سَطوة العِشق| الأخِير
كانَ أُمنيةً زرَعتُها فِي ثَرى الزَّمن خِلالَ لحظةٍ موحِشَة، وسَقيتُها تَنهيداتِ الشَّوقِ الَّتِي فاضَت فِي صَدرِي، بينَما أجلِس مكتوفَة اليَدين، أنتَظِر أن تُزهِر فِي حاضِري، وتبثَّ عبقَها الفوَّاح بينَ أيَّامِي الجَرداءِ مِن دونِه، كشِتاءٍ يرفُض التَّنازُل عَن الحُكم.
في البِداية، كرِهت القَدر الَّذِي حكَم عليَّ بالانعِزال عن العالَم، وأوقَعني تَحت رحمةِ رجلٍ غَريب، تحترِفُ عَيناهُ التَّرهيب والتسلُّل إلَى النُّفوس. رجلٌ أسوارُه شائِكَة، لَا أحدَ يدخُل إليه، ومَا لَم أعلَمه أنَّ لا أحدَ يخرُج مِنه أيضًا.
اعتَبرتُ الحادِث سُوءَ حظّ، لكنَّ أفكارِي تغيَّرت شيئًا فشَيئا، وبعدَ أن كانَ ضررًا جسيمًا، كلَّفني راحَة بالِي، باتَ ضرورةً لابدَّ مِنها حتَّى يكتمِل يَومِي. أدرَكتُ ما يَعينه لِي حينَما شُطِب مِن صفحاتِي، وصارَ مُحتواهَا عقيمًا. غِيابُه حريقٌ شوَّه رُوحِي، لم تشفِني من بعدِه أيُّ مُكالَمة هاتِفيَّة، ولم يُخفِّف وَجعي أيُّ وَعدٍ باللِّقاء، ورغمَ قَطراتِ الاهتِمام الَّتي يُنزِلُها عليَّ مِن حينٍ إلَى آخر، قلبِي يذبُل ببُطء، فما أنَا بصبَّارٍ يرضَى بالقَليل.
كسبَ جونغكوك قلبِ والِدي بسهولةٍ مِثلما توقَّعت، فهُو الرَّجلُ الَّذِي أنقَذ فلذَة كبده بنَظره، مِن الطَّبيعيّ أن يُقدِّس سيرتَه، رغمَ أنَّ صورَته قد تتحطَّم، لَو علِم عَن العلاقةِ بينَنا، كأيٍّ أبٍ هُو يتمنَّى أن تحَظى ابنتُه بِمن يغزِلُ معَها عُمرَها، بعدَ أن تُقيلَه المنيَّة؛ كيفَ يُسلِّمني لرجلٍ مِن جيلِه؟ أخشَى أن يُجهِضَ علاقَتنا بالرَّفض!
يومَها دعاهُ عَلى العَشاء، لكنَّه رفضَ بحجَّة أنَّه لا يُريد مُقاطَعة لمِّ شملِ أبٍ بابنتِه، بعدَ وقتٍ طَويل، وضنكٍ شَديد، واقتَرح أن يتقابَلا لاحقًا. ودَّعتُه بحُضنٍ مَتين مِن نسجِ الكَلف، وما مزّقه الخَوفُ مِن شُكوكِ والِدي، حِيالَ مشاعِرها تِجاه بعضِنا، ذلِك أدنَى مَعروفٍ يسعُنِي أن أسدِيه لخافقِي العاشِق الَّذِي كانَ ينشُد راتبًا مِن القُبلات.
الغُيوم تعتقِلُ سمَاء موسكو، وقد تخلَّفت الشَّمسُ عَن ميعادٍ آخَر مَع الأرض، فعاشَرها الزَّمهرير. ولَّى أسبوعان، مُنذ أن افترقتُ عَن جونغكوك، واستأنَفتُ حياتِي الاجتِماعيَّة مُجدَّدًا. كانَ تغيُّبِي عَن المَدرسَة مُبرَّرًا، لذلِك لَم أواجِه صعوبةً مَع الإدارَة، ولَم أُعفَ مِن الامتِحاناتِ الَّتي تتربَّصُ بطُلَّاب الثَّانويَّة في نِهاية الفَصل، نصيبٌ مِن الفضلِ راجعٌ لعلاقاتِ والِدي، فهُو محامٍ شَهير، يودُّ الجَميعُ إرضاءَه.
خضَعتُ لدُروسٍ مُكثَّفة، مِن طرفِ أساتِذة استأجرَهم لأتدارَك تخلُّفِي في المنهَاج، وألحَق بزُملائِي. أمَّا جونغكوك فقَد انشَغل بإعدادِ مجموعتِه الرَّبيعيَّة الجَديدة، وكان اللِّقاء قُربانًا لضيقِ الوَقت، ما تشرَّبنا سِوى مُكالماتٌ هاتِفيَّة قَصيرة.
آثَرت التوجُّه إلَى المَدرسةِ سيرًا، فبعدَ قضاءِ شَهرينِ بينَ جُدرانٍ أربَعة، اشتَقتُ إلَى الشَّوارِع الَّتي لا تُقيِّدُها حُدود، والسمَّاءِ العارِيَة حتَّى وإن قسَت عَليّ. كُنت أرتَدِي سرابيلَ المدرسَة المُكوِّنة مِن بلوزةٍ بيضاءَ مُرهفة، يخترِقها النَّسيم بلا عَناء، وتنُّورَة سوداءٌ مُخطَّطة، أضفيتُ عَلى الزيّ مِعطفًا كشميريًّا قمحيًا.
