1|المدرسة في العالم الجديد.
في الأيام القاسية المنقضية بعد انتقال جاي إلى مدرسته الجديدة في زاوية المدينة حيث كان عليه السير كل يوم إلى بوابتها لمدة خمس دقائق بعدما كان معتادًا على إيصال والده له بسيارتهم التارفة، فإنه علم أن هنالك الكثير ليتغير منذ ذاك الحين، الكثير إلى حدٍ لن يتمكن من تصوره. فهو الآن في مدرسة قريبة بشدة، مختلفة بشدة، وحكومية بشدة أيضًا.
لم يكن الأمر عصيبًا، على الأقل ليس بالطريقة التي توقعها. عدا عن الجهد الإضافي الذي أخذ عليه بذله ليتمكن من الحصول على درجات ترضي والدته، فإن لا شيء جذري قد انقلب إلى تجربة جديدة. كل ما في الأمر أن المكان هنا فوضويٌ أكثر، مزدحم كذلك، ومتنوع بطريقة غريبة. ظن أن باقي الطلاب سيكونون قاسين. 'الفتى المدلل أو سيد بارك' هي ألقاب توقع أن يخاطب بها، ربما كسخرية أو حتى استصغار، لكن أيًا من ذلك لم يحدث. كل الوقت الذي قضاه أمام مرآة حمامه يختلق فيها سناريوهات تتم فيها مضايقته ويتعامل معها بإلقاء الرد تلو الآخر ناح انعكاسه لم تكن ذات فائدة أو ضرورة، أدرك وهو ينضم لطاولة الطلاب الذين دعوه للجلوس معهم وقت الغداء في أول يومٍ له.
المدرسة المتوسطة ليست الأسوأ، الجبر مريع هذا مما لا شك فيه، لكن المبنى الكبير والطلاب وجولات الحصول على المثلجات بعد انتهاء ساعات الدراسة رغم الجو البارد كانت أشياء لا ينكر الاستمتاع بها. وربما كان بمقدوره مسامحة والده على ما فعله بوضعه في مدرسة مختلفة في منتصف العام، رغم أنه قد يستلقي في لهده قبل أن يفكره بإخباره أنه يسامحه، لا يزال عليه التظاهر بأنه مجروح الخاطر.
ومع أنه كان لا زال غير قادرعلى فهم ما دفعه لفعل ذلك، سحبه من المدرسة الخاصة التي ارتادها منذ نعومة أظافره ليضعه في مدرسة الحيّ التي كان والداه يتظاهران بأنها ليست موجودة بالأساس من قبل. فقط هكذا ودون مقدمات. كل ما تلقاه هو موعظة بسيطة من تلك التي يلقيها عليه والده وقت العشاء قرب المدفأة محتواها عن كونه عليه أن يتصل أكثر بالواقع وأن هذا أفضل له من المرور بمرحلة المراهقة محاطًا بأطفال متعجرفين وسطحيين وكأنهم برك مياه ضحلة لا يوجد فيها سوى انعكاس أهلهم المترفين.
وإن كان والده محقًا بكون أغلبية طلاب مدرسته مزعجين، إلا أنه لم يستطع كف لسانه عن المقاطعة قائلًا 'ليس الجميع!' مدافعًا عن أصدقائه الذين لم يكونوا موجودين ليصفقوا له حتى، لكن العشاء انتهى على أية حال بكلام والده القاطع عن أن نقل أوراقه قد انتهى بالفعل وشفاه نحيلة معقوفة وكأنها مثقلة بكل خيبة العالم فوق وجه جاي.
على كلٍ انتهى به الأمر في المدرسة بالاعتياد، لديه عدد من الأصدقاء متزايد بعجل بما أنه لم يسعه سوى العودة لسجيته الاجتماعية بدرجة خطيرة كما تصفها والدته باستمرار، وقد حفظ كل طرق العودة المختصرة الغير مفيدة لقُصر الطريق أصلًا، وأماكن متاجر المثلجات والسوبا وعربة التوكبوكي التي تملكها العجوز كيم يون والتي تضع له جبنًا إضافيًا في كل مرة وهي تشيد بحسن تربيته وهندامه.
