4| ليالي غسيل الصحون.
هنالك ليالٍ معينة لا تزول أبدًا من أفكار جاي. ستمضي الأمسية بكل ثانية وتنقضي، ولكن يبدو وكأنها سارت
فيه هو ولم يكن هو من سار فيها.
الأمر بسيط، رغم كل التعقيدات التي تحتويها مشاعره في أحيانٍ كتلك، إلا أنها ببساطة لا تغادره مطلقًا.
في تلك الأمسية، كان قد أمضى الوقت مع هيونجو كالعادة.
بعد أن اجتمعا مع بعض الرفاق للمذاكرة في مكتبة الحي، فإنهما قد عادا سويًا. ومع أنه كان عليهما الافتراق عند شارعٍ معين لأن منزله كان في الجهة المعاكسة، إلا أنه ترك لقدميه فرصة حمله دون تفكير معها إذ أخبرته أنها كانت متوجهة إلى المطعم لأنها كانت لا تزال تملك بعض الأعمال الصغيرة للانتهاء منها.
وعلى الرغم من كونها رفضت وحاولت حثه على العدول عن رأيه بمرافقتها بما أن الوقت تأخر بالأصل، إلا أنه هز رأسه بالرفض بينما أصر أنه يرغب بمرافقتها دون أي سببٍ ليقدمه مع طلبها لواحد.
كان المكان فارغًا، الأنوار في الواجهة مضاءة لتواجه بضعف ضد عتمة الشارع التي لم يبددها إلا ضوء باسق يبعدُ أمتارًا. يبدو المكان شاحبًا بشدة، ووجوده مرحب بأسلوبٍ عجيب وكأنه يأخذ بيدك في كفه المتجمدة. لطالما ظن جاي أن المكان مكنف بطابعٍ غرائبي لا يسعه وصفه، خصوصًا ليلًا في الحي الممتد الذي يقع فيه. ومع هذا فهو لم يصارح هيونجو قط عن ذاك الشعور المكبوت من الغرابة الذي يعتريه في كل المرات القليلة التي حضر فيها إلى هنا. بل إنه كان يكتفي بهز رأسه بموافقة في كل مرة كانت تتذمر فيها من غرفتها الخانقة ونافذتها المطلة على الشراع الكئيب ذاته إذ أن منزلها كان يقع بالقرب من المطعم على بعد عدة أمتار على أية حال.
كان المكان فارغًا، أو ليس فعلًا. هذا ما ظنه بالبداية قبل أن يلحظ أحدهم يخرج من المطبخ.
كانت هيونجو مشغولة بخلع معطفها لوضعه فوق أحد الطاولات، والتفتت حالًا حالما سمعت دبيب المشي من المطبخ وخشخشة الكيس الذي كان يحمله الشخص المقترب.
وقد كانت أختها الصغرى، تغلقُ حكم معطفها هي الأخرى، قبل أن تلزم مكانها للحظات لتحدق ناحهما دون تفاجؤ، بل هناك لمسة لشيءٍ آخر فوق عينيها، وكأنها ريبة، لكن ليس بطابعٍ عنيف مشكك، بل مجرد وهجٍ طفولي، لربما غير مهتم تمامًا، وفضولي قليلًا.
ومع أنه لم يفهم طريقة تعامل هيونجو مع نظراتها، إلا أنها تداركت الوضع حالًا عندما التفتت لتتحدث مع الصغرى:
"لا تنسي أن تتركي المفتاح هنا."
اكتفت المقصودة بالكلام بالإيماء، قبل أن تسحب شيئًا معدنيًا من جيب سترتها لتضعه على المنضدة، قبل أن تعلن:
"لقد أخدت باقي الطعام، لذا إذا كنتِ جائعة ستجدينه في المنزل."
خشخت الكيس الذي في يدها قبل أن تردف:
"سأذهب الآن, تصبحين على خير... وأنت أيضًا جاي."
أومأ لها بينما تنتحي الباب، وحالما انكفأ تيار الهواء البارد الذي هاجم المكان على أثر شق الباب من خلفها، فإن هيونجو التفتت بتعابيرٍ هادئة، وكالعادة، لا يظن أنه كان يفهمها تمامًا.
"المعطف..."
