3.3. اللفافة
أرض الدوّامات – نطاق عشيرة أوزوماكي
5.
تجوّل ثنائي الأوتشيها في أزقة قرية الأوزوماكي المُكتظّة بأناسٍ من شتّى الأجيال، الشباب والكهول وكبار السن مع حفدتهم. في عشيرتهما، وبسبب الحروب وما ينجم عنها من أمراض معدية أو مزمنة، من النادر أن يتجاوز المرء الخمسين.
استغرب هيدياكي من أنّ الأزواج حولهما لا يترددون في التعبير عن حبهم بالعناق وتشابك الأصابع أو حتى التقبيل. حيث نشأ، إظهار المشاعر علنًا يُعدّ ضعفًا. ومع ذلك، لا أحد هنا يعرف حقيقته. هو الآن أوزوماكي كازوشي وعليه أن يتصرف على هذا الأساس. لذا وضع ذراعه على كتفي هاناكو وجذبها إليه. رمقته بابتسامة رقيقة.
— لقد قلّلتَ من شأنك، كان تمثيلك مثيرًا للإعجاب!
— لكن الأمر لم يُفلح! آسف، حتى أنكِ...
— بلى! أصبنا في مواصلة اللعبة إلى النهاية. كنا سننكشف لو استخدمنا الغنجوتسو.
— أنت محقة. يطمئنني أن أستطيع الاعتماد عليكِ... أرسمتِ تلك الندوب تحسبًا لشيء كهذا؟
ضحكت هاناكو بخفة.
— كلا، لم أفعل، إنها حقيقية!
انزلقت يد هيدياكي من على كتف زميلته. بعد أن رأى ذكريات شينيا، صار الأمر جليًا. تمنى لو بإمكانه تصديق غير ذلك. التوت أحشاؤه بمجرد التفكير في أن تمر هاناكو بشيء فظيع كذاك.
— تلك الحروق ناتجة عن التعذيب. لو أنّ طبيبًا قد فحصها عن كثب، لأدرك ذلك من مظهرها. لذا استغلَلْتُ الموقف لأكشفها قبل أن يستدعيه.
— فهمت... اتخذتِ القرار الصحيح في الوقت المناسب. وماذا عن الندبة الأخرى؟ هل سبق وأجريت عملية جراحية؟
وضعت الشابة يدها على بطنها.
— أجل. أجرتها لي تلك السنجو التي قابلتها هنا. قالت أن مبيضي كان ملتويًا بسبب ورم كبير، لذا توجّب عليها استئصاله. يبدو أنّ ذاك الورم هو سبب الإرهاق وضيق التنفس الذي كنت أشكو منه.
— أفهم مشاعرك تجاهها بشكل أفضل الآن.
— أحقًا؟ ألا تجد تصرفي سخيفًا ولا يغتفر؟
نظر هيدياكي بتمعن إلى الفوانيس الحمراء المعلقة بين المباني الرخامية المصطفة بالتوازي، التي أضاءت المدينة مثل الشهب.
— صراحة... لا أعلم ماذا كنتُ سأفعل لو كنت مكانكِ، لا يمكنني الحكم عليك. ربما كنت سأستعيد اللفافة وأحتفظ بها لنفسي...
— أهذا ما قصدته بقولك «علينا أن نكون خطرين ولكن ليس عديمي الرحمة»؟
— نوعًا ما، نعم. يَجِبُ ألاّ تمنعنا رحمتنا وشفقتنا على الآخرين من أن نحذرهم... لا أظن أنّ إبادة السنجو فكرة سديدة وعقلانية، لكن علينا أن نحتفظ بورقة رابحة ضدهم. على كل... كيف حالك الآن؟ هل تعافيت من ذاك المرض؟
— نعم، أنا أفضل بكثير. أخبرتني أنّ فرص تماثلي بالشفاء كبيرة، لكنني قد لا أستطيع الإنجاب.
تشكلت غصة في حلق الاستراتيجي.
— يؤسفني سماع ذلك. لابد أن هذا يجعل ذكرى تلك المهمة أكثر إيلامًا.
— لا تشغل بالك، ليست لي نية في الزواج أو الإنجاب على أي حال.
«حقًا؟»
تقاطعت الأزقة في ساحة كبيرة، تتوسطها منصّة محاطةٌ بموائد طويلة مفروشة بالطعام: محار ومأكولات بحرية وأسماك ضخمة ومشروبات من مختلف الألوان وحلويات متنوعة منها الدانغو والدايفوكو. حولها، ارتدى الناس ثيابًا ذات ألوان دافئة ومبهجة، أطفالًا وكبارًا على حد سواء. وكان بعضهم يتميز بتسريحات شعر غريبة ووجوه مطلية باللون الأبيض مع تصاميم حمراء وسوداء وأقنعة.
— كانت نوبارا-تشان لتحب هذا الجو.
ردّ هيدياكي بمرح:
— نعم. أراهن أنها لا تزال غاضبة مني، لكن أحيانًا يتحتّم علي أن أكون حازمًا معها. لا أريد أن يعرضها اندفاعها للخطر.
