بدايةُ النّهاية

خوف، ظلام، رعب، أشباح، ومصّاصو دماءٍ، هذه بعض المفردات الأساسيّة الّتي تحبس أنفاس قرّاء أدب الرّعب، والّذي تحفل المكتبة الغربيّة والعربيّة بالعديد من إبداعاته.

منها: «فرانكشتاين» لماري شيلي، «سقـوط بيت آشـر» للأميركي إدغار آلان بو، «دراكولا» للأيرلندي برام ستوكر،  «الجثّة الخّامسة» للمصري حسين السيد.

واليوم نحن بصدد التعرّف على بعض العناصر المهمّة في أدب الرّعب والّتي سيتناول شرحها فصلنا هذا.

وهي الحوار، النهاية والصراع؛ إذْ أنّ لكلّ عنصرٍ من هذه العناصر أهميّته ومكانته الخاصّة في عالم الرواية، ولكنّ ما مدى أهميّة كلٍّ منهم تحت جنح فئة الرعب يا ترى؟

بدايةً لدينا الحوار والّذي يعدّ عنصرًا بالغ الأهميّة؛ ويُعزا هذا لكون أفكار الشّخصيّات تُعرض من خلاله وعلى ألسنتهم ذاتًا كما ونتبيّن منه ردود أفعال الشّخصيّات تجاه بعضها البعض بل وإزاء الأحداث والمواقف الّتي تقع على صفحات الحكاية أيضًا.

والحوار يكون إمّا داخليًّا أو خارجيًّا.

أمّا أهميّة الحوار الخارجيّ فتكمن في جعل الشّخصيّات حقيقيّةً وقريبةً من المتلقّي -ألا وهو القارئ بطبيعة الحال- كما ونستطيع من خلاله تطوير الحبكة والصّراع، وبه نكسِرُ طابع الملل إذا حدث وتفشّى في الحكاية بيْد أنّ علينا الانتباه إلى جعل الحوار قصيرًا مختصرًا نوعًا ما؛ فطوله سيزيد من ملل القارئ بدل إبعاد الملل عنه.

ولكنّ ما هي الطريقة المُثلى لبناء حوارٍ مرعبٍ بين الشّخصيّة العاديّة والشّخصيّة المرعبة؟

في البداية لنتّفق على أنَّ الحوار بين الشّخصيّة العاديّة والمرعبة في غاية الأهميّة في قصص الرعب؛ لكوننا نتبيّن من خلاله طريقة تفكير الشّخصيّة المرعبة وهدفها؛ فتتوضّح بذلك الكثير من الأمور الّتي لا يعرفها القارئ عن الشّخصيّة، لكنّ ماذا إن كانت الشّخصيّة المرعبة عبارةً عن كائنٍ غير بشريٍّ مثلًا، كيف سيتمّ بناء حوارٍ بينه وبين الشّخصيّة العاديّة؟ بالتّأكيد لن يستخدموا لغة الإشارة!

وهنا تأتي مهمّة الكاتب، فعندما تكون الشّخصيّة المرعبة بشريّةً، كقاتلٍ متسلسلٍ مثلًا، سيكون من الجيّد خلق حوارٍ بينها وبين الشّخصيّة العاديّة؛ لفهم دوافعها وأسبابها، كجعلها تتحدّث عن ماضيها أو أن نجعلها تخبر ضحاياها قبل قتلهم عن الطريقة الّتي ستستخدمها في سلب حياتهم منهم، كتقطيع الأطراف أو تشويه الجسد... وهلمَّ جرًّا من أساليب القتل الجزيلة المُتاحة أمام القاتل، ولكنّ عندما تكون الشّخصيّة المرعبة غير بشريّةٍ يفضّل ترك الحوار جانبًا والاعتماد على أصواتٍ مرعبةٍ تخرجها هذه الشّخصيّة لتنذر الشّخصيّات الأخرى باقترابها منهم ووصولها إليهم، أصواتٌ تبثّ الرعب في نفوسهم، وترعب القارئ معهم، وهذا لا يعني أنّ وجود هذه الأصوات المرعبة غير مهمّ عندما تكون الشّخصيّة المرعبة من البشر؛ إذْ أنّ من الجيّد وجود هذا الصوت الّذي يميّز الشّخصيّة المرعبة عن غيرها؛ هي تعمل كإنذارٍ يُخبر أن الموت آتٍ لا محالة، فقد وصل مع وصول هذا المرعب الّذي يتربّص حولك ويسعى ليسلبك أنفاسك.

أمّا عن الحوار الدّاخليّ فهو حوارٌ يدور بين المرء ونفسه، ويُقسم إلى قسمين أحدهما الحوار المباشر، حيث تتحدّث الشّخصيّة مع نفسها، والآخر هو الحوار غير المباشر، وهنا يندمج الحوار بالسّرد بشكلٍ متقنٍ، وهذا يتواجد عندما يكون الرّاوي بصيغة الأنا، ويتحدّث بلسان الشّخصيَّةِ نفسها.

والسؤال هنا ما هي أهميّة الحوار الدّاخليّ عند الشّخصيّة العاديّة؟
إنَّ الحوار الدّاخليّ ضروريٌّ لانعكاس العلاقة بين الشّخصيّات، فهو يعكس مكنوناتها ودواخلها كما ويعبّر عن أفكارها الدّاخليّة ويُوضح جانبها النفسيّ.

