༺شِجَار༻
صلوا على الحبيب -اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين-.
البارت 1879 كلمة.
قراءة ممتعة.
*****************
خرجنا من المنزل بعد استغراق أمبر ساعات في تحضير نفسها؛ لأكون أكثر دقة في محاولة إخفاء وجهها.
نظرت إليها أثناء سيرنا في الطريق إلى الثانوية القريبة من منزلنا ولاحظت لفها وشاحًا حول رقبتها مع أن الطقس لا يحتاج، سألت ضاحكة: «أمبر، أخبريني ما الملفت بالأرض لتحدقي به طوال هذه المدة؟» في الحقيقة كنت أعلم سبب نظرها للأسفل؛ حتى لا يرى أحد ملامحها.
برّرت بنبرة عميقة: «أنا لا أحدق في الأرض.» لم تشأ النظر إلى الأعلى لذا لم أستطع رؤية ملامحها، وساعد في هذا شعرها الأسود شبه القصير في تغطية جانب وجهها.
تنفست الصعداء وأمسكت يدها معزّزة لها وقلت: «أمثالك ينظرون للأعلى فقط!» ثم رفعت رأسها بكف يدي بلطف.
ابتسمَتْ حزينة وكنت أترقب ما ستفعله، حمدًا لله أنها أصغت لي على الأقل واستمرت بالنظر للأمام.
أفلتُّ يدها وسألت بنبرة جادة: «هل نستطيع أكل التراب إن قمنا بإضافة رشة ملح عليه؟»
تمتمت إثر سؤالي المريب: «غريبة أطوار!» لاحظت ابتسامة بسيطة ارتسمت على ملامحها وهنا ابتسمت بنصر.
على الأقل هذه المقالة أفادتني؛ فقد قرأت مرة إن أردت إنهاء جدال أو إخراج أحدهم من حزنه قم بتوجيه سؤال غريب له في منتصف الحديث، أعتقد أن الأمر نجح على نحو ما.
وصلنا إلى بوابة المدرسة الضخمة حيث توقفت أمبر عن السير لحظة تتأملها بملامح مرتبكة، شعور سيئ أنه ليس بيدي أي شيء لتغيير الواقع.
عدت بخطواتي وسحبتها أجبرها على الدخول معي، لم يكن هناك أحد في الباحة الأمامية بسبب تأخرنا، أخرتنا أمبر عمدًا حتى تتجنب نظرات الطلاب لها.
قلت بنبرة بهيجة زيفتها عندما دلفنا إلى داخل المبنى: «أرجو لك يومًا ماتعًا.» أومأت بملامح منطفئة واتجه كلّ منّا نحو فصله.
أمضيت جميع الحصص في التفكير بأمبر والدعاء بأن يتركوها وشأنها حتى قاطع تفكيري الجرس المعلن عن وقت الغداء، خرجت مسرعة ودخلت إلى المقهى بأنفاس متقطعة من شدة سرعتي، وقفت أبحث عنها بعينيّ ويبدو أنها لم تظهر بعد.
تمتمت بخفوت أنظر من حولي بتشتت: «أين أنتِ يا ترى؟» قاطعتني لونا صديقتي الوحيدة المتبقية بعد انضمام أختي إلى المدرسة هذه السنة قائلة بنبرة حماسية: «أليكسا، لقد افتقدتك.» ثم عانقتني بحرارة.
بادلتها بلطف ثم سحبتني وجلست برفقتها مع بقية الفتيات، أعلم أن صديقاتها لا يُطِقن وجودي بينهن كوني أشبه فتى بالعاشرة من عمره بملابسي الداكنة وشعري القصير، ولخوضي الكثير من الجدالات لأجل أختي، لا يهمني ما يعتقده البقية عني ولا يهمني تنمرهم عليّ كل ما أكثرت لأمره هو أمبر.
دخلت هذه الأخيرة المقهى فنظرت لها وحلت لحظة من الصمت في أرجاء القاعة حيث رفع الجميع بصرهم وحدقوا بها ممّا زاد الوضع توترا.
تقدمت قائدة فريق مشجّعات السنة الأولى والتي -للأسف الشديد- تدرس مع أمبر.
وقفت أمامها وقالت بنبرة متقززة: «ألا تفهمين؟ لقد أخبرتك في نهاية الفصل الأول أن تجلسي في حمام الفتيات أو أي مكان آخر، المهم أن لا تظهري فجأة بيننا، مظهرك مخيف ويزعج الجميع!» لقد كانت تصرخ بوجه أمبر بكل ما تملك من وقاحة.
