فطنةُ أمّيٌّ.

الفصل الثّامن:
العنوان: فطنةُ أمّيِّ.

يُحكى أنّه في قديم الزّمان، عاش رجل مسنٌ في أرضٍ بعيدة جدًا تُدعى بلاد العرب، وقد كان يوفّر قوت يومه عن طريق صيدِ السّمك وبيعه، أحيانًا يقف الحظُّ بصفّه فيصطاد الكثير، ولكن أحيانًا تخذله الحياة فلا يصطاد سمكةً واحدة حتّى.

وفي أحد الأيام بينما كان منغمسًا في الصّيد ويدعو الله أن يوفّقه، فهو للآن لم يحالفه الحظُّ في الإمساك بأيِّ سمكة، شعر بشيء ثقيلٍ عالقٍ بسنّارته، ففرح وظنَّ أنّه الفرج، ولكنّه أصيبَ بخيبةِ أملٍ كبيرةٍ عندما أخرج شبكته ووجد قارورةً نحاسيّة قديمة، وقد تحوّل لونها للأخضر مع مرور الوقت، ولكن لذكاء الصّياد قرّر تنظيفها وصقلها ليبيعها بعد أن يعود لونها البرّاق.

لاحظ فجأة وجود سدادةٍ في فوّهةِ القارورة، وقد انتبه لوجود ختمٍ شمعي يمسك السدادة ويمنعها من السّقوط.
كان صيّادنا أميا، فلم يعرف أنّ هذا الختم يحمل شعارَ عائلةٍ نبيلة، وهو ختمٌ ملكيٌّ لسليمان حاكم بلاد العرب الشّهير، والذي حكم المنطقة منذ ألفي سنة، يجدر بنا ذكر أنّ الصّياد سمع عن هذا الملك العظيم ولكن لم يفعل بختمه الملكي الذي يعني أنّ القارورة يُمنع فتحها منعًا باتًا.

نزع الصّياد الختم وسحب السّدادة الفلّينيّة، وفور فعله لهذا، ظهر طيفٌ سحريٌّ وانتشر حوله، ومع مرور الوقت يزداد حجمه ويكبر إلى أن صار جنيًا كبيرًا، لينظر له الصّياد بصدمة.

في القصص المشهورة المتداولة، كان الجنيُّ طيّب القلب ويمنح لفاتح الزّجاجة ثلاث أمنيات يحقّقها له، ولكن هذا الجنيّ كان نقيض ذلك تمامًا، فقد كان غاضبًا وهدّد الصّياد بقطع رقبته بواسطة خنجره المعدنيّ اللّامع والحاد.

ولكن رغم أميّة الصّياد إلّا أنّه كان ذكيًا كفاية ليتحايل على الجنيِّ ببضع كلمات، فاتّهمه بعدم تصديقه له فحجمه كبيرة والقارورة صغيرة، فكيف دخل بداخلها؟ حجمه ضعف حجمها بعشرات المرّات، فكيف اتّسع لذلك؟

اغتاظ الجنيُّ ليصغر من حجمه ويعود للقارورة، يا له من ساذجٍ كبير! فقد أغلق الصّياد القارورة بالسّدادة مجدّدًا وختمها بالختمِ الشّمعي، ليرميها في البحر ويكون مصير الجنيِّ أنْ يطوف في المحيطات للأبد.

لا حاجة بتاتًا للشّعور بالشّفقة عليه فهو يستحقُّ ما حدث له!

هل استمتعتم بالقصّة؟ أتمنّى أنّكم فعلتم مثلما فعلتُ أنا.
ولكن أثناء قراءتكم لها، ألم تلاحظوا شيئًا ما بارزًا؟ ما هي المشاعر التي انتابتكم أثناء انتقالكم بين كلماتها؟ هل ضحكتم أم تأثرتم؟
هذه القصّة موجهّة خصّيصًا للأطفال الصّغار لكي يستمتعوا بها، ولكن برأيكم ما الذي جعلها مناسبةً لهم؟ هل هذا النّوع من القصص هو الوحيد أم أنّ هناك غيره يمكن للأطفال قراءته؟

أرى الكثير من علاماتِ التّساؤل منتشرةً في وجوهكم، وسيسرّني أن أجعلها تختفي بإجاباتٍ شافيةٍ لفضولكم.

