1| Torᥒ ιᥒ Tᥕo
ᔑoᥒɠ : Aᥲrყᥲᥒ Shᥲh - Rᥙιᥒs.
•••
المؤثر؟..، إنّ خلف آدم منبع إخراجه، قِدْر مجوف به أنانية ولذة مشوهة؛ فاشحة تُعتقُ بنبيذ أموال باردة. الواقع كواليس مسرحية دمى تهتزّ للإشعارات، أحببته مغرية وتفاعل بتعليقات معتمة تارة وأخرى جنسية. كلما تجاوزتَ المليون ستعد الأشهى بينهنّ على الإطلاق.
لقد أعجبني ذلك الشريط الفارغ محتواه ومهما كانت رسالته وإن لم تخلق منذ البداية، المشاهدة تعتمد معايير يحددها المتلقي، أن تكون انعكاسًا لشهوة أنفسهم، تلك المثالية الخانقة فوق السحاب وقطعٌ محرمة على طبق من البلاستيك مجانًا.
الأجمل على شاشات الهواتف، مؤثر ينتشر بين البشر، يتكاثرون ليتنافسوا على لقب الأقوى ظهورًا. متابعون بالملايين ذريعة لهم، تنحني بها القيمة تحت مؤخرة أنظار الآخرين؛ فإدمانهم والربح قرينان.
هم مجرد أرقام ترتفع وتنخفض لعروض الدمية المثيرة..إن ذلك المؤثر للبيع.
ما من منكرٍ أنّ المؤثر أُقتبس من ضلع الإثارة قصد التأثير، ألوان مشعة والمنقي الذي يسبق التبرج كان رضيعًا لأغلى المركات؛ إنه روتينهم الصباحي.
أضواء من كل الجهات حتى تعمى البصيرة من الدهشة وكأنّ الموناليزا تنهدت من الضجر، فتلك الكاميرا شاهد يوثق وينبثق منه ما يسمح بمروره فقط. عدستها مغطاة بغبار الإختلاق، أشهرت أنيابها وبهنّ سُحِبَتْ تلك الأنثى من بانكوك فتهاجر صوب سيؤول كسائحة دون عودة. موجة الهاليو تلف حبالًا ناعمةً حول أعناق محبيها، تفرز ما تستحوذ به على مخيلة من يجرب تعاطيها رغبة في الاستكشاف.
تلك الحقيبة الخضراء والقليل من ثيابها كانوا خلفها، اعتقدت أنّ العمل متاح ما دام إتقانها للغة الكورية والإنجليزية نقط مضيئة بسجلها. لكنّ محل البضاعة وحتى مركز التسوق بحي هاندونغ كان لهما رأي آخر. ليست بمواطنة كورية، وجودها بسيؤول غير قانوني، هيئتها وبطاقة هويتها تلقتا الصعق بأعينهم العنصرية.
بمشقة استطاعت أن تعثر على قبرٍ تلتجئ له، ذلك الكوري الأربعيني لم يتقبل طرح بند التخفيضات، يدعك العلكة بفمه ثم بربع ما اكتنزته جاء كثمنٍ لستة أشهر كتسبيق وسرير لفرد وحيد بغطاء دافء أزرق اللون.
تحرشت بها حدقتاه السامتان وتغاضت عنهما، خشيت أن تتسبب بمشكلة ستكون عقبة بطريق اشتغالها هنا. غادر وانسحبت بعده لتشتري الكيمباب وقنينة مشروب غازي من المحل الشعبي الذي يقابل نافذتها. ظلت مشتعلة لهذا الشوق ولم تنم؛ فالسعادة قد غمرتها وإنّها ببلد أحلامها. أشرقت بها الشمس وتجهزت لتجري محاولات إيجاد عمل يعيلها حاليا. كلما تطرق بابًا تُقتلع من إطاره مرفوضةً، حتى متجر الحي المنبوذ الذي أصبحت تقطنه، قد غادرته بينما مالكه أشعث الرأس نعثها بالأجنبية.
