Tatuaje de satanás <١>

_ بسم اللّٰه الرحمن الرحيم.

في البداية وقبل أي حروف، وجب التنوية أن الرواية ستحتوي -مُستقبلًا- على أحداثٍ حادة، سواءًا كانت دموية مُفصلة أو لشرح مشاعر الأبطال المُتغيرة مهما كانت عاطفية أو جنسية أو حتى حالكة. "أي الرواية ستحتوي على جرأة لفظية صريحة بعض الشيء في المشاهد والتحاور."

ثانيًا: أقبل النقد البناء، الذي لا يمس شخصي بصلة.. لكن أي إنتقاد من نوع آخر مرفوض.. فلن أقبل بأي إساءة تمس شخصي. هذه شروطي وأرجو أن تفهمها أو أنسحب ومعكَ كل التقدير والإحترام مني..

وشكرًا.

_الفصل الأول: Tatuaje de satanás.
{.وَشمُ الشيطان.}

تعريفُ العَهر وقع فِي إستباحة حـُرمة النفس مُقابل عائد مادي أو سياسي، دون رابطة روحية مُقدسة تحفظ تلكَ العلاقة من الفسادِ والعَطب، لكن العهر صفة راقية أمام ما يَحِل كُل ليلة في أقصى حانة من الدركِ الأسفل، حيثُ الدعارة هي الدرجة الأولى من سلم البُغيان. هناك، حيثمَا هربت بهويتها للأبد، من والدها، ومن وطنها، ومن ذكرياتها، حتى من إسمها تبرأت.

راحت الأضواء الخاطفة تتصارع بين الأحمر والأزرق، والبنفسجيّ والأصفر، لتندمج على أجسادِ راقصات التعريّ أمام رجالًا أقل ما يُذكر عنهم هو الجنوح والوحشية، شياطين آدمية راكضة ولاهثة وراء الشهوات المَمنوعة ما دامت غير مُحللة. رجالٌ جسدوا الشيطان بل وأكثر.. وبرغمِ ذلكَ، كانت تعمل هناك وحلمها حيال الرهبنة بات بعيدًا تمام البُعد وقد أقصته تمامًا، فهي لمْ تعد الشرقية التي ذاقت الويل في عرين سيدها.. بل فاجرة يتهافت عليها الكثير.

في غُرفتها الخاصة بذلكَ المكان المَرجوم، مررت أنفها على المسحوقِ بعدما جمعته بكارتٍ لأحد مُعجبيها ووجدانها يُحاوط إسمها وشخصها مانعًا أي شخص عن الولوج إلى حقيقتها سواه.. فالمدير المكسيكي هو الوحيد الذي عرف عن حياتها السابقة، ويعرف جيدًا أنها هاربة من رجلٍ سيمزق كل بقعة من الأرضِ فقط ليعثر عليها، فمنحها هوية، ومَسكن، واستقصاها من لائحة الدعارة المُباحة برغمِ أنها حقًا لا تُمانع مُمارسة الرذيلة مع ذكرٍ لا تعرف اسمه مُقابل شهقة واحدة أسفل نعيم المُخدرات والكُحوليات.

نهضت على مضضٍ أثناء مسحها لأنفها بخمولٍ ضاحك.. فها هي سعيدة، لمْ تكن سعيدة في أشد لحظات إيمانها وورعها، لكن ها هي سعيدة لتضحك بحبورٍ وسط الشياطين، بالمكانِ الحقيقيّ الذي تنتمي إليه.. هُنا.. حيث لا ألم، لا چون، لا ذكرى، ولا حتى نوبات غاضبة حطمت عقائدها وجسدها لتتركها كيانًا فاقدًا لكل معاني الآدمية والحياة.

فجأة.. إنتفض جسدها.. سارت بها شرارة حارقة ألهبتها وأوجعتها، شرارة منه، من كل حرف من حروفه الثلاث، فإرتعدت موضعها لاعنة ذاتها بأبشع الألفاظ بعدما أستحضرت أسمه برغمِ أنها لمْ تنساه قط، فراحت تؤنب نفسهَا، لا تذكري ما فعله بكِ..، ولا تغرقي في عبقهِ الأسود.. الماضي سيء، لا تــُفكري به، أنظري لنفسك الآن، أنتِ سعيدة، بل السعادة لفظٌ ضعيف أمام ما أشعر به، أنا أشعر بالإنتشاء، خفيفة كأنني فراشة.. تبًا كم كان يُحب نعتي بالفراشة.

لعنت تحت أنفاسها مُجددًا ولمْ تؤنب نفسها كثيرًا هذه المرة، فماذا أفعل إن كنتُ عاهرة نواحة على رجلٍ لا يُحبني؟ تركني وتخلى عني؟ لأجل مَسيرته العظيمة.!

بصقت على المرأة بتقززٍ وكأنما تبصق على حيرتها، ثم تراجعت لتُغادر الغرفة مُترنحة بقطعتي البكيني الذهبية أسفل فستانها الشبكي الأسود، المُبطن بالشيفون الخفيف، فناقض بشرتها الشاحبة وناسب شعرها المُنسدل على جسدها بتصفيفة عابثة. ثغرها المُبتسم بإنفراجٍ مُغري، عيناها الصارخة التي كحلتها بالأسود المُنغمس في اللون الذهبي الجذاب، جانب التبرجات المُناسبة لثوبها، كلها أشياء لم تكن تُحبها ولم تهمها قديمًا، لكنها جزء من حياتها الآن فإعتادت إقترانها بها.

دلفت مُتمايلة فسمعت الصَمت يعم على المكان، حتى الموسيقى الصاخبة بهتت وكأنمَا هي اللحن الخاص والإقاع المُثير، والإضاءة باتت لا تحاوط ظلًا سواها وكأنما هي نجمة نادرة. الجميع كان ينتظرها، مُترقبًا للثمرة المُحرمة المُغرية، التي لا يستطيع رجل الحصول منها على أكثر من نظراتٍ مُتفرسة على جسدها المُقارب للتجرد، ونشوة لصوتها الآخاذ أثناء أستنشاق المُخدرات أو مُمارسة الرذيلة. ومن موقعهَا هذا رأت لعاب البعض يسيل عليها فرفعت رأسها ضاحكة بإنتشاء.. تبًا، كم تُحب حين يسيل لعاب الوحوش عليها.

وقفت في منتصف القاعة بتمايُل مُترنح، ثمَ أرتفع صوتها يصدو وراء الموسيقى الثقيلة بفجورٍ، فراحت الأضواء الحمراء تتسلط عليها، وبسبب شدة إنعدام أدراكها، لمْ تعد تشعر بالوقت أو حتى بما تفعله، لكنها أفاقت فجأة على التصفيق والصفير، فوجدت نفسها مُبتلة وشبة عارية، تشعر بالبرد والضياع أمام الأبصار والعدسات بينمَا ملابسها على الأرض عند قدميها العاريتان، لكنها كانت لحظة، مُجرد لحظة من الإندثار، قبل أن تضحك رافعة الزجاجة التي سكبتها على نفسها أثناء العرض بعدما تجردت من الفستان الشبكي، ثمَ أشارت تـُحي العجوز الذي بدى سيموت إن لمْ يحصل عليها.

إتجهت صوبه بتمايل مُغريّ فراقب منحنياتها وأردافها مُتتبعًا، وعقله يندثر أسفل آسر أنوثتها الفتاكة، كان هناك الأصغر، الأكثر طغيانًا والأرقى في معايير الجمال، لكن الرجل أمامها، كان خطير، تستطيع الآن أن تستنبط اسوءهم بمُجرد نظرة ولهذا هي شكورة لوغدها المُختل. جلست على الطاولة تُراقب سعادته وشهوته ناحيتها، فتلذذت بفتنتها كآنثى أمامه، ثمَ دندنت بمكرٍ:

"رقصتُ لكَ أنتَ.. أتدرك هذا؟"

ذُهل وبدى سيدخل في جلطة دماغية لعينة إن لمْ يسعفه أحد، لكنهُ كان ممولها الأكبر من شدة رغبته بها، الرجل لمْ يفوت لها رقصة من قبلٍ.. عيناه كانت تلتهم جسدها المَعروض خلف القطعتين المُغريتين وكأنها لحم دسم، وشهيّ، فأمالت عليه هامسة:

"هل تعلم أنني أحب الرائحة العتيقة؟"

"وأنا أحب اليافعات أمثالك."

لهث بشهوانية مُهلكة فتبسمت بإتساعٍ، أفاق أخيرًا من صدمتهِ العصبية أعني.. الجميع يعلم أنها مُحرمة، وأن اللعين صاحب المكان يمنعها عن لذات كثيرة غير شرعية في عالمهِ، الوغد الأناني يريد الإحتفاظ بها لنفسه فقط.

"كم ثمنكِ؟"

سألها بنبرة حثيثة أكثر من كونها مُهينة، فضحكت بصخبٍ، ورفعت الزجاجة تشرب منها وعيناها تتفحص كل بقعة منه تستنبط تعابيره رغم إنتشاء شعورها، حتى قالت فجأة:

"كم تظن ثمني؟"

"كنوز الدنيا.. لن توافيكِ."

