28 | أتُعاقِبينني ؟

تَجلِسُ في مللٍ بِجانب الجِدار الزُجاجيّ للمقهي ، تَنتَظِرُ مَن وعدها بمجيئهُ ولم تري لَهُ أيَّ أثر ..

زفرت الهواء بِضيق حين نظرت للساعة في هاتفها ، لقد تأخَّر لِساعَتَين كامِلَتَين ! أخذت تُحرِّكُ أطراف أظافرها علي المِنضدة بِملل صانعةً صَوتاً خَفيفاً .. نظرت لِلشارع حَيثُ طالَعَت المارَة لعلّها تَجِدُ ضالتَها بينَهُم .. ولكنها لم تتمكّن من رؤيتهُ .. حدّقت بِريح الشتاء التي تتلاعبُ في الخارِج وشَردَت .. سُرعان ما وقعت بين مشاعرٍ شَتَّي تجذِبُها تارةً إلي الشعورِ بالغضب وتشدّها تارةً أُخري إلي القَلَق ، تُري ما الذي قد يؤخِرَهُ ؟ أم أنهُ قَد نَسي ؟ أم أنهُ قادِمٌ في طريقِه إليها ؟ فَكَّرَت مَلِيَّاً في الرَحيل .. ولكن راودتها فِكرة أن يكون قد إقترب مِن المقهي الآن .. وأنها صَبرت كثيراً وتبقّي القليل ، فكانَت تتراجَع ..

أحسَّت بِخُطواتٍ تقترِبُ مِنها فَحَوَّلَت نظرها عن النافِذة لِتنظُر الي النادل الذي وقف بِجوارها مُتسائِلاً " هل أُحضِرُ لَكِ كوباً آخر مِنَ مشروبِ الشوكولاتة الساخِنة حتي يَصِلُ ضَيفُكِ ؟ " أطرَقَت تُفكِّر .. ثُم رَسَمَت إبتسامة باهِتة علي شفتيها قائلة " شُكراً لَك ، ولكنني لا أُريدُ المَزيد " ثُم ألقَت نظرة علي أكواب الشوكولاتة الساخِنة الثلاث الفارِغين أمامها وإبتسمت بشفقةٍ مِنها علي حالها !

" حسناً آنستي " أخذ الأكواب الفارِغة مِن أمامها فأضافَت " وأُريدُ الحِسابَ مِن فَضلِك " ليومئ لها ويبتعد 

تفقّدت هاتفها فلم تَجِد إتصالاً جديداً .. فتحت مُحادثتها معهُ لِتكتُب لَهُ رسالةً جديدة 'شُكراً لك هاري علي جعلي أنتظِرُ لساعات وفي المُقابِل لا أراك.' ثُم تراجعت قبل أن تضغط إرسال ، وتأففت لِتُلقي بهاتفها داخل حقيبتها بِغضب ، وقد عاد النادِل تارِكاً أمامها دفتر الحِساب ، فتحتهُ لتقع عينيها علي المبلغ ثُم تُخرِجُ النُقودَ مِن حقيبتها وتضعها بداخِلُه .. ووقعت عينيها علي ورقةٍ أُخري بداخل الدفتر فتناولتها بينما تقرأُ مُحتواها 'إنه لأبلَهٌ كَبير لِترككِ هكذا. يُمكِنُكِ أن تُهاتفينني في أي وَقتٍ يا حُلوة وأعِدُكِ بأنني سأُشعِرُكِ بِقيمتكِ' ووجدت رَقمَ هاتفه مَكتوباً أيضاً ، رفعت عينيها لِتجدهُ يبتسِمُ إليها وغمز لها أثناء مُرورِه بجانبها مُتَجِّهاً إلي أحَد الزبائِن .. أدارَت عينيها وتجاهلت أفعالَهُ لِتنهض راحلةً مِن المَقهي بِرُمَّتِه .. تَمَنَّت لَو تري هاري أثناء سَيرها في الشوارِع بِلا هَدَف كي تُفَرِّغ فيه شُحنَةَ الغَضَبِ بداخِل صَدرِها .. ولكي تُريح بالها لإطمئنانها بأنهُ بِخَير

رأَت أحد المارَة يُمسِكُ بِمَظَّلَتِه .. فرفعَت عينيها تِلقائيّاً لِلسماء لِتَجد أنَّ الغيوم مُتعانِقَة وتَحجِبُ الشَمس ! وبطبيعَةِ الحال تنهّدت بينما تُضاعِفُ خطواتها لِمعرفتها بأنها ستعود للمنزِل مُبتَلَّة اليَوم ..

