بفضل دماء كلاي !

لكن و فجأة دون شعور أي منهم جسد رفيقه سقط أرضاً فاقداً للوعي حيث بدى أن طاقته قد انتهت ...

بلا مقدمات و لا سابق تنبيه أو انذار و هو فقط حدق به دون أن يتقدم حتى بل تبرع آيزاك بتفقده بدلاً منه ليتأكد أنه ارهاق فقط ؟

مُقلتيه ذات اللون الأخضر كانتا شاردتين و هو يفكر بأنه لم يقتنع بِعبارة أن ما حدث لآندريه كان مُجرد ارهاق فلما سيُصاب مُساعده بالإرهاق من مجرد التنقل ؟

بلى هو يعلم أنه حتى التنفس بهذه القارة مؤلم لكن آندريه و إن كان عبداً ليس ضعيفاً ! هو لم يكن و لن يكون حتى ليسقط فجأة دون سبب مقنع ...

بل ان سقوطه تمت اضافته لبقية تصرفاته المريبة مع ازدياد شعوره بعجز مقيت عن فهم ما يحدث له ...

عدة ثوان مضت قبل أن يُغمض عيناه مُستعيداً ذكرى بعيدة للغاية ، إلى يوم كان به قادر على الضحك و التصرف بشكل طبيعي حتى !

هُنالك حيث كان بالسابعة من عمره يركض بواحدة من حدائق القصر يبحث عن آندريه و الذي أمره هو بالاختباء ليبحث عنه ؟

لكن شيء من العبوس و الملل ظهر على ملامحه الطفولية إذ كانت خُصلاته الشقراء طويلة نوعاً ما حيث كادت تُغطي عنقه بالكامل و مُقلتيه الواسعة ذات لون العُشب الندي ، لما خادمه و صديقه بارع بكل شيء حقاً ؟!

هو يبحث عنه منذ نصف ساعة بلا فائدة دون العثور عليه لذا هو نفخ وجنتيه يهتف و قد تحرك بخطوات سريعة عشوائية :" آندريه أنا آمرك بأن تُظهر لي نفسك الآن و فوراً لأفوز ! "

و ما تلى ذلك كان ضحكة عفوية من فم رفيقه الذي خرج من مخبأه يرفع يداه باستسلام :" أمرك سيدي أنت انتصرت و أنا فشلت "

شيء ما بدى خاطئاً للأصغر حيث اقترب من آندريه ذو العاشرة من العُمر يهمس بشيء من الضيق :" أنت تسخر مني ألا تفعل ذلك آندريه ؟ بل و تعاملني كطفل فقط لأنك الأكبر ! "

آمال الأكبر برأسه ليمد يده مُعيداً خُصلات كيفين الشقراء بينما يرسم ابتسامة مليئة باللطف و الحياة :" و هل سأجرأ أنا على ذلك ؟! يوماً ما أنت سيدي ستغدوا الحاكم الذي ستفخر به كل المملكة ! "

تنهد المعني ليومأ سلباً و هو ينطق بحيرة طفولية :" لكن آند ماذا إن أصبحت حاكم سيء كأبي ؟! هو والدي بالنهاية أو أصبحت سيداً سيئاً لك كما بقية المختليين أأنت ستكرهني وقتها ؟ "

ابتسامة الأكبر لم تختفِ بل هو مسح على وجنته عله يبث به الطمأنينة :" أنت سيدي ، أنا سأبقى بجوارك دائماً و سأبذل ما بوسعي لجعلك تتذكر دائماً أن مكانك هو العرش ! و أنك لن تكون كالسيد بل أنت شخص رحيم و لطيف و قد سمعت أن الحاكمة كانت كذلك حقاً لذا على الأغلب أنت مثلها "

و كلماته تلك أدخلت الكثير من الطمأنينة لقلبه الصغير ! هو يُحب والدته بشدة و يشتاق إليها يومياً بينما يحاول تجاوز ذلك لئلا تحزن هي بينما تراقبه من الأعلى ...

و أن يخبره آندريه أنه مثلها يجعله سعيد حقاً لذا وجد نفسه يحتضن الأكبر بحماس و سعادة طفولية دون الاهتمام بالمستقبل ...

هو فتح مُقلتيه يبعد تلك الذكرى من أفكاره ، آندريه لم يكن يوماً مجرد عبد ! هو يذكر أنه كان موجود بحياته منذ الأزل ! ...

قبل أن تبدأ ذاكرته بإحصاء الذكريات ربما ، لذا هو جزء من حياته بل و أقرب لقلبه من نفسه حتى و شعوره بوجود أمر ما خاطئ الآن به يجعله يتصرف خارج نطاق طبيعته ...

--------------
******

### البُعد الآخر ###

ساعات الفجر الأولى كانت قد بدأت بالفعل حيث طالما امتاز هذا الوقت تحديداً ببرودة أجوائه التي تتفوق على بقية اليوم أو الليلة !

و مع تلك البرودة التي ملئت الأجواء كان هُنالك هالة أُخرى تحيط بالقصر ! ... طاقة غريبة تتسرب إليه مُعلنة عن انتهاك خصوصيته ...

و تلك الطاقة جعلت السحرة أول من يُغادر فراشهم رغم أنهم ما خلدو للنوم إلا منذ دقائق معدودة ما وصلت الستين دقيقة للآن !! ...

كلارنس و كارل توقفا بمنتصف الغرفة بينما نطق الأكبر بينهما :" هذه الطاقة من ساحر ! هنالك من يهاجم قصر مصاصي الدماء من جنسنا نحن "

عض كارل على شفتيه باستياء تام ، فهل سيتكرر الأمر و تعود الحرب بعد أن تمكنوا من إطفاء نيران الحقد و الكره أخيراً ؟

هنري و كريستي تواجدا أيضاً بِجوار التوأم ليبدأ الأربعة بِتفقد القصر و أسياده أولاً حيث كان على كل منهم التأكد من أن أسرة مصاصي الدماء الحاكمة بخير ! ...

إلا أن الهجوم كان بعيداً عنهم حقاً حيث أنه ما أغرق سوى الضيوف القادمين بِسبات أو بما يعرف بالهجوم الذهني من الخارج هم نائمون لكن أحلامهم من الداخل حقيقية للغاية ... للدرجة التي تهدد حياتهم إن هم ماتوا ...

الهدوء كان يُسيطر على الخمسة ظاهرياً بينما غُرفهم المُنفصلة مُغلقة بإحكام تام و هنالك هالة تشع منها بلون رصاصي تجعل الرؤية ضبابية كما لو أنك تُشاهد ما يحدث من خلف زُجاج مُبتل !

ذاك السُبات الذي غرقوا هُم به بدأ للخمسة بِظلام دامس مع صوت ما يُخبرهم بأن المشاعر للطرف الآخر حقيقية تماماً ، و أن الحقيقة أمام أعينهم إن رغبوا و كل قطرة دم واحدة ستنهمر من أي منهم ستكون حقيقية بشكل كبير ...

