الفصل الأول
من السهل أن تعيش بمفردك، تُعد الطعام لنفسك صباحًا ثم تذهب للعمل، وعندما تنتهي تعود متعبًا للبيت الذي سيكون هادئًا لا محالة، فتأكل قليلًا ثم تشاهد شيئًا ما على التلفاز وبعدها تخلد للنوم. يبدو هذا رائعًا صحيح؟ لا.
تعيش يونمي بمفردها، تستيقظ وحيدة، تذهب للعمل وحيدة، تعود وحيدة، تنام وحيدة، وهكذا دواليك. دائمًا ما تقول «لقد عُدت!» عندما تصل للمنزل، لكن كونها تعيش بمفردها يعني أنها لا تتلقى ردًا على الإطلاق، وكون البيت هادئًا صامتًا لا حركة به أبدًا قد بدأ يسبب لها الإحباط بعض الشيء.
فكرت أن تقتني حيوانًا أليفًا، لكنها لن تستطيع الاعتناء به ولن تملك الوقت الكافي لتقضيه معه لأنها تذهب للعمل منذ الشروق وحتى الغروب، وقد شبهت نفسها أكثر من مرة بأنها العضو الخامس للتيليتبيز.
لم تكن يونمي بلا أصدقاء، كانت تملك الكثير من المعارف وتملك عددًا جيدًا من الأصدقاء المقربين، لكن بعد انتهاء وقت العمل يذهب كلٌ لمنزله وتعود الفتاة وحيدة مجددًا، وقد كان هذا الإحباط يفتك بها اليوم خصيصًا؛ فغدًا يوم ميلادها، وهي تعلم تمامًا أنها لن تستطيع الاحتفال مع عائلتها التي تسكن بإحدى القرى البعيدة، أو مع صديقاتها اللاتي تمتلكن الكثير من المشاغل بيوم ميلادها كالعادة على الرغم من كونه أحد أيام إجازة الأسبوع.
سحبت نفسها لخارج سيارتها بعد أن ركنتها وهي تتنهد، ما الذي ستفعله وحيدةً بيوم ميلادها مجددًا؟ هل تشتري لنفسها كعكة صغيرة وتأكلها؟ أم تخرج وتنفق ما لديها من نقود على الهدايا التي ستهديها لنفسها من نفسها؟ أم تأكل المثلجات بينما تشاهد فيلمًا حزينًا وتبكي على حالها؟
بدا الخيار الأخير مسليًا أكثر مما سبقه، ولهذا فقد سارت للسوق المركزي المجاور للمبنى السكني الذي تعيش به، واشترت علبة كبيرة من المثلجات قبل أن تعود مرة أخرى لذلك المبنى الضخم، ولتلك الشقة الفارغة.
أدخلت المفتاح بالقفل وأدارته، ثم أخرجته ودخلت للداخل، وضعت يدها على زر الإنارة لتنير الشقة الهادئة كالمتوقع، وكعادتها قالت «لقد عُدت!»
لكن ما كان من غير المتوقع حدوثه هو أنها تلقت ردًا على الفور «جيد، لقد أحضرت البيتزا!» رأت شابًا أزرق الشعر يبتسم أمامها «مرحبًا بعودتك!»
يملك البشر ما يدعى باستجابة الكر أو الفر، أي أنه عندما يشعر الإنسان بالخطر فسيحدد عقله ما إن كان سيهجم أو سيهرب، وفي حالة يونمي فقد هجمت... تقريبًا.
رمت الكيس الذي كانت به علبة المثلجات على الشاب ثم اختبأت خلف الأريكة «من أنت وكيف دخلت لشقتي؟!»
«أُدعى-» كاد الشاب يجيب لولا أن يونمي بدأت تصرخ وترميه بالوسائد التي كان يتفاداها بسهولة حتى بدأ يشعر بالانزعاج منها «هلّا توقفتِ عن ذلك!؟»
توقفت الفتاة خائفة لكنها حاولت التظاهر بالشجاعة «اخرج من منزلي قبل أن أستدعي الشرطة!»
تنهد الشاب بملل ووضع علبة البيتزا على الطاولة، أراد أن يجلس ويأكل، لكن عليه أن يهدئ الفتاة أمامه قبل أن تتلف أعصابها خوفًا.
بدأ يقترب منها وهي تتراجع خائفة، هل تركله وتقطع نسل عائلته؟ أم تصرخ بكل ما تملك من قوة علّ يسمعها أحد الجيران ويأتي لإنقاذها؟
«لا تركليني، لن أؤذيك.» قال لها بهدوء ثم نظر بعينيها، ورأت الفتاة لمعة ذهبية بعينيه عندما تحدث مجددًا «اهدأي.»
