CH11
لَقد بلغَ مِني النَّحيطُ مَا بَلغْ
_
عندما نواصل التحديق في مدى سيرورة الأيام منتظرين تعاقبها لا نلقى منها سوى التجاهل مولية ظهرها لنا فتمر علينا كمر الأحقاب و يظل مر علقمها عالقا عند حلقنا لا يرضى أن يترنح ؛
لكننا و إن أسهبنا النظر في غيرها لمرت كمر الثواني عند رمشة عين لكنها في المقابل ستهجرنا ساحبة معها فتات الذكريات الجميلة التي أقسمنا بأن تبقى منسوخة بذاكرتنا
كما الحال مع إيلا التي لم تلحظ اِنقضاء مهلة بقائها في المشفى كونها قضّتها رفقة مي راي الّتي لم تبرح جانبها و لو للحظة ،فتارة تطلعها بآخر أخبار الفريق و تارة تسرد عليها أحداثا ماضية قد عاشتها لذلك ايلا اِعتادت على سيادة صوتها و صورتها بالمكان ما أنساها وقع إصابتها .
غير ذلك كان الرقيب يهل عليها بزيارتها كلما سنحت له الفرصة متحججا بكونها أمانة على رقبته وجب عليه رعايتها حتى تستعيد عافيتها ، فتكفل بالمام حاجياتها من مأكل و مشرب لكن الحزن طالما اِعتراها كونه يكتفي ببضع كلمات يلقيها على محياها ثم يغادرها بينما هي نوعا ما بدأت تعتاد على وجوده في محيطها
ظلت شاردة و تفكريها حتى أنّه لم يقع على مسامعها صوت مي راي التي دخلت منذ مدة وهي تطالعها بريبة لحالتها تلك حتى اِستطرقت سائلة
"ماذا دهاك صغيرتي هل أصابك شيء ؟ ثم اليوم هو يوم تسريحك لماذا لم تتجهزي بعد؟"
إيلا التي أفاقت من شرودها اِستغربت نطقها للفظة صغيرتي التي دوما تناديها بها لكنها و للان لم تعتد عليها فقد مرت سنوات مذ هجرت هذه اللفظة مسامعها حتى اضحت لتجلب انتباهها كونها دوما ليست المعنية بها ،لذلك سألت الجالسة بجوارها
"مي راي لماذا تنادينني بصغيرتك ؟"
ضحكت مي راي على سؤالها ثم اِقتربت مربتة على خصلاتها بحنو ناطقة
"أنا أكبُركِ بخمسة أعوام ، ثم أنتِ صديقتي الوحيدة بذلك المعسكر الضجّ بالذكور لهذا أعتبرك صغيرتي "
عبارة -صديقتي الوحيدة - كانت سببا في تهيج مشاعرها التي خمدت منذ زمن لما تلحف البرود ملامحها ، و على وقع ذلك توالت ذكريات طفولتها تعرض أمام مرآها عنوان مشاهدها لقاءها الأول بصديق طفولتها الوحيد
كانت فتاة صغيرة نًبذت مذ مولدها من طرف والدها الذي أراد أن يكون مولوده الثاني والدا كسابقه حتى يضمه الى الجرم و عالمه المظلم .
هو فتن بذكره لكن أحلامه اِنهارت بمولدها ، يرها فتاة محط لاطماع الخوف و الليونة فالهشاشة متناسيا انها من صلبه تطبعت هي بصفاته بل افضلها لكنه انكر ذلك كونها أنثى و مولده كان سوى من رحم أنثى .
لكن تلك الفَتيَّة ماذنبها كون والدها رجل عصابة و أخاها مجرد مريض نفسي اِستغله والده ليضمن إزهار مستقبله .
لقد كرهت حياتها منذ بلغت عامها الخامس ودستها بالنيران اِعتبرتها تكفيرا عن ذنب اِقترفته بحياتها السابقة ، لكنها كانت دوما ما تتوب عن ظنها ذاك يوم تأوي إلى حضن والدتها الشخص الوحيد المحب لها الذي دوما ما ربت على راسها بحنو منشدا على مسامعها تهويدة لعل النوم يرأف بها و يزورها بعد جلسة التعنيف التي تتعرض لها من طرف والدها .
لكنها كانت تمضي جل يومها متكأة على شجرة الصفصاف الراسخة عند تلة حيهم وحيدة تختلي بنفسها بعد أن نبذها الآخرون كونها اِبنة وحش و ماذبهم وهم بيدهم حق الخوف .
