خطايا مُبعثرة
في حيٍّ من أحياءِ دمشق الجميلة، كان هناك فتاةٌ تجلس على شرفةِ منزلها ويدور خيالها حول إمكانيّة تحقيق حلمها بالسّفرِ إلى كوريا، لكن وبما تقتضيه عادات دينها «الإسلام» لا يُسمح بسفر الفتاة وحدها إلى أيّ مكان. مرّت الأيّام ونور قد أنهت دراستها الثّانويّة بالفعل، وفي يومٍ ما وهي تتصفّح الإنترنت فإذا بإعلانٍ من وزارة التّربية والتّعليم يظهر أمامها يبشّر بمنحٍ خارجيّةٍ ومن ضمنها دولة كوريا الجنوبيّة! قرأتْ نور الشّروط وكانت جميعها تتوافق مع إمكانيّاتها وأهمّها حصولها على معدّلٍ عالٍ يؤهّلها لدخول كليّة الطّب، ومنه تحقّقُ أمنية أهلها بهذا الأمر الّذي طالما حلموا به ووضعوا آمالهم عليها فيه. مضى الوقت ونور تنتظر، وأتى اليوم الموعود؛ تمّ الإعلان عن نتائج المقبولين وكان اسمها من ضمن تلك الأسماء، فقزت فرحًا وذهبتْ تبشّر أمهّا، نظرت الأخيرة إلى ابنتها بانكسارٍ وقالت: «لا أريد أن أُخيِّب ظنكِ يا ابنتي لكن تعلمين أن أباكِ لن يوافق».
كانت نور ملتزمةً بالدّين، قريبةً من الله، محافظةً على صلواتها ويُضرب بها المثل بالأخلاق الحميدة، عندما ذهبت إلى أبيها رفض رفضًا قاطعًا مع أنّ تكاليف السّفر والدّراسة على حساب وزارة التّربية والتّعليم.
الوقت يمضي ونور ترى حلمها يضيع أمام عينيها، ولكنْ خطرت على بالها فكرةٌ أَلا وهي الاستعانة بخالها في إقناع والدها! وبعد محاولاتٍ جزيلةٍ وافق شرطَ أن يذهب خالها معها طالما أنّه أعزب ولا يوجد وراءه شيء، وهكذا سافرتْ نور إلى كوريا مع خالها وسجّلت في كليّة الطّب. وفي يومٍ ما التقت مع فرقةٍ شهيرةٍ في كوريا إثر دخول أحد أعضاء الفرقة للمشفى وقتما كانت تطبّق فيه، وكان من بينهم شابٌ يدعى جيمين قد لفت انتباهها، ويا للعجب إذ أنّه هو الآخر قد أُعجب بها؛ وهكذا أصبحا يخرجان مع بعضهما مرارًا وتكرارًا إلى أن عرض جيمين على نور الزّواج فوافقتْ دون أدنى تردّد، تزوّجا زواجًا مدنيًّا وعاشا بعدها بسعادةٍ وهناء.
••••
انتهى خوخ من قراءة القصّة مُبتسمًا، يا لها من نهايةٍ جميلةٍ وسعيدة!
تنهّد يُلقي بالهاتف نحو مشمش الّذي كان مشغولًا بكعكة الكريما أمامه.
«انظر! لقد انتهيتُ من قراءة تلك القصّة توًّا على الواتباد، إنّها قصّةٌ روحانيّة».
قالها خوخ لإرضاء فضول مشمش الّذي كان يحملقُ فيه بينما لا يزال متمسّكًا بطبق الكعكِ الخاصّ به.
ثوانٍ مرّت بعدما التقط مشمش الهاتف وبدأ بقراءة القصّة، حتى سمع خوخ صوتَ اصطدام هاتفه بالأرض وبعد ذلك صوت مشمش المستاء يصيح بانفعال: «هذه ليست قصّةً روحانيّة، إنّها هُراءٌ وليست قصّة!»
