خِدمَة صَغيرة| ١٢

لَم أمتهِن تملُّقَ الأبصَار، ليرضَى عليَّ الدَّهر، ويُعفينِي مِن ضَرائِب النَّوائب، فانتَهى بِي المَطافُ حبيسَ قُضبانٍ مِن صُنعِ النَّدم، أتمنَّى لَو استَغنيتُ للحظةٍ عَن عِنادِي، وأصغَيتُ إلَى وصايَا اللِّين، حينَما همسَ فِي فُؤادِي الأصمّ يُحذِّرُنِي مِن طِباعي.

نَسيتُ أنَّ القُلوبَ ليسَت فردوسًا، كُلَّ مَن بُشِّر بِها خالِدٌ فيهَا إلَى الأبَد، والإهمالُ فِي مذهبِها خطيئةٌ حُكمها الطَّرد. ولا تَقبلُ الكرامَة أن يعيشَ بينَ سَراياها الحُبُّ كعالَة، يتشرَّبُ مِن تنازُلاتِها، ولَا يُقدِّم لَها أيَّ مُقابِل.

لقَد جُبِلتُ عَلى وجهٍ واحِد صَلب، وكانَ جَفائِي السَّببَ فِي دمارِ حياتِي، جمَعتُ أجزائِي المُتناثِرة عَلى أرضِ الخَيبَة، وألَّفتُ بينَها لعلّي أعودُ إلَى سابق عَهدِي، لكنِّي فقَدتُ رِفعتِي بنَظري، بَل كُنت أشبَه بتلٍّ مَجذوم، ليسَت لَه المقدرة عَلى القفزِ بشبرٍ آخر، كشمعةٍ أُنقِذت مِن الاحتِراقِ بعدَ أن نهشَ قوامَها.

لا أدرِي هل عليَّ أن أشعُر بالامتِنان لأنِّي صحَوت مِن غَيبوبَة أنانيَّتِي، أم بالحَسرَة لأنَّ الزَّمن قَد أبحَر مِن دونِي، وعَلى متنِه حبٌّ عزيزٌ عليّ، فوَجدتُنِي قاعِدًا فِي مرفَأ الوجيعَة، أتأمَّلُ الأفقَ الَّذِي ابتَلع ما ملكتُه يومًا، وفرَّطتُ فِيه عَن غيرِ قَصد، أَرجُو لَو يَركبَ الشَّوقَ إليّ، حتَّى هرِمت مُهجَتِي. ولَا أريدُ التَّفكيرَ أنَّها قدرٌ نزَل ليأخُذَ مُهجَتي إلَى دارِها، ويَطوِي عَلى صفحةِ الانتِظار.

لَا أودُّ اعتِبارها نَزوةً غشِيت سَمائِي، وسوفَ تنقشِع بعدَما تُفرِغَ حُمولَتها فِي تساقُطٍ وَحيد، يَروِي الثَّرَى الَّذِي ذبُلت فيهِ وُرود الشَّغف. مبادِئي لا تُطاوِعُني عَلى استِغلالِ وَضعِها لمصلَحتِي الغَريزيَّة، جَميعُ منافِذها سانِحَة، ولَو شِئتُ الدُّخولَ إلَى عقلِها لمَا منَعتني حواجِزُها النَّفسيّة.

حالَما أطلَقتُ سراحَ خصرِها، هرَعت إلَى طرفِ المَسبح، دونَ أن تتفوَّه بكلمَة، كأنَّ الارتِباك قَد سدَّ مخارِجَ حُروفِها، ورُدِم رأيُها عمَّا حدَث تحت أنقاضِها، سواءٌ كان عتبًا أم طرَبًا. لم أردَعها، خِشيَة أن يُقنعني قُربي منهَا بالعُهر، أو تُبرهِن لِي شياطِيني مَشروعيَّتها إفكًا. راقَبتُها وهِي تخرُج مِن الحَوضِ بسُرعَة، فجرَّد المَاءُ جسدَها مِن سِتاره، وأضفَت بقاياهُ الَّتي رصَّعت أديمَها عليهِ مسحةً مِن الإغراء، يُضرِمُها ضَوءُ المِصباح كلَّما انكَسر عَليها.

