إستقبالٌ شبه وديّ <٤>
_بسم اللّٰه الرحمن الرحيم.
الفصل الرابع: إستقبالٌ شبه وديّ.
{آلِ هاريسون.}
مدت كفها تتحسس المقبض بأستكشافٍ بطيء وكأنما تتحسس وردة شائكة سوداء، لا رائحة لها ولا رحيق، وحين أنغمست أناملها حول مقبضه الشائك ذابت عيناها الفاتحة في مرارة الإشتياق. كانت قد نست كم أحبته.. ونست كيف كانت تهاجمها هالته الرجولية.. لتخنقها.. لتسرق منها حياتها وروحها وبرغم ذلكَ، أرتفع ثغرها في بسمة ماكرة، وعيناها غائمة في عالمٍ أدهم غير ملموس، مُتوعدة لإسترداد ما فقدتهُ.
فتحت الباب ببطىءٍ ثمَ دلفت بلا ضجة وراحت تتحسس العتمة بأبصارها باحثة عنهُ، فوجدته في هيئة سرقت أنفاسها بل وأجبرت تبلدها على الإنهيار وأذابت برودتها. كان يواليها ظهره العريض وبشرته القاسية ألتمعت أسفل ضوء القمر في الظلامِ بصلابة وكأنمَا جَسّد الشيطان بخطيئة مُحرمة لمْ تستطع ألا تستلذ بها، فسحبت شفتها السفلية بين أسنانها وأستندت على الباب بعدما أغلقتهُ، ثمَ تأملت خِصاله الجديدة بشرودٍ مُتأثر.. فهامت في شعره الداكن الذي ناسب وشوم بنيانه الأشد عتمة على بشرته اللامعة مِما أعادها للماضي ولهيمنته السادية عليهَا. كانت مآخوذة بالطريقة التي رفع بها ذراعه العريض للستار يزيحه أكثر ليراقب ظلام الوحشية بالخارج وكأنما ينتظر حضورها.. باحثًا عنها بلا ملل، وبدى أنهُ شرد في ذكراه معهَا حتى عجز عن رؤية عودتها، فجف فمها وأنكمشت ضد الحائط أكثر، وأصدرت لهثة ضعيفة جدًا لتستطيع سماعها..
لكنهُ سمعها.!
فتصلب جسده وجمدت عيناه عدة دقائق في الفراغِ بعدما سارت فيه كهرباء غريبة أستلذها وأستنكر شدة حلاوتها، ولمْ يستطع أن يُقاوم تجمد حواسه بل الأنفاس التي أمتنعت عن السير إلى قصبتهِ الهوائية وباللكاد أستطاع رمي أبصاره على إنعكاسها المشوش في الزجاج المُعتم بلا تصديق، وظل يتأملها لدقائق طويلة عذبته، وألهبت جروحه ومزقت طقوسه كُلها يتنظر تلاشيها كأي حـُلم أبتغاه.
مرت دقائق طويلة بينما تراقب ظهره ويراقب هو إنعكاسها.. إلى أن رحم نفسه ورحمها من العذاب وألتفت أخيرًا ببطىءٍ مُغريّ، ليناظرها..
وهُنا مات المنطق في مفاهيمه بينمَا عيناه الباردة الخالية من الرحمة والشعور تلوح للوحشية البدائية.. ربمَا أبشع من الوحشية التي عهدتها لكنها كانت تنتمي لهُ فلم ترفضهَا.. ووقتها.. ووقتها فقط كل الليال التي ظلت تبكي فيها بلا إنقطاع ظنًا أنها لن تبكي أمامه باتت سخيفة وبلا فائدة، فها هي تبكي مُجددًا، وهاك دموعها تنزلق على طول وجنتيها لترويها، فتمردت قطرة جريئة تتسحب على عنقها، ثمَ تلاشت خلف حمالة صدرها المَرفوع.
ردائها القصير لمْ يستر حتى ملابسها الداخلية السفلية؛ فهو لمْ يكن سوى فستان سخيف لمْ يحجب تقاسيمها التي حفظها عن ظهر قلب.. فدنى نحوها بخطًا بطيئة ليتأملها بشرودٍ غامض لمْ تكلف نفسها لفهمه، وحين بات أمامها وجهًا لوجه، أصدرت لهثة مُثارة تنكمش أمام جسده الذي إبتلعها تمامًا وكأنمَا هو كيانٌ أستحوذ على جوارحها أطغى من الماضي وأشد خطورة.
الجوع والأشتياق عبرا عيناه الغامضتان إلى خاصتهَا المطموسة وكأنها مشاعر مُباحة لها وحدها، لا يستحق إنسيًا في الوجودِ أن يدركها في روحهِ مادام لن يكون هي، لكنها بدت مُشوهة ومشوشة، وللمرة الآولى وجد نفسه عاجزًا عن الولوجِ إلى روحها كما كان يفعل في السابق وبرغمِ ذلكَ أستنبط قساوتها كيلا ترحمه من عذابِ حبها وعشقها.
"مرحبًا بكَ مُجددًا.. يا زوجي العزيز."
تأمل فتنتها بلا تصديق، وإزدادت لوعة نبضاته أمام نبرتها الخافتة ولفحهَا لوجهه بأنفاسها الدافئة، فراقب معالمها بصمتٍ مُستلذ في حرم حلاوتها ثمَ مد يده يتحسس وجنتيها ماسحًا دموعها وكأنما يلمس ريشًا ناعمًا، وبرغمِ قفازه الأسود الذي حرمها من جمالِ لمسته الآولى، أغلقت جفنيها تعتصرهم، وإرتعادها إزداد مهما حاولت تمالك نفسها. فقط لو يعلم بكمية الممنوعات التي تجرعتها لتستطيع مواجهته لرحمها من ذلك العذاب.. عذاب ضعفها ووحدتها وخذلانها.
لكنها كانت لحظة.. لحظة واحدة للضعف وباقي العمر لها ففتحت عيناها الساخرة، وحين أدرك تحديها له وألتمس في أبصارها النقم صر أسنانه بسخطٍ، بالطبع، لمْ تكن سرابًا.. ظل ينبش الأرض باحثًا عن تلكَ السافلة وجرد البحار فقط ليجدهَا، وها هي أمامه. العاهرة التي سممت حياته بحبها لمْ تعد في النهاية إلا لتنهش مبادئه ولتزيد سقمه بها.
"لو كنتُ مكانكِ.. لمَا عدتُ."
قبض عنقها بوحشية وأنفاسه إهتاجت مُلتهمة وجهها بعدمَا فرت منه إليها، حتى عيناه وبرغمِ شراستهَا كانت هائمة صوبها مهما أدعى الغضب والرفض. شهدت جفونه التي ألتهبت من فرط الأشتياق، وشعرت بجسده يرتعد ضدها ليحاوطها لعلها تندثر في ضلوعهِ، فضحكت متآوهة بإغراءٍ مُتألم:
"ومن قال أني عدتُ لكَ أو حتى لأنتقم؟"
نزلت المُعجزة حين ظهرت الحيرة على معالمه لوهلة، لكنها كانت وهلة أو أقل ثمَ تدراك مشاعره فإزداد ضحكها بعدما ترك عنقها مُنتظرًا تبريرها، فها هو چون سانتيغو العظيم الذي حذرها الجميع منه، المسخ الذي يصير قطًا بريًا أمامها.
"هل لاتزال لمْ تفهم؟.. متى بتَ بهذا الغباء يا زوجي العزيز! ظننتك أذكى.. أكثر ظلامًا بعيدًا عني بيبي."
إزدادت قتامة عيناه كما لو كانت حروفها سمًا أرسلته ليتجول في روحهِ بإستباحه، ثم غمغم صارًا أسنانه، وحنجرته المُختنقة أظهرت رغبته في قتلها من خلال زمجراته الخافتة:
"هناكَ فكرة.. فكرة لعينة تضاجع عقلي يا سيڤار.. وإن تجاوزت الخط الأحمر لتصير من مُجرد فكرة إلى واقع ملموس، صدقيني بيبي.."
بتر تهديده وضغطه على أسنانه قد إزداد، وحينها فقط تذكرت وجع قبضته على وجهها الجميل، لكن الآن صفعته بدت قاتلة لا مؤلمة فقط وبرغم ذلكَ وجدت نفسها لا تكترث إن هلكت أم لا، فدندنت بأعينٍ شقية:
"دعها لا تضاجع عقلكَ بيبي فبالفعل أنا الآن زوجة عمكَ، أتمنى أن تحترمني قليلًا."