كان يحب طريق العودة على وجه الخصوص. بعد أن ينفصل عن رفاقه عند تقاطع الطرق النحيل أمام عربة التوكبوكي فإنه لا يشعر حتى بالوحشة عندما يقطع الشارع ذاك فوق الرصيف الحجري، بما أنه من النادر رؤية أحد آخر فيه وأن الأشجار المترامية وكأنهن راقصات باليه حالمات يستمررن بإظلاله كلما انتحى أحد الجوانب. ستتباطء هرولة الأفكار العاثرة وتتتسارع أنفاسه كاعتذار لطول خطواته اليافعة، ولذا ستبدو الحياة أثناء تلك المسيرة الصغيرة وكأنها مفعمة بكل المعاني التي تتوق إليها ولا تجدها عندما تتملكك أحزانك.
لكنها كانت تمطر في تلك المرة، وكان يمشي بتأني ومظلته النيلية التي نفضها قبلًا تسير كقبة برفقته. كان صوت المطر ناعمًا رغم صخبه، يجعل قشعريرة البرد التي تتملك كتفيه من أسفل بذلته المدرسية يبدو وكأنه عناقٌ قاسٍ لشخصٍ تحبه.
في منتصف طريقه وحين مروره جانب سورٍ صخري لمدرسة ابتدائية قديمة، فإنه على الجانب الأيمن من الطريق رأى شجرةً عجوز بأذرعٍ متدلية وكأنها مثلقة بكل السنوات التي عاشتها. أوراقها مصفرة كقناطير الذهب والأخرى برتقالية باهتة وبنية دافئة. آثار الخريف الباقية والتي يصعب عليها المضي قدمًا بالرحيل من مدينتهم المتأخرة دومًا بسباق الفصول.
لكن ليس منظر الشجرة الباهر هو ما دفع قدميه على التباطؤ حتى انكسار مسيرته لوقوف. بل ما كان أمامها، أسفل أبعد وأنحّل ظلٍ ترميه أغصانها.
شخصٌ ما، بل فتاة، بل في عمره، حتى أنه يعرفها. لكنه لا يذكر رؤيتها قط هكذا رغم معرفته بها. ليس بهذه الهيئة العجيبة على الأقل والتي تركته يكاد يترك فرصة لمظلته لتنزلق وكأنها مكعب صابون من بين أصابعه المتجمدة.
كان المطر يصطدم باستمرار فوق بشرة وجهها التي تغزوها خصل من الشعر المتلاصق ببلل وكأنها لبلابٌ يزحف على ملامحها، تقفُ وكأنها تمثالٌ رخامي منسي في حديقة لمنزل جميل ومهجور، رأسها موجه للسماء، عيناها مطبقة، وملابسها المدرسية تنحت ملامح جسدها العلوي من البلل رغم كونها ترتدي معطفًا.
تشنجت حركة يداه، إن كان شعر بقلبه يقفز للحظة من الذعر لما رآه ولم يستطع فهمه بالبداية، فإنه الآن ينبض وكأنه يهرول غرابةً لما فهمت عيناه من رؤيته.
ما الذي تفعله؟ والسؤال الأهم هل هي بخير؟ مع أنه كان من الصعب تحديد وجهها بوضوح بسبب خصل الشعر القاتنة التي تحرسه وكأنه إصر، كان بمقدوره معرفتها. إنها بيون, أو بارك؟ هيونجو، ليس متأكدا لكنه يعلم أنه يشاطرها الصف على كل حال.
وهو يذكر اسمها بالضبط لأنه قد سمعه لعدة مرات منذ بضة أيام. في حصة الأدب بالضبط. على الرغم بأنه لم يكن يشعر بوجودها كثيرًا من قبل، إلا أنه في ذاك اليوم رآها كفاية ليعلم أنها أحد طلاب فصله.
'يمكنك التفضل هيونجو.'
كان ما قاله المعلم كيم في ذاك العصر. كانت الحصة الأخيرة، الجميع يرفضون التركيز بإجماع لا حاجة لقوله بصوتٍ مسموع لكنه معلوم. ليس وكأنه بإمكانك لومهم، فبعد حصصٍ طويلة سابقة من المواد العلمية العصيبة آخر ما قد تتوقعه منهم هو الاستماع مليًا في حصة الأدب الكوري المهمشة التي وضعت في نهاية اليوم لذاك المقصد.
بعد كلام المعلم، سمع حركة ناعمة تبدأ من نهاية الغرفة وتستمر حتى تراءى له ظل لشخص يسير حتى مقدمة الصف. لقد كانت فتاة بوجهٍ فاتر تقفُ وهي تعتصر ورقةً ما بين كفيها الأزرقين من البرد ربما أو القلق.
"آه، ليس مجددًا."