كان ذلك كافيًا لجعل يونمي ترخي دفاعاتها وتسترخي قليلًا، ناسيةً لبرهة أن هذا الشاب قد اقتحم منزلها.
أمسك بيدها وجرّها ناحية الطاولة، ثم أجلسها على الأرض وفتح علبة البيتزا مشيرًا لها «كُلي، أعلم أنها المفضلة لديك.»
شعرت الفتاة بالخوف يتصاعد بقلبها لكنه تلاشى بعد أن وضع الشاب كفه فوق كفها ولمعت عيناه البنيتان بلون ذهبي مجددًا «اهدأي، أعدكِ أنني لن أؤذيك.»
ابتلعتْ ريقها وأومأت، ثم سحبت إحدى القطع وبدأت تأكلها بينما الشاب يتأملها بهدوءٍ قد قطعه بسرعة «أُدعى يونجون، وكُنتِ ستعرفين ذلك لو أنكِ لم تقومي برمي الوسائد علي.»
«آسفة.» تمتمت بهدوء.
«لا داعي للأسف، المهم..» قال باستدراك «لقد دخلت من نافذة غرفتكِ، عليكِ أن تغلقيها بإحكام المرة المقبلة.»
نظرت له الفتاة مستنكرة «وهل تدخل بيوت الناس لأن نوافذهم مفتوحة؟ كون نافذتي مفتوحة لا يعني بأنك تمتلك الحق للدخول! وهذا لا يعني بكل تأكيد أنك تملك الحق لتعطيني النصائح!» قالت بغضب «لا أعلم أصلًا لمَ لم أتصل بالشرطة بعد.»
نظر يونجون لها بحاجبين معقودين ثم همس لنفسه «كنتُ أعلم أنكِ لن تتعرفي علي يا ذات الذاكرة البائسة..»
-ماذا؟
-لا شيء، أكملي طعامك.
لنكون صريحين، كانت الفتاة جائعةً حقًا، فقد فوتت وجبة الغداء بسبب تراكم العمل، وهذا قد جعلها تكمل طعامها بكل سرور على الرغم من أنه مقدمٌ لها من غريب قد اقتحم منزلها.
«ألن تخرج من منزلي؟» سألته بعد أن أكملت البيتزا التي لم يشاركها الشاب بها.
«أولًا: هذه شقة وليست منزل.» قلب يونجون عينيه «ثانيًا: أهكذا تشكرينني بعد أن أطعمتك؟»
«أولًا: يمكنني أن أقول أن الشقة منزل لأنها المكان الذي أعود له نهاية اليوم، إنها دياري، والديار منزلي.» قلدته وقلبت عينيها «ثانيًا: كيف تتوقع مني أن أشكرك وأنت قد اقتحمت منزلي!»
زفر الشاب بحدة ثم وقف، أشار بيده ناحية الوسائد المرمية على الأرض وبدأت ترتفع بهدوء في الهواء لتحُط مكانها على الأريكة مجددًا، وبسبب هذا قد قفزت يونمي من مكانها واختبأت خلف الأريكة مجددًا «اخرج من منزلي أيها المشعوذ!»
«لن أخرج، ولستُ مشعوذًا.» أجابها بعد أن استند على الحائط المقابل وأدخل يديه بجيبيّ بنطاله.
«بل أنت كذلك! اخرج من منزلي!» صرخت به مجددًا وقد شعر يونجون بأن كيله قد طفح.
مد يده ناحيتها فاردًا كفه للأعلى ثم أحكم قبضته فجأة، ولم تجد يونمي نفسها إلا أمامه خائفةً مغمضة العينين «أرجوك لا تؤذني.»
«لقد قلت لك أنني لن أؤذيك، لمَ لا تصدقينني؟» تنهد الشاب بحزن ثم قال «أحقًا لا تتذكرينني؟»
نفت يونمي برأسها بسرعة دون أن تفتح عينيها، ولم يتبق عند يونجون إلا حلٌ واحد: أن يقبلها. ما الفائدة؟ قد لا توجد فائدة عدا أنه سيستمتع بذلك.
جحظت عيناها عندما شعرت بشفتيه ملتصقتين بشفتيها، لكنها شعرت بالعالم من حولها يدور عندما رأت من قبلها يطير في الهواء مبتسمًا لها، وهكذا أغمي على الفتاة وكادت ترتطم بالأرض لولا أن يونجون قد أمسك بها قبل سقوطها.