أظلمت أبصاره وتوحشت معالمه زائرًا وفي ثانية واحدة أرتجفت بإرتعادٍ حينما لكم الحائط ببربرية معدومة الرحمة، وبرغم ذلك عيناه كانت عليها هي.. تلك اللكمة اللطيفة التي شوهت الجدار، كانت ستكون على وجهها الفاتن، الوغد كان سينهي مصدر رزقها للأبد!
قبل أن تحتج، حملها من رقبتها ثمَ ألقاها على فراشه يفرك نفسه فيها بجوعٍ، ليعتليها ويده لا تزال تحاوط رقبتها بمنتهى العنف والخشونة عازمًا على تكرارِ نفس مأساتها الماضية معه، بإجبراها على علاقة جنسية بحتة، فصرخت تسبه وحاولت أن تدفعه عنها بركبتيها، فإنتهى به المطاف يكاد يصفعها مُزمجرًا وهُنا.. وأنتهت اللعبة لكلاهما.
ظل كفه مُعلقًا في الهواء على مقربةٍ منها، وصدره الثائر أظهر بوضوحٍ غضبه وهياجه مثلها تمامًا، فأرتفع نهديها وأنخفضا بدلالة إختلال مشاعرها وأحتدامها في المُقابل، ثمَ غمغمت بصراخٍ تشاجره:
"لما توقفت؟ هـــآ؟ لما لمْ تصفعني يا چون؟"
توحشت أنفاسه أكثر وهذا ظهر في خرير حلقه مما أظهر صعوبة مُحاولة كبحه لشخصه الفعليّ الذي لن تحبه أبدًا، وبرغمِ ذلكَ تابعت بمنتهى الرعونة:
"صدقني بيبي هذه المرة يمكنكَ ضربي كمَا تريد، لن أغضب ولن أحزن.."
تابعت ببسمة ساخرة:
"فهذا ما أعتدتهُ منكَ قديمًا."
"هل تريدين مني أن أقتلكِ!"
هدر أمام وجهها بكلِ قوته، فأهتزت حوائط الغرفة كما ظنت، حتى أذنيها، كادت تصم بطنينٍ مُؤلم ثقيل، وتجزم أن ستيڤ في الآسفل يكاد ينزع ثيابه صارخًا نادبًا كالحريم بسبب هياج وحشها. ظلت صامتة عدة لحظات، وظل هو مُتحيرًا في أمرها وسط أبشع رغباته لقتلها وسحقها ولحذف نسلها عن وجه الكرة الأرضية، لكنها قاطعت أفكاره المُظلمة بتمتمتها المُغرية:
"أقتلني... بيبي."
وصله شرارة نبرتها الآنثوية فعاد جسده يتصلب طالبًا أحقيته فيها.. في زوجته التي عشقها بكلِ وفاء منه.
"لما؟"
سألها عن سبب عودتها ناهشًا وجهها بنظراته وكأنما يحاول هدم حصنها لأن يولج في روحها، فأجابته بينمَا تتحسس رقبته لتزيده وحشية ورغبة في أمتلاكها من هنا للسنة القادمة:
"لما ماذا؟ يبدو أنكَ نسيتَ أمكانيات زوجتكَ في السرير."
هل قال للسنة المُقبلة؟ تبًا لي.. بل قصد المالانهاية بالطبع!
مد يده يتحسس طرف ثوبها القصير يكاد يعريها بنهمٍ، فقاطعت لذته بنبرة سخيفة أستفزتهُ:
"لا تبدأ في تعريتي لأنني لا أريد."
ضحك ساخرًا من سخافة وضعه.. الكثيرات، الكثيرات حرفيًا تقاتلن في غيابها فقط ليحصدن نظرة واحدة، وتلكَ الصغيرة التافهة رفضتهُ بمنتهى البساطة وكأنه ذلكَ الشخص الذي قد يكترث برأي سيادتها شديد الأهمية.. لكنهُ وللآسف أكترث، كره نفسه لأنهُ حقًا أكترث، فتذكر كيف كانت تسمم حياته بعدما يغتصبها، لذا لمْ يفعلها، أبتسم فقط وكأنه يريها رغبته البشعة في إيذائها، ثمَ تمتم بظلامٍ تام:
"أبهريني.. يا أبنة إبرام."
"سأفعل.. وبالمناسبة.. يبدو أن ثوب عملي أعجبك.. فزوجي الثاني يقول لي بأنني مثيرة فيه، حتى أنه وعدني بليلة جامحة إن رأني أرتديه مُجددًا."
لوهلة تجمد وجهه حول تقاسيمها ينهشها وأسودت معالمه حرفيًا، لكن عوضًا عن رد فعل آخر توقعته، مزق الفستان فأخرج مُقته الدفين بتقطيعه، ثمَ تحسس جسدها بعينيه القاتمتين، وبأبتسامة هادئة غمغم:
"وزوجك الأول يقول لكِ إن لبستيه مُجددًا، فسيمزقكِ بجموحٍ من هُنا للسنة المُقبلة ولن يهبك مُجرد ليلة عنيفة، هل تذكرين الكُرسي المُتحرك؟ يبدو أننا سنعيد أمجاد تلكَ الأيام بيبي."
حسنًا هذا صدمها، صدمها كثيرًا أعني أعتادته أن يمزق لسانها إن همست بإسم رجل غيره. تذكر، يا إلهي لا تزال تذكر تلك الليلة السوداء في الكوخ حين شك أنها تعرف إبن عمه، كان فقط مجرد شك لا دليل لهُ ولا برهان.. ووقتها الوغد شوهها ومرر عيشتها.. لكن الآن؟
لمْ تتعب عقلها كثيرًا في التفكير ولمْ تمنحه لذة إنتصاره برؤيتهَا مُشوشة، فربما زوجها وحش ومسخ، مريض بها ومهووس، لكنها نست أهم صفة، وهي أنه مُختل، ودائمًا المختلين أذكياء، لذا بالطبع كانت لعبة منه ليصل إلى نقطة معينة، وهي ستكون ذكية بما فيه الكفاية كي لا يصل إليها أيً كانت:
"مزقت فستاني.. كيف سأخرج الآن؟"
"ومن قال أنكِ ستخرجين؟ الليلة ستكون مُميزة لذا دعيني أعبر عن سعادتي برؤية كلبي المُفضل."
الخوف ظهر عليها لوهلة وعقلها تصنم مُحاولًا إدراك خطوته التالية، فدندن مُتحسسًا وجنتها اليسرى بخطورة مُداعبة:
"جئتِ لعريني شبة عارية بعد غياب طويل، وأنا في الماضي كنت أشتاق لهذا بكل ثانية بيبي وقد كنتِ في ثوبك المُحتشم السخيف.. لذا.. تـُرى ما الذي سأفعله الآن عوضًا عن فلقكِ لنصفين؟"
تبسمت بإستفزازٍ ساخر تعمدته، ثمَ ناظرت عيناه المُتوحشة بآخرى ثابتة بقساوة لمْ يعهدها، وتمتمت بثقةٍ رافضة:
"لستُ مُجرد جثة على فراشك.. قُلت لا أريد."
قبض فخدها بعنفٍ وكأنه رغب في إنتزاع شريانها الفخدي فقط ليقتلها، وبرغم توقه لرؤيتها موجوعة تترجاه الرحمة إلا أنه أبتسم تاركًا إياها ببساطة لمْ تفهمها، ليتحسس الندبة المَوشومة بإسمه على صدرها بجوعٍ.. لكن فجأة بهتت تلك الإبتسامة مناظرًا عيناها بغضبٍ جامح وكأنما لاحظ فاجعة لا رأفة بها:
"لمن أرتديتِ تلكَ السخافة؟ كَم جثة لمست ما هو لي؟"
"أنتقمتُ منكَ بأبشع الطرق بيبي حين لمسني الجميع، حرفيًا لا أحد لمْ يضع يداه علي، ربمَا ما فعلته بي جعلني أكره صنف الرجال، لأنفر من أي علاقة حميمية، لكنني حقًا أنتقمتُ وأشفيت غليلي، فلا أحد لمْ يراني شبه مُتعرية."
سمع كل حرف قالته، فشعر بوخزات أشواك كلماتها تنغرز أسفل جلده وصولًا لأعمق بقعة في نخاعه الشوكي. كان يستطيع إحتمال أي سخافة ستفعلها أو حتى قد فعلتها، وحضر نفسه للعب مع فراشتهِ الشقية، وبرغم ذلك لمْ يرى سوى غمامة حمراء لعينة وبات لا يُبصر نفسه سوى مُقتصًا حقه من لذته البذيئة.