لكنها على غير الايام وجدت أحدهم يقطن بجذعه متكأ على شجرتها حتى رفع بصره لها عندما أحس بأحدهم أمامه تساءل من تكون فاذا بها ناطقة
"ألا تعرفني ؟إنّها أنا ايلا اِبنة القاتل المخمور "
ذلك الفتى الذي ما إن نطقت بكلماتها حتى اِستقام متقهقرا إلى الوراء مبتعدا عنها لكنها وقتها ودّت لو يبقى هنا برفقتها و يؤنس وحدتها بدل أن يغادر خوفا لذلك أردفت مع ابتسامة اِنفرج شدقيها على أثرها
"لا تخف لست كوالدي يمكنك الجلوس معي هنا فلست بفاعلة شر بك و ما أنا بقاردة على ذلك "
حديثها بدا له طاهرا لا تشوبه علامات الكذب او الخداع لذلك جلس عند المكان الشاغر بقربها لكنه للآن لم ينطق بحرف واحد فقرر لو يطلعها باسمه لكنها سبقته مرة أخرى تعتنق دفة الحديث
"أخبرتك أدعى إيلا يمكنك مناداتي إل "
"ناديني هوني " و على وقع إبتسامته ضحكت ايلا الصغيرة لأول مرة منذ ولادتها
كانت تلك الذكرى قد توالت على بالها جاعلة منها تبتسم غير آبهة للأخرى التي تود معرفة ما أصابها لكن إبتسامتها تلك قد اِندثرت عندما قابلها إنعكاس صورتها في المرآة
شحوب وجهها ، حاجباها المعقودان دوما لا يرضيان فراق بعضهما ، ملامحها الجامدة
فقط رؤيتها تجلب الخوف هي كملاك الموت لا تخطف الارواح لكنها تخطف البهجة فور وجودها .
آهٍ هوني على إل
لقد جفت فذبلت بتلاتها في غيابك هوني .
_
لم تطل إيلا حتى اِرتدت ملابسها و هاهي ذي مقبلة على مي راي التي تنتظرها في سيارتها حتى تقلها
رسمت ابتسامة مرغومة عندما قابلتها ملامح الأخرى المبتهجة فهي لا تستطيع ردها عابسة على الأقل تفكر برد جميل مكوثها معها كما أنها ما فتأت خلال تلك المدة حتى تقربت منها و أصبحتا صديقتين
ذلك ما اِستغربته إيلا فهي بطبعها تحب وحدتها فمقوماتها لا تسمح لها بالثقة بأيّ كان ، لكن ليس الحال نفسه فمي راي هنا صانعة البهجة للجميع و تقربها إلى كتلة الجليد تلك كان بهدف اذابت الكتلة التي تغطيها لتتجلى لها نفسها الدفينة
الطريق نوعا ما بعيد من المستشفى العسكرية إلى المعسكر ما قد يبعث الملل لكن المحققة لم تحس بذلك فالشابة برفقتها لا تكف ترد لها كفة الحديث حتى تعتنقها مرة أخرى مكملة حديثها السابق بينما هي تارة تجيب و أخرى تكتفي بالايماء
اِستدارت تطالع المشاة من الزجاج حتى لاحظتهم مدفونين داخل ملابس ثخينة فالجو اِنقلب شتويا منذ مدة ليست قصيرة بسبب حلول ديسمبر
وقتها اِنتفضت ايلا لافتة إنتباه رفيقتها و راحت مخرجة هاتفها من جيبها تتصفحه حتى صاحت تؤنب نفسها
"إنه الفاتح من ديسمبر اللّعنة لقد نسيت "
"ما الذي نسيته؟ إيلا هل من خطب؟"
اِستدارت لها مي راي تطمئن عن حالتها التي تحولت لها فجأة بعد أن أوقفت السيارة
إيلا كفت عن تأنيب نفسها بسبب اِهمالها لتاريخ اليوم ثم رفعت رأسها تحدثها
"مي راي أنتِ عودي للمعسكر من دوني أحتاج الذهاب لمكان ما "
لم تعطها مجالا للرفض الذي أبدته ملامحها حتى تحدثت متأنية متمنية أن تعتقها الأخرى
"إنّها ذكرى وفاة والدتي أحتاج زيارتها مي راي "
أبدت مي راي أسفها و حزنها ثم سحبتها في عناق قبل مغادرتها .
إيلا توقفت زافرة هواء إرهاقها ثم دفنت يديها في سترتها الخفيفة فبرغم برودة الجو إلا أنها لا تحس به يلفح بشرتها
كيف لها أن تحس و هي أضحت تنافسه في زمهريره ،
يظنها البعض قوية لكنها من داخلها مهمشمة كشظايا الزجاج دواخلها متناثرة على عكس ما تعكسه ملامحها
هي أشدهم علما أنها كطرف الظفيرة الذي إذا قُطع تهاوت بعده الخصلات التي كانت متلاحمة متناثرة ، لكن خصلاتها ليست متلاحمة فقطع طرفها سيعني تشابكها بعقدة لن تفك إلا إذا قصت.
