1.1. أسرار واعترافات

ملاحظة الكاتبة: عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، مرحبًا! شكرًا على اختيارك هذه القصة. على طول الرواية، ستجدون مصطلحات يابانية أو كلمات لستم معتادين عليها، لذا أرجو منكم الرجوع إلى التعليقات المقابلة لكل فِقْرة للاطّلاع على المعجم. سأضيف أيضًا ملاحظاتي الجانبية هناك وأُرفق صورًا توضيحية في نهاية الفصل. نظرًا أنّ الفصول طويلة، فقد قسمتها إلى جزأين أو ثلاثة أجزاء. أنا منفتحة على كل الآراء، انطباعاتكم وانتقاداتكم البناءة مرحّب بها دائمًا؛ أكثر ما أحبّه على الواتباد هو التفاعل معكم لذا لا تترددوا في الإفصاح عن آرائكم في التعليقات. على أمل أن تنال الرواية إعجابكم، أتمنى لكم قراءة ممتعة!

تشرين الأول (أكتوبر) — ست وعشرون عامًا قبل تأسيس قرية كونوها المخفية

.1

أرض النار – نطاق عشيرة أوتشيها

مُقابِلةً مرآتها، ضفرت هاناكو خصلات شعرها الحالك. حتى في عَتَمَة غرفة نومها المُضاءةِ بخفوتٍ بالفوانيس، برزت الهالاتُ السوداء تحت عينيها، دالّةً على الإرهاق والأرق. ربطت حزامًا جلديًا — ثُبِّتت على وجهه الداخلي حزمة من الشوريكن — حول الأوبي الأحمر لليوكاتا الداكن الذي ترتديه.

أخذت نفسًا عميقًا وجمعت يديها تدعو في صمت. مع أنّها في التاسعة عشرة من عمرها، وقد أتمّت العديد من المهام بصفتها كونويتشي، إلاّ أنّ القلق المصاحب لكل مهمّة ما زال يطاردها. أهو الخوف من الموت أم من المجهول؟ أم أنها ذاكرة الجسد؟ لا علم لها بذلك...

أكثر ما تخشاه هاناكو هو الفشل، أو بالأحرى ردّ فعل والدها جرّاء فشلها. «الأخطاء لا تغتفر. أنتِ ابنة الزعيم، مستقبل عشيرتنا متوقّفٌ على نجاحك من عدمه!»، فلطالما ردّد على مسامعها هذه الكلمات. بمجرد أن غادرت المنزل، انتابها تأنيب الضمير حيال الساعات التي أمضتها تتقلّب في الفوتون بدل النوم. ماذا لو أضعف تعبها أداءها؟ أسوأ من رهبتها من الفشل، شعورها بأنها عبءٌ على الآخرين.

في الخارج، تساقطت خيوطٌ من الغيث على مظلتها الحمراء وهي تركض بين أزقة حي الأوتشيها. حينها بزغ الشفق الوردي مضيئًا مراوح الأوتشيوا — المطلية بالأبيض والأرجواني — التي تزيّن واجهات المنازل الخشبية. لطالما أثار هذا الرمز فضولها...

يوم لقّنها والدها تقنية كرة النار العظيمة، أخبرها أنّ عشيرتهما هي الأعظم في أرض النار: تمامًا مثل المِرْوَحَة التي تزيد اللّهب توهجًا، ولهذا فإنّ سيادة سلطتها أمر محتوم. لم تفقه الكثير مما قاله، فكلمات أبيها غامضة دائمًا. لكن ذلك نمّا فيها، وهي طفلة، فخر الانتماء إلى تلك العشيرة القوية.

حيث انتهت البيوت، خرجت هاناكو إلى سهلٍ أخضر شاسع: مساحة مخصّصة للتّدريب. وهي تعبره باتجاه غابة أشجار الصنوبر العملاقة التي تحدّه، لفت انتباهها صوت تحطّم. حيث صدر الضجيج، وقف شاب نحيف ذو شعر أسود حريري مرفوع، يحمل سيفًا ضخمًا ومحاطًا بأعمدة خشبية مكسورة. أغلقت هاناكو مظلتها وركضت نحوه والابتسامة تعلو محياها. نادته وهي تلوح بيدها:

— أرايا!