وبينَما أنثُر خُطايَ المُفعَمة بالشَّغفِ عَلى الرَّصيف، ركَنت بجانِبي سيَّارةٌ حَمراء مألُوفَة، زلزلَ محرِّكُها الحيَّ بهديرِه، متفاخِرًا بقُدرتِه. اكتَشفتُ هويَّة السَّائِق، قبلَ أن ينحسِر بابُ البورش عَن هيئتِه البغيضَة، ويأتينِي بطلَّةٍ شتويَّة فاخرَة، رسمَها قميصٌ قُطنيٌّ رماديّ، بَنطلونٌ مِن الجِينز، وسترةٌ جِلديَّة تركَها مفتوحَة، بينَما شعرُه الأشقرُ منفيٌّ عَن جبينِه، إلَّا حُفنَة خصلٍ مُتمرِّدة عَلى الجانِب الأيمَن مِنه.
ديميتري؛ حبيبي السَّابق.
اندَفع نحوِي عَلى عجل، مُفرجًا عَن الكلِمات التي حُبست فِي فِكره بنبرةٍ دراميَّة، لَم يصبِر حتَّى يصِل إليّ، رغمَ أنَّه لَم يستغرِق وقتًا طويلًا.
«عزيزَتي لاريسا، لا أصدِّق أنَّك عَلى قيدِ الحَياة، كيفَ لكِ أن تختفِي كلَّ تِلك المدَّة دونَ طمأنةٍ أولئِك الَّذينَ تركتِهم خَلفك؟ لقد سبَّبتِ الرُّعبَ لَنا جميعًا!»
مُبالغتُه في وصفِ قلقِه المَزعومِ عليَّ خدَشت مصداقيَّته، أم هُو الألَم الَّذِي شحَذت خِيانتُه مخالِبه بداخِلي يُهاجِمني، كُلَّما شمَّ رائِحته؟
دحرَجتُ عدَستيَّ بضَجر، بينَما أكتِّف ذِراعيّ، كفتاةٍ مُتعجرِفة لَا تُشبِهني، وَحده مَن يُخرِج أسوأ ما فيّ.
«آسفة، كانَ على العاصِفة أن تستشيرَك قبلَ أن تعزِلني في الجَبل».
تجاهَل ديميتري سُخريَتي، رغم وضوحِ بوادِرها فِي آفاقِي، حيثُ غربَت الأُلفَة. سمَح لكفَّيه بأن تنزِلَا على كتفيَّ بِلا رُخصَة، رغمَ اعتِراضِي الواضِح مِن الأخذِ والعَطاء مَعه.
«سمِعت مِن والدي أنَّ أحدَهم عثَر عليكِ، وآواكِ في منزِله لشَهرين، ثمَّ أعادَك إلَى والِدك حالَما صارَ الجوُّ سانِحًا للتنقُّل، لا يسعُني كبحُ خيالِي الَّذِي يرميِ نواياه بالتُّهم، هل مسَّكِ بسوء؟ لا تَخشي شيئًا وأخبِريني!»
ما كانَ بيدِي حيلَة، إلَّا أن أشهَق مُعربةً عَن دَهشتِي، مِن الاهتِمام المُفاجِئ الَّذِي ضجَّ فيه ناحِيتي. نحتُّ ابتِسامةً مُتكلِّفة، بينَما أهوِي بكفِّي عَلى ظهرِ يدِه الَّتي تستوطِن حافّة كتِفي، صفعتُها بصرامة، ثمَّ قيَّدتُها بأصابِعي.
«كانَ رجُلًا مُحترمًا، ذا أصولٍ نبيلَة لا يرقاهَا كِلانا».
ما لبِثتُ وأن رافَقت يدَه خارِجَ كتِفي مُهسهسَة.
«ووجهُه تعقيمٌ بَصريّ، نظَّف ذاكرتي مِن جميعِ الشَّوائِب البشريَّة الَّتي علِقت فيها».
انكسَرت الثِّقة في خَرزتيه، وخبَا بريقُهما بينَما يُلملمُ ذِراعيه بعيدًا عَن جسَدي.
«متَى سيخمَد غضبُكِ منِّي؟»
تراوَحت ملامِحي بينَ الصَّدمة والسُّخريَة، فقَد فسَّر مَقتِي لَه بطريقةٍ خاطِئة، لَا تمتُّ للحقيقَة بصِلة، نفُورِي مِنه وليدةُ تقزُّزٍ بَحت، لأنَّه استَباح مُعاقَرة الخِيانَة.
«ما أحمِله تجاهَك ليسَ غضبًا بل اشمِئزازًا، فالغَضبُ رحيقُ الحبّ، وحبِّي لكَ قد ذبُل تمامًا».
زمَّ شَفتيه بغَيظ، أعجبُ مِن أيِّ بئرِ أنانيَّةٍ يسقيهِ ليُنبِت، هُو لا يمتلك الحقَّ في الاستِياء. تقدَّمت إحدَى قدميّ تدعَم الرَّحيل، غيرَ أنَّ الأخرَى اعتَرضت، وواجهتُه مِن جَديد بغُرورٍ احتَواه حاجِبيّ.
«بالمُناسبَة، لديَّ خَليل الآن».
انحرَفت زاويةُ شَفتيه باستِهزاء.