نَهيتُ عينايَ عَن التوغُّل فِي تَضاريسِها الشَّاقة، وعِند إحدَى مطبَّاتِ أنوثتِها خرَّت أنفاسِي، وقامت بعدَ ذلِك عَرجاء. ما كانَ عَليها أن تموجَ، فإنِّي لزورقٌ توهَّم أنَّه كُفؤٌ للُجَّتها، فانقَلب. قَد نصَبتُ أوتادِي عَلى دُبرها، إن زلزَلتها خُطوةٌ هزَّت كيانِي مَعها، وكُلَّما تحرَّكت ازدادَ اضطِرابٌ دواخِلي. أنا مُعتادٌ عَلى مِثل هذِه المَناظِر، لِماذا أشعُر أنِّي أشاهِد مَقطعًا إباحيًّا إذًا؟

نقَعتُ رأسِي فِي حُضنِ المَاء، أنظِّفُه مِن الشَّوائِب الَّتِي نبَتت فيه، لكنَّ صورَتها ما تزالُ مَحفورةً فِي ذِهني، تُطرِّز ظلامَ جَفنيّ بخيوطٍ فِضيَّة كالنُّجوم، لا يسعُني التَّغافُل عنَها. بعدَ أن انقطعت أنفاسِي تمامًا، سمَحتُ لي باجتِراع الهَواء من جَديد. لم ألبِث فِي المَسبح وقتًا طويلًا عقِب رحيلها، إذ اتَّجهتُ نحوَ غُرفَتي بروحٍ دنَّسها السَّواد، كليلٍ متملٍّك يفرضُ تعاليمه الغاشِمة على السَّماء، لمجرَّد أنَّها وقّعت مُجبرةً عَلى قِرانهما بقلَم الغُروب!

ارتَديتُ ملابِسي، وجفَّفت شَعري ثمّ جهّزت العشاء بشُرود، بينَما أذاكِر صفحاتِنا المفعَمة باللُّبس؛ وكلَّما تعمَّقت في التفكير أيقَنتُ أن النِّهاية مسدودة. كانَ الجوُّ بينَنا محمومًا إبَّان العشاء، تشارَكنا ذات المائدَة، لكنَّ المسافة بين أذهانِنا كانَت سحيقَة؛ فقَد خاصَمت الأحادِيث ألسِنتنا، عتبًا على الكلِمات الَّتي تدافَعت بداخِلنا، وتساقطَت نظراتُها حولِي، لَا بي، أحيانا أتنشَّق أقحوانَتيها الجميلتين بشَغف!

حتَّى وأنا مُستلقٍ على السَّرير، خَيّمت عليَّ سُحب الذكرياتُ وصبَّتها بغَزارَة، قضيتُ ساعتين على نفسِ المِنوال، ذراعي الَّتي علِقت بينَ رأسِي والوِسادَة شِبه مُخدَّرة، نقلتها إلى المُلاءة بعدَما انحرفتُ على جانِبي الأيسَر، وأخَذ جَفنايَ العُلويَّان ينهَاران رُويدًا رويدا، لقَصفِ النُّعاس، وقَبل أَن يرقُدا بَسلامٍ عَلى نَظيريهما، أسنَدتهما طَرقاتٌ رقيقَة، مسَّت بابَ الغُرفَة، وأفسَدت صَمت المَكان.

علِمتُ مُباشرةً أنَّها لاريسَا، فَلا أحدَ غيرَها بالمَنزل، كما أنَّ بريت رابضٌ بإزاءِ قدميّ. قُمت مِن الفِراشِ بتململ، مُستغربًا سبَب هذَا الأدَب المُفاجئ، فمُنذ أن أسقَطت الأُلفَة الكُلفة بيننا صارَت تقتحِم خلوَاتي بلا استئذان. واربتُ البابَ واستقبلتها بوجهٍ جافٍ خالٍ من الشُّعور، فرطَّبته دموعُها الجارِفة، وامتلأ بالقلق.