-

" أعطِني الطِلاءَ الأصفَر يا زين ! " 

بحث عنهُ زين حتي وجدهُ ليناوِلهُ لهاري الذي يَعمَلُ في مَرسَمِه .. وسخر مُمازِحاً صَديقِه " إن اللوحة تكادُ تَصرُخ لكثرة إستخدامِك للأصفر فيها ، أيُّ فَنّانٍ أنتْ ؟ "

" جَيِّد ، إسخَر كما يَحلو لَك ، فَسَيَسيلُ لُعابَك عَليها حين أنتهي مِنها " إلتقط فُرشاتَهُ الدَقِيقَة لِيَضَع بعض اللمسات الرقيقة علي أطرافِ اللَوحة باللون البُرتُقاليّ بينما يَعض شِفّتهُ السُفلَي بتركيز .. رفع زين حاجبيه متسائلاً " مَن هي ؟ " 

نظر إليه الآخَر ليَقُل بتذمُّر " أليس لَديك عَملٌ لِتذهَب إليه ؟ "

" لا ، اليَومُ هو الأحد "

أوما لَهُ هاري بِتَفَهُّم .. وقَبل أن يَلتَف مُكمِلاً لَوحتَه ، أدرك شيئاً ما لينهض سريعاً ويُتَمتِمُ " تَباً ! " مَع كُلِّ خُطوة يُخطوها نحو مِعطفهُ المَرميّ علي الأرض بإهمال ، فشَدَّ إنتباه زين الذي نهض خلفه متسائلاً بتعجُّب " ماذا هُناك يا صديقي ؟ "

" إنها بيلا. لقد إتفقنا علي الذهاب إلي أحد المقاهي المُفضَّلَة لديها في الثانية ظُهراً ، ولكن تِلك اللوحة الغبيّة لم تُشعِرني بِمرور الوقت أثناء عملي عليها " تأفف ليرتدي معطفه سريعاً ويضعُ مفاتيح المَرسَمِ في جيبِه بينما وقف أمامَهُ زين ليُمسِك بِكلتا كتفيه ويقول " إهدأ ! إنها الخامِسة مساءً وهي بالتأكيد قد رحلت .. "

صاح مُنفعِلاً " الخامِسة ؟! " فأومأ زين ليأخُذ هاري هاتِفَه ثُم يَنقُر علي رَقم بيلا ليضعه علي أُذُنِه .. لَم تُجِب علي إتصالِه فَجَلَسَ علي أقرَبِ كُرسِيٍّ في إحباط 

" لقد غضبت ! " قال في يأسٍ لِيَعلو صَوتُ زين في إنفعال " حقاً هاري ؟ تجاهُل مُكالماتَك هو أقَلُّ ما يُمكِنُها فِعلُه ! " ثم إسترسَل بِهدوء مُخاطِباً صديقه الذي جلس يتنهّد في حيرة " هاتفها مُجدداً وإشرَح لها الأمر ، وإذهب إليها لِتُصالِحها ! " 

" هَيّا ! " هَتف مُحمِّساً إياه ، فنهض هاري مُستجيباً لَهُ وقال " حسناً سأذهب ! ولَكِن حدِّثني بنبرةٍ أكثر هدوءاً فأنت لا تعلم ما الذي يَنتظِرُني حين أراها .. "

" حسناً ، إذهب هَيّا " هَمس زين بِدراميّة ليُدير هاري عينيه في ضجرٍ مُتَمتِماً " يا لَكَ مِن مُزعِج " ثم رحل مِن المَرسَم ليَستقِلّ سيّارَته ويَقود نَحو وِجهَتُه 

-

تذَمَرَت بيلا بينما تُحدِّقُ في طبقِها بِإشمِئزاز " أكلةٌ جديدةٌ مِن إختراعكِ ؟ " ثُم قابلَت عينيها عَينين والدتها اللتان تلوحُ فيهما الحَماس قائلة " أجل ، تذوّقيها وستُعجِبُكِ كثيراً ! "