'هه.. الرجال.!' تنهدت بيأس من حالتهِ، وقبل أن تتغنج عليه أكثر لتتلذذ بعذابه ومعاناته، قاطع مُفسد اللذات وصاحب سلاسل الجحيم على الأرض جلستهما بوجهٍ جامد، وأعين شديدة الغضب:

"ما الذي تفعلينه هُنا يا سي-ڤي؟.. أتجهي لغرفة التبديل حالًا.!"

تنهدت بمللٍ، ثم نهضت مُستندة على الطاولة بإغراء مُتعب، فظهر من مفاتنها العلوية ما عزم الوغد على كبته في الماضي. إزداد لعاب اللعين أمامها غزارة مزدردًا ريقه بتعب، وحينها خاف.. خاف مديرها اللطيف عليها، فتلكَ الصغيرة لا تدرك حقًا المُصيبة التي وقعت فيها لتكون محض إنتباه هؤلاء المسوخ، لذا يجب أن تفهم جيدًا، أن أستثناء وغد وَاحد منهم.. منح واحد لعين فقط ربع إشارة على التقدم.. سيجعلها تندم كثيرًا.

نزع سترته مُحيطًا أكتافها، ثم حملها بين ذراعيه مُتجهًا صوب غرفة المُراقبة الخاصة به، وحينها إستكانت على صدره كمَا لو كانت رضيعة شديدة البراءة، تتحسس صدره برأسها وكأنما تبحث عن مفقودٍ. دلف الغرفة، وكاد ينزلها على الأريكة، لكنها تشبثت بياقة قميصه وظلت في أحضانه عدة دقائق، ثم أعلنت فجأة بضياعٍ وحطام أختبأ خلف العينان السكيرتان والثغر الجامد:

"لمَا لا أجد نفس المَفقود؟
لمَا لا تمتلكَ نفس الشعور يا دانيال؟"

لمْ يفهم، فأنزلها وهذه المرة أفلتت قميصه تنكمش على الأريكة مُحتضنة جسدها، ثم دخلت في غيبوبتها اللعينة مُحتَضِرة كالعادة. كان يُدرك أن جسدها لن يصمد كثيرًا بسبب المُخدرات، لكنها كانت تقف دائمًا بعد السقوط، وكانت تنهض كل مرة مُبتسمة وكأنها أكثر إنسانة سعيدة في الدنيا.

سي-ڤي، الراقصة التي وهبها هذا اللقب عوضًا عن كشف إسمها، وبما أنها لا تنتمي لأي مُنظمة حكومية غربية، بل باللكاد يعرفون أنها في بلادهم أصلًا، وجد منحها مخبأ في العالم السفلي ليس بالصعبِ ولا حتى بالمُستحيل.. لكنه لمْ يعد يستطيع الإكتفاء بما تسديه فقط، ولا يستطيع أن يُجزم بأنها ستدوم معه، حيث شخصها مُتقلب كثيرًا وبرغم ذلك بعدما فقد المكان رونقه أعادته هي بقوة حينما أشتُهرت بألذ تفاحة مُحرمة. باقي النساء عنده، برغم شدة جمالهن وفتنتهن، لا ينالون نفس الترويج، فدائمًا المَرغوب، هو الممنوع والغير مُحلل..

لذا قرر قلب الخطة قليلًا، وجلب لها مساعد طريف، وشريك ظريف ليُسلي وحدتهَا، هذا الفتى المجنون سي-چي كاد يبتر عنقه ليدخل المكان بأي وظيفة كانت حتى لو أضطر للعلق الجدران كالهرر لينظفها، الشاب حقًا مهووس حيال الغناء والرقص والشرب، لذا لمَا لا يعدل القاعدة قليلًا؟، وعلى الأقل يريح دماغه اللعين من البحث عن اللطيفة البذيئة كل مرة وسط المسوخ المجانين بالخارجِ.. قاطع شروده طرق على الباب، فتمتم قائلًا:

"إدخل.."

دخل المجنون سي-چي بإبتسامة من الأذن للأذن، كان شاب عشريني، دون أوراق رسمية ولا ديانة معروفة، ولا هوية، شعره داكن ومُجعد بطيش شبابي فوق رأسه، وعيناه السوداوان الداكنتان مرت على المكانِ بتفحصٍ وكأنما يبحث عنها. أمتلك الفتى بشرة فاتحة مالت إلى درجة لذيذة من القمحي، بينما أنفه تناغم مع حاجبيه والأهم من هذا كله.. كان مُعجب من الطراز العتيق بـ سي-ڤي. ألقى نظرة طويلة على النائمةِ فوق الأريكة.. نظرة تعني ملايين الشعور، فقال دانيَال لافتًا إنتباهه:

"مرحبًا بكَ في عالمنا يا سي-چي.. في البداية دعني أنبهكَ بأن قواعدنا صارمة، غلطة واحدة، بموتكَ."

أجابه ببسمة شبابية، عابثة جريئة:

"موافق على كل القواعد سوى شرطٍ واحد.. أنا لن أُ.."

قاطعه دانيال ساخرًا:

"لا تخف، ربما لدينا من كلِ صنفٍ نوع، لكنكَ لست مُجبر على هذا، أتدرك لما؟"

ظلت الإبتسامة الهادئة تزين ثغره، مُنتظرًا تبرير مديره اللطيف:

"مُقابل متابعة تلكَ الكارثة الأرضية التي سقطت على رأسي من السماء فشقته نصفين، لذا.. لا تجعلها تعاشر أي رجل، وأمنعها من التسلل في المساء، ولا تنسى أن تذكرها في كل ثانية لعينة بميعاد عرضها، وأخيرًا وليس آخرًا أياك ألا تتأكد بوجود ممنوعات كافية في غرفتها، وإن حدث ولمْ تجد، إمحي من أمامها الأدوات الحادة كافة وإلا ستستعيد وعيها وحينها ستقتل نفسها، وهذا مَا لا أريده."

عقد المُتلقي حاجباه مُحاولًا رص تلكَ الشروط في ذاكرته جيدًا، ثم ألقى عليها نظرة خاطفة، مُحبة هادئة، ودندن بغموضٍ آسر:

"لا تخف سيدي.. سأحرص على مَا امرتني بهِ."

راقبه المدير عدة دقائق وكأنمَا يتأكد من صدقه أو عدمه، وحينما ألتمس محبتها في صدر الآخر، تنفس وكأن حملًا ثقيلًا قد أزيح عن كاهله.. لكنهُ سرعان ما دندن بتذكرٍ فجأة:

"والأهم من هذا كله.. لا تخبرها بأنها مُغنية إباحية.. أو حتى راقصة تعري.. فهي وبرغمِ كونها ذكية قليلًا، إلا أن عقلها لا يحلل أي مما تقرأ أو تحفظ أو تردده بالإنجليزية أو حتى باللغات المُتنوعة التي تؤديها.. أياكَ يا سي-چي أن تنسى ما قلت."

لوهلة جمد وجه سي-چي بعدما تأكد أن تلكَ الشابة الضاحكة تتعرض لإستغلال بشع وعقلهَا شبه مَطموس أسفل قيد الممنوعات برضى منها، وبرغم ذلك أومأ دون تعقيب، وإنحنى يطبع إمضاءه على أوراق عمله الجديد.. لبداية رحلته مع محض إهتمامه.. وصديقة عمره، سي-ڤي.

كَانت تلكَ أول مرة تراه فيها ومن لحظتها، بات يقترن بها في كل لمحات حياتها وكأنما هو جزءٌ لا يتجزأ منهَا، وفيٌ كالكلب، لكنهُ سليط اللسان كثيرًا، وناكر للجميل كالقطط، ولسبب ما لكنته الإنجليزية في البداية كانت ضعيفة نسبيًا برغم أمتلاكه لمعايير اللغة، لكنهُ سرعان ما بات كالبغبغاء، وهذا لا يدل سوى على سرعة تعلمه وفهمه وحفظه، لذا بدى أن مستواه الدراسي لا بأس بهِ فأدركت بأنه هرب من حياته وذكراه مثلها، بالإضافة إلى حبه للكثير من الأطباق العربية، فأيقنت أيضًا بأنه من اصولٍ شرقية لا تنتمي لفلسطين أو الأردن أو العراق.

لهجته كانت غريبة عنها، ولمْ يتحدث بها سوى مرة واحدة مُصادفة، لكن لما ستهتم بلهجة سيادته وهو حرفيًا يقتحم حياتها كإعصار جامح؟ أحيانًا تخاف أن يخرج لها من صنبورِ المياة.. وفيّ كالكلب وفضولي كالجحيم، ذلكَ الوغد الحساس.!