«جون، أنا فِي ورطَة، ما الَّذِي ينبغِي عليَّ فِعله الآن؟»

كانَت الشَّهقاتُ تحفُّ مخارِج حُروفِها، كثيرًا ما تعثَّرت بإحداها فِي طريقِها إلَى مُرادِها، ورغمَ جاذبيَّة السُّكوتِ ظلَّت مُتوازِنةً عَلى حافَّة البَوح. اختَصرتُ المسافَة بيننا بخُطوة غيرِ مَدروسَة، وغَمرتها أمواجِي الَّتي أثارَتها رِياحُ الوَجعِ المُنبثِقة مِنها.

«لقَد تركتُك عَلى ما يُرام منذ ساعتين، ما الخطب الَّذي استجدَّ معَك؟ هل تَشعرين بالمَرض؟»

أومأت مرَّة بالنفي ومرَّة بالإيجَاب، جَعلتني في حيرةٍ من أمرِي، وما اقتنعتُ بأيِّ استِنتاجٍ لفَّقه عَقلي حتَّى يصرِفني عَنها، إلَّا بعدما تفقّدت حرارتَها بكفِّي، وتأكَّدتُ أنَّها ليسَت مَحمومَة. زفَرتُ باطمِئنان، ثمَّ سحَبتُ يَدِي مِن ناصِيتها مُستفهمًا.

«ماذا هُناكَ إذًا!»

انتبَهت إلَى ذِراعيها المَشدودتين حَول معدَتها، فوقَ القميصِ الأرجُوانيّ المُرتكِن عندَ مُنتصَف فخذَيها، فخطَر لي احتمالٌ آخر لحالتها، طرحته عَلى الفَور، بِما أنَّها وقَّعت عقدًا مَع الكِتمان، بعدَ أن عاثَت القَلق فِي صَميمي.

«ألديكِ مغص؟ بحوزَتي دواءٌ للتخلُّصِ مِن عُسرِ الهَضم أو التسمُّم».

أبطَلت اعتِقادِي بإيماءةٍ صامِتةٍ أُخرَى، ثمَّ اعتَكفت نَظراتُها عَلى الأرضيَّة. تسلَّل التبرُّم إليَّ مِن فجَواتِ وجومِها، فقَد وضَعتنِي أمام لُغزٍ مُحيِّر، وترَكتنِي. هتَفت بنفادِ صَبر.

«تحدَّثِي إذًا».

اهتزَّ كتِفاها عَلى إثرِ صَيحتِي المُدويَة، وتضرجت وجنتاها بالخجل.

«إنَّه ذلك اليوم من كلِّ شَهر».

جحظَت عينايَ بدَهشة، نسيت لوهلةٍ أنَّها امرأة ولابدّ من مداهمَة الدَّورة لها كلّ شَهر، فاستَثنيتُها مِن لائِحَة الأسبَاب كُليًّا. عمَّ برودٌ موحشٌ ملامحي، إذ شعرتُ بالعَجز؛ ليس بالمنزل أيّ فوطٍ صِحيَّة، ومن أينَ قَد آتي لها بِها في هذا الجوِّ العاصِف؟

تضافَرت ذِراعايَ عَلى صَدرِي، ولفَظت أوَّل ما تَبادر على ذِهني كحلٍّ لمِحنتِها.

«لا خَيار أمامكِ سِوى اللُّجوء إلَى الحُلول البِدائيَّة، يُمكنكِ استِخدام المَناشف المَوجودة في الحَمَّام».

