~الفصلُ الأوَّل: صيْحَة~

~الثَّاني من شباط سنة2014~

لسْتُ بفتاةٍ عاقَّة و لكنَّني سأقولُ أنِّي ابتُليتُ بعائِلةٍ صاخِبَة تسبِّبُ لي صداعًا نصفيًّا حادًّا مُزْمِنًا

لكنَّ ضجيجَهمْ، و بصفةٍ غير مباشرَة، يولِّدُ بداخلي عزيمةً لا حدودَ لها لأدرُسَ أكثَر...و أتزوَّجَ شخصًا يقاسِمُني نفسَ طريقَةِ التَّفْكير

مثاليٌّ لكنْ ليسَ بالمعنى الحرفي، بل حسبَ معاييري الخاصَّة

قدْ أبْدُو متخلِّفةً أوْ خائِنَة للمرأَة بذكْري للزواجِ، و لكنَّهُ فعلًا الحلُّ الوحيد -لا المثالي- للهربِ من هُنا، و استئنَافِ المسيرَةِ التِّي أحْلُمُ بها

فأنا طالبةٌ في سنَتي الرَّابعة و الأخيرَة في كليَّة الآداب، و أقتلُ نفسي -بالمعنى المجازيي- في سبيلِ الحصولِ على ليسانْس الآدابْ قسم علم النَّفس

إلى اليوْم لم أصدِّق قبولَ أبي بتعلُّمي، لكنَّني أعلمُ أنَّهُ فعلَ ذلكَ لسببَيْن

الأوَّلُ هوَ تخليصُ نفسهِ من نقاشاتي الحادَّة التِّي تنتهي بتعرُّضي لضربٍ مبرحٍ لا يُخْرسُني، بل يرهقُ أطرافَه

و الثَّاني هوَ أنَّهُ صارَ منَ المطلوبِ للزَّواجِ الفتاةُ المثقَّفة...المثقَّفة لا العاملة فحذارِي من الخلط بيْنَهُما

لذلكَ إجابتهُ المعتادةُ عندما أُحاولُ أن أفتحَ معهُ حوارًا عقيمًا حول عملي هيَ «لتُنْهي دراسَتَكِ و سأُعيدُ التَّفْكير»

و ملاحظة هامَّة...'سأُعيدُ التَّفْكيرَ' تعْني الرَّفضَ القاطِع للفِكْرَة

.

.

اليوْمَ كانَ صوْتهُمْ أعلى ممَّا سبق، بصِفةٍ دفعَتْني إلى النهوضِ عن مقْعَدي لا إراديًّا و النُّزولِ إلى الطَّابقِ الأرضيِّ بسرعةٍ للاستفْسارِ عنْ الأَمْر

«أنتِ اصْعدي إلى العليَّة!»

يُشيرُ ناحيَتي بسبَّابَته و ينظرُ إليَّ بعدوانيَّة... حدث هذا ما إن التقتْ عيناهُ بخاصَّتي و دونَ أن أفهمَ شيئًا ممَّا يجْري حتَّى

«أبي ما هذا؟! ماذا تفعَلُ بِرَسيلْ؟ لماذا العائلة مُجتَمِعَة هُنا؟!»

أسيرُ نحوهُ بخطى حثيثَةٍ، أحاولُ أنْ أُخلِّلَ بيْنَ أصابعِ يدهِ الضَّخمَة و خصلاتِ شعرِ أختي الكبرى العاريَة...أمامَ رجالِ العائِلَة

و في الحقيقةِ هي في غنى عن تغطِيَتِها، بما أنَّهُ يكادُ أنْ يقتَلعَها منْ جذورِها

أَنْزلَ منْ أقصى علوٍّ يمكنُ ليدهِ بلوغُها، إلى خدِّي، صفعةً طرحتني أرْضًا..و منَ السفُلِ حاولتُ إدراكَ ما يحدثُ في بيْتِنا

أُمسِكُ بخدِّي الذِّي تخدَّرَ ممتنعةً عن إثلاجِ صدْرِ أبِي بإبْداءِ تعابيرَ على وجْهي تيسِّرُ عليهِ تحليلَ ما يدورُ بخاطري

أنا في الحقيقةِ معتادةٌ على هذا...أتلقَّى ضربًا شديدًا ما إنْ يفوقُ قدرتي على التحمُّلِ حتَّى أضحكَ، و تتجمّعَ الدموعُ بالمحجرينِ لفرطِ الضَّحك لا للتعبيرِ عن الشعورِ بالوجع..ثمَّ تجفُّ قبلَ أنْ تسقي خدِّي الملتهبِ لصفعاته

لستُ بمتصنِّعة بل تلكَ هيَ طبيعتي التِّي تستفزُّه، و هذا ما أجبرهُ في العديدِ منَ الأحْيانِ على محاولةِ الإنصاتِ إلى أفكاري و الردِّ عليَّ بلسانهِ قبْلَ يَدِه

.