— هاناكو؟ أأنتِ في طريقك لمَهمَّة؟

وضعت خُصْلَة خلف أذنها مجيبة:

— أجل. إنها مهمّة سرية، كيف عرفت؟

— أنتِ كسولة! سأستغرب لو رأيتكِ تتدربين أو تتجولين في هذا الوقت المبكّر.

— آه! يا لصراحتك! أهذا سيف جديد؟

ردّ وقد غرس سلاحه في العشب:

— أجل. أحاول التعود عليه قبل المعركة الكبرى. يصعب التحكّم فيه عندما لا يكون الهدف ثابتًا.

— أرى ذلك... لا يبدو عمليًا، كما أنه قبيح!

رفعت مِقْبَض الواغاسا خاصتها كاشفة عن شفرة حادة عكست ضوء الصباح. ضحك أرايا تحت أنفاسه.

— ما هو سوى أداة، مثله مثل الجمال. لا أعتقد أنّ السنجو سيرعبون من رؤية سيفك كما سيذعرون من رؤية سيفي، لكنهم لن يتوقعوا أن تخفي امرأة ذات مظهر ملائكي شيئًا كهذا.

هزّت هاناكو كتفيها. إنه محق. تمامًا كسيفها، مظهرها ليس إلاّ أداةً تستغلها لإنجاز مهامها. فالكونويتشي، عكس الجنديات والممرّضات، يتم اختيارهن لجمالهن، وتكليفهن بمهام التجسس والاغتيال، حيث يتسلّلن إلى أراضي العدو مستعينات بموهبتهن في التمثيل، وقدرتهن على الإغواء.

— لست على خطأ، لكنّ الأشياء القبيحة تظلُّ قبيحةً وإن كانت مفيدة...

— إذن عليَّ أن أكون ممتنًا لكوني وسيمًا، ما كنتِ لتعيريني أيّ اهتمامٍ لو لم أكن كذلك!

هذه الكلمات، التي ألقاها بمزيج من الجدّية والهزل، استبدلت ابتسامة هاناكو بوجه مُتجهّم. لماذا يرى نفسه محض شيء؟

أحضر والدها اليتيم أرايا إلى منزلهم وهو في الثانية عشرة من عمره. ومنذ ذاك الحين، رافقها في العديد من المهام. محلّه في الفريق كان محلّ الدرع.

«أرايا قتل العديد من مقاتلينا الواعدين، من المفترض أن يتم إعدامه! لكن والدك رجل حكيم، فهو يفكّر قبل كل شيء في مصلحة العشيرة. لذا بدلًا من إهدار المزيد من المواهب، أعطيتهُ فرصة للتكفير عن خطاياه عن طريق تكريس حياته. إنه سلاح ودرع العشيرة. ما هو سوى حيوان مفترس علينا ترويضه.»، هذا ما قاله بشأنه. لكن هاناكو لم ترغب في رؤية الأمر على هذا النحو، بل أرادت أن تعدّ أرايا أحد إخوتها. بالرغْم من أنها، عندما سألته عن أفراد العشيرة أولئك، لم يُنكر أنه قتلهم.

حدّقت فيه بمرارة. بشرته البيضاء منقّطة بالنمش على أنفه المستقيم ووجنتيه المحمرّتين، حتمًا بسبب البرد. تساقطت على جبهته العريضة خصلات شعر حالكة واختلطت برموشه السميكة المنحنية. بالرغْم من جمالهما، بدت عيناه الداكنتين، لوزيتي الشكل، فارغتين. لم تعرف كيف سيبدو لو أنّ شفتيه الممتلئتين وذقنه ذي الفكِّ البارز امتدا لرسم ابتسامة سعيدة. لكن في قريرة نفسها، لم تستطع إنكار أنه كان فاتنًا بشكل مشتِّتٍ للعقل، لدرجةٍ دفعتها للتساؤل عمّا إذا كانت ستراه كما يراه والدها، لو لم يكن وسيمًا لذلك الحد. تمتمت قائلة:

— عليّ الذَّهاب قبل أن أتأخر.

— حظّا موفقًا!

أومأت برأسها واندفعت نحو الغابة. تحت شجرة صنوبر عملاقة، وقف ثلاثة أشخاص في انتظارها، رجلان وشابة.