والآن.. كان جالس أمامها بإبتسامة واسعة، يراقبها تتأمله بملامحٍ جامدة رغم سكرها وخمولهَا، وحينمَا طالت نظراته المريبة عليها دون حروف، قالت بفتورٍ:

"مَا الذي فعلته؟"

"أنا..؟"

تسائل بمنتهى البراءة واللُطف وكأنما هي شيطانٌ لعين ألقى عليه بلوته للتو، لكن أبتسامته التي إتسعت أكثر، أكدت لها أنه أرتكب فِعله في غاية الفظاعة. ظلت تراقبه بتربصٍ مُنتظر، صبور لأقصى الحدود وفاتر المعالِم، فتأملته لدقائق طويلة حتى هدر صراخ لعنة حياتها في الخارج، أكثر داعرة مُتمرسة في المكان.. فإتسعت أبتسامة صديقها الوفيّ رامشًا ببراءة.

"أنتَ حقًا غير قابل للوصف."

هزت رأسها لليمين ولليسار بيأسٍ تام، فضحك مُتمتمًا بعلو:

"اللعينة أزعجتكِ، كيف تتجرأ على مُشاجرتكِ في غيابي؟، وأنتِ بمنتهى البساطة إكتفيتِ بسب نسلها ونتف شعرها؟ بالتأكيد كان عليّ دعم صديقتي الوحيدة.!"

ظلت ملامحهَا جامدة لوهلة، ثمَ ضحكت بصخبٍ، على من تكذب هي؟ وجوده يسليها بل وينتشلها من بشاعة وحدتها وذكرياتها. رفعت سجائر الفراولة تستنشق منها وعيناها تتبعه بمكرٍ:

"إسأل عما تريد يا لعنة حياتي."

لهث بإنتصارٍ وكأنها منحته البطاقة الصفراء، فإنفجر مُتسائلًا:

"الندبة على صدركِ تنتمي لإسم رجل، رأيته مُصادفة أعني تعلمين أنني لا أتجسس عليكِ.. لذا.. من هو چون؟"

فجأة، عادت الذكريات تنهش عقلها لتحيّ أوجاعها خلال دقيقة صمتها، وحينها آمنت بقوةِ المُعجزات، فأكثر من أربعة أعوامٍ مروا أمام عيناها، ليلة وراء الأخرى، لحظة تلو الأخرى، بل ثانية يليها الثانية، فتذكرت ملامحه رغم ضبابية رؤيتها، وأستطاعت إحتواء رائحة عطره بأنفها، ونكهة سجائره بثغرها، وحـُبه الذي أوهمها به.. بروحها، والأسوء أنها تذكرت أخر موته لها في أحضانهِ، حينما أعلنت بهزيمة: <ليتني قتلت نفسي.. قبل أن أحبكَ.. فحـُبكَ حقًا.. قضية خاسرة.>

"تبًا يا ڤي.. أنفكِ ينزف."

قالها بإكتراثٍ صادق ثم أحاط أنفها بالمنديل، لكنها دفعته عنها وراحت لطاولة تزينها تبحث عن مُخدراتها اللعينة، وحينما وجدتها، فتحت الكيس الصغير بعنفٍ ثم أستنشقته بشراهة، لتستطيع أن تنساه مُجددًا، وبرغمِ ذلك كانت تعجز كل مرة مهما إنحلت ومهما بكت وصرخت، لكنها وعلى الأقل، كانت محاولة لا بأس بها لتستطيع تخفيف وجعها ولو بنسبة صغيرة.

"تريثي.."

تجاهلت قلقه، وحينما حصدت نشوة غياهب إدراكها، رفعت رأسها بكلِ تلذذ، وأبتسامتها السعيدة جعلتها تشعر بالدموع المُتسربة على وجنتيها وشهقات فمها المُتفاوتة، فكادت تمسح عبراتها لولا أن بسط سي-چي أنامله ماحيًا لآلآها، ثمَ تمتم بصدقٍ خالص:

"أسف يا سي-ڤي، لا أريد إجابة سؤالي.. فقط كوني بخيرٍ، وتأكدي أنني لن أفلت يدكِ أبدًا.. ولو على حسابِ حياتي."

تمنت أن تصدقه، ولكن كم من شخصٍ قالها بنفاقٍ.. وكلهم ليسوا معها الآن. أبتسمت دون تعقيب، ثم تملصت من ذراعيه تعود مجلسها، وأشعلت هذه المرة سيجارة بنكهة التوت البريّ، فتتبعها بأعينهِ وتمنى لو يحرمها من تلكَ السموم، لكن قلبه تمزق عليها بسبب عدم إستطاعته نجدتها من دائرة أوجاعها، دون إعادة أحيائها، وهو يدرك تمامًا بأنها لن تكون جاهزة للمواجهة.. لا الآن.. ولا حتى لاحقًا.

"أخبر مديرنا اللطيف أنني موافقة."

أستطردت، ثم تابعت بلا إكتراث أمام عيناه الحزينة:

"سأغني في تلكَ الغـُرفة السخيفة إن كان سيحضر لي المزيد من المُخدراتِ."

لعن تحت أنفاسه، ثم غادر للحمام المُشترك مُستندًا على الحائط، وهُناك حاوط جسده مُنكمشًا في الزاوية، تلكَ الشابة لا تعلم كم تؤلمه!.. هو حقًا يحبها، يحبها أكثر من إستطاعته وإحتماله.. ليته فقط يعترف بذلكَ الهيام ليجد الخلاص، لكنه لا يستطيع... لا يستطيع أن يهمسها بوقاحة وهو يراها تغرق وطوق النجدة في يدهِ، وبرغمِ ذلك، كان سيشنقها بطوقِ نجاته إن ألقاه الآن.. لذا قرر بكلِ إنتماء.. 'سأغرق معكِ يا ڤي ولو أضطررتُ للموت بجانبكِ في الأعماقِ.'

ليلتها وعد سي-چي نفسه بأنه ما دام لا يستطيع أن يريحهَا بنجدتها، فإنه سيقضي ما بقيَ من حياتهِ هائمًا في حبها ولو حتى بالسرِ. مرت الأيام دون أحداث تـُذكر، فأنتهى بها المطاف في غرفة حمراء الإضائة، لا تحتوي سوى على مدخلٍ واحد، بينمَا حوائطها الأربعة من المرايا المُعتمة، لمْ تدرك لما كانت تغني هناك تحت آسر لُغة لمْ تفهمها، أمام الفراغ، بلا أشخاص ولا كاميرات، لكنها أرادت إنهاء تلكَ السخافة بسرعة لتحصد مُكافأتها.

لمْ تكن تدرك أن الثلاث حوائط حولها، لمْ تكن أبدًا مرايا كما ظنت، بل زجاج مُعتم قبع خلفه ثلاث غرف واسعة، مع عدم الحاجة لذكر ما يحدث خلف ذلكَ الزجاج لأنه ليس أخلاقيّ بالمرة، بينمَا صوتها ما هو إلا وسيلة لإشعال الحواس والرغبات، واللغة التي غنتها بجهلٍ منها، ليست سوى كلمات بذيئة مُتتالية تُرددها ليزداد الجو فسوقًا وفجورًا.

أنهت غنوتها بملابسها المُغرية الجلدية، التي إنقسمت إلى قطعتين من البكيني الأسود، قبع فوقهما وشاح ذهبي لامع ولافت، فأبتسمت مُتراجعة وغادرت الغرفة ما أن فُتح الباب دون أن تشغل بالها بالحقيقة المَستورة والتي حرص مدير المكان على إخفائها عنها، فظن أنها إن علمت سترحل.. لكنها خسرت نفسها منذ زمن ولمْ تعد تهتم.

بنفسِ التوقيت وفي نفس المكان، خرج آرثر من إحدى الغرف ماسحًا جانب ثغره بمكرٍ شهوانيّ، فترك خلفه ثلاث مُتعرياتٍ فوق الفراش، ثم سارَ بمنتهى الزهو والسـُكر للحفل مُجددًا يتمايل وسط النساء، ليشرب، ويرقص، ويغني. كان عقله مَشدوهًا وعيناه قد غرقت في أكثرِ من لونٍ بسبب ذهنه المُشتت نقيض جوارحه المُقتادة لها.. ولها وحدها، ومهما حاول أن يتجاهل إحتياجه لها هي تحديدًا بمعاشراتٍ لا معنى لها، عجز، مهما حاول.. فشل، فإنتهى به المطاف يرفع هاتفه مُضحيًا بباقته فقط ليحدث اللعينة التي لا تكترث لهُ:

"أنظري للمـُتعة التي تفوتكِ كل مرة ترفضيني فيها أيتها الساقطة مُتحجرة القلب."

قلبت چينيا عيناها بضجرٍ ثم تراجعت عن حاسوبها ناحية الفراش مُكملة طي ثيابها وكأنمَا الوغد حشرة نكرة، بينمَا هو.. جلس على إحدى الأرائك في زاوية مُنعزِلة، مُراقبًا إياها دون حروف.

