بناء العوالم الخيالية 2
كانت آليس تسير في الطّريق المرسوم على الورقة الّتي أعطاها إيّاها التّمساح قبل أن تظهر أمامها بوّابةٌ في منتصف جدارٍ ضخمٌ يبدو كحاجزٍ بين الغابة حيثُ كانت وبين شيءٍ آخر مجهولًا لها، تفتّتت الورقة في يدها ثمّ طار فتاتها إلى البوّابة لتلمع ببريقٍ ذهبيٍّ خافتٍ ثمّ تظهر عليها نقوشٌ شكلها غريبٌ ولكنّها مألوفةٌ بعض الشّيء.
التفتت لصديقها لعلّه يفقه ما الّذي يرونه أمامهم، إلّا أنّه بدا في حالة استغرابٍ تامّةٍ كما حالها. جلست على الأرض بانتظار انفتاح البوّابة ولكن بلا جدوى.
«لا جدوى من هذا، أيعقل أنّ البوّابة مقفلة؟» تساءلت آليس فجأةٍ بصوتٍ عالي أجفل الأرنب الّذي رمش باستغرابٍ ثمّ جلس بجانبها على الأرض ينتظر معها.
«هل من الممكن أن تكون هذه كتابةٌ ما؟ لغز؟!» تساءل الأرنب وهو يحرّك قدميه يمنةً ويسرى مسبّبًا تشويشًا لآليس.
«لا أعرف لغةً تُكتب بهذه الشكل!» هتفت بتذمر.
«ربّما لا تعرفينها، قد تكون لغةً قديمةً أو ما شابه.» تحدّث مجدّدًا بينما ينهض من مكانه الغير مريح.
«لغةٌ قديمة؟» سألت ثمّ راح عقلها يفكّر بكلّ دروس التّاريخ المملّة الّتي كانت تغفو أثناء حصصها.
«لحظة! أيعقل أن تكون هذه هي اللّغة المسماريّة؟» تساءلت بينما تتأمّل البوّابة باستغراب.
«نقوشها تشبه صفًّا من المسامير! أعتقد أنّك محقّة.» هتف الأرنب بسعادةٍ ثمّ حدّق بآليس ينتظرها أن تترجم له المكتوب إلّا أنّها طالعته ببلاهة.
«إنّها الأبجديّة الأقدم في التّاريخ، كيف تتوقّع منّي أن أعرف التّرجمة؟!» سألت بتذمّر لتتحوّل ملامح الأرنب للصّدمة.
تحرّكت البوّابة ليبتسم الاثنان بغباءٍ وكأنّها ستفتح، إلّا أنّها أظهرت ثلاثة بروازاتٍ كلٌّ منها تحوي نقشًا مختلفًا. اقتربت آليس تحدّق بهم بتفكيرٍ ليقترب منها الأرنب متأمّلًا تحليلًا منها.
«من الواضح أنّها اختيارات، سأختار أحدها عشوائيًّا.» همست آليس ليضربها الأرنب على قدمها بتحذير.
«ماذا لو كان اختيارك خاطئًا؟ سنعلق هنا للأبد وقد يأكلنا أحد الوحوش المقرفة!» همس بدراميّةٍ لتقلب عينيها آليس على تمثيله ثمّ تضغط على البرواز الأوّل من جهة اليسار.
اهتزّت البوّابة مجدّدًا ليخبّئ الأرنب وجهه بساق آليس بينما يردّد أنّه سيموت لا محالة.
«مرحبًا بكم في بوّابة الأزمان!» صوتٌ غريبٌ قاطع الأجواء عندما خرجت آلةٌ كبيرةٌ بشكلٍ شبحيٍّ من البوّابة! كان الاثنان يحدّقان به باستغرابٍ كبيرٍ ودهشة.
فجأةً صار للآلة عينين وفم لتضحك بشكلٍ مثيرٍ للرّيبة، اقتربت الآلة بشكلٍ سريعٍ منهما ليجفل الاثنان بخوف.
«أنتما طلبتماني للقدوم، كيف أساعدكما؟» هتف بجملته لتعقد آليس حاجبيها باستغراب.
«ولكنّنا لم نستدعي أحدًا!» استنكرت.
«لقد اخترتماني من بين مطرقة ثور ورجل أوستابيوس البدائيّ، أنا آلة التّرجمة القادمة من كوكب أوكرانيوس في البعد السّابع.» أجابت الآلة لتنظر آليس إلى الأرنب بصدمة.
«أنت تستطيع ترجمة كلّ اللّغات؟» سألت بمكرٍ وهي تراقص حاجبيها.
«أجل، أستطيع ترجمة اللّغز على البوّابة لكما!» تحدّث ليهزّ الأرنب رأسه بمعنى نعم.