أطولهم رجلٌ ذا شعرٍ شائك، تتدلى خِصْلَة منه على وجهه، وهو شقيقها الأكبر. ذراعاه المتشابكان، وزوايا شفتيه الرفيعتين، وكذا عينيه الضيقتين، أعربت كلّها عن استيائه. تاجيما صارم. غباءٌ منها أن تضيّع دقيقتين ثمينتين لتلقي التحية على أرايا! ما أن وصلت عنده، أحنت هاناكو رأسها متلعثمة بالتبريرات. فردّ عليها بحزم:

— وجهي اعتذارك لـ هيدياكي، فهو قائد هذه المهمة.

— حقًا؟

ابتسم هيدياكي لها. شابٌ في الحادية والعشرين من عمره، طويل القامة، ذا بُنيةٍ عضلية، وشعرٍ قصير مُمَوّج، وعينين مائلتين. صديق تاجيما المقرّب وابن عمِّهما.

لاحظت هاناكو أنّ تاجيما — عكس رفيقيها المحمية صدورهما بالدروع — يرتدي ملابسه المعتادة، هاوري أزرق داكن مع شعار المِرْوَحَة وسروال أسود. فسألته بتردد:

— أهذا يعني أنك لن تأتي معنا، آني-ساما؟

سلّم تاجيما لفيفة إلى هيدياكي وحدّق في أخته مجيبًا:

— كلاّ، الزعيم اختاركِ وحدكِ... أطيعوا أوامر هيدياكي. أنا أخصُّكِ بكلامي هذا يا نوبارا.

نفخت الفتاة خدّيها وقلبت عينيها ذات الرموش الكثيفة. عضّت هاناكو شفتها كابحة الضحك، في حين حافظ هيدياكي على هدوئه المعتاد. نوبارا أخته الصغرى. القوس والجعبة اللّذان تحملهما يقاربان نصف طولها. غير خدّيها الممتلئين، كل شيء فيها رقيق؛ أنفها وفمها وأصابعها. مثل بقية أفراد عشيرتها، شعرها المُمَوّج أسود، مرفوع في تسريحة ذيل حصان تتدلّى على كتفها.

نوبارا بالكاد تبلغ من العمر ستة عشر عامًا، إلاّ أنّها تتمتّع بموهبة استثنائية في القتال. لم يسبق لـ هاناكو أن رأتها عائدةً من ساحة المعركة بإصابة بليغة. الزعيم نفسه اعترف بكفاءتها، ما تسبّب — في وقت مضى — في إضرام نيران الغَيْرَة لدى ابنة عمّها. ولكن تلك المهارة تُنسى بسهولة عندما يتعلّق الأمر بعناد نوبارا واندفاعها، فتلك سماتٌ غير مرغوبٍ فيها في عشيرة تُعدّ فيها القواعد الاجتماعية والسلوكية والآداب العامة منقوشة على الحجر.

أردف تاجيما:

— إن سارت الأمور كما هو مخطط لها، فسيكون كاتانا في انتظاركم في الموقع المشار إليه على الخريطة. والآن، انتشروا!

مع إشارة كبيرهم، انطلق الشينوبي الثلاثة عبر الغابة يقفزون من شجرة إلى أخرى. هيدياكي في المقدمة، هاناكو على يمينه ونوبارا على يساره.

— أتحرّقُ شوقًا للعمل معك، ني-تشان!

ضحكت هاناكو بهدوء وهي تراقب ابنة عمها تقفز بحركات بهلوانية.

— وأنا كذلك. لن نشعر بالملل معًا.

بلى، كانت سعيدة. من الصعب عليها ألاّ تحب نوبارا. مع نضوجها في السن، أدركت هاناكو سخافة غيرتها من ابنة عمّها، في حين أنّ كلاهما تحملان قلوبهما تحت سيوفهما: تتحملان وتجاهدان.

جميع فتيات العشيرة مجبرات على تعلّم التايجوتسو وأساسيات النينجوتسو والشوريكنجوتسو، والحفاظ على لياقتهن البدنية؛ بسبب اعتقادٍ سائد لدى الأوتشيها أنّ الأبوين القويّين ينجبان أطفالًا أقوياء. لكن الفتيات، على عكس الفتيان، لسن مجبراتٍ على الالتحاق بالجيش. بل على العكس تمامًا، يتم تشجيعهن على الزواج، وتربية وتعليم أبناءٍ أقوياء قادرين على القتال من أجل العشيرة.