«مِن أينَ أتيتِ به وأنتِ لَم تبرَحي المَنزِل لشَهرين؟»
رفَعتُ حاجبي بتشفٍّ، أخبِره بطريقةٍ غيرِ مُباشرةٍ أن يُوظِّف عَقلَه لمُطارَدة المعرفة، فالجَوابُ مدنسٌّ بينَ ثنايَا حديثِنا.
ترَكتُه خلفِي مُلجَم اللِّسان، وسَعيتُ إلَى المَدرسَة بخِفَّة عربَة أفرَغت أوزارَها أخيرًا، لَا ينغِّصُ خُلدِي سِوى فقرُ جُيوبِ أيَّامِي من لِقاءاتٍ حميمَة مَع جونغكوك، لَا أصدِّق أنَّه اصطَبر عَلى الشِّقاق لأسبوعين بطولِ عَقد، وما تَنازلَ عَن عملِه ليُفاجِئني بمجيئه حتَّى. حاكَت له ثِقتي أكثَر من عُذر، ما تَوانَى الشَّوقُ فِي إتلافِها؛ ففِي قانونِه لا شفيعَ للفِصال إلَّا اعتِذارٌ مَختومٌ بوِصال، وذلِك ما أتوقُ إليه.
دبَّ الوَقتُ كأنَّه يحمِل عَلى ظَهرِه هُمومِي، شعرتُ أنَّه لَن يصِل إلَى نِهاية الدَّوامِ أبدًا، تهافَت الأساتِذةُ عَلى الصفّ، تفنَى الحصَّة لتولد المواليَة، تغيَّرت العَناوينُ والمَضامين، لكنِّي ما أزالُ شاردةً فِي عالَمي الخاصّ، لا أنفكُّ أنظُر إلَى هاتِفي مُترقِّبةً اتِّصالًا مِنه.
احتَفى بي الكلُّ يومَ عودَتِي، وتمنُّوا لِي الشِّفاءَ مِن سَقمِي، إذ كبتُّ حقيقَة غِيابي عنهُم، لئلَّا تصيرَ قصَّتِي ضحيَّة للقيلِ والقَال، يحوِّرون ويغيِّرونَ فِي حيثيَّاتِها حتَّى تتماشَى مَع مُخيِّلتِهم، فتتشوَّه جماليَّتُها.
عَلى الثَّانِية زوالًا، ألفيتُ السَّائِق بانتِظاري كُثبَ البوَّابَة، مِن عادَتِي أن أستَعينَ بِه لبُلوغِ منزِلي مساءً، فرصيدُ طاقَتِي آنذاك لا يُشجِّع عَلى المَشي. ثَويتُ المَقعدَ الخلفيَّ للمرسيدس السَّوداء، وأسندتُ رأسِي عَلى زُجاجِ النَّافِذة الموصَدة، حِبالُ الهواجِس الَّتي عقدَتها الحيرةُ حولَ فُؤادي تجرُّنِي إلَى حافَّة الجُنون، وإيمانِي الكَهامُ يعجَز عَن بترِها.
دلَفتُ الشقَّة بتخاذُل، فقَد استَنزفني الإرهَاق والقَلقُ كذلِك، كلاهُما تعاوَنا عَلى الإطاحَة برأسِي أرضًا، عقبَ طلاقِ والِديّ، هاجَرنا الفيلّا الباذِخة الَّتِي شاركتنَا ذِكرياتِنا العائليَّة، واخترنا العيشَ في مكانٍ مُلائمٍ لشَخصين، لا تُنفِر مساحتُه الدِّفء. الشقَّة تحتضِنُ ثلاثَ غرف، حوَّل أبِي إحدَاها إلَى مَكتب، كَذا غُرفَة جُلوس، ومطبخ، وحمَّام.
لُذت بغُرفَتي الَّتِي طغَى عَليها الأرجوانيّ بدرجاتِه، الأثاثُ بنفسِ لونِ المُلاءَة الفاتِح، كأنَّه يطمَحُ إلَى البياض، كذلِك السَّقف والسجَّادة الَّتِي تُغطِّي الأرضيَّة، الجدرانُ تلتحِفُ ورقًا أغمَق ممَّا سبقَ، وحولَ الثريَّة حلقةٌ تكسِرُ شحوبَ السَّقف.
تركتُ الحقيبَة تسقُط عَن ظهرِي، ثمَّ طرَحتُ بَطنِي عَلى السَّرير، واتَّصلتُ بجونغكوك راجيةً أن يُطاوِع اشتِياقي. ما أنفَقتُ عَلى الانتِظار سِوى بِضعَ ثوانٍ، وها قَد وافانِي عَلى الضفَّة الأُخرَى، وبينَنا أميالٌ مِن النَّوى. أصدَر الهاتِف طنينًا، دلَّني عَلى أنَّه رفَع الخطّ، فقذفتُه بالعِتاب متأسِّيةً عَلى وضعِنا.
«مَتى ستُبادِر بالاتِّصال بي وتُفاجِئني؟»
قالَ بثبات:
«أنا رجلٌ مَشغول لاري، الشَّهرُ الأوَّل بعدَ عودَتي إلَى العَمل مُزدحمٌ دائِمًا».
لصوتِه عَلى الهاتِف مذاقٌ خليع، كأنَّ الإغراءَ يختلِطُ بموجاتِه قبلَ أن تلطِمني، مَهما أنهلُ مِنه لا أنالُ الارتِواء، نغماتُه تُدغدغُ غرائِزي الأنثويَّة، فأعانِي مِن وقتٍ عصيبٍ في كبحِ رغبتي به. لولا جديَّة المَوقِف لمنَحتُ نفسِي مُهلةً للتأثُّر، لكنِّي نسَجت اسمَه الكامِل بانزِعاج.