لم يتدفق الندم إلى داخلها بعد، تدرك أنّ نسبة غبية من سكان هذه الأرض كارهون لغيرهم سواء كانوا من بني عرقهم أم لا. تشبثت بعزمها ولم تكتفي بما قد استقبلها، فتشاجرت بنهاية يومها وامرأة عجوز قد ضربت وجه التايلاندية بطرف العكاز لأنّها لم تنتبه واصطدمت بها. الجميع بذلك الشارع تجاهلوها، اعتذرت، لكنّ تلك السيدة لم تبتلع ذلك، فانعطفت ناشا في حين أخذت شتائم فادحة بحقها.
تلقت خيانة دموعها، لم تقوى على لمس وجنتها المتضررة، فلم يسعها أن تكبح شهقاتها لتبكي بتلك الغرفة. ذلك ما خططت له لكنّ بيتها الجديد قد أقتحمت بوابته، إنه فارغ تمامًا وما كان بحوزتها تلاشى بين الضباب.
خارت مقدرتها ودخلت لتسبح بتلك الأرضية النائية، ارتعشت أطرافها ثم صرخت بقهرها فباغتتها أيادي ذنيئة أحاطت خصرها. لفحت أنفاس ثملة على رقبتها وتخبطت لتتحرر، دحرها ذلك الرجل المبلل بالعرق النجس، فارتطم ظهرها بصلابة الزليج العسلي وتأوهت.
اعتلاها وركلته بقدرتها المرهقة، فجاهد على تكبيل ذراعيها بكفيه وساقيها بين فخديه.
«دعني..أيها..»
صفع جرح فكها فتشهق متوجعة وسكب لبّ قنينته بفمها، قذفت ما شربته بوجهه وحينما أثوى بجذعه إليها داهمت جبهته بجبينها.
تراجع بصياحه وضمّ جمجمته بين يديه فور ما أسقط القنينة من اليمنى، لملمت رباطة جأشها واستأثرتها لتهشمها بالأرضية، استقامت بترنح واحتمت بتلك الحواف الحادة، فبقيّ حذرًا حالما سارت وتأهبها.
عندما حصدت فرصتها قذفتها نحوه لتهرب وانطلق خلفها لاعنًا. لم تلتفت له بل أكملت ركضها الهستيري وأسرعت لتنفلت منه وتغار زقاقًا مسدودًا بخاتمته باب حديدي. طرق صدرها طبولًا وصدى عجلات كانت تقترب منها، غيهب انقشع منه كيان فوق كرسي متحرك لم تعرف ماهيته حتى صار بقربها.
أحس بأنّ خلوته اندثرت بأحدهم، إنه بصير بأريج نسائي وتنفس ثقيل يرتجف.
«أهناك مشكلة سيدتي؟»
سأل بلطف وفاجأها فقد كان يحادث الجدار، تسللت قدمها لتطأ رجله وركلتها بخفة، لم يبدي ردة فعل، فتيقنت أنه مقعد، ملامحه لم تكن واضحة، لكنّ أصابعه تحرشت بالحائط وكأنه يبحث عن شيء ما.
«لقد..، تمت سرقتي.»
ردت بصوت منخفض يعبق باليأس، لم تعي لما قد صارحته، أرادت أن تخبر أحدهم، نقوذها وملابسها وحاسوبها المحمول، هاتفها أيضًا خسرته، لا تمتلك سبيلا للعيش إبتداء من الآن.
أنامله عثرت على مدخل المفتاح وداعبه ليتقدم ويتواجه إزاء الباب، كدح حتى يجد مكانه ثم أداره مرتين، سكنّ ببقعته لثوان ثم تمتم برنة خجلة.
«أ..رجاءً..، اِدفعي الكرسي قليلًا.»
استعمرت مقبضيه وساقته ببطء إلى غرفة المعيشة، ابتعدت عنه لتسترجع المفتاح وتقفل خلفهما فمضى بمفرده بتلك الظلمة الحالكة. ذراعاه تسبحان بالسماء وكأنه يحاول إلتقاط ما يخصه، ارتطم بالجدار أخيرًا وأدركت يداه موضع زرّ الإنارة.
أشعل الضوء على غير عادته فتتجمد تلك من الذهول، إنه رجل لم ترى أمثاله سوى على صفحات المجلات، خصلات بنية تستريح على جبهة بشرته البضة الآسرة، شفاه زهرية يترصع فوقها أنف جميل انبسط حينما تبسم مخاطبًا إياها.