لاحظت ارتعاش أختي فنهضت دون شعور مني وقمت بسحب صحن غدائي معي بعنف حيث سقط أغلب طعامي وما هي إلا لحظات وكنت أقف أمام إيفا، لم أفكر كثيرًا عندما ضربتها بصحن الطعام الفارغ بأقوى ما لدي.
رأيتها تسقط أرضًا في حين أسمع هتافات الجميع التي ارتفعت بكلمة (شجار!) بدأت أنظم أنفاسي الهائجة خلال مراقبتي جسدها الذي كان يفترش الأرض دون حراك، أعتقد أنها فقدت الوعي.
تركت الصحن يسقط من يدي والتفتُّ بسرعة وأسندت كلتا يديّ إلى كتفيّ أمبر التي كانت تمسك نفسها عن البكاء بصعوبة، وهمست لها: «لا تكترثي لها، حسنًا؟» لا أعلم إن سمعت ما قلته في ظل الضجة التي حولنا، ولكنني سرعان ما شعرت بيدين تسحبانني بعنف عنها وصوت صراخ المشرفين طغى على المكان.
صحت من بين قبضة المشرف وسحبه لي بعنف إلى الخارج: «تبا لك إيفا!»
صرخت بصوت عالٍ: «أفلتني، سأذهب بنفسي!»
سأل الأستاذ الذي يقف بجانبي الأيمن باستخاف عندما كنا نتجه إلى غرفة المدير: «أين تظنين نفسك؟ في حلبة مصارعة؟»
تجنّبت الرد عليه ودلفت إلى الغرفة المنشودة بصمت تام، كان المدير يترقب وصولي بملامح مظلمة، جلست على الكرسي الذي يقبع أمامه بنظرات حاقدة فكالعادة سأعاقب أنا وستنفذ إيفا بجلدها دون أن تعاقب على أفعالها وأقوالها الشنيعة.
استهل الحديث قائلا بحدة: «هذا ثالث إنذار لك هذه السنة أليكسا!» ثم أضاف: «ما بك؟ لم تكوني بهذا العنف في السنتين المنصرمتين؟»
فبررت قائلة: «أليس الأمر واضحا؟ أنا أقوم بالدفاع عن أمبر، ألا ترون بأن الجميع يتنمر عليها وأنا التي تعاقب في نهاية الأمر بسبب رفضي التنمر؟ هل هذا العدل برأيك؟» ارتفعت نبرتي في نهاية سؤالي فقَلَّبَ عينيه خائبًا وقال: «إن كان التنمر فعلا سيّئًا فما تقومين به أنتِ أسوأ، نحن مدرسة تمتلك مبادئ تقف ضد الأشخاص العنيفين أمثالك!» ضحكت باستهزاء فاستفزته نبرتي المرتفعة أكثر مما جعله يعدل نظاراته ثم أعطاني عقابًا بالحجز مدة ثلاث ساعات بعد المدرسة.
هدّدني قائلًا: «هذا الإنذار الأخير لك، سأقوم بفصلك من المدرسة نهائيًّا إن تعرضتِ لأي طالب آخر في هذه المدرسة!» ثم أشار لي بالخروج.
انتهت الحصص المتبقية وانتهى بي الأمر أجلس بقية يومي في الحجز أسمع صوت تنفسي من الضجر.
كنت أنظر عبر النافذة أتابع العصافير التي تقف فوق الأشجار متملّلة -تماما كحالتي الآن- ثم اتجهت ببصري نحو اللافتة المعلقة على جدار غرفة الحجز الأمامي وكتب عليها (لا للتنمر، لا للعنف) قلبت عينيّ وابتسمت مستهزئة وأعدت قراءتها بنبرة ساخرة مرارًا وتكرارًا.
أتساءل ماذا حدث لأمبر بعد أن سحِبت خارج المقهى؟ آمل أنها لم تنهر أمامهم.
في كل مرة أتذكر كلمات تلك المتجردة من الإنسانية وضحكات أغلب من يجلسون في المقهى تغلي الدماء في عروقي، أتمنى لو يخبرني أحدهم أنني قتلتها بضربتي تلك، سأكون أول قاتل يفتخر بجريمته، أقسم!
نظرت إلى ساعة معصمي وكانت قد تبقت ساعة كاملة على انتهاء وقت الحجز، رفعت بصري فوقع على المراقب ثم همست بين أنفاسي الغاضبة أناظره بدقة: «أخبرني أن وقت الحجز انتهى.» ثم قلبت عينيّ وعدت بنظري نحو النافذة ليس وكأنه يسمع همسي أساسًا.
ثم فجأة قال بنبرة متملّلة: «انتهى وقت حجزك، يمكنك الخروج.» فغرت فمي بدهشة وعدت أتفقد ساعتي لأتأكد مما رأيته، ونعم، لم ينته وقت الحجز بعد.