وما إن اختفى الصوت حتى بات كُل منهم بعالم مُختلف رسمته له عقولهم رغم حقيقته ؟!

--------------
******

### قارة أوقيانوسيا ###

العرق كان يتصبب من جسده بشكل كبير ، هو بالفعل يُفترض أنه تجاوز مرحلة الخطر لكن الأطباء لاحقاً لاحظوا أن مؤشراته تدل على حدوث إنتكاسة ما و هو ما حاولوا إيقافه أو التخفيف من حدته و لازالوا !

لأنه بموت حاكمهم هُم فقط كانوا ليجدون أنفسهم تائهين خاصة و أن لا وريث له حالياً ليقود المعركة ...

و مُستشاره هو من يتولى هذه المهمة حالياً و بِكفائة عالية و كأنه يخرج كامل استيائه من كل شيء بالقتال ..

إستيائه من هذه المعركة ككل ، غضبه الدفين على زوجته و انكساره من ابنه الوحيد الذي كان يعتقد أنه من سينسيه ما فعلته زوجته لا أن يتبع خطاها ! ...

ألمه على حاكمه و صديق عمره و ما حل به و بأبنائه ، كل تلك المشاعر هو حقاً بذل كافة جهده لإخراجها بالمعركة عله يعود لهدوئه ، و لأحلامه التي لازالت تطارده بأن يأتي يوم ما يُوقظه من سُبات كوابيسه الذي يعيشه الآن ...

--------------
******

### البُعد الآخر \ ريكايل ###

الظلام الذي كان يُحيط به إختفى تزامناً بشهقة خفيفة صدرت منه بينما اعتدل بجلسته سريعاً ، لسبب ما لا يعلمه رأسه كان يؤلمه حقاً بيننا يشعر بأن ذاكرته مشوشة بشكل كبير !

يده وضعها على جبينه بمحاولة ما للسيطرة على ذلك الألم الذي يغزوه و ما إن فعل حتى شعر بيد توضع على كتفه بينما نطق صاحبها بالقليل من القلق :" ريكايل أأنت بخير ؟! "

ذلك الصوت دفعه لرفع رأسه بشيء من الاستنكار فهو رغم أنه لا يذكر الكثير لكن على الأقل يعلم أن ريك ليس رفقته ؟

و الاستنكار ازداد و هو يحدق بما حوله إذ كان متواجد بغُرفة كبيرة حقاً تحتوي على أثاث فخم و بمنتصفها سريرين متشابهان كما كان هنالك من كل شيء إثنان !

مكتبان ، مقعدان ، خزانتان و هذا أثار المزيد من الحيرة بقلبه و كم كان ذلك واضحاً على ملامحه حيث نطق ذاك الذي يمكن وصفه بانعكاسه حقاً لشدة التشابه بينهما :" ريكايل ! هل أنت بخير ؟ جدياً لقد أخبرتك توقف عن العبث و السهر ليلاً لئلا تصحو مع هذا الصداع "

و أخيراً وجد التوأم الأصغر صوته ليجيبه بينما يضغط على رأسه أكثر :" فقط أين نحن ريك ؟ و كيف وصلتٓ أنت إلى هنا ؟ "

كلماته تلك جعلت الأكبر يفتح فاهه بحيرة تامة و استنكار كلي بينما يجيبه :" أأنت جاد حتى ؟ إلهي ريكايل هل قمت بالشرب بالأمس أم ماذا ؟ نحن بالمنزل و هذا الجناح لكلانا لذا طبيعي تواجدي هنا "

كرر ريكايل أكثر عبارة شدت انتباهه ربما :" المنزل ؟ "

حالته هذه جعلت توأمه يجلس بجواره و قد بان الكثير من القلق على ملامحه لكنه و قبل أن يتحدث مجدداً سمع صوت طرقات على الباب ليأذن للقادم بالدخول ، و الذي و فور سماعه للإذن هو دلف للداخل بخفة ...

ابتسامة هادئة كانت تتربع على ثغره بينما كانت خُصلاته الداكنة مُصففة بعناية ليُحدق بِكلاهما بشيء من الريبة فكلاهما لا يبدوا بخير بالنسبة له !

لذا هو اقترب بهدوء و قد اختفت ابتسامته :" ما الأمر أميراي ؟ أهنالك مشكلة ما ؟ "

تنهد ريك بينما أعينه بقيت مُثبتة على شقيقه الذي رفع بصره باتجاه جيف و قد قطب حاجبيه باستنكار أكبر حتى ...

لاحظ ريك أولاً الصمت الطويل الذي كان يُحلق بينهم ليجيب على رفيق طفولتهم :" هو يهذي تقريباً ! أشك أنه شرب شيء ما ، أو لا فكرة لدي حقاً "

آمال المُساعد برأسه قبل أن ينخفض واضعاً كف يده على جبين الأصغر بينهم :" حسناً لا توجد حرارة و هذا مؤشر جيد مبدئياً ! "

قطب ريكايل حاجبيه و أخيراً ليُبعد يد رفيقه ينطق بشيء من الاستنكار :" أنا لست مريض و لم أشرب شيء لكن كل شيء هنا خاطئ ! أنتم فقط لا يفترض بكم التواجد معي أو أنا من لا يجدر به التواجد هُنا "

أردف بعدها و هو يُبعد الغطاء :" ربما هذا وهم ؟ علي ايجاد طريقة ما للرحيل "

شهقة صدرت من ريك الذي أمسك به سريعاً بينما وقف جيفري من مكانه :" أظن أنني سأستدعي الطبيب لرؤيته "

المعني هتف باعتراض تام :" لست بحاجة لطبيب ما ! أنا أعي ما أقوله "

و ريك فقط عبس قليلاً :" لأجلي موافق ؟! دعنا نطمئن أولاً أرجوك أخي "

و تلك الملامح جعلت الأصغر يومأ بخفة مُفكراً بأنه لا بأس من مُجراتهم قليلاً على الأقل حتى تبدأ ذاكرته بالتعافي بشكل كلي ؟ ...

√•√•√•√•√•√•√

النيران كانت مُشتعلة أو هكذا كان ليعتقد أي شخص شاهد اللون الأحمر الذي يطغى على تلك الزنزانة !

الحرارة التي احاطت بها كانت لتؤكد فرضية النيران تلك و هذا قطعاً انعكس على تلك القيود الفولاذية التي أحاطت بقدمي و يدا ذلك الفتى الذي بالكاد تجاوز الثانية عشرة من عُمره !

خُصلاته السوداء الناعمة انسدلت على وجهه و غطت عنقه بالكامل بينما مُقلتيه ذات اللون الأصفر تُحدقان بشرود و تعب للأسفل حيث الأرضية التي تتراءى له و كأنها تتموج بِفعل الحرارة ...

