6.2. الغنجوتسو
3.
حدّق كاتانا في الهلال من نافذة صغيرة في غرفة نوم ماكوتو وهو مستلقٍ تحت بطانية دافئة في حين غطّ ماكوتو في نوم عميق.
قد قضى الأوتشيها نصف اليوم نائمًا، على الأرجح بسبب الدواء الذي أعطته إياه الشقراء. وفي المساء، رافق ماكوتو إلى حفل عشاء مع رفاقه. عاد السنجو إلى المنزل ثملًا. «الساكي يساعد على تقوية الروابط بين الجنود» هذا ما قاله ليبرر تماديه في الشرب، وقد دعاه للمشاركة في هذا التقليد؛ لكن كاتانا في مهمة، والشينوبي لا يتناول الكحول في مهماته. لذا بعدما ارتشف كأسًا تظاهر بالثمالة. لم يمتنع ماكوتو من السخرية منه ووصفه بالضعيف، لكن في قريرة نفسه كاتانا لم يبال. مع أنه يستطيع أن يؤدي العديد من الأدوار لينجح في مهماته، إلّا أنّ التجربة علّمته أنه كلما استخفّ به الناس كلما اقترب من نيل مراده.
قام من مكانه واقترب من مضيفه. انقلب هذا الأخير على جانبه وهو يشخر. أطلق كاتانا تنهيدة وأجرى ختمًا بيده، فإذا هو يتحول إلى قط أسود.
قفز القط من النافذة وتجول في أزقة قرية السنجو بين أشجار القيقب التي فرشت أوراقها الملتهبة الأرض. على عكس حي عشيرته، حيث لا يوجد سوى عدد قليل من أشجار الكرز تزين حدائق المنازل الكبيرة، جميع بيوت السنجو تأوي أشجارًا من أنواعٍ مختلفة.
عند وصوله إلى مبنى خمّن أنه معبد، مر كاتانا – محافظًا على تحوله – عبر المدخل، حيث وقف تمثالان، لكل منهما عدد كبير من الأيادي والأذرع.
سنجو تعني ألف يد؛ لم يغب هذا التفصيل عن الأوتشيها. أخبره والده فيمَا مضى أنّ شعارهم – المتمثّل في مِرْوَحَة – يرمز إلى أهمية عشيرتهم في أرض النار، ولكن ماذا عن السنجو؟ ليس بإمكانه أن يطرح على أكيرا هذا السؤال، فزعيم الأوتشيها سيرى مقارنته بين العشيرتين إهانة. ولكن في أعماق قلبه، لم يستطع أن ينكر أنّ وجهة نظر أعدائه أثارت اهتمامه. ربما عادته في جمع أكبر قدر من المعلومات زادت من فضوله. نعم، لا تفسير آخر محتمل!
رحّبت به قاعة المعبد الواسعة. استعاد كاتانا هيئته البشرية ووضع أذنه على الأرضية، لكن لم يصل إلى مسامعه أي صوت. لقد سمع هاما وبوتسوما يتناقشان حول اجتماع ما، من المقرر أن يعقد هذه الليلة، ولكن ما من وسيلة للتجسس عليهم ما لم تكن لديه فكرة عن مكان اجتماعهم.
استعاد مظهره السنّوري وغادر المعبد يئسًا. لمرة واحدة، غار من نوبارا لقدرتها على استشعار التشاكرا. كانت قدرة ابنة عمّه ستنفعه في اكتشاف موقعهم.
جلس شابان يتجاذبان أطراف الحديث حول نار عند مدخل قصر ذي حديقة واسعة ذات برك تعج بالأسماك الذهبية وشجيرات مقلّمة بعناية. لم يتبق لدى كاتانا شك: هذا هو قصر الزعيم. أخذ وقته في استكشافه، لكنه لم يعرف عمّا يبحث بالضبط. فلا أدلة تقود إلى غرفة سرية.
بعد مدّة، بدأ يشعر باليأس. عليه أن يجد طريقة لجعل ماكوتو، الشخص الوحيد الذي يمكن أن يعطيه دليلًا، يتحدث. أزعجه الاعتراف بأنه فوّت فرصة التجسس على اجتماع السنجو. فصعد إلى السطح، حيث ظهر الشفق الوردي للفجر في الأفق. لقد نجا من الموت ومنقذيه هم ألد أعدائه...