صمت تام حل على قلبه وسكينة لمْ يفهمها غزت حواسه بمنتهى السخاء برغمِ صخب الأصوات في إذنيه مما زاده سـُكرًا، وزاد نياطه غموضًا حيالها، كانت تطوي ثيابها وكأنها زوجة بسيطة، والنافذة الكبيرة أمامها، أظهرت المطر المُنهمر خارجها، صوت الرعد، ونور البرق، كلها كوابيس، لكن غرفتها هي الدفىء والنور، حيث الضوء الأصفر الخفيف، داعب حواف بشرتها الناعمة العارية، فوجد نفسه يشرد أكثر.. ليغوص عميقًا في تلكَ السفيرة الفاتنة.

ظلت هكذا، تعذبهُ وتعذب نفسها معه، حتى قررت فجأة تبديل ثيابها لملابس النوم، فتركت الكاميرا مفتوحة وكأنها نستها، لكنها أغلقت الأضواء، وبرغم ذلك، كان يستطيع رؤيتها بسبب البرق الذي أنار غرفتها كل لحظة، تبًا... كم يحب البرق.. هل قال أنه كابوس؟ بل حتمًا حلمٌ جميل.

"بيبي، نسيتِ الكاميرا."

قالها بنبرة ثقيلة حينما داعبت أناملها حافة قميصها وحواسه المؤججة بالرغبة في إمتلاكها، فألتفت له بإبتسامة يائسة وكأنما تذكرته، ثم أتجهت صوب الحاسوب مُجددًا بنبرة ناعمة زادت جشعه حيالها:

"وداعًا آرثر، أتمنى أن تستمتع بالحفلِ وسط النساء، وأنا.. سأبدل ثيابي بمنتهى البطىء، لأنام، عمتَ مساءًا."

أغلقت بعدها دون سماع رده، وبرغم ذلكَ، لمْ يستطع إبعاد عيناه اللامعتان عن شاشة هاتفه المُعتمة لعدة دقائق، والرغبة سارت على حواف جلده كشرارة كهربائية لذيذة أحيّت إنسانيته.. فسرعان ما لاحظ نبضه العالي وعاطفته الحارة، فلعن تحت أنفاسه مُنتفضًا، تلك السافلة القبيحة، تـُجيد حقًا اللعب.

بينمَا بالنسبةِ لسيڤار، توالت الأيام وتكررت زياراتها للغرفة الحمراء حتى ذاعت سيرتها وأتسعت شهرتها أكثر، وكأنما هي في حفرة لذيذة ستبتلعها بسـُلم المجد، حتى حدث ما كان يخشاه دانيال، وهو طلب البعض لها بالإسم لأجل إحياء حفلاته.

في البداية كان يرفض بالنيابة عنها دون إعلامها، حتى علم سي-چي اللعين، وبالطبع كالكلب الوفيّ الذي هو عليه نبح مُخبرًا إياها بكلِ الخبايا، فثارت غاضبة وجاهرت بموافقتها، وها هي الآن في طريقها لأول حفل لها، داخل سيارة مُعتمة، وعيناها تراقب المدينة بهدوءٍ خامل.

"كيفَ تشعرين؟ بل السؤال الآحرى.. فيما تـُفكرين؟"

تسائل بفضولٍ، فأعلنت ببرودة فارغة:

"هل تعلم متى كانت آخر مرة خرجتُ فيها للعالم؟"

برغمِ تبلد نبرتها، فإن عيناها ألتمعت بمشاعرٍ لمْ يفهمها، فطال صمته وحينما طال، أجابت سؤالهَا:

"منذ أن وطئتُ بقدماي عالم دانيال، وأنا لا أخرج."

"الأناني الحقير يُريد إبقائكِ لنفسه فقط."

غمغم بغضبٍ غَيور، فأجابت بنفسِ الهدوء، دون أن تلقيّ عليه ولو نظرة عابرة:

"بل هو خائف من تابعات خروجي."

"مما هو خائف؟"

"السؤال الأصح.. مِن مَن هو خائف يا سي-چي."

"لمَا؟.. هل أنتِ في ورطةٍ مَا.؟"

صمتت، وعيناها الباردتان باتت لا تعكس أبدًا دموعها الحزينة التي تساقطت قطرة وراء الآخرى، فظنها لن تجيب، لكنها خالفت توقعاته حين ألقت عليه نظرة فاترة كانت لتـُخيف شخص لا يعرفهَا:

"لا يهم.. فأنتَ بتَ معي في نفسِ الكافة."

إندهش لوهلة، ثم أعلن بثباتٍ، وعيناه الفضولية بهتت نسبيًا:

"مادمنا سويًا.. فهذا من حسنِ حظي إذًا."

لمْ تـُعقب، بل بدت شاردة فيه وكأنمَا تبحث عن مفقودٍ، وبرغم ما جال في عينيه من إهتمامٍ وتقدير، وحب وإعتزاز، لكنها لمْ تجد مَفقودها فأشاحت وجهها عنه.

وبالفعل.. المُخدرات التِي أخذتها حجبت عنها تفاصيل الحفل الغير مُصرح، لكن من صراخِ الجميع وتهافتهم عليها، وجسدها المُحطم المتصلب، أدركت أنها برعت الليلة كالعادة.. وكما ذهبت لهناك مع صـُحبةِ سي-چي.. عادت في صـُحبته أيضًا..

وتلكَ كانت المرة الآولى التِي غادرت فيها المكان، ولمْ تكن الآخيرة أبدًا.

____________
_______

أسهبت يدها المُرتعشة لتعيد زجاجة العطر موضعها، فتطاير شعرها حول ذراعيها، والفصوص اللؤلؤية الصغيرة التي تخللته داعبت نسيج جلدها بخشونة لربمَا افتقدتها من جَلادها، فرفعت ثغرها في بسمة خافتة لمْ تكن صارخة اللون كما إعتادت، بل مالت للبني فتناسبت مع بشرتها الفاتحة، وعيناها تكحلت بجرأة لاقت بها، لكن وبرغمِ فتنتها في فستانها القصير الشيفوني، إلا أنها لمْ تكن سعيدة.

حللت إنعكاس رفيقها الواقف خلفها ببغتةٍ، بدى شاردًا في هيئتها، بؤرتاه مرت على كل جزء فيها وكأنمَا غاب عقله في ثناياها بل وأصابه السـُكر والجمود اللحظيّ، وما أن أستطاع الإفاقة من سحرها، حتى كشف عن بسمةٍ صفراء عكست غيرته التي لا يخجل من إظهارها كل مرة ترتدي فيها المفتوح المغريّ.. ثمَ أنتقدها:

"أستطيع مُلاحظة ثيابك الداخلية أسفل فستانك الجميل."

أبتسمت، ثمَ أجابت ببساطة:

"وهذا هو المطلوب."

رفع حاجبه الأيسر ناقدًا ثم والاها ظهره بضيقٍ أنعكس على نبرته:

"حسنًا.. تبدين جميلة.. بل غاية في الجمالِ."

نهضت بعدمَا حاوطت ثغرها بسيجارة الفراولة المُفضلة للعابها، ثم تمايلت تتجاوزه صوب باب الغرفة.. وتبًا لا تعلم متى باتت في مُنتصف قاعة الحفل تُغني وتدندن، تتمايل وترقص عارضة منحنياتها المُغرية، وتمنح الجميع أحقية تأمل ملامحها الآسرة، والإستماع لصوتها الأخاذ، ورفيقها اللطيف لمْ يبخل عليها أبدًا بتحسساته الخافتة لهَا، تارة يطمأنها، وتارة ليؤجج حواس الأوغاد.. وبرغم ذلك أستشعرت سبب تلكَ اللمسات المُتملكة.. وما هي سوى لإثبات أنها لهُ.. ومعه.

أنتهت من الرقصِ، فصفق الجميع مُحييًا، عكس صاحب القصر الذي أتجه نحوها بإبتسامة واسعة عكست رضاه:

"كنتُ أتمنى أن أعرفكِ على رفيقي، لكنهُ تأخر مُفوتًا أكثر عرض مغريّ في حياته.!"

أبتسمت ضاحكة بمياعة ثقيلة أستفزت نظرات كلبها الغاضبة حد الجنون، وبرغم ذلكَ أكتفى برسم أبتسامة غير راضية مُشاهدًا إياها تتحسس صدر الآخر بتمتمة مُغرية:

"هذا لطفٌ منكَ.. سيدي."

لمْ يظهر التأثر السادي على ملامحه، لكنهُ بدى شهواني ناحيتها، فأبتسمت في قرارتها جراء تحلياها لشخصه بل وميوله الجنسية من مجرد لمسة لا أكثر.

"سي-ڤي.. يجب أن نرحل حالًا كي لا نتأخر على الحفل التالي."

خدعت ممولها بملامح العبوس الزائفة، ثم دندنت بأسف:

"أوه.!، أسفة سيدي.. لكن مشَاغلي الكثيرة إزدادت مؤخرًا حتى بتُ لا أجد وقتًا لأستريح."

ألتقطت يده ثم أحاطتها على خصرها، فأصابه الذهول الكليّ قابضًا جانبها بشهوانية مريضة:

"كما ترى، خصري بات يتشنج من كثرة العملِ."

"أستطيع أن آرى ذلكَ."

