14. تاجيما
نوفمبر – ستٌ وعشرون عامًا قبل تأسيس قرية كونوها المخفية
أرض النار – نطاق عشيرة أوتشيها
1.
استيقظت هاناكو ظهرًا على دوي المطر على سطح غرفتها. بعد محاولة أخرى لترك بطانيتها، استقبلها حوض استحمامها الخشبي بدفء. أمالت رأسها إلى الخلف وأغمضت عينيها مستنشقة رائحة مستخلص الترنجان المنبعثة من الماء. بالرغم من خصائص النبتة المريحة التي جعلتها تشعر بالنعاس أكثر، إلّا أنّ الارتباك الذي يلوي معدتها لم يتبدد للحظة. لو لم يخبرها هيدياكي عن نواياه الليلة الماضية، لكان من الأسهل عليها أن تواجه والدها...
لكن كيف لها أن تتجنبه وهما يعيشان تحت سقف واحد؟ مع أنّها طلبت الفطور إلى غرفتها، إلّا أنّ الزعيم لم يفوت فرصة زيارتها. جلس أكيرا إلى الطاولة، وعلى وجهه ابتسامة ماكرة، يحدّق في ابنته بنظرة جعلتها تشعر أنّها عارية. وأدركت هاناكو – من التوتّر الذي خيّم على الغرفة – أنّها ستتقيأ الأرز والسلمون في نهاية المطاف.
— أخشِيَ ابن أخي ألّا أفي بوعدي؟ يبدو أنه يريد التأكد من أنه سيحصل عليكِ.
استغرق الأمر لحظة حتى وصلت هذه الكلمات إلى دماغ هاناكو. ربما هي تفتقر حقًا إلى الذكاء. رفعت كوبًا من الماء إلى فمها في محاولة لتهدئة نفسها وقالت بصوت خافت:
— لم يحدث بيننا شيء.
رفع آكيرا حاجبًا وأدركت الكونويتشي في الحال أنّها محاصرة.
— سمعت أنكِ عدت برفقته بعد طلوع الفجر. لا بد أنّكما تحدّثتما عن أشياء مثيرة للاهتمام!
ابتسمت هاناكو بمرح.
— أجل، تحدّثنا عن طفولتنا ومشاعرنا تجاه بعضنا البعض. تحتّم عليَّ أن أفسِّر له تغيير رأيي...
أومأ برأسه باستعلاء دون أدنى جهد لإخفاء عدم الرضا الذي أعربت عنه التجاعيد حول شفتيه.
— آمل ألّا يكون ذلك قد أنساكِ المهمّة التي كلّفتك بها.
— بالطبع لا يا أوتو-ساما. أنا أحاول كسب ثقته لاستخراج المعلومات منه، لا أريده أن يشك في.
أطلق الرئيس ضحكة صغيرة، ثم وقف واستعاد جدّيته.
— لا تضيعي الوقت. أنتظر تقريرًا منكِ في أقرب وقت.
أحنت هاناكو رأسها في تواضع.
— مفهوم.
عندما أغلق الباب أخيرًا، تنفّست هاناكو الصعداء. لم تستطع أن تصدق والدها أو زوجها المستقبلي، لذا فقد كان عليها أن تجري تحقيقها الخاص، ومن أجل ذلك، كان من الضروري أن تتحدّث إلى هيدياكي مرة أخرى.
2.
توقّف المطر وأغلقت الكونويتشي مظلة الواغاسا خاصتها. على بُعدِ خطواتٍ قليلة منها، عند مدخل منزل هيدياكي، وقف أخاها الأكبر. دخلت المقهى المقابل دون أن ترفع عينيها عن تاجيما. صاحت صاحبة المحل وهي تتقدم نحوها:
— شرف لي أن أراكِ هنا يا هاناكو-ساما! تفضلي! تفضلي! سأجهز طلبيتك في لمح البصر.
غادرت الشابة المتجر باتجاه منزل هيدياكي وهي تحمل ثلاث علب من الكعك. دقيقة أخرى وكانت ستملأ الرابعة. ليس لأنها تهوى الحلويات، ولكن الطريقة الوحيدة لإسكات فضول السيدة وأسئلتها اللامتناهية هي أن تجعلها تعمل.
أخبار زواجها بدأت تنتشر. يبدو أنّ هذا هو هدف الزعيم، أن يضعها هي وهيدياكي تحت الأمر الواقع. بغض النظر عن مدى كرهها لأساليب والدها، لم تستطع أن تنكر أنها طرق فعّالة. وإلّا ما كانت لتكون هنا... تنتظر خارج باب بيت ابن عمها.
— مرحبًا، هيكاري-سان!
— حللتِ أهلًا وسهلًا يا هاناكو-ساما!