همهمت هاناكو:
— أتساءل عمّا إذا كان آني-ساما يقسو عليَّ لأنه يقلق عليَّ أيضًا.
6.
وَسَط المسرح، جلست هاناكو في وضعية سايزا مع فِرْقَة من الموسيقيين، عزف كل منهم على آلة: الكوتو والبيوا والناي والطبل. بنفس عميق، تخلصت من خوفها من انكشاف قلة خبرتها وعزفت على أوتار الشاميسن بريشة عريضة لتولد لحنًا يتناسب مع الأجواء الاحتفالية. استجاب الجُمهور بالتصفيق والهتاف متناغمًا مع إيقاع الطبل. ابتسمت الأوتشيها، فخورة بالأفضلية التي منحها إياها الشارينغان.
«حظًا موفّقًا يا هيدياكي.»
***
عند مدخل المعبد، جلس راهب نائمًا ورأسه متكئ على الحائط وكوب من الساكي بين أصابعه. أنارت الفوانيس الجدران المصفرّة في الداخل، حيث رُسمت معارك بين البشر ومخلوقات خارقة للطبيعة.
استنتج هيدياكي في نفسه: تذكرني الهندسة المعمارية لهذا المعبد بضريح ناكانو. ثم جثا على ركبتيه، وتحسس حواف حصير التاتامي وتمكن من رفع أحدها. «أهذه مصادفة؟ أشك في ذلك...»
نزل الشينوبي الدرج أسفل حصير التاتامي ممسكًا بفانوس، إلى أن بلغ بابًا حجريًا مغلقًا بختم. تحسس حواف الحاجز، فإذا ببرودة تصل إلى أطراف أصابعه. «تيار هوائي؟ قد يكون المكان خلف هذا الباب نقطة التقاء بين المعبد والشلال حيث يؤدي المسار تحت الأرضي الذي تشير إليه خريطة هاناكو...»
فحص الأوتشيها رموز الخَتْم بالشارينغان، ثم وضع المصباح جانبًا وأجرى سلسلة من الأختام اليدوية. لم يحدث شيء. أطلق تنهيدة غاضبة. «كان عليّ أن أنتبه أكثر عندما كانت أوكا-ساما تعلمني أساسيات الفوينجوتسو...»
في محاولة يائسة، قام الاستراتيجي بدفع الحاجز الصخري، فإذا هو يتأرجح ويدور حول محوره، ووجد هيدياكي نفسه على الجانب الآخر في غرفة ذات جدران حجرية مضاءة بالعديد من ألسنة اللهب. لفتت نظره لوحة معلقة بها تسع أقنعة ترمز إلى رؤوس حيوانات وبشر وآلهة وشياطين. «لا بد أن يكون هو...»
سحب قناع ثعلب احتوى في جوفه على مخطوطة حمراء بطول ساعده. فتح هيدياكي اللفافة، التي رُسمت عليها أختام تتلاقى حول دائرة في المنتصف كُتب عليها الكانجي: كيتسوني.
«هذه ليست لفافة استدعاء عادية... إنها مشفرة. السهولة التي تمكّنت بها من الوصول إلى هنا تزيد ارتيابي، على الأرجح هذه تقنية خَتْم قوية لا يمكن حتى لأمي أن تفكّها.»
أعاد الأوتشيها القناع إلى مكانه وخبأ اللفافة في جيب الهاكاما خاصته. صعد الدرج بحذر، وإذا بوقع أقدام قادم من الأعلى يجمده مكانه. «هذا ما كان ينقصني... ربما عليّ أن أجرب الطريق الآخر.»
***
انحنت هاناكو وبقية أعضاء الفِرْقَة الموسيقية للجمهور. أسدل الستار، وشرع الفنيون في إعداد المسرح استعدادًا لعرض الكابوكي. جلست الكونويتشي أمام المرآة وأعادت ضبط الطلاء الأبيض الذي يخفي ملامحها الحقيقية.
سأل أحد خبراء التجميل:
— شيزوكا-دونو، هل رأيتِ كازوشي-دونو؟
— همم... لا ينبغي أن يكون بعيدًا عن هنا.
عضّت إبهامها وهي تجوب المسرح ذهابًا وإيابًا. «تأخر هيدياكي... آمل ألّا يكون قد أصابه مكروه...»
— آه، ها هو ذا!
اتسعت عينا هاناكو وركضت لمقابلة صديقها الذي صعد للتو على المنصة.
— كازوشي-دونو، علينا تعديل مكياجك!
قال بمرح وهو يلوح بيده:
— قادم! قادم!
وضع هيدياكي كفّه على ظهر هاناكو وجذبها إليه، فعانقته برفق. استغل قربهما ليدفع اللفافة تحت كمّ الكيمونو خاصتها دون أن ينتبه الآخرون، ثم همس في أذنها:
— نجحنا! عرض أخير ويمكننا العودة إلى الديار.
دغدغتها أنفاسه فضغطت بأصابعها على فمها كاتمة ضحكة خفيفة.
— حظًا موفقًا يا حبيبي، أراك لاحقًا.
ابتعد عنها على مضض وهو يحدّق في عينيها بابتسامة بلهاء.
— هيا أيها العاشقان! فلنبدأ!
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top