«لا وجود لحاضرٍ بلا ماضي، ولا وجود لبناءٍ بدون أساس، اكتب التّاريخ وادخل.» لم تفهم آليس اللّغز ولا حتّى الأرنب، ولكن ظهور اللّوح الخشبيّ مع طبشورةٍ عائمةٍ في الهواء أكّد على أنّه يجب أن يكتبا حلًّا للّغز.
ربع ساعةٍ من التّفكير لآليس بينما الأرنب يعبث مع الآلة يسألها عن ترجمة بعض الكلمات للغاتٍ أخرى.
«سيّد ترجمة!» هتفت آليس لتضحك الآلة بصوتٍ آليٍّ ثمّ يشير لها متسائلًا عمّا تريد.
«أيٌّ من هذه الكلمات هي كلمة التّاريخ باللّغة المسماريّة؟» سألته آليس ليشير إلى إحداها بقلمه الغريب الّذي ظهر فجأةً من العدم.
راحت آليس تعيد نقش الكلمة كما هي على اللوح الخشبيّ تحت نظرات الأرنب المشوّشة.
«لما كتبتِ كلمة تاريخ؟ أليس من المفترض أن تكتبي التّاريخ أي تسجّليه؟» تساءل الأرنب باستنكارٍ بينما ينتظر ردّ آليس الّتي كانت تطالع البوّابة بترقّب.
أضاءت النّقوش على البوّابة بلونٍ أزرق ثمّ أصدرت صوتًا بدا كبوقٍ لباخرةٍ ستبحر، عاد الأرنب لدراميّته بأنّهما سيموتان بينما الآلة فجأةً انحنت لهما باحترامٍ ثمّ اختفت كما جاءت.
توقّف الضّجيج لتعبس آليس، ولكنّ الحزن انمحى بابتسامةٍ ما إن تحرّكت مفصلات البوّابة لتنفتح تدريجيًّا.
«كيف فتحتها؟» سأل الأرنب لتقابله آليس بضحكةٍ قويّة.
«أخبرني أن أكتب التّاريخ فكتبت التّاريخ.» أجابت ببساطةٍ ليحدّق بها الأرنب بفاهٍ مفتوح.
أوّل ما قابلهما خلف البوّابة كان قريةً صغيرةً بدائيّةً بدت وكأنّها من العصور الوسطى، ولكنّ ظهور كلبٍ صغيرٍ بأربعة عيونٍ وذيل ثعلب أجفل الإثنان.
«من التّاريخ تبدأ الحكاية، وعلى مرّ العصور تمرّ» صوتٌ من العدم تحدّث مثيرًا الرّعب في كليهما.
«لحظةٌ واحدة! أنحن بداخل قصّةٍ ما؟» تساءل الأرنب مستغربًا.
«أعتقد ذلك، هيّا لنسير لعلّنا نجد البوّابة ونعبر على خير.» حثّته آليس لينطلق الاثنان بينما يشاهدان سكّان القرية والّذين لسببٍ ما لم يلحظوا الغريبَين، كان سكّان القرية يبدون كالبشر بشكلٍ ما ولكن ببشرةٍ قريبةٍ للأزرق وعيونٍ مطموسةٍ بالأسود لا بياض فيها.
«كانت هذه بداية حكاية أوكتافيوس، المملكة العريقة!» رمشت آليس تطالع الكائن الّذي ظهر من العدم والّذي كان تنّينًا صغيرًا لونه أحمر.
«أنا الرّاوي لهذه القصّة حيث أظهر في نهايتها عندما أكون ضخمًا وقويًّا. أهلًا بالصّغيرة الّتي جاءت برفقة أخٍ لي.» رحّب التنّين بهما مثيرًا بجملته الأخيرة حيرتهما.
«أخوك؟» تساءلت آليس ليضحك التنّين متجاهلًا الإجابة عليها.
«كيف سنعبر البوّابة لننتهي من هذه المرحلة؟» سألت مجدّدًا لتلمع عينيّ الّذي أمامها بلمعةٍ حمراء، بدا متحمّسًا.
«ستبنيان تاريخ مملكة أوكتافيوس! ولكن لأنّك أحضرتِ هذا الجميل معك؛ فسأساعدكما.» أخبرهما عن البداية ليبدأ الاثنان بالتذمّر.
ظهر كتابٌ رثٌّ أمام التنّين صفحاته الأولى ممزّقةٌ ليشير إلى هناك ثمّ يهمس بكلماتٍ مبهمةٍ وتظهر صفحاتٌ بيضاء مكانها تملأ الفراغ.
«ما هي أسس التّاريخ؟» سألها أوّل سؤالٍ لتفكّر آليس قليلًا.
«لغة، أسس اجتماعيّة، أسس ثقافيّة، أسس اقتصاديّة، أسس سياسيّة. هذا ما أعرفه من دروس التّاريخ!» هتفت آليس في نهاية كلامها.
«الّتي كنتِ تنامين فيها.» أردف الأرنب ليضحك التنّين بصخبٍ على جملته.