إنّ قصص الأطفال هي أفضل وأسرع وسيلةٍ نُوصل للطّفل من خلالها ما نريده من أخلاقٍ وقيمٍ دينيّة إلى معلومات علميّة أو تاريخيّة، ولا ننسى توجيهات اجتماعيّة وبناءً جزئيًا لشخصيته، وقد اهتمَّ العديد من الكُتّاب في مختلف العصور قديمًا وإلى يومنا هذا بأدب الأطفال، مؤمنين بفوائده العظيمة التي تعود بمنافع كثيرةٍ على الطّفل.

ويجب أن ننوّه إلى أنّ اختيار القصص ضمن هذا الأدب لا يكون عشوائيًا، فطفلٌ في سنِّ الثّالثة لا يقرأ نفس القصص التي تُقدّم لطفلٍ في سنِّ العاشرة؛ وذلك لاختلاف طريقة تفكيرهم ومدى استيعابهم، وكذلك اهتماماتهم واحتياجاتهم، فكلُّ فئةٍ عمريّةٍ يناسبها نوعٌ مختلفٌ من القصص.

أرى بأن معظم البالغين يظنّون أنّ القصص من الفئة التاريخيّة التي تعرُض حكاية الملوك والوزراء من أفضل الأنواع التّي يمكن تقديمها للطّفل، ولكن هل هذا صحيح فعلًا؟ هل الأطفال كلّهم يفضّلون هكذا قصص؟ والسّؤال الأهمُّ هل هي مناسبة لجميع الصّغار؟

يسعدني القول أنّ هذا غير صحيح، لا تتناسب هكذا قصص مع جميع الأطفال، ويجدر التّنويه إلى أنّ السّن المناسب لها هو الأطفال في سنِّ الثّالثة والرّابعة، فيتميّز الطّفل بكونه متزّنٌ نفسيًّا نوعًا ما ومسيطرًا على حركات جسده، نموِّه الاجتماعيّ وارتباطه الشّديد بوالديه كذلك، يميل إلى لفت الأنظار وتقليد من حوله بعد أن يعجب بسلوكه، فينصحُ بالقصص التّاريخيّة ذات شخصيّةِ البطل (الملك) الرّزينة والمحبّة للخير والمبادرة لمساعدة الٱخرين، الصّبورة والذّكيّة، فالطّفل يقتدي بها ويحاول جاهدًا أن يقلّدها ويكون مثلها.

الأطفال كذلك في سنِّ السّادسة، تتأكّد فرديّتهم الجسديّة والعقليّة، يمكن للقصص أن تقع في أيِّ مكانٍ من الأرض وفي أيّ زمنٍ كان، في هذه المرحلة يهتمُّ بمعرفة العالم أكثر واكتشاف الحقائق، لذلك يمكن استغلالها في سرد قصص الأنبياء والرُّسل عليهم، وزرع القيم الأخلاقيّة فيهم بسهولة.

ومن هنا بالضّبط ننتقل للفئة الخياليّة، التي نرى انتشارها في كثير من القصص، فهل يا ترى يستوعب عقل الطّفل هكذا نوع من القصص؟ هل لدى كل صغير القدرة على الغوص في عالم الخيال والاستمتاع به؟

رغم أنّ معظم الفئات تتناسب مع هذه الفئة ولكن ليست كلّها، فنرى الأطفال في سنِّ الخامسة مولعون بحكاياتِ الملوك والأمراء والأميرات التي تنتمي لهذه الفئة، فهم في هذا الطّور يكونون قد تجاوزوا مرحلة التّعرف على عالمهم الحقيقيّ، يصبح خيالهم حرًا وواسعًا أكثر، فيميلون إلى القصص المليئة بالشّخصيّات الغربية والتي تثير اهتمامهم، كالأقزام السّبعة، سندريلا، ذات الرّداء الأحمر وغيرهم الكثير.

لاحظتُ أنّ كثيرًا من النّاس يفكرّون بأنّ قصص الفئة الاجتماعيّة معقّدة وصعبة الفهم على الأطفال، وأنتم ما رأيكم؟ هل تتفقون مع هذا الكلام؟ متحمسة لسماع ٱرائكم حولها.