رحبت بها الخادمة بابتسامة لطيفة. وضعت هاناكو الواغاسا وحذاءها في خزانة عند المدخل واتبعت المرأة الأربعينية على طول الممر المظلم.
— هيدياكي-ساما في غرفة القراءة، انتظري في غرفة الشاي ريثما أبلغه بوصولك.
— هل هو بمفرده؟
ترددت السيدة للحظة ثم أجابت:
— كلّا، بل بصحبة تاجيما-ساما.
قالت هاناكو متظاهرة بالمفاجأة:
— آه، فهمت. إنه مشغول على الأرجح، لا أريد إزعاجه... في الحقيقة، أنا أبحث عن نوبارا-تشان، لم أعثر عليها في ساحة التدريب.
— أعتقد أنها ذهبت إلى نهر ناكانو، فقد أخبرتني أنها تتدرب على إتقان السويتون.
— فهمت، سأرحل إذن. اعتني بنفسك يا هيكاري-سان.
— أرجوكِ ظلّي! دعيني على الأقل أعد لكِ بعض الشاي.
«عظيم!»
أخرجت الكونويتشي علبة من الكعك من سلّتها وناولتها للسيدة.
— حسنًا إذن، دعينا نتناولها معًا!
ابتسمت هيكاري وأحنت رأسها بتواضع قائلة «سأعود حالًا» قبل أن تختفي.
دون أن تُضيِّع ثانيةً، نزلت هاناكو الدرج إلى الطابق السفلي. وضعت أذنها قرب باب غرفة القراءة، محاولةً التقاط الكلمات المتسربة من خلاله. بدا الرجلان من علو أصواتهما وكأنّهما يتجادلان. لم تتمكن من فهم حديثهما، فألصقت أذنها على الباب وأغمضت عينيها. سمعت صوت تاجيما الغاضب:
— علينا أن نبقى على أهبة الاستعداد، هذا ما قلته!
ردّ هيدياكي بحدة:
— لكن هاناكو ستكون مفيدة لنا. إنها في أفضل موقع للتجسس عليه. ثمّ إنّ هذا هو عملها، سيكون الأمر سهلًا عليها.
— وما الذي يجعلك تعتقد أنها في صفنا؟ كيف يمكنك أن تثق بها بشكل أعمى؟ لو كانت نوبارا، لتفّهمت الأمر، لكن أنت يا هيدياكي!
تشكّلت غصّة في حلق هاناكو. عمّ الصّمت. لكن لا مجال لأن تذهب قبل أن تسمع جواب هيدياكي.
— لستُ أعمى، أنا أعي تمامًا ما أفعله. يُفترض أنك تعرفني أكثر من أي شخص آخر.
— لهذا أنا متفاجئ! هيدياكي الذي أعرفه أكثر حذرًا من أن يفعل هذا. أعلم أنك معجب بها، لكن هل يستحق الأمر ذلك؟ سأعترف لك بأنها جميلة، لكن إن كنت تريد أمًا جيدة لأبنائك فهذا لا يكفي! هاناكو نسخة مصغّرة من آكيرا، بل نسخته الأنثوية، وهذا يجعلها أسوأ، لأنها تفرض سلطتها بلطف. دائمًا ما تحصل على ما تريده بلعب دور الضحية. إنها تجعلك تفعل ما تريده وأنت تعتقد أنك مجبور على ذلك. وستفعل أي شيء لجذب انتباه آكيرا، وهذا لا يعني أنني أكرها... إنها أختي بعد كل شيء، لم أكن أريد أن أقول هذا، لكن يجب عليّ أن أفتح لك عينيك.
وضعت الكونويتشي يدها على صدرها وفتحت فمها لتحصل على نفحة من الهواء. لم تظن أنّ أخاها الأكبر يراها هكذا. لقد أصبح أكثر برودًا معها يومًا عن يوم، لكنها فسّرت ذلك بطبيعته المتحفّظة والصارمة. وقعت كلماته كالجبل على قلبها، صعدت الدرج مترنّحة ممزقة بين رغبتها في سماع إجابة هيدياكي وبين الصرخة التي أمرتها بالاختفاء في مكان ما حيث لا يمكن العثور عليها.
جاء صوت هيكاري من بعيد:
— هاناكو-ساما؟
أسرعت الشابة بالانضمام إلى الخادمة في غرفة المعيشة، حيث كانت طاولة القهوة مجهزة بإبريق من الشاي وطبقان من الكعك.
— آه، ها أنت ذي! ظننت أنك غادرت.
ردّت هاناكو بمرح:
— أنا هنا! لقد كنت في الحمام. الجو بارد اليوم، أليس كذلك؟
— بالفعل، لقد حل الشتاء علينا.
أخذت الكونويتشي رشفة من كوب الشاي الذي قدمته لها الأربعينية. بالإضافة إلى كونها مدبّرة المنزل، كانت هيكاري مربية هيدياكي ونوبارا. بعبارة أخرى: منجم أسرار هذا البيت.