اخترقت سهامُ نشيجها سَمعي دلالةً على استِنكارها لاقتِراحي، ربَّما يوحي لها التَّرف الَّذي لطَالما عاشَت فيه بوضَاعة الانصياعِ لِما تفرِضه علَيها الظُّروف من ضِيق، هي صَبيَّة أرستُقراطيَّة اعتادَت عَلى الدَّلال، فأنَّى ترضى بالذلّ؟

«وهل يُمكنك أن تفتَح صُنبورًا عَلى مِنشَفة، دونَ وقوعِ تسرُّب؟»

امتَثلتُ للانفِعالٍ وخاطَبتُها بلهجةٍ قاسِية، ما ترأَّفت بفُؤادِها السَّقيم.

«لماذا تنتحِبين الآن؟ ما الذي تريدينه منِّي!»

ازدادَ تشبُّثها بالعَويل، حينَما أيقَنت أنَّ الوثوقَ بِي لَن يجنِي عَليها سِوى التحطُّم، وقَد رقَّ كِبري لحُزنِها، بَل استَرقَّ أنينُها حَواسِي، وقيَّدها بأغلالٍ صلدَة، لَا تهون.

«أتظنُّنِي سعيدةً بما أعانِيه الآن؟ أنا مُحرجةٌ لأنِّي أُجبِر رجُلًا غريبًا على الإصغَاء لمشَاكلي الأنثويَّة، وانتخاب الحُلول لانتشالي من فقرِ أفكاري، حتَّى أبي لَم يسبِق وأن شاوَرتُه بهذَا الخُصوص!»

كُنت منيعًا كالصَّخر، لا تجتازُه أيُّ آهةٍ هَطلَت عَليهِ مِن سماءِ القُنوط، أو تستعطِفُه مَهما اشتدَّ وقعُها. جافًّا لَا تزخَرُ أعماقُه بأيِّ قطرةٍ تَروِي المَعطوبين. لوَّح ثغرِي ببيرَق الاستِسلام؛ تنهيدَتي الَّتِي تعالَت ببُطء، ثمَّ مسَحتُ رُفوفَها الَّتِي غبَّرتها الدُّموع، عسى أن أبثَّ في صدرها بعض الطمأنينَة، ورشوتُ ملامحي بالشَّهامَة لتُظهر قليلا من اللِّين.

«كُفِّي عَن البُكاء، ولتُساعِدينِي عَلى تَحصينِ اقتِراحِي، لديَّ فِكرةٌ قَد تنفَع».

رفَعت رأسَها عَن صَدرِي، ونَظرت إليّ بلهفةٍ مُتحرِّية صِدقَ ادِّعائِي، حينَما عثَرت عَلى دليلٍ ينمُّ عَن الثِّقَة، سجَنت شهَقاتِها المُتمرِّدَة بداخِل فمِها، وأطرَقت بخُضوعٍ لطَلبِي. أعتَق الضِّيقُ مَرآها، ففُتِنت بما انجلَى لِي، كأنِّي أراها بعينٍ أُخرَى، أو رُبَّما تمزَّق الغِشاءُ الَّذِي غشَّنِي ببساطتِها؛ سَبيكتاها الذَّهبيَّتانِ تَلمعان بنقاءٍ خالِص، خدَّاها المَرمريَّان غارِقانِ فِي طُوفانِ مآقيها، كالشَّوارِع بعدَ المَطر، زلِقان.

كانَ عليَّ أن أغُضَّ الطَّرفَ عَنها، لا أعرِف إلَى أينَ سأتناهَى، لَو تمادَيتُ في التَّحديقِ بِها. مَددتُ يدِي لَها، وببديهةٍ فهِمت أنِّي أطلُب مِنها الإمساكَ بِها. عِندَما نفَّذت، اقتَدتُها إلَى عُقرِ غُرفتَي كأنَّها طِفلةٌ صغيرَة، راوَدها كابوسٌ مُريع.