فحسب ما قرأت تعتبر هذه الفئة مهمّةٌ للغاية في مساعدة الأطفال على الانفتاح واكتساب عدّةِ أخلاقٍ وقيم تربويّة، ونذكر منهم الأطفال في نهاية السّنة الثّالثة من عمرهم، حيث يبدأ خيالهم وقدراتهم في الانفتاح أكثر للعالم الخارجي؛ حيثُ يقوى فكرهم تدريجيًّا ولكن يبقى محصورًا ببيئتهم المحيطة بهم، ويصابون كذلك بأزمةِ تأكيدِ ذاتهم للٱخرين ولنفسهم، وهنا ننتبه لكونهم لا يستطيعون الهروب بمشاكله لعالم الخيال والأحلام، فنركز على احتواء القصص المعروضة عليهم على مجموعة المشاكل التي يمرّون بها، مشاكلَ أخلاقيّةٍ مثلًا مع والديهم أو إخوتهم وفي الرّوضة كذلك، فنريه طرق التّعامل معها مع وضع نهايةٍ سعيدة لإنقاذ الطفل منها.

هنا وقبل النّهاية علينا أن نلقي نظرةً على الفئة الكوميدية، ومن لا يحبّها؟ إذا كنت لا تفعل فأنت مختلٌّ عقليًا! من لا يحبُّ الاستمتاع بالقراءة والضّحك من داخل قلبه؟ عليك مراجعة نفسك يا صديقي.

الأطفال في سنِّ الخامسة والذين ذكرناهم سابقًا، يحبّون قصص الحيوانات المضحكة وهزل جُحا؛ فهم في هذه المرحلة قادرون على إدراك المواقف التي تثير الضّحك بسذاجةِ أبطالها ووقوعهم في سلسلة من المشاكل.

والأطفال ما بين سنتين إلى ثلاث سنوات كذلك، هنا الطّفل لا يزال في مرحلة النّمو الفكريّ، فليس لديه مفهوم واضح عن الزّمان والمكان وعمومًا يتعلّم عن طريق المحاولة والخطأ، يكون مهتمًا باستكشاف بيئة الواقع المحيط به، فيبحثُ عن قصّةٍ قصيرة، أحداثها سريعة وتقع في الزمن الحاضر، فنستغلُّ الفئة الكوميديّة لعرض قصّةٍ ممتعة ومضحكة، تكون شخصيّاتها محصورةً في الأشخاص المألوفين له، والديه وعائلته وكذلك الحيوانات والنّباتات التي تعرّف عليها سابقًا.

إذًا، هل لازلتم تعتقدون أنّ أيّ قصّةٍ ستكون مناسبةً للأطفال؟

كتلخيصٍ بسيطٍ وواضحٍ لما قلته سابقـا، إنّ أهمَّ ما تعتمد عليه القصص لكي تكون مناسبةً للأطفال هي كونها مفهومة ومتناسقة مع عمره، تُراعي مدى نموّه العقليّ واحتياجاته وخبراته وكذلك ما يحبُّ أن يطالعه، فتستطيع القصّة بذلك أن توصل الهدف والمغزى منها بسهولة ويستفيد الطّفل منها.

يجبُ مراعاةُ المواضيع التي يتمُّ اختيارها، فتكون حول خبراتٍ حياتيّةٍ شبيهةٍ بما يمر بها الطّفل مثل علاقاته الأسريّة ومع أصدقائه، يجبُ أن تحتوي على إجاباتٍ أوليّةٍ وتفسيرات لكلِّ ما يتساءل عنه، فتتناول حقائق علميّةٍ، تاريخيّةٍ وما إلى ذلك، يجب أن تثير خيال الطّفل وأن تتناسب مع استيعابه للمحيط المكانيّ والزّمانيِّ من حوله.

أن تكون الشّخصيّات مألوفة بالنّسبة للعالم الخارجي المحيط بالطّفل في حدود استيعابه، أن تكون قليلة كي لا يصاب بالتّشوش، الأسلوب كذلك مهمُّ جدًا؛ فيجب أن يكون قويًا قادرًا على إثارة عواطف الأطفال، أن يتميّز بالتّوافق النّغمي والتّآلف الصّوتي في مقاطع الجمل، وأهمُّ نقطةٍ أن تكون لغته تتماشى مع لغة الطفل، أيْ أن يكون قادرًا على فهم معانيها والتّركيز معها، بسيطة غير معقّدة.

وفي النّهاية أنا أيضًا أريد أن أسمع آراءكم، هل لديكم أيّة ُأفكار أخرى بخصوص هذا الموضوع؟ أيّة اعتراضات أو إضافات عليه؟ أنا متحمّسةٌ جدًا لمعرفة رأيكم.

والآن أرى أنكم راضون وأصبحتم على معرفة تامّةٍ بما يناسب الأطفال من قصص، أتمنّى أنّي أحسنتُ الإجابة على تساؤلاتكم،

كانت معكم العضو تاليا، دُمتم بودٍّ. ✨

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top