«يستحسن أن نغلق الباب بالمفتاح كذلك..، هذا الحي سمعته ليست جيدة.»
همهمت واستدارت محترسة منه، وضعت المفتاح بموضعه وتركته دون أن توصده، لم تطمئن له، بقيت بموطئ ساقيها تنتظر حركة منه. إلى الآن ينظر وينظر لكنّ عيناه لم تقعا نحوها مباشرة، نزعت حذائها وتتبعته بينما تقدم وحرك يده مجددًا ليعثر على الأريكة وطبطب على وسادتها.
«تفضلي سيدتي.»
أدبر بتلك الوضعية فتكهنت أنّ به علة، اتجه إلى الطاولة التي قد حفظ مكانها، وبصعوبة صادف آلة القهوة، كوبها النظيف كان بجوارها فتحسسه ليتأكد وكدّ ليريحه بمجلسه.
عندئذ تلقفت صدمة أنه أعمى كذلك، قلصت المسافة عنه ومررت راحة كفها أمام مقلتيه فظلّا بؤبؤاه على حالهما.
«أنت..كفيف؟»
همست فغمغم مبتعدًا عن سؤالها عندما اهدودرت القهوة من تلك الفوهة.
«هل امتلأ الكوب؟»
«أجل.»
فاهت ليخرجه ويمده لها وقوله الهادئ.
«هناك غرفة إضافية بجانب الحمام..، سأتصل بالشرطة ليعثروا على السارق.»
«لا!»
دوت بسخط فخمد منتظرًا، وانفجرت بحرقتها دفعة واحدة:
«لا أود العودة إلى بانكوك!..، تعبت وجمعت المال لخمس سنوات كي أحيا بحلمي!..، لكن..»
تحطمت نبرتها لتتزين بالشجن وانتحبت قائلةً.
«خسرت..، كل شيء..، لما..، حدث معي هذا!..، لماذا؟»
نقب عن مقبض بوابة الفرن ليفرج عن صحن كعك بالعسل أقره على المائدة.
«لا تخبر الشرطة!»
أومأ نافيا ثم سلّ من سترته هاتفه وحادثه ليطلب اتصالًا بشخص يدعى العم غونبو، لم يطل الرنين حتى رد بمرح.
«بيكهيونآه!»
«عمي..، كيف حالك؟»
هتف برقة فتنهد الآخر وأجاب مثرثرًا ببشاشة.
«كما عهدتني يا فتى!..، هل تناولت عشائك؟..، ماذا تشتهي؟»
رسم ذلك الشاب بيكهيون بسمة حنونة ثم تلفظ.
«أحتاج وجبتين من سوندوبو.»
«اِثنتين؟..،.سورام برفقتكَ؟»
دفع بيكهيون الطبق إلى الأمام ورد.
«كلا..، هناك صديق قديم جاء لزيارتي..، سيقطن برفقتي إلى أن يزيح مشاكله.»
همهم ذلك الرجل ثم أجاب.
«عشر دقائق، سأبعثهما مع يوجونغ!»
فصل ذلك الأشيب الخط وكانت كالصنم تراقب وتزدرم تلك الكلمات بدواخلها، لم تستوعب سوى أنها مقصد حديثه وسيبيح لها البقاء ببيته، فلا صديق بينهما.
«أنت جاد؟»
«بخصوص سكنكِ بالطبع..، المنزل لكِ.»
زمت ثغرها لثوانٍ ثم فتحته عندما قالت بإستغراب.
«أنتَ لا تعرفني.»
«إسمي بيون بيكهيون.»
سكتت فشيد إبتسامة مبتهجة ثم تمتم.
«أرحب بكِ.»
هذه الليلة قد غيرت حياتها جذريا، لم تصدقه، أخذت الحيطة جيدًا ولم تتناول ما قد جلبه المراهق الذي أفرش الأكياس واحتضن بيكهيون بعد دردشة طويلة ثم رحل. الارتياع قيد جفنيها فلم تتمكن من النوم، لم تنسى ما تجرعته، عانقت ركبتيها بذلك السرير المريح فقد خمنت أنه يخدعها كتلك الوحوش بالشوارع الماضية.