«جيون جونغكوك».
عَقلي بؤرةٌ للهواجِس، تنضحُ فيه بِلا انقطِاع، إذ رسَب كِلانا في علاقةٍ عاطِفيَّة مِن قَبل، حاوَلتُ إخفاءَها تحتَ نبرتِي الصَّارِمة.
«ألَم أخبِرك أن تعتبِرني مسألةً طارِئة لَا تحتمِلُ التَّأجيل؟ لا أريدُ أن أكونَ واجبًا يُشعِرك بالحاجةِ إلَى إنجازِه، ولَا هوايةً تلجأُ إلَيها في وقت فراغِك!»
اعتَدلتُ بالجُلوس، وحدَجتُ الحائِط بنَظراتٍ حادَّة، كأنَّ وجهَه الوَسيم مُرتسمٌ عَليه.
«لَن أسمَح لعملِك بأن يستولِي عَلى مكانَتي مهمَا بلغَ مِن الأهميَّة».
سكتُّ أدفَع أقساطَ حملتِي الشّفويَّة، إلَى أن صكَّ لِي ردًّا فاحِشًا، أغنانِي عَن الأعذَار.
«هل سنُضيِّع مُهلَة سدِّ دُيون الشَّوق على العَتب؟»
انقطَع أثيرُه عَن التدفُّق، ونابَ عنه زفيرُه الرَّتيب، كَم أتمنَّى لَو تتلبَّسه الفَوضَى، وتهزَّ مقاماتِه بأمرٍ مِن مُقلتيّ. استَغرقَ بُرهَة ليُفصِح عمَّا عصَف بنفسِه.
«اشتقتُك صغيرَتي».
كانَ اعتِرافُه قاعدةً بنَيتُ عَليها بسمَة رقيقَة.
«اشتقتُك أيضًا، العَلاقات عَن بُعد مُرهقة».
«أنتِ الآن مُدمنةٌ بحاجةٍ إلَى جُرعتِك منِّي، وإلَّا فسوفَ تفقدينَ صوابَك».
ضمَّت كلِماتُه معنًى قذِرًا، عكَّر بِركَة الحَنينِ بينَ ترائِبي، وأصابَني بالاستِهواء. انفلَتت مِن فمِي ضِحكَة، بينَما ينهارُ جسَدِي عَلى السَّرير، تخيُّله أعلاي، يحرِثني بقُبلاتِه يُفقِدني صَوابي. كيفَ يستَطيعُ الحِفاظَ عَلى ثباتِه بينَما يسيرُ عَلى ذِكرياتٍ مِن جَمر؟
حالمَا انتَهى أجَلُ المكالمَة، ودُفِنت فِي مقبَرة الصَّمت، احتَضنتُ الهاتِف إلَى صَدري بإحبَاط، وقد شيَّد التَّجهُّم أعشاشَه علَى ثَغري. كلَّما سِرت في شِعاب أسبابِه لعلّي أغفَلتُ منعطفا ما، أُلت إلَى ذاتِ النِّهايَة، نهايةٌ مفادُها أنَّه يتهرَّب مِن مُقابَلتي وجهًا لوَجه، ولا تنفكُّ تساؤُلاتِي تحفِر غُموضَه بمناجِلها، رغمَ أنَّ نُقطَة البِدايَة قَد تكونُ خاطِئة.
لا يُمكِنني المُجاهَرة بشكِّي، قوقعةُ حجَّته صَلبة، رغم ضعفِ مُحتواهَا، وكلُّ ما لديَّ ضدَّه أدِلَّة ظرفَيَّة، لَن تنالَ مِن خبايَاه، وربَّما شَوقي إليه يُلفِّق له التُّهَم بعَونِ الأوهَام، أوهامٌ ترعرعت بينَ مخاوِفي، فإنِّي أخشَى أن أكونَ مُجرَّد نَزوة فِي حَياته، الآن وقَد أصبَح الكَون تحتَ إمرتِه فلَن يحتاجَ إلَى ربتاتِ عِشقي. وقَد أُدانُ بالتَّشهيرِ لَو حاكَمتُ حُبَّه، وأفقِده إلَى الأبَد.
تأفَّفت باستِياء، بينَما أركُل الفِراش بقدميّ، أشعُر أنِّي أغرَق في الَعجز، لستُ مِن هواةِ العَلاقاتِ عَن بُعد، قُبلة إلكترونيَّة لَا تَكفيني.
«كيفَ لجونغكوك أن يرفُض مُقابلتِك!»
قاطَع جُنونِي صوتُ والِدي الَّذِي وقف عِندَ مدخلِ غُرفَتي، حينئذٍ ترفَّعتُ عَن السَّرير بانفِعال، كانَ سُؤاله بمثابةِ منبرٍ اعتَلاهُ حِنقي، وتفنَّن في الخِطابَة، كأنَّ المُستمَع صديقَتي، غفِلت أنِّي قد ألقَى حتفِي بسببِ ما أقوله.