ضَحك بسعادة غارزًا أنامله في خصرها الطريّ أكثر فتآوهت بحميمية، وهُنا لم يستطع سي-چي الإحتمال، فمد يده قابضًا كف الرجل بضحكة مُصطنعة لمْ تعكس أبدًا النيران التِي أندلعت داخله تنهشه بل وهدمت جدار صبره:

"ممنوعٌ اللمس."

ضحكت بمنتهى المياعة بعدمَا فهمت السبب الحقيقيّ وراء تلكَ البسمة الكاذبة، ثمَ سحبته خلفهَا مودعة الرجل المُبتسم بغمزة وتلويحة طَريفة، وهنا قبض سي-چي كفها بعنفٍ كاشفًا لها ضيقه وحمئته نحوهَا، حتى شعرت أنه سيهشمه لا محال، لكنها كانت لحظة أو أقل، ثم أرتد مُفلتًا إياها.

أنتهى به المطاف يصعد المقعد الخلفي بجانبها مُشيرًا للسائق، فأنطلق مُديرًا المُحرك صوب وجهتهم التالية، وعند نفس اللحظة التي رحلت فيها وتلاشت خلف أعتام الطريق، ظهرت سيارة صديق صاحب القصر.. ديفيد هاريسون.!

خرج من السيارة مُلوحًا لإحدى النساء اللاتي غمزن له، ثم ألقى المُفتاح للحارس متمتمًا بأعينٍ لا تحد عن الصهباء المُثيرة المُتمايلة أمامه:

"صـفـهـا."

أومأ الحارس بالإيجاب، فدلف ديفيد الحفل بإبتسامة واسعة وعيناه تمران على نساءِ المكان حاسدًا وناقمًا على نفسهِ اللعينة، تبًا لكمية المُتعة التي سأحصدها الليلة.. حقًا تجعلني أنتشي من موضعِي هذا.. يال حظي!، لمْ يفق من شروده سوى على يدِ صديقه الذي حياه بحرارة:

"فاتكَ عرضٌ رائع أيُها الوغد الحيوان."

ضحك ديفيد حاضنًا رفيقه ليجيبه ساخرًا:

"كما تعلم.. لستُ مُلمًا بالتفاح المُحرم.. أعني.. أنظر لكل تلكَ الثمار الشهية هناك.! تبًا لحظي الرائع.!!"

"لا يا رفيقي، أنتَ حقًا لا تعرف شيء، جسدها، وعيناها الثقيلتان، شعرها طويل.! ليست نوعي المُفضل لكن صوتها الآسر وخصرها المرن.. كل بقعة فيها غير قابلة للوصف."

دحرج ديفيد عيناه بضجرٍ ثم ألتقط إحدى الكؤوس من فوق الحاملة التي مر بها النادل أمامه، في حين باشر اللعوب حديثه:

"ربمَا أنا عجوز، لكنني لمْ أشعر بنفس الشعور حين قبضتُ خصرها.! شعرها البني المُجعد كان لافتًا لي برائحته الصاخبة.. أعلم أنكَ تحب الشعر البني أيُها وغد... هي حتمًا نوعكَ المُفضل."

أبتسم ديفيد مُجيبًا بنبرة شبة مُتحمسة:

"لديّ حفل غير شرعي في ملهى تعريّ بعد غد، هل تستطيع إحياءه؟"

أبتسم صديقه ضاحكًا بحماسٍ وكأنما هو من سيغني:

"صدقني، ملهى التعريّ مكان ملائكي بالنسبةِ للأماكن التي تُحييها كل ليلة، هي سيدة الغُرفة الحمراء، والقاعة الروسية.. "

رفع ديفيد حاجبه مُتعجبًا، وكأنه لتوه قد لاحظ مَا آثار ريبته:

ً"هل قلتَ شعرها بني طويل؟ مُجعد؟ صوتها جميل وتجيد الرقص؟"

"وزينت بشرتها بـ.."

قاطع حديثهما امرأة مُثيرة أستندت على كتف ديفيد تناظره بمكرٍ، فأبتسم وتناسى ما كان يقوله مشيرًا لصديقه الحاقد مودعًا إياه بينمَا يحيط خصر تلكَ المرأة.. بالفعل.. أنا وغد محظوظ حد اللعنة.!

____________
_______

حل المساء قابضًا قلوب البعض وأرواحهم، بالتطرقِ إلى ذكرى لمْ تمسس وجدانها فقط، ولمْ يقتصر أذاها على شعورها بالوجعِ، فروحها وقلبها لمْ يدوما معها ولم تعد تمتلكهم. آخر جرعة أخذتهَا كانت منذ ثلاث أيام، فأنتهى بها المطاف تسترد ذكراها البشعة وإحساسها بنبضِ جرحها الحيّ، لتتحسس النافذة المُشبرة بأعين باكية حزينة، وثغر مذموم، وإحدى الذكريات الماجنة داعبت حواسها بعاطفية بعدما تذكرت كيف كان يحتضنها دون ساتر لجسدها أسفل قماش الغطاء ولا حتى ساتر سيحجب روحها عنه.. حتى هو، لمْ يكن يحيطه سوى بنطاله وهالته الحالكة. كان كلاهما مُبعثر الشعر صاخب القلب، لكنها كانت تبتسم، وهو.. ظل جامد الملامح قاتم الأعين كمَا أعتادت.. ليلتها راحت تُلحن له أغنية دافئة بينما تتحسس بشرته القاسية بأناملها الناعمة:

<Everything is easy in the middle of the night.. Your eyes are stars.. Your skin moonlight.>
{كل شيء سلسل عند منتصف الليل.. عيناكَ هي النجوم، بشرتكَ هي ضوء القمر.}

بتملكٍ لا مهرب منه، تحسس جلد ذراعها ببطىءٍ زادها شوقًا إليه.. للرجل الذي أذاقها الويل وأنتزع منهَا كل مَا تحب ومَا تملك، تاركًا إياها وحيدة تائهة، في دائرة الخسارة والمرارة. ليلتها أدارها له مُتمتمًا بمنتهى العشق والصدق، رغم عيناه التي نهشت كل بقعة من وجهها وجسدها، وكأنما هي الحب، الأحتياج، وكأس الماء الذي يروي عطشه دائمًا:

<if my eyes are your own stars, Then... >
{إذا كانت عيناي هي نجومكِ.. إذًا..}

راقبته بإبتسامة لطيفة حين تحسس وجنتاها بخشونة، وقرب شفتيه من خاصتهَا مُبادرًا:

<Then.. Your eyes are my soul, World and Beliefs.. Sivar.>
{إذًا.. عيناكِ هي روحي، عالمي، ومُعتقداتي يا سيڤار.}

أنتفضت من ذكراها على صوت الرعد الذي تركها في إحتياجِ حِطام، فتقوس فمها بحزنٍ تُحاول كتم صوتها ونهنهاتهَا. مهما هربت.. مهما أنكرت، تظل تعود لهُ وكأنما هي في حلقة فارغة سوى منه.. صدرها الذي يحترق كل ليلة شهد على مرارة حقيقة واقعها، وكأنما هي تموت ببطىءٍ.. موته شنيعة.. موته له.

"لمَا ضاع مني كل ما أحببت؟.. لما خسرتُ كل لذة وحبور؟"

رفعت عيناها للسماء، ثم تمتمت بهزيمة مُهتزة:

"حين مات إبني.. شكرتُ فضلكَ الجليل لحفظه لِي في مكانٍ أفضل من أحضاني.. فما الذي قد أريده أكثر من كونهِ سالمًا؟ يتعلم من الملائكة كل ما طاب بعيدًا عن نفوسِ البشر."

أعتصرت شفتها السُفلية وفعلت المثل مع كلتا عينيها، وكأنمَا هي وسيلة ضعيفة.. ذليلة لتستطيع قول حروفهَا المُهتزة:

ً"كـ.. كنتُ دائمًا أرضى، وأحمد فضلك، أشكرك، حتى حـ.. حين أنتزعوني من موطني شكرتكَ لأنني قابلته.. ربمَا أذاني كما لمْ يفعل بشر، لكنهُ... لكنهُ أحبني أكثر مما أحبني أبي.!"

لمْ تستطع الإحتمال، فأنفجرت باكية بصخبٍ، الضبابية التي كانت تحميها من واقعِ خسارتها تلاشت وتركتها في حسرةٍ وكآبة مع نفسها، فوجدت ذاتها تضرب جسدها في المرأة وتحطم ما تتمكن من رفعهِ بيديها الهزيلتين.. حـُصرت في نوبة إنهيارٍ عصبي مُتوقعة من شخصٍ مثلهَا، فإستعادة الصدمة، تُعيد نفس الألم والذكرى اللاذعة.

إنتفض سي-چي من فوقِ فراشه راكضًا ناحيتها بسبب صراخها وصياحها المقهور، ثم إحتضنها بعنفٍ مكبلًا إياها ليمنعها عن أذية نفسها، فأنتهى بها المطاف تصرخ بذعرٍ، وتخدشه وتعضه، فلم يجد سبيل أفضل من محاصرتها ضد الحائط بجسده كله لعله يحاوط نوبة هياجها، وبرغمِ ذلكَ زاد عويلها وصرخاتها المنهارة باتت آخرى هالعة بمنتهى الرعب..