«أضيفي لكلامك الخرائط والحدود السياسيّة والجغرافيّة. والآن كيف ستبنين تاريخ أوكتافيوس كما ترين من حال هذه القرية؟ أودّ تنويهك أنّ هذه القرية هي العاصمة المستقبليّة للمملكة العظيمة أوكتافيوس.» أخبرها لتستغرب من الحال.
«هل أوكتافيوس ستكون مملكةً كبيرةً في المستقبل؟ علامَ يعتمد اقتصادها؟» سألته آليس ليبتسم بجانبيّة
«أوكتافيوس مملكةٌ ضخمة في المستقبل، تعتمد في اقتصادها بشكلٍ رئيسيٍّ على التّصنيع، خصوصًا تصنيع الآلات الذكيّة. كما وأنّها ذات قوّةٍ عسكريّةٍ مهيبة.» ردّ التنّين وهو يراقب ملامح آليس الّتي تفكّر بجديّة.
«بالنّظر لحال القرية، فإنّ أوكتافيوس لم تكن بتلك القوّة ولا بتلك الضّخامة لفترةٍ طويلة، على ما يبدو فإنّ النّاس هنا فقراءٌ بعض الشّيء يعتمدون على الزّراعة لتأمين قوتِ يومهم! ولكن بالنّظر لهيئة السكّان فأنا أراهم متعاونين بالنّظر إلى تحيّتهم لبعضهم وابتساماتهم الصّادقة وكذلك مساعدتهم لبعض.» همست آليس بينما تحلّل ما يحدث ليهتف لها الأرنب بتشجيع.
«كما وأنّني أعتقد أن أوكتافيوس هي نتيجة اتّحاد بضع قرًى قامت بالاندماج فيما بينها لتصنع مملكةً صغيرة، وسرعان ما راح الحاكم عليها يباشر بتطوير قوّتهم العسكريّة ليحتلّ قرًى أخرى قريبةً بحيث تكون بالقرب من الأنهار لتوسيع الزّراعة، وكلّما كانت تكبر المملكة كانت القوّة العسكريّة تكبر معها حتّى أنّ المملكة غدت تتوسّع على حساب ممالك ومدنٍ لا قرى فقط، وبالنّظر لقوّتها العسكريّة وبراعة أفرادها بالصّناعة فأعتقد أنّهم طوّروا أسلحةً تناسب تكيّفهم، حتّى تحوّلت من مملكةٍ زراعيّةٍ إلى صناعيّة، ومن قرًى صغيرةٍ ضعيفة إلى مملكةٍ بجيشٍ مخيفٍ لا تجرؤ أيّ مملكةٍ على تحدّيها.» تابعت الحديث لتتّسع ابتسامة التنّين أكثر فأكثر بينما يراقب حماسها وهي تشير للأفراد المحيطين بينما تشرح.
«هذا جيّد وماذا بعد؟» تساءل التّنين.
«السكّان يبدون قابلين للتغيّر والتطوّر لذلك لا أعتقد أنّهم متمسّكن بعاداتٍ وتقاليد قديمة، ومع ذلك يكونون أقوياء وذوي عزم، لذلك سنضع في تاريخهم النّضال ضدّ الواقع السّيء وضدّ الظّروف والتّعب من أجل التطوّر.» أكملت بحماسٍ ليبتسم الأرنب برضًا بينما يراقب ملامح التّنين المبشّرة.
«ٍأحسنتِ أيّتها الصغيرة! والآن ما الّذي يهمّ في بناء عالم خياليٍّ إضافةً لما كنّا قد تحدّثنا عنه؟» سألها مجدّدًا لتعبس بتفكير.
«أعتقد برأيي أنّ آخر ما يعمّ العوالم الخياليّة وبنائها هو الرّبط الصّحيح بينها وبين الواقع الّذي يعمل وفقه عقل الإنسان، وبذلك يجب على من يخلق عالم الفانتازيا أن يكون دقيقًا في بناء العالم وتنسيقه وفق منطقٍ يراعي المتفرّج والزّائر له.» ردّت بثقةٍ ليصفّق التّنين بإعجاب.
«ها هي البوّابة السحريّة، والآن أودّعكما.» همس بها قبل أن يختفي وتختفي معه كلّ مظاهر المملكة الغريبة ويغدو المكان صحراءً قاحلة.
ظهرت بوّابةٌ من العدم لينطق صوتٌ مرعبٌ منها.
«ما الرّابط في بلاد الفانتازيا؟» سأل الصّوت بنبرةٍ مخيفة.
«الرّابط هو مخيّلة الكاتب وساعاته الدّقيقة للعالم.» أجابت باختصارٍ لتنتفح البوّابة، كان ما خلفها غير واضح الملامح الأمر الّذي أخاف آليس ولكن ما قاطع تفكيرها كان دفع الأرنب لها ثمّ لحاقه بها عبر البوّابة الجديدة.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top