نظراته الوحشية نحوها بمنتهى الدمامة كانت آخر ما تذكره، فما أنهت جملتها حتى أسودت تلكَ الليلة الطريفة أمام وجهها وأنتهى بها المطاف تنتفض من فوق فراشه في اليوم التالي وكل خلية في جسدها تقتلها حرفيًا، وكأن الوغد ألقاها من الدور التسعين مئة مرة، ثم أبرحها ضربًا بعدها.. ذلك الوغد اللعين عنفها حتى فقدت وعيها، لمْ يستطع لمسها، فقتلها ضربًا بحجةِ أنها حمار سميك الجلد!
تحسست كدمات ذراعيها بلا تصديق، ولا مرة.. ولا مرة في الماضي كان هكذا، أو لربما نست كيف كان يضربها بكل حنية وحب أعني.. لا يوجد رجل في الوجود يضرب زوجته بأعين مُحبة وعاطفة عاشقة كما فعلهَا حفيد هاريسون، ذاك الوغد ضربها بكلِ إشتياق حتى حطم ذرات خلاياها وبرغم ذلكَ أدركت تمامًا أنه منع عنها أذاه الحقيقيّ.
ألتفت له بأبصارٍ غاضبة وأنفاس هائجة، فشهدته جالسًا على الأريكة، يراقبها بهدوءٍ مُنتصر وكأنما يتلذذ بإمتلاكه نجمة نادرة من السماءِ، فهدرت فاقدة عقليتها:
"هكذا تشعر برجولتكَ أيها المسخ المريض! شوهت جسدي لأسابيع ماذا سأرتدي الآن؟ أيها الوغد المهووس لما فعلت هذا بي!"
أدركت أنها ستعاني لتتجهز لكل حفل لها، وحفلاتها كثيرة، وهذا يعني طاقة أكبر وتعب أكثر بالإضافة إلى وقت أستراحة أقل، فراحت تندب كالطفلة المظلومة أثناء سماعهَا لنبرته المُتمتعة:
"لمْ أصفعكِ ولم أغتصبكِ، لكنني أعدتُ تربيتك يا لذة، وصدقيني من الآن فصاعدًا، تتهذبين معي وإلا غضبتُ.. هل تريدين إغضابي بيبي؟"
"أيها الوغد المريض! تبًا لكَ!!"
صرخت ثم قذفتهُ بالوسادة فألتقطها مُلقيًا أياها بعيدًا بلا أكتراث، ثم عاد يتأملها مُجددًا بإنتصارٍ ماكر حينما نهضت، تتحسس جسدها أمام المرأة بعينين مُتأسفتين، فعلم أنها لمْ تغضب لأنه ضربها، بل غضبت لأنه شوهها. السافلة تريد أستعراض ممتلكاته الباهظة لكنها لمْ تحذر، سيحطم كل عظيّمة صغيرة لطيفة في جسدها، ثمَ سينتزع غضاريفها البيضاء الناضجة إن أجبرته على ذلكَ.
لوهلة تسائل إن كانت فراشته اللطيفة لا تزال فيها، فهو بات لا يعرفها ويجهل نفسه معها رغم عثوره على روحه فيها.. وثباته أمامها ليس بسبب غباءه أو تستاهله في شأنها، إنما لعدم تمكنه من الولوج إلى روحها، وعدم أستطاعته لتلمس الشرقية المُتدينة فيها، فتمنى لو يسحق عنقها اللعين أسفل حذاءه لتطلعه على تفاصيل ما حدث بعدما تركها بقربِ منزلها.. لأنها لمْ تعد الفتاة التي أحبها.. أمس حين ضربها حتى فقدت وعيها اللعين، كانت تضحك بإنتشاء مُستمتع، السافلة ألهبت عذابه بإبتهاجها بالألمِ، فوجد الضرب يتحول إلى لذعاتٍ شهوانية من كفه على جلدها، وهنا فوجىء بذاته تحارب شياطينه مُجددًا لكيلا يعود بنفسهِ معها لنقطة الصفر بل حتمًا أدل. صر أسنانه بإشمئزازٍ فجأة، تلكَ الصغيرة، تحتاج إل عقلية جديدة لأن خاصتها فسدت بالفعل كالفاكهة المُتعفنة.
"أنتَ تستمتع برؤيتي أتألم.."
قرأت أفكاره ثمَ ألتفتت تناظره بجدية وما كادت تـُتابع حتى صمتت بحذرٍ.. فعيناه القاتمة تشبعت بشعورٍ لمْ تستشفه ولمْ تدركه، ولمْ يقتصر مصدره على عاطفته أو حتى روحه ولا فِكره، بل كان مصدره أشد دمامة مما ظنت وكأنما قد صدر من ثـُقبٍ مُشوه. أقشعر جسدها وأنتصبت خلاياها وبرغمِ ذلكَ ظلت عيناها الميتة حول خاصته الغامضة فأدركت.. أنتهى وقت اللعب وحانت لحظة الصمت.. هذه الحقيقة التي لن تنساها أبدًا مهما حَيت، كان ولايزال الطرف الأقوى والأذكى وذو السلطة، بينما كانت حشرة تحت قدميه قرر أن يتركها تركض حول أصابع كفه.
لمْ تتمكن سيڤار من إبتلاع واقع إمتلاكه لنفوذ وسلطة أجبرتها على الصمتِ لمُجرد مجاراة مزاج سيادته العظيم شأنًا، فأدركت حقيقة ثانية، وهي أنها وبرغمِ إمتلاكها مكانة في المُقابل ليست هينًا، لن تستطيع مُجاراته إن قرر عدم اللعب معها.
رفعت كفها ببطىءٍ ماكر ونعتت خصلة قصيرة من شعرها بعيدًا عن مرآى عينيها، فزادت حادقتيه عتمةً لإدراكه بأنها قصت خصلاتها لتزيد عذابه ووجعه؛ حيث علمت كم كان يحب شعرها الطويل ويقدس أنوثتها الفاتنة بهِ وتبًا كم أوقدت فعلتها الصغيرة تلكَ لهبًا نهش روحه ولحمه، فصر أسنانه أمام إتساع أبتسامتها المُنتصرة لنيلهَا ما تريد دون منحه سبب منطقي لإصدار رد فعل عنيف ضدهَا، وأيقن بأن تلكَ العاهرة أكثر غباءًا بكثيرٍ عن شرقيتهِ الطاهرة لتظن بأنه سيحتاج إلى سببًا قبل أن يسقيها سقم الزمان.
لمْ يتألم لأنها تغيرت كمَا حدث معه.. هو فقط تألم وتقلب بين أوجاعهِ؛ لأنهُ لمْ يستطع التعرف عليها رغم توقعه لخطوتها القادمة.
"هل أحببتِ ديفيد، أم تزوجتيه لتزيدي وجعي يا سيڤار؟"
لا تعلم لما أسمها هذه المرة من بينِ شفتيه أجبر كتفيها على الإرتخاءِ وكأنمَا تخلت نفسها عن وضعية الهجوم وأتخذت الدفاع عوضًا عنه، لكنها ظلت راسخة في وقفتها لتراقبه بأعين ثابتة، ثم أجابته بنبرة لمْ يستحبها:
"لا هذا ولا ذاكَ."
غامت عيناه وأشتد فكه، وبرغمِ ذلك ظلَ مُبقيًا على مجلسه، ومرر أبصاره عليها في لمحةٍ سريعة وكأنما يراجع هيئتها وتعابيرها، ثمَ أدخل يده في جيبِ سترته مُتمتمًا:
"قبل إستردادكِ لوعيكِ منذ لحظات كنتُ اتأمل ما يخصني وينتمي لكِ.."
قطبت حاجبيها بحيرةٍ وزالت القسوة عن تعابيرها، فأسودت عيناه أكثر بعدما وصل إلى ما يريد بإخراجهِ عقد الفراشة الباهظ الذي وهبه لهَا في فترة حملها، فأرشت بهِ الطبيبة أثناء الفحص لتصمت عن حقيقة موتهَا بسبب الجنين أو لربمَا لتأخير معرفته بمؤشرات صحتهَا المتدهورة قدر الإمكان، وبسبب رؤيتها وأستذكارها لفترة حملِها وفرحتها بإبنها، فإن عيناها الشرسة أرتخت وتشبعت أخيرًا بشعورٍ فهمه وأستطاع تحليله.. شعورها بالوجعِ والذهول بسبب وصول السلسال لهُ وهُنا وأبتسم مُنتصرًا بعدما نال ما أراد.
تلكَ الواقفة أمامه مهما أدعت الصمود وأقترنت بالقسوة، لن تستطيع أبدًا تجاوز ذكرى طفلها مهما حاولت، وتلكَ نقطة ضعفهَا الآولى.