نظرَت إلي والدها طالبةً الإنقاذ ، ولكنَّهُ كان مُتَوَرِّطاً معها في الأمر نَفسُه ولديه نُسخةٌ مِن طبقها أمامِه .. فرفع كتفيه مُستسلِماً ليهمِس " ما باليدِ حيلة ! " إستدارت لَهُ السيدة أنجيلي وعينيها تستشيطُ غضباً ، فسُرعان ما إبتسم إليها بِتَوَسُّع وأخذ مِلعقة مِن الأرز ذو الخلطة الغريبة في طبقِه وقال " سَلِمَت يَداكِ عزيزتي .. لِما لا تأكُلين يا بيلا ؟ " حثّها علي تذوّق الطعام بينما هي أطلقت ضِحكةً قويّة لم تستطِع كتمانها .. ثم جلست السيدة أنجيلي وقالت بِحَزم " هَكذا إذاً أنتُما الإثنان ؟ حسناً .. لا يوجَد طعام سوي ما أعددتُه " إبتسمَت بِتكلُّف في النهاية ليصفع السيِّد مارين جبهتهُ وتَخِرّ بيلا ضاحِكة للمرّة الثانية

وضعَت بيلا يدها علي مَعِدتها حين شعرت بأنها تكادُ تحتضِرُ جوعاً .. فأمسكت بمِلعقتها لتملأها بِمُحتوي طبقها وترفعها بِبُطءٍ دِراميّ إلي فمها .. تذوّقتها بحرصٍ شديد بملامحٍ مُقطّبة ، ثُم فَكَّت عُقدة حاجبيها حين راقها الطعم وإبتسمت في سُرور لتأكُل المَزيد بينما تعترِف " حقيقةً هذا الإختراع لا بأس بِه ، ولكن لا تُبدِعي مجدداً في المطبخ رجاءً يا أمي .. فآخِرُ مرّة لم نَنَم لكثرة التوعُّكات "

" أُوافِقُها في هذا ! " أومأ السيِّد مارين لتبتسم السيدة أنجيلي وتقول بنبرةٍ لا تهتَز " لديّ موهِبة ، لن يفهمها أمثالَكُما ! "

" أجل صحيح " ردّت بيلا بينما تُجاريها في الحديث .. فقررت والدتها قَلب الحديث عنها حين سألَتها بينما تتناوَلُ حساءَها " إذاً كيف كان يَومكِ مع هاري في المقهي اليوم ؟ " إبتلعَت إبنتها الطعام بِهدوء لِتُجيب مُتأمِّلَةً طبقها " هو لَم يأتِ .. "

" ماذا ؟ " عقَّبَت والدتها بإندهاشها .. بينما والدها قال بِتفهُّم " رُبما يكون الفتي لديه مشاغِلهُ في العمل .. "

عقَّبَت بيلا بِصمتها ، فلم تشأ والدتها أن تُطِل في الحديث عن هذا الموضوع وسُرعان ما عاودت تتحدّث إلي زوجها " عزيزي ، ما أخبارُ عَملِك ؟ "

" سأحصُلُ علي ترقية ! لقد أبلغني مُدير الشركة بنفسه اليوم " إبتسم ثُم عاوَد يأكُل بينما بيلا حدقت بِه مُهًلِّلَة بسرور " يا إلهي هذا رائع ! " وكأنَّ هذا الخَبَر أنقذها مِن دوّامة الغَضَب التي كانَت علي وَشكِ إبتلاعها حين تذكَّرَت المَوقِف الذي وضعها بِه هاري في الصباح ..