«بالضَّبط، كيفَ له أن يصدَّ حاجَتنا إلَى الاجتِماع؟ مهما تفانَيتُ في اختِلاق المبرِّرات لصالِحه تُبطِلها قوانينُ الحبّ، ألا يتوقُ إلَى رؤيتي؟»
لمَّا انتبهتُ أنِّي مُحاصرةٌ في عرضِ مُحيطِه الأزرَق، تتقاذَفُ أمواجُه مرآي، كأنِّي سفينةٌ انحرَفت عَن مسارِها، أدرَكتُ الوَرطة الَّتي وقعتُ فيها، لَا بل كمينٌ مُحكَم مِن صُنعِ فِطنته، ركَضتُ إليهِ بكلِّ حُمق، إذ زيَّنه بتأييدٍ زائِف.
«ليسَ كما تظنّ».
لوَّحتُ بيديَّ أنفِي التُّهمَة عنِّي، رغمَ ضعفِ المُبرِّرات، فالاعتِراف سيِّد الأدلَّة، وقَد لفَظتُه في لحظةِ غفلَة. صلبَ ذراعيه في صَدره، ويبدُو أنَّ دورِي هو التَّالي.
«مَتى كُنتِ تنوينَ إخبارِي عَن ارتِباطكما؟»
طأطأتُ رأسِي بخَجل، ولَم أستطِع أن أنبِس ببنتِ شفةٍ لشوطٍ مِن الزَّمن، ختَمتُه بعلامةِ استِفهام.
«كيفَ علِمت؟»
اقتَطع تذكرةً نحوَ سَريري، ودنا مِنه بخطواتٍ مُتأنِّية، حيثُ جلسَ بجانِبي مُضمِرًا رأيَه فِي ظرفِ الصَّمت، لَم أجرُؤ عَلى النَّظرِ إلى وجهِه، خوفًا مِمَّا سأقابِله فيه. ترَكني أحترِق بتوقُّعاتِي، كأنَّه يُعاقِبُني عَلى الجرائِم الَّتِي اقتَرفتُها، عِندَما غابَت عنِّي رقابتُه، ما شَفي غليلُه حتَّى صِرتُ رمادًا منثورًا.
«زُرعتُما تحتَ سقفٍ واحدٍ لشَهرين، لَا ريبَ في أنَّ المَشاعِر ستُزهِر فيكُما، راوَدني الشكُّ حِيالَ علاقتِكما، لكنِّي انتَظرتُ أن تُخبريني بنفسِك، لَم أرِد أن أضغَط عليك».
مالَ بظهرِه إلَى الخَلف، ونصَب كفَّيه عَلى الفِراش للمزيدِ مِن التَّوازُن.
«قابَلني جونغكوك، بعد يَومين مِن عودتِك، وطلبَ إذنِي لمُواعدتِك. لأتحقَّق مِن صَفاء سَريرته تجاهَك، حرَمتُه مِن رُؤيتِك وجهًا لوَجه، فلَو كُنتِ تسليةً لَه لاستَبدلك».
خِلتُ أنِّي سأكابِد تداعِيات العِشق الأعوَج الَّذِي قامَ بداخِلي، بعدَ أن يعصِف بي غضبُ والِدي، وسأدفعُ ثمَن كلِّ لحظةٍ آثمَة شاركت جونغكوك فيها، لكنَّ وقعَ حديثِه كانَ بخفَّة النَّسيم. رفَعتُ بصَري بتردُّد، وتفحَّصتُ ملامِحه لعلّي أهتدِي إلَى ما يفكِّر فيه.
«سأطرَح عليكِ السُّؤال ذاتَه، لستِ حاملًا؟»
أثارَت جُرأتُه خَجلِي، فاحتجَّ فِي وَجنتيّ وطبَع عَليهما آثارًا حَمراء. أنكَرت أذُنايَ ما تسمَعانِه، رغمَ أنَّ عيناهُ تُطالِبانني بجوابٍ صَريح.
هتفتُ بتذمُّر:
«أبي!»
«كان مُجرَّد سُؤال، شبابُ هذِه الأيَّام متهوِّرون».
صوَّبت سبَّابتي نحوَ صَدرِي بدَهشة.
«هل تقولُ أنِّي مَن أغويتُه؟ هل أنا ابنتُك أم هُو؟»
وازَى بصرُه السَّقف، وتنهَّد متصنِّعًا الاستِسلام.
«أظنُ أنِّي سأضطرُّ لرفعِ الحَجر شفقةً عَليكِ».
أشرَقت البَسمةُ فِي ثَغرِي كفجرٍ جَديد، لمَّا تهالَك ظَلامُ التوجُّس، وأيقَنتُ أنَّ والِدي تقبَّل آصِرتنا. اقتَحمتُ حُضنَه دونَ سابِق إنذار، فارتدَّ إلَى الوَراء، كَما لَو أنَّ طلقةً طائِشة اختَرقت صدرَه، ثمَّ تمالَك توازُنَه، وتغمَّدني بذِراعَيه.
بعدَ أن تخلَّت أمِّي عَن دورِها تقمَّصه رغمًا عَنه، كَي لا يختلَّ سيناريُو شخصيَّتِي، وأغدَق عليَّ بحنانٍ مُضاعَف، لعلَّه يُدارِي الفَراغَ الَّذِي سيظلُّ موجودًا في روحِي، فجوةُ نقصٍ لَن يملأَها أحَد، حتَّى وإن وضَع فوقَها غِطاءَ سِلوان.
كانَ ماضيَّ نهارًا لَم تغرُب الشَّمسُ الَّتِي توَّجته؛ عبرةٌ عانَقت ذاكِرتي، كإكليلِ آلهةِ إغريق، بتلاتُه مِن ذهَب، لَا تذبُل، خلعُه يَعنِي التخلِّي عَن عرشِ الأمَان، وخَوض حربٍ أُخرَى، تبِعاتُها مَجهولَة.