تمتم زميله عن جانبه وهو يرمي رأسه على الطاولة كمن سمع عن حكمه بالأعدام يذاع على مسامعه. اكتفى جاي بتقويس حاجبيه عندما لاحظ إمارات الضجر على أغلب المحيطين.
مجددًا؟ ما هو الذي يحدث مجددًا؟ كان على وشك السؤال، حتى تلبد صمتٌ عارم المكان عندما تنحنحت بخفة الواقفة في المقدمة. عاد الأستاذ إلى مقعده ليستند بظهره إلى الخلف، وحدق من كان يرغب بالتحديق، ورمى رأسه على الطاولة من لم يكن مهتمًا كفاية.
لم يفهم أي شيء بالبداية عندما افترقت شفتاها النحيلة وبدأت بالقراءة من ورقتها المجعدة. لكنه سرعان ما أدرك أنها تقرأ شيئًا ما كتبته هي بسبب تلك اللمسة الأكيدة للمشاعر النيئة بين الكلمات. لقد كانت قصة، أو نصًا نثريًا دون مسمى، أو كلا الأمرين سويًا دون خطٍ نحيل يقطع بينهما.
وعلى الرغم من كل ذاك الضجر الذي كان يقطر من كل وجهٍ في الغرفة تقريبًا ما عدا الأستاذ الذي كان يستمع بصمت وابتسامة ضيقة تحط على شفتيه، لم يسع جاي سوى الاستماع بتأني، ربما من التعجب لما يحدث لأنه لا يفهم دواعيه، وربما لأن هنالك شيء ما جعله يتصلب عند كل تلك التعبيرات الجزيلة التي استعملتها الفتاة لتصف بطلها المتخبط بحزنه الدفين الذي شبهته بحريق شب في صدره حتى أحال كل شيءٍ من بعده صحراءً جدباء.
استمع حتى النهاية للتي لم ترتفع عيناها ولو لطرف ثانية عن ورقتها وكأنها ستخسر حياتها إن فعلت، وصفق بكل تفاني عكس الباقين عندما أشار لهم المعلم حينما ختمت كلماتها بثنيها للورقة.
لم يكن يعي سبب توشي معالم زملاء مقعده بالتذمر، لكن هذا بدا كشيءٍ قد واجهوه من قبل. ولم يكن بمقدوره هز رأسه حتى باتفاق عندها تنهدوا من ملل الحصة لأنه وبكل صدق، حتى وإن لم ينبر بالأمر، قد استمتع بتلك القصة التي سردتها.
قام المعلم بشكرها، وتحدث عن بعض التفاصيل الكبيرة في النص بقدر المستطاع من الاهتمام قد يملكه معلم تجاه طلابه الذين لا يحبذون مادته، وأعطاها بعض النقد يخص الأخطاء الإملائية الطفيفة، واختتمها بتأنيب صغير للجميع لإهمالهم لشيء مهم كالأدب في حياتهم وضرورتهم للاقتداء بهيونجو في حبها له.
وكان هذا كل شيء، كل ما يعرفه عن التي تقف على الجانب الآخر من الطريق ولا تزال تسمح للمطر العنيف بالزحف فوقها حتى كاد يذوِّب بشرتها التي لا تأخذ سوى أن تصبح شاحبة أكثر كالورق.
أخذ الأمر ثوانٍ أخرى منه ليتحرك من الصدمة التي خشبته في أرضه. لم يكن المشهد غريبًا إلى هذا الحد، لكنه كان مهولًا في ناظريه وخصوصًا كونه آخر ما توقع رؤيته هنا، وآخر شخصٍ بالذات.
رؤيتها تفتح عينيها لتحدق بالسماء، أو ربما كان هذا ما تهيأ له من بين التفاصيل المبللة الملطخة، على كلٍ هو ما دفعه ليصحو، ويقدم على الذهاب ناحها عندما اختفت فجأةً من رأسه خاطرة كونها تبدو كتمثالٍ مكسو بالجلد.
ارتجفت شفتاه قبل أن تجسر أي كلمة على الخروج حتى، لكنه استطاع التمسك بمظلته جيدًا بينما هو يمدها للأمام ثم يقترب ليغطي الفتاة معه التي أخذت تبدو وكأنها جزء مشوش من حلم سريالي غير مفهوم، فجأة من هذا القرب ببشرتها المزرقة وشعرها المتبلد حول رأسها.
"هل أنتِ— بخير؟"
كان كل ما تمكن من قوله عندما فتحت عيناها بعد اندماج ظله المجهد الذي بالكاد يتماسك بوجوده في هذا الجو الغائم مع كتلة جسدها. حدقت بذهول ناحه من بين أهدابها المتلاصقة بفعل البلل، ورمشت لمرة وحيدة قبل اهتزاز جسدها بقلق وهي تنتصب بقامتها التي كانت مرتخية سابقًا.