" حَمداً لِله فإنَّ أحوالنا تتحسَّن .. وأنتِ يا غاليتي يُمكِنُكِ تَرك المتجر فلا حاجة لَكِ بالعمل بِه بعد الآن " أكمَل مُخاطِباً بيلا وإبتسامةٌ حانية إعتَلَت شفتاه ، فبادَلَتهُ بإبتسامتها الدافِئة وقالت في هدوء " أعلمُ ذَلِك ولكن عُطلتي قد بدأت وحقيقةً لا أجِد ما يُسَلِّيني سوي عملي بهذا المتجر مع لوي ، كما أنَّهُ أصبح روتيناً لا أستطيع التخلّي عنهُ " إبتسم لها والدها فعاودت التحدُّث بحماسها المُعتاد " وسأدَّخِرُ المال لأصرِف علي ملابسي وإحتياجاتي وهكذا سَيَخِفُّ الحِملُ الذي تَحمِلُه علي عاتِقَك يا عزيزي "

حدَّق بِها مُطَوِّلاً وإبتسامتهُ إستقرَّت علي شفتيه .. فرأت الفَخر في عينيه لِتشعُر بالسعادة بينما تُكمِلُ طعامها وتقول " لقد راسلني لوي اليوم وأخبرني بأنَّ حفلة التخرُّج علي شَرفِ المَدرسة ستكونُ في الغد علي الأرجح ، وسَتُقامُ في أحد الفنادِق هُنا بِفلوريدا "

ردَّت والدتها في إنزعاج " أحد الفنادق ؟ أيعني هذا بأنَّكِ ستبيتين هناك ؟ " حرَّكَت بيلا رأسها مُنَفِّرَة تلك الفِكرة بينما تقول " لا ! لوي قد أرسَل لي التفاصيل كامِلةً .. أنتُما تعلمان أنَّ حفلة التخرُّج لِكُل مدرسة دائماً ما تكون مَحَط أنظار جميع الطُلّاب الجُدُد ليعرِفوا مستوي تلك المدرسة ، لذلّك لن يُقيموا الحفلة في المدرسة كالمدارِس التقليديّة المُمِلة .. بل في فُندُقٍ راقٍ ليَلفِت هذا الحفل أولياء الأمور فيُدخِلون أولادهم بالمدرسة العام المُقبِل ، لا تقلقا .. "

" حسناً .. فلتستمعِي بِوَقتكِ هُناك " نهض والدها ليُقَبِّل رأسها ويرحل حامِلاً طبقهُ الفارِغ إلي غاسلة الصحون .. بينما والدتها حدّقت بها بِمَكر

" أعلم أن صدركِ يَحوي المَزيد مِن الأسئلة التي تتسارعُ في الخروج ، لِذلِك إسألي .. " قالت بيلا مُحدِّقةً بوالدتها وهي تبتسِم بخفّة ، فقهقهت السيدة أنجيلي بينما تُعَلِّق " أنتِ تحفظينني .. " وأردفت مُتسائِلة " متي ستنتهي الحفلة ؟ "

" بَعد إعلان الفائِز بلقب المَلِك والمَلِكَة لهذه السَنَة ، أي في الثانية عشر كما أعتقِد "

" هل ذهابنا مَعكِ مسموح ؟ "

" لا ، إنها حفلة للترفيه عَنّا كَطُلّاب والإحتفال بِعُطلتنا ، ولكن مسموحٌ بمجيئكما وَقتُ التَكريم " ملأت فمها بالطعام أثناء سؤال والدتها المُحَيَّر " ومَن سَيُرافقكِ لِلحفل ؟ " فإكتسبَت وقتاً أطول لِتُفَكِّر في إجابةٍ قاطِعة ، يَجِبُ عليها دخول الحَفل مع إحدي الفِتيان حَيثُ يُمَثِّلان ثُنائيّاً جيِّداً كي تستطيع المُشاركة في نشاطاتِ الحُفل : كالرقصِ والتَرَشُّح لِمُسابقة المَلِك والمَلِكَة وإلتقاط الصِوَر التِذكاريّة والكثير مِن الألعاب المُسلِية ، إبتلعت الطعام لِتقول في تَشَتُّت " لا أعلم ! أليكس عَرَض عليّ الذهاب معهُ ولكن هاري يَنزعِج مِن هذا الفتي .. بالإضافة إلي أنني إكتشفت مؤخراً بأنَّهُ صديقٌ مُقرَّبٌ لِـ كيلي وكذلك تصرُّفاتهُ باتَت غريبة ! ولا يمكنني الذهاب مع فتي خارِج المدرسة .. كَـ هاري ! "

