مكعباتُ بناءٍ

كان يا ما كان، في قديمِ الزمانِ. ✨
كان هناك نجارٌ عجوزٌ اسمه «چيبيتو»، وكان العجوزُ يعملُ في صناعةِ الدمى الخشبيّةِ، ولأنّه كان وحيّدًا، كان يعتبرُ تلك الدمى هي عائلتُه. وقد قام بتصنيعِ دميةٍ خشبيّةٍ واعتبرها ابنه، وسمَّاها «پينوكيو»، وكان چيبيتو يعتني بپينوكيو ويتمنّى مِنْ كلّ قلبه أنْ يصبحَ طفلًا حقيقيًّا.

وفي يومٍ مِن الأيامِ ذهب چيبيتو للنومِ وترك الدميةَ پينوكيو في الفراشِ المخصصِ لها، وحينما استيقظَ في الصباحِ وجدَ پينوكيو يتحركُ، كما لو كان طفلًا حقيقيًّا!
فرحَ چيبيتو كثيرًا لأنّ الله استجابَ لدعائه، وأخذَ يعلّمُ پينوكيو كلّ شيءٍ، وقد رأى أنّ پينوكيو يجبُ أنْ يذهبَ إلى المدرسةِ ليتعلّمَ مثل باقي الأطفالِ.

ذهبَ پينوكيو للمدرسةِ كلّ يومٍ مع الأطفالِ، وفي يومٍ مِن الأيامِ وجد عربةَ السيرك تقفُ في الطريقِ، وكانتْ تقدمُ عروضًا بالدُّمى الخشبيّةِ، فأُعجِبَ پينوكيو بالعرضِ وصعدَ على خشبةِ المسرحِ، وأخذ يرقصُ ويغني، فأُعجِبَ الناسُ به كثيرًا وأخذوا يصفقون، وتجمع كثيرٌ مِن الناسِ حوله.

فرحَ صاحبُ السيركِ وأعطى پينوكيو خمسةَ جنيهاتٍ ذهبيّةٍ، وطلبَ منه أنْ يعملَ معه لكنّه رفضَ وقرر العودةَ للمنزلٍ. وبينما هو عائدٌ إلى المنزلِ تبعه قطٌ وثعلبٌ محتالان، أرادا أنْ يستوليا على القطعِ الذهبيّةِ الّتي بحوزتِه، وقاما بربطِه في شجرةٍ وسرقا نقوده وهربا. ظلّ پينوكيو يصرخُ ويطلبُ المساعدةَ فلمْ يسمعه أحدٌ.

كانت هناك جنيةٌ طيبةٌ تعيش بين الأشجارِ، فسمعتْ صراخَ پينوكيو فذهبتْ لتساعده. وسألتْه ما الذي أتى به إلى هناك فأخبرها أنّ والده مريضٌ وأنّه اضطر أنْ يعملَ ليساعده. وجد پينوكيو أنفه الخشبيّةَ تكبرُ وتتمدد، فخاف پينوكيو ونظر إلى الجنيةِ، فأخبرته أنّ هذا يحدث له لأنّه يكذبُ، وستكبرُ أنفه إذا استمرَ في قولِ الأكاذيبِ.

شعر بالخجلِ ووعدها أنْ يقول الحقيقةَ دائمًا. فأخبرتْه أنّه سيتحول لولدٍ حقيقيٍّ إن استمر في قول الصدق. ذهبَ بعدها مع ساحرٍ كان يحول الأطفالَ لحميرٍ ويبيعهم، فهربَ پينوكيو وقفزَ في البحرِ وابتلعه الحوت، وتفاجأ بوجودِ والده أيضًا. فقد قلقَ عليه وخرجَ يبحثُ عنه، شعرَ بالندمِ عندما رأى والده. ولكنّه فكّر في خطةٍ للخروجِ مِنْ بطنِ الحوتِ، فقد وجد شمعةً مع والده فطلب مِنْ چيبيتو أنْ يجدفَ حتى يصلَ إلى أنفِ الحوتِ، وأشعلَ الشمعةَ وقرّبها مِنْ أنف الحوتِ، حتى دخل الدخان إلى أنفه، فعطس الحوتُ بقوَّةٍ فخرجا مِنْ بطنه. وجدّفا بقوةٍ حتى ابتعدَا عن الحوتِ.