عندما ضاقت ذرعا، أقنعت ذاتها بالتسلل لتشبع فضولها عن ما يفعله، استرقت لمحة من حجرته فكان يقاوم ليرتمي على فراشه، أوقع بطنه فوقه ثم تشبث بالملاءة ليسحب جسده شيء فشيء.
وقفت مقابلة له، حاول أن يستدير فخانته مقدرته، يده تلك نقبت عن الوسادة وجذبها لحضنه كي يبسط رأسه بها.
«تصبح على خير مينسوك.»
انغمس بجملته الحزينة وكانت الإجابة بتلك الغرفة، صورة له ولشاب بالعشرينات معًا بزي التخرج من الجامعة. ذلك الشك حوله أخذ يضمحل من اليوم واليوم الذي يليه، أربعة أشهر طوت صفحاتها وفاعتادت العيش بمنزله. أطفال بين المرحلة الإبتدائية والثانوية يأتون لحل واجباتهم المنزلية، علمت بذلك الوقت أن هذه الدروس الليلة وسيلته الوحيدة ليجني مصروفه ويرفض أن يأخذ المال إن أحضر أحدهم طعامًا.
الأجواء بالمنزل تكون صاخبة المساء، لكنّ صباحها مختلف، يجلب من محله المفضل ذلك الكعك المحلى وعلبة الحليب، ثم يختفي وكرسيه ليترك لها ملجأ فتختلي بحريتها حتى يبلغ موعد غدائهما ويأتي به.
لم يستفسر عن هويتها إلى الآن، ذلك الجزء أربكها واتفقت وخلدها على التحدث إليه. عاد من غيابه ومعه شطيرتين من لحم البقر المشوي، استلمتهما منه وكيسهما الورقي ثم أرسته على المائدة فقال بنغمة لينة محرجة.
«هذا ما تمكنت من توفيره.»
عضت لسانها ثم تعثرت بردها.
«إسمي..، ناشا..ناشا يونترارك.»
«ناشا؟..، جميل جدًا.»
ابتهج بإزالتها ذلك الحاجز، تحركاتها المتوترة بتلك الأرجاء تبعد عنه وحدته، لكنّ رغم تعامله الطيب ومشاركته لها بيته وما يبتاعه لمعدته فإنّ الفضول تجاهه يكاد يفترس مهجتها، صمتها الذي ظنت أنه سيستمر بترته مسترسلة بتعجب.
«لما تثق بي؟..، أنا..، أنت لا تستطيع رؤيتي!..، ماذا إن كنت سأؤذيك حقًا؟»
مدد شفتاه وأصدر همهمة عميقة ثم رد ببساطة قد فاجأتها.
«سيدة ناشا..، بحالتي هذه ليس لدي ما أخسره.»
تخلى عنها وسهوها فور ما أنهى عذره ثم ولى بكرسيه إلى الطاولة، تحسست أنامله خشبها ليجد إحدى تلك الشطيرتين ونبس مغيرًا الشحنة السالبة تلك.
«حصتي..، عثرت عليها!»
اختفى مجددًا بحال سبيله واكتسحها الملل، انشغلت بترتيب شقتهما في حين كان المتكلف بذلك، إعاقته لم تكن تعيقه، لا يحشرها بأعماله المنزلية، حافظ على اعتبارها ضيفة مرحب بها منذ ثانيتها الأولى بين هذه الجدران.
اكتشفت بخزانة غرفته هاتفًا وحاسوبًا محمولًا، ركبت شاحنيهما فتوهجتا شاشتاهما، كانا على ما يرام وتكهنت أنهما له، لكنّ الحاسوب فقط كان كذلك أما الهاتف فبصفحته الأولى ظهرت صورة صديقه الميت وطفل رضيع يقبع بذراعه.
لم تغص في التفكير كثيرًا، سلكت صوب آلة الأنترنت تلك وقامت تشغيلها فيتصلا الأخران بها مباشرة. إبتسمت لشعورها أنّ الحياة ستنصفها أخيرًا، إستقصت عن إعلانات للعمل، الثالث من بينها بمركز للتسوق، تتوفر بها جميع شروطه.