انفتحت نافذة الغرفة التي تحته. وبرزت منها رأس ذات شعر أسود طويل وبشرة سمراء. وضعت الشابة يدها على صدرها وفتحت ثغرها لنسفة من الهواء. تردد صوت خشن خلفها، فتعرّف كاتانا على نبرة بوتسوما قليلة الصبر.
— كاوري! هل تقيأتِ مرة أخرى؟
أجابت وقد بدا عليها الوهن:
— كلا، انتابني شعور بالاختناق. لكني أشعر بتحسن الآن.
مسح السنجو خد المدعوة كاوري المتورد.
— أنتِ محمومة! سأرسل في طلب نانامي.
أمسكت بذراعه.
— لا داعي لذلك! لابد أنني أصبت بنزلة برد، سأتحسن بعد أن أتناول شاي الأعشاب الطبية. لا أريد أن أصيب هاشيراما بالعدوى... هلّا أبقيته برفقتك لبضعة أيام؟
— لا تقلقي بشأن ذلك.
«زوجة بوتسوما؟» تساءل كاتانا. «سحقًا... بما أنه هنا فهذا يعني أن الاجتماع قد انتهى. يجب أن أعود أدراجي قبل أن يستيقظ ماكوتو.»
تسلل كاتانا بهيأته السنورية إلى حديقة مضيفه وألقى نَظْرَة من النافذة، فذعر عندما رأى أنه لم يعد نائمًا على الفوتون خاصته. دخل غرفة النوم وخطا في الممر. سمع سيلان الماء في الحمام، فعاد مطمئنًا إلى هيئته البشرية ونزل إلى الطابق السفلي حيث المطبخ.
أمسك أحد الصحون الموجودة على الرفوف وسكب لنفسه مغرفة كبيرة من الأرز، ثم ابتلع ملعقة تاركًا بعض الحبات تلتصق على شفتيه وخديه.
تردد وقع أقدامٍ في الممر الخشبي، فجلس كاتانا على الطاولة والصحن وعيدان الطعام في يده، ثم ألقى بقدر اصطدم بالأرض وتردد صدى صوتٌ معدني في الغرفة.
نزل ماكوتو الدرج، وجهه منتفخ من النوم وعيناه نصف مفتوحتين. حدّق في كاتانا وهو يرمش، كما لو يحاول تذكير نفسه بمن يكون.
— آه! ها أنت ذا. اعتقدت أنك غادرت.
تلعثم كاتانا وهو يضع صحنه جانبًا:
— ممم... آسف. شعرت بالجوع، لذا... لم أرغب في إيقاظك.
— فهمت. هذا طبيعي، أخبرتك أن تأكل جيدًا بالأمس. أنت نحيف للغاية، واضحٌ أنك لا تأكل جيّدًا.
لم يتفاجأ كاتانا من هذه الملاحظة. فمثل ابتسامته الصبيانية المشرقة، قوامه النحيف يعد أحد أدواته. أداة ثمينة تجعل الناس يعتقدون أنه ضعيف.
— كل يا صاح! لا أحد سيلومك هنا، نحن لسنا مثل أولئك الأوتشيها الجياع... رغم أنهم يسرقون أراضي الآخرين. إن كان هناك شيء واحد يتفق عليه الجميع، فهو أنّ عشيرتنا تتسم بالكرم. صدقني، لن تجد أحدًا في مثل تواضع هاما-ساما. إنها امرأة استثنائية، سنجو بأتم معنى الكلمة! يعتقد البعض أنها ستكون وريثة أفضل من أخيها.
أومأ الأوتشيها برأسه وأجبر نفسه على الابتسام. عبرت اللقمة مريئه مثل الحجر. تجاهل الغضب الذي ثار في بطنه من تلك الكلمات، وسجل المعلومات التي أفصح عنها مضيفه في زاوية من ذاكرته. قال بتواضع:
— مهما شكرتكم على ما فعلتموه من أجلي فلن أوفيكم حقكم. سمعتكم مستحقة عن جدارة.
كتم السنجو ضحكة صغيرة.
— هذا لا شيء! اغتسل وبدّل ملابسك، تركت لك بعض الثياب في غرفة النوم.
— شكرًا لك!