فَكَّر كِلاهُما لِثوانٍ ثُم صاحا بالنتيجَةِ نَفسِها " لوي ! " ليضحكانِ بعدها ، حُسِم الأمر ونهضت بيلا لِتُساعد والدتها في تنظيف المائِدة ، ثُم سَمِعَت جَرس الباب فصاحت " أتنتَظِرون مَجيء أحدهُم اليَوم ؟ " لَم تتَلقَّي أيةِ إجابة حَيثُ أن والديها في المطبخ يُثَرثِران فلم ينتبِها إليها .. تنهّدت لتتجه نحو الباب وتَنظُر في الثُقب الصَغير بِه ، لم تجد سوي الأمطار الغزيرة التي تهطُلُ مُغَرِّقَةً الشوارِع ولم تري سوي الظلام ! عقدت حاجبيها وظنَّت بأنها تتوهّم

قَبل أن يُعاوِدُ الشَخص قرع الجرس ظهرت أمامها عَينُ أحدهُم مِنَ العَدَم  ، وصَرَخَت مِن هَولِ المُفاجأة

سَمِعَت قهقهه خفيفة مِن الخارِج ، فتيقّنت مِن الشَكّ بِداخلها وفتحت الباب ولم تتفاجأ حين رأت هاري حَيثُ أنها كانت تَعرِفُ ذَلِك ، فَـ صوتُ ضحكاتِه ذو الرَنَّة الرجوليّة هو أسهَلُ ما يُمكِنُها تَميِّيزُه

" مرحباً " لوّح لها مُبتسِماً فعقدت ذِراعَيها أسفل صدرها بإقتضاب غَير مُتفاعِلة مع إبتسامتهُ الدافِئة

" أنا آسِف " تنهّد لِتختفي إبتسامَتهُ رويداً ويقترِب مِنها ، فنظرَت لَهُ بِغَضب مُعَقِّبَة " أجل أنتَ كَذَلِك " ثُم تنحَّت جانِباً مُفسِحةً لَهُ كَي يَدخُل بينما تسألهُ بنبرةٍ خاليةٍ مِن المشاعر " ما الذي جاء بِكَ في هذا الطقس ؟ " دَخَل لِتُغلِق الباب خلفُه ، وقال ناظراً لها آمِلاً أن يقرأ ملامحها " كُنتُ عائداً من المرسم حيثُ أردت أن آتِ عِندَكِ بِما أنَّكِ تتجاهلين رسائلي ومُكالماتي .. ونفذ الوَقود مِن سيّارتي قبل أن أصل أمام المنزل فإضطررتُ لأن أستخدِم قدماي .. وقد حصلتُ علي حَمَّامٍ بارِد في المُقابِل ! " سخر في النهاية ليرتجِف بعدها بينما يتمتم " أشعُرُ بأن أوصالي تتجمَّد "

" تعالي إذاً .. سأُعطيك بعض الملابس كي لا تَمرَض ! " ذهبت مِن أمامَهُ لتصعد الدرج فتبعها للداخل دون أن يُعلِّق ، بعد ثوانٍ خرجت من احدي الغُرَف حامِلةً ملابساً قُطنيّة مُهندمة بين يديها لِتُناوِلَهُ إياها قائلة " إرتدي هذه .. ستُدفِئُك " ثُم أشارت لَهُ نحو المرحاض فأومأ إليها ليلتقِط الملابس ويذهب في صمت ، بينما هي إستندت علي باب غرفتها بينما يتجِها ذراعاها لِمُعانقة صدرها وَتُفكِّرُ فيمَ ستنوي فِعلُه ..

شعرَت بالباب يَعودُ للخلف ساحِباً جسدها معهُ ، فأدركت بأنهُ مفتوحاً لتتمسّك بِمقبَض الباب قبل أن تقع .. أثناء خروج هاري مِن الحمام مُرتدياً تلك الملابس المُريحة ، أرخَت أعصابها التي تشنّجت وأفلتت المِقبض لتعتدل في وقفتها وكأن شيئاً لَم يَكُن ، وَلِحُسنِ حظّها لم يراها هاري أثناء معانقتها للباب متوسّلةً إياه بألّا يوقِعُها