"تخلفتِ عن حـُكميّ العظيم لفترة لا يُستهان بها، وهربتِ من عقابكِ بعد إصداركِ لخريطة موقع ممتلكات آل هاريسون القيمة، وتحالفتِ مع أعداءنا وأخرجتِ أسرارنا بخيانتكِ لزعيمكِ، بالإضافة إلى هجرتكِ الغير شرعية إلى بلادكِ ظنًا بأنني لن أعثر عليكِ."
جمدت ملامحهَا لوهلة مُستنكرة، الوغد اللعين إبن السافلة غفر لهَا ذنوبها في الماضي مُقابل لياليهم الجامحة، لكنهُ قرر فجأة أن يعاقبها بالسجنِ لكيلا ترى ديفيد! تبًا لذلك الفاجر المُختل. صرت أسنانها بضغينة ثم سألته بنبرة مكبوتة زادت نصرته:
"حسنًا.. ربمَا أنا أرتكبت ما قيل.. لكنكَ أنــتَ من أجبرني على السفر بهجرةٍ غير شرعية ودعني أذكر أيضًا بأنني كنت مُخدرة."
أبتسم بسمة جانبية ماكرة ومُتلاعبة ثم تمتم بعمقٍ رجوليّ:
"إثبتِ."
رفعت حاجبها الأيسر ثمَ أجابته بنبرةٍ جادة:
"معي شهودِ."
أتسعت بسمته وأسفر ساخرًا:
"أمسحي بهم مؤخرتكِ واحدًا تلو الآخر."
رغم أن الجميع شهد ما حدث لكنها أيقنت بألا أحد سيشهد في صفها إن كان ضده، فهدرت بعلوٍ وصَخب مُحتج:
"لكن هذا ليس عادلًا، أنتَ فاسد في حكمكَ!"
"العدل معكم هو الفساد بيبي."
"بل العدل نقيض الفساد."
ناقضت قوله بنفسِ الجملة التي هلوس بها مُسبقًا، فزالت بسمته وتشبعت عيناه بغموضٍ لمْ تحلله، وسرعان ما نهض وسار ناحيتها ببطىءٍ لمْ تستلذه، فعادت عيناها تسبح لتأسر أسفل حكم قساوة لمْ تستساغها. وقف أمامها بصلابةٍ يبتلعها بعرضِ جسدهِ وطغيان هالته، وعكس العادة لمْ تتراجع بمقدارِ خطوة ولمْ ترمش لمرة واحدة خوفًا، فرفع كفه الغليظ وسمح لنفسه بتلمس شعرها، وحينهَا تأملت قفازته القاتمة بسبب تشابها مع جلد الثعبان في ملمسها ولمعتها، لكنها بدت باهظة، ونادرة عن الوجودِ.
"العدل ليس نقيض الفساد يا شرقية."
ظلت ملامحها راسخة بلا إقتناع، فتمتم بعمقٍ وصل لروحها، وأصابها بالقشعرة برغمِ تبلد معالمهَا:
"إذًا عرفِي العدل وعرفي الفساد."
ظلت لوهلة صامتة، لكنها سرعان ما قالت بوتيرة مُتبلدة:
"العدل هو نصر المظلوم، بينمَا الفساد كآكل مال اليتيم ونهب الفقير."
أبتسم بجانبية ساخرة وسألهَا:
"معنى حديثكِ بأن نهب الفقير فساد، بينمَا نهب الغني دلال؟"
تشبعت عيناها بحصنٍ منعه عن الولوج إلى روحها، فتعطش ناهمًا للحظة التي سيبتلع فيها وجدانها كالماضي تمامًا، وطمس تلكَ الرغبة خلف جدار منيع لمْ تستطع هدمه ولا فهمه:
"إذًا عرف أنتَ.. كيف يكون العدل هو الفساد."
أنزلق بكفه عن خصلاتها ليتحسس عنقها بلا إكتراث، فتمنى لو يتلذذ بنعومة جلدها وتأمل طريّ لحمها المتورد أسفل أنامله بعقلٍ مآخوذ، فقالت ببسمةٍ صفراء:
"أرجوك حضرة المُبجل فسر لي لأن ذكائي لا يُجاري سيادتكم."
رفع يده يتحسس جانب شفتيها برغبةٍ وجوع، متعطشًا لشعوره ببشرتهَا الهشة تحت أنامله العارية، فناظرت عيناه بإغراءٍ مُباشر وبجرأة زادت نهمه للأضعاف:
"حينهَا سأضطر أسفًا إلى الإنحدار لمستوى ذكائكِ المُنعدم لأشرح لكَ بإنسيابية."
حاربت رغبتها في الإبتسام، ثم حركت رأسها بخفة ومررت شفتيها على إبهامه بإغراءٍ زاد محنته، وعيناها اللعينة الماكرة أثارت كل خلية ضئيلة في جسده لإبتلاعهَا:
"سخائكَ المُبجل سيسمح لكَ بفعلها، منحتني حياتي سابقًا وهي رفاهية لا أستحقها والآن.. لا تبخل عليّ بشرحكِ المنطقي يا سيدي، لعله ينتشلني من غبائي وغيابي."
ختمت كلامها بسحب طرف إصبعه بين شفتيها وعيناها المُغرية تزداد شقاوة وإغراءًا، فدس إصبعه كله في جوفهَا وتمتم بشهوةٍ وثـُقل:
"مهمَا حاولت أن أشرح لحِماري الصغير فلن يفهم سوى بلغةٍ واحدة تليق حتمًا بجلدهِ السميك."
ظهر الضيق على معالمهَا وإنكمش وجهها، فسحبت فمها من حولِ إبهامه ببطىءٍ إشتهاه، ثم لعقت شفتيها بشقاوةٍ مُتلاعِبة:
"مهمَا يكن."
ألتفتت تكاد تغادر جناحه بمنتهى القسوة وكأنمَا الهجران لمْ يشق صدرها كما مزق صدره ونحر مبادئه ورفاهية الشعور، فإزدادت مرارة الوجع في خلاياه، وأنتشر على طول عروقه كما لو كان سـُقمًا مُميتًا، وبرغمِ ذلكَ ظل مُتبلدًا في وقفتهِ وأعلن بنبرة مُهيمنة أجبرتها على الوقوفِ إمتثالًا لهُ:
"ســـيــڤـار.."
ألتفتت له بأعينٍ ناعسة أستحبهَا وتناثر شعرها القصير حول وجهها مما زاد جوعه وتلوعه لتلكَ المرأة أمامهُ.
"مُحاكمتكِ ستكون جدية وأمام العائلات جميعهم في وقتٍ أحدده أنا وليس عما سبق فقط، بل وأيضًا هناك محاكمة خاصة بيننا بعدما أعرف كل ما فعلتيه بغيابي، من الألفِ حتى الياء."
ظل وجهها جامدًا بتلكَ النظرة المُثيرة، فأشار لها وحينها ألتقطت إحدى قمصانه ورفعته على جسدها.. ثمَ غادرت.
____________
_______
الإلتزام كان قاعدة لا تتجزأ من قواعدِ آل هاريسون، وبالنسبةِ للزعيم.. حياة بلا منهج أو دستور مُجرد مضيعة للوقت، للأهداف بل وأكبر ثغرة في طريق الشخص ستكسر رقبته ثمَ تسحق عظامه، لذَا ميعاد الفطور كان ثابتًا مهمَا كثرت الخلافات والعداوات، وبالفعلِ هذا ما جرى وسار على الجميعِ بلا إستثناء.
ديفيد كان مُنكبًا وعيناه لا تغادر طبقه، بينمَا ستيڤ وتوماس والرجال إهتمامهم لمْ يكن صوب الطعام كمَا كان للسافلة نفسها التي سممت حياة الزعيم.. وبخصوصه، عيناه لمْ تغادرها ولو للحظة، ولمْ يرمش عنها كما لو كان ناهمًا لصورتها، راغبًا في الشعور بالتخمةِ ناحيتها وهي مُجرد أمنية بعيدة المدى، وبرغمِ تأثيرها عليه، ظلت عيناه غامضة غير مفهومة، لكنها تغلظت بعتمةٍ معهودة لم يحللهَا أحدًا أيضًا.
نظراته طالت لهَا كمَا لو كانت صوب روحها، فرفعت عيناها ببطىءٍ مُستكشف ثمَ لعقت جانب ثغرهَا بإغراءٍ تعمدته، ورسمت إبتسامة صغيرة على فمها لمْ تنل إعجابه بدلالة عزمهَا على أرتكاب سخافة ما، وبالفعل صدقت حواسه بعدما غمست قطعة من الخبزِ في مربى التين المُفضلة لديفيد، ثم مدت يدها له بتدليلٍ وغنج، مِما أثار حفيظة چون وأجبر لهب من نوعٍ فريد على الإنتشار بطولِ عروقه ساحقًا نياطه، خاصةً بعدمَا سقطت حمالة فستانها الأصفر تنزلق على طول كتفيها، فندم كثيرًا على تركها تفلت من أسفله ليلة أمس.. لكن كمَا يقول دائمًا.. 'الصِعابُ هيَ مَا تمنح الكنز سِعره.'