اختبأتُ في جُحرِ الحَذر مِن التَّجارُب الجَديدَة، خِشيَة أن يعضَّنِي الإخفاق كالمرَّة السَّابِقة، ويترُك في شِغافِي ندبًا آخر، فإذَا بغسقٍ فاتنٍ يحلُّ عَليّ، غطَّى سوادُه كلَّ لحظةٍ شجنٍ مررت بها، فيهِ صارَت صَفحتِي البَيضاء الَّتِي دنَّستها الخَيبة وكأنَّها فارِغَة، إذ انسَكب عِشقه عَليها، ولوَّنها. لا أعرِف ما يُضمِره لَنا الغدّ، لكنِّي قبِلتُ بأن يكتُب بي ما شاءَه.
ترقَّبتُ الجُمعَة بفارِغ الصَّبر، حيثُ دبَّرتُ لَنا موعدًا لَا عِلمَ له بِه؛ مُفاجأةٌ أُخرَى مِن أنثَى تُعاشِر الحبَّ بعقليَّة طِفلَة، لَا تسأمُ المُبادَرة إطلاقًا، ترضَخُ للغَضب إن دعَاها إليهِ التَّجاهُل، ثمَّ تعودُ إلَى سابِق عَهدِها، أنثَى تُحاوِر اللَّهفَة بقلبٍ ثرثارٍ لَا يعرِف الصَّمت، في جُعبتِه أكثرُ مِن دقَّة بحاجةٍ إلَى السَّفرِ عَلى متنِ كلِمة.
عاينتُ الثِّياب المُرشَّحة لتولِّي مَظهرِي، كانَت معلَّقةٌ فِي الخِزانةِ تستعرِضُ ما بحوزتِها أمامَ عينيّ، ما لبِثت وأن انتَخبت فُستانًا قصيرًا، فِي مُعترَك سوادِه تقاطَعت خُطوط حَمراء غليظَة، فقسَّمته إلَى مربَّعات، وعِندَ مُنتصفِ فخذيَّ، ألقَى أسلِحَته مُعلنًا عَن نِهايته، حيثُ انبَثقت مِنه طبَقتانِ أُخريَان، لَا يشوبُ عِتمتهُما أيّ شيء، كانَ صدرُه مخرَّمًا بالدّانتيل، وقَد التَقى طرَفا ياقتِه فِي مَطلعِ جَيدي، عانَق جُزئِي العُلويَّ بحَنانٍ، وأعتَق خَصرِي مُحاصِرًا حُدوده بينَ طيَّاتِه دونَ أن يمسَّها، عقَدتُ حولَ رأسِي شريطةً حَمراء، ثمَّ اكتسيتُ مِعطفي الشتويّ، وعزَلتُ قدميَّ فِي حذاءٍ مُسطَّح.
أوصَلني السَّائِقُ إلَى شركَة جونغكوك، رآنِي الحُرَّاسُ وأنا أترجَّلُ مِن سيَّارةٍ فاخِرة، تنمُّ عَن ثَراءِ صاحِبها، فأعفونِي مِن استِجوابٍ مَحتوم، كانَ عقبةً في طَريقِ مُفاجأتي. علمتُ مِنه أنَّ مكتبه يكمُن في الطَّابِق الأخير، لم يشكّ فِي نواياي حينَما سألتُه عَن مقرِّه بالتَّحديد، وما الَّذِي يدفعُه للشكِّ عَلى أيِّ حال؟ حبيبةٌ فُضوليَّة تودُّ جَنيَ ما تيسَّر لَها مِن جنائِن معرِفته.
حجَزتُ المِصعَد مَع ثَلاث موظَّفين، تخلُّوا عَنه بمُجرَّد ما وصَلوا إلَى غاياتِهم، وتابَعت المَسار بمُفرَدي، حتَّى المحطَّة الأخيرَة، هُناكَ حَيث كشَف مِصراعاه عَن رواقٍ طَويل، يتصدَّرهُ مكتبٌ طَليق، لَا تُحاصِره أيَّة جدران، جلسَ خلفَه رجلٌ فاتِن كالشَّيطان، الإغراءُ يسكُن مُروجَ مُقلتيه الخَضراء، تحسُد الأنظارُ بذلتَه السَّوداء عَلى قُربِها مِنه؛ سكرتيره.
أجزَتُ لعينيَّ تأمُّله، تقديرًا لخلقِ الربّ فقَط، بينَما أسترعِي انتِباهه بجديَّة.
«هل السيِّد جيون بالدَّاخل؟»
تصفَّحني بدقَّة، بما أنِّي وجهٌ جَديدٌ يحطُّ عَلى رفِّه. التقَطت من أحدِ أحَاديثي العابِرة معَ جونغكوك اسمَ مُساعِده الشَّخصيّ، تايهيونغ.
«هُو كذلِك، ولكِن هل لدَيكِ موعد مُسبَق؟»
«أتيتُ لخلقِ مَوعِد، مُذ أنَّ رئيسَك يعبُد عمَله».
عدَّلتُ حزامَ حقيبَتي بكبريَاء، ثمَّ استَهدفتُ البابِ في نِهاية الرِّواق بخطًى وئيدَة.
«لا يُمكِنك الدُّخولُ قبلَ أن أستَشيره».