" ما رأيُكِ إذاً ؟ " سألها بينما يستدير ويتمشّي في الردهة بِتبختُر فقهقهت بصُخبٍ بينما تقول " أنت لست علي السجادة الحمراء .. لتنعم بدفئها وتصمُت "

بعد ثوانٍ مِن تأنيبَها لَهُ بالنَظَرات .. إقترب مِنها ليُمسِكُ بِيَدِها ويَقول " أنا آسِف ، أنتِ تعلمين أنني لم آتِ عَمداً "

" ما الذي جعلك تَنشَغِلُ عَنّي يا هاري ؟ " كادَت تَسحَب يدها من قبضتِه بينما تتحدّث بِجفاف ، ولكنَّهُ شَدَّد قبضته علي يدها فلم تستطِع سحبها .. ليأخُذ خُطوةً أُخري تُقَرِّبهُ مِنها ويقول " لا يوجد شئ علي هذة الأرض قد يُشغِلُني عنكِ "

بادَلَتهُ النظرات المُطوّلة ، فأجاب عن السؤال الذي يَلوحُ في عينيها قائلاً " لقد إتّصلوا بي وأخبرونني بأنني سأُسافِرُ غداً إلي أمستردام كي نبدأ في التحضير للمهرجان ، فَكان عليّ إنهاءَ لَوحَتي اليوم .. حتّي أنني إنصرفتُ إليها إنصرافاً كامِلاً ولم أتفطّن لمرور الوقت "

ذهب غضبها بعيداً .. فحلَّ مَحَلُّه القَلَق ، وظلّت مُقلتيها تنظُرُ في خاصتيه بإضطراب بينما تَهمِس بعدمِ تصديق " أنت .. أنت ذاهبٌ غَ- غَداً ؟ "

أومأ لَها فنظرت إلي الأرض وهي تشعُرُ بإنقِباضِ قَلبِها ، فَكيفَ سَتُخبِرُهُ بأن يأتي غداً إلي حفل التكريم بينما هو سيرحل ؟ فهو يكاد يكون أهمّ يومٍ في حياتِها ..

" بيلي ؟ " ناداها في لين حين شعر بأنها شردت بعيداً ، نظرت لهُ وزيّفت إبتسامة سريعاً ولكن سُرعان ما خُرِّبَت تِلك الإبتسامة الباهِتة بِنزولِ دمعة علي خدّيها في خَطٍ مُستقيم ، ما لبث هاري حتّي عانقها بقوّة فتشبّثت بِقميصه لتمسح دموعها باليدِ الأُخري .. همس لها " لا تَبكِ رجاءً ، فأنا سأُهاتِفُكِ في كُل ساعة لِأُطمئِنُكِ .. ولن يَطول غيابي ، أعِدُكِ "

" عزيزتي ، مَن كان الطارِق ؟ " جائَها صوت والدتها مِن الأسفل فتوسّعت عينيها ، فهي قد نَسَت وجودهما معها لثوانٍ .. إبتعدت عن هاري بعجلة لتنزل وهو يتبعُها مُبتسماً حتي ذهب تجاه السيدة أنجيلي وصاح " إنهُ أنا ! " فتوجهت أنظارها نحوهُ وإندهشت لِكَونهُ يرتدي ملابس زوجها .. ثُم تسائلت " مرحباً بك عزيزي ، كَيف تر.. " قاطعتها بيلا بتفسيرها للأمر " لقد جاء مُبتلّاً جراء المطر الغزير بالخارج فأعطيتهُ ملابساً بديلة لما كان يرتديه كي لا يُصاب بالبرد ، وأنتُما كُنتُما مشغولَين في المطبخ "

أومأت والدتها بتفهُّم .. ثُم قالت " والِدُكِ يُشاهِدُ التلفاز .. يُشاهِدُ مُباراة كُرة قدم إن أردتُما الإنضمام ! " ثم إبتسمت لِهاري الذي حدّق بها ووجد أنَّهُ عَرضٌ مُغرِي

إلتفتت لَهُ بيلا واضعةً يديها علي خصرها وكأنها تترقّبُ ردّه .. فتراجَع وضحّي بهذا العرضِ قائلاً " لا شُكراً لَكِ خالتي ، فقد جِئتُ لقضاء ما تبقّي في اليومِ من وقتٍ مَع بيلا قبل أن أُسافِر "