رفع ديفيد عيناه للشرقية بتأنيبٍ وبرغمِ ذلكَ ألتقط قطعة الخبز في فمه ثمَ راح يلوكها ببطىءٍ ولسبب ما شعر بعدمِ الراحة أبدًا، فإبتلعها بصعوبة وعاد يبتسم بمجاراةٍ أثناء إنتفاضته ونبرته المُتعجلة:
"سأسافر في رحلةِ عملٍ عاجلة يا ڤي ولن تستغرق مُهمتي أكثر من ثلاثِ ليال، كوني بخير حتى أعود."
"هذا يعني أنني لن أحصل على شهرِ عسلي كأي عروس؟"
سألتهُ بنبرةٍ آسفة مُصطنعة، فشعرت بعينين الوغد تغوص في نخاعها الشوكي برغبةٍ في الآذية، اللعينة تريد شهر عسل هـآ؟ لكن لا بأس.. سيغمسها في العسل الذي تريد بكل سخاء حتى تتحلل عظامها اللعينة! صر أسنانه كابحًا شياطينه عن المُتخلفة القبيحة، حتى الجميع راقبها وكأنما هي غبية فاقدة للعقلية لكنهم هم الأغبياء، فما قالتهُ منذ لحظات وبرغمِ سخونته حول عنق الزعيم لن يثير ردود أفعاله الأن، جون لمْ يعد مالكها ولا حتى سيدها بعدما عتق رقبتها ومنحها حريتها اللعينة، لذا أي رد فعل منه عليها، سيثبت بأنها لا تزال تؤثر عليه وأنه لا يزال يستثنيها في قواعده، والوغد لن يبوح أبدًا بمشاعره صوبها خاصةً بعد تلكَ الليلة التي تركها فيها تسقط بيدين رجل سواه.
"سنعوضهَا لاحقًا عزيزتي."
اومأت لهُ بإبتسامة لطيفة لعله يطبع قـُبلة طريفة على وجنتها، لكنه ألتفت راحلًا على عجال وكأنمَا المكان ضاق حول رقبته مانعًا إياه عن التنفس، وكرد فعل عاديّ، لوت سيڤار فمها بسخرية لاذعة لرجولة الوغد الجبان ثمَ عادت تدس شوكتهَا في طبقها بشرودٍ، وساد على طاولة الطعام صمت مُر كالعلقم لمْ يدوم كثيرًا بسبب إشارة الزعيم للوكاس، فأوما المُتلقي بطاعةٍ تامة، ثمَ نهض تجاه إحدى الطاولات الجانبية وألتقط من فوقها جهازه اللوحي الذي حضره مُسبقًا ثمَ فتحه وأجرى إحدى المُكالمات المُجسدة وعاد لكرسيه وجلس عليه، وحينها ظهر بداخل الشاشة شخص لمْ يمر على سيڤار من قبلٍ، فرفعت حاجبها الأيسر بتعجبٍ بعدما شهدت امرأة لا تقل عن الخمسِ وأربعين، تتأمل الوريث بملامح جامدة خالجها تفحصٍ من نوع لمْ تستحبه بل وأظهر بوضوحٍ عدم رغبتها في خوضِ النقاش المُقبل وبرغمِ ذلكَ أستطرد الحاكم بلا تحية وبدكتاتورية مُهيمنة:
"أمس.. في تمام السادسة وقبيل مغرب الشمس، حَمل آخر عامل عدته وغادر قصر هاريسون المَجيد، وقريبًا.. سيتم الإحتفال بإفتتاح إثنى عشر جناحًا إضافيًا لإحتواء أفرادنا واحدًا تلو الآخر.. فالتفرقة التي حلت عليكُم في عصرِ أبي لن تتكرر مُجددًا."
"تناقشنا في أمرِ رِباطنا من قبل يا زعيم، وأعلنتُ بكل وضوح رفضي لعودة فتياتي إلى قصر سيادتكُم."
"قراراتي لا تـُناقش يا ريانا."
أن يدعوها 'رِيانا' بلا ألقاب رسمية لمْ يكن فعلًا غير مُتوقعًا من إبن أخيها، وبالنسبةِ لها لمْ تنزعج كثيرًا بسبب إعتزازها بإسمها حيث دعاها هاريسون به كدلالة عشقه لوالدتها الراحلة 'أدريانا'.
"حينمَا تتحدث عن مصير فتياتي فحينهَا تصير قراراتكَ قابلة للنقاش يا زعيم."
"الحفل قريبًا يا ريانا وبالطبعِ لا تحتاجين دعوة رسمية كي تحضري في صـُحبة فتياتكِ."
ظلت صامتة عدة دقائق تتأمل إبن أخيها وكأنمَا تـُفكر في أوامرهِ، لكنهَا لم تجد حلًا أفضل من الإمتثالِ لهُ لطالمَا قراره لا يمسس فتياتها بأدنى ضِرار، فقالت بنبرةٍ مغصوبة لحد لا يُمكن إنكاره:
"سنكون عِندكَ مساء اليوم."
"قبل مطلع الشمس أرسلت رجالًا لحراستكم.. بينما بالنسبةِ للملابس والأحتياجات الرئيسية فقد وفرتها لكم وباتت في إستقبالكم."
أرتفع ثغرها في بسمةٍ أرستقراطية نرجسية، ثمَ همهمت ساخرة:
"شكرًا لسخائكَ يا زعيم.. سمعتُ أن أخي تزوج من صَبية مُتعرية، أرسل لها تحياتي."
أخترقت كلمة عمته طبلة أذنيه حتى كادت تصمها، وظل صداها يتردد مرارًا في عقليته ناهشًا هدوءه وتبلده، فلفظ 'مُتعرية' لمْ يخرج منها عشوائيًا أو ساخرًا، على النقيضِ كان واضحًا وأثبت في قرارة نفسهِ يقين شكه بحقيقة عمل تلكَ السافلة، وبرغمِ ذلكَ رفض بل وأستنكر ظهور تعابير واضحة على وجهه، ولمْ يرغب في إتخاذ رد فعل ضدها حاليًا، فأحقيته التي إنتهكتها سيعاقبها عليها، وتبًا كم ستندم وكم ستبكي مُستقبلًا.
أومأ للوكاس منهيًا المُكالمة، ثمَ رفع عيناه للشرقية وحينها أرتعشت عدة مرات مُتتالية، لمْ تكن نظراته صوب روحها أو جسدها، بل شعرت بشرارتها تسير في حبلِها الشوكي وصولًا لأعمق نقطة من خلاياها وبرغمِ ذلك، كانت في كلتا الحالتين ميتة، فأمالت على الطاولة بإغراءٍ داهيّ، ثمَ رفعت كوب عصيرها وراحت تشترف منه بمنتهى التلذذ وكأنما هي مُتمرسة، فإزداد ألم رغبته لإحتوائها وتهشيم عظامها، وإشتياقه لها برغمِ كونها أمامه خلف فيه وجعًا لا يُطاق.
أمس.. تمنى لو يستطيع إحتضانها وإحتوائها لعلها تندثر في وتينه، لتملأ الفراغ الذي خلفته فيه بمنتهى القساوة، لكنها رفضت وقتلته ببشاعة مُجددًا، حينمَا لم يعثر في عينيها على دلالة تلوعها له.. كما تلوع هو لعبقها الشهيّ.
"هنيئًا لمْ شمل أسرتكَ يا زعيم."
نبرتها الباردة كانت مَطموسة بشرارة مؤلمة وصلته واضحة برغمِ إدعائها للصلابة، ففهم أنها سخرت من مُحاولتهِ الناجحة في لم شمل عائلته داخل قفص سيادته التامة بينمَا تخلى عنها هي وبالنسبةِ لهُ كانت ولازالت تـُغنيه عنهم، لكنهَا لمْ تترك لهُ المجال لرؤيتها أكثر، أو للسقوط في حفرتها أعمق، فنهضت.. ورحلت كما أعتاد دومًا.. فمنعه كبريائه عن مُناظرة طيفها ومنع ذاته عن ندائها.. وتركها ترحل.
'عقدة ذنبي هي سر نجاتي، وهذه المرة لن أكون غبية يا إبن سانتيغو.'