أجلَستُها عَلى السَّرير، ثمَّ لجأتُ إلَى الحمَّام لإحضارِ عُلبَة الإسعافاتِ الأوَّليَّة، ومنشفةً قُطنيَّة بيضاء، وعُدت إليهَا بوتيرةٍ وَقورة، كتَمت رغبَتي في إبهاجِها. حجَزتُ جانبَها الأيسَر، ووضعتُ الأغراضَ فوقَ المنضَدة. ما تزالُ الشَّهقاتُ تفارِق شَفتيها بخفَّة، كهزَّات ارتداديَّة تَتلي زلزالًا عَنيفًا، ونظراتُها مسلَّطة عليّ، تقبضُ على كلِّ حركةٍ أقوم بها، وتُجهز عليها لتُفصِح لها عَن نوايايَ، حينَما ساورَها اليأسُ استَباحَت سؤالِي.

«ما الَّذي يدور في خُلدِك؟ وأيُّ عونٍ هذَا الَّذِي ستُقدِّمه عُلبة الإسعَافات الأوَّليَّة؟»

لم يرُقني استخفافُها بي، ولكنِّي كظَمتُ غيظِي متحجِّجًا بجهلِها عَن مَدى دهائِي؛ فقَد أتقَنتُ التكيُّف، مُذ تقاذَفتني الشَّدائد في رِحلتي المُضنيَة نحوَ قمَّة المَجد. همّشت هيئتَها الفضوليَّة، والتقطتُ المقصَّ من العُلبَة.

«ستَرين».

شطرتُ المنشفَة نِصفين، ثمَّ فصَّلت إحداهُما عَلى شاكلَة أجنِحة، تمامًا مثل الفُوط الصحيّة العاديّة، وتركت المقصَّ على السَّرير. فجأة، اتَّقد نُواحها من جَديد، وأفزَعني. كانَ بصرُها شاخِصًا إلَى الجِدار المُقابل لها، بينما تستهدفُني بذمِّها.

«أنت تتعمَّد إهانَتي، لذلك تجعلُني أشاهدُك بينَما تَصنعُ لي فُوطًا صِحيَّة».

تذمُّرها زرعَ الغيظً في نفسي، فأنبَتت شفتايَ أشواكًا جارِحة، غفلتُ عن حساسِيَّتها كامرأَة، والَّتِي أضافَ عَليها مِزاجُها قدرًا أفاضها.

«أجعلُك تشاهِدين كي لا تُفسدي راحَتي، كلَّما قرَّرتِ استِبدالَها بأُخرَى، لستُ بحاجةٍ لمعرفَة مَواقيت تغييرِك لفُوطِك الصِحيَّة».

علمتُ بعدَما زارَني سكوتُها أنَّها على وشكِ تصعيدِ غاراتِ بُكائِها، فهرعتُ أسدُّ فمَها بكفِّي. النَّهِي لن يقدم أو يُؤِّخر من عنادِها أنملة، لذا سكبتُ فِي مجارِيها حممًا حنونًا.

«ركِّزي معي قليلًا، كي لَا يأسِرنا مثل هذا الموقِف ثانيةً!»

اتَّسعت عَيناها، حينَما أخذَت ما قُلته بعينِ الاعتِبار، وأدركت أنِّي قَد أصَبتُ نقطة هامَّة، لابُدَّ لها من مُراعاتِها، لوما شَاءت التورُّط بالخَجل مِن جَديد. أخبرنِي الهُدوء الَّذي سكَن ملامحَها أنَّها ما عادَت تُشكِّل على أعصابي خطرًا، فحررت فمها.

رهنَت لي كامِل انتباههَا، حريصةً على اقتناء الأمان بِما ستغتنِمه منِّي، في حينِ اقتَطعتُ مِن بكرةِ اللَّاصِقات الطبيَّة شريطًا يُضاهِي عرضَ المِنشَفة الَّتِي فصَّلتُها سابقًا، وثبتُّه عَلى إحدَى واجِهتَيها، كَذا حوافِها، فحكمتُ عليها بأن تكونَ الخَلفيَّة، ستمنَع أيَّ تسرُّبٍ يتربَّصُ بِها. منَحتُها النَّتيجَة الأخيرَة، رفقَة عُلبةِ الإسعافاتِ الأوّليَّة، بِما تَحتويهِ مِن أقراصٍ مُسكِّنَة، فحمَّامُها يفتقِر إليها، كانَت الغُرفَة مَهجورَة قبلَ مجيئِها.