"أنا معكِ."

هدأت بعد لحظة من الأنتفاضات المُستمرة وأستكانت مُثيرة ريبته، فأرتد عنها ببطىءٍ، وتفاجىء حين إنهارت بين ذراعيه مما سبب إشتداد ذعره عليها:

ً"سي-ڤي.!"

نبرته القلقة لمْ تكن مُزيفة، بل بدت نابعة من أعماقه الخائفة عليها وبرغم ذلك لم تستعد شعورها بالأمان.. بعد لحظات وصل دانيال أخيرًا بخطواتٍ مُسرعة ثمَ حملها بين ذراعيه ينتشلها من أحضان سي-چي الذي بدى ضائعًا مُتحسرًا يتأمل ملامحها، ليضعها على فراشها ثمَ راحت يده تعبث في جيب بنطاله، حتى وجد مبتغاه مُتمثلًا في حقنة الممنوعات، فغرزها برفقٍ أسفل بشرتهَا، وعيناه تتحسس تعابيرها المُتشنجة والباكية..

إستكانت ترتعد فوق الفراش وكأنمَا تتلذذ بسقمهَا الساخن في طول عروقها، فألتفت دانيال لسي-چي، ليتفاجىء بعينيه الباكيتين المُعلقتان عليها، وثغره المُرتعد، فضحك خافتًا:

"نسيتُ أنها آول نوبة لها أمامكَ، لكن لا تخف، ستكون بخيرٍ غدًا.. من حسن حظنا جروحها سطحية، يجب أن نحافظ على جسدها دون ندوب قدر الإمكان يا سي-چي... الآن، فهمتَ لما أحقنها بالمخدرات دائمًا."

مد أنامله يتحسس وجنتها بشرودٍ أناني:

"تلكَ الصغيرة، لمْ يكن أمامها سواي أنا.. أو الموت."

"دائمًا هناك خيار ثالث."

"وهل أنتَ هذا الخيار.. يا سيراچ؟"

رفع المُتلقي حاجبه مُتعجبًا مذهولًا، لكنه سرعان ما أخفى تعجبه ببسمة ماكرة رغم ذبول عيناه:

"إسمي ليس سيراچ.. بل.. سراج.. يا دانيال."

نهض دانيال من فوق الفراش مُزيلًا قناع اللُطف عن وجهه، ثم غمغم آمرًا:

"إياكَ أن تتعدى حدودكَ.. أعرف تمامًا من أين جأتَ ولمَا.. أعلم بدينكَ ودياركَ ولغتكَ وأهلكَ، يا مُدعي الفضيلة."

لوهلة راقبه سراج بأعين قاتمة غاضبة، لكنها كانت لحظة أو أقل، قبل أن يرسم الحبور على ملامحه:

"هذا لطيف..! لكن أترك الدين بعيدًا عن شخصي، لأنني مليء بالأخطاءِ ومُدنس لأحمل فضيلة دين كديني السماوي الحنيف يا دانيال... حقًا أصابني الذهول بسببكَ أعني.. تبدو كمحقق سريّ، أو جاسوس وطني."

ظلت ملامح دانيال جامدة ليستطيع فحص وأستنباط ردود أفعال المُتلقي، ثم رسم إبتسامة زائفة، ليربت على كتف الآخر:

"أنتَ ابني يا سي-چي، في الحقيقة، كلاكما أبنائي، بالتأكيد لا أرغب في أذيتكَ، فإن علمت عائلتك العفيفة أن وحيدها زاني، سينتهي بكَ المطاف مرجوم بالحجارة ثم أسفل التراب.."

قاطع حديثه المُر بشراسة عدوانية:

"لستُ زانيًا.!"

"ما دليلكَ؟"

صر سراج أسنانه ساخطًا بعدما أستطرد دانيال حديثه بحقارة:

"تعمل في حانة Tatuaje de satanás كمساعد لأكبر مغنية إباحية مرت علينا منذ زمن، ترقص، وتشرب، وتنتشي وتغني.. بالتأكيدِ.. زنيتَ يا سي-چي.. ولو أمام أهلكَ."

إزداد ضغطه على أسنانه عدة لحظاتٍ، حتى رفع ذراعاه متبسمًا بإستسلامٍ مؤقت، ثم تمتم بأبتسامة شبابية عابثة:

"حسنًا... "

"إحرص أن يكون ادائها في حفل ديفيد هاريسون جيدًا بما فيه الكفاية، تلكَ العائلة صعبة المُجاراة والإغراء صدقني يا بُني."

أومأ سراج ببراءة:

"لو لمْ تكن سي-ڤي جيدة، لما كنتَ تتباهى بها أمام آل هاريسون يا بابا دانيال."

ضحك دانيال مُربتًا رأس سراج، وأنامله تبعثر شعره المُجعد الطويل متباهيًا:

"صدقني بُني.. أنتَ أيضًا بتَ تجتاح الساحة.. حظًا موفقًا.. ولا تنسى دس المُخدرات لها في كل مكان."

سَب سي-چي نسل دانيال كله، وأنتظر خروجه من الغرفة فقط ليبصق خلفه بإشمئزازٍ، ذلكَ الخنزير القذر أقسم أنني سأقف على جثته اللعينة يومًا مَا..!

ألتفت مُجددًا لسي-ڤي، ثمَ صعد للفراش في الصف العلويّ مُتأملًا سقف الغرفة ببسمة باهتة.. مُحاولًا تناسي السخافات التي حدثت منذ بضع دقائق.

"سيكون كل شيء على ما يرام."

هكذا طمأن نفسه قبل أن يعود للنوم مُجددًا، ربما تعرض للأرق بعد مُشاهدته لإنهيارها العصبي.. وربمَا أيضًا خسر في النهاية وأخذ قيلولة صغيرة جدًا لتذكر.. لكنهُ نجح في تنفيذ حقيقة واحدة وما هي سوى تجاهل ما حدث.

____________
_______

فِي مكانٍ ليس ببعيدٍ عن قلبٍ تحجر من قساوة الحياة، ومشاعر ماتت فلم تعد تحيّ حتى الذكريات، بسط أنامله الغليظة وحاوط بها عطره العتيق، لينشر رذاذه على قميصهِ الأسود الرسمي، وعنقه المَشدود ومنكبيه العريضين، ثم أعاد العطر موضعه، وأسر رسغه بساعته الفضية فأقترن بها، وكأنمَا الوقت لمْ يخلق لسواه أنسيًا ولا شيطانًا.

عيناه الداكنة أستباحت هالته السحماء بغموضٍ، وكأنمَا غرقت روحه في سوادٍ فاحم لمْ يستطع أن يطهره أحد. جسده إزداد صلابة وفحولة، بينمَا بؤرتاه، لمْ تزداد سوى فتورًا وهمودًا، فظن الجميع أن عهده القديم كان فظيع، لكنهُ أثبت نقيض ذلكَ الفكر، وعرض أمامهم حقيقته البشعة ولمْ يبخل عليهم بما يملكه من دمامة أبًدا.. فبعد تنازل حاكم العائلات مكاريوس عن الحكم لهُ بسبب رغبته في إستعداد أحقيته، باتت الأوضاع أكثر تعقيدًا وإلتزامًا، وفي نفسِ الوقت تناقض مع نجاح أعمالهم دمارهم وهلاكهم بعدما وصل عدد قتلاهم خلال السنوات الآولى من رحيل امرأته لنسبة مهولة، مفزعة للنفوس، لمْ يقتل المُخطأ ولا الفاسد فقط، بل قتل منهم رجالًا لمجرد المُتعة، أو لمجرد فرض السيطرة والهيمنة التي تمجدها أبغض نقطة من وجدانه.

لكنهُ لمْ يعد يغرق فِي ذكراها ولا في طيبها العسول. لمْ يشتاق لها، ولمْ يهيم حتى للطريقة التي كانت تضحك بها كُل صباح..

لمْ يشتاق لمذاق أنفاسها النظيفة بعدما تفرش أسنانها أثناء أمتزاجها مع نكهة سجائره القاسية بمنتهى الحبور. ولمْ يشتاق أبدًا لملمسها الطريّ حينما كان يسحقها أسفله.

تراجع بخطًا بطيئة ثمَ غادر جناحه، وعندما دقت الساعة السادسة صباحًا، كان الجميع على طاولة الفطور مع أعين مُروضة مَخفوضة، فتفحصهم واحدًا تلو الآخر، وكأنما يبحث عن ضحية ليخرج فيها قتامته المكبوتة.