"آه— نعم، لا شيء. مالذي تفعله هنا؟— ليس هنالك أي مشكلة!"
غرغرت كلماتها كاسرة صورتها الرخامية في عقله، وانتقلت من كون وجهها محفورًا كالجليد بالفتور لكونه متهدجًا بالإحراج وكأنه تم إمساكها بخضم إنهائها لفعلة شنيعة.
"أنا—"
زم شفتيه عندما علم أنه لا يملك أي تبرير، ثم قرب المظلة أكثر ناحها بينما يأخذ خطوة للخلف بدوره عندما كان إمكانه تحسس الهواء الدافئ الثخين من فمه بين جسديهما وتوهج بشرتها الباردة.
"رأيتك هنا واقفة تحت المطر وظننت أن هنالك مشكلة، لذا أتيت لأتأكد. هل أخفتكِ؟"
مع أنه هو من كان يرتعش قلقًا إلا أن رغبته الملحة بأن يبدو مهتمًا كفاية غلبت ذعره من الحدث برمته. ارتخى حاجباها فوق عينيها ثانية و حولت شفتيها إلى خطٍ نحيل قبل أن تحرك رأسها بالنفي.
"لا أنا بخير. ليس هنالك مشكلة. شكرًا على همم— اهتمامك."
أبعدت بعض الخصلات العصيبة عن ذقنها وأخذت تصبح كمن يبدو في محاولة استجماع شتات ذاته بعد عودته من بعدٍ موازٍ.
كان بإمكانه عودة أدراجه الآن، إبعاد مظلته والمضي قدمًا بما أنه يعرف أن لا شيء جلل كان يحدث كما خشى. لكنه بالطبع لم يفعل. لقد لزم أرضه وثبت عينيه عليها وهي ترتب الفوضى المبللة التي تحولت لها و كان لديه من الحدس الكافي ليعلم أنها كانت تحاول تجنب ناظريه.
"لماذا أنتِ واقفة تحت المطر؟"
هاجم الصمت الرطب الذي حل بينهما بسؤاله فقط لتتشنج حركة الفتاة وهي تحدق بالأرض البعيدة عند قدميه.
قد يبدو هذا كفعلٍ متطفل، إلا أنه لا يظن أن بمقدوره الرحيل الآن دون أن يعلم، لربما هو يستحق هذا بعد الذي رآه. وكأنه إطلع على سنا سرٍ تحميه الغيوم والأشجار المتدلية.
نهايةً، كان بمقدورها رفع عينيها عندما أخذ يسهل رؤيتها وتتبع انعكاس القلق فيهما. انتشلت حقيبتها التي كانت مرمية أسفل ظل شجرة قريبة ووضعتها حول كتفيها وهي تتمتم:
"الأمر ليس مهمًا. لن تصدقه على أية حال."
"لا بأس، سأتفهمه."
رفع حاجبيه وهو يقول وصوته ينحدر إلى هدوءٍ لم يخطط له.
"آه– هذا صعب الشرح لكن، كنت أقرأ كتابًا، وحسنًا كان حزينًا بشدة وبكيت حتى انتفخت عيناي– لذا لم استطع العودة للمنزل بهذا المنظر. لم أرد أن أبرر الأمر، إنه محرج."
تصافقت كلماتها واحدة تلو الأخرى من خارج شفاهها الشاحبة التي يسير على طولها خط أبيض طويل من الجلد الميت. استطاع رؤية بصيص من اللون الوردي الباهت أسفل وجنتيها مما أعاد فيها لمحة الحياة التي قد تظنها كانت منقضية.
"ثم إنني لطالما رغبت بالوقوف تحت المطر هكذا! تعلم، تجربة ميلودرامية وما إلى ذلك، والطريق كان فارغًا ومناسبًا!"
يظن أن حاجباه كانا على شفا حفرة من أن يصلا خط شعره، لأنه ومع كل الضبابية التي وشحت ذهنه وتركته عاجز عن التفكير بتفسير منطقي لكل ما رآه، هذا كان آخر ردٍ قد يضع في الحسبان سماعه منها.
"كما أنه الجمعة، سأغسل ملابسي على أية حال!"
أضافت بعجلة والأحرف تتكسر حول الكلمات وبدت كمن تحاول الشرح جاهدة بإقناع وهي منذ ثوانٍ فقط بدت منفصلة عن العالم برمته غير آبهة به أو بغيره.