أين هو ؟! لا هذا ما كان السؤال المُناسب حقاً بل هو كان عليه أن يتسائل لماذا ؟!

ألا يُفترض أن هذا اليوم قد انتهى مُنذ سنوات طويلة ؟ أم أكان كُل ما خاضه بعدها مُجرد حُلم ؟ هو ليس واثقاً حقاً فالحرارة تؤثر على أفكاره و ذِكرياته غارقة بِبحر من التشويش حيث ما عاد قادراً على تمييز ما هو الحقيقي مما ليس كذلك !

رفع رأسه ببطء بينما يحاول جر السلاسل بشيء من القوة علها تتحرر من يده أو قدميه ! ، ليس مُهتماً حالياً بمعرفة ما الحقيقة بقدر رغبته بالرحيل فقط من هذا المكان و كُل ما به ...

لذا صوت السلاسل التي يتم تحريكها بِعُنف كانت كل ما يمكن سماعه بتلك الزنزانة ممزوجة بأنفاس المُقيد و الذي يحاول التحرر من تلك القيود ..!

أوقف الفتى حركته ما إن شعر بحركة البوابة الصدئة التي منعته من اكتشاف ما بالخارج ...

بل رفع عيناه ليرى خاطفيه رُبما ؟ لكنه شهق بنوع من الصدمة و الاعتراض ! ..

حاكم مملكته و الأمير الأول ؟ لكن مُجدداً هذا غير صحيح ، أجل حاكمه أرسله لمهمة ما كان يجدر به العودة منها حياً ، مُهمة كان عليها أن تخط نهاية حياته القصيرة لكن هما حقاً يفترض لا شأن لهما بها ؟

فقط مُجدداً أهو واثق بذلك ؟ أيعلم من قد يغدر به ممن لن يفعل ؟ أو أذاكرته تخونه الآن ؟ لما يشعر بأنه عاش هذه التجربة من قبل و قطعاً هؤلاء ما كانوا هنا وقتها ؟

لم يتحدث و ما كان لديه القدرة على الحديث كونه بالكاد قادر على تجميع أفكاره المُشتتة !

لكن و دون إرادة منه هو أغمض عيناه يهمس :" ليون "

ذلك الاسم الذي خرج من بين شفتيه صدمه أولاً قبل أن يجعل الحاكم يحدق ناحيته بكره أشد مُتقدماً منه حيث أمسك بُخصلاته الداكنة ليهتف :" و ماذا تُريد من ليون ها ؟ ألا يكفي أنه ساير ألاعيبك السخيفة تلك ! أنت الذي قُمت بقتل أسرتك بالكامل ، و رغم ذلك تظن أنه يمكنك بث سمومك بين الأسرة الحاكمة أليس كذلك ؟ "

ركله على معدته ما ان انهى كلماته ليشهق آلبرت بشيء من الألم قبل أن يسعل بقوة بينما تابع الأكبر بهدير عالٍ أجفله :" ألا تمتلك و لو القليل من الكرامة ؟! ألم تسمعه بأذنك هذه عندما قال أنه يود إيقاف عبثك فقط ؟ يود مسايرة تصرفاتك الطفولية لإيقاف الشر لا أكثر و لا أقل فلماذا تظن أنه سيأتي حقاً لأجلك ؟ و أنت أساساً مجرد طفل بينما هو بالثامنة عشرة ! أي لا يمكن حتى أن تكونا صديقان ... "

و كلماته تلك أحالت ملامح الأصغر للسكون التام ، أجل هو يذكر أنه سمع بمثل تلك العبارات لكن من صوت ذلك الرفيق الذي استنجد به تواً ؟ و هذا أشعل صدره بالألم القاتل ، أولم يُقسم أن لا يثق بأي أحد ؟ فكيف له الاستنجاد بشخص ؟ بأمير مملكته الثاني و الذي كان يعبث معه فقط ؟ ...

-----------------
********
### القارة المجهولة ###

مُقلتيه ذات لون الفِضة حدقت بالسماء أمامه بشيء من التعب و الإرهاق ، بشرته كانت شاحبة نوعاً ما بينما خُصلاته الداكنة تناثرت حول وجهه بخفة ! ..

لم يعد بإمكانه حقاً إخفاء الحقيقة أكثر بعد أن انهار جسده فجأة بتلك الطريقة المُثيرة للشفقة ..

رفاقه من ذات الفريق جلس كُل منهم بهدوء بالقرب منه بإنتظاره للحديث ربما ؟ فكل منهم يدرك أن انهيار شخص من قبيلة المتحولون ليس بالأمر السهل و إن كان عبداً إلا بحال تلقى مُعاملة فظيعة للغاية و هو ما لم تظهر آثاره على المُستلقي .

و لوهلة فقط تلاقت مُقلتي السيد و العبد حيث بدى و كأن كُل منهما قادر على قراءة أفكار الآخر دون الحاجة لأي كلمات !

جيسي أسند ظهره على صخرة كبيرة نوعاً ما بإنتظار تفسير ما لما يحدث ؟ بينما آيزاك كان أقربهم للمُستلقي كونه الشخص الذي اعتنى به فترة إغمائه ...

أغلق آندريه عيناه بالكثير من التوتر ، فقط كيف له أن ينطق بما لديه من معلومات ؟ قد يغضب سيده منه !

لا بالفعل كيفين غاضب و المُماطلة ستجعل مزاجه أسوء حتى ، أخذ عدة أنفاس قبل أن يُعيد فتح مُقلتيه لينطق بنبرة بذل الكثير من الجُهد لتكون هادئة دون النظر لِسيده و رفيقه :" فقط بآخر معركة لنا مع المُهجنين قُمت بمواجهة ذلك المدعو كولين ، و بالطبع الكفة كانت بصالحه هو ! "

صمت قليلاً بينما يحاول ترتيب كلماته التالية :" بمرحلة ما أنا سقطت أرضاً و هو انحنى فوقي ، لا أدري ما فعله فهي كانت مجرد ثوان بسيطة فقط إلا أنه نجح بتمرير شيء ما لفمي ثم همس بأنه باللحظة التي يحين بها الوقت كل ما سيحتاجه هو غرز أنيابه بعنقي "

إِعتدل بِجلسته و عيناه لاتزال تتهرب من رؤية السيد بينما يُتابع :" مؤخراً بدئت أشعر بعدة ألالام مُنفصلة و لا أعلم إن كان هنا.... "

كلماته تم بترها بل و صدرت شهقة من بين شفتيه عندما صدح صوت تحطم لإحدى الصخور !

عيناه هرعت للبحث عن المصدر و كما توقع كيفين كان من فعلها ، هو حطم تلك الصخرة بينما كان يكز على أسنانه بقوة شديدة ، هالته فقط انتشرت بقوة ضاغطة بينما يقسم بداخله أنه سيقوم بقتل ذلك الهجين اللعين ...

