9. شكوك
أكتوبر – ستٌ وعشرون عامًا قبل تأسيس قرية كونوها المخفية
أرض النار – نطاق عشيرة سنجو
1.
تأففت آيامي وهي تغلق باب المنزل:
— غبية! أنت لا تعرفين حتى كيف تتركين انطباعًا جيدًا أمام رجل. ما خطب هذا الوجه المتجهم؟
خلعت نانامي صندلها ووضعته في خزانة الأحذية.
— واضح أنه لم يكن مهتمًا! لا شيء مشترك بيننا، لا أعرف حتى ما الذي تريدين أن أتحدث معه بشأنه؟
أخذت الأم ابنتها من يدها وقادتها إلى غرفة نومها. أخذت وجنتيها بين أصابعها ودفعتها إلى النظر في المرآة المعلقة على الحائط. حدقت نانامي في ملامحها المضاءة بالفوانيس.
— انظري إلى نفسك جيدًا. ابتسامة، ومضة برموشك، وكنت ستجعلينه تحت قدميك لو أردت.
— ولكنني لا أريد! لا يعجبني، لا أستطيع أن أتخيل نفسي معه.
— استخدمي عقلك، لم تعودي طفلة بعد الآن! ليس شرطًا أن تعجبي به، أنت من عليها إغواؤه أيتها الغبية. فكري في المزايا التي ستحصلين عليها إن تزوجته. إنه غني وقوي وذا سمعة حسنة.
— لكن لا ثروته ولا سمعته كفيلة بجعلي سعيدة. لست مهتمة بهذه الأشياء!
رمقت آيامي ابنتها بنظراتٍ غاضبة.
— خاب أملي فيك. أتعتقدين أنني أفعل هذا من أجلي؟ بعد تجربتك... الفاشلة مع ذلك المخبول، ظننت أنك ستعقلين ولكنك تستمرين في ارتكاب نفس الأخطاء. ماذا كنتِ تفعلين مع ذلك المخنث في المستوصف؟
أطلقت الأم ضحكة ساخرة.
— أهذا هو نوع الرجال الذي تفضلينه، أخبريني؟ تافه، هزيل، مثير للشفقة... بالكاد يجد قوت يومه. هل تعتقدين أنّ شخصًا مثله سيجعلكِ سعيدة؟
أخفضت نانامي رأسها محرجة. بغض النظر عما تشعر به، وبغض النظر إلى أي مدى تكره أن يتدخل الناس في حياتها، بدا كلام والدتها منطقيًا إلى حدٍ ما. لن تستطيع تجاهل أحكام الناس تمامًا. هؤلاء الناس الذين يغيّرون آراءهم بين عشية وضحاها، يمدحونها يومًا ويلعنونها في اليوم التالي. هي لا تمقت حياة الرغد، حيث يمكنها أن تحصل على ما تريد، لكن... لا يزال هناك لكن. كاتانا ليس اختيارًا حكيمًا، فهي لا تعرف شيئًا عنه، وسينتهي به الأمر بالرحيل عاجلًا أم آجلًا... حتى وإن استمتعت بالحديث معه، ورغم أنها مترددة في الاعتراف بذلك لنفسها، إلا أنها أحبت وجوده.
— كلّا... لم يحدث شيء.
أومأت آيامي برأسها.
— ولا شيء سيحدث، فهو لا يناسبك. لقد رأيت الطريقة التي نظرت بها إليه، ولكنني سأصدق كلامك...
أومأت الفتاة برأسها. مسحت أمها على خدها وابتسمت لها قبل أن تغادر الغرفة.
استلقت نانامي تحت بطانيتها، وفكرت في محادثتها مع كاتانا. ربما هي مخطئة. ربما نية والدتها حسنة، كما قال كاتانا، بالرغم من أنّ طريقتها مؤذية. تركت هذه الأفكار مذاقًا مُرًا في فمها، لكنها خففت من وطأة قلبها. قالت لنفسها مبتسمة: أمي تحبني، وضمت الوسادة إلى صدرها وأجهشت بالبكاء.
2.
أغلق كاتانا الكتاب الذي أعارته إياه نانامي وأطفأ فانوسه. تسلل نور الفجر من النافذة وانقطع الصمت الذي أعقب الحفلة بتغريد العصافير. ما زال ماكوتو نائمًا في دفء الفوتون خاصته.
حوّل الأوتشيها نفسه إلى طائر سنونو وطار إلى المستودع فوجده مغلقًا ببوابة حديدية. حلّق فوق المبنى، فلفتت انتباهه أنابيب التهوية. تسلل من أحدها فوجد نفسه في الداخل. في الظلام، عاد إلى هيئته البشرية وفعّل الشارينغان. مكنته القدرة الوراثية لعشيرته من اكتشاف الباب الذي تسلل منه بوتسوما. لا مقبض له وقد كان مغروسا في الحائط مثل بقية الألواح. لو لم ير السنجو يفتحه، لما لاحظه من تلقاء نفسه.