بدأ ببطء وهو يضع حقيبته على ذات المائدة التي وضعت عليها هيونجو حاجياتها مسبقًا، قبل أن يردف:
"الذي كانت ترتديه. إنه الذي اشتريتيه ليوم ميلادها، صحيح؟"
وحينما التفتت لتتقابل أنظارهم، فإنه كانت هنالك خطوط نحيلة لابتسامة حول عينيها ممتدة من شفتيها قبل أن ترد:
"إنه كذلك. الذي سألتك عن أي محل هدايا علي الذهاب لتغليفه عنده. لقد مضت أشهر، لا أصدق أنك تتذكر."
لم يقدم أي كلمة أخرى عدا عن ابتسامة صغيرة تخصه بينما لحقها وهي تنتحي المطبخ بينما تشمر عن ساعديها.
كان المطبخ فارغًا، ليس فوضويًا كما ظن، لأنه وبكل صدق وضع تصورًا دراماتيكيًا عن مطبخ المطعم كما يراه في الأفلام، بأعمدة كبيرة من الأطباق القذرة وصلصة سباغيتي ملتصقة بالحائط. لكن كل ما قابله كان عددًا من الأواني والأطباق، لكن لا كثيرة ولا متروسة وكأنها أعمدة ولا حوائط متسخة.
عندما بدأ برفع أكمام سترته الصوفية البنية فإنها قد التفتت إليه بينما تُحسن شد المئزر حول هيفاء خصرها:
"لا داعي لأن تساعد. وجودك هنا للتحدث يكفي."
اكتفى بترك أحد حاجبيه يتطاول إلى خط شعره بتعجب، بينما اتجه إلى ذات المكان الذي سحبت منه مئزرها لأخذ واحدٍ يخصه بينما يجيب:
"ليس وكأنني أطلب منك السماح لي. لقد كنت أعرف ما أنا قادمٌ لأجله عندما قلت أنني سأرافقك."
ارتدى مئزره وانضم لها على المغسلة. بالبداية كان مترددًا بما يجب عليه فعله، وود لو لا يقف كعائق فقط، لكن بغضون دقائق فقد ناولته صحنًا أبيض زلق برغوة الصابون وهمهة صغيرة، وقد كان هناك شبح ابتسامة فوق وجهها. لذا تناوله منها وهو يشعر بوهجٍ غير مفسر يتفاقم في حلقه، وكأنه يعلم بأنها رأت تيهه الصغير ذاك قبلًا.
"هل أنتِ مستعدة للاختبارات؟ أنا عن نفسي لا أظن أنني مستعد كفاية بعد دروس الرياضيات اليوم."
مسح الصمت اللطيف الذي حل بأول ما خطر على باله. وتنهد بدراماتيكية وهو يرمي رأسه للخلف متذكرًا عدد المرات التي كان على وشك النوم فيها فوق كتابه سابقًا أثناء جلسة الدراسة بينما جايك لم يصمت بشرحه لثانية حتى وهو يكاد يقتلع عين هيونجو بقلمه بسبب التصاقه بها.
قهقهت هيونجو وكتفاهما يتقابلان كغصني صفصافٍ رهيف، وناولته مجموعة من الأطباق التي جمعتها وهي تجيب:
"من الاختبارات, ليس أكثر من العادة. أعني أنني لطالما كنت قلقة حيالها طول حياتي، لا أرى ما الجديد."
عندما انزلق كتفه فوق خاصتها ثانية، فإنها تشبثت بلحظة السكون بينهما وهي تفرغ بعض الأطباق من بواقي الطعام قبل أن تباشر بغسلها، ولاحظ الطريقة التي تدلت فيها عيناها بينما بواقي ضحكتها تنكفئ إلى بشاشة ناعمة وتكمل:
"لكن ما بعد الاختبارات؟ أقصد المدرسة والتخرج، فأنا قلقة بالفعل، لا أخفيك ذلك."
وحينها عاد إلى سكونٍ كلل شفتيه عندما لم يملك شيئًا لقوله، خصوصًا لأنه كان يوافقها الرأي، ويشاطرها ذات الرهبة مما هو قادم، مما يلي الثانوية.