رتب كاتانا الفوتون، واستحم وارتدى الملابس التي أعاره إياها ماكوتو: سروال هاكاما أخضر وسترة هاوري مطرز على ياقتها شعار عشيرة سنجو. ربط شعره المجعد المبتل على شكل ذيل حصان، مقلدًا تسريحة الشونماغي التي يشتهر بها السنجو. جعله انعكاس صورته في المرآة يبتسم. مع أنه معتاد على الألوان الداكنة، إلّا أنّ هذا اللون الأخضر الزيتوني لم يزعجه. هذه الملابس – على عكس ملابس ماكوتو التي شعر فيها وكأنه يسبح – تناسبه مثل الأصابع في القفاز.
عندما مرّ بغرفة المعيشة، دعاه ماكوتو للانضمام إليه لتناول الفطور. جلس إلى الطاولة المنخفضة حيث قدّم له الأرز الأبيض والخضروات المنقوعة في صلصة الصويا والعجة الملفوفة والشاي الأخضر.
— تبدو أنيقًا!
— شكرًا. هذه الملابس مريحة.
أعطاه ماكوتو ابتسامة صغيرة خففت من حدة ملامحه.
— كم بلغت من العمر؟
— سبعة عشر عامًا... سأبلغ الثامنة عشر قريبًا.
— فهمت... كان في السادسة عشرة.
صمت ماكوتو. ابتلع الأوتشيها ريقه، حتى قبل أن يتلقى إجابة عن التساؤل الذي خطر بباله، انتصب شعر جلده.
— هذه البدلة تخص أخي الصغير.
— أهو...؟
— أجل، العام الماضي، ضد الأوتشيها.
قاوم كاتانا التواء معدته التي هدّدت بإفراغ اللقم القليلة التي ابتلعها. صورة شقيقه الأصغر – الجامد الساكن – في تابوته رفضت أن تغادر ذهنه. مات سابورو في نفس السن. وفي أربعتهم، كان الابن المفضّل لدى والده. آنذاك، قد ضاعف أكيرا الضرائب لتعويض خسائر الأوتشيها. قد شهد كاتانا أوقاتًا أسوأ في عشيرته، لكنه تساءل لزمن طويل عمّا إذا لم تكن لعنة غيرته هي التي قتلت أخاه.
— أنا آسف...
أجاب السنجو بصوت أراده قويًا، ولكن ذبذباته فضحت الحزن الذي حاول أن يكتمه:
— لا عليك، لقد كان بطلًا لا يخشى التضحية بنفسه من أجل رفاقه!
— نعم، بلا شك.
أومأ كاتانا برأسه. التضحية بنفسه من أجل رفاقه. كل من الأوتشيها والسنجو يمجدون هذا المفهوم. هل حياة الفرد أقل قيمة من حياة رفاقه؟ لكن، ألم يكن في نفس الوضع؟ أليس يعيش حياة مليئة بالكذب والنفاق من أجل مجد عشيرته؟ العشيرة...
مسح ماكوتو فمه، أخرج صوته الأجش كاتانا من أفكاره:
— على أي حال... يجب أن أذهب إلى المستوصف، فكتفي يؤلمني بشدة. أنهِ وجبتك، ستأتي معي طبعًا.
4.
فتحت نانامي جفنيها على مصراعيهما وانطوت على نفسها وجسدها يرتجف. وقفت أمها أمامها، وقد عقدت ذراعيها وشفتاها مضمومتان. وبغض النظر عن عدد المرات التي أيقظتها فيها آيامي خالعةً بطانيتها، ما زال ذلك يصيبها بالفزع.
— إلى متى ستبقين في الفراش؟ لقد اقتربت الظهيرة!
فركت الشقراء عينيها ونظرت من النافذة. تحت السماء المشمسة، الصوت الوحيد المسموع هو تغريد العصافير. لم تبدأ التدريبات حتى.
— والدكِ خارج في مهمة، أسرعي وأعدّي غدائه!
— مهمة؟ لم يقل أي شيء عن ذلك...
«أيعقل أن يكون الأمر متعلقًا بـ كيوبي؟ ربما سيستدعون الأوزوماكي مرة أخرى. آمل ذلك.»
ردت آيامي بسخرية:
— أتنتظرين منه أن يقدّم إليك تقاريره سيدة نانامي؟
سحبت النينجا الطبية ثوب يوكاتا ومنشفة من خزانة ملابسها وشقت طريقها إلى الحمام.