____________
_______
الضياع التام كان الوصف الأقرب لروحي المُشوهة، فكيف لِي أن أستنكر نفسي كُلما نظرت إلى المرأة، وكُرهي لجسدي يتفاقم كل ليلة، فظللت أبكي لشهور وحيدة في الظلامِ أنعي ما فقدتُ، حتى تبلدت حواسي وتجمدت عيناي، ففقدت نفسي يا چون.. فقدتها ولا أزال أفقدها، وهذا جعلني أتسائل 'من أكون؟' بل 'كيف لي أن أكون بشريًا.. ولحمي تعفن بفرطِ نجاسة نجواي وتصرفاتي؟'
لأول مرة منذ شهور، شعرت بالقماشِ الدافىء يُغلف جلدي الذي إعتدت كونه عاريًا، مُتجردًا في البردِ القارص لأُغري الرجال برخصٍ وبرغمِ ذلكَ كسبتُ الكثير.. وبسببكَ يا چون سانتيغو أنا دائمًا مشدوهة في متاهةٍ لا مخرج منها، متاهة مسدودة ولا يسعني الركوض أو الهروب، وكلمَا حاولت أن أُحلق كطيرٍ مَجروح، تسحبني أغلالكَ لنفس الجحيم الذي إنحدر بطريقين ولا سواهما.. إما الموت لكَ، أو العيش معكَ كالجثة وهو سيكون أيضًا موتتي.
خرجت من أفكارها على رنينِ هاتفها التي لا تـُدرك متى أخذته وكيف وصل إليها بفرطِ ثـُقل عقلها، لكنها كانت واعية بما فيه الكفاية لتجيب، وقبيل أن تغادرهَا أية حروف، سمعت نبرة سي-چي المُتلوعة في الجانبِ الآخر تمحي أحزانها وتخفف أوجاعها:
"ڤي.. أعلم أن الإعتذار لن يوافيكِ لكن والله طرأ عندي معضلة رهيبة حللتها وسأعود لكِ، فقط أمهليني بضعِ أيام.. ومهما غبت أو أختفيت.. تذكري أنني في ظهركِ دائمًا."
"چي عزيزي لا تخف، أنتظركَ بكلِ براءة وصدقني ستعود هذه المرة لتكتشف أنني لمْ أقم بأي سخافاتٍ من بعدِكَ."
"أشكُ."
كركر ضاحكًا، ثم إعتذر بنبرة خالجها التعب والإرهاق:
"كوني بخير."
أبتسمت، ثم أنزلت الهاتف وأغلقت لأنها لو تركته، فلن ينهي تلكَ المُحادثة أبدًا، لطالما كان سي-چي نكهةٌ فريدة في حياتِها، في حينِ لمْ تطمح من قبلٍ إلى صداقة قوية وجدت نفسها فجأة في علاقة غريبة غير مفهومة، يحبها، وترى عشقه لها في عينيه كلما ناظرها شاردًا أو متأملًا، لن يخونها وتدرك بأنه لن يفديها بحياتهِ، لكنهُ سيفعل المُستحيل ليراها سعيدة.. عكس مسخها، في بعضِ الأحيان يكون مُتبلدًا، ودومًا ما يصير غير مفهومًا، وبرغمِ عدم إستعداده لرؤيتها سعيدة، إلا أنه سيفديها بحياته.
ترى الجميع يتهافت عليها، والمسوخ تراقبها على منصة المسرح بمنتهى الإشتهاء، لكنها تدرك بعدمِ تمكنها من الولوج إلى قلبِ أحد، حتى چون سانتيغو، حبه لها لن يكون كافيًا.
إستندت على حافة السور الصغير تراقب تلاطم الأمواج بكلِ عنف وهوجاء، وتركت الهواء يداعب شعرها، وعقلها كان في حالة بشعة من الإرهاق لتستطيع التفكير في أمرٍ سوى الفراغ.. وعلى بعدِ خطوات، فقط بضع خطوات، إستند چون بذقنهِ على ذراعه، وظل شاردًا فيها من خلفِ زجاجه المُعتم، ليتأملها هي، وكأنما فراشته أجمل من كل شروقٍ وغروب، أجمل من القمرِ والنجوم.. وبالنسبةِ لهُ.. لازالت أجمل امرأة في حياتهِ مهما أنكر.
وكما أن مفهوم الجمال في مقاييس چون بات لا يشمل سواها، فإن مفهوم الصداقة في قاموسِ البعض غير راسخ، وفي الغالب مُفعم بالغدرِ والخيانة، فكان لسونيا والتر الكثير من الصديقات، وفي نفس الوقت لمْ تكن تحبهن، ولم يبادلنها المحبة، ولكن هذا لا يبرر فعلة كلارا، رفيقة عمرها والتي أستغلت غيابها وسفرها في التقربِ من الزعيم.. فهي شقراء كما يحب، وسمراء كما يحبذ، عيناها لمْ تكن زرقاء لأنه يبغض هذا اللون، لكنها كانت خضراء مفعمة بالحياةِ والجمال، حتمًا كانت نوعه المُفضل من النساءِ فلم يمانع دخولها لحياته ما دامت لا حياة لهُ بعد فقدانه لروحه. أخرجت كلارا قدميها الطويلتان من السيارة ثم نهضت بجسدها الرشيق ورائحة عطرها حتمًا وصلت لأعتى الرجال، فراقبوها وكأنما هي فننٌ وإبداع.
"مرحبًا بعودتكِ سيدة كلارا."
أبتسمت 'كلارا' بلطفٍ ثمَ حدجت رئيسة الخدم بعينين لينتين، قبيل أن تسئلها بنعومة مُفعمة بالطاقة التفاؤلية:
"أين الزعيم؟ هل كان ينتظرني؟"
أشارت 'كاتريس' رئيسة الخدم إلى بعض الخادمات ليحملن حقيبة الزائرة ثم ألتفتت إليها مُجيبة:
"طرأ عنده عمل لكنه سرعان ما سيعود."
زالت اللمحة التفاؤلية عن أعين كلارا ثم تمتمت بحزنٍ ملحوظ:
"لكنهُ يعلم أنني سأتي اليوم."
ناظرتها كاتريس بأسفٍ ثم تراجعت مُنسحبة وحينها فقط أظهرت كلارا مشاعر الإستياء والغضب التي جاهدت لعدم أخراجها أمام أحد، ثم سارت بخطواتٍ شبه مُتسرعة لداخل قصر آل هاريسون تنتظر عودته.. وفي الناحية الآخرى أيقن چون بأن تأملها لن يزيد سوى عاطفته المتألمة ناحيتها، فأدار المُحرك وأخرج هاتفه ليأمر أحد الحراس بحمايتها دون علمها في حين ضايقها أحد، ثم أنطلق إلى عملهِ، حتى يتفرغ لتلكَ اللعينة لاحقًا.
عودتها كانت غير مُتوقعة، برغمِ أنها وعدته بها، وأباحت بخطوتها تلكَ، إلا أنه لمْ يستطع تصديقها، ويزال يشعر بأنه في حلمٍ لعين، بل حتمًا هو كابوسٌ مَقيت، أراد أن يكسر رأسها بعدمَا يحطم فقراتها، ثم يتلذذ أخيرًا بسحق رحمها أسفله. رغباتٌ كثيرة سوداوية عادت تستسحوذ على مشاعرهِ.. إشتهاءٌ كان قد غفى عنه، توقٌ خرج من بقعة مشوهة من روحهِ تمنى لو لمْ يخرج لهَا هي تحديدًا.
رائحتها هجمت على إنفه فأدرك بأنها تستبيحه كالعادة بذكراها وهلاوسها، لكنه لم يتذمر كثيرًا ولم يفكر، فهي في النهاية.. كانت تطارده ولاتزال ستفعل ما لم يقتل نفسه اللعينة.
"هل ستتجاهلني كثيرًا؟"
سمع صوتها، ورأى هيئتها المقيتة تتجسد من الفراغِ، بنفس المنامة السوداء والعينان اللذيذتان، مع شعرها الأجعد الطويل، فتمتم بدمامة قاسية:
"لمْ يعد وجودكِ يشكل فرقًا."
صمتت وراقبتهُ بإستنكارٍ مَوجوع، لمْ يعتاد سواه منهَا:
"هي عادت لكَ، فلما لمْ أختفي يا چون؟ لأنكَ تدرك بأن خطيئتي لا تزال تطاردكَ، وروحي لن تتوقف عن أقتناص منكَ أحقيتها مادمتَ ظالمًا، كنتُ فراشتكَ التِي وعدتَ بألا تفلتها ولكنكَ أفلتها... كنتَ ملاذنا، فوعدتنا بالحماية ولكنكَ أنتهكتنا، أنا سيڤار، الشرقية التي دنستها."
"أصمتِ وغادريني."