أمام الجدار الحجري، قام بنفس الإشارات اليدوية، لكن ما أربكه أنه لم يحدث شيء. بعد محاولتين أخريين، لم يتحرك الجدار. أطلق الجاسوس تنهيدة غاضبة وخرّب شعره. كان قريبًا للغاية! ومع ذلك...
دوى صرير البوابة. أغلق كاتانا الباب المنزلق بسرعة وعاد إلى هيئة الطائر. دخل رجال يحملون ما خمّن أنها دروع في عربات.
وبالعودة إلى السطح، تفقّد كاتانا الأنابيب ثانية. إن كان المدخل يؤدي إلى غرفة تحت الأرض، فلا بد من وجود مخرج للتهوية...
اختار القناة الموجودة فوق الباب، والتي أدّت به إلى متاهة من الأنابيب المظلمة التي ازداد عيارها تدريجيًا. لفت انتباهه ضوء خافت، وما أن وصل إلى مصدره، ظهرت غرفة أمام عينيه. أضيئت القاعة بالعديد من ألسنة اللهب، واحتوت على مقاعد مصفوفة على الأرض، ونُقِش رمز عشيرة سنجو على الحائط.
لم يتبق لدى كاتانا شك: هذه هي غرفة الاجتماعات السرية لعشيرة سنجو. من هنا، بإمكانه جمع المعلومات التي يحتاجها عن خططهم واستراتيجياتهم.
تمتم كلمة كاي فألغيت تقنية التحول. أحاط الأنبوب بجسد الشاب، الذي حوصر في هذه القناة الضيّقة. تصببت قطرات العرق من جبينه وأصبح تنفسه متشنجًا. فكرة مغادرة هذا الجحيم ظلّلت عقله، لكن ليس الوقت مناسبًا للاستسلام لرهاب الأماكن المغلقة. ملأ رئتيه بالهواء وعضّ إبهامه. مسح قطرة الدم التي ظهرت على راحة يده وأجرى سلسلة من الأختام قبل أن يضغط بها على جدار القناة. وبمجرد أن استدعى عصافيره، استرجع الجاسوس شكل السنونو وغادر هذا السجن بصعوبة أقل مما وصل عليه.
***
أشرقت الشمس، لكن ماكوتو ظلّ نائمًا وشفتاه تبللان وسادته باللعاب. ابتسم كاتانا من طرافة المشهد، ولكن سرعان ما اسودت تعابير وجهه. ترك نفسه ينهار على الفراش بجانب مضيفه، بضع ساعات من النوم تلزمه لاستعادة قواه.
3.
— كاتانا، كاتانا، استيقظ!
أعمت أشعة الشمس المتدفقة من النافذة الأوتشيها وهو يحدق في ماكوتو. تمتم نعسًا:
— ماكوتو-سان؟
— بوتسوما-ساما يبحث عنك!
ابتلع الجاسوس لعابه وجلس فزعًا. أيعقل أن رآه أحد؟ استفسر مرتبكًا:
— لماذا يبحث عني؟
— لا فكرة لدي. ستعرف عندما تقابله!
***
عبر كاتانا حديقة قصر الزعيم برفقة خادمة فلفت انتباهه صوت مألوف يقهقه. التفت برأسه فرأى فويومي وهاشيراما وامرأة – رجّح أنها زوجة بوتسوما – جالسين بجوار بركة أسماك ذهبية. قالت الخادمة وقد رمقته بنظرة خاطفة:
— من هنا.
تبعها في عدد من الممرات التي بدت متشابهة تمامًا. طرقت على أحد الأبواب وانتظرت أن سُمِح لها بالدخول لتفتحه.
— تفضّل.
أومأ كاتانا برأسه ونفّذ ما طُلب منه. جلس بوتسوما في وضعية سيزا وسط الغرفة، بوجهه الجامد. وإلى جانبه، جلس رجل أصغر سنًا يشبه أحد الأشخاص الذين رآهم الأوتشيها الليلة الماضية في المستودع.
— طلبت رؤيتي.
— أجل. اجلس!
اتخذ كاتانا مقعدًا مقابلًا ثنائي السنجو. صدرت من الحديقة موسيقى سحرت حواسه. نفس الضغط على رأسه الذي شعر به عندما قابل هاما أول مرة، ولكن أكثر حدة. لم يبق لديه شك في ذلك، ابنة الزعيم تستخدم عليه تقنية غنجوتسو.