— أنت تفعلين هذا عمدًا، أليس كذلك؟ أخبرتك أنّ الأمر عاجل! هذا ليس الوقت المناسب للاغتسال!
— لِمَ لَمْ تعدّيه بنفسك إذن؟
صفعت آيامي ابنتها بكل ما أوتيت من قوة. ابتلعت هذه الأخيرة دموعها وغيّرت وجهتها إلى المطبخ تحت نظرات أخيها المذعور الذي تشبّث بباب غرفة النوم.
— وقحة! قليلة أدب!
قطعت نانامي بيضة مسلوقة إلى نصفين ووضعت كل نصف فوق وجبة والدها. أغلقت علبة البنتو ولفتها بمنديل.
جثا دايسكي أمام الباب ينتعل حذاءه. بدت بنيته أكثر هيبة وهو يرتدي درعه. أهو قلق؟ أهو غاضب؟ لم تستطع ابنته قراءة تعابيره الجامدة. لم تظهر عيناه الزرقاء أي مشاعر. ناولته البنتو منحنية.
— شكرًا لك. أنا ذاهب.
— رافقتك السلامة.
***
غمرت الشقراء جسدها في حوض استحمامها الخشبي. اتكأت برأسها على الحافَة وأطلقت تنهيدة طويلة. قد لا يكون الزواج فكرة سيئة في نهاية المطاف، طالمَا أنها لن تعود مضطرة للتعامل مع توبيخ والدتها. ليست محظوظة مثل أختها الكبرى لتترك هذه العشيرة التي تحيا لتقاتل، لكن صديقتها كاوري لا تتذمر من زواجها المدبر. حتى أنها تجزم أن صغيرها سر سعادتها. ومع ذلك، فقد علّمتها آيامي أن الأطفال مثل العلقة مصاصة الدماء. تمامًا كما حرموها هي وإخوتها من جمالها وصحتها.
تخلصت نانامي من هذه الأفكار عديمة الجدوى، وارتدت يوكاتا أخضر مزين بزهور البيضاء وضفرت شعرها على شكل تاج.
قدمت الإفطار في غرفة المعيشة وتناولت الطعام في صمت مع أخيها. أخذ أكيناري يشهق وعيناه محتقنتان بالدماء. داعبت الفتاة ظهره وأمسكت يده الصغيرة.
— ما الخطب؟ هل وبّختك أمي؟
هزّ الطفل رأسه نافيًا.
— لقد ذهب أبت... وعدني أن يدربني... لكنه رحل! لقد استيقظت مبكرًا لكنه نسيني. الأمر هكذا معه دائمًا!
مسحت نانامي أنهار الدموع من على وجنتيه واحتضنته.
— بالطبع لا، لم ينسك. طرأت لديه مهمة عاجلة للغاية. أنا على يقين من أنه سيتولى تدريبك بمجرد عودته.
ابتلعت نانامي ريقها. لم ترد إعطاءه وعدًا كاذبًا، وعلى الرغم من أنها نطقت تلك الكلمات بصوت لطيف، إلّا أنها لم تستطع تحييد المرارة التي تركتها في فمها.
سألها وهو يحرر نفسه من عناقها:
— أختاه، ألست غاضبة مني؟
— بالطبع لا.
— إذن لا تخبري أحدًا أنني بكيت!
أطلقت الأخت ضحكة مرحة.
— بالطبع لا. هيا، أنهِ وجبتك!
***
ارتدت النينجا الطبيّة سترة هاوري فوق اليوكاتا ووضعت على رأسها قبعة أميغاسا. ثم جلست أمام المخرج تربط صندلها.
— أنا ذاهبة!
سألت أمها وهي تندفع إلى الممر:
— إلى أين؟ ظننت أنه يوم فويومي. ألستِ تعملين الليلة؟
— أجل، لكن عليّ أن أجمع الأعشاب الطبية. فويومي لا تستطيع فعل ذلك... أشعة الشمس مضرة لها.
— من يسمعك تتحدثين هكذا سيظن أنك صديقة مثالية!
— لا أدري ماذا تقصدين.
— على أي حال... دائمًا ما تجدين أعذارًا للهروب من الأعمال المنزلية! اذهبي، اذهبي! وجودك يصيبني بالتوتر.
أخذت نانامي نفسًا عميقًا وغادرت المنزل.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top