قال ساخرًا وألحق بنبرة غاضبة إذ كنت أحدق به دقائق لا بأس بها بملامح مصدومة: «هل يعجبك المكان؟ ما الذي تنتظرينه؟ اغربي عن وجهي!»
سحبت هاتفي وخرجت أحاول إقناع نفسي بأن ساعتي لا تعمل أو أن الأستاذ شعر بالملل فجأة.
خرجت من البوابة الأمامية ورأيت جابِريّل واثنين من أصدقائه المتنمرين يقفون بانتظاري، أظن…
قال صديقه القصير بسخرية مشيرًا إليّ بسبابته: «أخيرا، ظهر الفتى الأصهب!» انهار ثلاثتهم بالضحك معًا.
صمت جابريل فجأة وتبدلت ملامحه لأخرى غاضبة وقال بحنق: «كيف تجرُئين على ضرب إيفا يا أليكس؟» لم تبدر مني أي ردة فعل سوى قلب عينيّ فتقدم نحوي بخطى بطيئة وملامح خبيثة.
هل يخال أنني سأخاف منه؟
نطقت جازة على أسناني عندما وقف أمامي مباشرة: «إن كرّرَت ما قالته سأعيد ضربها وضربك معها!» في الواقع لم أستطع تحمل ملامحه المستفزة لذا قمت بصفعه دون تردد.
أعلم بأن ما فعلته ليس في صالحي ولكنه يستحق. لم تمر ثانية وقام بإمساكي من أعلى ذراعي بإحكام ودفعني بقوة نحوالخلف فوقعت أرضا، ارتطم رأسي بحجرة وشعرت بسائل ساخن يتدفق من مكان الضربة.
صاح أحد أصدقائه يرتدي بذلةً سوداء بقلق عندما رأى الدماء تلطخ وجهي: «ما الذي فعلته أيها الأحمق؟»
أردف القصير قائلا بخوف: «لنهرب!»
أردف جابريل بنبرة حاقدة: «لن أهرب، لم أنتقم لإيفا.» ليس وكأن إيفا حبيبته، هذا الأحمق لا يعي أنها تستهزئ به.
رفعت رأسي فالتقت عيناي بعينيه وكل ما كنت أريده هو تركي وشأني وحسب، من حظي الجيد أنه فعل ذلك دون أي مقدمات فقد ذهب معهم.
عجيب! ظننت بأنه ما زال يرغب بالثأر لفتاة أحلامه. استقمت متألّمة وتفقدت باطن يديّ فوجدت عدة خدوش، ثم لمست المكان الذي يؤلمني برأسي فرأيت أنني أنزف.
أكملت طريقي مع شعور مقيت حتى وصلت إلى المنزل، طرقت الباب بإعياء فاستقبلتني والدتي بوجه قلق قائلة فور رؤيتها مظهري المبعثر: «أليكس ما بكِ؟ أخبرتك أن تبتعدي عن المشاكل عزيزتي، يا إلهي هل هذه دماء؟ هل تشاجرتِ مع...» قاطعتها عندما رفعت رأسي نحوها أحدق في عينيها قائلة بنبرة منهكة: «أرجوك، لا تتحدثي هذا اليوم.» من ثمّ عبرت من جانبها وتعجبت من سكونها المفاجئ وعدم إيقافها لي.
فور وصولي إلى الطابق الثاني وقفت أمام غرفة أمبر أسترق السمع قليلا، وكما توقعت، كانت شهقاتها كل ما يمكن سماعه.
تنهدت بقلة حيلة ودلفت إلى غرفتي بغضب عارم، اتجهت نحو سريري ولم آبه بقطرات الدم التي باتت تغطي جزءًا من شعري، أنا منهكة بالفعل.
نظرت إلى ليكس وسمعته يقول الجملة الوحيدة التي رغبت بسماعها الآن: «ستكونين بخير.» ثم غرقت في نوم عميق.
نهضت إثر سماعي صوت جلبة بالأسفل، مسحت عينيّ واتجهت إلى الحمام لأغسل وجهي.
ما إن انتهيت خرجت ووقفت ثوانٍ أطالع ببغائي بتساؤل، هل حقا أخبرني بأنني سأكون بخير؟ أم أن خيالي الجامح هيأ لي ذلك؟
قاطعني دخول أمبر التي قالت: «أليكسا، أرجوك ساعدينا، أمي ترفض التحدث معنا!» ثم خرجت وسبقتني إلى الأسفل.