جزرَ يَومانِ فِي يمِّ الزّمن، وتقلَّصَ مَنسوبُ التوتُّر بينِي وبينَ لاريسا الَّتِي تخلَّت عَن بعضِ التحفُّظ فِي تعامُلِها مِعي، جافَتها الرَّاحة مُذ اكتَشفتُ أنَّها فِي فترةِ دورتِها الشَّهرية، ليسَت مُعتادةً عَلى مُشارَكة الملأ أسرَارها الأنثويَّة غالبًا، وقد احتَرمتُ رغبتَها في تخطِّي المَوضوع، رغمَ الألَم الَّذِي صدَّع جُدرانَ محيَّاها.

اكتَفيتُ بطهي أطباقِها المُفضَّلة، إضافةً إلَى المَشروباتِ السَّاخنة، فإنِّي خبيرٌ فِي احتِواءِ الأزماتِ مَهما استَفحلت، اختبرتُ ذلِك مَع طليقَتي.

عَلى مَشارِف غُروبِ شَمسِ الاثنَين، صحَوتُ بعدَ غفوةٍ استَهلكت مُعظَم المَساء، ونزَلتُ إلَى غُرفَة الجُلوس بتخاذُل، مُنغمسًا فِي قَميصٍ زيتيٍّ فَضفاض. رصَدتُ نغماتٍ خافِتة تنبثِق مِن المَدخل، أفشَت لِي بأنَّها تُشاهِد التِّلفاز، وحينَما ولَجتُ ارتَسم عَلى شاشتِه مقطعٌ لِنسخةٍ شابَّة منِّي، تعتَلي منصَّة في قاعةٍ مُظلمَة، تنافَست عليها الأنوارُ الأُرجوانيَّة والزَّرقاء؛ ملهًى ليليّ. كُنت أمسِك المايكروفون، وأزجُّ فِي الألحانِ كلِمات أُغنيةٍ عَن الفُراق <لقَد ذَهبت> في حفلَة توديع عزوبيَّتي!

سرَح ذِهني بينَ اللَّقطة واللَّقطة، إذ فتلَت الذِّكرياتُ حبالَها حولَ أطرافِي، وسلَّمتني ليدِ الماضِي المُصرِم. بقيتُ واقفًا بجُمود لبرهَة، قبل أن أسمَح لقدميّ باقتِيادي نحوَ الفتاةِ المُتطفِّلة، كانَت مُمدَّدة عَلى الأريكَة، فوقَها غطاءٌ رفيعٌ، استَثنى ذراعَيها من حُضنِه، وعلَى الطَّاولة المُجاورةِ لها يثبُ كوبٌ كبيرُ الحَجم، لطَّخ شراب الشُّكولاطَة جُدرانَه.

«مَن سمَح لكِ بانتِهاك خُصوصيَّاتِي؟»

سقطَ عليها سُؤالِي من حيثُ لا تحتسِب، ورغمَ ثِقل وقعِه على صدرِها، نظَرت إليَّ بثبات، دونَ أن تغيِّر وضعيَّتها، إذ كانَ مِرفقُها مُرتكزًا علَى الوِسادَةد وخدُّها على كفِّها.

«أخيرًا استَيقَظت. كادَ المَلل يفتِك بِي، لذلِك سمَحتُ لنَفسِي بالتجوُّل فِي مكتبتِك، هناكَ عثَرتُ عَلى هذا الشَّريطِ المُسمَّى ذِكريات».