اجتاحت قبضتها الصندوق الذي يخزن به البعض من الأوراق النقذية للأوقات الصعبة وأغلقته فارغًا. لم تكثرت، خلعت قميصه الأبيض وارتدت ما كانت ترتدي يوم لقائهما.
بتلك المحلات لم يكن السعر مناسبًا لذلك البقشيش الذي تحمله، ذاتًا كانت واعية أنّ ليس بمقدرتها التقدم للوظيفة مادامت ليست مواطنة قانونية. الحصول على الجنسية صار هدفها بهذه اللحظة فعادت إلى البيت وأرجعت النقوذ لمكانهم، ثم ركزت بلوحة الحاسوب لتنبش عن طريقة سهلة لتفوز بها.
بالنسبة لأجنبي فحلوله محدودة، عقد عمل أو يجب أن يقيم لأكثر من خمس سنوات بسجل نظيف، أخيرهما أن يتزوج بشريكه الكوري لمدة سنتين أو أكثر. لم تستطع نسيان ذلك وعند قدومه بكيس العشاء تمهلت حتى تناولا الكميتشي معًا ثم دشنت ملحمة ذلك الموضوع.
«سيد بيكهيون..، أرجو مساعدتكَ بأمر ما.»
«بكل سرور!»
تمتم بحفاوة وإزدرمت ريقها لتجيبه بصدمته.
«كي أبني حياةً هنا..، أحتاج الجنسية..، ولا أعرف غيرك..، سيكون الإنتظار جحيمًا..، لكن..، إن تزوجتُ رجلا كوريا..، سيفتح ذلك أبواب مستقبل أريده بشدة.»
سكوته سبق رحيله إلى حجرته واتخذت ذلك رفضًا، كان متلهفًا ليحظى بوحدانية روحه، إنه من النوع الذي يقدس الارتباط ويرى أنه سيكون أمام الرب حينما سيقسم على حماية زوجته وحبها، كيف سيبيعه لأجل جنسية بلد ما؟
ذلك مبدأه، عندما أغرم بجوي، لم يطل الاعتكاف بعلاقتهما وطلب يدها، فقد ظنّ أنها ستكون بجواره دائما.
مخططاته الجاهزة تدمرت على غفلة منه، فما إن فقد مقدرته على السير وعثت به الدجى استرجع خاتمه منها كوادعٍ. كان يبني أمالًا كبيرة، كأن تربت على ظهره لتخفف ألم خساراته، صوتها المعتذر كان جافًا وأدبرت إلى عالمها المضاء، بصيرته كانت طليسة بخصوصها وحتى نية ناشا التي تهدر باستغلاله لم يفهم وجهة نظرها سوءً أيضًا، فإنّ لا بأس في مساندتها بما يستطيع.
هذه الشهور الأخيرة قلبت موازينه أكثر من الحادث بكثير، خوفه من وحدته الخرساء بمنزله إنقرض بمجيئها، طرقات حذائها وصداهنّ حوله أصبحنّ غطائه. أظهرت امتنانها له، فقد سجلّ زواجهما وصارت السيدة بيون، لم يكن هناك مقابل لخدمته كما قد صاغت له ظنونًا، انتظرت لأسبوع لتجترّ منه غاية موافقته.
كان يحتسي كوب قهوة بمفرده وهو يدندن كلمات أغنية مثالية لإد شيران، جلست بقربه فتبسم وأتمم غنائه. بحته الجميلة ترنمت بها واستسلمت لها إلى أن ختم كلماتها، فتصنعت السعال ثم افتتحت إستنطاقه.
«ماذا كنت تعمل قبل الآن؟..، متشوقة لأعلم قصتك بيكهيون!»
خسفت بشرته وتنهيدة مبحوحة أطلقها ثم أردف.
«مهندس إلكترونيات ونظم المعلومات، درست إدارة الأعمال أيضًا..، وقد كنت رئيسًا لقسم الإبتكار والتسويق بشركة عالمية..، أنتِ؟»
اندهشت ولم تعلق، أقدمت على إجابته بتبرم.
«تخصصت بالمونتاج والتصوير.»