اقرأ الآتي: «الصّراع»
عند قراءة هذه الكلمة تدور الكثير من الأسئلة داخل العقل، فما هو الصّراع؟ وما أنواعه؟ وما أهميّته في قصص الرعب؟

لنبدأ أوّلًا بتوضيح معنى الصّراع، والّذي نستطيع التّعبير عنه بكلمةٍ واحدة، وهي الصّدام بين قوّتين، إمّا أن تكون هذه القوّة ماديّةً أو معنويّةً، فالماديّة هي صراعٌ بين شخصين، أو جيشين... والمعنويّة هي صراعٌ بين الإنسان وأفكاره، أو بينه وبين شهوته…

والصّراع إمّا خارجيّ، وهو متعدّد؛ كالصّراعِ بين الخيرِ والشرّ مثلاً، أو داخليّ، كالصّراع بين المرء ونفسه، أو بين العقل والقلب.

ولكنّ كيف نستطيع إبراز الصّراع في قصص الرعب؟

قم بخلق الأحداث المرعبة، قدّم بعض التلميحات خلال ذروة الرعب في القصّة عن طريق توضيح بعض الأدلّة أو التّفاصيل الصغيرة، مثل كلماتٍ مكتوبةٍ على ملصق زجاجة سوف تقع في يد البطل فيما بعد أو صوتٌ غامضٌ في غرفة يشير فيما بعد لحدثٍ غير طبيعيّ أو بندقيّة داخل وسادة سيستخدمها بطل القصّة فيما بعد.

قم ببناء التوتّر لدى القارئ والشّخصيّة على حدٍّ سواء، عن طريق المناوبة بين الأحداث المشوّقة الغريبة إلى اللحظات الهادئة الّتي يستطيع خلالها بطل القصّة الشعور بالراحة والتقاط أنفاسه، بل والشعور بأنّه وأخيرًا تمكّن من تجنّب الخطر واعتقد أنّه في أمان، ثم أظهر الخوف مرّةً أخرى عن طريق وضع الشّخصيّة في مواجهة الخطر مجددًا، لكنّ بزيادة الخطر والتّهديد المحيط فيضطرّ البطل هذه المرة للمواجهة المباشرة مع الخطر، أيًّا كان نوعه، أوجد ردود أفعال الشّخصيّات، ونزاعها المستميت للنّجاة بحياتها، اجعل الشّخصيّة الرّئيسيّة تحاول حلّ المشكلة أو مواجهة المخاوف الّذي كانت تهرب منه، حاول جعل هذه الأشياء السيّئة الّتي ستحدث بمثابة الوقود الّذي يدفع القارئ ويجذبه نحو القصّة، يمكنك أن تمنح الشّخصيّة لحظةً يدرك فيها ما يحدث ويستوعب الأمر ويقوم فيها بجمع خيوط الأحداث ليدرك حقيقة الصّراع ويفكّر في كيفيّة الخروج من الخطر. لكنّ لا يمكن أن تأتي تلك اللحظة دون مقدّماتٍ، بل يجب أن تهيّئ لتلك اللحظة بشكلٍ جيّدٍ يعتمد على تجميع النتائج ومشاهدة التّفاصيل، وربما ربط التّفاصيل ببعضها أكثر من مرّة، حتّى تتجلّى تلك اللحظة داخل عقل بطل قصّتك في أوجّ صراعه المرعب.

وختامًا، كيف نستطيع كتابة نهايةٍ مناسبةٍ لقصص الرعب؟
الجميع يكون متشوّقًا لرؤية نهاية القصص الّتي يقرأها، أو حتّى الأفلام الّتي يشاهدها، منذ لحظة بدايتها، هذه اللحظة الّتي يكتمل عندها المشهد بأكمله، حيث يبلغ القارئ الهدف والغاية من القصّة، ولكنّ ما هي النّهاية الأنسب لقصص الرعب، هل هي النّهاية المغلقة، أم النّهاية المفتوحة؟

مع وجود النّهاية المغلقة نجد أنَّ أحداث القصّة قد توضّحت بالكامل، ولكنّ هل هذا مناسبٌ لقصص الرعب؟ أم أنّ من الأجدر ترك النّهاية مفتوحةً؟ وجعلها غير متوقّعة بالنّسبة للقارئ، وتركه يطلق العنان لخياله في توقّع النّهاية؟

اجعل النّهاية غير متوقّعة. يمكن للحبكة الجيّدة للقصّة والانحرافات الدراميّة غير المتوقّعة أن تجعل القصّة عظيمةً، ويمكن لها أيضًا أن تقضي على قصّتك تمامًا، لذلك فهو عنصرٌ مهمٌّ جدًّا ويجدر بك وضع نهايةٍ جيّدةٍ تقوم بربط كلّ الخطوط ببعضها وتجيب عن كلّ الأسئلة بالنّسبة لكافة الشّخصيّات الموجودة في القصّة، لكنّ يجب على تلك الإجابة المفاجئة غير المتوقّعة أن تتسبّب في إثارة سؤالٍ رئيسيّ لن تقدّم له إجابة وذلك لإثارة خيال القارئ وربط تفكيره بأحداث القصّة حتى بعد نهايتها.

سترغب بالتّأكيد في أن تكون النّهاية مُرضيةً لقرائك، لكنّ يجب أيضًا ألًا تكون نهايةً واضحةً تمامًا تدفع القارئ إلى ترك الكتاب دون أن يساوره شعورٌ بالشكّ أو حتّى الرغبة في إعادة التّفكير فيما حدث بالقصّة.

وتبقى رواية الرّعب صوتًا قادمًا من عواطفنا الدّفينة، ومن أفكارنا الضّبابية، ومن ذكريات طفولتنا، صوتٌ يحثّنا على محاربة قوى الشرّ، والموت، والظلام لأجل الحياة والخير والجمال.

تمّت كتابة الفصل من قِبل العضو سنو وايت.

دمتُم بودّ. 🤎

Bạn đang đọc truyện trên: AzTruyen.Top