في زمن الحروب هذا، حيث يُحكم على قيمة العشائر بناءً على قوّة جيشها، نظام التجنيد الإجباري لعشيرة أوتشيها أمرٌ لا نقاش فيه: كُلّ ذكرٍ يبلغ من العمر سبع سنوات ملزمٌ بالالتحاق بالجيش، حيث يخوض تدريباتٍ مُكثَّفَة. اختياره للمشاركة في المعارك وموضعه، مرهون بمهاراته وتقدير القادة له. الجنود الأكثر شعبية يتلقّون مناصب مهمة، في حين يصبح الآخرون تضحياتٍ ضرورية.

الأولياء الذين لا يرسلون فتيانهم إلى الجيش يُلاقون عقوباتٍ صارمة. وفي المقابل، هم يحصلون على تعويضاتٍ مالية عن كلّ صبي يرسلونه، ومكافآتٍ على إنجازاته. لهذا السبب، يتنافس الجنود الأطفال على لفت انتباه القادة. وإن كان ذلك يعني أنهم يواجهون الموت باستمرار.

الأُسر التي ليس فيها أولاد، أو التي ترغب في تحسين دخلها، ترسل بناتها أيضًا. ونظرًا أنّ القادة لا يتوقّعون الكثير منهنَّ في ساحة المعركة ضد أعداءٍ بقوّة السنجو، تتعلّم مُعظمهنّ علاج الجرحى. سايوري، والدة هيدياكي ونوبارا، ورئيسة الوحدة الطبية، تتولى اختيارهنّ والإشراف على تدريبهنّ.

الأكثر مهارةً في القتال يصبحن مقاتلات. بعضهن يشاركن في المعارك كجنديات، كما هو الحال مع نوبارا. في حين تصبح الأخريات كونويتشي. بمعنى آخر: جاسوسات. وهو الحال مع هاناكو.

رغم أهمِّيتهن، للكونويتشي سمعةٌ سيّئة: امرأةٌ بارعةٌ في الخداع والإغواء بعيدة كل البعد عن صورة الزوجة المثالية وفق معايير المجتمع. من المألوف أن يُحكَم على هاناكو، من قِبلِ نساءٍ مصيرهن مختلفٌ عن مصيرها، بالفشل في إنجاز ما يعدّ — باعتقادهن — الرسالة الوحيدة للمرأة في هذا العالم: الزواج والإنجاب. ذلك لم يجرح مشاعرها بل غذّى تعاطفها مع النساء اللّواتي شاركنها المصير ذاته، ونوبارا واحدة منهن.

المعجم

شوريكنجوتسو: تقنيات رمي الشوريكن.

نينجوتسو: حرفيًا تقنية النينجا، يضم هذا المصطلح جميع التقنيات التي تتطلب استخدام التشاكرا، على عكس التايجوتسو الذي لا يتطلب ذلك.

التايجوتسو: تقنيات القتال الجسدي اليدوي.

عبارة «يحملن قلوبهن تحت سيوفهن» تعبير مجازي عن الجهاد والتحمل. يُعرف النينجا بأنهم أشخاص يتحمّلون. تكتب كلمة شينوبي (نينجا) بالكانجي 忍 الذي يمثل سيف وأسفله قلب، ومن هنا جاءت العبارة.

ني-تشان: أختي الكبرى (-تشان مصطلح يستخدم في العلاقات غير الرسمية، بين الصديقات، أو لمخاطبة الأجداد والحيوانات الأليفة والأطفال بطريقة ظريفة أو ودية).

آني-ساما: أخي الأكبر (آني تعني الأخ الأكبر، ساما مصطلح للمخاطبة برسمية واحترام فائق، يستخدم لمخاطبة شخص ذي مكانة عالية أو للتعبير عن احترام كبير اتجاه هذا الشخص).

هاوري: سترة يابانية تقليدية تنزل إلى الوركين أو الفخذين.

شينوبي: نينجا.

أوتشيوا: مِرْوَحَة يابانية تقليدية على شكل مجداف. تشبه رمز عشيرة أوتشيها.

واغاسا: مظلة يابانية تقليدية بمقبض وإطار من الخيزران عليه ورق خاص يسمى واشي.

كونويتشي: امرأة نينجا.

أوبي: حزام الكيمونو أو اليوكاتا.

يوكاتا: كيمونو قطني خفيف، يرتديه الرجال والنساء في الصيف أو عند الاستحمام.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top