سيتجاهل فكرة كونه قادر على الشعور حتى و ينفذ به أبشع طريقة قد تخطر بعقله و إن جعله ذلك يقترب عدة درجات من دناءة والده !

لن يهتم سوى أنه عليه جعله يندم على محاولته تلك فقط ...

جيسي أخذ عدة أنفاس عميقة ليُرخي قبضتيه قليلاً ، أقال له عندما يحين الوقت ؟ ، أكثر ما يُثير استيائه هي تلك المُماطلة ، أن يشعر و كأن من يقفون أمامهم لا يعتبرونهم سوى مجرد دُمى !

لا يُهم عدد الأشخاص ممن سقط منهم ، إلى ماذا ينوون الوصول تماماً ؟! ذلك يُزعجه حرفياً من قد يُفكر بِتقديم يد العون لهم أو الشفقة عليهم بينما هم مستمرون بإظهار أن حياتهم ليست سوى لعبة ؟؟ ...

------------------
********
### البُعد الآخر \ ريبيكا ###

خُصلاتها الشقراء كانت تنسدل بخفة لِما بعد عُنقها بقليل ، و ملامحها كانت أكثر بساطة رغم جمالها !

مُقلتاها ذات لون الذهب حدقت بانعكاس صورتها بالبحيرة بشيء من الحيرة ، أهي طفلة ؟!

لكن أهذا جزء من الوهم أم ماذا ؟ لازال بإمكانها تذكر تلك العبارة التي سمعتها قبل أن تجد نفسها في ساحات قصر أسرتها ...

و تذكر المهمة و كل شيء آخر ، إذاً ماذا يحدث هنا ؟ أعليها إيجاد شيء ما للخروج من الوهم أم ماذا ؟!

-:" ريبيكا أميرتي الصغيرة هيا للداخل سيأتي الضيوف بعد قليل "

و المعنية التفت لذلك الصوت و الذي عرفت صاحبه جيداً لتبتسم بخفة قبل أن تقف و هي تهتف :" مهلاً أبي لا أود أن أكون أميرة مُدللة !  سأُصبح واحدة من جنود الدولة "

و ضِحكة لطيفة صدرت من ثغره بينما يُمسك بيدها :" أجل بالطبع ، الآن سيأتي القليل من الضيوف ! "

بدى شيء من القلق على ملامحه بينما ينخفض للأسفل يُمسكها من كتفيها :" أنظري إلي أحد المدعوين هو وريث تلك الأُسرة المنكوبة ! أولاً الحاكم لم يغفر له بعد لولا وريث العرش ، أود منكِ أن لا تقتربي منه "

الاستنكار بدى على ملامحها بشكل كُلي قبل أن تهتف :" لكنه أنق... "

يده وضعها على فمها ينطق بنبرة هامسة :" آسف ! أعلم ذلك لكن لا أريد لأي مخلوق بهذا العالم أن يعلم أنكِ كُنتِ بذلك المكان ريبيكا ! من فضلك لأجل والدك لا تفعلي "

لم يُعجبها ذلك لكن أيُمكنها حقاً الإعتراض ؟ ليس و والدها يبدوا مُرهقاً حقاً ؟!

لذا انتهى بها الأمر بالموافقة على مضض ! بأي حال هي تذكر ذلك اليوم جيداً حيث لا شيء مميز وقع حقاً ، للآن هي ما تزال تتسائل حول لما ترى كل ذلك ؟

بوقتها مر الاحتفال بهدوء نسبي و قد غادره آلبرت مُبكراً كونه لم يكن فد شُفي بعد !

و بالفعل كما هي ذاكرتها سار ذلك اليوم لكنها و للمرة الأولى ربما لاحظت الشحوب و الأرق على ملامح الضيف الغير مرغوب به بالمكان ، كيف أنه أبقى نفسه بعيداً عن الجميع مُغلقاً على ذاته ...

هي حقاً رغبت هذه المرة بمعرفة أي نوع من الأفكار كانت بعقله ؟ لم تنتبه من قبل على كونه لم يبتسم بسخرية أو عبث و لم يحاول فتح أي موضوع بل بدى مشوشاً للغاية بطريقة جعلتها راغبة بتحطيم كلمات والدها و الاتجاه له مهما كانت النتيجة ...

√•√•√•√•√•√•√•√

الأحلام ما هو الفرق ما بينها و بين الحقيقة ؟! كيف لنا أن نُحدد بأن ما نعيشه هو الواقع دون ما نراه بسبُاتنا ؟! لاسيما و إن تعلقت تلك الأحلام بأشخاص لطالما كانوا جزء منا نحن !

أُسرة وهبت لنا حياتها أو ربما رفيق أقسم على الوفاء و حقق قسمه ذاك ! ربما هنالك دائماً خيط من الحقيقة يعيش بين تلك الأحلام ! خيط رفيع لم ننتبه نحن له بالواقع فعادت ذاكرتنا لتذكرنا به بطريقتها الخاصة ...

و بخصوص تلك الذكريات ريكايل كان بفراشه للآن بعد أن أتى طبيب ما وصف حالته بالإرهاق ؟! لكن أي إرهاق هو الذي يدفعه لعدم التصديق بأي مما يحدث هنا ؟!

أولم يقم والده ببيعه ؟ أو إستبداله بالسلام و التعاقد مع مصاصي الدماء ؟! هل ذاكرته تخدعه أم هذا المكان هو ما يبتلع وعيه الخاص ؟! وقبل أن تزداد شدة أفكاره باب غرفته تم فتحه بقوة جعلته يقطب حاجبيه قبل أن يشهق بصدمة مع إنسياب صوت ضحكاتها لأذنه !

دموعه تجمعت فجأة دون إدراك منه بينما إقتربت شقيقته الصغرى منه و قد أبعدت تلك الضحكة المرحة لملامح قلقة ؟ هي انخفضت أمامه لتُغطي خُصلاتها التي شابهت لون خُصلاته يداه بينما تنطق :" ما الأمر ؟ لما أنت تبدوا كما لو أنك رأيت شبح ما ريكايل ؟ "

هي جلست أمامه تحدق به بينما يداها رفعتها لتضعها على وجنتيه تكمل بشيء من العبوس :" حسناً كنت سأخبرك هل تتألم لهذه الدرجة لكن ريكايل كلانا يعلم أنك لن تبكي بسبب الألم يا أخي لذا ما الأمر ؟! "

المعني لم يستطع حقاً أن ينطق بل هو عانقها على الفور , الآن فقط الكثير من المشاعر تنتابه فهو ورغم إدراكه لوجود أمر ما خاطئ من حوله و مع كونه لا يذكر حقيقة ما يحدث حوله إلا أن رؤيتها جعله يراها مُغطاة بدمائها بمكان أشبه بكهف أرضي !