تسارعت نبضات قلبه. لقد كشف مسبقًا معلومة مُهِمَّة عن عشيرته، لكن يبدو أنّ ذلك ليس كافيًا. بدأ العرق البارد يتصبب على ظهره. ماذا لو كشف المزيد؟ ماذا لو لم يكفِ ختم هيدياكي لحمايته؟ في ظرف ثوانٍ، خطرت في ذهنه فرضيات لا حصر لها.
— أخبرنا عن ظروف لقائك مع الأوتشيها. أريد أن أعرف كل شيء بأدق التفاصيل. ما رأيته، ما سمعته، كل شيء!
تنفس الأوتشيها بهدوء. ليس هنالك ما يدعو للقلق، ألم يعدّ قصة كاملة في حال سُئل هذا السؤال؟
— كنت في طريقي إلى أرض الأمواج مع أختي. كنا عائدين من تانزاكو و...
— ماذا كنت تفعل في تانزاكو؟
— كما أخبرتك آنفًا، أنا رسام... ذهبت لتسليم إحدى لوحاتي لزبون.
— ما اسم هذا الزبون؟
همس الرجل الآخر:
— آنيجا، نحن نخرج عن الموضوع!
— اخرس ودعني أعمل يا إيساياما!
نهض إيساياما منزعجًا وغادر الغرفة أمام عيني كاتانا الفضوليتين. أصر بوتسوما:
— إذن، من هذا الزبون؟
— أوتاتاني ساتوشي.
كتب بوتسوما الاسم على ورقة.
— واصل!
انفتح الباب ودخلت هاما. تمعّنت في كاتانا قبل أن تجلس بجانب أخيها.
— مرحبًا أيها الوسيم، هل استمتعت بإقامتك معنا؟
— أجل، شكرًا جزيلًا يا هاما-دونو.
— إذًا، الأوتشيها، ماذا قالوا بالضبط؟
— أه... كنّا في طريق العودة وتوقفنا في الغابة لتناول وجبتنا، عندها سمعت أصواتهم. كانوا ثلاثة، رجل وامرأتان. كانوا يتناولون الغداء أيضًا. شعرت بالفضول لمعرفة من هم. لا أستطيع أن أتذكر بالضبط عمّا كانوا يتحدثون، لكنني استنتجت أنهم عادوا لتوّهم من أرض الدوّامات. قالت إحداهما: الآن وقد أصبح كيوبي في حوزتنا، لن يستطيع أحد إيقافنا، سنسيطر على العالم.
— وماذا حدث بعد ذلك؟
— لا أعرف كيف شعروا بوجودي... كانت تفصلنا مسافة معتبرة، وكنت مختبئًا جيّدًا. انتبهوا لوجودي فهربت، لكنهم لحقوا بي. طلبت من أختي الهرب وواجهتهم لأكسب لها الوقت. لم أكن ندًا لهم، كانوا سريعين... مع أسلحتهم وتقنياتهم، تمكنوا من إصابتي. لذت بالفرار، لكنهم وجدوني.
فرك كاتانا ذراعه في محاولة لتخفيف قشعريرته. قالت هاما:
— لأختِ هيدياكي القدرة على استشعار التشاكرا. لقد كانت معهم.
— فهمت. ماذا تعرف عن كيوبي؟
— لقد... سمعت قصصًا...
سألت هاما:
— أي نوع من القصص؟
— في عملي، أقابل عادة رجالًا أثرياء من معارف الدايميو... غالبًا ما يراهنون على انتصار عشيرتكم أو عشيرة أوتشيها. الأمر أشبه بالقمار بالنسبة لهم... ويتحدثون أيضًا عن المعارك القديمة. لقد سمعت عن قوة كيوبي المدمرة من محادثاتهم.
— آنيجا، أتعتقد أنهم حصلوا عليه بمساعدة شخص ما؟ خائن من عشيرة الأوزوماكي يعمل لدى أحد هؤلاء الرجال.
— هذا معقول... يجب أن نحقّق في الأمر ونحث آشينا-دونو على فعل الشيء نفسه.
— معذرةً... أنا ممتن حقًا على كل ما فعلتموه من أجلي، ولكن منذ أن جئت إلى هنا وأنا لا أستطيع التوقف عن التفكير في أختي وعائلتي. لا أعرف إن كانت قد وصلت سالمة أم أنهم قتلوها... وربما أخذوها رهينة...
— أتريد أن أرسل أحدًا ليتحقق من وصولها؟ يمكننا أن نأتي بها أيضًا إن أردت!
انحنى كاتانا باحترام وظهرت ابتسامة على زاوية شفتيه:
— هاما-دونو... أنت في غاية الكرم، لن أتمكن أبدًا من تسديد ديني لك!
— ما الذي تقوله؟ لقد ساعدتنا كثيرًا!