لم يسع شفتيه سو التمدد في ابتسامة صغيرة حينها دون وعيه حتى، الشرح الأخير بدا دون داعٍ إطلاقًا ومبتذلًا بشدة لكنه كان عليه تقبله لينهي دوامة الإحراج التي وضعهما فيها دون قصد.
"حسنًا، أتفهم ذلك. كنت فقط متفاجئًا من رؤيتك هنا وقلقًا. آسف إن كنت تطفلت على وقتك الدرامي الخاص."
ازدادت الحمرة حتى اكتسحت نصف وجهها وكأنها طيف من الدماء الفائرة فوق ثلجٍ رقيق. ومع أنه توقع انفعالها لسخريته العفوية منها إلا أنها اكتفت بإغلاق سترتها المبللة فوق ملابسها الأكثر بللًا في فعل مبتذل كفاية للتهرب من صب تركيزها عليه بينما هي تومئ بالنفي.
"لا، لا بأس، أتفهم أنك كنت قلقًا. شكرًا لاهتمامك على أية حال."
"حسنًا إذًا."
أنبر وهو يضع الخيط الثاني لحقيبته فوق كتفه ويهم بمعاودة مسيرته للمنزل خصوصًا وأنه لم يعد يشعر بأصابع قدميه في حذائه.
"هل تملكين مظلة للعودة أم أن علي السير معكِ؟"
هذه المرة لوحت بكلا كفيها للنفي وهي تؤكد:
"لا داعٍ لذلك! لست أحمل مظلة لكن أنظر لحالي، لا أرى فارقًا لو عدت هكذا، أنا مبللة كخرقة حتى أخمص قدمي على أية حال. ثم إن هذا سيجعل تبريري لأمي أكثر واقعية."
ابتسم ثانية وبادلته هي كمن كان يبدو مستسلمًا لواقعٍ لا يمكن محاربته. واقعٍ صنعته هي بكلتا كفي إرادتها وكل دمعة ذرفتها وامتزجت مع المطر ساحبًا إياها وآخذًا كل أدلتها السابقة.
"أنتِ متأكدة؟"
رفع المظلة قليلًا ليصب الأنظار عليها في محاولة لتبيين أهمية عرضه. طوحت رأسها بالإيجاب كرةً أخرى بإصرارها. وعندما اقتنع أنها لن تغير رأيها أعاد ظل المظلة بأسره فوقه وهو يشعر بندم طفيف لا مبرر له بما أنه لم يقم بشيءٍ خاطئ، ثم سار خطوتين للخلف مبتعدًا قبل أن يلتفت بوجهه لطريق عودته.
لكن قبل أن تلتقط قدماه مسيرتها السابقة، التفت لمرة أخيرة ناحها ملوحًا بيده الشاغرة:
"إلى اللقاء إذا، هيونجو."
لوحت له بدورها رغم توسع عينيها بدهشة لم يتنبأ بها لكنه تفهمها. لا بد أنها لا تعرف اسمه، أو لا تذكر وجهه حتى من بين كل الطلاب الذين يشاطرونهم الفصل.
لربما يظنه سمع من كل الشوط الذي قطعه فوق الأسمنت اللامع بالبلل وضربات المطر الحادة فوق القماش الشاهق أعلى رأسه، صوت ترددها الداخلي بأن تسأل عمن يكون، أو مجدر إسمه بما أنها قد تكون فهمت على الأقل أنهما زميلان إذا لاحظت سترته المدرسية. لكن لا كلمة أخرى هرولت ثانية بينهما في خضم السمفونية الهائجة التي استمر بها المطر بينما هو يقترب أكثر فأكثر من نهاية الشارع.
_________
هيلووو!
عودة ثانية مع هيونجو وجاي، لني للأسف الشديد مقدرت اتخلى عنهم بعد الونشوت 😔
باقي الكتاب حيكون كذا سيناريوهات لهم ولماضيهم a prequel يعني
لذا أتمنى تستمتعوا فيها وتحسسكم بالدفء والمواساة مثل ما كانت تحسسني في كل مرة كنه أهرب فيها لهنا وأكتب لما تتعبني الحياة :')❤️
هذا السيناريو خطر لي وأنا أمشي فيوم ماطر بالشارع جنب سور صخري قديم وشفت شجرة جميلة مصّفرة وتنحت بنص الطريق أتأملها لسبب مما😭
كونوا بخير دومًا!💕
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top