عادا وأصبحَ پينوكيو ولدًا صالحًا، فحولته الجنيةُ لولدٍ حقيقيٍّ.
النّهاية.

سيكون الأمرُ ممتعًا لو استطعتُ حبس تلك الجنيةِ واستغلالها. أجل إخوتي، تفكيري بعيدٌ عن قصصِ الأطفالِ لكنني قد أفيدكُم بخبرتي المتواضعةِ فيه.

وبما أنّنا اليوم في فصلنا سنتناول عنصريّ الفكرة والحبكة، ستكون قصّةَ پينوكيو هي مثالنا الحيّ، اتفقنا؟ اتفقنا.

لنتكلم عن الفكرةِ أوّلًا، ما رأيكم بها؟ أكانتْ بسيطةً أم معقدةً؟ احتوتْ أفكارًا ثانويّةً عديدةً أم قليلةً أم لمْ تحتوي؟ عُرِضَتْ الفكرةُ بعددٍ معينٍ مِن الشّخصيّاتِ أم تمّ عَرْضُها بعددِ شخصيّاتٍ مهولٍ لا تحتاجه قصّة پينوكيو؟

كأيّ عملٍ أدبيٍّ يجبُ أنْ تحوي القصّةُ الّتي تكتبها على فكرةٍ واضحةٍ، تعلم كيف ستعرِضُها بالطرقِ الصحيّحةِ، لكنّ ما الفئةِ العمريّةِ الّتي يستهدفها كُتاب قصصِ أدبِ الأطفالِ؟ بالطبعِ الأطفالِ!

لذا حين تخبر طفلكَ شيئًا عليكَ مراعاة أنْ يكون بسيطًا مفهومًا لا يحوي رمزًا معقدًا، في النّهايةِ حين يكونُ هدفكَ طفلًا، ستتجنبُ الأفكارَ الّتي تحضُّ على الكراهيّةِ والعنفِ والتنّمرِ… إلى آخره.

ولأنّنا لا نريد أنْ تكون نهجًا لأطفالنا في تصرفاتِهم وفهمِهم، لنتأمّل معًا قصّة پينوكيو قليلًا، سنرى أنّ الفكرةَ الأساسيّةَ تتحدثُ عن الأبِ الوحيدِ، لكنّها توجهنا تاليًا للفتى الّذي يتعلمُ كيف يكونُ صالحًا، فكرةٌ واحدةٌ، درسٌ واضحٌ، شخصيّاتٌ مُحَبَّبَةٌ، يمكنكَ أنْ تتعاطفَ تجاهها، فمَنْ لن يحبَّ أبًا عجوزًا يشعرُ بالوحدة؟ أو دميةً تتمنى أنْ تكونَ كبقيةِ الأطفالِ؟ ربما أنا، لكنَّ ذلك فقط لأنّني شريرٌ.

كما أنّ القصّةَ رغم كونها خياليّةً فإنّ بناءها قد تمّ على حقائقَ في واقعنا. فمَنْ منكم لم يقع ضحيةَ كذبةٍ نسجها أخوه الصغيرُ أو ابنه مِنْ قبلٍ؟ لذا القصّةُ ببساطةٍ تعلمهم أنّ هذا الفعلَ خاطئٌ بطريقةٍ غير مباشرةٍ.ويضعون لهم مثلًا أعلى ليفهموا أنّ فعلَ ذلك خاطئٌ، ومع مرورِ الوقتِ تتجذرُ تلك الحقيقةُ داخلهم. هل نسيَ أحدكم الدرسَ الّذي سمعه في قصّةِ الحسناءِ والوحشِ منذُ سنينَ؟ عن نفسي لم أفعل، وأعلمُ أنّكم كذلكَ لم تنسوها، وكلّ ذلك لأنّنا أحببنا ما جرى فيها.