دموعه حقاً إنهمرت و هذا جعل المعنية ترتبك أكثر فأكثر فهو حقاً لا يبدوا بخير مُطلقاً فهل هذا مجرد إرهاق ؟! هي وجدت نفسها تُحيط به بعناق هادئ قبل أن تربت على شعره لتهمس بخفة و لطف :" ريكايل ! جدياً أنت تُخيفني ما الأمر يا أخي ؟! هل قمت بأمر متهور لا أحد يعلم بشأنه ؟ أعدك لن أخبر أي أحد لكن إن تأذيت بطريقة فدعنا نعلم ذلك ! هل تريد أن أستدعي ريك لأجلك ؟ أو ربما أمي ؟ أبي ؟ أياً كان من تريده ؟ "

كلماتها تلك جعلته يبتعد كارهاً حقاً لذلك لكن أوليس هو يثير قلقها أكثر ؟! الآن هو راغب بأن تكون حياته السابقة هي الحلم بينما هذه الحقيقة التامة لكن لازال يشعر بأن هنالك أمر مفقود !

لذا هو مسح دموعه لينهض من الفراش بينما ينطق بابتسامة ما لطيفة :" لا داعي للقلق كلير , آسف لكن سأذهب لرؤية أبي موافقة ؟ "

هي أومأت له بهدوء قبل أن تنهض هي الأخرى لحيث شقيقهم الأكبر ؟ ربما هو عليه أن يعلم أن ريكايل قطعاً ليس بخير و أنها لا ترى أنه مجرد إرهاق ! ..

و بجهة أخرى خطوات ريكايل إتجهت ناحية ذلك المكتب الذي يفترض أنه يحتوي حاكم هذه البلاد و والده بتوتر ! هو يمكنه الشعور بدقات قلبه تكاد تخرج من مكانها بينما جزء منه كان يود إنهاء هذا الحوار سريعاً عله يجد الطريق الصحيح ...

لذا و فور وصوله للمكتب هو طرق على الباب و قد تصاعد القلق به !

الرجل الذي قد يراه الآن هو أكثر شخص تمنى رؤيته طوال تلك السنوات بعد توأمه و أكثر شخص كان خائفاً من ردة فعله بذات الوقت ...

حتى أنه انتفض مع سماع صوته الهادئ يأذن له بالدخول ، لكنه أخذ عدة أنفاس عميقة قبل أن يخطو للداخل و قد إحتدت ملامحه و كأنه يوشك على دخول معركة ما مجهولة تماماً لينطق دون النظر للأكبر حتى :" لو أخبرتك أن هذا العالم مزيف و علي الخروج فماذا ستفعل ؟ "

أجل هو قرر الحديث بما يريده سريعاً عله يهرب من كل هذا قريباً !

الحاكم رمش قليلاً قبل أن يرفع رأسه ليُحدق بابنه الثاني بشيء من الحيرة و الدهشة ، هو سمع من زوجته أن ريكايل استيقظ بينما يبدوا مريضاً ؟ و كونه افتقد ازعاجه اليوم رغب بالذهاب و الاطمئنان عليه بنفسه بعد انهاء بضع أوراق إضافية ..

إلا أن ابنه و كالعادة يصدمه ككل مرة بتصرفاته الغير متوقعة ، و رغم ذلك هو ترك الأوراق من بين يداه لينطق بهدوء :" أُرسل لطبيب القصر ليتفحص حرارتك و مؤشرات عقلك الحيوية ! لكن لدي رغبة بمعرفة ما هو المزيف به ؟ "

تنهد ريكايل بينما حدق به ، بتلك الملامح التي يشعر أنه اشتاق لها رغم كل شيء ! هو حقاً يُحبهم بل لوهلة هو يظن أنه بعالم مثالي لحياة مثالية !

خطواته قادته للجلوس على المقعد مُقابلاً له :"  شيء هنا كذلك لقد تعرضت لهجوم ما ! فقط لم أتوقع أن يكون عالمي المثالي بهذا القصر ! أو لا أعلم حقاً ما يحدث من حولي "

هاريسون رفع أحد حاجبيه ليجلس بجواره :" و أين يُفترض به أن يكون إذاً ؟ أعني أنت أين يفترض أن تكون ؟ و إن افترضت أنني صدقت كلماتك فلماذا لن يكون منزلك ريكايل هو المكان المثالي لتعود له ؟  "

جملته الأخيرة نطقها بحنان و عطف يندر ظهوره عليه و هذا جعل الأصغر يبتسم بسخرية بلا شعور بينما يُجيبه :" مع من بعتني إليه أبي ! "

جُملته و ملامحه تلك جعلت الأكبر ينهض بحاجب مرفوع يضربه على رأسه بخفة :" أنت حقاً بحاجة لمُساعدة ! أين كنت ؟ و ماذا كنت تفعل تبدوا مريضاً بجدية ! هل شربت شيء ما بالأمس ريكايل !  "

و المعني وضع إحدى يداه على رأسه و هو ينطق بعبوس طفيف :" ستكون لطيف هنا معي فهو عالمي المثالي بعد كُل شيء !"

مُجدداً هو يكرر هذا الحديث الغير مفهوم بشكل كُلي ! إذاً أوليس عليه مسايرة كلماته تلك ليرى إلى أين قد يصل كلاهما ؟

- :" حسنا بُني دعني أساير لعبتك هذه ، ريكايل كيف دخلت بهذا الوهم كما تقول ؟ "

رمقه ابنه بهدوء بينما يُجيب :" الاعداء ادخلوني به ، أذكر أنني كنت بوسط معركة ما !  "

ابتسامة خافتة ارتسمت على شفتي هاريسون :" إذاً هذا المكتب و أنا و المملكة كل شيء حسب ذكرياتك أنت و إلا كيف لأي منهم معرفة ما قد أقوله ؟ "

عبارته تلك جعلت الأصغر يقطب حاجبيه بينما يُجيبه بنوع من التفكير  :" ربما لأنها تدخل للأمنيات الخاصة بي ؟ "

آمال والده برأسه و هو يشاركه تلك الأفكار  :" ربما لكن لازال سيكون هناك بعض المنطق بالشخصية ! أنظر لن يمكن لأحد اختلاق هذا من العدم صحيح ؟ و أنا أُدرك تماماً أنني مهما حدث لن أقوم ببيعك ريكايل "

قطب ريكايل حاجبيه بضيق و هو ينطق :" ليس بيعي بقدر أنك وهبتني لملك مصاصي الدماء مقابل صفقة حماية ! "

أسند هاريسون جسده للخلف و قد قطب حاجبيه بشيء من الشك :" ريكايل هل أنت بعالمك الذي تتحدث عنه مريض ؟! أعني قبل تحولك أكنت مريضاً ؟ أتم عزلك بغرفة أو بجناح ما وحدك ؟ "