شعَرتُ بالخَطرِ حينَما نهضَ عن مقعدِه، أوحَى لي عقلِي أنَّه سيُطارَدنِي ليمنَعني مِن الدُّخول، ويُفسِد مُفاجأتِي العظيمَة بإبلاغ جونغكوك عَن مجيئِي، لذا هرَعتُ نَحو البابِ الأسوَد العَريض بُغيَة إنقاذِ خطَّتي، واقتَحمتُه دونَ أن ألجَأ إلَى الأدَب، رغمَ نبلِ الدِّماءِ الَّتِي تتدفَّق في شَرايينِي.
سكنتُ وسطَ قاعةٍ رحبَة، شفَّت حيطانُها الزُّجاجيَّة عَلى سماءِ شُباط الغائِمة، كانَت تكتنِف مكتبًا وأريكَة جلديَّة حالكَة، بالإضافَة إلى طاولةٍ تُحيط بها أربعةُ كراسٍ، تخصُّ الاجتِماعات المُصغَّرة، صبَّ بِي الطَّريقُ الَّذِي اختَرته فِي مُحيطِه الأزرَق الَّذي هزَّته رِياحُ حُضورِي، فتموَّجَ بمزيجٍ مِن الدَّهشة واللَّهفة.
«لاريسا؟ كيفَ أتيتِ؟»
قبلَ أن يغترِف لسانِي حرفًا، تريَّث تايهيونغ خَلفي بأنفاسٍ مُضطربةٍ جرَّاءَ ركضِه.
«آسِف سيِّد جيون، لَم أستطِع مَنعها».
ردَّ جونغكوك بهُدوء، وما يزالُ رهينةً لدَى مقعدِه.
«لا بأس، يُمكِنك الانصِراف».
انسحَب مُساعِده خارِج المَكتب، وأغلقَ البابَ خلفَه باحتِرام، ما استَفسر عَن هويَّتِي، رغم إلحَاح فُضولِه. كانَ ضوءُ النَّهارِ ينسابُ مِن الحيطانِ الشفَّافَة الثَّلاث، أمَّا الرَّابِع فمن الخرسانَة شَأن بقيَّة أنحاءِ المَبنى، يفصلِ المَكتبَ عَن الرِّواق.
في مسودَّة فِكري أكثرُ مِن اعتِرافٍ يتحيَّن الفُرصَة لارتِياد سمعِه، والتغنِّي بنظرةِ الوَلعِ في عَينيه، لكنَّ وقعَ اللِّقاءِ كتَم غوغاءَ القَلب، وانحنَى الكلِمُ تبجيلًا للشَّوقِ الَّذِي سارَ موكبُه بينَ أجفانِنا، شوقٌ جَليل لم يستطِع أيٌّ مِنَّا الوُقوفَ في وَجهه.
تملَّص مِن مجلسِه أخيرًا ليهرُب إليّ، واحتالَ عَلى المَسافَة الُمنتشِرة بينَنا، بعدَ أن صادَرتُ بعضًا مِنها ليظفَر بقُربِي. لم يُمهِلني ما يَكفي من الوَقت لأخمِّن حركَته القادِمة، فقَد انهالَ عَلى شفتيَّ بضراوةٍ جَيشٍ انتَقاه الهَوى ودرَّبه النَّوى، يثأرُ لصلبِه الَّذِي عمَّته الفَوضى، كانَت دقَّاتِي المتوتِّرة وأنفاسِي المَبتورةُ الَّتِي تشوَّهت في حربِ الرَّغبَة غنيمَته وكلُّ ما أرادَه.
خيَّم الوَسنُ عَلى شواطِئي، قبلَ أن يُسدِل الظَّلامُ ستائِره عَليها، اختتَم أمسيَة الذُّهول، فدقَّت ساعةُ الشُّعور، وتوالَت عَلينا ويلاتُه الجميلَة، بدأ الأمرُ بقبلاتٍ ساخِنَة، ما دَرينا أنَّها ستخرُج عَن السَّيطرة، إلَى أن احترَقنا بلهيبِ الشَّوق، تَقسو ذِراعاهُ على خَصري، وأوبِّخ خُصلاتِه الشَّقراء الطَّويلَة برقَّة، حتَّى صِرنا رمادًا يَذروه الشَّبقُ نَحو الحائِط، حيثُ تداخَل جسدُه بجَسدي.
سفَّ ثغري بشغَف، كَما لَو أنِّي دواءٌ نادِر، لَم يعثُر عَليهِ في أيِّ امرأةٍ غيرِي، وما كَان منِّي إلَّا أن أذعَنتُ لكلِّ قرارٍ يُصدِره لِسانُه، ونفذتُه بخِبرَتي المحدودَة في الشُّؤونِ العاطِفيَّة. تناوَل ثِمارِي بشراهَة، وبينَ الحينِ والحينِ يُغيِّر الزَّاويَة باحتِرافيَّة، كأنَّ كلَّ ركنٍ منِّي يعرضُ عليه نوعًا مُختلفًا مِن الملذَّات، وسويًّا ارتَحلنا إلَى أقصَى العِشق، رغمَ المشَاقّ.
اقتَفت يدُه رغباتِه على ساقِي العارِية، حتَّى حافَّة الفُستان لَم تمنَعها مِن التَّغلغلِ إلَى قُطرِ أنوثَتي، وبقُبلةٍ سرَق جميعَ اعتِراضاتِي، أقنَعنِي بالتَّنازُل عَن حُكمِي له، ثمَّ ساقَ شَفتيه عَلى عُنقِي، تارةً تلفحُني نسماتُه الحارَّة كلَحظة وَداع، وتارةً يوقِّعني بحبرِ التملُّك سواءٌ خلَّف فيّ أثرًا أم لَم يُخلِّف. سُرعانَ ما شقَّ همسُه جُدران الصَّمت الَّتي شيَّدتها أحاسيسُنا، واعتَكفت فيها تتضرَّعُ المُتعَة.