ومع أنه كان بالفعل يعلم ما الذي سيفعله حينما يتخرج، أين سيذهب وما الذي سيدرسه وحتى ما الذي سيفعله بعد الانتهاء، إلا أنه كان لا يزال قلقًا. لذا لم يستطع لومها. إذ أنها كانت لا تزال تكتفي بفرد كفيها ورفع كتفيها في كل مرة يوجه لها أي سؤال مقارب لذاك الموضوع المشؤوم، منذ أول يوم خطّى فيه قدمًا في الثانوية وحتى الآن عندما اقتربا من الرحيل بعيدًا عنها لآخر مرة.
لم يكن يقترب من الموضوع حتى عندما تحوله الحاجة. سيسأل باقتضاب أو يمشي على تلابيب أصابعه حول الحدود، فقط لأنه لا يرغب بأن يصل. لا يرغب بأن يرغمها على الحديث، أو حتى التفكير بالأمر. فقط لأنه يعلم كم يعكر صفو عقلها، وكم يدفعها للارتباك، حتى يتركها وكأنها عالقة في منتصفٍ لا يسار ولا يمين له، فقط هناك، حيث كل قرارٍ يفاقم الندم ولا يسعف أي رضى.
"هل يمكنك الذهاب لتشغيل آلة القهوة؟ سأنهي أنا ما تبقى بينما تفعل."
قاطعت الهرجلة الصغيرة من الأفكار التي أنبثرت فوق رأسه، ورمش حالما دفعت كتفه بخفة وهي تبتسم وكأنها لم تسحب كليهما قبلًا إلى شفى محادثة أعمق مما قد يرغبان بخوضه لليوم، لهذه الليلة.
"تشغيلها مشابه لتلك في منزلك، فقط أوصلها بالكهرباء واضغط زر التشغيل."
وحالما رأى إصرارها عندما دفعته إلى الجانب، لم يجادل أكثر من سنّ عينيه بضجر من عنادها، قبل أن يغسل يديه ويجففها ذاهبًا لإشغال الآلة متبعًا خطواتها بحذافيرها.
بعدما انتهت وغسلت يديها هي الأخرى، ذهبت للآلة وسكبت كوبين، واحدًا فائض حتى الحافة انقلب بجوفه إلى ما يشبه الفراغ دامس السواد، والآخر أضافت له مبيض قهوة وثلاث ملاعق من السكر قبل أن تحمل كليهما متجهة خارج المطبخ بينما هو يلحقها.
حدق فيها لوهلة بينما هي سائرة. وفي تلك الثانية الصغيرة لاحظ الطريقة التي كانت فيها سترتها الصوفية السماوية تتدلى من أحد كتفيها، وهناك أرضٌ من العظام الناتئة والبشرة الشاحبة. وحينها فقط الآن أدرك إلى أي حدٍ اقتربا من نهاية العام، من الاختبارات النهائية والأوقات المستعرة بالقلق. لأنه يعرف هذه السترة التي ترتديها من أربعة أعوام جيدًا بعد إن حصلت عليها كهدية من أحد خالاتها في يوم الميلاد ويعلم أنه لا يراها تنزلق بإجهاد من حول جسدها إلا في نهاية العام بعد أن تفقد بعض الوزن الإضافي بسبب انغماسها المفرط بالدراسة.
وفي تلك الأثناء انعقدت معدته فوق بعضها و انزلق كل الجهد في جوفها. وارتعشت مهجته وتهدجت حواسه النحيلة بالأصل من التعب لتأخر الوقت. وكل ما يضربُ به هو نسيم الذكرى، لتلك المرة التي التقت بها وجنته بالبروزات الشاحبة تلك لكتفها، في حضنٍ طويل منذ عامٍ أو أكثر فوق رائحة جوز الهند في شعرها والمخاوف المتساقطة من كليهما.
جلست على المائدة الملتصقة بالواجهة الزجاجية ووضعت الكوب المظلم أمامها بينما الآخر في الجهة المقابلة حيث كانت تدعوه للجلوس، انتحى الكرسي المعاكس وهو يحاول جاهدًا العودة بتركيزه إلى الحوائط في المكان، وارتاح إليه بينما هو يعيد كمي سترته فوق ساعديه اللذين جفى.
عندما أخذ أول رشفة من القهوة، فإن كل حواسه ارتعدت للعبق الحلو فيها، وتلمظ شفتيه الجافة بفعل البرد قبل أن يبتسم بخفة.