كلماته التي صدرت منه بكل هذا الشك جعلته يحدق به بشيء من الريبة بل و لسبب هو بذاته يجهله شعر بنبضات قلبه تتصاعد بينما يُجيب :" لا أذكر أنني كنت مريضاً لكن أنت عاقبتني بالبقاء ليس بجناح مختلف فقط بل ببرج آخر ! "

شيء من الشحوب ظهر على ملامح الأب الذي أخفض بصره فهل هو جُنَّ أيضاً ؟ لكنه بأي حال نطق :" أنت قبل ذلك العقاب أخذت ريك و ذهبت للمكتبة المُحرمة كالعادة ! و يفترض أنك تعرضت لهجوم ما هناك ، إبرة ما تم غرزها بك أحدث هذا ؟ "

تلك النبضات ازدادت أكثر و هو يومأ إيجاباً ! لازال يذكر أنه شعر بوخزة الإبرة و ابتسامة صفراء من أحدهم و لكنه لم يخبر أحد عن ذلك ! فهل ريك أخبرهم ؟

هاريسون قاطع أفكاره عندما تابع بخفوت :" تلك الإبرة تحتوي على سُم ما , هي كانت لتقوم بحرق أعضائك من الداخل مُسببة ألم فظيع للغاية ريكايل ! ألم لا أحد منا كان ليتمكن من أخذه منك يا بُني ! يفترض أننا وجدنا علاج ما لها , لكن إن كان الواقع الذي تتحدث أنت عنه موجود فعلى الأغلب تحولك كان جزء من إنقاذك فمصاصي الدماء لن يتأثروا بسُم كهذا ! "

أخفض رأسه و هو يتابع بنبرة مليئة بالألم :" تلك الأيام كانت الأسوء بالنسبة لي ريكايل ! هي حقاً كانت فظيعة , و على الأغلب أنا أرسلتك معهم دون إخبارك بالحقيقة لأنه من المستحيل أن أخبر طفل ما بأن جسده سيحترق و عليه لئلا يحدث ذلك أن يبتعد ! سأفضل أن تكرهني على إرسالك بعيداً على أن أحدق بملامحك الطفولية تلك بكلمات كتلك "

دموع ريكايل كانت قد إنهمرت بينما بدأ بالسير للخارج هارباً  من كُل شيء ! , كل تلك السنوات مرت من حياته و هو يعتقد أنهم من لا يرغب به , إن كان ما سمعه الآن حقيقة فهل عليه أن يلومهم أيضاً ؟ هذا حقاً ليس عادلاً و أبداً .

قلبه يؤلمه للدرجة التي جعلته يتجاهل توأمه الذي حاول إيقافه ليغادر القصر بأسره ! تلك الحقيقة لابد أن سيده و أميره يدركانها جيداً إذاً لماذا لا أحد أخبره بها ؟!

كيف تركوه يظن أنه فقط مرفوض حتى بقبيلته و مملكته ؟ أي عذر هو ذاك ؟ و الأهم من كل هذا أعليه تصديق حقيقة كهذه حقاً ؟ أم يوجد من يحاول خِداعه و تشتيت أفكاره ؟ ...

خطواته و كل ما حوله توقف فجأة إذ احتدت عيناه و حدق بنقطة ما أمامه بشيء من التركيز هُنالك حيث يسير شخص ما يرتدي معطف طويل باللون الأبيض و يُخفي ملامحه بقبعة واسعة متصلة به !

هو أراد الهجوم بالفعل لولا أن المعني ظهرت ملامحه مع اقترابه منه و فقط ألا يُشبه هنري ؟ الساحر الذي وقعوا بعالمهم ؟

و صوته أكد للأكبر هويته حيث نطق بشيء من الاختصار :" تم تنفيذ هجوم ذهني عليك و على رفاقك ! هو قد يؤدي للموت بالحقيقة لكن سأخرجك منه الآن ! "

شهقة سريعة صدرت من جوفه و قد بدأت ذاكرته تصبح أكثر وضوحاً حتى اتسعت عيناه بالنهاية ليتمتم :" سيدي ويل ! أرجوك أسرع "

أومأ هنري له و هو ينطق بنبرته الهادئة و التي تميل بطبعها للبرود :" أجل ، بأي حال هنالك من يحاول إيقاظه و البقية أيضاً "

•√•√•√•√•√•

خُصلاته ذات اللون القُرمزي انسابت بكل نعومة حول ملامح وجهه بينما مُقلتيه الصفراوتين حدقتا بالسقف بكل هدوء ! , هذا المنزل أوليس منزله ؟

كيف عاد هو للمملكة ؟ و ماذا عن ريكايل ؟ و البقية ؟ و مملكة السحرة حيث هنالك من يمكنهم تحويل البعض لعجائز ؟! و بمناسبة العجائز تلك لما هو يشتم رائحة الخُبز الساخن الذي كانت جدته تُعده له في ما مضى ؟

نهض من فِراشه الأرضي بشيء من الريبة و قبل أن يُدرك هو حتى ذلك قفز للخلف مُتجنباً تلك العصى التي هبطت فجأة من العدم بنية إصابته و قبل أن يصحو من صدمته صوت ضحكاتها ملئ الأركان بينما تهتف :" فقط ثانية واحدة و كان وجهك الوسيم هذا ليتحول لآخر بشع ! "

فتح فمه قليلاً بصدمة قبل أن تعود ملامحه الهادئة و المتملمة ينطق بلا اهتمام :" ماذا تفعلين هنا أيتها العجوز ؟ ظننت أنك متِ مُنذ سنوات طويلة بالفعل ! "

ضربة أخرى هبطت عليه إلا أنها أصابته هذه المرة ليتأوه بألم يحاول تدليك رأسه ! هو حتى تمتم كما لو أنه طفل بالخامسة :" لاتزالين مُتوحشة رغم ذلك ! ألا يفترض أن تكون الأشباح مرئية لكن غير ملموسة "

و العجوز قلبت عيناها الواسعة ذات الملامح المُشابهة للشاب أمامها غير أنها بدت أكثر نعومة منه رغم عمرها الكبير بالفعل ...