«إذًا أيَّتُها المُشاغِبَة، تأتينَ إلَى شرِكتي دونَ إخبارِي، وتُعذِّبينَ مُساعِدي الشَّخصيّ نفسيًّا وجسديّا».
بخُيوطِ آهاتِي حاكَت مُداعَباتُه تنهيداتٍ لثَّمت ثَغرِي، لمساتُه الماجِنَة سلَبت مِنِّي القُدرَة عَلى النُّطق، تفترِقُ شَفتاي لكِنَّ الحُروفَ لا تسلكُهما، في حضرتِه أصيرُ جِسرًا مُهترِئًا، لَا تعبرُه الأحادِيث، فأنَّى له أن يفتَح بينَنا حِوارًا وأنا فِي مِثل هذِه الحال؟
سحَبتُ إلى قاعِ رئتيَّ شهقَةً مَهزوزة الأواصِر، أجزِمُ أنَّه قَد لاحَظ رداءَتها إذ كانَت رجفتُها مَسموعَة، وإلَّا لَما ضحِكَ بخُشونَة بينَما شَفتاهُ تعانِقان جَيدي.
«مَن يُعذِّب مَن؟ واضحٌ أنَّك تسيء استِخدام سلطتِك ضدَّه!»
غَمغم بصوتٍ أجشّ، وقَواطعه مُتآمِرةٌ عَلى تَعنيف عُنقي، ستترُك علامةً عَليه حتمًا.
«كلُّ ما في الأمرِ أنَّه يُراعِي جديَّتي في العَمل».
داعَبتُ سنابِله الشَّقراءَ عَلى قفَا عُنقه، حيثُ استقرَّت أنامِلي مُنذ أمَد، وارتأيتُ إغاظَته.
«لكنَّه وَسيم، كِدتُ أصابُ بأزمةٍ قَلبيَّة».
خسفَ لونُ وجهِه، وأظلَم كقمرٍّ مُكفهرّ، يفقِد وهجَه للَّيالِي المُتطرِّفَة.
«لقد تهاوَنتُ معَك كثيرًا لتظنِّي بأنَّك قادرةٌ عَلى امتِداح رجلٍ أمامِي، والإفلات مِن جُرمِك بِلا عقاب».
اعتادَ أن يُعامِلني بجفاءٍ شَديد في البِدايَة، كانَ رجُلًا باردًا مِن جَليد، بليدُ الحِسّ كأنَّ فُؤادَه لا يَفقهُ في لُغة التَّعاطُف مثقالَ ذرَّة، هُو الَّذي اشتُهر في فِكري بلسانِه السَّليط، لكنَّ الحُبَّ هذَّب أشواكَه، فصارَت ناعمةً مثلَ الوُرود. ذابَت قسوتُ معي وما تزالُ الثُّلوج تعلُو قمَّته، ربَّما ذلِك مَا يَعنيه أن تَكون شَاهقًا، وأمامَ سطوةِ العِشق، حتَّى الجِبال تركَع!
التفَّت يدُه حولَ عُنقي بخُشونَة، وأحرَقني اللَّهب الأزرَق الَّذي يرقُص بينَ جفنَيه.
«لستُ عَلى وفاقٍ مَع الكلِمات، سأدَعُ جسَدِي يتولَّى تأديبَ جسدِك».
غادَرت فمي بَسمة، كشَفت تحرُّقي لما لَديه.
«أرِني، جون».
هو في قَلبي يتَرقرق، لا يُقيِّدُه مَجرى ولَا يحكُمه نسَق.
يترقرق| فنون سريريَّة.
تمتَّ بتاريخ ٠١- ٠٦- ٢٠٢٢
جونغكوك: ISTP
لاريسا: ENFP
هلاوز خفافيش 😎❤
مش مصدقة انو الرواية اكتملت 😭😭😭 حاسة بالاكتئاب والراحة، ما رح يكون في جون ولاري بعد اليوم ومن جهة ثانية صار عندي رواية مكتملة انجاز عظيم لكاتبة ساحبة مثلي 😹😹
بعد ما غدر فيني الواتباد كان نفسي انزلو مبارح بس ما لحقت لأني كنت مصدعة حالتي نفس جونغكوك بالرواية لما تجيه نوبات شقيقة 💔
ما انتبهت اني نشرتو بالغلط، لايك اختفيت خمس دقايق ورجعت اتفقد لون عيون ديميتري بالفصل الأول لقيت عشرين فوت واحس فضيييحة الفصل كان ناقص وملامح المشاهد مش مبينة يلي شافوه مبارح ورجعو اليوم يقرأوه رح يعرفو ليش بقول دائما انو التعديل كابوسي 🌚
اي هوب الرواية كانت خفيفة عليكم وما حسيتو بالملل فيها 😌 هون ارتكولي آراءكم بخصوص الرواية بصفة عامة، مشاعركم وانتقاداتكم أي شي حابين تقولوه
رأيكم بالفصل!
جونغكوك!
لاريسا!
الفكرة والأحداث!
السرد!
النّهاية!
ألقاكم بأعمالي الثانية، يلا تفضلو على لحظات جامحة 😂😂
دمتم في رعاية اللّه وحِفظه 🌸
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top