«أحببتِ ذلك؟»
زفرت وأومأت ممتعضة من الواقع الذي حتم عليها تقبله لدرجة أنّها تزوجت معاقًا، ذلك ما كتب بذهنها ولم تصرح به خشية أن تطرد من مأواها.
«إنه كذلك.»
تعتعت فاستشعر ارتباكها واستفسر بحنو.
«منزعجة؟»
«أنت منقذي حقًا!..، بفضلكَ بعد سنتين سأحصل على الجنسية..، أهناك ما يمكنني تقديمه لك؟»
أفرش بسمته ونطق وجدانه بصدق.
«فقط اِبقي معي إلى ذلك الحين.»
«أبقى؟»
قطبت حاجبيها وأفردتهما عندما هزّ رأسه بالإيجاب.
«الهدوء مخيف يا ناشا..، حينما تعتمد على أذنيّك لتحيا.»
حديثه كان لغزًا لم تقرأه، لم تهتم لجعبته وتعايشت وإياه بجو دافء من جهته وقارس من ضفتها. الحاسوب كان منفعة لها، إنشاء محتوى ترفيهي للمكياج كان بدايتها والرقص بين شاشات التيكتوك سهلّ من انتشارها. لسنتين شيدت قاعدة جماهرية لا يدري عنها، أخبرته أنها عثرت على عمل بمجال التصوير ولم تنزله إلى القعر كليا كما لم يستبيح لذاته سؤالها فلا حق له.
العديد من الهدايا تتودد إليها والمنتجات تترجى أن تديعها بصفحاتها. حياة منعشة بأضواء الشهرة، لذا اِشترت منزلًا بأحياء النجوم وأُعتصرت من البغضاء بشقته الضيقة. لا سبيل لها لترتحل منها وإنّها لم تحصل على الجنسية بعد.
النفور كان طريقتها في مشاطرته مشاعر مختلفة، لم يعترف بصبابته نحوها لفظًا وكان يردد حروفها أفعالًا. مراعته تجعلها تشمئز منه وحينما ثملت إلى حد النخاع عادت بساقين خائبتين وارتمت راكعة إزائه.
استيقظ بلمسة يدها على وجنته بينما رسمت دوائر عليها بسبابتها ثم مضت بها إلى أنفه حتى تحط رحالها فوق شفته، تشتهي أن تكره حلاوة ما تقوله بشدة، ولكنه لا يساعدها بذلك، إنّه يغرقها بتحنن مميز تراه مقرفًا، ليس بكامل ولن يناسبها، شخص ناقص هكذا وصفته أفكارها فلماذا قلبها قد أحبه؟
الآن، أذهب الويسكي عقلها وتحررت منه، فخضع جسدها لوجدانها وقلصت المسافة بينهما لتقول:
«إنني كاذبة محترفة..، لكنني أصير فاشلة عندما..»
قهقهت وأسقطت جبينها على ذراعه، أراد أن يحتضنها لكنه لم يبتغي أن يستغل ثمالتها وكبح نفسه. رفعت حدقتيها إليه بنظرات خاملة وسافرت بوجهه الذي يدعي النوم.
«أنتَ..، أكمه عن الحقيقة..، بيون بيكهيون.»
تجشأت بضحكة مستهزئة، كانت تعلم أنّها ستندم لكنّ كبريائها يجيد التمثيل، تعامت عن هذه الليلة وتذكرها بمفرده ومهجته العاشقة، ليس ذا أمل يخصها، يعي أن موعد مغادرتها قادم، فحتى جوي أخبرته أنها ستكون وفية له ولن تتخلى عنه، القدر غير رأيها ولم يلمها، فمن ستدفن فروهتها اليافعة بنعش رجل مقعد أعمى؟
أرجع الحدود كما كانت، إبتسامته وتصرفاته تزيد الوجع بها، لم تلتفت إليه رغم ذلك، توجهت إلى منزلها الثري وتهيئت بفستان أبيض قصير وملمع شفاهٍ دموي قبالة مرآتها الخاصة. أضحت أخرى، بشعر مخملي وغرة مقصوصة إلى حافة حاحبيها، ولونت مقلتيها بعدستين كالبحر، كل هذه التحضيرات لشخصية تحارب الماضي بحلقة الإنارة وهاتف.