- :" حفيد سيء ! ألا يفترض بك احتضاني أو ما شابه ذلك ؟ "

حدق بالمكان بهدوء قبل أن يميل برأسه بشيء من الخفة و هو يُجيب ببساطة تامة :" ثم قد تقومين بطعني بخنجر ما ؟ أو تتغير هيئتك أو تدسي لي السم بالطعام حتى ! من قد يثق بشبح عزيزتي ؟ "

و المعنية شهقت بخفة بسيطة و هي تحرك رأسها بشيء من اليأس :" لا تزال كما أنت أيها الطفل ! لا يمكنك الوثوق بأحد ! لم أنسى كيف أنك كُنت تأتي لي بِصغرك تبكي متوعداً إياي بأنك ستكرهني للأبد إن طردتك للشارع كما هي الرواية ؟ "

و المعني فتح فمه بشيء من الاحراج ! أجل هو فعل ذلك أكثر من مرة ، لا بل هو حرفياً لم يثق بأي أحد ، لطالما كان غريباً ذو تفكير مأساوي ؟

يرى أن الرويات و ما يراه بالخارج كلها أمور تقع بسبب الثقة ! و أن لا أحد يحب الآخرين إلا لأجل مصلحة ما لا أكثر ... و حسناً هو هدد جدته مئات المرات أنها لو ألقت به للشارع أو كرهته فهو سيكرهها أيضاً ...

لكنها ماتت بعد صراع طويل مع مرض لا شفاء به ، هي قاومت المرض بكل قواها لئلا تتركه بالنهاية بل همست له عندما فاضت قواها بأنها حقاً حاولت ذلك ! ..

تنفس بعمق ليبعد تلك الأفكار عنه بينما يتجه لطاولة المائدة الموضوعة بالمنتصف يهتف بشيء من الهدوء :"  و إذاً ماذا ليس و كأنه لا يوجد عجائز أشرار قد يطردون أحفادهم ؟! "

أكمل بعدها بشيء من الخفوت :" رُغم هذا و مع أنني أكره الآخرين و بِشدة لكن بطريقة غريبة وجدت نفسي بِمُهمة قتالية بِقارة مجهولة بها قِتال و مع فرق مُختلفة طوال الوقت هذا إن تجاهلت وجودي رفقة ثلاثة من قبيلتنا ! الأمير الثاني ليون و نائب قائد جيوش المملكة المُختل آلبرت ، و فتاة نبيلة مُسترجلة ! "

تابع بشيء من الانغماس بحديثه دون أن ينتبه :" هُم حقاً غريبي الأطوار ! لكنهم جيدون ربما ؟ علاقاتهم ببعض متينة حقاً و هنالك مصاص الدماء المتحول ريكايل هو الآخر جدياً غريب للغاية لكنه دافء بطريقته الخاصة "

انغماسه بوصفهم بتلك الطريقة الغير المعهودة جعلت الأكبر سناً تبتسم بدفء حقيقي ! حفيدها ما عاد وحيداً و يبدوا أنه كسب رِفقة جيدة حقاً و كم يُسعدُها هذا ...

هي بدأت تتلاشى فجأة بينما ظهر صوت لفتاة ما بدى ساخراً :" كم أن حياتك خالية من الهموم حقاً ! "

ذلك الصوت هو يعرفه جيداً ! ألا يعود لتلك الهجينة التي ما عاد يذكر اسمها حتى ؟! ...

رمش عدة مرات و قد احتدت عيناه مع اختفاء كل مصدر للضوء من حوله ...

لكن فقط لثوان و ظهر ضوء مُختلف ليظهر كلارنس له فجأة بشكل مُختلف عما يعرفه به ؟؟

الأكبر نطق أولاً :" حمداً لله أنك بخير ! أنت و رفاقك تمت مُهاجمتكم ذهنياً و الموت أو الاصابة تعني الموت الحقيقي ! سأوقظك الآن منه "

أومأ له صاحب الخُصلات الدموية بشيء من الهدوء التام بانتظار أن يصحو من كل هذا ...

___________
*******

### القارة المجهولة ###

- :" سيدي أنت غاضب ؟ "

مُقلتيه التي التمعت بلون القمر حدقتا بخاصة الأصغر الخضراء ، الألم كان بادياً على كلاهما !

لم يبدوا حتى أن الحديث قد يكون له أي معنى ، بل ما هو ما يجدر قوله حتى ؟

ذلك جعل الأصغر يُشيح بوجهه عنه دون أن أي نوع من الإجابات ! و أي إجابة هي هذه ؟

أهو غاضب ؟ بالطبع و بشدة هو كذلك لدرجة تجعله راغباً بتحطيم هذه القارة بمن عليها ، و تحطيم رأس عبده الذي هو يفترض رفيقه ، لا بالنسبة له و ما لم ينطق به قط هو ' أسرته ' ...

الدفء الوحيد الذي لم يتغير قط ، لم يترك يده مُطلقاً و حافظ على وعوده كلها ، آندريه الشخص المميز الذي اقتحم حياته قبل أن يكون قادراً على السير بشكل متوازن حتى ! ..

ساعده ، قام بتعليمه ، حمايته ، ابتسم لأجله و قاتل و فعل كل ما لا يمكن لأي مخلوق فعله مجدداً لأجله هو ...

رآه يتعذب مئات المرات لكن دون القدرة على إيقاف ألمه حتى ، بل لم يكن يحق له القتال لإنقاذه فأي بذرة شك بأنه يحترم و يحب عبده ستعني إعدام الثاني بلا أدنى اعتبار أو ندم ، تلك القوانين التي سيحطمها بيده عندما يعتلي العرش ...

لكن إن حدث للأكبر أي مكروه فماذا ستكون فائدة كل هذا حقاً ؟!

بما قد يُفيده ذلك ؟ ذلك الهجين اللعين سيتأكد من تحطيم أنيابه قبل أن يتجرأ و يقترب منه ! و إلا فلن يكون لأي شيء بعدها أي معنى ..

أفكاره كانت تزداد ظُلمة بشكل تدريجي و كل ذلك كان واضحاً من هالته ، مُقلتيه و ملامحه التي ازدادت كآبة ، و هذا دفع الأكبر لتجاهل كل شيء حقاً و احتضان سيده من الخلف !

هو همس بنبرة مليئة بالألم :" آسف ، أُقسم لك أنني لم أستسلم بعد له ! أنا لا أود الرحيل ليس قبل رؤيتك تبتسم ! ليس دون مُشاهدتك تعتلي العرش ، أرغب بالذهاب لأسرتي التي أخبرتني عنها ثم إن أذنت لي سأعود رفقتك لأنني لن أفضل التحرر من قيود العبودية إن عنى ذلك ابتعادي عنك ! "

مشاعره كانت صادقة هو الآخر ، بالنهاية سيده هذا كان أول من دافع عنه ! عامله بلطف و لعب معه ، تأكد من إطعامه و تدفئته بل و إيجاد غرفة قريبة من جناحه فاخرة ! ، هو فعل الكثير جداً بوقت كان هو لا يذكر شيء عن نفسه ، بل بحث له عن أسرته الحقيقية ...

فقط من قد يفعل هذا إن لم يكن بمرتبة فرد من أسرتك أيضاً ؟!

و كيفين حافظ على صمته فقط ليغرق كلاهما بذلك الصمت بينما كان كل من جيس و آيزاك بموقع بعيد نسبياً حيث رغب الحاكم بِمنح السيد و العبد القليل من الوقت ...

