بناءُ الرّوح
-من فاكهة الصّيف نرى! ثمر المشمش في البستانِ، ما أطيب هذا الثّمر! كم...
-مشمش توقّف!
صاح خوخ بانزعاج، فمشمش يكرّر هذه الأغنية منذُ الصّباح بلا كللٍ أو ملل، تأفّف مشمش وأكمل مسيره بصحبة خوخ، فكلاهما يسيران متوجّهين للسّينما لمشاهدة العرض الأوّل لأحد الأفلام الكوميديّة.
بعد فترة صمتٍ من تأفّف مشمش المستمرّ لمعت فكرةٌ في رأسه، قام بإخراج دفتره الصّغير وقال بحماس:
-خوخ، ما رأيك أن تساعدني في خلق شخصيّةٍ روحانيّةٍ لروايتي الجديدة؟
-نعم بالطّبع، طالما ستتوقّف عن الإزعاج الّذي تسبّبه.
ردّ خوخ مع ابتسامةٍ لصديقه الّذي نظر له بحدّةٍ قبل أن يهدِّئ نفسه ويقول:
-حسنًا ما هي نصائحك لي؟ وما هي الأخطاء الّتي يجب عليّ تجنّب الوقوع بها؟
صمت خوخ لثوانٍ يرتّب إجابته ثمّ قال:
-الشّخصيّات هي الخيوط الّتي تغزل الحبكة، فإذا كانت الشّخصيّة ضعيفةً ستنتج لدينا حبكةٌ مشتّتةٌ وغير منظّمة، لذلك يجب عليك أن تهتمّ بأبعاد الشّخصيّة وألّا تهملها، أتعرف يا مشمش ما هي الجوانب الّتي يجب عليك التّركيز عليها عند خلق شخصيّةٍ روحانيّة؟
-أظنّ النّفسيّ والخُلقيّ!
-ممتاز! ولماذا تظُنّ هذا يا مشمش؟
-لأنّ البُعد النّفسيّ ينقل لنا صراعات وأفكار الشخصيّة الدّاخليّة، وهذا مهمٌّ جدًّا في القصص الرّوحانيّة، فكيف سأتعرّف على الشّخصيّة وأندمج معها ومع الأحداث دون معرفة طبيعة أفكارها؟ فمثلًا هل هي في صراعٍ مع معتقداتها أم لا؟
-أتّفق معك مشمش، فالجانب النّفسيّ مهمٌّ جدًّا ولا يمكن إهماله، وإذا استغلّه الكاتب بطريقةٍ صحيحةٍ سيخدمه ويساعده كثيرًا.
-معك حقّ خوخ، وأيضًا الجانب الخُلقيّ لا يقلّ أهمّيّةً لأنّه يوضّح لنا صفات الشّخصيّة، ويعطينا المبرّر لتصرّفاتها.
-بالضّبط، في الواقع جميع الأبعاد مهمّةٌ ولا يجب إهمالها، ولكنّ غياب هذين البُعدين سيكون فادحًا، والاهتمام بهما سيكون رائعًا.
ضحك مشمش بسخريةٍ وقال: ويا ليت أحدهم يستمع، بل تجد قصصًا الشّخصيّات بها تمثّل المبالغة في الأفعال وردّات الفعل!
قهقه خوخ من انفعال صديقه في نهاية الحديث وردّ:
-أنت محقٌّ تما...
-بالطّبع! أنا مُحقٌّ كالعادة دائمًا.
قاطع مشمش حديث خوخ وهو يضبط ملابسه بغرور، لكزه خوخ في جانبه وصاح: لا تقاطعني!
تأوّه مشمش بصمتٍ من نظرات خوخ النّاريّة، والّذي أكمل: كما كنت أقول قبل مقاطعتي، فهناك الكثير ممّن يفهمون شخصيّات الرّوايات الرّوحانيّة بشكلٍ خاطئ، فإذا كانت القصّة تدور حول صراعٍ روحانيٍّ بين جانبين، لا يجب على الجانب الصّالح أن يكون كاملًا لا يخطئ، ولا على الجانب الآخر أن يكون تجسيدًا للشّر والمساوئ.
-نعم فليكن مزيجًا بين الاثنين؛ لأنه بالنّهاية إنسان، ليس ملاكًا أو شيطانًا.
-ومن الأخطاء أيضًا الشّخصيّة الّتي تفعل عكس ما تقول، فتجدها تتحدّث تذكر الدّين بكلّ كلمةٍ تنطقها؛ ولكنّ أفعالها تكون عكس هذا تمامًا، لذلك يجب على الكاتب أن ينتبه لمعتقدات وأفعال الشّخصيّة ويجعلهم مترتّبان على بعضهما.
أومأ مشمش بالموافقة وهو يدوّن أهمّ الملاحظات في مذكّرته، ثمّ جعّد جبينه فجأةً وقال: حسنًا انتهينا من الشّخصيّات ولكن لم نفعل مع مشكلتي الكبرى، السّرد!
همهم خوخ قبل أن يتكلّم بهدوء: سأقصّ عليك مشهدًا وأنت استخرج منه الأخطاء.
وافق مشمش فابتسم خوخ قبل أن ينطق:
«نظر صاحب الوجه الأبيض البارق والعيون الزّرقاء اللّامعة أكثر من عقد الملكة إليزابيث لوجهها الطيّب؛ وجهها الّذي يشعّ طيبةً، براءةً صدقًا وأمانةً. لقد كانت عبارةً عن نورٍ أبيض يشعّ، نورٌ أبيض مُستخلصٌ من البياض والنّقاء، بينما هو كان فاتنًا له قرنا شيطانٍ وذيلٌ أحمر طويلٌ يملأه الشّر لأنّه ليس إنسانًا، بل إنسانٌ يحكمه شيطانه، مدّ ذيله الأحمر الشّرير بشرٍّ ليصل لشعرها الأبيض النّاعم الّذي يملأه الصّدق والطّيبة وقال...»