استعد لتتقمص دورها ثم شغلت كاميرة الأنستاغرام لتحيي معجبينها.
«أحبائي!..، إنه البث المباشر لهذا اليوم!»
قلوب تحلق بتلك الشاشة وتعليقات تتغزل بها، لم يعد الأمر ممتعا فتلك اللحظات اعتادتها، لم تكترث سوى لأحمر الشفاه الذي أنتجته شركة مرموقة فقدمت له إشهارًا، التركيز كان على ثغرها وجودة المنتوج وإنها الآن العارضة المسؤولة عنه.
تحدثت عن ثمنه وإعجابها به ثم أضافت إسم المنتج بتعليقها وزمز التخفيض بلقبها ميني. تسكعت بهذا الدور فستنشر شريطًا على التيكتوك للرقصة الشائعة بهذه الأرجاء، إشعارات الإعجاب انهالت على حسابها وذلك راق لغطرفتها، كلما اتبعوا ما تقوم به ستجني أضعاف ما تتوقعه حتى.
أطفأت جهازها ثم انتشلت محياها من صباغته ليتوارى بقناع أفحم، استترت بمعطف أسودٍ وقبعة كبيرة دهماء ثم استوقفت سيارة أجرة وإنّ بمرآبها أخرى فيراري حديثة الصنع.
دلفت حيه الفقير ذاك وترجلت حالما دفعت للسائق، بمدخل رواق الزقاق الذي يقع به منزله، انبلج بكرسيه وامرأة، تيبست ناشا بعيون جاحظة في حين أنزلت تلك الأنثى طفلة صغيرة من أحضانه ثم انحدرت راكعة لمعانقته ويداه حولها ليتخلل خصلاتها.
رفرفت ميني برموشها المرتعشة وكظمت غصتها، فمرت تلك الفاتنة والطفلة معلقة بذراعها، تجاوزتاها سيرًا وتلمح حينئذ تقاسيمهما المليحة، فتاة مدهشة الجمال، شعر قصير عسلي كعينيها وتفاصيل وجهها الأنيقة أصابتها بالقلق، فتلك الصغيرة نسخة مقلصة عنها.
أخفت انزعاجها وأسرعت، كان بغرفة المعيشة يعد القهوة، فداهمت هدوئه وقابلها بإبتسامة منتعشة.
«تأخرتِ يا ناشا.»
دحرجت مقلتيها متهكمة ثم طنزت.
«كيف تدري أنها أنا دائمًا وليس شخصًا غيري؟»
بحثت أصابعه عن السكين وقنينة مربى التوت ثم رد بنبرة جميلة.
«خطواتك ليست كالجميع.»
دست لسانها بجوف خذها ثم قضمته غيظًا تأجج عندما أبصرت كيسًا لعلبة الطعام أشار إليه بقوله.
«الكيميتشي..، لكِ.»
«سأنام!»
صفقت باب غرفتها حانقة، لم تتحمل أن تجد مكمن الغضب بدواخلها غيرةً، فصفعت جبينها عدة مرات وزمجرت بلوعتها، أحست أنّها تخطئ ولا معنى لأن تمنحه قيمة لا يستحقها. مجرد نصف يتحرك بكرسي آليّ، تلك الجملة دوت بها وبلغتها الأم، كان خلف البوابة قلقًا ما إذا كان يومها عسيرًا بالعمل، فطرق بخفة ثم فاه بتفاؤله عسى أن يخفف عنها.
«ناشا..، أرجوكِ..، سيكون كل شيء بخير..، أنتِ تعملين بجد..، فلا تدعي الإحباط يسيطر عليكِ.»
تتوق لأن تضربه بالحقيقة، أن تزيل القصة التي ألفها عنها، ليست كما بمخيلته وعليها أن تتخلص من قيده. فبهذا الأسبوع سيتصلون بخصوص الجنسية، شارفت على النهاية لتنتقل إلى قصرها الزجاجي بعيدة عن ظلماته، عليه أن يعلم، كررت ذلك بجنانها حتى صارت أمامه وهبطت بركبتيها إليه.