-«وما الخطأ بها؟» سأل خوخ بهدوءٍ بينما ظهرت على وجهه علامات التّعجب، مُتسائلًا ما الّذي قد أغضب مشمش لهذا الحدّ؟ بينما مشمش عاد ليناظره بيأس.
-«ما الخطأ فيها؟ يجدر بك أن تسأل عن الشّيء الصّحيح بها، جميع العناصر لا تبدو على علاقةٍ بالرّوحانيّة!»
خوخ لا يزال ينظر له بغير اقتناعٍ حتّى سأل: «كيف ذلك؟ هل تختلف عناصر الرّوحانيّة عن عناصر الفئات الأخرى؟»
-«بالطّبع يا خوخ، إنّها تختلف.» قالها بتبسّمٍ قبل أن ينهض متّجهًا نحو خوخ، يرتدي نظّارته الطبيّة بينما التقط كتابًا وقلمًا ليوضّح مقصده.
-«ما رأيك لو نبدأ بالحبكة؟»
سأل مشمش وخوخ أومأ ببساطةٍ بينما لا يزال جالسًا على الأريكة الكبيرة.
-«إذن، الحَبكة في الأعمال الرّوحانيّة تختلف كُليًّا عن الفئات الأخرى؛ فهي في الغالب تكون حبكةً بسيطةً تعرضُ قضيّةً واحدة عن حياة النّفس البشريّة، وتتمّثل فيها المشاهد الّتي يراها الإنسان والآلام الّتي يشعر بها.» أنهى مشمش كلامه وخوخ همهم بفهمٍ بينما كان يفكرّ ثم سأل:
«ألا يمكن أن تكون الحَبكة مُعقّدة؟»
فأجابه مشمش: «بالطّبع! يمكن أن تتضمّن الحبكة عقدتين وأكثر، كأن تعرضَ الحكاية قضيّة النّفس البشريّة مُدمجةً مع قضيّةٍ أخرى ألا وهي وجود قوّةٍ محرّكةٍ وعقلٍ مُدبّرٍ يتحكّم في الحياة والبشريّة، كما وقد تتضمّن أمورًا أخرى كالحبِّ والحرب. ولكن لتكون الحَبكة صحيحةً يجب أن يتمّ دمجها بالطّريقة الصّحيحة، دون محاولةِ إرضاء القارئ أو معارضة الأديان والمذاهب».
همهمَ خوخ بتفهّمٍ وسأل مجّددًا: «وماذا عن البداية؟ لمَ لم تتناسب بداية هذه القصّة مع الرّوحانيّة؟»
-«ذلك أنّ البداية مختلفةٌ في هذه الفئة فلا يجدر بها أن تكون مجرّد موقفٍ عاديٍّ فقط وإنّما مثلًا قد تكون سؤالاً وجوديًّا يشير إلى حيرة النّفس البشريّة بشأن الوجود والأكوان والله والحياة وما يحدث فيها، أو أسئلةٍ فلسفيةٍ عمّا هو الوجود من الأساس، كما ويمكن أن تكون موقفًا روحانيًا بحتًا كحديث المرء مع الله أو الصّلاة له أيًّا كان الدّين المعنيّ. بل وحتّى قد تُصوّر تلاوة القرآن أو الإنجيل المقدّس أو التّوراة… إلخ؛ وذلك ليمهّد الكاتب أجواء العمل للقارئ حتىّى يُدرك لأيّ فئةٍ ينتمي هذا العمل».