إبتسمت بيلا بِرِضا فَشَعَرَ وكأنَّهُ أحرَزَ هدفاً لِصالِحُه قد يجعلها تُسامِحهُ علي ما قد فعله اليوم

أومأت السيدة أنجيلي ثُم تمتمت " حسناً .. " بينما تلتفت لترحل ، ثم تذكرت أمراً لتلتفت لهما قائِلة وإبتسامة عريضة تُزَيِّنُ شفتيها " اليوم هو موعِد البرنامج التليفزيونيّ الإسبوعيّ المُفضَّل لدي بيلا .. وسأُعِدُّ الفشار والمقرمشات لنشاهده معاً " فأومأ كلاهما بحماس .. وصعدا للطابق الأعلي ليدخُلا غرفة بيلا ويصيح هاري " إذاً هل سامَحتِني ؟ " فإستدارت لَهُ قائلة وهي تحاول تمثيل الإنزعاج " لا ، ليس بَعد "

" بيلا .. " أدار عينيه ثم اقترب منها فنظرت له مُنتظِرة ما سيفعلُه " كَم مَرَّة عليّ تكريرُ إعتذاري ؟ "

كادَت تتحدّث فصاح مُفتعِلاً الغضب مثلها " ولِما لَم تُجيبي علي أياً مِن إتصالاتي ورسائلي ؟ "

عقدت حاجبيها لتتذمّر " لا تتهرّب من الموضوع بِتَغيير مسار الحَديث وقَلبَهُ عنّي ! فأنت المُخطِئُ هُنا .. ثُم أن هاتفي مُغلَق ولم أُلاحِظ رسائلك "

نظر لها بتحدٍّ .. فعقدت ذراعيها أسفل صدرها لِتُبادله نفس النظرات وتتلاقَي أعيُنَهُم بنظراتٍ مُلتَهِبَة ..

أمسك بهاتفه لينقُر علي رقمها .. فثوانٍ وصدح صوتُ رنين هاتفها من فوق مكتبها .. لِتُدير عينيها بينما هو إبتسم إبتسامة إستفزازيّة بينما يردف " مُغلَق أليس كذلك ؟ "

" أياً يَكُن .. ولا تنسي أنك لم تخبرني برحيلك سوي الآن ! بعد أن تبقّت ساعات علي ميعاد طائرتك ! " إبتعدت عنهُ لتجلس علي سريرها وَتُحرِّكُ قدميها بإنزعاجٍ لم تستطِع إخفاؤه ، فجلس بجانبها لينظُر إليها ويتنهّد " لماذا لا تنظرين إليّ الآن ؟ أتُعاقِبينني ؟ "

هفَّت الهواء من بين شفتيها بإنزعاج ، فَحينها راودتهُ فِكرةٌ جعلت شفتيه تلتويان في إبتسامةٍ جانبيّة ، ثُم سَعَل بقوّة قائلاً " يَبدو أنني مَرِضتُ بالفِعل ! "

إلتفتت إليهِ سريعاً ، بينما تُحاوِل كَبح إهتمامها مِن السيطرة علي عواطفها " أتُريد كوباً مِن الماء ؟ " أومأ إليها فذهبت لِتُحضِرَهُ ، بينما هاري نهض وتأكَّد مِن أنها نزلت للطابق السُفلي ثم خلع سُترة والدها ليرميها علي السرير ويبدأ بعملِ تمريناتِ الضَغط علي الأرضيّة

حين سمع أصوات قدميها وهي تصعد السُلّم .. نهض من علي الأرض ليرتمي علي السرير بتعب وتَثقُل أنفاسُه بينما يَعلو صَدرُه ويَهبِطُ وأغلق عينيه مُدعياً الإرهاق ، دخلت الغُرفة لِتجدهُ مُمَدَّد علي سريرها وعارٍ الصَدر بينما يتعرّق بشدّه فشهقت .. لتقترب مِنهُ وتُسقيه الماء بحذر بينما تتفحّص حركاتهُ البَطيئة التي توحي بالإعياء .. فحزنت لِتَقُل بقلق غلَّف نبرتها " إلهي هاز إنك تتعرّق ! " 