-توقّف! يا إلهي، توقّف!
انفجر خوخ بالضّحك عندما سمع صياح مشمش الّذي يشعر بأنّ عقله يحترق من التّخيّل، لمَ كلّ هذه المبالغة؟
-أظنّ أنّ عقلي تفحّم مِمّا سمعه، ما هذا يا خوخ؟
- هذا هو الخطأ الّذي يقع به الكُتّاب بالسّرد يا مشمش، المبالغة بالوصف وتكثيف السّرد، فعندما يتمّ وصف الشّخصيّة أو فعلها يكون هناك مبالغةٌ كبيرة.
-فهمتك يا خوخ، وكمثال فبدلًا من الحديث عن الرّجل ذي اللّحية البيضاء مع علامات التّقوى الّتي تزيّن وجهه المنير كالبدر وعلامات الإيمان ترتسم على ملامحه، فيمكن للكاتب أن يوضّح هذا من خلال أفعاله على مدار القصّة أو أن يقسّموا الوصف على فقرات، فعندما أرى وصفًا يتعدّى العشر سطورٍ لشخصيّةٍ واحدة تلقائيًّا يتملّكني النّفور من القصّة.
- ولكنّ هذا لا يعني ألّا يسردوا الأحداث أو يصفوا الشّخصيّة، بل أن يكون هناك اعتدالٌ في هذا، أن يتجنّبوا حشو الوصف، وأن يبتعدوا عن الشّرح الكثير الّذي يدلّ على نفس المعنى، أن يهتمّوا بالتّشبيهات عند الوصف وألّا يجعلوها مبالغة، ألّا يكون السّرد أكثر من الحوار، ففي النّهاية الكتابة تكون لإفادة القرّاء وإمتاعهم في نفس الوقت.
فتساءل مشمش بتفكيرٍ عميق: ولكن يا خوخ، إن لم أقم بكتابة شرحٍ مفصّلٍ كيف سأتمكّن من إيصال الفكرة للقارئ؟
أجاب خوخ بهدوء: عزيزي مشمش أنت قادرٌ على إيصال المعلومة بشكلٍ سهلٍ عندما تعتمد على كلماتٍ لطيفة، عندما تتّخذ الأسلوب اليسير، تشرح المعلومة على لسان الشّخصيّات باللّطف واللّين، تستخدم مفرداتًا مبسّطة؛ ولكنّ هذا لا يعني أن تجعل النّصّ ركيكًا.
- أيّ ببساطة تكتب المختصر المفيد الّذي يحتاجه القارئ ليستطيع فهم قصّتك بالكامل، بدلًا من الاعتماد على الشّرح المطوّل، والسّرد المكثّف المملّ، فهو لم يفتح الرّواية كي يقرأ جريدة.
- نعم وها نحن قد وصلنا.
تحدّث خوخ عندما رأى مبنى السّينما، دخلا وحجزا التّذاكر واشتريا التّسالي، كان لا يزال ربع ساعةٍ على بدء العرض مِمّا جعل مشمش يقرّر استغلالها، فقال: بما أنّنا ننتظر فما رأيك أن تحدّثني عن الحوار؟ لقد ذكرته منذ قليل.
-العنصر المظلوم تقصد...
-هتف مشمش مقاطعًا: انتظر! سأقصّ عليك مشهدًا قرأته منذ يومين وجعلني أتعجّب. لا أذكر الحوار تمامًا ولكنّ البطل كلّما تنفّس تردّ عليه البطلة بالأحاديث والآيات القرآنيّة؛ فتشعر أنّك فتحت كتاب التّربية الدّينيّة وليس رواية!
ضحك خوخ على حديث مشمش وردّ فعله، أكل بعض الفشار قبل أن يقول: الحوار في الفئة الرّوحانيّة لا يحظى بفرصته، فمثلًا الحوار الدّاخليّ مهمٌّ جدًّا في هذه الفئة ومع ذلك قد نجده غائبًا تمامًا، فالحوار الدّاخليّ ينقل الصّراع والأفكار الدّاخليّة، وهذا يكون مهمًّا ولكنّنا نجد كتّابًا لا يذكرونه بل ويهمّشونه تمامًا.
-ليس هذا فقط خوخ، بل أيضًا تجدهم لا يوظّفون الحوار في موضعه الصّحيح، فيسيطر السّرد على القصّة في مواضع تحتاج لتحاور الشّخصيّات، أعتقد أنّي قد فهمت كلّ شيء، أظنّ أنّ المهمّ في كلّ العناصر الّتي تحدّثنا عنها اليوم هي أن نحافظ على اعتدالها وألّا نبالغ في عرضها.
قال خوخ بسعادة: أحسنت يا مشمش هذا رائع! لقد أصبحت متشوّقًا لقراءة هذه القصّة الّتي ستقوم بكتابتها، والآن لدينا فيلمًا لنشاهده، ولكن قبل أن ندخل سنوجّه سؤالًا لمتابعينا الأعزّاء.
ما هي الأخطاء الّتي ترونها أيضًا في عناصر اليوم؟
هل استفدتم من حديث مشمش وخوخ؟
وختامًا ما هو رأيكم بفصل اليوم؟
سنقرأ إجاباتكم كلّها بعد انتهاء الفيلم، نلقاكم قريبًا.
كان معكم العضو آرا بدور مشمش والعضو سنو وايت بدور خوخ. 💙
دمتم بودٍّ.
Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top