-«هكذا إذًا! وهل اختلَّ عنصرٌ آخر يا مشمش؟»
-«أجل بالفعل ألا وهو الصّراع إذ أنّ نوع الصّراع الغالب في الأعمال الرّوحانيّة هو صراعٌ خارجيٌّ بين العادات والتّقاليد والأديان المختلفة، كذلك الظّلم والعدوان اللّذان تواجههما بعض الفئات والأديان كالمسلمين في الهند وبورما، كما وقد يكون بين أشخاصٍ فيما بينهم، تحرّكهم ورؤيتهم للحياة والتّي تكوّنت عن طريق تجاربهم الخاصّةِ. أمّا عن الصّراع الدّاخليّ فيكون بين الإنسان وذاته حول فهم حقيقة الكون وخفاياه مثلاً أو بحثه عن الإجابة لكلِّ تلك الأسئلة الوجوديّة الّتي تشغل عقله».
-«وماذا عن الواقعيّة؟» سأل خوخ مُتعطّشًا للمزيد من المعلومات ولكنّ مشمش حرّك رأسه للجانبين، علامةً على أنّه لا يعلم وقال: «حدّثني عنها أنت يا خوخ».
فأجابه خوخ: «حسنًا يبدو أنّه دوري بما أنّك تعرف حبّي لهذا العنصر بالذّات؛ سأحدّثك عن الواقعيّة في الفئة الرّوحانيّة بكلِّ سرور».
وأردف قائلًا: «الواقعيّة في الرّوحانيّة هي حلُّ التّناقضات والجمع بين الرّوح والجسد؛ لخلقِ إنسانٍ حقيقيٍّ بأبعادٍ واقعيّةٍ تنبض بالحياة، يسعى لإيجاد الحقيقة المطلقة في الذّات والذّات الإلهيّة وذلك ما يسمّى بالخلاص، كذلك التّحدث عن التّجربة الرّوحيّة بكلِّ زواياها وعرض فكرة البعد عن الملذّات الحسيّة والماديّة والبحث وراء الحقائق الرّوحيّة في الحياة وكيفيّة العيش بها، أيّ البحث عن المُراد والسّبب الحقيقيّ وراء الحياة وما يريده الإنسان حقًّا وكذلك في حيرة الإنسان في إذا ما كان مُسيّرًا أم مُخيّرًا، كلُّ تلك زوايا وأبعاد الواقعيّة في الرّوحانيّة.
كذلك في رحلة الإنسان للبحث عن الصّواب وضياعه بين خفايا الرّوح وأسرار الجسد والكون، يجدرُ بالواقعيّة هنا أن تلائم شتّى المعتقدات الدّينيّة والفئات دون أيّ تحيّزٍ لفئةٍ أو معتقداتٍ معيّنة».
أنصتَ مشمش بانتباهٍ لخوخ وما إن انتهى قرّر أنْ يضيف على قوله التّالي: «هذا صحيح! كما ولا تنسى؛ فئة الرّوحانيّة فئةٌ جميلةٌ مليئةٌ بالتّساؤلات التّي تُثير العقل وتجعله يُفكّر كثيرًا ويتنشّط، سوف تأخذك إلى عالمِ الخيال الرّوحيِّ وتحثّك على التّأمل، وتنمية التّفاؤل والأمل في داخلك».
فردّ عليه خوخ بحماسٍ مُنهيًا الحوار مُسترجعًا هاتفه من مشمش: «يبدو أنّي أتّفقُ معك ومع هذا أودُّ البحث عنها أكثر!»
-«كلُّ التّوفيق لك في هذا خوخ».
•••••
في يومٍ ما طلبت زاثورا من القائدة هيرا إجازةً؛ لتذهب في رحلةٍ لمدّة ثلاث أيّامٍ للبحث في الرّوحانيّة عند البوذيّين. وبعد محاولاتٍ كثيرةٍ منها لإقناع هيرا وافقت مقابل صندوقٍ للبيبسي وآخر للوازم عمل كعكةٍ قُبيل ذهابها! وهكذا انتهى المطاف بزاثورا تتجوّل هنا وهناك في أنحاء نيودلهي وتلتقط الصّور لقصر تاج محل -هذه رحلةٌ للتّعرّف على المعابد أيضًا- لكي يساعدها ذلك في كتابة روايتها الرّوحانيّة. وبعد جولةٍ طويلة وصلت زاثورا إلى معبد «كيلاسا» والتقتْ واحدًا من رجالِ الدّين هناك فجلست تسأله عن بوذا ولم يبخل الأخير عليها بمعرفته.