جلس، ثم رفع سبابته بمنتهى البطىء متلذذًا بخنوعهم، وضعفهم ورعبهم، فبدأ الجميع يأكل، هكذا يحبهم تمامًا، مروضين، أسفل سيطرته وسطوته، وكعادته، أخرج مسدسه ثم وضعه بجانب يده اليمنى على الطاولة، ومن موقعهِ، أستطاع أن يلحظ رعشة ستيڤ المتوجسة فمد يده ليشترف من قهوته، وعيناه تتبعهم بمرضٍ لحب القتل والبتر. معهم، لمْ يعد يشعر بنفسِ الإنتماء، وما خافه هاريسون قبيل مماته بات على وشك الحضور، حرفيًا هم تحت رحمة رغبة مسخ، رغبة واحدة لا أمان لها ولا مهرب منها، لكنهُ إن قتلهم فقد رحمهم، وإن تركهم، فهنا يكمن العذاب في جحيم نهايته موت ورحمة، لذا أبسط حل بالنسبةِ لهم، كان الأمتثال لآوامره فقط.

أخذ آخر رشفة من قهوته المُرة الداكنة، ثم أخفض أنامله متحسسًا خاتم زواجه بروحهِ، فوجد ذاته فارغة، خالية منها وحينها تسائل بين نفسه وقرارتها، كيف مر الزمان عليه ماحيًا أدميته ومشاعره، دون أن يستطيع محو فراشته من داخله وقد كانت هي أكبر أسباب معاناته بالأساس.

نهض معيدًا زناده موضعه، فنهض لوكاس وتوماس، وباقي رجاله وراءه، لمْ ينطق أحدهم، حتى ستيڤ كان صامتًا على غير المُعتاد، القصر مات لونه بعد وفاة سانتيغو، وإستقلال ديفيد بعيدًا عنهم، ثم مُغادرة صوفيا بعدما منحها رفاهية أستراحة طويلة الأمد، بينما أندرو أخيه، ألقاه في مصحة نفسية ولمْ يشغل رأسه ولو لوهلة بحالتهِ. أما أيثان فقد عاد موطنه، وإيڤالين أتخذت مسكنين، من المقابر، إلى منزلها الصغير الذي أهداه لها والده اللطيف خلال مراهقتها.

سونيا زوجته العزيزة باتت تخافه لتتواجد معه مؤخرًا، خاصةً بعد تأكدها بمعرفته لحقائق ما أرتكبته قديمًا من ألاعيب وبات الآن ينتظر رائحة غلطة واحدة ليوئدها أسفل التراب.

الوضع كان هادءًا، صامتًا وفاترًا، غامضًا في الكثير من الأحيان، لكن حين يعيد التاريخ نفسه ويقودهم التقويم ليوم ميلاده، ينقلب الأمر رأسًا على عقب.

كاد يفتح سيارته، لكنهُ فجأة ألتفت لآرثر الواقف خلفه بإبتسامة مُهذبة لمْ تليق به.. وريثُ والتر.. وليدة علاقة غير شرعية بين عجوز قذر من آل هاريسون وامرأة باغية تزوجت بعدها أحد رؤساء آل هانري فنسبت الطفل إليه.

"صباح الخير سيدي."

ظلت ملامح چون جامدة بالظلامِ المعهود، فتابع آرثر بنبرة هادئة:

"هل تدرك أنني علمتُ هوية من كان يآوي فتاتي كل هذه المدة؟"

ظل چون مُحافظًا على تبلد تعابيره وإنفعالاته، فزالت أبتسامة آرثر فجأة صارًا أسنانه، لكنها كانت لوهلة، قبل أن يرسم آخرى ضئيلة:

"يا زعيمي، كنتَ تراني أموت كالمسوخ لأجدها، حرفيًا نبشتُ الأرض واليابس ظنًا أنها على علاقة مع أحد رجالكَ، وفي النهاية، تبين لي أنه أنتَ.. ياله من سخاءٍ وبزخ.!"

"تريدها.. يا آرثر؟"

تسائل بنبرة عميقة قاتمة، فزالت أبتسامة آرثر مغمغمًا بتأييدٍ:

"تعلم كم أريدها.! "

"لما؟"

"لأنهَا لي."

أبتسم چون وحينها فقط زال العبث عن وجه آرثر، فمهما وصل سوءه، لن يستطيع أبدًا فهم ذلك الرجل أمامه أو مقاومة دقاته المتسارعة كلما نظر أو أبتسم لأحد، بنفسِ الشيطانية التي يراها الآن.

"هل بلغتَ يا آرثر ؟"

صر أسنانه ثم سحق طرف قميصه مُجيبًا:

"على يدكَ زعيمي."

"أختر أي امرأة وستكون بين قدميكَ، عبدة لرغباتكَ، لكن چينيا، لا."

"هل يمكنني معرفة السبب؟"

لوهلة ظل چون صامتًا، لكنهُ سرعان ما صر أسنانه مزمجرًا:

"نسل تلكَ العاهرة رچيم، الدم في عروقهن قذر جدًا ليحتمله بشر أعني بها بعض الصفات الدميمة، هل ستحتمل امرأة ثرثارة سمينة ومُختلة عقليًا؟"

بدت تلكَ المواصفات التي قيلت بعيدة تمامًا عن چينيا، فأجاب مُتحيرًا:

"الأمر لا يتعلق بإحتمالها من عدمهِ، أنا أريدها."

لمْ يجد سوى التبلد يغزو أعين الآخر فأستطرد متابعًا لعله يستميله:

"يا سيدي أنا.. أشعر ناحيتها.. برغبة. رغبة غريبة تسري في خلاياي لتؤجج حواسي بالجنونِ، مهما كذبتُ على نفسي والجميع، لن أستطيع الكذب عليكَ.. فأنت الوحيد الذي تتمكن من قرائتي كما لو كنت عاريًا من كل ساتر، ربما مشاعري ناحيتها جنسية مليئة بالمجون، لكنني مهما حاولت مقاومتها، أجدها مُجرد قضية خاسرة."

"الــشَـهـوة."

سخر بنبرة لمْ يفهمها المُتلقي، فصمت آرثر منتظرًا جواب سيده، لكنهُ لم يحصد سوى نظرة ساخرة مشمئزة وكأنما يناظر إحدى الرخيصات على فراشه، قبيل أن يصعد سيارته مديرًا المحرك:

"أنظر لي كما تريد يا سيدي الوسيم، فأنا مقيمٌ هُنا حتى توافق على طلبي الصغير."

تجاهله چون ثمَ تراجع بسيارته بعشوائية مغادرًا القصر، وهنا قفز آرثر عن طريقة هادرًا أمام صياح الخادمات حين كاد يدهسه سيده اللطيف.

"سأظل أحبكَ يا زعيم."

همسها لنفسه ثم نهض نافضًا الغبار عن ملابسه بعزيمة.

هي لهُ.. له وحده.. وما يقيها شره فقط چون، لكن بإشارة، بل مجرد لمحة من الموافقة لا إشارة، وسيفعل كل مَا رغب به دومًا.

"في النهاية.. كُل الطرق تؤدي إليّ، يا چيد."

____________
_______

العَراء لمْ يعد يُخجلها، ولمْ يعد يمسس روحها بنفسِ شعور العار، على النقيضِ تمامًا، كانت كل مرة لا تشعر بالزمانِ أو المكان، بالخذى أو حتى بالمُعاناة، كانت تشعر دائمًا بالفقدان والضياع، مما سبب تبلد حواسها من كل شعورٍ سوى الألم. ألقت قطعة ردائهَا الخفيفة على الأرض، ثمَ تمايلت بعقلٍ مسلوب وعقيدة مُتلاشية، تتحسس جسدها ثمَ تقبضه لتثير الذكور، بينمَا تتمايل أسفل الأضواء الخافتة لتبرز منحنياتها برخصٍ وفجور، تارة تشرب، وتارة تستنشق المخدرات أمام الجميع بلا خجل ولا تردد.

لمْ تعد الطاهرة التي عهدها ولا حتى نصفهَا، فإنتقمت من نفسها ومنه ومن غبائها.

الحفل كان مميز بسبب إشتهار صاحبه بالهوسِ والأفكار الغير مُتزنة، فقالوا لها أن العجوز أرادها أن ترقص في مكعب زجاجي مُغلق، أرضه خافتة بإنارة حمراء، مُكتظة بالماء، ليلتمع جسدها بإغراءٍ للجميع بلا تمييز.

كادت تمد يدها لتتحسس نهديها من فوقِ صدريتهَا، لكن فجأة توقفت الموسيقى ولمْ يبقى سوى صوتها الذي صدى في المكانِ فسكتت، وحين أضائت الأضواء الخارجية بهت وجهها وتلاشت أنفاسها بسبب الشخص الكامن أمامها..

مضى وقت طويل..

فترة لا يستهان بها مرت على كلاهما..

وبرغم ذلكَ عرفته وعرفها..

ديفيد هاريسون.!

نست كيف كانت تتنفس، وتشعر، بل نست أن الأرض أسفلها صلبة بما فيه الكفاية لتحمل جسدها، فإنهارت راكعة أمام أبصاره المفزوعة بغير تصديق.

"أنتِ؟.. أنتِ هي تفاحة وشمُ الشيطان؟"

ظلت تراقبه ببهوتٍ، لكنهَا سرعان ما إستندت على الأرض تحاول النهوض مُجددًا، وعيناها تتبع الحفل المُكتظ الذي بات فارغًا فجأة، فأدركت أنه صرف الجميع كي لا يستثني لأحد رؤيتها، مما سيغضب إبن أخيه اللطيف لاحقًا.