جدَّفت أهدابُها في مُحيطي بحثًا عَن جثامينِ الغضَب ولكِن سُدًى، فالكثيرُ من المشاعِر قد ثارَت عميقًا بداخلي، والغَصب ليسَ أحدَها. أسدَلتُ جفنيَّ ونثَرت تنهيدَة حسرةٍ عَلى قبرِ شَبابي، فإذَا بصوتِها المُرهَف يُعانقُ غفلَتي.

«لَو كُنت أمتلِك صوتَكَ، لغنَّيتُ كلَّ كلمةٍ أنطِقُ بِها».

دَنوتُ من محلِّها بتلكُّؤ، وحالَما سكَنت بإزاء الحافَّة الأُخرَى للأريكَة الَّتي تفترِشُها، رمقتُها بخُبث.

«ولَو كُنت أمتلِك صَوتكِ لتأوَّهتُ كلَّ كلمةٍ أنطِق بِها».

سحَبت إحدَى ساقَيها مِن تحتِ الغِطاء، واستَهدفت ساقِي بُغيَة الانتِقام منِّي، لكنَّها كانَت أقصَر مِن أن تُدركَها. عقَفتُ حاجِبي بسُخرية، وجَلستُ عَلى مسافةٍ مِن قدَميها، مُسدلًا ذِراعي اليُسرَى فوقَ رأسِ الأريكَة. لوَت طرفَ شفتِها العُليا، مُعربةً عَن استِيائها من وقاحَتي، قبلَ أن تمنَح التِّلفاز بصرَها مرَّة أُخرَى. أخَذت من الطَّاولة صَحن المكسِّرات الَّذي اصطَفته أنيسًا لأُمسيتِها الفارِغة، وفي هاويةِ فمِي ألقيتُ حبَّة بُندق بِلا قِشر.

حينَما تغيَّر المَشهدُ من حفلِ عزوبيَّتي إلى زفافِي، والتَقطت عدستَاها هيئَة زوجَتي قالَت:

«زوجتُك جميلةٌ للغايَة، كأنَّها عارِضة أزياء، لا يسعُني توقُّع مَن خسِر من، فكلاكُما فاحِش الحُسن، يوحِي أنَّه فرَّ من قِصَّة خياليَّة».

روَت قطراتُ العَسل الَّتي انسَكبت من جَفنيها وحشَتي، وتغلغَل إطراؤُها إلَى أقاصٍي روحِي، فاختَبأتُ منه بينَ ثنَايا الكِبرياء، ورغمَ أنَّ ما يعرضُه التِّلفاز ليسَ مثيرًا للاهتِمام بنَظري، تمعَّنتُ فيه تهرُّبًا منها.

«طَليقتي».

«احتِفاظُك بالشَّريط يُثبت أنَّك ما تزالُ تحبُّها».

اجتاحَني الشُّرود، وأفصَحت.

«أنتِ ترينَ المرأَة بجانِبي، وأنا أرَى الوَقت الَّذي جمَعنا، لا أريدُ الاعتِراف بأنَّه قد ذهَب هدرًا. ربَّما طريقَة تعامُلي معَ الانفِصال مُختلِفة».

«لماذا انفصَلتُما؟ أما كانَ عليكَ المُحاربَة من أجلِها؟»

لم أحتَج لتفقُّدها، حتَّى أتيقَّن أنَّها تحدِّق بي بحماسٍ شَديد، كُنت أحِسُّ بنظراتِها وهي تنسابُ عَلى كتفِي بزَخم. آثرتُ السُّكوت، فلَم أبُح لأحدٍ عدا مُساعِدي تايهيونغ عَن النَّكبة العاطفيَّة الَّتي خلَّفت بداخلِي نُدوبًا لا تُمحَى.

حينَما اعتَراها اليَأس، حطَّت رأسَها عَلى الوِسادَة لتتمكَّن من وخزِ فخِذي بقدمِها.

«أخبِرني».