واصلت السير وجهتها المقبرة القريبة من المعسكر الذي ليس ببعيد فهي قطعت جلّ المسافة مع مي راي
لم ترد اِستكمال طريقها معها هي فقط تود أن تستغل هذا اليوم في لوم نفسها على وفاة والدتها
لازالت تتذكر كيف قتلت امام مرآها بينما تحثها كانت (والدتها ) تحثها الهروب من المنزل، لكن كيف تهرب و هي وقتها لم تكن أتمت سنتها الاولى بعد العشر بعد؟
ماذنب تلك المرأة التي تحملت العيش مع سكير و اِبن متختل فقط حتى تستطيع تربية اِبنتها التي عزتها اكثر من نفسها
هي تلوم نفسها على موتها ،هي قتلت بسبب دعمها لها بعد أن قررت عدم اتباع خطى والدها و الدراسة حتى تظفر برتبة محققة بجامعة الشرطة فقط حتى تصلح والدها لكنها.
و لكن رغم فقدانها للشخص الوحيد المحب لها هي عاهدت نفسها أن تصبح محققة كما وعدت و تظفر بإنتقام لمن حقن الاسود بصفحات حياتها ، فعند كل
طرف من ذاكرتها تتردد كلمات والدتها الأخيرة
-اِنتقمي لمن دب تراتيل الحزن بداخلك و أحاطك بأسياده لكن إياك أن تلتهمك نيران الحقد و الجشع فدسك بسجن إن اُعتقت قيودك فيه إنقلبت بعدها تنحر عنقك -
توقفت أمام باب المقبرة المتآكل إثر عتقه مزين هو بصليب أعلاه، في المقابل هي طالعته متنهدة لكن قبل أن تخطو للداخل هي اِنحرفت متجهة نحو المتجر المتواجد في الجهة الأخرى من الطريق مقابلا للمدخل
اقتنت زجاجة من السوجو بالإضافة إلى باقة دست بها زهور كالاس البيضاء الموجودة و بسرعة توجهت مغلقة الفاه تنعطف بين القبور وجهتها قبر مقصودتها التي حفظت مكانه فهي هذا العام تختم خمس عشرة سنة منذ أول زيارة لها
وجدت هيئة أحدهم جالسا بالقرب من القبر المجاور لوالدتها معيرا إياها ظهره لكنها لم تعره اهتمامها بل اِنحنت نحو مقصدها مربتتة فوق التراب دونما كلمة تنطقها
سكبت القليل من السوجو فوقه و اِرتشفت الباقي خلال جرعة واحدة دونما تريث ثم وضعت الورود عند المقدمة حتى جلست أرضا تشكو القليل من همها للأخرى التي لا تسمع ولو قليل من كلماتها المبللة بالدموع التي لا تفيض متراقصة علة وجنتيها إنما تنقلها لها جملها الغير متزنة .
"أمي، لقد تعرضت لإصابة بكتفي لا تقلقي فصغيرتك قوية و تخطت الأمر لكنني مازلت آمل لو كنت الآن بجانبي توبخينني على إهمالي لذاتي "
"برغم فيض الدموع بداخلي إلا أنها لا ترضى فيضها من عيناي ، هي فقط تكتفي بأن تلطمني بشد أمواجها دونما هوادة متناسية تماما أني أرق من الزجاج عند لسمة أهوي متحطمة إلى شظايا لا تلمح لصغرها فيخطو الناس فوقها"
"حتى و إن لم يلمحوها إلا أنهم سينزفون إن خطوا فوقها ما يجعلها بازغة لهم مع أنني متأكد أن الشظى و إن بلغ من الصغر ما بلغ فإ نه سيعكس الضوء المنسدل عليه جالبا الأنظار " .
لم يكن هذا صوتها رادة على نفسها بل صوت ذلك المجاور لها الذي اِستدار نحيتها ناظرا لها بجفاء.
جفناها وسعهما تشرعا ،و الكلم عند حلقها توقف حتى إبتُلع ، فبلغت من الصمت برهة حتى ظن الآخر أن البكم بفاهها قد إستقر .
"ما الذي تفعله هنا قائد بيون ؟"
يتبع ...🤍
أخيرا بعد طول غياب حدثت لكنني استغليت الفترة الفارطة في تنظيم أفكار الرواية حتى يتسنى لي التحديث بإنتظام
برغم أن الفصل قصير إلا انني بتحديق قريب أعدكم
آراءكم حوله ؟
هذا حسابي بالانستغرام لمن يود التواصل معي
إلى لقاء آخر بإذن الله .
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top