_________
******

### البُعد الآخر ###

شهقة بدت و كأنها خارجة من فم فريق توقف عن التنفس لدقائق صدرت من حوفه فوق أن فتح مُقلتيه ذات اللون الأزرق الداكن مُعتدلاً بجلسته كما لو كان مُنتفضاً إثر كابوس ما ! ...

و بِجواره كان هنري جالس بهدوء يُراقبه فقط مُعطياً إياه المُدة التي يحتاجها ببساطة ليتمالك نفسه بعد أن أوقظه من ذلك الهجوم .

هم لا يمكنهم حتى مُحاولة البحث عن المُتسبب به ، ليس قبل نجاحهم بإيقاظ كل من علقوا بهذا الوهم و إلا فالموت قد يكون مصيرهم ! ..

التفت للضيف الذي نطق بنبرة شبه تائهة :" أين هو سيدي ويل ؟ "

آمال المعني برأسه مُحدقاً به ، بصره مُشتت كما أفكاره على ما يبدوا و رغم هذا هو يُطالبه بالذهاب لرفيقه السيد ؟!

لو أنه قابله قبل تعرفه على لوسيان لربما لم يفهم لما كل هذا القلق لكن الآن و بوجود لوسيان كمصاص دماء تابع له بات يدرك نوع هذه العلاقة ...

تلك التي بِظاهرها تبدوا لسيد و خادمه و بِعُمقها هي تحتوي على الكثير من الدفء و الاهتمام ، صداقة حقيقية أكثر من غيرها ..

لذا نهض بينما ينطق بابتسامة صغيرة نادرة :" إن كُنت قادر على النهوض سآخذك إليه الآن "

و جُملته تلك شتت أفكاره عما رآه تواً بذلك الحُلم أو الهجوم ليومأ له إيجاباً و يقف بهدوء ...

و فور أن لامست قدماه أرضية تلك الغرفة حتى تم اقتحامها من قبل نيرو و ريبيكا رفقة كُل من كلارنس و ريو أحد السحرة المتواجدين بالمكان !

ابتسمت الفتاة الوحيدة بينهم و هي تهتف :" يبدوا أن الأوسم يستيقظون أولاً ! "

رمش ريكايل قليلاً قبل أن يقلب نيرو مُقلتيه الصفراوتين للأعلى :" أهذا وقتك حقاً ؟ علينا رؤية البقية ".

شهقت المعنية فوراً تنظر له بحاجب مرفوع :" هو دائماً الوقت المُلائم لرؤية أو امتداح الوسماء عزيزي ! "

هنري حدق برفيقيه لينطق كلارنس بتقطيبة هادئة :" كارل و ليو للآن لم ينجحا بالدخول للآخران فما بالك بمحاولة إيقاظهما ؟ "

جملته تلك أعادت انتباه البقية لهم فوراً ليتقدم ريكايل منه :" ألا يُمكنني المُساعدة حقاً ؟! "

نظر كلارنس له بخفة قبل أن يبتسم بمرح :" توجد طريقة بمساعدتكم لكنها ستعرض حياتكم للخطر مُجدداً فنحن يمكننا إدخالكم لعالم كل منهم "

ابتسمت ريبيكا بخفة و هي تتكتف :" الدخول لعالم أكبر شيطان عابث ! موافقة بالطبع "

لم يكن هُنالك أي معنى لأي كلمة أُخرى فكل شيء واضح من أعينهم التي التمعت بالكثير من العزم ، الثقة و الإصرار مع عدم التردد فبالنهاية أوليس هذا ما يفعلونه دائماً القفز للأخطار ؟

و الآن هم ببساطة متجهون للقفز بخطر جديد لكن لأجل رفيق و هذا أكثر من كافٍ بالنسبة لهم لتتشكل ابتسامة ما أثناء ذلك ..

كل من ريبيكا و نيرو رفقة كلارنس كانوا يقفون أمام جسد آلبرت ليبدأ الأخير بالتمتمة بعدة كلمات مُظهراٌ وميض أبيض قبل أن تنهار اجساد الثلاثة أرضاً مُعلنة عن انضمامهم للآخر ...

و بغرفة أُخرى كل من ريكايل و كارل كانا قد انتقلا لعالم الأمير ويل ...

_____________
********

الرياح كانت تعصف كما لو كانت مجموعة من الأعاصير الصغيرة المتجمعة آكلة معها كُل ما بطريقها ، مُحطمة إياه كما لو كان لا شيء ...

و ذلك ما كان سوى هجوم قام به قائد جيوش السحرة آرثر و الذي وقف بالمقدمة أمام رفاقه بالفريق ، خُصلاته الداكنة تطايرت بشكل عشوائي بينما ملامحه كانت حادة بشكل نادر !

مُقلتيه الزرقاوتين لم تهتز رغم سوء موقفهم ربما ! فهل هو قد يستسلم بتلك السهولة حقاً ؟

هذه الغابة مجنونة بشكل كلي ! مليئة هي بالزهور العملاقة و الحشرات آكلة اللحوم على ما يبدوا ، و مُجدداً هم مُحاصرين تماماً ..

و الآن الرياح التي يُنتجها هو بِسحره ابعدت مجموعة منهم بالفعل لكن لازال هنالك من لم يتأثر حتى بها ..

بِجواره تماماً وقف رفيق طفولته بينما ابتسامة خافتة ارتسمت على شفتيه يُبعد معطفه عنه رافعاً اكمام قميصه الأبيض قبل أن ينظر لآرثر بمقلتيه الخضراء الندية و كأنه يُخبره بما ينوي فعله دون حديث و حقاً ذاك كان كافي للأول الذي أعاد تنظيم رياحه بشكل سريع و ما إن فعل حتى بدأت شُعلة حمراء تلتف حول الرياح التي عادت للتحرك و المهاجمة لكن هذه المرة هي لم تقتلع فقط ما أمامها بل و بدأت بإحراقهم !

و من الخلف تينا كانت قد أظهرت مخالب كما مصاصي الدماء تهاجم كل ما يقترب منها بينما وقفت إيما على مقربة منها دون إدراك و بيدها تُمسك بسيف هي ما أتقنت حمله جيداً بعد لكنه أفضل من لا شيء صحيح ؟

مشاعرها الغاضبة كانت المُحرك الأساسي لها ، الكثير من المشاعر التي عادت لها بفضل هذه المُغامرة السخيفة ! ...

مشاعر هي ما رغبت بعودتها قط و رغم ذلك بالخوف قطعاً ما غادر قلبها ، هي حقاً لا تود الشعور بأدنى ألم ..

خائفة حقاً من أن تشعر به و لو كان بسيطاً فهل قد تمنحها الحياة حقاٌ رغبة كهذه ؟ و فقط أوليس هذا حقها ببساطة ؟؟ ...

🌱🌹 نهاية الفصل 🌱🌹

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top