وضعت كوب الماء الذي فَرِغ علي الطاولة ثُم جلست بجانبه فسألها بهدوء " هل سامَحتِني ؟ "

رقَّت ملامحها قائلة " أجل لا تهتمّ لهذا ، الأهم أن تكون بخير .. " وقبَّلَت وِجنتهُ مُبتسِمة لِتُخفِّف عنهُ ، فإتسعت إبتسامتُه لِيُمسِك بكتف بيلا ويتقلَّب لِتُصبِح هي مُستلقية علي السرير بجوارِه وهو يعتليها .. ثُم قال " توقّفي عن إستفزازي بتقبيل وجنتاي ، أُقسِمُ أن ما بَينَهُما يَستَحِقُّ التَقبيل أيضاً " قهقهت بصخبٍ ليُقهقه معها تلقائيّاً ، وتَجَاذَبَت شفتاهُما حتي إلتصقتا ببعضهما بِحُب ..

إبتسمَ كلاهُما .. وقالت بيلا بِخُبثٍ جعلهُ يُقهقه خجلاً " أري أنَّكَ بِخير ودَبَّ فيك النشاط "

" أوه .. أجل ! أشعُرُ بالغثيان .. " قال وإبتعد عنها ليستلقي علي ظهرِه بدراميّة جعلتها تقهقه بينما تعتدل في جلستها .. أصبحت وشوم هاري التي تملأُ صدره وذراعيه مَصَبَّ أنظارِ بيلا .. إنها المرّة الثانية التي تراهُ فيها عاري الصدر ولازال عدد وشومه يذهلها ويُثيرُ إعجابها في الوقتِ نفسِه

لاحظ هاري شرودها .. فإبتسم بخفّة لتنظهر غمازتيه .. وتسلّلت يديه ليمسِك بخصرها ويبدأ بدغدغتها فإنفجرت ضاحِكة بينما تُحاوِل إبعاد يديه عنها ، بينما هو قد أعجبهُ رَنين ضحكاتها في أذنيه فإستمرّ في دغدغتها وهو يقهقه معها ، حيثُ إنقلب جوّ المَنزِل بِرُمَّتِه مُمتلِئاً بضحكاتهما العالية ..

-

إنتهي اليَوم سريعاً .. حيثُ أن هاري وبيلا شاهدا البرنامج سويّاً مع والدَين بيلا وقضوا وقتاً عائليّاً مُمتِعاً ، وبعدها تناولوا وجبة خفيفة سويّاً وأُتيحَت لهاري الفُرصة ليتعرّف علي والد بيلا ، ولم يتوقّف المطر عن الهطول في الخارج ...

فإستغلّ هاري تِلك الفُرصةَ لِيَبيت معها حتي الصَباح ، فيَكون قد قضي آخر يومٍ لَهُ في فلوريدا مع أكثر شخصٍ يُحِبُّه ويهتمّ لأمرِه ..

وبيلا قد إستلقت بجانبه علي السرير بسعادة .. ثُم إستدارت لتنظُر إليه فَوجدتهُ غارِقاً في نَومِه بِسلام لِتبتسِم بهدوء ، ثُم تتقلّب إلي الناحية الأُخري وَتُحَدِّقُ في السَقفِ كعادتها حين تَشعُرُ بالأرق ، فَهِيَ لازالت غير قادرة علي إستيعاب رَحيلهُ غداً ! قاطَع أفكارها اللا مُنتَهية إمتداد يَدُ هاري إلي خصرها ليُحيطُه ويُقرِّبُها إليه حتي إلتصق ظهرها بِصدرِه .. 

فإبتسمت بسعادة وتلاشي قلقها ، وغطت في نومٍ عميق بين ذراعيه.

-

عدد الكلمات: 3040

هولا بيبي جيرلز❤

رأيكم في الشابتر ؟ وفي "هيلّا" ؟

توقعاتكم لحفلة التخرُّج وللمهرجان والشابتر اللي جاي عامةً ؟

أي نَقد ، أو مُلاحظة ؟

~ضيفوا الرواية لقائمة القراءة فضلاً❤

بحبكم جداً+ أشوفكم علي خير❤

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top