شاهد هيونجو وهي تأخذ أنفاسًا حذرة من قهوتها التي لا تزال شبه تغلي، بينما عيناها سارحة مع كل الانكسارات الصغيرة التي تعيشها الأنوار والكيانات خارج الزجاج المموه. لم تقم بتقديم أي خيطٍ سيسحب كومة من المحادثات، وبدت وكأنها راضية بالصمت فوق المرارة التي تخلفها القهوة فوق لسانها وملامحها.
كانت قهوته لذيذة بشدة. هو ليس من معجبي المشروب الداكن مهما حاول التلفيق، لكنه يظن أن حتى كأس ماءٍ فاتر سيبدو كألذ شيءٍ قد يتجرعه في وقتٍ كهذا. عندما تبدو الحياة وكأنها تلك اللحظة لا غير، حلم يقظة يراه من خلف واجهة المطعم الفارغ إلا منهما، والصقيع الذي لا يزال في قلب عظامه رغم الدفء الذي يتنعم به للآن. وحينها يودُّ لو تكون تلك اللحظات هي كل ما يمر به، وكل ما سيجب عليه التعامل معه قط. الذكريات والدفء والقهوة وهيونجو
في لحظة ما بعيدة، أو لربما قريبة جدًا عندما كان يرى منتصف الكوب السيراميكي فقط من خلف مشروبه، فإنه يعلم أنه وجد ما كان يرغب به منذ بداية الليلة، ما كان في انتظاره وما كان يتطلع إليه بذات القدر.
في رمشة كانت أصابعه الجافة فوق كسرات الخشب المستوي، وفي الثانية كانت فوق أصابع أخرى تنضح بالدفء الذي تعلق بها من التفافها حول كوبٍ مبهرج.
ولحسن حظه، أو سوؤه - كيف يقرر المرء؟- فإنه لم يتردد إطلاقًا، لم يقلق أو حتى يعي حركة بنانه المتصاعدة بالجسارة. هي تنتحي الأمام دون خوفٍ أو إيحاء بالتراجع، حتى تلاحم العالمان المتوازيان على المساحة الصغيرة. الجفاف البارد والدفء الرطب، العيون المتمركزة للأمام والأخرى الملقية خارج المكان، المعرفة والتيه، كلها التقت عندما اجتمع الكفان.
حينها التفتت هيونجو ناحه، وكأنها قد وجدت ضالتها داخل المكان لا خارجًا حيث كانت تروم خلف الزجاج. رمشت لبضع مرات، رأى وهجًا محمرًا لأذنها الوحيدة الواضحة من خلف شعرها القصير المسدول، وابتسمت.
هذا كل ما قدمته، هذا كل ما يظنها كانت قادرة على إعطائه، هذا كل ما أحتاجه الموقف بأسره، وكل ما رغب بالحصول عليه منها.
وهذا ما انقضت عليه الليلة، محملة بالمواضيع التي لا يقوى أحدٌ على الاقتراب منها، بالنعاس الذي تجلبه ساعات منتصف الليل الراكضة، والقهوة المتباينة ورائحتها التي أخذت أخيرًا تستقوي فوق رائحة صابون غسيل الصحون المنعشة. ليلة كأيٍ غيرها من التي تمضي بينهما، ولكن مختلفة عن أي واحدة أخرى قد عاشاها.
_____________
هيلوووو!
أيش اخباركم؟💕
عشان أكون صريحة بديت أحس إن عندي هوس معين بالمطابخ
(للأمانة مو إحساس هذي حقيقة بائسة)
لكن إيش اسوي إذا أشوف المطابخ أكثر مكان جميل وشاعري في العالم😩
الآن مع فقرة الميمز لن البنترست حقي لطيف ذي الفترة وهيونجو وجاي are so memeable:
اثنينهم حرفيًا طول الوقت خصوصا حاليا مع فترة الاختبارات:
It's them all the time like literally:
Something jay really needs right now:
*whisper* jokes on him. He doesn't know that hyunjoo needs it just as much.
لا هذي مو هم، هذي أنا وكل أحد هنا، y'all guilty I don't care
وبس خلصنا شكرًا لكم لليوم!
كونوا بخير💕
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top