أخْوالي و أعْمامِي و أبناءهُمْ و حتَّى رجالٌ آخرونَ لا أعرِفُهُمْ و لكنَّني متيقِّنَةٌ من أنَّ لِكلٍّ منهُمْ فرعًا من شجرة العائلة متجمِّعونَ هُنَا

أمِّي و أُخْتي ترانيمْ هما الوحيدتان هنا من جنسِ الإناثْ، و قدْ تكلَّفتا البُكَاءَ و الصياحَ على أختي الميِّتَة... أو هذا ما تبْعثانهِ إلى النَّفْسِ عند رؤيَةِ حالتهما التِّي اعتَبَرْتُها في قرارَةِ نفْسِي مُزْعِجَة

«أرجوكَ أدْهَمْ! ابنَتُنا لمْ تفْعَلْ شيْئًا! هيَ لمْ تجْلِبْ العارَ للعائِلَة! هذا ظُلْم! و اللَّهِ إنَّهُ ظلمْ! آهٍ يا إلهي! أظهِرْ الحق! أظهر الحق!»

تترجَّاهُ أُمِّي بكَلِماتِها تلْكَ التِّي ستذْهَبُ مهبَّ الرِّيح لا محالَة، و يدْفَعُها هوَ عنْهُ بإهْمالٍ و كأنَّها قذارةٌ تُثيرُ الاشْمِئْزازْ... على مرأى و مسْمعٍ من أخْوالي الذِّينَ لم يحرِّكوا لهُمْ ساكنًا، لأنَّها بالطَّبْع مِلْكُ رجُلِها لا ملْكَهُمْ همْ

يفْتَحُ بابَ المنْزِلِ و يسْحَبُ أُخْتي من شعْرِها خلفَه، يمرِّغُها في الأرْضِ و كأنَّهُ بذلِكَ يغسلُ آثامَها -التِّي مازِلْتُ أجْهلُها- بالتُّرابْ

لكنَّ الضبابَ بدأَ ينْقَشِعُ على حقيقَةِ ما يحْدُث، و بدأْتُ أفْهَمُ أنَّ أُخْتي متَّهمة بفِعْلِ شيءٍ ما يمسُّ عرضَ العائِلَة بسوءٍ، أنَّهُ على أبي عقابُها بأيَّةِ وسيلَةٍ لغسْلِ العارِ -كما يزْعَم- من جِهَة، و ليتَقيَّدَ بحُكْمِ العشائِرِ مستغلًّا الحادِثَة في حلِّ مشاكلهِ معَ العائلاتِ الأخرى من جهةٍ أُخْرى...و بمجرَّدِ تقديمِ قُرْبانٍ صغيرٍ يُثْبتُ أبويَّةَ المُجْتَمَع و حفاظهُ على 'إناثِه'

"جرائِمُ شرَفْ". "قتْل". "انتِحار قسري". "ذكُور"

تردَّدَتْ هذهِ الكَلِمات من قاعِ صدْري، و ارتدَّتْ إلى نقْطَة البدايَة بعدَ اصطِدامِها بجمجُمَتي...تتكرَّرُ عديدَ المرَّات و صوْتُها يعْلو شيئًا فشيْئًا لتُشْعِرَني بأنَّها تُقطِّعُ أعضائِي الداخليَّة دونَ رحْمَة

.

المنْزلُ صارَ خاويًا في لحظاتٍ بينمَا أنا مازلْتُ جالِسةً على الأرْض، ألمسُ خدِّي بأنامِلي و كأنِّي أُحاكِي التَّماثيلَ الرُّومانيَّة بوضعيَّتي تلْك

ما انتشلَني من كابوسِ يقظَتي ذاكَ كانَ صوتُ أُخْتي الصغرى ترانيمْ و هيَ تُمْسِكُ بكتفيَّ و تهزُّ جسَدي لتوقفَ حُمقي بصرختِها

«افْعَلي شيئًا دارينْ! هوَ سيُعاقِبُها لمُجرَّدِ أنَّها ابتسمتْ أمامَ شاشةِ هاتِفِها بسببِ مراسلَتِها لصديقٍ افتراضيٍّ! لقدْ انْتشَلَ هاتِفَها من بيْنِ يديْها و قرأَ ما بهِ دونَ مقاومةٍ منْها! لقدْ خفضتْ رأسهَا أرضًا كالذليلة! المشهدُ كانَ بشعًا! بشعًا بشكْلٍ لا يُصدَّقْ!»

جفلْتُ لكلِماتِها و ارْتعدَتْ فرائِصي، فيبْدو أنَّ أَبي علِمَ بما يدورُ بيْنها و بينَ ابنِ خالِي ريَّانْ...ذاكَ الذِّي يكْرَهُهُ كثيرًا

______________________________________

و انتَهتْ البِداية! 😍😍🔥

آملُ أن تكونَ قدْ نالتْ إعجابكُمْ🙏🙏

ضعوا أسئلتكُمْ و آراءكُمْ هنا⁦❤️⁩

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top