"تبًا لي.. أنتِ هي حقًا.. أنتِ.."

صمت لاعنًا نفسه حينما لم يجد حروف، ثمَ سحب السلم الحديدي، وتسلقه، ليفتح لها سقف الكبينة الضئيلة مادًا يده، وخالفت توقعه بعدما أمسكتها بتردد ووهن، فسحب جسدها وحينها شعرت بأنها تطفو، وجسدها الضعيف ثقيل جدًا فأحست بنفسها تغوص وتسقط، فشهقت بإنفصامية، لكنهُ تركها في هلاوسها الوجدانية، وحملها ليضعها على الأرض، ثم أنزلق من فوق السلم نازعًا سترة قميصه ويده الآخرى تحسست وجنتها وكأنما يتأكد ما إن كانت مُجرد سراب.. وأراد أن يسألها عن الكثير، لكن عيناها كانت مُغيبة وثقيلة لتستطيع قول حرف، أو تحريك إصبعًا وبرغم ذلكَ أدرك أنها تراه.

شعرت بالخدر، بالقهر، بالذكرى تنهش فؤادها وعقلها، فأنهارت بين ذراعيه تستسلم للظلام كما أعتادت، وتمنت لو أن سي-چي كان معها في تلكَ اللحظة، عوضًا عن متابعة أعمالها في الملهى.

____________
_______

الحياة تكون أحيانًا عاهرة، كإمراة باغية لا تهوى سوى أوجاعنا وسقمنا، وكأنما هي تجد منتهى لذتها ونشوتها في أستقبالنا لمرارة مذاقها، فكيف ظنت أنها ستعيش سالمة سعيدة في موطنهِ وعلى أرضه؟ بالمكان الوحيد الذي ظنت أنه لن يعثر عليها فيه، ربمَا أعادها لأحضان أبيها، لكنهَا رفضت تلك السخف ولمْ تعد تحتمل المزيد من التفاهات، كان حقًا يفصلها عن الجنون شعرة واحدة.. شعرة ضئيلة جدًا وضعيفة.

لمْ يكن من المنطقيّ أبدًا أن يكتشف ديفيد تحديدًا سرها بهذه الطريقة المُشينة، ذلكَ العجوز اللعين.. لمْ يجب أبدًا أن يراها هناك، في سترة عملها الحقيقيّ؛ لأنه سيجبرها على العودة.. وتبًا هي لن تستطيع الصمود ولن تستطيع مواجهة مسخهَا المُتخلف عقليًا بعدما تخلى عنهَا.

لن تصمد أمام عيناه الداكنتان.. لن تصمد أبدًا أمام رائحة عطر حبيبها العتيق، الطريقة التي كان يقبلها بها في الماضي، كانت تستحق الإكتراث، تستحق البكاء لأنها أفتقدت كيف كان يهشم ضلوعها بين ذراعيه ليتلاشى من مخاوفهَا التي هو الجزء الأكبر فيها.

أنتفضت على الفراش لتتحسس الظلام بأعين مفزوعة ويدها تضم الغطاء لصدرها وكأنما عراءها النفسي أشد قسوة من عري جسدها، وتبًا لي كم تمنت وقتها أن تكون مجرد حياتها كابوس طويل، لتستيقظ في منزلها الصغير، وتحتضن بطنها المنتفخ أسفل أشعة الشمس الساخنة بينما تغني لطفلها، لكنها كانت في غرفة فندقية صَغيرة.. ولا آثر لسواها في المكانِ. عقلها عاد يعمل قليلًا يذكرها بعاداته في الماضي، فعائلة هاريسون كانت تحب تناول الفطور في ميعاد محدد، بعد الشروق بقليل، لكن ديفيد هاريسون كان يعشق تناول فطوره عند تمام الثانية عشر مساءًا، لذا هو بالتأكيد يبحث الآن عن بائع فطور ممتاز.

أنتهزت أنشغاله وأنتفضت من فوق السرير بسرعة. كانت تعرج، وشبة عارية، جسدها متسخ ومُتعرق بسبب الكحول الكثير الذي إنسكب عليها ليلة أمس، لكنها كانت أكبر غبية في الوجود لتظن أن الفرار بهذه السهولة، فالوغد أوصد الباب جيدًا.. لهذا قررت لعب حيلة مُتقنة.

أتجهت صوب المرحاض لتغسل وجهها بمياة باردة ويدها تصفع وجنتاها بقوة ساحقة، أفيقي، أفيقي عليكِ اللعنة، أهربي، يجب أن أهرب، لستُ جاهزة أبدًا للمواجهة.. لن أستطيع العودة لهُ.. چون مُجرد صفحة.. صفحة خاسرة في حياتي أغلقتها تمامًا، ولا تستحق عناء البكاء.

خرجت من المرحاض وتركت حبيبات المياة الباردة تنزلق على بشرة وجهها، لعلهَا تمنحها الوعيّ ولو لبضع لحظات، تستطيع فيها لم شتاتهَا والهروب من مواجهة ليست مستعدة لها.. لا الآن.. ولا حتى لاحقًا.

خطرت لها فكرة لا بأس بها، كفيلة برحيلها عن الفندق وحينهَا ستهرب مُجددًا، ولو كان فرارها مستحيل، فستظل تحاول حتى تجد بديلًا أفضل. رفعت سماعة الهاتف الموجودة في الغرفة، فأنتقلت مباشرةً لموظف غرفة الأستقبال الذي أجابها بروتينية مُعتادة:

"مرحبًا.. كيف يمكنني مساعدتك؟"

حافظت على رباط جأشها، ثم دندنت بنعومة واثقة برغمِ خمولها:

"في الحقيقة خليلي رحل هذا الصباح وأوصد باب الغرفة، وحاليًا أرغب في المُغادرة لأمر طارىء، هل يمكنكَ رجاءًا أن تفتح لي بإستخدامِ المفتاح الأحتياطي؟"

لوهلة ظل الصمت قائمًا على الطرف الأخر من السماعة، فعضت شفتها السفلية بترقب تام لإجابته التي جائت بعد لحظاتٍ من التفكير والتريث:

"أوامركِ مُطاعة يا سيدتي، لكن هل يمكنكِ الإنتظار معي ريثما أبلغ المشرف العام؟"

"لا بأس.. خذ وقتكَ."

"شكرًا لتعاونكِ سيدتي."

أغلق الهاتف فأغلقت السماعة ويدها تتحسس طرف قميص ديفيد بتوجس، فبدى أنه ألبسها إياه عوضًا عن تركها شبة عارية، لكنها لمْ تكترث ولم تكن مُمتنة، كل ما أرادته، كان الرحيل فقط.

الهروب من عائلته..

تبًا لي.. فحرفيًا هي وقتها لمْ ترغب سوى بالهروبِ من إسم جده.

علا صوت الهاتف فأجابت مُسرعة دون حروف، تنتظر الجواب النهائي:

"خدمة الغرف في طريقها إليكِ سيدتي، يمكنكِ الخروج الآن.. هل تودين أن نبلغ السيد ديفيد؟"

"لا.. لا بأس.. أخبرته منذ لحظات."

"شكرًا لتعاملكِ معنا.. نتمنى لكم إقامة هنيئة.!"

أغلقت ثمَ أنكمشت تتحسس مقبض الباب بأعينها وروحها، تنتظر اللحظة التي سيُفتح فيها، وكأنما تنتظر كنزًا دفين، كانت تعلم أن هيئتها مُثيرة للشك، لكنها حقًا لا تملك سوى هذا القميص وملابسها الداخلية حاليًا، ولم ترد المكوث لثانية أضافية وإلا قد تجد ديفيد على رأسها.

فـُتح الباب أخيرًا، فحررت نفسها ومرت من جانب العامل مُسرعة قبيل أن يحييها وهربت...

كمَا هربت سابقًا، من كل ذكرى وهمسة.

هي فقط فرت.. كي تحيا لاحقًا.

يتبع..

مرحبًا أحبائي.. أرجو أن تكونوا سالمين.

اعتذرت سابقًا بسبب غيابي القصري، ولن أتردد في الأعتذار مجددًا.. أشتقتلكم كتير، وكنت بأنتظر اللحظة اللي برجع فيها لكل شغف فاقدته بسبب أمور خارجة عن ارادتي، لطالما كانت الكتابة اكبر امل لي،وكنتم انتم المجتمع اللطيف لذا سأباشر العمل على الفصول التالية حتى نختم الكتاب الأخير من سيفار..

الفصل الأول كان مجرد توضيح لحياتهم، وكان مجرد بداية لطيفة لوجع جديد ومغامرة صَعبة.. 😉 استعدوا وما تنسوا 'سراج' لان له دور مهم هو و'ديفيد'.. وتحمسوا لشخصيات جديدة ولظهور وغدنا الجديد اللي هيلعنه الظلام.. بحبكم.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top