— هاما، لا يمكننا استقبال الغرباء.
— لكن يا آنيجا!
— كلّا! على ما أرى، لقد استعاد قواه ويمكنه تدبّر أمره بنفسه. لا يمكننا تعريض عشيرتنا للخطر من أجل شخص واحد!
كتم كاتانا ضحكة في نفسه وقال باستحياء:
— أنت محق، لا أريد أن أستغل كرم ضيافتكم... أعتقد أنه من الأفضل أن أغادر.
— لكن يا كاتانا، أنت واحد منا الآن!
رفع بوتسوما صوته ليقاطع أخته:
— نوزومي!
انفتح الباب ليكشف عن خادمة.
— بماذا تأمرني، بوتسوما-ساما؟
— أرسلي في طلب ماكوتو.
— حاضر.
— سيرافقك ماكوتو إلى خارج نطاقنا. يمكنك الانتظار هنا.
أومأ كاتانا برأسه. خرج بوتسوما إلى الحديقة، وتبعته هاما مستاءة. اختلس الأوتشيها النظر من النافذة فرآهما يتجادلان. لم يتمكن من سماع محادثتهما، فقام بتفعيل الشارينغان لقراءة شفاههما. انفتح الباب فسارع بإلغاء قوته البصرية.
— ماكوتو-دونو في انتظارك. اتبعني رجاءً.
4.
ارتدى كاتانا ملابسه: كنزة وسروال أسود، وأسدل شعره. قام بطي الملابس التي أعاره إياها ماكوتو ووضعها في الخزانة ثمّ التقط كتاب نانامي. محادثات كثيرة أراد أن يجريها معها، لكنه لن يراها بعد الآن. بالرغْم من الألم الذي استقر في جوفه، إلّا أنّ جزءً منه شعر بالاطمئنان: التعلق بامرأة من السنجو هو آخر ما يتمناه. جاء صوت ماكوتو ليقاطع أفكاره:
— كاتانا!
— قادم!
غادر الشاب ذو الشعر الداكن منزل مضيفه الذي انتظره في الحديقة.
— يجب أن أذهب إلى المستوصف أولًا.
— هل تشكو من شيء ما؟
هزّ الأوتشيها رأسه وأشار إلى الكتاب.
— أعارتني نانامي-سنسي هذا الكتاب، يجب أن أعيده إليها.
رفع السنجو حاجبه باستغراب.
— أسرع، سوف أنتظرك هنا!
***
دخل فحمي الشعر من باب قاعة العلاج. وقفت نانامي وسط الغرفة، محاطة بفتيات يستمعن إلى شرحها. أمسك الكتاب بين يديه مترددًا في مقاطعتها، لكن إحدى الطالبات نظرت إليه. سكتت النينجا الطبية فجأة واستدارت ناحيته. لعن الأوتشيها حظّه حين التقت عيونها السماوية بعينيه، حيث أنّ ألمه ازداد حدة. قالت بابتسامة قبل أن تخطو نحوه:
— آه، هذا أنت يا كاتانا-سان!
— مرحبًا، سنسي... عذرًا عن الإزعاج.
— كلّا، على الإطلاق.
ناولها الجاسوس الكتاب بكلتا يديه، فسألته بسعادة:
— هل قرأته؟
— أجل، لقد استمتعت بقراءته. لم يغمض لي جَفْن حتى أنهيته.
— يسعدني ذلك.
أومأ برأسه خجلًا.
— أودّ أن أشكرك على ما فعلته من أجلي وعلى صحبتك الودودة. لقد جئت لأودعك.ِ
تدلت شفتا الشقراء وحلّ محل ابتسامتها تعبير حزين.
— ستغادر إذن؟
— أجل، آن الأوان لأرحل.
التقطت الكتاب بيدين مرتجفتين وضمته إلى صدرها.
— عليَّ الذَّهاب، ماكوتو-سان ينتظرني.
— حسنًا، رافقتك السلامة.
— وداعًا...
***
بمجرد أن عبروا الغابة، اختفى نطاق السنجو عن رؤى كاتانا وغزت رائحة أشجار الصنوبر خياشيمه، فاستنتج أنه غنجوتسو يستهدف حاسة الشم، ويستخدم لإخفاء قرية السنجو عن أعدائهم، فعشيرة أوتشيها تلجأ إلى طريقة مماثلة لحماية نطاقها، ولكن بواسطة الشارينغان.
قال ماكوتو مربتًا على كتف كاتانا:
— رحلة موفقة!
— شكرًا على كل شيء يا ماكوتو-سان. وحظًّا موفقًا!
غمز الأوتشيها للسنجو.
— اغرب عن وجهي قبل أن أوسعك ضربًا!
مرحًا، ركض الشاب في الغابة.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top