-«بوذا هو مؤسّس الدّيانة أو الفلسفة البوذيّة، ليس اسم علمٍ على شخصٍ بعينه وإنّما هو لقبٌ دينيٌّ عظيم، معناه الحكيم أو المستنير أو ذو البصيرة النّفاذة، وهو الّذي يعلن طريقة خلاص البشر من دائرة الولادة المتكرّرة ولكن أتباعه حوَّلوا تعاليمه إلى مبادئ دينيّةً وألَّهُوه، أمّا عنه ذاتًا فقد كان متسلّحًا بمعرفته الجديدة بيد أنّه كان مُتردّدًا من تعليم النّاس؛ لأنّ ما يعرفه الآن لا يمكن نقله للأخرين بالكلمات، ووفقاً للأسطورة كان ملك الآلهة براهما هو من أقنع بوذا بتعليم النّاس، وفعلًا نهض بوذا من مكانه تحت شجرةِ التيّن البوذيّ وانطلق ليقوم بذلك».
-«كم أنّ هذا رائع!»
أعجبتْ زاث كثيرًا بتلك المعلومات وأخذتْ تدوّنُ كلَّ ما يخبرها إيّاه ذلك الرّجل كون ذلك سيفيدها لاحقًا بلا شكٍّ!
ابتسم لفعلها وتابع قائلًا: «ومن آراء بوذا أنّه كان يرى في الشّهوات الحسيّة العدوَّ الأوّل الذى يحبُّ قهره، لكن وكما رفض المبالغة فى الانغماس فى المتع الحسيّة رفض أيضًا المبالغة في الحرمان ومجالدة النّفس، ونادى بطريقٍ وسط بين هذين الطّريقين المسرفين يوصل إلى «النّرفانا» أو حالة الرّاحة النّفسيّة إذ يقول: كي ينعم الفرد بالرّاحة النّفسية عليه أن يصل إلى حالة الاستنارة أو الحكمة».
وبعد أن قدّم ذلك الرّجل الكثير من المعلومات لزاثورا شكرته بحفاوةٍ وعادتْ إلى الفندق؛ لإعداد أغراضها استعدادًا للعودة إلى مقرِّ النّقد.
بزغ الصّبح مشرقًا ووصلتْ زاث إلى المطار، الطّائرة ومن ثمّ مقرِّ النّقد؛ رحّب بها الأعضاء بحرارةٍ، ثمّ جلستْ تخبرهم بحماسٍ عن شخصيّة بوذا والمعلومات التي في جعبتها عن فلسفته، بُهر الجميع بها واستمعوا لها باهتمام كما وازداد فخر القائدة هيرا بنفسها؛ لأنّها سمحت لها بهذه الرّحلة من الأساس وشعرتْ ببعض الفخر أيضًا بزاثورا وبنشاطها الرّائع! XD
••••••
كان معكم العضو آينور بشخصيّة خوخ والعضو ستيلا بشخصيّة مشمش، كما ونشكر العضو زاثورا والقائدة هيرا لظهورهما كضيفيّ شرف في فصلنا لليوم.
أخيرًا نبارك لعزيزتنا zeinab0n لفوزها بفعاليّة قصص الأنبياء؛ فقد كانت الأسرع والأصحَّ جوابًا، مبارك لكِ عزيزتي، ومبارك لكلِّ من شارك وحاول.
ولا تنسوا أعزّائي فالمنادي قائمٌ بمناداتكم للمشاركة بمسابقة المحراب، عجّلوا قبل أن تفوتكم.
دمتم بودّ. 🤎
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top