وكملخصٍ لمَا قلته في الأعلى، أقولُ أنّ ما نقصده: بناءُ فكرةٍ في أدبِ الأطفالِ تطلبُ بساطةً ووضوحًا، وأيضًا هدفًا نبيلًا يُوجَّهُ للطفلِ، فيفهمه حتّی وإنْ لمْ يعيه بكلّ جوانبِه.

وبما أنّنا أنهينا حديثنا عن الفكرةِ، فقد حان دور رفيقتها المخلصةِ، الحبكة.
ما أجمل حبكة قصص الأطفال! أعني لنراجع قصّة پينوكيو مجددًا. سنجدُ أنّ القصّةَ ركزتْ على شخصيّةِ البطلِ لتدورَ حَولها الحبكةُ، لكنّها أضافتْ شخصيّاتٍ أخرى للصورةِ، وإنْ كان ظهورها ثانويًّا لصنع عُقَدٍ صغيرةٍ توصلنا للنّهايةِ.

فقد واجه پينوكيو صراعًا حال رؤيته للأطفالِ، وشاركَ في عرضٍ للدمى، وارتعبَ بشدةٍ حين حاول أحدهم سرقته، فظهرتْ الجنيةُ، وكوّنه لمْ يتعظْ لأنّ طبيعةَ الإنسانِ هكذا، لا يتعلمُ إن لم يُضرَبْ بصخرةٍ على رأسِه، كان سيتم بيعهُ كحمارٍ. باختصار ما أحاولُ إيصاله لكم، أنّ كلّ تلك الأحداثِ ترابطتْ مع بعضها بشكلٍ متسلسلٍ، دون استرجاعاتٍ أو استباقاتٍ أو حذفٍ وتلخيصٍ، فقط أحداثٌ منطقيّةٌ تشابكتْ لتوصل عدةَ معانٍ مِنْ خلالها.

وغالبًا أو دائمًا تنتهي الحبكةُ بنهايةٍ سعيدةٍ، ورغم أنّ ذلك ليس ما أحبّذه إلّا أنّنا لا يمكن أنْ ندخلَ البؤسَ والحزنَ لقلوبِ عفاريتنا الصغارِ. عُقْدةٌ أو اثنتين وتنتهي الحبكةُ بنهايةٍ سعيدةٍ، لأنّ عقولهم لا تتحملُ مشاكلَ معقدةً وكبيرةً، ولا قلوبهم تتحمل نهايةً مأساويّةً يُقْتَلُ بها بطلُ القصّةِ.

وهذا ما حدث في قصّةِ پينوكيو، فقد فُكَّتْ العقدُ، وانتهتْ الحبكةُ بتحولِه لفتًی صالحٍ تلقى جائزته على ذلك.

لذا إنْ كنتَ تودُّ تكوين فكرةٍ وحبكةٍ لكتابةِ قصّةٍ مِنْ أجل أطفالكَ، عليكَ الاهتمامُ بكون الفكرةِ والحبكةِ بسيطةً، ليستْ معقدةً، وتحملُ موضوعًا توعويًّا أخلاقيًّا، لا يحصل على نتائج سيئةٍ. ولا تقم بتفعيل جانبكَ السّاديّ وتقتلَ البطلَ في النهايةِ، هذا عملي أنا. ✨

أيمكنكمُ ذكرُ قصّةٍ أحببتُموها في طفولتِكم وشرح الفكرةِ الّتي استنبطُتموها منها؟ هل يمكنكم أنْ تخبروني بسببِ حبّكم لهذه القصّةِ؟ كيف كانتْ حبكةُ القصّةِ؟ وما هو المغزى منها في رأيكم؟
بالنسبة لي كانتْ سندريلا، وأقول بكلّ فخرٍ الأمراءُ مملون، أفضّلُ الأميراتِ، ولا يبدو هذا كأمرٍ يجبُ عليّ مشاركتُه لكنّني لا أهتم على أيّ حالٍ.

دمتم بحبٍّ. 💜✨
-آرمي.

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top