— أخبرتني نوبارا-ساما... بأنك وهيدياكي-ساما ستتزوجان قريبًا. تهانينا، هاناكو-ساما!
— شكرا جزيلًا، هيكاري-سان، لقد كانت بلا شك مفاجأة سارة لسايوري-ساما أيضًا!
أجبرت السيدة نفسها على ابتسامة مصطنعة لم تفلت من تحليل الكونويتشي.
— أجل، طبعًا.
3.
مشت الأوتشيها إلى بيتها تحت السماء الباكية. وبمجرد أن تكوّرت على نفسها تحت ملاءاتها، سمحت لدموعها بالانهمار. وهل تجيد شيئًا غير النحيب؟ هذا هو سلاحها الفتّاك، كما يقول والدها. عبست لانعكاسها الضبابي في المرآة المقابلة لها. متى قد أصبحت الشخص الذي وصفه تاجيما؟
أعادتها ذكرياتها عشر سنوات إلى الوراء، إلى الدوجو في منزلهم. وهي جالسة في وضعية سايزا، شاهدت تاجيما وهو يؤدي حركات كاتا بسيفه. صرخ وهو يشق عدوه الوهمي بكل قوته.
— آني-ساما، أنت بارع!
مسح المقاتل الشاب جبهته بظهر يده وأدار رأسه نحو أخته. قالت متوسلةً:
— هلّا علّمتني هذه التقنية؟
— إنها صعبة جدًا عليكِ. تدربي مع أشخاص من مستواك.
عابسة بطفولية، اقتربت الفتاة الصغيرة من أخيها وأخذت يديه في يديها.
— أرجوك! قال أوتو-ساما أنه يجب أن أكون أقوى من الآخرين. أريد أن أكون قوية مثلك يا آني-ساما.
سحب تاجيما يديه منزعجًا.
— ليس اليوم، عليّ أن أتدرب مع هيدياكي.
لم يكد ينهي جملته حتى امتلأت عينا هاناكو بالدموع. وبدون أي جهد لكبح رعشاتها، انفجرت في وجهه بنبرة عتاب:
— دائمًا ما تقول هذا. هيدياكي يتدرب مع نوبارا ولكنك لا تتدرب معي أبدًا!
— كُفّي عن النحيب، لقد أصبحت لا تطاقين. ما الفائدة من تدريبك؟ أنت ضعيفة، أوتو-ساما لن يرسلك أبدًا إلى ساحة المعركة.
— عار عليك يا تاجيما! إنه خطؤك أنّ هاناكو ضعيفة، أنت لم تعلّمها شيئًا.
وقف آكيرا غاضبًا عند المدخل. أسرعت هاناكو بالتربيت على خديها بأكمام ثوبها.
— أوتو-ساما... لقد قلت أنّها ستصبح نينجا طبية.
— لا أريد سماع أي احتجاج! من الآن فصاعدًا، ستخصص لها حصة كنجوتسو وتايجوتسو يوميًا. هاناكو خاصتنا ستصبح كونويتشي عظيمة!
صاحت مبتهجة:
— أجل، أوتو-ساما!
غادر الزعيم الدوجو، وسرعان ما اختفت ابتسامة النصر من وجه الفتاة الصغيرة أمام غضب أخيها الذي جعلها تندم على توسلاتها. تلقت هاناكو الضربات الواحدة تلو الأخرى دون أن تتمكن من إلحاق أدنى خدش بأخيها حتى كاد يغمى عليها. صرخ عليها:
— انهضي! ليس هذا وقت النّوم.
«إن استسلمت، فلن يدرّبني آني-ساما بعد الآن وسيخيب أمل أوتو-ساما... هيا يا هاناكو، يمكنكِ فعلها!»
أمسكت الفتاة الصغيرة بالكاتانا بيد مرتجفة وركضت نحو خصمها. رفع الأخير ساقه وركل جسد أخته في الهواء قبل أن يضرب الحصير بكامل ثقله.
ونتيجة لهذا النزال، انتهى أمر هاناكو مكسورة الأضلع. كانت الجلسات التالية خيبة أمل كبيرة لها، توصّلت بعدها إلى استنتاج مفاده أنها عبءٌ على أخيها، ولذلك اكتفت بالتدريب مع كاتانا.
مسحت الكونويتشي دموعها التي نهشت خدّيها مثل نهرين من الحمض. إن كان تاجيما مصممًا على التخلص من والدهما، فإنها لم تكن محصّنة من تلقي نفس المصير، فمن الواضح أنّ شقيقها لا يحملها في قلبه. أغمضت جفنيها المتورمين وغطّت في النوم ثانية وروحها ممزقة بين الاستياء والحسرة.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top