زمجر بقساوة وعيناه تنهش هيئتها، ثم صَر أسنانه وأشاح أبصاره حينما ختمت حديثها بإنكسارٍ مَهزوم:
"لا تنتظر نفس المرأة الطاهرة التي أحببتَ، لأنهم قتلوني حينمَا مات إبني.. فأفلتني وقتلتني أنتَ أيضًا."
"سيڤار.."
برفقٍ.. هلوس بإسمها وألتفت ولكن طيفها تلاشى، وحينها فقط، صف سيارته على جانب الطريق، وظل يتأمل الفراغ بعينيه القاتمتين، وصدره المشتعل نيرانًا وجمارًا كان يمزقه بل ينهشه بمنتهى البشاعة، وهي.. ظلت على ضافة البحر تتبع تقلباته بمنتهى الضياع، فمرت دقائق طويلة لا يشوبها سوى الألم والتخبط، ثم سمعت هاتفها يعلو برنينٍ من قاتلها، وحينمَا أجابت بعد بضع ثوانٍ من التردد، سألها بنبرة حازمة لمْ تفهم مخذاها:
"هل لا تزال فيكِ؟"
كان يقصد الشرقية التي أحبها، فمحى عنها هويتها، الفاتنة التي عشقها فشوه معالمها، تسائل عن نقائها الذي دنسه، وعن شخصها الذي أهلكه، وأنوثتها التي إعتدى عليها بالعنفِ والقصر.. كلها أشياء لم تعد فيها ولم تعد منها، وبرغم ذلكَ، أبتغى فؤادها أن تقول بأنها تمنت لو تكون سيڤار، زوجته السرية.. تمنت لو تقول بأنها لا تزال تشتاق إلى نفسها التي قتلها، وروحها التي بدلها، كادت تفعلها في لحظة من الضعف لكنها عوضًا عن ذلكَ، قالت بحرقةٍ ألهبتهُ:
"قتلوني حينمَا مات إبني، فقتلتني أنتَ أيضًا بعدما أفلتني."
صر أسنانه وأعتصر كلتا عيناه، وكلماتها تلكَ والتي هلوس بها منذ دقائق، أكدت بالفعلِ مرارة خسارته لهَا، وبسبب أفعاله وأختيارته، لذا.. لن يبكي على اللبن المَسكوب، وتلكَ العاهرة لم تعد تعني لهُ ولو ببنسِ دينار.
فهمت صمته، فإنسدلت دموعها بصمتٍ وقهر، وتابعت بنبرة مهزوزة عرف جيدًا بأنه لن يسمعها منها مُجددًا:
"سـ.. سينتهي بي المـ..طاف أحز عنقي يا چون، وحينهـ..ـا ولو بكيتَ لمئة عام فإنني لن أعود لكَ.. أعلمُ انني لم اعد اعني لكَ شيئًا بعدما قتلتَ المرأة التي أحببتها فيّ.. ولكن.."
أعتصرت عيناها وسكتت لوهلة تسترق السمع لأنفاسه المُمزقة، ثمَ دندنت بالعربية بكلماتٍ ثقيلة تمنت لو لن يفهمها:
"لكني يا حبيبي، تمَنيت لو أنكَ أحتضنتني وأسعفت جرحي الحيّ يومها، لكنكَ قتلتني، ويشهد ربي إني ما تمنيتك تقتلني.."
"Va fi sfârșitul nostru?"
[هل ستكون نهايتنا؟]
تسائل بالرومانية فلم تفهمه هي الأخرى وتمنى لو لن تفهم.. لكنهُ لمْ يُنهي المكالمة، وظل كلاهما ناهمًا لسماع أنفاس الأخر، برغمِ الألم.. والوجع.
مر الوقت كعادته، وظل يمر بنفسِ القتامة، في نفس الدربِ الحالك والمُستقبل المَطموس لنفسِها ونفسه، كلاهما أنشغل، ورحل، بل وربما هرب من ذكراه القديمة، غربت الشمس، وتجمعت العائلة كُلها، جميعهم خضعوا على كراسيهم جالسين دون بنسِ شفة، وأعينهم المصدومة حاوطت كرسي الزعيم الفارغ، هو لمْ يتأخر أبدًا عن مواعيدهم، لطالما كان قاسيًا حازمًا في الفترة الأخيرة على وجه الخصوص.. وبرغم حالة الأستنكار بطياتهم، لكن لم يجرؤ أحد على السؤال على النقيضِ تمامًا تعالت أصوات المعالق في الأطباق.. عكس سيڤار، والتي كانت تقلب حسائها بعقل شارد، ووجه باهت وعزيمة فاترة، لكن فجأة... أشتمت رائحة عطره وسجائره خلفها تمامًا، فألتفتت ببطىءٍ تناظره بطرفِ عينها، لكنها لم تجده ولمْ تعثر عليه فأنقبض صدرها وعاودت أناملها تعبث في طبقها.
دقت الساعة التاسعة تمامًا، وباتت نسمات الهواء قارصة ولاذعة، وحينها، توقفت سيارة سوداء عند مدخل القصر مُعلنة عن وصول ضيوف لم يأتوا لا رغبةً بالمودة ولا حتى بالقربِ.. فمطت ريانا إحدى قدميها بسلاسة خارج مقعدها بعدما فتح لها أحد الحراس، وكذلك فعلت روزالين والتي أتبعتها أختها التوأم روزاليا، كانا شخصان في غاية الأختلاف، فالخمس دقائق والتي فصلت بين أعمارهما، جعلت شخصية روزاليا ألطف وأنعم بل وأنقى من روزالين التي أتصفت بالشغب والجرأة والمغامرة.
برغم كونهما صورة طبق الأصل من بعضهما، إلا أن روزالين أمتلكت أعين خضراء قاتمة عكس روزاليا والتي حَوت أعينها لؤلؤ بريء قد غرق في لذاذة العَسل الداكن. شعر روزالين مال إلى درجة قاتمة من الأسود، لكن روزاليا شعرها تخلله خيوط ذهبية مُتوهجة.. سوى هذا.. لم يكن بينهن أي أختلاف عَدا النابع من جوهرهما.
فردت روزاليا فقراتها وعيناها تتبع قصر آل هاريسون ببسمة صغيرة، متوجسة وخائفة طغى عليها الإشتياق لرؤية مسخهم چون.. حاجز أمانها والذي كان يُجن سابقًا من برائتها ونقاوتها محاولًا حمايتها كما لو كانت أبنته.. فكانت كثيرة الإمتنان والمَحبة له، حتى روزالين مهما أمتعضت بأن تصرفاته كثيرة التسلط والإمتلاك، الإسوداد والبشاعة، إلا أنها لن تنكر حبها له ومَعزته في قرارتها.. ففي النهاية كان بمثابة الأخ بل الأب لهن.
تلقائيًا... ألتقت عينان روزاليا اللامعة بخاصة توماس الواقف على بُعدٍ عنها يتبعهم خِلسة، وحينما حاوطته بحادقتيها كما لو أنها حاوطت عفريتًا مَطموسًا، سارت بها شرارة كهربائية غريبة، وتوردت وجنتيها تتأمله بتعجبٍ، فأسودت نظراته وإزدادت غموضًا وحـُلكة، لكنهُ سرعان ما أشاحها عنها وكأنها لا تعني له شيئًا فتعجبت أكثر ورجحت بأن عقلها لربمَا يتصور لا أكثر.
"ها قد عدنا إلى جحيمنا اللعين."
زمجرت روزالِين بغضبٍ مُستنكر، فضحكت روزاليا حينما نهرتها أمها بهدوء مُتبلِد:
"روزالين.. تناقشنا من قبلٍ حول ألفاظكِ السوقية، ووعدتكِ أنك ستنالين عقاب لن تحبيه إن أنحدرتِ بمستواكِ الأخلاقي هكذا مُجددًا. لأننا لا نزال في اليوم الأول ولا أرغب أن يرى أحدًا إبنتي مُعاقبة سأتجاهل ما حدث.. لكنها لن تكون سوى أخر مرة."
تنهدت روزالين، ثمَ دحرجت عيناها وامأت بالموافقة لتتخلص من نظرات أمها الحادة والتي نقلتها إلى الخادمات اللاتي حضرن لإستقبال أمتعتهم تحت إشراف رئيستهُن، فعادت روزاليا تناظر توماس تستغل إنشغالهم، لكنها وجدت ظهره العريض يواليها فلم تستطع أن توهم نفسها بأن نظراته خالجها شيئًا، وتجاهلت مشاعرها المشوشة.
سارت ريانا بهدوءٍ صوب القصر، فأتبعها كلا إبنتيها، وهمست روزالين بخبثٍ لتوأمها:
"رجالٌ مُثيرون لا أنكر.. يبدو أن حياتنا هنا لن تكون سيئة بالكامل!"