حملها بين يديه وطار بها لغرفتها ليضعها على سريرها، ثم أغلق باب الشقة وأطفأ الأنوار وذهب للغرفة مجددًا.
استلقى بجانبها ينظر لها بعبوس «لقد قطعنا وعدًا أننا لن ننسى بعضنا، وقد أخلفتِ بهذا الوعد..» نظر لزر الإنارة بالغرفة ليسودها الظلام، ثم عاود النظر بعينيه اللتين صارتا ذهبيتين للفتاة النائمة بجواره «أنا أسامحك، لكنني سأجعلك تتذكرينني حتى لو لم توَدي ذلك.»
أغلق عينيه وعاد السواد يملأ الغرفة، وكان يملأ أيضًا حُلم يونمي.
كانت تستطيع سماع صوتٍ يناديها، وكانت تحاول معرفة مصدره عبثًا حتى رأت ضوءًا بعيدًا بدأت تجري ناحيته حتى بان لها طفلان يجلسان عند نهرٍ ما، يبنيان بالرمال ما يبدو كالقلعة.
تلك الفتاة كانت تشبهها، بل هي على يقين أنها هي تلك الطفلة التي تغني مع الولد، لكن من هو ذلك الولد؟
«يونجني!» نادت الطفلة، يونجني؟ اه، إن شعره أزرق اللون.
«عليكِ أن تلفظي اسمي بطريقةٍ صحيحة، اسمي يونجون!» قال الطفل عابسًا وهو يربت على قلعته الرملية لتتماسك أكثر «لن نستطيع أن نتزوج إن لم تلفظيه بطريقة صحيحة.»
«لكنك جنيٌ كما أنك لي! إذًا فأنت يونجني!» هتفت مبتسمة وضحك الطفل معها.
«يوني، عليكِ ألّا تنسي اسمي أبدًا! إن نسيته فلن ترينني مجددًا.» قال لها بجدية، فأومأت الفتاة بجدية أيضًا. «لن أنساه، ولن أنسى أغنيتنا أيضًا.»
نظر الطفل لها بعدم تصديق «أنا لا أصدقك؛ لأن ذاكرتك بائسة.» هب الهواء فجأة ليحرك مياه النهر فأسقطت قلعته الرملية «قلعتي!»
«هذا ما تستحقه لأنك لم تؤمن بي!» ضحكت الطفلة «آمن بي!»
ابتسم الطفل لها لكنه قبل أن يجيبها رأى عينين خلفها، كان يعرف تلك العينين جيدًا، وكان يكرههما كثيرًا لأن صاحبهما دائمًا ما يدمر سعادته مع يونمي «سيدي الصغير لقد حان وقت الذهاب.»
ظهر القط الأسود الذي تحدث، عيناه الصفراوان كانتا تحدقان بيونمي بشر، لكن الطفلة لم تجفل من نظراته على الإطلاق.
أمسك يونجون بيد يونمي «لا تنسي أن تأتي غدًا حسنًا؟»
«حسنًا!» أجابته وهي تلف خنصرها حول خنصره لتعده، ثم راقبته يغادر المكان رفقة القطة تحت غطاء النجوم.
رأت يونمي الكبيرة نفسها الصغيرة وهي تسير مبتعدة، ثم رأت الشمس تشرق مجددًا، ورأت يونجون يأتي عند النهر منتظرًا صديقته لكنها لم تأتِ أبدًا، واضطر للرحيل بعد المغيب.
أشرقت الشمس وغابت مجددًا، والطفلة الصغيرة لم تعُد تظهر.
«يونمي!» نادى الطفل صاحب الشعر الأزرق «لا تنسيني..»
أغمضت الشابة عينيها، ثم فتحتهما مجددًا لترى نفسها مجددًا تجلس أمام شاشة حاسوبها وهي تدون بعض المعلومات للشركة مرتديةً الملابس ذاتها التي ذهبت بها للعمل هذا اليوم، إذًا فهي تحلُم بما قد حدث سابقًا.
رأت نفسها من الماضي وهي تشرب القهوة وتعمل، ثم نطقت بصوتٍ خافت شيئًا قد كُتب على الشاشة «يونجون...» ابتسمت وهمست «يونجني.» ثم أكملت عملها وكأنها لم تقل شيئًا، بل وكأنها نسيت أنها قالت شيئًا.
أما يونمي من الحاضر فقد أغمضت عينيها، وساد السواد المكان مجددًا.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top