بقيت متصنمة في مكاني أعيد تدوير كلماتها في رأسي، ثم تذكرت جميع الأمور الغريبة التي حدثت معي منذ صباح اليوم، تركني الأستاذ أخرج من الحجز عندما رغبت بذلك، انصراف جابريل غير المبرر بعد توعده لي تماما كما أردت، الآن صمت والدتي المفاجئ؟
فكرت دقائق وضربت رأسي تلك اللحظة التي أخبرت والدتي فيها بأن تصمت فقد كنت مرهقة لدرجة لا تمكنني من تقديم أي تبريرات.
هل يعقل أنني السبب؟
نزلت بسرعة ووجدت أبي يجلس بجانبها يحاول التحدث معها ولكنها ترفض الإجابة، ابتلعت ريقي بتوتر واقتربت منها بخطوات متوجسة؛ خائفة من أن يكون ما أفكر به صحيحًا.
جثوت على ركبتي أمامها، أمسكت يديها بهدوء تام ثم رفعت وجهي محدقة في عينيها بتركيز شديد كما فعلت عندما عدت عصر اليوم إلى المنزل، تنهدت بعمق واستجمعت شتات نفسي استعدادا لاستقبال أي صدمة قد تنتج عما سأقوم به، خاطبتها: «يمكنك التحدث.» لم تكن كلماتي كنوع من الترجي، لقد كنت آمرها بذلك.
ايه
لم أكن أعلم ما الذي أفعله تحديدًا ولكن إن صدق شكي هذه ستكون معجزة، فهمست والدتي بنبرة مرتعشة: «أليكسا!» ثم لمست كدمة رأسي وسحبتني بعناق طويل.
هذا مستحيل!
ابتعدت عنها بهلع ونهضت في عجلة أرمق الجميع بصدمة، شعرت بنظراتهم المستفهمة حول تصرفي الغريب، لهذا هرعت إلى غرفتي بسرعة شديدة غير آبهة لنداءات أبي وأمبر القلقة حول تصرفي.
أحكمت إغلاق باب غرفتي فور دخولي، ثم أسندت ظهري إليه أحاول تنظيم أنفاسي الهلعة، بالتأكيد صدفة، نعم، كل ما حدث مجرد صدفة، لا داعي للقلق.
بعد دقائق من محاولة طمأنة نفسي، مشيت بخطوات مترددة ووقفت أمام ليكس، يتبادر إلى ذهني سؤال واحد؛ هل أستطيع التحكم بالعقول حقا؟
بالتأكيد، أنا أهلوس جراء وقوعي اليوم، فهذا الأمر خارق للطبيعة!
صوت بداخلي يخبرني أنّه بإمكاني قطع الشك باليقين عن طريق ليكس، وصوت آخر يخبرني ألا أفعل ذلك، ولكن الأول كان أعلى بكثير.
قلت بنبرة مرتعشة: «ليكس أرجوك لا تتحدث.» كم أتمنى ألا يستمع إلي ويبقى ساكنًا كعادته.
كرر كلماتي بسرعة فتراجعت إلى الخلف بذعر حتى أنني وقعت أرضا، زحفت للخلف مرتعشة ومعلقة بصري عليه بعدم تصديق، أيعقل؟
توقفت عن الحركة ونظرت إلى هيأتي الفزعة عبر مرآتي الطويلة، تفرست ملامحي وهمست لنفسي: «أليكسا أنت، أنت تتحكمين بالعقول حقًّا!» يا إلهي! هذا مخيف!
شعرت فجأة بألم أعلى كتفي فقمت بخلع سترتي بتأنٍ، ثم نظرت إلى المرآة، تحديدًا مكان الكدمة، شهقت بصدمة فقد تمدد اللون الأسود لأعلى عروق ظهري بقليل، لمسته بخفة ولم يكن يؤلم، ظهوره فقط هو ما يؤلمني، تحسست المنطقة بأصابعي مجددًا وتفاجأت بكوني لا أشعر بهذه المنطقة أساسًا.
ضغطت عليها بعنف وما زلت لا أشعر بشيء وكأن خلايا جسدي هنا قد ماتت. يا إلهي! ما الذي يحدث لي؟
يتبع...
******************
في البداية كل عام وأنتم بخير بمناسبة العيد الأضحى♡
أرغب بالاعتذار عن الإطالة في وقت التنزيل وبأذن الله لن يتكرر هذا -أعذروني-
رأيكم بالبارت في المجمل؟
شخصية أليكسا إلى الأن؟
ما هي ردة فعلك إن كنت بمكان أليكسا؟
كلمة ل إيفا وجابريل لول؟
أمبر؟
وأخيرا وليس أخرا أليكسا تتحكم بالعقول بوووم رأيكم في القدرة؟
عروقها التي تتحول للأسود؟
توقعاتكم للقادم؟
لا تنسوا تلوين النجمة بالأسفل والتعليق على الفقرات التي تعجبكم.
دمتم سعداء -كل الحب-
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top