تعابيره المسالمة فرقعت حقل أحاسيسها، فأرقدت راحة كفها على كتفه لتحادثه:
«بيكهيون..»
تسربت أنامله المتقفقفة نحو فمها ليغلقه ويهمّ متمتمًا.
«أعي أنه توقيت رحيلك.»
تجمدت مندهشة من ردة فعله وكيف قد إستنبط ذلك. تحسس ملامحها ليصور شكلها الأخير بذاكرته، استدمعتا مقلتاه ولم يدري أنه أفرج عن دمعة يتيمة مرهقة، تمالك رغبته في أن يتوسل لبقائها وأفرش ثغره الباسم.
«ناشا..تمنيت لو أن لقائنا سبق الحادث.»
خفق قلبها وسقط عماده بلحف أعماقها، إختلجت أطرافه المتحركة وتراجع عنها ثم أتمم برنة مجروحة.
«اِعتني بنفسكِ جيدًا.»
○
○
○
يتبع...
أغنية الجينيريك :
Aᥲrყᥲᥒ Shᥲh - Rᥙιᥒs :
Too blind to see the light.
[أعمى جدًا لرؤية الضوء.]
My eyes got used to the night.
[عيناي تعودت على الليل.]
Don't try to change my mind.
[لا تحاول تغيير رأيي.]
You're only wasting my time.
[أنتَ تضيع وقتي فقط.]
I don't wanna stay in your life.
[لا أود أن أبقى في حياتك.]
And I don't want you in mine.
[ولا أريدك بحياتي.]
Don't ask what you don't wanna find.
[لا تطلب ما لا تريد العثور عليه.]
Oh, why can't you look in.. my eyes?
[أوه، لماذا لا تنظر إلى..عينيّ؟]
I just wanna save you from living my lies.
[أريد فقط أن أنقذك من عيش أكاذيبي.]
Oh, don't you mistake my loneliness for love.
[أوه، لا تخطئ وحدتي لأجل الحب.]
You know that you'll never be enough.
[أنت تعلم أنك لن تكون كافيا أبدًا.]
You won't understand the things I've done.
[لن تفهم الأشياء التي قمت بها.]
You won't understand what I've become.
[لن تفهم ما أصبحت عليه.]
There's too much pain I can't let go.
[هناك الكثير من الألم الذي لا يمكنني طرده.]
Hidden in scars I'll never show
[مخفي بندوب لن أظهرها أبدًا.]
With you, I'm never on my own.
[معك، لن أكون أبدًا بمفردي.]
But I know I'll always feel alone, oh.
[لكن أعلم أنني دائما سأشعر بالوحدة، أوه.]
You don't know how far I'll go.
[أنت لا تعلم إلى أي مدى سأذهب.]
To not spend these nights alone.
[لعدم قضاء هذه الليالي وحدي.]
There's no one I let too close.
[لا أحد قد تركته قريبًا جدًا مني.]
No one I trust anymore.
[لا أحد أثق به بعد الآن.]
I got no else to use.
[ليس لدي أحد أخر لأستغله.]
And you got nothing to lose.
[وأنت ليس لديك ما تخسره.]
So go on and use me, too.
[إذًا هيا واستغلني..أيضًا.]
Oh, but don't you mistake my loneliness for love.
[أوه، لكن لا تخطئ وحدتي لأجل الحب.]
You know that you'll never be enough.
[تعلم أنك لن تكون كافيا أبدًا.]
You won't understand the things I've done.
[لن تفهم الأشياء التي قمت بها.]
You won't understand what I've become.
[لن تفهم ما أصبحت عليه.]
There's too much pain I can't let go.
[هناك الكثير من الألم الذي لا يمكنني طرده.]
Hidden in scars I'll never show.
[مخفي بندوب لن أظهرها أبدًا.]
With you, I'm never on my own.
[معك، لن أكون بمفردي أبدًا.]
But I know I'll always feel alone.
[لكن أعلم أنني دائما سأشعر بالوحدة.]
Always feel alone.
[دائمًا أشعر بالوحدة.]
No, no.
[كلا، كلا.]
Feel alone..
[أشعر بالوحدة..]
BLind cAn SeE <●>
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top