ضحكت روزاليا بنعومة ثم عادت تناظر توماس للمرة الثالثة بتلقائية بعدما قررت ألا تناظره، فوجدت نفسها تتأمل كيانه الضخم ووشومه الظاهرة، وشردت في عضلات ذراعيه، وتعجبت من كونهِ مجرد حارس في قصرِ هاريسون، وبينما تذاكره خِلسة، ألتقطتها أعينه فخجلت وأسرعت من خطواتها تجيب أختها بنبرة مُتلعثمة:
"سقف طموحك أرتفع هذه المرة."
داعبتها روزالين بنبرة ماكرة:
"بلا شك! لمْ أعد أرغب في مُجرد المواعدة، أريد أن أفقد عذريتي على يدِ أحد هؤلاء العمالقة.. تبًا لي، فهو حتمًا سيمزقني بالكامل."
أتسعت عين روزاليا بعدما فهمت مقصد توأمتها، ثم قالت برفض مستنكر:
"لازال ذلك الشيطان في قائمة أهدافكِ! حقًا يا روزالين أنتِ لعينة."
ضحكت روزالين ثم لعقت ثغرها بمكرٍ داهي وعيناها تتأمل الفراغ وكأنمَا تسترجع صورة مسخها.. ملكيتها الخاصة، تتصور لو أنها أستطاعت أخيرًا أن تـُحاوط عنقه بأغلال حبها، ثم تلثم فكه المنحوت بثغرها.. وحينما عاودتها ذكرى أقترابهم الجسدي حتى لو كان خارج نطاق الحميمية التي رغبتها، شعرت بنبضها يعلو، وجسدها يشتعل كما لو كان جمرًا حارًا.
"الغبي فقط من يتنازل عن رغباته يا روز."
"بل الغبي من يتبع شهواته يا روزالين."
"الشهوة دائمًا تكفي."
أتسعت أعين روز بذعرٍ لحظي، ثم تأملت أختها بنظراتٍ متوجسة، فهي لم تشابه چون في شكلها فقط، بل وأيضًا في ارائها الغير متزنة وربما إن لم تنجدها مُعجزة ستكون وريثة جوهره المشوه، وهذا ما لم ترغبه لأختها.. ولا تظن أن والدتها ستسمح بحدوث هذا. الآن فقط أستطاعت فهم لما كان زعيمهم يتأمل كلتاهن بتلك النظرات الغامضة والتي كانت تشعر بها تتغلغل داخلها.. الآن فقط فهمت أنه لطالما رأى مستقبل كلتاهن.. وهذا ما لم يستطع عقلها التنبؤ به حتى الآن.
دخلوا جميعًا وراحت أبصارهم تميل إلى مشاعر مخالفة عن الأخر برغم الأستقبال الوديّ والذي حظوا به من الكثير، فمر الوقت بروتينيه أعتاده القصر مؤخرًا.. حتى ظهرت هي.. الراقصة التي ذاعت سيرتها في العالم السـُفلي.. سي-ڤي زوجة ديفيد هاريسون.
رفعت ليانا ثغرها بعدم قبول، حينما مدت سيڤار إحدى قدميها برشاقة مغرية على السلم، وعيناها المُكحلة اللذيذة تأملتهم بمنتهى البرود واللامبالاة وكأنما هي حقًا عاهرة متمرسة.. راقبت روز بإنبهارٍ خصرها المرن وهو يتمايل بأنوثة، وفستانها النبيذي لم يستر أبدًا تقاسيم جسدها وقد بدت فيه طبيعية غير متكلفة.. وهذا زاد هيئتها إثارة.. بينما روزالين دققت فيها بملامح لم تشمل الودية ولا العدائية، لكنها حملت رفضًا واستنكارًا لإتخاذ عاهرة لا تسوى فلسًا زوجة لأحد أبناء هاريسون.
تأكدت سيڤار من معدن روز النقي بسبب نظراتها المنبهرة بلطافة لم تراها منذ زمن، لكن روزالين، تأكدت بأنها سافلة وضيعة ورأت في عمقِ عينيها قطعة من روحِ چون، وهذا جعل فكها يشتد لوهلة أو أقل قبيل أن تتدارك نفسها، لم تكن تعرف كيف ستحتمل رؤيته في شخص إضافيّ، وما زاد جنونها، أن وبرغم التشابه في جوهر الأعين إلا أن المسخ لن يشابهه أحد.. ولهذا لن تتجاوزه بسهولة كما ظنت.
وقفت أمام ليانا، تراقب ملامحها الجامدة ببرودٍ وعدم إهتمام، ثم ندندنت بسخرية:
"مرحبًا بكم في قصرِ هاريسون الوضيع، أرجو أن أستقبالنا البخيث نال إعجاب شياطينكم المرجومة."
كتمت روزالين ضحكتها بصعوبة، تبًا لي.. نظرة أمها حقًا كانت لا تقدر بثمنٍ، لذا أجابت ببساطة أدعت فيها الرقة:
"شكرًا لإستقبالكِ الأشد وضاعة من قصرِ جدي، وأرجو أن تكون أيامكِ بخيثة في ضيافة شياطين هاريسون المرجومة."
في وضعٍ أخر، كانت كلماتها ستستفز أمها وآل هاريسون، لكنها بالطبعِ لن تنال سوى إعجاب سي-ڤي والتي أطلقت ضحكة رقيعة صدت في المكان، وهذا سبب إمتعاض إليانا أكثر وأكثر. علمت روزالين أنها لن تستطيع أن تحب تلك السافلة أمامها.. وتأكدت بأنها ستستمع كثيرًا بمحاربتها.. لكنها علمت أيضًا بأن كلتاهن ستنال الكثير من المتعة وأيقنت من فكرها هذا بسبب نظرات الآخرى الماكرة وكأنما تعلم تحديدًا بما خطر على بالها.. وهذا جعلها خصمًا لن تتساهل في كروته أبدًا.
ظلت سي-ڤي تتأمل الفتاتين لعدة لحظات، حتى إخترقت رائحة عطره العتيق أنفها، وداعبت حواسها تشتتها بين السقم والإنتقام، فبهتت بسمتها ورمت أسهم عيناها الشهيتين على بوابة القصر حيثما دلف، بقوةٍ وثبات، تتأمل كيانه السرمدي العتيق، بمنتهى البرود الذي غادر عيناه برغم وحشية رغبته فيها، وفيها هي وحدها.
مرر عيناه ببطىءٍ مُتزن عليها، من أطراف أصابع قدميها حتى شعيرات رأسها، بتلكَ النظرة التي كانت ترعبها قديمًا، فلطالما أحب أن يتجول بأبصاره بمنتهى التلذذ عليها، ليتواقح بأن تتقف عيناه على بعض المواضع البارزة منها، أو حتى التي أظهرت أنوثتها، فوقف بعيناه على نهاية خصرها من الأمام بفجورِ، ثم رفعها ونظراته تلتهما إلتهامًا وكأنما هي وجبته بعد جوعٍ طال، وحينها سارت على طول فقراتها الظهرية قشعريرة لم تحبها وإستنكرتها، وبرغمِ ذلك، قاطع جوعه نحوها صوت لم تعرف صاحبته يهلل:
"سيد چون! كنت في إنتظارك طوال اليوم.. مرحبًا بعودتكَ."
بهتت عيناها لأنها أدركت تمامًا إلى أي بقعة ستقودها الأحداث هذه المرة، وإستدارت ببطىء فرأت أمامها إمرأة كاملة له، تبًا كانت حقًا وصفة كما يقول الكتاب، خمرية كما يحب، وشقراء كما يهيم، صدرها كبير بفجورٍ، وخصرها منحوت.. رأت آنسة خالية من البساطة مُتكلفة الجمال، وكأنمَا جسدت خطيئة جديدة من الفِتنة، فعادت تناظر چون مُجددًا بثباتٍ وإسوداد لأول مرة رآه فيها، وبسبب نظراته الجامدة على تلك الزائرة.. علمت سيڤار أنها ليست في منافسة لكنها لا تزال أمام خصمٍ صعب.
'لكن لا بأس يا چون هاريسون.. فلطالما كانت الحرب هي الجانب المثالي لي.'
يتبع..
تحليل المشهد الآخير إن سيڤار عرفت إن مشاعر چون ليها مش مخلياها في منافسة مع أي امرأة بس كلارا حرباية ومش سهلة برضو 🤦🏻♀️
المهم رأيكم يهمني، أي اسئلة؟ ♥️
إن شاء الله بظبط جدولي عشان ينزل الفصل الجاي اسرع 👀 ومتنسوش تستمتعوا بچون سانتيغو في الفصل دا بس ومتنسوش أنه وغد 😂
يالا تصبحون على خير ودمتم سالمين.♥️
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top