واصَلت دَفعِي بقدمِها، غير مُدركةٍ أنَّها كالحِمم الطَّائِشَة توقِد غرائِزي، ولأتفاداها رفَعتُ ساقِي الأقرَب إليهَا فوق الأُخرَى، فمَا خوَّلتها قامَتُها القَصيرةُ النَّيلَ منِّي.

«هل تظنُّ أنِّي غيرُ قادرةٍ عَلى الإمساكِ بك؟».

جعَّدت ساقَها بإصرار، وما إن بلَغت أقصَى امتِداد منّي، حتَّى أنشَبت عَلى قماشِ سروالِي بأصابِعها.

«لابدَّ وأنَّك تشعُرينَ بالرَّاحَة معِي لتُطلِقي عليَّ لمساتِك الطَّائِشة!»

النَّصرُ الَّذِي توَّج نبرتِي زائِف، فإنِّي في وحل الهزيمَة أتمرَّغ، بَعد إذ وقَعتُ فِي مُنحدراتِها الأنثويَّة. كانَ الغِطاء حاجزًا بيني وبينَ استِكشافها، ولعلَّ ذلِك مَا يُشوِّقُ عينيَّ لفضِّ اللُّبس عَنها، وإلقاءِ نظرةٍ خاطفةٍ عَلى قاعِها. لِم أشعُر وكأنَّ جسدَها يتحدَّاني فِي نزالٍ حميميّ، ويشمَتُ بِي كُلَّما تخلَّفت عَنه؟

شهِد مَظهري المُسترخِي عَلى وداعَتي، فغمغَمت بشيءٍ من الإجهادِ عَلى إثرِ سعيِها المُستمرِّ خلفِي.

«ألَم تفهَم عِلَّتي بَعد؟ لا بأسَ إن لمَست، لكنِّي لا أحبُّ أن أُلمَس

ما لبِثت وأن نأَت بظهرِها عَن الأريكَة، وربَّعت ساقَيها فوقَها تُحيط بِها هالةٌ من الغُموض، ثمَّ جرَّت مُؤخِّرتَها نَحوي، حتَّى تقلَّصُ البُعد بينَنا.

«أيُمكِنك مُساعَدتِي عَلى فكِّ عُقدَتي؟»

رفعتُ حاجِبيّ مُستغرِبًا طلبَها، ظننتُ أنِّي فهمتُها بشكلٍ خاطِئ، لكِنَّ الرَّجاء الَّذي نضحَ في عَينيها برهنَه. تأمَّلتُ بإسهابٍ جوهَرتيها المُقيَّدتينِ بأغلالٍ رفيعَة؛ رموشُها، فِي منطِقي امتِناعٌ وفِي نفسِي جشَع.

هي لا تعِي أنِّي سرابٌ يحتالُ عَلى العُقول، يتمثَّل لَها بهيئةِ واحةٍ بهيَّة، تكتنِفُ أشهَى أمانيها، فتسيرُ في طريقِ الحُلمِ الشيِّق، ثمَّ تتناهَى إلى العَدم!

هلاوز خفافيش صحا فطوركم 💞

فصل سريع وأطول من المعتاد 😣💞

جونغكوك شوي من برودة أعصابك ياخي يذكرني بأمّي لما أشتكيلها وتقول جملتها المشهورة: وأنا وش تحبيني نديرلك ضك 😂😂😂

مومنتات جون ولاريسا كيووت وتخقق، عقلو صاير فلم إباحي كل أبطالي هيك عاداتنا وتقاليدنا 😈👻 الفترة النظريّة دي أحلى من التطبيق 🙊

شو رأيكم بالفصل!

أكثر جزء عجبكم وما عجبكم!

جونغكوك!

لاريسا!

تتوقّعو إيش خطر على بال لاريسا حتى تطلب منو يساعدها تتخلص من العقدة!

الفصل الجاي بعد 400 كومنت 🚶

دُمتم في رعاية اللّه وحِفظه 🌺

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top